الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
الفاتيكان والقضية الفلسطينية
تهويد (الكاثوليكية) إرضاءً لإسرائيل..!
…
...
…
...
…
...
…
...
…
محمود سلطان
كانت حركة الإصلاح الديني البروتستانتي التي أسسها الألماني (مارتن لوثر)
في القرن السادس عشر أول حركة اضطلعت باستكشاف الأفكار الصهيونية المتعلقة
باستعادة ما يسمى: (الأمة اليهودية) واستعادة فلسطين (وطناً لليهود) ؛ إذ كان
لوثر أول من دعا عام 1523م في بداية حياته إلى دراسة اللغة العبرية، وركز
على دور التوراة في الحياة المسيحية، وفضل المبادئ اليهودية البسيطة على
تعقيدات اللاهوت الكاثوليكي، حتى وُصفت حركته بأنها (بعث عبري) أو
…
(يهودي)[1] تولدت عنه وجهة نظر جديدة عن الماضي والحاضر اليهودي وعن
…
مستقبله بشكل خاص، مهدت الرأي العام الغربي خاصة في إنجلترا، ثم في
الولايات المتحدة فيما بعد إلى أن يقبل التفسير اليهودي للعهد القديم، خاصة التفسير
القائل بارتباط زمن نهاية العالم بعودة المسيح الثانية، وأن هذه العودة مرتبطة
بمُقدمة تشير إلى عودة اليهود إلى فلسطين [2] .
وإذا كان (لوثر) قد عبَّر في المرحلة الأخيرة من حياته عن كرهه لليهود،
وألَّف عام 1544 كتابه (فيما يتعلق باليهود وأكاذيبهم) وطالب بطردهم من إنجلترا
فإن هذا المطلب كان الهدف منه وكما كشف ذلك لوثر نفسه هو حثهم على العودة
إلى ما أسماه (أرضهم يهودا فلسطين)[3] ولقد اعتذر أتباعه بعد مرور نحو
(400)
عام على ما ورد في مؤلفاته الأخيرة من تعبيرات (فظة وقذرة) بشأن
اليهود، وذلك عندما اجتمع الاتحاد العالمي للوثريين في 11-7-1983م، في
مؤتمر عقد في (استوكهولم) في السويد، وأعلن الحاضرون عن (عدم التزامهم
بكل ما صدر من لوثر بشأن اليهود) وفي الشهر نفسه عقد نحو 1100 شخص
يمثلون أكثر من 2.7 مليون لوثري أمريكي (رؤساء الكنيسة اللوثرية الأمريكية)
…
مؤتمراً في مدينة (سانت لويس) وأعلنوا عن أسف اللوثريين وعدم علاقتهم
بالملاحظات المتطرفة التي سبق لمارتن لوثر أن أبداها تجاه اليهود [4] .
وإذا كانت الكنيسة البروتستانتية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة
الأمريكية لا زالت على موقفها المؤيد لمخططات اليهود في فلسطين بدعوى أنها
إحدى علامات قرب العودة الثانية للمسيح؛ فإن الفكر الكاثوليكي التقليدي قبل عهد
الإصلاح الديني لم يكن فيه أدنى مكان لاحتمال العودة اليهودية إلى فلسطين، أو
لأية فكرة عن وجود (أمة يهودية) وكان يُعتقد أن الفقرات الواردة في التوراة
وبخاصة في العهد القديم التي تشير إلى عودة اليهودة إلى (وطنهم) لا تنطبق على
اليهود؛ بل على الكنيسة المسيحية مجازاً.
أما اليهود فإنهم طبقاً للعقيدة الكاثوليكية الرسمية اقترفوا إثماً فطردهم الله من
فلسطين إلى منفاهم في بابل، وعندما أنكروا أن عيسى هو المسيح المنتظر نفاهم
الله ثانية، وبذلك انتهى وجود ما يسمى (الأمة اليهودية) إلى الأبد، ولذلك فليس
لليهود مستقبل قومي جماعي؛ ولكن باعتبارهم أفراداً، كما يعتقد الكاثوليكيون
يستطيعون أن يجدوا الخلاص الروحي (بارتدادهم إلى المسيحية) .
