الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملفات
ماذا يريدون من المرأة..؟ !
(2-2)
وقفات حول..
الخطاب الدعوي في قضية المرأة
محمد بن عبد الله الدويش
إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي في قضية المرأة يحتاج إلى دراسة
علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحليل مضمونه
تحليلاً علمياً؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان
اهتمام بعض المختصين.
ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعض
الوقفات السريعة التي لا تعدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها
دراسة علمية موضوعية.
الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟
يعد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله عز
وجل، وقلما نجد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمن شيئاً يتعلق بالمرأة، ولعل
الذي أدى إلى أهمية قضية المرأة لدى الدعاة إلى الله عز وجل أمور، منها:
الأمر الأول: التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي
المرأة عناية واهتماماً؛ فكان صلى الله عليه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء
فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خرجت مع
النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء
فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة) [1] .
ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
(قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال؛ فاجعل لنا يوماً من
نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: ما منكن امرأة
تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنتين، فقال: واثنتين) [2] .
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها
من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: (ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال
من النساء) [3] .
ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة
وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.
الأمر الثالث: أن لصلاح المرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛
فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما ينشؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين
نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.
الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قضية المرأة ورفعوا لواءها،
وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه
هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما
يطرحونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى
الحجاب، وإلى عودة المرأة إلى منزلها
…
ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع
يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.
الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:
حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف
يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله عز
وجل. وليس صحيحاً أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد
الأخطاء.
فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله تعالى في قضية المرأة:
1 -
تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله عز وجل ثم جهود الدعاة
للحقت تلك البلاد بسائر بلاد المسلمين.
2 -
تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة، وباتوا أقل جرأة منذ بداية
الدعوة لتحرير المرأة، فأصبحنا نسمع كثيراً في حديثهم التمسح بعبارات (في
إطار الشريعة السمحة) (فيما لا يتعارض مع شريعتنا وتقاليدنا) ، وندرك أن ذلك لا
يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.
3 -
الصحوة والعودة إلى الله التي تحققت في أوساط المرأة، ولعل من أبرز
الشواهد على ذلك انتشار الحجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر؛
ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة
واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف،
ولعل ما حصل في تركيا التي كانت أول من رفع لواء العلمنة والتغريب في العالم
الإسلامي من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.
4 -
بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة
الدعوية.
5 -
بروز أنشطة دعوية نسائية، كالمجلات النسائية، ودور تحفيظ القرآن
الكريم ومدارسه.
ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثغرات وقصور،
وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقدية
لواقعنا بين آونة وأخرى.
الوقفة الثالثة: حول محتوى الخطاب الدعوي:
يلمس القارئ لهذا الخطاب سمات من أهمها:
أ - الدائرة العامة والخاصة:
يغلب على كثير من المتحدثين إلى المرأة التركيز على قضايا محددة
وتكرارها، حتى أصبحت مَنْ تحضر مجلساً من هذه المجالس تتوقع ألا تسمع إلاحديثاً حول الحجاب وبالأخص حول بعض مظاهر التحايل عليه أو الخروج إلى الأسواق، أو طاعة الزوج
…
إلخ، وهي قضايا لا اعتراض على طرحها ومناقشتها والتأكيد عليها، ولا اعتراض على أنها مما تحتاجه النساء اليوم؛ لكن هذا أخذ أكبر من حجمه، وأصبح على حساب أمور أخرى ربما كانت أكثر منه أهمية، بل ربما كان إصلاحها يختصر علينا خطوات كثيرة.
إن هناك أحكاماً وآداباً شرعية خاصة بالنساء دون الرجال، وما سوى ذلك
فالأصل أن الخطاب فيه للجميع، والدائرة التي يشترك فيها الرجال والنساء أوسع
بكثير من الدائرة التي تختص بها النساء، لكن المتحدث إلى المرأة غالباً ما يحصر
نفسه في الدائرة الخاصة شعوراً منه بخصوصية المخاطبين.
إن الحديث عن الإيمان والتقوى والتوكل على الله والتخلص من التعلق بما
سواه، والحديث عن العبادات وأهميتها، والحديث عن أخطار المعاصي وآثارها،
والحديث عن الآداب والحقوق التي ينبغي للمسلم رعايتها، والحديث عن اليوم
الآخر وما أعد الله فيه للمطيعين والعصاة، والحديث عن الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر والنصيحة وأهمية ذلك ووسائله، وطلب العلم والوسائل المعينة على
تحقيقه، والحديث عن واقع الأمة ومسؤولية المسلمين تجاهه، فضلاً عن التربية
وأهميتها ووسائلها وبرامجها؛ إن الحديث عن ذلك كله مما تفتقر إليه المرأة شأنها
شأن الرجل، فلماذا يغيب ذلك في خطابنا الدعوي الموجه للمرأة؟ !
ب - الخطاب الموجه لغير المهتديات:
لئن كانت الفتيات المهتديات، واللاتي يرتَدْنَ المساجد ودور القرآن الكريم
يناسبهن خطاب معين، فالأخريات لهن شأن غير ذلك. إن الفتاة التي تعيش في
عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخر،
والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه
المهتدية الصالحة.
فحين يكون الحديث معها دائراً حول الحجاب وخطورة التساهل فيه، وحول
أحكام خروج المرأة
…
إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديداً، لن تسمع إلا الحديث
حول الأحكام والحلال والحرام، وفرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام،
وبين أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب
يدعوهم للإسلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن
الأمن الذي سينشأ حينما يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن
فصيح بعيد عن الكهانة
…
وهكذا.
