الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكر
أضواء على مشاريع
دراسة التراث والعقل العربي
محمد بن حامد الأحمري
بدأ غير المسلمين دراسة التراث الإسلامي منذ ما يزيد عن قرن ونصف
وامتدت هذه الدراسات لتغطي مساحة واسعة في العلوم الإسلامية لا تدع شيئاً إلا
كان لها فيه رأي. تلد الدراسة انطلقت من المنهج النقدي للفكر اليوناني وللكنيسة
الأوربية. وتعاملت مع العلوم الإسلامية بالأسلوب نفسه.
ونحن لا نطالب هؤلاء الدارسين بما يفوق طاقتهم وانغلاق ثقافتهم،
والانغلاق المنهجي هو أبرز مقومات الفكر الغربي، إذ القاعدة عندهم أن فكر العالم
وتاريخه هو تاريخ أوربا موسعاً وذلك ما تشهد به كل المدارس النقدية والمذهبية
هناك، ولا يفسر هذا القول بأنهم جهلة بما عند غيرهم، هذا مالا نتحدث عنه هنا،
إنما المراد أن كل علم أو ثقافة خضعت للأسلوب النقدي الأوربي المعد مسبقاً
للأجواء الوثنية وعصور الظلام كما يسمونها سنضرب هنا مثالين سريعين لهذه
القضية حتى يمكننا أن نتجاوز إلى ما نريد:
1-
المستشرق فون كريمر عندما درس التاريخ الإسلامي كان يعيش فترة
انتعاش القوميات الأوربية، ويشاهد القومية الألمانية في بنائها ومجابهتها للآخرين
فتناول التاريخ الإسلامي، وفسره تفسيراً قومياً يناسب المسار الذي يعانيه الكاتب،
وهكذا رأى أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وقيام الدولة المسلمة إنما كان
حاجة قومية عربية.
2 -
المثال الآخر الكاتب الفرنسى الماركسي مكسيم رودنسون وهو كاتب
معاصر لم يزل يخبط ويخلط وتتبعه الإمعات في العالم الإسلامي يصدر كل يوم
دراسة ماركسية للتاريخ الإسلامي، وهكذا تجد روح اليسار الفرنسي أو الأمريكي
في دراسته العلوم الإسلامية.
دراسة أحمد أمين:
وعندما ندرس هذه الموجات في بلادنا الإسلامية تواجهنا دراسات حديثة
للتراث الإسلامي كان أولها إنتاج أحمد أمين في مشروع واسع وجاد اهتم بالنواحي
العقلية والثقافية لدى المسلمين، وهذا المشروع نشاً في أحضان المنهج الاستشراقي
إذ اتفق ثلاثة من أساتذة كلية الآداب في القاهرة أحمد أمين وعبد الحميد العبادي
وطه حسين على أن يقوم الأول بدراسة الحياة العقلية، وأن يدرس العبادي الحياة
السياسية، وطه حسين الحياة الأدبية ومشروع أحمد أمين جزء من كتاب كبير يضم
هذه الأقسام الثلاثة وقد قراً الثلاثة مشروع هذا العمل وأقروه.
وأحمد أمين شيخ أزهري تمكن من علوم الشريعة واللغة العربية، ثم درس
ودرّس في مدرسة القضاء الشرعي، واتصل بمديرها عاطف بك بركات، وكان
صاحب تعليم أزهري وغربي في انجلترا، وأيضاً كان ملتزماً بتوجه عقلي صريح
يقول أحمد أمين: (فقد كنت إلى هذا العهد أحكم العواطف لا العقل، لم ولا أسمح
لنفسي بالجدل العقلي في مثل هذه الموضوعات فالدين فوق العقل، فإذا جاء فيه ما
فوق العقل آمنا به، لأن علم الله فوق علمنا، والله أعلم بما يصلحنا ويغيرنا)
(وعاطف بك بركات يأبى إلا تحكيم العقل والبحث عما لا نفهم حتى نفهم،
وكان له غرام بالبحث وصبر على الجدل وكان من أثر هذا الجدل الديني أنى
أعملت عقلي في تفاصيل الدين وجزئياته) ويقول في موضع آخر: (وقد أثر في
أثراً كبيراً - يعني أستاذه عاطف - من ناحية تحكيم العقل في الدين) .