أما النبوءات المتعلقة بعودة اليهود فإنها كانت تُؤَوَّلُ على أنها عودة
الإسرائيليين من المنفى في بابل، وأنه تحقق ذلك في القرن السادس قبل الميلاد
حين أعادهم (قورش) إلى فلسطين [5] .
ولذلك ظل التناقض قائماً بين الحركة الصهيونية منذ مؤتمر (بازل) عام
1897م والعقيدة الكاثوليكية بمركزها الديني في الفاتيكان.
وقد أكد على ذلك البابا (بيوس العاشر) في لقائه مع الزعيم الصهيوني
(هرتزل) عام 1904م؛ حيث أعلن البابا معارضته للحركة الصهيونية ولهجرة
اليهود إلى فلسطين، ثم اعترضت الكنيسة الكاثوليكية على وعد بلفور عام 1917م.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وبسبب الدعاية الصهيونية حول ما
يسمى: (معاناة اليهود خلال الحكم النازي) تعاطف بعض الكاثوليك مع الفكرة
…
الصهيونية؛ إلا أن موقف الفاتيكان انحسر في الإعلان عن تأييد مسألة (تدويل القدس) ، وفق الخطة التي أقرتها الأمم المتحدة حول فلسطين عام 1947م، وكان موقف الفاتيكان من قيام (إسرائيل) عام 1948م هو الحياد؛ أي (لا اعتراف ولا إدانة) مع تزايد الاهتمام بتدويل القدس ومسألة اللاجئين العرب [6] وفي
عام 1985م، وبعد تولي البولندي (وتيلا) كرسي البابوية تحت اسم (البابا يوحنا بولس الثاني) بثلاث سنوات شرع الفاتيكان في تقديم مجموعة من التنازلات إزاء اليهود، اعتبرت تمهيداً لتخليه عن القضية الفلسطينية وتوطئة لدخوله في
…
مصالحة روحية وسياسية مع اليهود؛ حيث فاجأ بابا الفاتيكان العالم بتبرئة اليهود من خطيئة تعذيب وصلب وقتل السيد المسيح عليه السلام، كما يعتقد المسيحيون، وذلك من خلال وثيقة أقرها الفاتيكان؛ حيث دعت الوثيقة إلى ما أسمته بـ
…
(تصحيح علاقة) المسيحيين واليهود، والعمل على إعادة النظر في التراث
…
الكنسي نفسه، وتعديل ما يمكن تعديله بقصد نزع كل ما يؤدي إلى تكوين وعي معاد لليهود داخل الكنيسة الكاثوليكية.
ولتمثيل الحوار المسيحي الكاثوليكي اليهودي، ولنزع كل ما هو (معاد)
لليهود أنجز البابا خطوة مهمة بزيارة المعبد اليهودي (سينفوغا) في العاصمة روما،
وطالب بإعادة تفسير العلاقة المسيحية اليهودية بدءًا من إعادة دراسة الكتاب المقدس
والعهد القديم والطقوس والشعائر والصلوات والتراتيل التي تمارس داخل الكنائس
بقصد إعادة تأويلها بما يفيد تبرئة اليهود من (خطيئة قتل المسيح وصلبه) وإعادة
صيغة التراث الكاثوليكي، والكتاب المقدس بما يناسب النظر إلى اليهود نظرة
جديدة (أكثر تفهماً وتسامحاً) والتأكيد على الأصول المشتركة للدينيْن، وعلى
الأصل اليهودي للسيد المسيح [7] ولم يكن إصدار تلك الوثيقة الفاتيكانية خطوة
أخيرة، بل تبعتها خطوات لاحقة في الإطار نفسه؛ حيث اعترف الفاتيكان عام
1993م بالكيان الصهيوني.
وفي نوفمبر من عام 1997م وفي إطار استعداداته لاحتفالات الألفية الثالثة
عقد الفاتيكان مؤتمراً حضره (60) شخصية من أبرز رجال الكنائس العالمية لتدشين
مجموعة من الاقتراحات تمهيداً لصدورها في وثيقة تحت عنوان: (جذور معاداة
اليهود في الأوساط المسيحية) وصف البابا بولس الثاني الهدف منها بأنه (إجراء
عملية ترتيب وتنظيف للذاكرة المسيحية من الشوائب والأفكار المعادية للشعب
اليهودي) ، وفي 12-3-1998م، وقَّع بابا الفاتيكان على وثيقة باسم: (نحن
نتذكر) وصادق الفاتيكان على محتوياتها رسمياً يوم 16-3-1998م ووصفها البابا
بأنها: (طلب غفران للأخطاء التي ارتكبها بعض المسيحيين في حق اليهود)
…
ووصفها الكاردينال (إدوارد كاسيدس) رئيس لجنة العلاقات اليهودية المسيحية
بأنها: (إقرار بالشعور بالندم، واعتراف بالخطيئة التي ارتكبها بعض المسيحيين في حق اليهود)[8] .