فلِمَ لا يكون الحديث مع أمثال هؤلاء حديثاً عن السعادة والطمأنينة؟ حديثاً عن
القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان
والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراسات المعاصرة التي تثبت أثر التدين
على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نتناول الحديث عن اليوم الآخر
ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم.. إلخ.
ج - أهمية شمول الطرح والمعالجة:
لا بد من تناول قضية المرأة تناولاً شمولياً، وأخذ الأمر من جميع جوانبه
دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينة يحددونها ويريدون أن تكون هي
موضع النقاش والحوار، كقضية قيادة السيارة، أو غطاء الوجه أو نحو ذلك؛
وهي قضايا ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، فقضية قيادة السيارة ترتبط بالخروج من
المنزل، واتساع مجالات التعرض للفتنة والإغراء، وترتبط بالحجاب
…
وهكذا.
وكثيراً ما يطرح هؤلاء مسائل مما ورد فيها اختلاف فقهي، كقضية كشف
الوجه ونحوها وبغض النظر عن عدم جدية هؤلاء فيما يطرحونه، وأن مسألة
الخلاف الفقهي إنما هي تكأة أكثر من أن تكون منطلقاً حقيقياً فرفض الدعاة لها لا
ينبغي أن ينطلق من منطلق الترجيح الفقهي فقط، بل من النظر إليها باعتبارها
جزءاً من منظومة ودائرة متكاملة لا يمكن فصل جزئياتها عن بعض.
إن الأمر يختلف حين تناقش هذه المسائل لدى الفقهاء، وحين يثيرها طائفة
من دعاة تحرير المرأة، فلا يسوغ أن نتحدث مع هؤلاء بلغة الخلاف الفقهي
المجرد.
د - مناصرة المرأة وتبني قضاياها:
إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى
وقبولاً: انطلاقهم من مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم
أحياناً ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع.
والدعاة إلى الله تبارك وتعالى هم أوْلى الناس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن
حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك: حقها في حسن الرعاية
والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعامل معها على
أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات
المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميداناً للكسب المادي،
وأخذ والدها لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها
طمعاً في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.
والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهم أسوة حسنة
بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فعن
سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، فذكر في الحديث
قصة فقال: (ألا واستوصوا بالنساء خيراًَ؛ فإنما هن عوانٍ عندكم، ليس تملكون
منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع
واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم
على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً؛ فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم
من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا
إليهن في كسوتهن وطعامهن) [4] .
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (لا تضربوا إماء الله)[5] فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: ذَئِرْنَ [6] النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول
الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: (لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك
بخياركم) [7] .
والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة،
وهم المدافعون عن قضيتها.
هـ - مجالات التركيز في الدعوة والخطاب:
لا بد من مراجعة هادئة لمجالات التركيز في دعوة المرأة وخطابها، ومن
الأمور المهمة التي تحكم التركيز في خطاب المرأة:
1 -
الأمور الأشد مصادمة للأصول الشرعية تكون لها الأولوية في المعالجة
سواء كانت هذه المصادمة مباشرة أو غير مباشرة بل نتيجة المآلات.
2 -
الفئات الأشد تأثراً، ولعل فئات الفتيات اللاتي في مراحل التعليم هن
أكثر الفئات تأثراً واستعداداً للتجاوب مع التغيير سلباً وإيجاباً، فالاعتناء بهذه الطبقة
وتوجيه الخطاب المناسب لها، والسعي لاستثارة همم من يتعامل معهن من الآباء
والمعلمات أمر ينبغي أن يحظى بأولوية واعتبار.
3 -
المتغيرات السلبية الحديثة والطارئة تستحق تركيزاً أكثر من غيرها؛
لأنها لم تستقر في المجتمع ولم تنتشر؛ فمن السهولة مواجهتها، وتركها قد يفتح
المجال واسعاً أمام انتشارها في المجتمع وتقبُّله لها، وانتقالها من مرحلة الحالات
الفردية إلى أن تكون ظاهرة، ثم تتطور إلى أن تصبح قيمة اجتماعية يصعب
تغييرها.
4 -
الجوانب المخالفة للشرع في حالها أو مآلها والتي يراد قطع خطوات
عملية لإقرارها وتنفيذها؛ فالتصدي لها ومواجهتها أمر ينبغي أن يكون له أولوية،
حتى لو قدمت على ما هو أهم منها مما لم يأخذ طريقه للتنفيذ.
الوقفة الرابعة: حول منهجية الخطاب وتتمثل في:
أ - تأصيل مبدأ التسليم:
لا بد من الاعتناء بتأصيل مبدأ التسليم والخضوع لله تبارك وتعالى والوقوف
عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلم لا خيار له في التسليم لأمر الله سواء
أدرك الحكمة أم لم يدركها [ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً
أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ] [الأحزاب: 36] ، [فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]
[النساء: 65] .
وحين نُعنى بتحقيق الإيمان والتسليم لله عز وجل فإننا نختصر خطوات كثيرة
على أنفسنا، وتؤتي دعوتنا ثمارها بإذن الله عز وجل.
وينبغي أن نحذر مما تسعى إليه بعض وسائل الإعلام المضللة التي تعقد
حوارات حول القضايا الشرعية، فتجعل الحكم الشرعي رأياً آخر، ووجهة نظر
قابلة للنقاش، وهي الخطوة الأولى التي يريدها دعاة التغريب والعلمنة.
