المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من المسؤولعن كراهية الأجيال الجديدة للغة العربية - مجلة البيان - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌من المسؤولعن كراهية الأجيال الجديدة للغة العربية

‌مَن المسؤول

عن كراهية الأجيال الجديدة للغة العربية

؟ !

منصور الأحمد

إذا كنت من محبي هذه اللغة، ومن الذين يجعلونها همهم في الليل والنهار؛

فلا شك في أن همك سيزداد، وشعورك بالقلق سيتضاعف وأنت ترى حال هذه

اللغة العظيمة وقد انحدرت على ألسنة أهلها وأقلامهم إلى مستوى لا يسر.

تُرى، ما الذي أدى بورثة هذه اللغة (ولا أقول: بهذه اللغة) إلى أن وصل

حالهم إلى أن لا تواجه طالباً ولا دارساً إلا شاكياً من تعلُّمها، ناعياً على مدرسيها،

مفتخراً بأنه كان لا يعيرها بالاً حينما كان على مقاعد الدراسة؟ !

وعندما تسترعي انتباهه إلى خطورة ما استهان به يواجهك بإحدى اثنتين، أو

بكليهما معاً:

* باعتذاره بصعوبتها، وتعقيد نحوها وصرفها، وجفاف أسلوب تدريسها.

*أو بهز كتفيه غير مبالٍ بما تقول، وبالتثقل من هذا الموضوع الذي تطرحه

معه!

ومع أن مناقشة مثل هذه القضية تحتاج إلى مدى أوسع، وعلم أغزر، ومجال

غير هذا المجال، ولكن لا بأس بأن نقول فيها وجهة نظر لعلها تبعث الغيرة

وتستنهض الحرص والنظر بجد إليها.

هناك مشكلة، وهى جهل الكثير من الأجيال الجديدة من المتعلمين بلغتهم،

وهذا ملاحظ لا يُنكر. ويتفرع عن هذه المشكلة أمر آخر - وهو الأشد خطراً -

وهو الكراهية لهذه اللغة بحجة أنها صعبة ومعقدة، ونكران ذلك تجاهل للمشكلة،

وهروب من مواجهتها.

وإذا حللنا المشكلة إلى عناصرها لمعرفة الحل فإننا يجب أن نبحث في ثلاثة

عناصر: المدرّس، والمنهج، والطالب، وكل عيب في واحد من هذه العناصر

يساهم بقدر من المشكلة.

* أما المدرس فإن إعداده إعداداً كافياً ومنتجاً يتطلب تغيير الأسس المعمول

بها في طول العالم العربي وعرضه في معاهد المعلمين وفي الجامعات من أجل

تخريج المعلم، وإقامة نظام تعليمى يشعر معلم اللغة العربية بقيمته وأثره، وذلك

باختياره وإعداده وتوجيهه لهذه المهمة في وقت مبكر، وعدم إشغاله بدراسة أو

تدريس معلومات تصرفه عن المهمة الرئيسية التي صرف إليها.

* وأما المنهج فإن النظر يتعلق بإعداده ثم تطبيقه، والمناهج الموجودة -وإن

لم تكن على مستوى عالٍ من التركيز - لو طُبقت ونُفذت بشكل جدي لكانت النتيجة

أفضل مما هي عليه الآن. ومن خلال التجربة يلاحَظ أن العمل الحالي في كثير من

البلدان العربية في تطبيق مناهج اللغة العربية - هو بعيد عن الجدية في التطبيق؛

حيث إن جهد المدرس المسكين يُستنفد في عمليات حسابية (جمع وضرب وتقسيم

درجات الامتحانات) هي أبعد ما تكون عن نفع الطالب أو إضافة أي مردود إلى

تكوينه العقلي.

وإن مهندسي هذه العمليات الحسابية هم من المهارة والحرفة بالقدر الذي يجعل

أبلد الطلبة وأبعدهم عن فهم العربية يقتنصون (أو تُقتنص لهم) درجة من هنا

ودرجتين من هناك بفضل هذه الحيل الحسابية مع أنهم غير قادرين على كتابة فقرة

صحيحة!

* وأما الطالب فإن مشكلته أعمق وأكثر تعقيداً، فالهوة متسعة بين اللغة التي

يتعلمها والمجتمع الذي يعيش فيه، فكل ما حوله ناطق بلغة غير صحيحة:

المدرسون (بمن فيهم مدرسو العربية) والبيت، والراديو، والتلفزيون، والشارع

فكيف يستطيع هذا الطالب أن يسبح ضد التيار ويتقن لغة تلقى مثل هذا الإهمال

والجحود والاستهانة؟ ! ، وكيف يقتنع بفائدة ما يتعلمه وهو لا يجد له تطبيقاً معقولاً

على ألسنة المتعلمين؟ !

لابد من النظرة الجادة التي تتفحص العوائق والأسباب التي تغرس الكراهية

لهذه اللغة والبعد عنها، وإلا فإن هذه الكراهية العملية (ودعْنا من الخطب والإنشاء

في الإشادة بهذه اللغة وعبقريتها) سوف تؤدي إلى دفنها، ويوم تُدفن هذه اللغة فاقرأ

على هذه الأمة السلام!

ص: 67

قراءات تاريخية

العلماء والأمراء

الكامل لابن الأثير 10/151

وفيات الأعيان 5/28

كان أبو عبد الله المعتمِد محمد بن عبَّاد أعظم ملوك الأندلس من المسلمين

وكان يملك أكثر البلاد مثل قرطبة وإشبيلية، وكان يؤدي إلى (الأذفونش) ضريبة

كل سنة، فلما ملك الأذفونش طليطلة لم يقبل ضريبة المعتمد وأرسل إليه يتهدده

ويقول له: تنزل عن الحصون التي بيدك ويكون لك السهل، وكان رسول

الأذفونش في جمع كثير كانوا خمسمائة فارس وأحضر ابن عباد الرسول وصفعه

حتى خرجت عيناه وقتل كل مَن كان معه ولم يسلم منهم إلا ثلاثة نفر؛ فعادوا إلى

الأذفونش فأخبروه الخبر، فبدأ بالاستعداد للقتال.