وأعلن الفاتيكان (أن توبة المسيحيين تجاه اليهود يجب أن تكون فردية
وجذرية وشاملة، وأنه لا تكفي التصريحات الصحافية والمراجعات النقدية لمحو
خطايا الماضي التي أدت إلى المحرقة النازية) [9] .
وصرح أحد أعضاء لجنة الصياغة لهذه الوثيقة لصحيفة الفاتيكان الرسمية
(المراقب الروماني) أن الفاتيكان سيراجع ويعدِّل عدة نصوص دينية في العهد الجديد
لتحاملها على اليهود، كما سيتم تعديل في إنجيلي متَّى وبولس وقصة الحواريين
برمتها إرضاءًا: لليهود. والأخطر من ذلك أن المؤتمر المشار إليه سابقاً أشار إلى
أن المسيحيين واليهود يتقاسمان الاعتقاد في (الإله يهوه الرب اليهودي) وأن المسيح
والحواريين وُلدوا يهوداً وعاشوا على ارتباط عضوي بالكنيس اليهودي.
ولعل (الفاتيكان) بتلك (الوثيقة) قد خطا خطوات واسعة نحو (تهويد
…
... الكاثوليكية) ، بعد (تهويد البروتستانتية) على يد (لوثر) في القرن السادس عشر؛ إذ إن الاعتذار الفاتيكاني الأخير، دعا المسيحيين صراحة إلى مد جسور التواصل مع تعاليم العهد القديم، وألح على التعاطي مع اليهودية السياسية الراهنة، كوريثة روحية للسامية، ودعا أيضاً إلى إنهاء الفصل الذي طالما أجرته
…
الكاثوليكية بين التاريخ الديني اليهودي القديم واليهود الحاليين، مما يجعل
فكرة (الحلم اليهودي) أو (العودة إلى أرض الميعاد فلسطين) من ثوابت
…
التعينات العقدية الكاثوليكية في المستقبل؛ ولذلك لم تكن مصادفة بريئة أن يبرم الفاتيكان في نوفمبر 1997م وهو التوقيت نفسه لانعقاد مؤتمره الذي ناقش فيه وثيقة الاعتذار لليهود اتفاقاً لأول مرة مع الكيان الصهيوني يمنح الكنيسة الكاثوليكية ومؤسساتها في القدس وضعاً قانونياً واستقلالاً إدارياً في الداخل؛ غير أن الاتفاق قضى بتطبيق القانون الإسرائيلي في علاقة الكنيسة الكاثوليكية بالعالم الخارجي، وهو ما يعد اعترافاً ضمنياً من قِبَلِ الفاتيكان بأن مدينة القدس هي (عاصمة
…
الكيان الصهيوني) .
ويبقى أن نشير إلى أن الوثيقة الفاتيكانية، قد جاءت استجابة للتيار الأساس
السائد في العالم الغربي الآن، والذي يزداد يوماً بعد يوم ولعاً بفكرة (الصدام
الحضاري) وأن الإسلام هو (العدو) البديل للغرب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
(1) جاء هذا الوصف لحركة (مارتن لوثر) في كتاب CULTURE AND ANDRCHY لـ (ماثيو آرنولد) ، ط/1965م، ص172.
(2)
راجع: د يوسف الحسن، البعد الديني في السياسة الأمريكية، تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، بيروت، ط/ 1990م ص23، 24.
(3)
ريجينا شريف، الصهيونية غير اليهودية، جذورها في التاريخ الغربي ترجمة: أحمد عبد الله عبد العزيز، ط الكويت 1985م، ص47.
(4)
يوسف الحسن، مرجع سابق، يراجع أيضا الواشنطن بوست، عدد 16 يوليو 1983م.
(5)
راجع: التأثير اليهودي في حركة الإصلاح المسيحية، لمؤلفه لويس، أي نيومان ط نيويورك 1966م.