ب - الاعتماد على المنهج العلمي:
مما نحتاجه عند تناولنا لقضية المرأة أن نتحدث حديثاً علمياً يحترم عقول
الناس وتفكيرهم، فلم يعد الناس اليوم يقبلون أن يملي عليهم أحد كائناً من كان آراءه
واقتناعاته الشخصية.
فحين نتحدث عن أن خروج المرأة للعمل يؤثر على رعاية منزلها وتربية
أولادها فإننا نحتاج إلى أن نستشهد على صحة ما نقول بالدراسات العلمية التي
أثبتت ذلك، وحين نتحدث عن صلة الاختلاط وخروج المرأة بالجريمة، وحين
نتحدث عن أثر العفاف والمحافظة على الاستقرار والنجاح في العلاقات الزوجية
…
إلخ نحتاج في ذلك كله إلى أن ندعم ما نقوله بالأدلة العلمية، وبنتائج الدراسات
المتخصصة.
ولدينا اليوم رصيد من الدراسات العلمية لا يزال حبيس الرفوف؛ فالاستفادة
منه وتوظيفه أمر له أهميته، يضاف إلى ذلك ضرورة إجراء دراسات علمية حول
كثير من القضايا التي يُحتاج إليها، وينبغي استثمار مراكز البحوث، وأعضاء هيئة
التدريس في الجامعات، وربما كانت هذه الدراسات الجادة أوْلى مما يطرح في
الساحة من كتب وكتيبات لا تزيد على بضعة نُقُول من كتابات قديمة [8] .
ج - التفريق بين العادات والأحكام الشرعية:
ترتبط العادات ارتباطاً وثيقاً بقضية المرأة؛ إذ لا يخلو مجتمع من المجتمعات
من عادات تختص بهذا الجانب؛ ولأن معظم العادات القبلية في المجتمعات
الإسلامية تتسم بقدر من المحافظة، فقد يختلط الأمر لدى بعض الغيورين فيخلطون
بين عادات تواضع عليها المجتمع وأصبحت جزءاً من ثقافته، وبين الأحكام
الشرعية؛ فيصرون على الإبقاء على هذه العادات والمنافحة عنها، وقد لا يكون
لها أصل في الشرع.
والأمر في ذلك يحتاج إلى الاعتدال؛ فالعادات التي ليس لها أصل من الشرع
لا ينبغي الإصرار على التمسك بها والمنافحة عنها، فضلاً عن ربطها بالشرع،
وفي المقابل لا ينبغي الإصرار على تحطيمها ونبذها بحجة أنها مما لم يأت بها
الشرع، فما كان منها حسناً فليبق عليه، وما كان سيئاً فليترك.
د - الاعتناء بالضوابط الشرعية والحذر من تجاوزها:
لما كانت فتنة المرأة من أشد الفتن وأضرها أحاطها الشرع بالضوابط والأحكام
التي تقلل من تأثيرها.
لذا فلا بد من الاعتناء بهذه الضوابط والالتزام بها، فقد يدفع حرص بعض
الدعاة على نشر الدعوة وتوسيع نطاقها إلى السعي للتخفف من هذه الضوابط
وتجاوزها.
وقد يكون الأمر ناشئاً عن ردة فعل تجاه ما يطرحه الآخر ويَصِمُ به
الإسلاميين؛ فيبالغ بعض الدعاة في التحرر من الضوابط الشرعية، وربما يشن
هجوماً غير متزن على أولئك الذين يلتزمون بها.
إنه ليس من المقبول أن يبالغ أحد الدعاة في انتقاد فصل الرجال عن النساء
في المؤتمرات والمنتديات الدعوية، أو يطلب أن تقدمه إلى الجمهور امرأة وتتولى
قراءة الأسئلة، أو أن تصبح قضية فصل مصلى الرجال عن النساء من أكبر ما
يتصدى لإنكاره في بلد يقطع خطوات حثيثة نحو التغريب وتحرير المرأة!
الوقفة الخامسة: الموقف من دعاة التغريب والتحرر، ويتمثل ذلك في
الآتي:
أ - التفريق بين من يتناولون قضية المرأة:
لقد حمل لواء الدعوة إلى تحرر المرأة وتغريب المجتمع المسلم طائفة من
رجال التيار العلماني، وسعوا بمكر ودهاء لسلوك أي طريق يمكن أن يوصلهم إلى
أهدافهم المشبوهة، ولأن هؤلاء يسلكون أساليب ملتوية في طرح أفكارهم،
ويتظاهرون بالدفاع عن قضية المرأة والسعي لإعطائها حقوقها المسلوبة فقد سايرهم
في ذلك طائفة من الكتاب والصحفيين والمثقفين ممن لا يحمل التوجه والفكر
العلماني، إنما هم من المتأثرين بما يطرحه أولئك، وكثيراً ما يطرح المتأثرون بهم
قضايا تتفق مع ما يسعى إليه أولئك.
فينبغي عند تناول القضية والحديث عن المخالفين ألا نحشر الجميع في زاوية
واحدة ودائرة واحدة؛ ففرق بين من يساير هؤلاء فيما يطرحون وبين من يحمل
الفكر والتوجه العلماني.
ولقد فرق السلف بين أهل البدع، فأهل الأهواء والزندقة ليسوا كمن عرف
عنه إرادة الخير وتحريه لكنه وافق بعض أهل البدع في بدعتهم، والداعية إلى
البدعة المنافح عنها ليس كغيره، وأصحاب البدع المكفرة ليسوا كمن دونهم من
أصحاب البدع المفسقة.