وسمع مشايخ قرطبة وفقهاؤها بما جرى ورأوا قوة الفرنج وضعف المسلمين

واستعانة بعض ملوكهم بالفرنج على بعض، اجتمعوا وقالوا: هذه بلاد الأندلس قد

غلب عليها الفرنج ولم يبقَ منها إلا القليل، وإن استمرت الأحوال على ما نرى

عادت نصرانية كما كانت. وساروا إلى القاضي عبد الله بن محمد بن أدهم فقالوا له: ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصَّغار والذلة، وعطائهم الجزية بعد أن كانوا

يأخذونها، وقد رأينا رأياً نعرضه عليك، قال: وما هو؟ ، قالوا: نكتب إلى عرب

إفريقية ونبذل لهم، فإذا وصلوا إلينا قاسمناهم أموالنا، وخرجنا معهم مجاهدين في

سبيل الله، فقال: المرابطون أصلح منهم وأقرب إلينا. قالوا له: فكاتبْ أمير

المسلمين وارغب إليه ليعبر إلينا. وقدِم عليهم المعتمد بن عباد وهم في ذلك فعرض

عليه القاضي ابن أدهم ما كانوا فيه، فقال له ابن عباد: أنت رسولي إليه في ذلك.

فسار إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين فأبلغه الرسالة، وأعلمه ما فيه المسلمون

من الخوف من الأذفونش.

وكان أمير المسلمين بمدينة سبتة، ففى الحال أمر بعبور العسكر إلى الأندلس

وأرسل إلى مَرَّاكُش في طلب مَن بقي من عساكره، فأقبلت إليه تتلو بعضها بعضاً،

فلما تكاملت عنده عبر البحر وسار، فاجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية، وتسامع

المسلمون بذلك فخرجوا من كل البلاد طلباً للجهاد.

ووصلت الأخبار إلى الأذفونش فجمع فرسانه وسار من طليطلة، وكتب إلى

أمير المسلمين كتاباً يغلظ له القول ويصف ما عنده من القوة والعدد، فكتب يوسف

الجواب في ظهره: (الذي يكون ستراه!) وردّه إليه فلما وقف عليه ارتاع لذلك

وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم ثم سار الجيشان والتقيا في مكان يقال له

(الزلَاّقة) من بلد (بطليوس) وتصافّا، وانتصر المسلمون وهرب الأذفونش بعد

استئصال عساكره، ولم يسلم معه سوى نفر يسير وذلك يوم الجمعة في العشر الأُول

من شهر رمضان سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وأصاب المعتمد جراحات في وجهه

وظهرت ذلك اليوم شجاعته وغنم المسلمون كل ما لهم من مال وسلاح وغير ذلك،

ورجع الأمير يوسف إلى بلاده، والمعتمد إلى بلاده.

الصيد الثمين عند الباطنية

في قلعة (آلموت) بالقرب من بحر قزوين كان رئيس الباطنية حسن الصباح

يرسل رجاله المجرمين الذين أغواهم بفردوسه وغفرانه - يرسلهم وفي يد كل واحد

منهم مُدية حادة لاغتيال شخصية سنية مهمة؛ لأن أقصى أمانيه هو القضاء على

أهل السنة، وقد ربى رجاله على الطاعة العمياء، فما إن يأمر بتنفيذ مهمة حتى

يبادر إليها من يظن أنه يقوم بعمل صالح. وأول صيد ثمين نفذ فيه حسن الصباح

إجرامه هو الوزير القدير نظام الملك الحسن بن علي وزير الملك السلجوقي ألب

أرسلان، وكان من عقلاء الرجال وأفاضلهم وهو الذي تنسب إليه المدرسة النظامية

في بغداد، وكان على علم بأباطيل الباطنية وخطرهم على الإسلام وقد بدأ بإعداد

العدة لمهاجمتهم والقضاء عليهم، وقد قتل أحد رؤساء حلقاتهم؛ ولذلك قرروا قتله

وهذه رواية كتبهم -لعنهم الله-:

(نصب سيدنا (حسن الصباح) فخاخه وأحابيله لتمسك في شباك الموت الفناء قبل كل شيء بصيد ثمين مثل نظام الملك وبهذا الصنيع أصبحت شهرته وسمعته

عظيمة وقال: مَن منكم سيخلص هذه الدولة من شر نظام الملك الطوسي، فوضع

رجل يدعى أبو طاهر الأراني يد القبول على صدره، وفي ليلة الجمعة في الثاني

عشر من رمضان لسنة 485هـ وفي منطقة نهاوند جاء بزي صوفي إلى نظام

الملك الذي كان محمولاً من مكان العامة إلى خيمة نسائه وضربه بسكين، ونظام

الملك هو أول رجل قتله الفدائيون.. وقال سيدنا: إن مقتل هذا الشيطان هو بداية

الغفران) [1] .

كانت هذه بداية سلسلة طويلة من الإجرام الباطني طال زعماء أهل السنة من

علماء وملوك حتى إنه ما من أمير أو قائد من قواد الدولة السنية إلا وخشي على

نفسه وأخذ الاحتياطيات اللازمة.

(1) برنارد لويس: الحشيشية نقلاً عن المؤرخ رشيد الدين، 62.

ص: 69