(6)
راجع، رضا هلال، المسيحية الصهيونية تتقدم، هل تخضع الفاتيكان لأورشليم، الأهرام المصرية، 10/11/1997م.
(7)
الحياة اللندنية، 5/11/1997م.
(8)
الأهرام، مصدر السابق.
(9)
الحياة، مصدر سابق.
المسلمون والعالم
معركة الإسلام في إندونيسيا
في مواجهة هجمات التبشير النصراني
توفيق محمد علوان
الإسلام في إندونيسيا يخوض معركة فاصلة في مواجهة شرسة مع شراذم
المبشرين النصارى، مدعومة بكل التأييد السياسي والمعنوي والمادي من دول
الغرب على اختلاف مشاربها، وفي فترة وجودي في إندونيسيا، وبحكم عملي
أستاذاً للتفسير في الجامعة الإسلامية الحكومية هناك، فقد تبينت لي كثير من
الحقائق المفزعة، والتي أرى لزاماً عليَّ تبليغها لتكون في عنق من بلغته أمانة
يُسأل عنها يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين.
إن الإسلام الذي اكتسح إندونيسيا في وقت بالغ القِصَر ببركة القرآن العظيم،
وتصديقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل
والنهار) [1] ، إنما يواجه في هذا الجيل حرباً طاحنة تهدف في الدرجة الأولى إلى زعزعة سيطرته الكاملة على دولة هي أكثر دول الإسلام قاطبة من جهة تعداد سكانه؛ فإن حشداً من المسلمين يبلغ مائتي مليون نسمة يجتمعون في هذا الركن من العالم، والذي علم النصارى أنه ناءٍ فركزوا دعايتهم على أطرافه لتقطيع أوصاله؛ حيث علموا أن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية.
وبعد بحث عميق ودقيق وجدنا أن الأسباب الكامنة وراء ذلك هي ما يلي:
أولاً: الأسباب الجغرافية:
1 -
السبب الأول: تتكون إندونيسيا من ما يقارب 17000 جزيرة تترامى
في مناطق شاسعة تملأ المساحة بين قارتي آسيا وأستراليا مما يجعل الأسفار الداخلية
حتى بالطائرات الحديثة ربما يستغرق أياماً. إن الجزر التي انقطعت بها السبل ولا
وسيلة فاعلة لها للاتصال مع إخوانها تنهار مناعتها؛ حيث الشعور بالعزلة والانفراد، وكذلك يصير من العسير إنقاذها حال تعرضها إلى خطر داهم يهدد دينها الذي هو
عصمة أمرها.
ومن هنا فإن المبشرين بما لديهم من قدرة فائقة على الخداع والمكر قد أدركوا
هذه النقطة البالغة الأهمية، فركزوا حملتهم بهذا الإصرار على إندونيسيا دون
سواها من دول العالم الإسلامي؛ حيث لم يوجد مَثَلٌ لهذه الحملة وبهذا الحجم إلا في
بعض الدول المغمورة في مجاهل إفريقيا.
2 -
السبب الثاني: هو قرب إندونيسيا نسبياً من أمريكا واستراليا والفلبين؛
حيث لا يفصل بينها وبينهم إلا بحار يمكن قطعها مباشرة ودون أية عوائق جغرافية
وسياسية يمكن أن تمنع الوصول إليها. ومن المعلوم أن المرض إنما يصيب العضو
الأقرب له في حالة انعدام وسائل المناعة والدفاع، وإن أوروبا وأمريكا هما اللتان
تتوليان كِبْر الحملة الصليبية التبشيرية؛ حيث يمكن للمبشرين منهما دون عائق
يُذكر الوصول بإمكاناتهم المادية والمعنوية لافتراس ما يستطيعون من جَهَلَةِ المسلمين.
ثانياً: الأسباب التاريخية:
إن إندونيسيا شأنها شأن غيرها من دول العالم الإسلامي قد تعرضت لحملة
عسكرية استعمارية جبارة أدت إلى السيطرة على مقدراتها وامتصاص دمائها
وسحب بريق الحياة من جنباتها، وإن الأفعى المتوحشة التي قامت بهذا الدور باسم
الاستعمار في هذه البقعة من العالم الإسلامي هي هولندا التي اقتحمت إندونيسيا
بالقوة بعد اقتحام البرتغال وأسبانيا لها، وكذلك إنجلترا بصورة مؤقتة، وقد ساعدت
هذه الدول بغير هوادة عمليةَ التنصير التي جرت على قدم وساق زاعمة أن دعوتها
هي دعوة سلمية وادعة بينما تلجأ إلى أشد التدابير فظاظة وضراوة عند الضرورة.