ب - البعد عن الحديث عن النوايا:
إن الحق يجب أن يقال، والباطل يجب أن يواجه ويبين للناس؛ لكن ثمة
فرق بين بيان الحق والرد على المبطل، وبين الحكم على صاحبه؛ فنحن في
أحيان كثيرة نشن انتقاداً لاذعاً لكل من يطرح طرحاً مخالفاً في قضية المرأة
وغيرها، ولا نقف عند هذا الحد، بل نتهم الكاتب والمتحدث بسوء النية، وخبث
الطوية
…
إلخ.
فليكن النقاش منصبّاً على الفكرة وعلى الموضوع، أما رموز التيار العلماني،
ومن يحمل فكراً سيئاً فهؤلاء ينبغي أن يُفضحوا بالطريقة المناسبة ليس من خلال
كتاب أو مقال واحد، بل من خلال رصد واسع لتوجهاتهم وأفكارهم، وأن يكون
ذلك بطريقة تقنع الناس.
ج - النقد العلمي الموضوعي:
حين يتناول هؤلاء قضية المرأة أو غيرها فإنهم يُدبِّجون حديثهم بحجج
ومسوغات تضفي عليه صبغة الموضوعية والحياد العلمي، وكثيراً ما يوظفون
نتائج البحث العلمي توظيفاً مضلِّلاً.
والملاحَظ أن كثيراً من ردود الدعاة على هؤلاء تتسم بالتشنج والعاطفة،
وتأخذ منحى الحكم على الأشخاص، والحديث عن المؤامرات التي تحاك على
المرأة، ويتجاهلون النقاش العلمي الموضوعي لما يطرحه أولئك من مسوِّغات.
وهذا الطرح إن أقنع فئات من المتأثرين بالدعاة، فإنه لن يقنع فئات أخرى
ممن يعني الدعاة إقناعهم، بل ربما أسهم في إقناعهم بوجهة نظر الآخر.
إن الدعاة أحوج ما يكونون إلى إتقان لغة الحوار، والحديث العلمي
الموضوعي، وإلى أن يدركوا أن مجرد كونهم ناصحين غيورين لن يجعل الناس
منصتين لهم ينتظرون ما يطرحونه ويتلقونه بالتسليم والقبول.
الوقفة السادسة: لا بد من الاعتناء بالبناء والإعداد:
ينبغي الاعتناء بالبناء والإعداد، وألا تكون مواقفنا مجرد ردود أفعال لما
يثيره الأعداء؛ فحين تثار قضية نتفاعل معها، ونكثر الحديث حولها وننسى ما
سواها، ومن ثم تصبح دعوتنا مجرد انعكاس لما يثيره ويطرحه دعاة التغريب
والتحرر.
ومع أن هذا لا يعني إهمال القيام بواجب الإنكار وبيان الموقف الشرعي في
القضايا التي تثار، وأن ذلك ينبغي أن يكون في وقته، إنما الاعتراض على أن
يكون هذا هو وحده محور الحديث ومنطلقه.
والحديث الناشئ عن ردة الفعل سيتحكم في مضمونه ومحتواه ما يطرحه
ويثيره الآخر، ومن ثم فلن يكون متكاملاً أو متوازناً في تناوله للقضية.
الوقفة السابعة: لا بد من التركيز على البرامج العملية:
لا يسوغ أن يبقى جهد الدعاة منحصراً في إطار الخطاب النظري وحده، بل
لا بد من الانطلاق إلى برامج عملية ومن هذه البرامج المهمة:
أ - الاعتناء بتربية الفتيات وتنشئتهن، وهذا يتطلب من الدعاة إلى الله أن
يعتنوا ببيوتهم ويعطوها من أوقاتهم.
ب - الاعتناء بإعداد برامج ومناهج تربوية تتفق مع طبيعة المرأة بحيث
تكون متاحة للجميع ليستفيدوا منها.
ج - نظراً لطبيعة المرأة وقلة الفرص المتاحة لها لتلقِّي التربية والتوجيه في
مقابل ما هو متاح للشباب، فإن هذا يستلزم الاعتناء بإيجاد محاضن للمرأة تتلقى
فيها التربية والتوجيه، كدور القرآن ومدارسه، وأن تُطَوَّر هذه المحاضن ويُرتَقَى
بها، وأن تتضافر في ذلك الجهود ولا يكون الأمر مختصاً بفئة يسيرة من
المهتمين.
(1) رواه البخاري، ح/ 579، ومسلم، ح/ 488 مطولاً.
(2)
رواه البخاري، ح/ 201، ومسلم، ح/ 4362.
(3)
رواه البخاري، ح/ 6905، ومسلم، ح/ 0472.
(4)
رواه الترمذي، ح/ 3611، وابن ماجه، ح/ 1581.
(5)
رواه أبو داود، ح/ 4381.
(6)
ذَئِرْنَ: أي نفرن ونشزن واجترأن (لسان العرب) .
(7)
رواه أبو داود، ح/ 6412، وابن ماجه، ح/ 5891، والدارمي، ح/ 9122.
(8)
كثير من الكتابات في قضية المرأة مصادرها كتاب: المرأة بين الفقه والقانون، أو غيره مما قد مضى عليه ثلاثة عقود.
ملفات
ماذا يريدون من المرأة..؟ !