هذه النظرة العقلية الغربية التي لم تكن محدودة عنده أفسدت عليه جوانب
خطيرة في كتبه، إذ اضطر إلى مسايرة المعتزلة، وإلى الطعن في الحديث وكذا
أفسد عليه تقديسه لمناهج المستشرقين وقد صرح بحبها واحترامها واستفادته منهج
البحث منها، ولا يعيبه هنا أن استعار منهج البحث ولكن الذي حدث له هو نقل
الأفكار والنظريات والبحث لها عن شواهد فيما يدرسه.
ومن الغريب أنه وهو يدرس هذه القضايا يقول في فجر الإسلام: (مسلكنا في
سائر ما يروى من الحوادث التاريخية وما يروى من أحاديث أن نمتحنها من
ناحيتين: من ناحية السند، ومن ناحية المتن) وفى التطبيق يساوي بين ما يلي:
كتب الحديث، وكتاب التسلية والكذب الواسع (الأغاني) وكتب المستشرقين حتى
لا تكاد تخلص من (نولدكه) و (براون) و (دي ساسي) وغيرهم.
خلاصة ما وقع لأحمد أمين التورط ما بين العقلانية الحديثة والاعتزال
والمستشرقين وعدم التمييز في المصادر، وعلى الرغم من كل هذه العيوب فعمله لم
يكن مسبوقاً بشيء يفيد منه ويجنبه تلك العيوب وهو خير من كثير ممن جاءوا بعده
ودرسوا القضايا نفسها، ولا يفارقك الإحساس بوجود روحه الإسلامية وثقافته
الشرعية فيما كتب مما يدعو للتعاطف والتقدير ولعله أحسن النية ولكنه كان ضحية
لموجة التحديث والعقلنة وبداية المشاريع العلمانية التي لم يدرك أبعادها.
أما المشاريع الأخرى في دراسة التراث فمن أهمها الدراسة الشيوعية والتي
يعد أبرز أفرادها د. حسين مروة في كتابه النزعات المادية في الفلسفة العربية
الإسلامية، والدكتور طيب تزيني، وقريباً من هذا مشروع محمد عابد الجابري في
كتبه (تكوين العقل العربي) و (بنية العقل العربي) و (نحن والتراث) والذي لا
يساير المنهج الماركسي تماماً في تقليديته ولكن يستفيد من اليسار الفرنسي ويراوغ
مع عدم وضوح في مدرسته الفكرية وهو في النهاية تلميذ وفّي ومقلد لـ (ميشيل
فوكوه) من رواد الفلسفة البنيوية الكبار.
المدرسة الماركسية:
المدرسة الماركسية في دراسة التراث هي أكثر إنتاجاً وأكثر تقليدية وجفافاً،
كما إنها لا تقدم شيئاً يستحق الاهتمام أو الجدة، لم؟ لأن الماركسيين في العالم
يعتقدون أن فلاسفتهم الأوائل قد قاموا بعملية التفكير والتقرير، وفرغوا منها فما
على هؤلاء سوى البحث عن الشواهد والتطبيق، وكان أول روادهم بندلي جوزي
في كتابه (من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام) والذي يشيد فيه بالإسماعيلية
ومحافظتهم على مطلبهم الأكبر المثالي ومذهبهم الاشتراكي، ويتباكى جوزي على
فقدان التعاليم الاشتراكية للقرامطة وعلى نسيانهم لها.
ويدأب هؤلاء على الرفع من شأن المنحرفين والمنحلين والساقين بل والذين
خانوا بلادهم وقومهم، فبندلي جوزي يمجد بابك الخرمي ويشيد باشتراكيته في
الوقت الذي يذكر في معاهداته مع امبراطور الروم ضد المسلمين، ويتمنى لو قامت
الدولة الشيوعية لبابك على أنقاض دولة المعتصم العباسي، ويصف هذا المضبوع
أفكار بابك وطموحاته أنه لو نجح لأقام (دولة جديدة أساسها العدل والإخاء والمساواة) ، هكذا أي عدو للإسلام سيكون عندهم خيراً وأولى حتى لو دمر دمار الزنج وثورتهم.