ولكي يُفهم ما نعنيه من ذلك نضرب مثالاً واحداً: إن محافظة تيمور الشرقية
هي منطقة إندونيسية من الرأس إلى القدم، ومع أن إندونيسيا قد حصلت على
استقلالها جميعها في عام 1945م، فإن القوات البرتغالية عادت مهرولة إلى تيمور
الشرقية متشبثة بها؛ فبقيت وحدها دون إندونيسيا تحت الاحتلال الصليبي
البرتغالي، ولقد حاول الأهالي المقاومة بما لديهم؛ ولكن القوة كانت غير متكافئة، وبقي الأمر على هذا الوضع الشاذ، والذي يسمح باستقلال دولة بكاملها إلا ما يقل عن نصف بالمائة من سكانها حتى عام 1974م، حين وافق البرتغاليون لأول مرة على (حق تقرير المصير لشعب تيمور) ، ولكنهم خلَّفوا وراءهم حكومة ذات أقلية شعبية مما أدى إلى نشوب حرب أهلية لم تلبث أن انتهت باتحاد الأحزاب كلها في تيمور من أجل الانضمام إلى إندونيسيا.
وفي يوم 31-5-1976م وتحت ضغط المقاومة تم إجراء استفتاء عام قرر
فيه أهالي تيمور الانضمام إلى إندونيسيا، وأعلنت النتيجة رسمياً في 15-7-
1976م، وبناء عليه عادت لتصير المحافظة رقم 27 في إندونيسيا مثل أخواتها.
وإنما سردت هذه النُبذة المختصرة عن تاريخ تيمور بالذات ليعلم الذي لا
دراية له بالأمر الدور الرهيب في التنصير المدعم بالقوة المسلحة، ليس في القرنين
: السادس عشر، والسابع عشر، وإنما في أواخر القرن العشرين. إن تاريخ
المستعمر الهولندي والأسباني والبرتغالي والإنجليزي قد قام على دعامة التفرقة
والتنصير، وحماية ذلك الهدف باستخدام أشد وسائل القمع ضراوة وعنفاً.
ثالثاً: الأسباب الثقافية:
لقد تبين بعد دراسة متأنية أن عمليات التبشير تبلغ أشدها حيث تستشري
الجهالة والعماية، وبحيث يعيش الناس حياة أقرب لحياة الحيوان؛ ففي بعض
حالاتهم يعيشون عراة كما ولدتهم أمهاتهم رجالاً ونساءًا في غابات نائية وجزر
متفرقة، تفترسهم الأزمات والمجاعات والأمراض مع الجهل المطبق بالإسلام، وإن
كانوا يُحْسَبون من الناحية الإحصائية في عداد المسلمين، فيمكن من غير جهد
وبحفنات قليلة من الأرز أو الذرة تحويلهم إلى قطعان تسير وراء المنصِّرين الذين
يتيهون فخراً بهذا النصر العقائدي.
رابعاً: الأسباب السياسية:
إن سياسة الحكومة الإندونيسية تقوم على عدم التمييز بين الإسلام وغيره من
الديانات، ومن ذلك: منح إجازة رسمية للبوذيين والهندوسيين في أعيادهم على
ندرتهم جداً في إندونيسيا، وأما أعياد المسيحيين فتدق لها الطبول وتتوقف الأعمال
وتتم الدعاية الصاخبة لها في كافة القنوات المرئية والمسموعة والمقروءة حتى يظن
الجاهل أن البلاد كلها من المسيحيين برغم أنهم أقلية نادرة. إن هذه الدعاية تعطي
صورة غير واقعية عن قوة التبشير وكفاءته، بل إن الدولة تسلك طريقاً غير عادلة
بين المسلمين والنصارى في مساعداتها الخاصة بالعبادات، كما نورده بأدق وأحدث
الإحصائيات الآتية:
حقائق مؤسفة بالأرقام:
في عام 1996 - 1997م: قدمت الحكومة مساعدات مالية لأهل الديانات
المختلفة لأجل بناء دور العبادات الخاصة بها في جميع أنحاء البلاد، وهي كما يلي:
- مساعدة للمسلمين لبناء 2300 مسجد.