(2-2)
المؤسسات الدعوية النسائية
الواقع والتطلعات
د. رقية بنت محمد المحارب
أتناول في هذه الورقات موضوعاً أحسب أنه غاية في الأهمية في هذا الوقت
يتعلق بإقامة مؤسسات دعوية نسائية متخصصة تعتني بكل الجوانب المهمة في حياة
المرأة المسلمة أينما وجدت. وتعتبر الصفحات الآتية محاولة للفت الانتباه إلى أهمية
الموضوع أكثر من كونها دراسة مستوفية لكل الجوانب المتعلقة به، وكلي أمل أن
يتبع هذه المحاولة كتابات أعمق تتناول زوايا مهمة نحتاج إلى تجليتها وبيانها.
تمهيد:
أتساءل أيها الإخوة والأخوات عن مستقبل المرأة المتوقع خلال الزمن القادم،
وماذا أُعِدَّ من جهود لمواجهة المستجدات القادمة فيما يخص المرأة بالتحديد؟ وماذا
نعرف عن رموز التحرر النسائية والرجالية من أمثال: نازك العابد، ودرية
شفيق، وهدى شعراوي، وملك حفني ناصف، وفاطمة اليوسف، ونوال السعداوي، وجرجي زيدان، ورفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين؟ بل ماذا نعرف عن الدور الكبير الذي تلعبه الأمم المتحدة في مجال الأسرة؟ وماذا عن منظمة التجارة العالمية وتداعياتها فيما يختص بالشؤون الاجتماعية؟ وماذا تحقق على أرض الواقع في كل بلد إسلامي نتيجة المؤتمرات الدولية عن الطفولة والأمومة أو عن المرأة؟ وماذا لدينا من معلومات عما تواجهه المرأة في الخليج والمغرب العربي وغيرها من مناطق العالم الإسلامي؟ وما هي الهموم والتطلعات التي تراود بنات المسلمين؟
وما مدى تأثير وسائل الإعلام، والظروف الاقتصادية على تنشئة الفتاة ونموها
الثقافي والنفسي والاجتماعي؟ وماذا عن عالم الطفل والمشروعات التي تُناقَش الآن
تنفيذاً لتوصيات المؤتمرات الدولية لنزع ولاية والديه عنه نتيجة العنف الذي
يتعرض له في بلاد الغرب، وما مدى فداحة الوضع في البلاد الإسلامية؟ ثم ما مدى
موافقة هذه التشريعات للمقاصد الشرعية؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير لا يمكن أن تفي صفحات كثيرة بمجرد سردها بَلْهَ
الدخولَ في كل قضية بتفصيلها.
وكنا ولا زلنا نعيش بشكل كبير في دائرة ردود الأفعال؛ فالحدث يصنع بيد
غيرنا، والمبادرات الموجهة لصرف المرأة عن دينها تقام على مدار الساعة؛ فهذه
مجلَاّت تؤصِّل التمرد على شرع الله، وهذه دراسات أكاديمية تظهر أرقاماً وتخفي
أخرى في محاولة لإثبات أن عمل المرأة في بيتها مثلاً خسارة للاقتصاد الوطني،
وهذا ملف عن المرأة يردد مقولات الحركات النسائية الغربية ويصف عصر
الصحوة بأنه عصر الانتكاسة ويصف عصر السفور بأنه عصر التقدم [1] وهكذا
في سلسلة متنامية.
إن الجهود الدعوية المبذولة على صعيد المرأة تحاول بقدر المستطاع تقديم
رؤية شرعية، ولكنها تظل تتسم غالباً بردة الفعل وبالتكرار أحياناً، وبفقدان
الشمولية والتكامل والقلة، كما أنها تفتقر بشكل ملموس وملاحظ إلى المعلومة الدقيقة
والإحصائيات، وبالإضافة إلى ذلك فإنها لا تتميز بطول النفس في الاستقصاء
والمتابعة؛ وهذه طبيعة الجهود الفردية وضخامة المهمة.
والمرأة المسلمة وهي تواجه كل هذه التحديات المعاصرة تحتاج إلى من يعينها
على الصمود ويأخذ بيدها إلى بر الأمان، وتحتاج بشكل خاص إلى عمل مؤسسي
متخصص علمي وتربوي واجتماعي وثقافي واقتصادي. ومن شأن هذه المؤسسات
المتخصصة ونحن في عصر التخصص أن تساهم مساهمة جليلة في توفير الحصانة
الفكرية والعقدية، وفي البناء التربوي الإيماني والدعوي للمرأة، وإيجاد محاضن
تربوية تخرج لمجتمعات المسلمين المرأة التقية المثقفة الفاعلة؛ بحيث تُكَوِّن أعني
هذه المؤسسات رافداً مهماً لأهل التربية في مهماتهم، ولأهل الإعلام في جهودهم؛
وعلاوة على ذلك تكون رأياً عاماً مستنداً على الدليل الشرعي والتحليل المنطلق من
الذاتية الثقافية في انفتاح على الصالح من ثقافة الآخر؛ إذ الحكمة ضالة المؤمن أنَّى
وجدها فهو أحق بها. كما أن وجود هذه المؤسسات المتخصصة سوف يفتح آفاقاً
للباحثين والباحثات في شؤون المرأة والأسرة الذين يعانون أشد المعاناة من ندرة
مصادر المعلومات، وتبعثر المراجع العلمية وغياب الرصد الإعلامي المتخصص،
وعدم وضوح القضايا الملحة التي تحتاج إلى جهود علمية لتحرير الموقف الشرعي.
وبعد هذه المقدمة الموجزة أتساءل: لماذا لم توجد مثل هذه المؤسسات الدعوية
النسائية؟ ثم ما هو المطلوب منها بقدر من التفصيل؟ وما هي آفاق العطاء
المنتظر؟ وما هي العوائق التي قد تحول دون قيام هذه المؤسسات؟ ثم أخيراً دعوة
إلى إخواني وأخواتي لإبداء آرائهم حول هذا الموضوع ونقده.