وثورة الزنج في رأي هؤلاء من أعظم الثورات في العالم: ثورة العمال
والبروليتاريا، الثورة التي يشيب لهولها الولدان لما فعل الزنج من قتل لكل الناس
للعلماء والأطفال والنساء واستباحة البصرة واستعباد أهلها هي عند أصحاب هذه
الدراسات الماركسية قمة التقدمية والاشتراكية.
اليسار الإسلامي:
أما أعمال د. حسن حنفي وما يسمى باليسار الإسلامي فقد لخص في مقدمته
لكتاب الحكومة الإسلامية نزعته الثورية على ما فيها من سخرية ونقد لمذهب أهل
السنة، وهو في حماسته لقضايا المنهج الثوري ينسى مواقع الاتفاق والاختلاف مع
هذه الفرق.
وفى كتابه التراث والتجديد الذي يرى أنه أشبه بمقدمة ابن خلدون بالنسبة
لكتابه تاريخ العرب والبربر ولكنه هذه المرة عن النهضة وليس عن الانهيار.
نظرات الرجل النقدية وسخريته من الواقع والتراث تصل إلى حد غير مؤدب
في كثير مما يتناول بالبحث وهو يرى نفسه ثائرا إسلاميا ولكن من منطلقات يدرك
هو تماما أنها غير إسلامية، وإلا فما جدوى الاحتقار لما لدى المسلمين، وهل
الاحتقار هو الحل؟ ومن يراجع بعض ما كتب يجد المنطلقات الطبقية فيما يكتب،
وثوريته تجعله لا يتأدب أحياناً حتى مع لفظ الجلالة، كما أن الجوانب الإيمانية
والروحية لا تكاد توجد في هذه المعالجة غير الإسلامية وبخاصة أن حنفي فيما
يصرح ويكتب يرى أنه يحمل الحل الوحيد النادر! ولو تأمل بضاعته لعلم أنها
غريبة كل الغرابة عن روح هذه الأمة.
الزيارة بين النساء
على ضوء الكتاب والسنة
-2-
خولة درويش
استئذان الزوج في الخروج:
إن الإسلام يأمر بالنظام في كل الحالات، في العادات والمعاملات، في
السفر والحضر، فإذا خرج ثلاثة في سفر دعا إلى تأمير أحدهم، لذلك وتنظيماً
للمجتمع فقد جعل قوامة الأسرة للرجل، فهو أقدر على القيام بهذا الاختصاص من
المرأة، إذ جعل مجالها الطبيعي يتناسب مع فطرتها النفسية وتكوينها الجسمي،
وهو إمداد المجتمع المسلم بالأجيال المؤمنة المهيأة لحمل رسالة هذا الدين.
ولا أحد ينكر فضل الاختصاص من حيث قلة الجهد، وجودة المردود، سواء
في النواحي المادية أو الإنسانية، هذه الرئاسة والقوامة تقتضي وجوب طاعة المرأة
لزوجها، وقد جاء في الفتاوى لابن تيمية: (والمرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك
بها من أبويها، وطاعة زوجها أوجب، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال:) الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة، إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسك ومالك (.
وفى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:) أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة (وقال الترمذي حديث حسن.
وقد ورد أيضاً في المسند وسنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان عن ابن أبى
أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا
يا معاذ؛ قال: أتيت الشام فوجدتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في
نفسي أن نفعل ذلك بك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) لا
تفعلوا ذلك، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها. والذي نفسي محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها
ولو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه (.
وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه وحفظ
حدود الله فيها، ونهاها أبواها عن طاعته في ذلك فعليها أن تطيع زوجها دون أبويها.
وإذا نهاها الزوج عما أمر الله أو أمرها بما نهى الله عنه لم يكن لها أن تطيعه
في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق ( [1] .
هذا، وطاعة الزوج ليست تسلطاً منه، ولا امتهاناً للمرأة، وانتقاصاً
لشخصيتها، إنما هي من طاعة الله والقربات إليه التي تثاب عليها ويجب أن تعتز
بها
…
وهذا ما يميز المسلمة الواقفة عند حدود الله عن العابثة المتسيبة، التي لا
أب يردها ولا زوج يمنعها، تخرج من البيت متى تشاء وحيث تشاء، فتزرع هذا
الشر لتحصد الندامة فيما بعد بمشاكل لا تنتهي، واتهامات كثيرة، وواقع مرير،
ونتائج وخيمة، ولا ينجي من ذلك إلا العودة إلى تحكيم شرع الله:[وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بالْمَعْرُفِ ولِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ][البقرة: 228] ، وهذه الدرجة هي
قوامة الأسرة.