- مساعدة للنصارى البروتستانت لبناء 102 كنيسة.
- مساعدة للنصارى الكاثوليك لبناء 202 كنيسة.
- مساعدة للهندوس والبوذيين لبناء 146 معبداً، مع 54 داراً للعبادة.
جملة ما بنته الدولة بنفسها من دور العبادة حتى السنة الثالثة من الدورة
الرئاسية السادسة من فترة حكم سوهارتو (قرابة أربعين سنة) هو (669700) دار
عبادة مقسمة كما يلي:
1 -
597500 مسجد.
2 -
30700 كنيسة بروتستانتية.
3 -
13700 كنيسة كاثوليكية.
4 -
23800 معبد.
5 -
4000 مكان صغير للعبادة.
توزيع الكتب الدينية:
في عام 1996 1997م: قامت الحكومة الإندونيسية بطباعة وتوزيع عدد
(814900)
نسخة من الكتب المقدسة مقسمة كما يلي:
1 -
650600 نسخة من القرآن الكريم.
2 -
46800 إنجيل لطائفة البروتستانت.
3 -
50500 إنجيل لطائفة الروم الكاثوليك.
4 -
40000 من الكتاب المقدس لطائفة الهندوس.
5 -
2700 تريبيتاكاسي (كتاب البوذيين) .
وحتى السنة الثالثة من الفترة الرئاسية السادسة لحكم سوهارتو (قرابة أربعين
سنة) ، كانت جملة الكتب المقدسة المطبوعة بمساعدة الحكومة 2. 4 مليون كتاب
مقدس مقسمة كما يلي:
1 -
1. 9 مليون نسخة من القرآن الكريم.
2 -
173800 إنجيل لطائفة البروتستانت.
3 -
163500 إنجيل لطائفة الكاثوليك.
4 -
124500 كتاب مقدس للهندوس.
5 -
78000 كتاب مقدس للبوذيين.
هذا إلى جانب إطلاق حرية الطباعة والنشر كاملة لجميع الطوائف، وبما
يتاح لكل طائفة من إمكانات ذاتية أو ما يمكنها الحصول عليه من إمكانات بوسائلها
المختلفة.
تحليل الإحصاءات المذكورة والتعليق عليها:
بالنظر إلى الإحصاءات المذكورة (وهي إحصاءات حكومية، وبغضِّ النظر
عن نصيبها من الحقيقة) فإننا نجد أنفسنا في حالة ظلم صارخ على المسلمين، وذلك
بناء على تحليل النتائج السابقة واستخلاص النتائج اللازمة منها؛ ذلك أن المال
الذي تدفعه الحكومة لطبع الكتب وبناء أماكن العبادة لغير المسلمين إنما يتحصل من
أموال المسلمين التي تستوفيها الحكومة منهم طوعاً أو كرهاً.
وبحسب الإحصاء المذكور فإن عام 1996 1997م وحده قد شهد بناء عدد
كلي للمساجد هو 2300 مسجد في جميع أنحاء إندونيسيا، بينما شهد نفس العام بناء
كنائس عددها: 303 كنيسة (كاثوليك وبروتستانت) ، 200 معبد وغيره، أي إن
دور العبادة غير الإسلامية في جملتها هي: (503) ، ويتبين منه أن نسبة المساجد
(الإسلام) إلى نسبة الكنائس والمعابد (غير الإسلام) هي: 4.5 - 1، وبه يظهر
أن نسبة دور العبادة غير الإسلامية تبلغ 20 - 25%، فإذا علمنا أن عدد السكان
في إندونيسيا هو (مائتا مليون) بحسب الإحصاءات الحكومية أيضاً منهم 15 - 20
مليوناً (على أقصى التقديرات النصرانية كما سيرد بتفاصيله في موضعه إن شاء
الله) ديانات غير إسلامية (غالبيتهم من النصارى البروتستانت والروم الكاثوليك)
فتكون نسبة النصارى إلى المسلمين على أقصى الفروض أقل من 1-10 بينما
مساعداتهم المالية وميزانياتهم من الحكومة لبناء دور العبادة وللطباعة والنشر وغير
ذلك في جملتها تصل إلى 40% من جملة المساعدات الحكومية إذا علمنا ذلك أدركنا
أن هذا العدد القليل من النصارى إنما يحصل على مال المسلمين لبناء الكنائس
وتمهيد السبل للمبشرين حتى يعيثوا فساداً في أراضي المسلمين بأموال المسلمين.