أسباب غياب مؤسسات دعوية نسائية متخصصة:
قبل أن أورد جملة من الأسباب التي أرى أنها مسوِّغات لعدم وجود مثل هذه
الهيئات النسائية أحب أن أشير إلى أنه ليس المقصود أن يكون القائمون على هذه
المؤسسات الدعوية بالضرورة نساء، بل إن الهدف هو توجيه الاهتمام إلى كل ما
يتعلق بالمرأة من أمور على سبيل الاختصاص، كما أنه من المهم الإشارة إلى أنني
أقر بوجود جهود كثيرة بحمد الله مهتمة بهذه القضية منذ زمن، سواء كان ذلك من
خلال الفروع النسائية لبعض الجمعيات الدعوية في العالم الإسلامي أو أفراد
تخصصوا في الكتابة؛ ولكنني أعتقد أن الجميع يتفق معي في أنها لم تصل إلى
مستوى الهيئات المتخصصة التي تعتبر ذات مرجعية في قضايا المرأة. وعلى
سبيل المثال فإننا لا نجد مركز بحوث متخصصاً يُعنى بقضية الأسرة من وجهة
النظر الشرعية ويغطي كافة جوانبها. وأذكر هنا بعض الأسباب التي أدت إلى
افتقار الساحة الدعوية لهذه المراكز المهمة:
1 -
حداثة سن الصحوة إن صح التعبير وضخامة المهمات المنوطة بها؛
فخلال الأربعين سنة الماضية شهدت مناطق العالم الإسلامي أحداثاً كبرى، فأصبح
العالم الإسلامي ينوء بالتبعات والرواسب على مختلف الأصعدة التي خلفها
الاستعمار الذي عمل بكل جهده على استنزاف المنطقة اقتصادياً وثقافياً، وهذا
انعكس على وضع المرأة في تربيتها ودعوتها.
2 -
عدم القناعة لدى قطاع من الدعاة والمربين بأهمية العناية بقضايا الدعوة
في أوساط النساء، ولا تزال هذه القناعة موجودة إلى يومنا هذا وإن كانت في
طريقها إن شاء الله إلى الزوال.
3 -
سلامة البنية الأساسية للأسرة المسلمة في كثير من بلاد العالم الإسلامي؛
فمؤسسة الزواج لا زالت محترمة رغم الدعوات المحمومة إلى اعتبار الزواج
العرفي مشروعاً! ! ولا زالت قيمة العناية بالوالدين عظيمة عند السواد الأعظم من
المسلمين، والنظرة الإيجابية للأبناء وضرورة تربيتهم التربية الصالحة.
4 -
ضعف الموارد المالية للمؤسسات الدعوية مما أدى إلى تأخير تنفيذ كثير
من مشروعات التوعية، ووجود أولويات في قائمة الاهتمامات لدى هذه الجهات.
5 -
ندرة الطاقات النسائية القادرة على المطالبة بإنشاء هذه المؤسسات،
وضعف تكوينهن الثقافي والتربوي مما نتج عنه فراغ كبير استطاع الاستعمار من
خلاله تبني بعض القيادات النسائية وتقديمهن للمجتمع على أساس أنهن مناضلات؛
كما حدث في المغرب أثناء المظاهرات التي رُمي فيها الحجاب في الشارع احتجاجاً
على المستعمر الفرنسي وكأنه هو الذي طالب به، وكما حصل أيضاً في مصر في
المظاهرة المشهورة ضد الإنجليز، وتذكر عائشة بلعربي [2] أن الفرنسيين اهتموا
بالمرأة منذ منتصف القرن التاسع عشر! ! فأسسوا ثلاثة أنواع من المراكز:
أحدها: للأسرة والطفل، والثاني: للطبقة العاملة، والثالث: في الأرياف لخدمة المرأة القروية. والهدف هو بالتأكيد الوصول للمرأة وتقديم الخدمات التعليمية المنسجمة مع المصالح الفرنسية. وأدى وجود بعض التقاليد المنافية للإسلام والتي فيها إجحاف واضح بحق النساء إلى الإقبال على البديل الفرنسي الذي لم يقصِّر في ربط هذه الممارسات بالدين.
فوائد المؤسسات المتخصصة:
لا أظن أن أحداً يختلف معي أن هناك منافع عظيمة من وجود المؤسسات
المتخصصة التي تتناول القضايا النسائية وتتولى إعداد التصورات والدراسات
المختلفة حول القضايا التي تشغل المهتمين بالدعوة إلى الله عز وجل، ولا ينقضي
عجبي حين أرى أنه تكونت في لبنان مثلاً 150 جمعية نسائية كثير منها نصراني
أو يمثل الديانات اللبنانية المختلفة، وأجد مثلاً أن غاية (الجمعية المسيحية للشابات)
في بيروت هي (بناء رابطة من النساء والفتيات لتحقيق المبادئ والمثل العليا التي
ائتُمِنَّ عليها باعتبارهن مسيحيات جادات في تفهم تعاليم يسوع والاشتراك في
حبه مع الجميع والنمو في معرفة الله ومحبته والاقتداء به في محبة الغير وخدمة المجتمع) [3] . ولا أدري هل لا زالت هذه الجمعيات موجودة أم أن بعضها
توقف عن العمل، أو أن جمعيات جديدة أنشئت، فأنا محتاجة إلى دراسات تعطيني صورة واقعية عن النشاطات النسائية في العالم، وتُمِدُّني بحصيلة قوية أتمكن بها من الوعي بالواقع الذي يهمني بصفتي امرأة.