(ولا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، سواء كان ذلك لكونها
مرضعاً أو لكونها قابلة أو غير ذلك من الصناعات، وإذا خرجت من بيت زوجها
بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة) [2] .
وهكذا فخروجها للعمل بغير إذن زوجها نشوز عن طاعة زوجها وعصيان لله
ولرسوله فكيف إذا خرجت للتزاور أياً كان السبب؟ ! ! ولو كان ذلك لزيارة والديها
المريضين.
(للزوج منعها من الخروج من منزلها إلى مالها منه بد، سواء أرادت زيارة
والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما. قال أحمد في امرأة لها زوج وأم
مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها) [3] .
وحتى الخروج للعبادة تحتاج معه إلى إذنه) عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد للعبادة
فأذنوا لهن (.
وعن ابن حبان من حديث زيد بن خالد:) لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (قال
القسطلاني: أي إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن، وذلك هو الأغلب في ذلك الزمان، بخلاف زماننا هذا الكثير الفساد والمفسدين وقد ورد في بعض طرق الحديث ما
يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد وذلك في رواية
حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ:) لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير
لهن (، وحديث عائشة رضى الله عنها في منع النساء علقته على شرط لو رأى رسول الله ما أحدثته النساء.
وفى رواية عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً:) إذا
استأذنت امرأة أحدكم - أي أن تخرج إلى المسجد أو ما في معناه كشهود العيد
وعيادة المريض - فلا يمنعها (.
قال القسطلاني. وليس في الحديث التقييد بالمسجد، إنما هو مطلق يشمل
مواضع العبادة وغيرها.
ومقتضى الحديث: أن جواز خروج المرأة يحتاج إلى إذن الزوج) [4] .
أما قول القائل: إنهن لا يخرجن من بيوتهن مطلقا لقوله تعالى: [وقَرْنَ في
بُيُوتِكُنَّ] فليس بحجة له بدليل قوله تعالى بعدها: [ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ
الأُولَى] والمقصود به عند خروجهن.
(ومعنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى
الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى هذا لو لم يرد دليل يخصص جميع
النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا
لضرورة) [5] .
(وليس معنى هذا الأمر ملازمة البيوت فلا يبرحنها إطلاقاً، وإنما هي إيماءة
لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن وهو المقر وما عداه استثناء طارئاً
لا يثقلن فيه ولا يستقررن وإنما هي الحاجة وتقضى وبقدرها) [6] .
وقد عرف عن أمهات المؤمنين والصحابيات أنهن كن يخرجن في حوائجهن
وللمشاركة في الغزو.
(فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه
إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى) [7] .
وفيه خروج للنساء في الغزو والانتفاع بهن في السقي والمداواة لمحارمهن
وأزواجهن وغيرهم مما لا يكون فيه مس بشرة إلا موضع الحاجة.
وهذه أم عمارة تحدثنا حديثها يوم أحد: (خرجت أول النهار ومعي سقاء فيه
ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والريح والدولة
للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وأرمى
بالقوس حتى خلصت إليّ الجراحة.
وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا ورأيتها تقاتل دوني)[8] .
وتستأذنه صلى الله عليه وسلم أم سنان الأسلمية في الخروج إلى خيبر للسقيا
ومداواة الجرحى فقال لها عليه الصلاة والسلام: «فإن لك صواحب قد أذنت لهن
من قومك ومن غيرهم فكوني مع أم سلمة» [9] .
وفي خيبر أيضاً عن امرأة من بني غفار قالت: (أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في نسوة من بني غفار فقلنا: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى
وجهك هذا - وهو يسير إلى خيبر - فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا. فقال:) على بركة الله (فخرجنا معه)[10] .