كذلك يلاحظ أن هذه النسبة الكبيرة من الإنفاق على النصارى من أموال
المسلمين إنما تركزت في السنوات الأخيرة، وخاصة عام 1996 1997م، مما
يدل على تنامي النفوذ النصراني على المستوى السياسي بما يضمن هذه المصالح
النصرانية.
إن أموال المسلمين إنما دفعها المسلمون لحماية دينهم وتقوية عقائدهم، لا
لحماية ديانات النصارى والبوذيين والهندوس، وتثبيت عقائدهم، هذا إذا كان
المسلمون في حالة من المنعة والقوة، فكيف والنصارى يتلقون نسبة من الدعم
المالي من كافة دول الأغنياء من الغرب مما هو ظاهر ومعلوم، فضلاً عن الدعم
العسكري من دول الاستعمار الآتية لامتصاص دماء المسلمين وبذلها للنصارى.
إن التبشير في إندونيسيا إنما يتقوى ويستشري اعتماداً على المساعدات المالية
غير المحصورة من العالم النصراني، علاوة على المساعدات المعلنة من الحكومة
التي يفترض أنها تمثل المسلمين وعقائدهم، إنها الأسباب السياسية التي تضمن
وتمكِّن النفوذ النصراني، سواء بضغط السياسة الخارجية، كما خُطط لفصل تيمور
الشرقية عن إندونيسيا، وهي القضية التي شغلت بال سكرتير عام الأمم المتحدة
الحالي (كوفي عنان) رغم الأحداث الجسام التي تنتاب العالم عامة والعالم الإسلامي
خاصة. كل هذا لم يشغل سكرتير عام الأمم المتحدة عن القضية الهائلة الخطيرة:
قضية فصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا لتكون شوكة جديدة مسمومة تضاف إلى
غيرها من الأشواك التي ما زالت تدمى لها أطراف الجسد الإسلامي المثخن بالجراح. لقد كانت محاولات فصل تيمور عن الوطن الإندونيسي الأم تجري على قدم وساق
وجنباً إلى جنب مع تركيز نفوذ النصارى في جميع أنحاء مراكز التأثير في البلاد.
يتبين لنا ذلك بيسر من حجم المطبوعات غير الإسلامية التي طبعت على نفقة
المسلمين؛ ففي عام 1997م وحده كانت جملة المطبوعات النصرانية والبوذية
والهندوسية 25% من جملة الميزانية فيما تمثل نسبتهم مجتمعين أقل من 10% من
تعداد السكان (هذا في حالة التسليم بصدق الأرقام التي تهيمن عليها الحكومة محاباة
للنصارى رغبة ورهبة) .
وباختصار فإن ربع الميزانية يعطى للأقلية، أما الفترة الماضية (حوالي
أربعين عاماً) فقد ظلت نفس النسبة قائمة: 1.9 مليون مصحف إلى 528800
كتاب دين غير إسلامي، (أي نسبة 25% تقريباً) ، وهي نسبة مجحفة وظالمة
للمسلمين في حالة السماح للنصارى بطبعها من نفقتهم الخاصة؛ والمسلمون هم
الذين يدفعون النفقات. هذا في حالة المسالمة والموادعة فكيف بالحرب المعلنة
صريحةً داميةً من المستعمرين منذ ثلاثمائة عام للتمكين للنصرانية؟ وكيف بحرب
التبشير على كافة القنوات التي يبصرها ويعلمها كل من عاش على أرض إندونيسيا؟ إن الأسباب السياسية - داخلياً وخارجياً - ضالعة في الكارثة العقدية التي حوَّلت
10% من سكان أكبر دولة إسلامية من جهة تعداد السكان إلى النصرانية. نسأل الله
أن يحفظ الإسلام في إندونيسيا المسلمة وفي كل بقاع العالم، وأن يرد كيد أعدائه
إلى نحورهم. آمين.
(1) رواه أحمد في المسند، ح (16509) .