وشيء آخر ذو دلالة بهذه الجزئية: ما هو نشاط المنصِّرات وطرقهن للتعامل
مع ظروف المرأة في بعض البلاد الإسلامية؟ وما هي استراتيجيات هذه الحركات
وغيرها للتأثير على عقل المرأة المسلمة؟ وأورد فيما يلي بعض المقترحات،
وأجزم أن هناك أبعاداً أخرى لم أتناولها:
1 -
الخروج من دوامة ردود الأفعال، والعمل على صناعة الأحداث.
2 -
القيام بمتابعة النشاطات ذات العلاقة بالمرأة ورصدها من خلال ما ينشر
في الصحافة والمؤتمرات واللقاءات.
3 -
توفير المراجع العلمية ومساعدة الباحثين والباحثات في اختيار
الموضوعات التي نرى أنها مهمة وتحتاج إلى بذل جهود فكرية متميزة، وبدون
وجود مراكز دراسات متخصصة يصبح اختيار الموضوع وطرق معالجته نتيجة
لجهد فكري للباحث يعتريه ما يعتري الفرد من قصور.
4 -
ترشيد الكتابات الموجهة للمرأة منعاً للتكرار وتحقيقاً لتغطية مختلف
جوانب القضية المراد الحديث عنها. وسوق الكتاب النسائي الإسلامي يحتاج كغيره
إلى كتابات نقدية قوية حتى تخرج الأعمال بصورة تتناسب وعمق الأمر.
5 -
تكوين رأي عام مؤيد للرأي الشرعي المبني على الكتاب، والسنة
المستصحب لظروف الواقع. فكم أدى النظر للواقع مجرداً عن النصوص الشرعية
من فتنة لبعض الناس! وكم جر إغفال الواقع من صدور آراء لا تتفق والمقاصد
الشرعية!
6 -
التعرف على المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها المرأة: طالبة على
مقاعد الدراسة في الجامعة والمدرسة، أو عاملة لها زوج وأولاد، أو مطلقة، أو
ربة بيت، أو غير ذلك، ووضع الحلول الشاملة، وهذا يحتاج إلى إجراء بحوث
مكثفة وربما دراسات أكاديمية للوصول إلى أفضل الوسائل للتعامل مع هذه
المشكلات.
7 -
التعرف على الاتجاهات الفكرية المؤثرة في المجتمع وقياس قوة الخطاب
الشرعي ووسائل تنميته، وتعريف المهتمين بالقوى المختلفة ذات العلاقة.
8 -
التعرف على المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها المرأة، فالمرأة
أصبحت ذات دخل وهذا الدخل يعني أنها تريد مجالات لاستثماره ووجود دراسات
شرعية تساعد المرأة على أفضل الوسائل لاستغلال مالها وتنميته، كما أن هذه
الدراسات تتيح لها خيارات كثيرة تحقق المرأة المسلمة من خلالها عوائد في دينها
ودنياها. ونتيجة لغياب الطروحات الشرعية أصبحت المرأة تستثمر في مجالات قد
تؤدي إلى خسارة مالها أو تحقيق نسبة ضئيلة من الأرباح، كما تؤدي هذه الدراسات
دوراً كبيراً في توجيه اهتمام المرأة لصرف مالها بدل أن يبذل في أدوات تجميل
وجري وراء الموضة. ويكفي أن نعلم أن بلايين الدولارات تنفق على أدوات
التجميل في العالم سنوياً لا أعلم تحديداً كم نصيب عالمنا الإسلامي من هذا
المبلغ؟ !
9 -
التعرف على الجهود التي تستهدف تغيير تشريعات الأحوال الشخصية
التي كانت إلى وقت قريب إحدى البنود في الدساتير الوضعية التي لا تتعارض مع
الشريعة. والمعارك التي تمت في المغرب مثلاً ونتج خلالها بحمد الله تآزر وتكاتف
بين الغيورين هناك، نحتاج أن نعرف عنها أكثر من تحقيق ينشر في مجلة أو
اثنتين ثم ينسى بعد فترة. نحتاج إلى توثيق لكل هذه التطورات وإجراء الدراسات
القانونية الشرعية ومثل ذلك ما حصل في لبنان حول مسألة الزواج العرفي، وفي
مصر حول قضية إسقاط حق التطليق من الرجل وإعطائه للقاضي، وتطليق المرأة
إذا رغبت؛ كل ذلك يحتاج إلى مؤسسات متخصصة. ونقطة مهمة هنا أن محاربة
التصرفات المجحفة بحق المرأة في بعض البلاد والمطالبة بتغيير بعض التشريعات
التي لا تراعي حقوق المرأة لا يمكن أن يتم دون وجود تصور عن الواقع ومعرفة
بالبنود ذات العلاقة، وكل هذا يتطلب جهوداً كبيرة.
10 -
التعرف على مجالات العمل الإعلامي وإمكانية إنشاء مجلات أو دور
نشر متخصصة، وإجراء دراسات الجدوى الاقتصادية لمثل هذه المشروعات.
11 -
تنشيط حركة التأليف الأدبي الملتزم خاصة في مجال القصة والرواية
والشعر. والأدب لعب دوراً كبيراً في مسيرة سفور المرأة كما هو معلوم؛ ولذا فإن
من المهم قيام دور نشر متخصصة مثلاً برعاية المواهب الأدبية وتقديم نتاجهم الذي
يخدم الأمة عبر المطوية والكتاب والشريط وغير ذلك. وأركز على العناية بمواهب
الفتيات الأدبية وتربيتهن على الأدب الملتزم حتى لا يقعن وسط الضجيج الإعلامي
في تمجيد أمثال نزار قباني والبياتي وغيرهما من رموز الحداثة والفساد.