(حتى المقعدة فلها الخروج في حوائجها نهاراً، سواء كانت مطلقة، أو
متوفى عنها، لما روى جابر قال: طُلقتْ خالتي ثلاثاً فخرجت تجذ نخلها فلقيها
رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:) اخرجي فجذي نخلك
لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا (.
وروى مجاهد قال:) استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقلن. يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا
بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن حتى
إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها ( [11] .
ويدخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة رضى الله عنها وعندها
امرأة قال: من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال:) مه، عليكم بما
تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا، فكان أحب الدين إليه مادام عليه
صاحبه ( [12] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان.
كما طلب من الشفاء - وهى من المهاجرات الأول وبايعت النبي صلى الله
عليه وسلم وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن - قال لها صلى الله عليه وسلم:
«علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة» [13] .
وكيف يكون تعليمها إلا بلقائها معها وخروجها إليها.
فهذه كلها حالات تخرج فيها المرأة بمعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم
وإقراره بخروجها أو أمره وإذنه الصريح به، فلو كان المقصود بالقرار في البيت
عدم الخروج المطلق لنهى عن الخروج ولما أذن به.
ثم إن الحبس الدائم للمرأة في البيت ما هو إلا عقوبة شرعية - كان قبل أن
يشرع حد الزنا فنسخت هذه العقوبة بالحد الشرعي - أقول كان الحبس في البيوت
للمرأة التي تأتي الفاحشة وذلك لقوله تعالى: [واللَاّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ
فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ
أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً] [النساء: 15] .
أما المرأة العفيفة الملتزمة بأحكام دينها، والتي تراقب الله تعالى في حركاتها
وسكناتها فهي تقدر شرف مهمتها وعظم مسئوليتها: إنها إن قرت في بيتها فهي في
عمل واعٍ يقظ، لا فراغ اللاهيات ولا تفاهة العابثات من ربات الفيديو والأزياء
والسينما
…
إنها تعد لأمتها الإسلامية أبطالها الذين يستعيدون مجدها فتربيهم على الاعتزاز
بقيم الإسلام ليفدوه بأنفسهم إن واجههم الخصوم، ويعملون وسعهم لإعلاء كلمة الله.
وإن أرادت الخروج من بيتها فلن يكون ذلك إلا إن كانت المصلحة الشرعية
في الخروج راجحة عنها في البقاء.
وإن خرجت: فبالحدود المشروعة وبالطريقة المشروعة، تستأذن الزوج
المسلم ولا تخرج بغير إذنه، وإلا اعتبرت عاصية لمله ولرسوله، وبالمقابل
فزوجها المسلم يرعى الله فيما ائتمنه، فيحرص على أن يبعدها عن الشبهات
ومواطن الزلل. ويأخذ بيدها إلى كل خير، ليشاركها أجرها سواء كان زيارة
أقاربها وصلتهم أو بر والديها، أو صلة أخواتها في الله، أو العلم المشروع.
ثم إن الأصل أن ينبني البيت المسلم على المودة والرحمة، لا الغلظة والتسلط. فالزوج والزوجة كلاهما يحكم الشرع ويزن الأمور بمقياسه، فلا يتعسف الرجل
في استعمال حقه الذي منحه الله إياه ويحفظ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم
بالمرأة:) استوصوا بالنساء خيراً (وبالمقابل لا يجمح الهوى بالمرأة ولا تستكبر
عن طاعة زوجها فتكون في عداد الناشزات.
أما عند عدم الزوج لوفاته، أو لعدم زواج المرأة. فتستأذن أبويها وهذا من
برهما وحسن صحبتهما فهما أحرص الناس على حسن سمعتها وجلب الخير لها.
(1) الفتاوى لابن تيميه 32/من260-264 بإيجاز.
(2)
الفتاوى لابن تيمية 32/281.
(3)
المغني 7/20.
(4)
عون الباري 2/285-287باختصار.
(5)
أحكام القرآن للقرطبي 14/179.
(6)
في ظلال القرآن، سيد قطب، 5/2859.
(7)
شرح صحيح مسلم 12/88.
(8)
الإصابة 4/457.
(9)
الإصابة 4/443.
(10)
البداية والنهاية لابن كثير، 4/204.
(11)
المغني 7/226.
(12)
فتح الباري 1/101.
(13)
الإصابة 4/333.