12 -
صناعة الرموز المصلحة من خلال إبرازهم للمجتمع، وتقديم القدوة
لكافة شرائح المجتمع النسائية؛ فتقدم مثلاً المرأة الواعية التي تنطلق من شريعة
ربها في فكرها وإنفاقها وتعاملها مع زوجها وأولادها، والعاملة الملتزمة المنتجة في
مجال عملها، وتلك التي تبذل في سبيل الإصلاح، والأديبة التي شغلتها هموم
المسلمين فتسخر موهبتها في معالجة شؤونهم.
نماذج من الدراسات النسائية المطلوبة:
من الأعمال التي من المؤمل قيام هذه المؤسسات المتخصصة بها ما يلي:
1 -
إعداد قاعدة معلوماتية لكل ما نشر عن المرأة في الصحافة العربية
وغيرها.
2 -
إجراء الدراسات الميدانية عن العادات الاجتماعية وأثرها على أنماط
السلوك النسائي في مختلف البلاد.
3 -
عمل الدراسات الاقتصادية لتوفير مشروعات لتنمية رأس المال النسائي.
4 -
إصدار دوريات ومجلات تخدم قضايا نسائية معينة وموجهة لطبقات
مختلفة؛ فدورية تُعنى بالشؤون التربوية، وأخرى لمعالجة قضايا فكرية، وثالثة
تخاطب البنت في المرحلة الثانوية والجامعية، ورابعة موجهة للمرأة العاملة،
وخامسة تتناول الأمومة والطفولة، وهكذا.. وليس بالضرورة أن تصدر هذه
الدوريات بصورة شهرية بل ربما كان صدورها مرة في السنة.
5 -
إقامة مجموعات عمل لمناقشة قضايا اجتماعية ملحة كالطلاق والعنوسة
وعمل المرأة وآثارها على بنية المجتمع وكينونة الأسرة، ووضع توصيات ومتابعة
تنفيذها مع الجهات ذات العلاقة.
6 -
بحث إمكانية التعاون بين الهيئات النسائية الدعوية القائمة في العالم.
7 -
التعاون مع الجامعات ومراكز البحوث لإدراج قضايا المرأة ضمن
أولوياتها والتعاون في اقتراح الأفكار والمشروعات العلمية. وكمثال على البحوث
الأكاديمية تناول تأثير القنوات الفضائية على أفكار البنات في المرحلة الجامعية.
8 -
متابعة المؤتمرات الدولية والمشاركة بفعالية بغرض الدفاع العلمي الرشيد
عن قضايا المرأة المسلمة.
عوائق في طريق التأسيس:
إذا كان ثمة اتفاق على حيوية وجود هذه المؤسسات فما هي يا تُرى العقبات
والصعوبات التي تقف أمام تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع؟ لعل بعض ما ذكر
عند مسألة أسباب غياب هذه المؤسسات في الماضي لا يزال يمثل حجر عثرة حتى
الآن. وألخص أبرز النقاط فيما يلي:
1 -
طبيعة هذه المؤسسات الجادة تجعل من نفر قليل من الناس قادراً على
تحمل عبء تأسيسها، وهذا النفر يكون منشغلاً بقضايا أخرى لا تقل عن هذا الأمر
أهمية في كثير من الأحيان.
2 -
تحتاج هذه المؤسسات إلى مبالغ مالية؛ لكونها تقوم باستقطاب فئة معينة
من الباحثين مما يعني ضرورة تفريغهم. والتعويل على العمل التطوعي لا يعني
الاستقرار كما أنه لا يعني عملاً مؤسسياً.
3 -
حساسية الموضوعات المطروحة وصعوبة إجراء الدراسات الميدانية
بحرية كافية.
4 -
قلة الخبرة بالعمل المؤسسي لدى قطاع عريض من المهتمين، وكذا
ضعف القدرات الإدارية.
كلمة أخيرة:
وفي ختام هذه الورقات أحب أن ألفت نظر إخواني وأخواتي إلى بعض
الأمور:
1 -
ضرورة استحضار الإخلاص في هذا الأمر؛ إذ إنه من وسائل الدعوة
إلى الله عز وجل، وبدون الإخلاص تصبح كل هذه الأعمال هباءاً منثوراً يوم الدين.
2 -
الثقة بنصر الله والتفاؤل بالخير خاصة في مثل هذا الوقت الذي قلَّ فيه
الناصر، وهكذا كان هدي الرسول عند الفتن تفاؤلاً وحسن ظن بالله وثقة به مع
العمل الجاد المستمر.
3 -
أن المرحلة التي نعيشها تتطلب اهتماماً كبيراً بقضايا المرأة.
4 -
ما جاء من معلومات أو أفكار يحتمل الخطأ؛ وإنني أتمنى موافاتي بأي
ملاحظة أو تصويب أو تعقيب؛ بحيث يتبلور العمل وتنفتح آفاق دعوية جديدة
للمرأة المسلمة في العالم أجمع.
أسأل الله أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى مرضاته، وأن يجعل نياتنا خالصةً
لوجهه، وأن يبصِّر نساء المسلمين بدينهن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1) مجلة الوسط، عدد 414.
(2)
الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي إصدار اليونسكو، 521.
(3)
الطاقات النسائية العربية، ص 153.