الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما جديد حكومة الاحتلال في العراق
؟!
طلعت رميح
يبدو بدهياً القول بأن الحكومة الجديدة في العراق ليست إلا حكومة احتلال جديدة لا أكثر ولا أقل، وأن كل الوقائع والمؤشرات، بل والتصريحات الرسمية تدل على ذلك. ولعل أهم الاعترافات في هذا الشأن ما قاله الأخضر الإبراهيمي الذي شارك في تشكيل الحكومة والذي اختار توقيت تشكيلها ليقول:«لا أعتقد أنه ـ أي الحاكم الأمريكي للعراق ـ لا يمانع في قولي ما يلي: بريمر هو ديكتاتور العراق؛ فلديه المال وصلاحية التوقيع» .. وهو قول صحيح وإن نقص منه أن بريمر أيضاً هو مالك لقوة عسكرية على الأرض العراقية يزيد تعدادها عن 138 ألف جندي.. وهي قوة احتلال.. ومن ثم فإن الحكومة الجديدة هي حكومة للاحتلال.
ويبدو بدهياً كذلك القول بأن هذه الحكومة لا شرعية لها؛ إذ هي لم تُشَكَّل من خلال انتخابات، ولا من خلال أي درجة من درجات المشاركة الشعبية العراقية، بل جاءت عملية تشكيلها صورة تراجعية عما كان أُعلن من قبل، من تشكيل مؤتمر موسع من أطياف عراقية يتولى هو تشكيل الحكومة وإعطاءها الشرعية، فجاءت غير معبرة بأية درجة عن إرادة الشعب العراقي، وقد تمت عملية تشكيلها بالتشاور بين بريمر [1] وهو بريمر نفسه.. وبريمر [2] الذي هو مجلس الحكم الذي جلبته قوات الاحتلال من الخارج وعينه الاحتلال.. وبريمر [3] الذي هو ممثل الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي الذي انحصرت نتيجة دوره في وضع خاتم الأمين العام للامم المتحدة عليها. والإبراهيمي صاحب خبرة متميزة في إعطاء الشرعية للحكومات التي يشكلها الأمريكان بعد احتلالهم الدول بنيل غطاء الأمم المتحدة لها، وسابق خبرته في أفغانستان معروفة. وقد كان من الطبيعي وفق تشاور بريمر مع نفسه ثلاث مرات أن يكون رئيس الحكومة حسب القول الذي لم ينكره أو يرفضه هو أحد رجالات المخابرات الأمريكية، وأن تاتي الحكومة من داخل عضوية مجلس الحكم الذي شكله الاحتلال ومن داخل عضوية الوزارة السابقة التي عيَّنها الاحتلال ومن ترشيحات من داخل القوى ـ إذا جاز التعبير ـ التي جاءت مع قوات الاحتلال من الخارج.
ويبدو بدهياً أيضاً القول بأنها هي حكومة بلا سيادة؛ إذ لا صلاحيات لها أو لديها في مجالات السياسة الخارجية. النفط كمثال، ولا الداخلية، والأمن والجيش كمثال آخر. وإذ حرص الأمريكان وقصدوا الوضوح أو شدة الوضوح في هذا الشأن حتى لا يختلط الكلام الدعائي الذي يطلقونه حول السيادة بالوضع القانوني والصلاحيات الفعلية التي هي بعيدة عن كل ذلك، وقد كرر باول عدة مرات «أن الحكومة العراقية لن يكون لها حق الاعتراض (الفيتو) على عملياتنا العسكرية» .. وهو قول مؤكد؛ إذ إنه ومن الأصل لا سيادة لحكومة في بلد يحتل أرضها جيش بلد آخر؛ وكذلك لأن الكلام عن السيادة وتسليم السلطة لا يخرج عن إطار تحقيق أهداف الاستيعاب الشعبي داخل العراق بتغيير صورة حكم الاحتلال المباشر إلى الصورة الأكثر خطراً على الشعوب، أي صورة الاحتلال المستتر، أو لأنها محاولة لتغيير الموقف الدولي من الاحتلال وتغيير الوصف القانوني لوجود قوات الاحتلال العسكرية الأمريكية حسب توصيف القرار 1483 إلى توصيف الدولة الأقل من مستقلة شكلياً والمحتلة فعلياً، وبدعوة من حكومتها؛ حيث المتوقع أن تعلن حكومة الاحتلال الجديدة دعوة قوات الاحتلال للبقاء بعد ساعات من تغيير هذا الوصف، وفور صدور قرار مجلس الأمن أو يوم 30 يونيو فور إعلان الحالة الجديدة ـ القديمة.
ويبدو بدهياً القول إن حكومة احتلال العراق قد جاء تشكيلها وفق نفس القاعدة التي اعتمدها الاحتلال منذ احتلال بغداد، أي قاعدة التحالف مع قطاع رئيسي من الشيعة، والتحالف مع الحالة العرقية الكردية المتعصبة ومحاصرة السنَّة، أو إضعاف كل شكل لتمثيلهم؛ حيث جاء رئيس الوزراء من الشيعة (أيد السيستاني الحكومة وعاد إلى لعبة التحسين من داخل عباءة الاحتلال بعد مرحلة من الصمت خلال الاشتباكات مع ميليشيا مقتدى الصدر) واحتل الأكراد موقعاً بين نائبي رئيس الجمهورية، ونال الشيعة موقع النائب الثاني.. إلخ. ولم يشذ عن هذا التقسيم سوى الانتماء الأصلي للرئيس المؤقت الذي هو صاحب موقع شرفي بلا سلطة أو صلاحيات.
يبدو بدهياً كل هذا وغيره، ومع ذلك فإن فكرة تشكيل هذه الحكومة المؤقتة حملت دلالات هامة ينبغي دراستها وفهمها جيداً.
_ حكومة تعكس أزمة الاحتلال:
تبدو الدلالة الأولى والأهم أن عملية تشكيل الحكومة عكست الأزمة التي يعاني منها الاحتلال سواء كان مظهر ذلك هو التضارب والاختلاف خلال عمليات تشكيلها، وخلال عملية اختيار الرئيس المؤقت تحت الاحتلال، أو كان ذلك ظاهراً من عمليات تغيير العملاء، والصراع بين المرتبطين بوزارة الدفاع الأمريكية وأجهزتها العسكرية ـ أحمد الجلبي الذي كان طامحاً في رئاسة مجلس الوزراء ـ ووزارة الخارجية والمخابرات ـ إياد علاوي الذي فاز بالوزارة ـ أو من خلال بروز الخلافات داخل صفوف الذين تعاونوا مع الاحتلال، وهو أمر يلفت النظر؛ إذ إن هذه الاختلافات حول مغانم السلطة الجديدة قد دفعت واحداً من الذين ارتبطوا بالاحتلال، محمود عثمان ـ أحد الاعضاء الممثلين للحالة الكردية العرقية المتعصبة في مجلس الحكم ـ إلى وصف بريمر بأنه في ديكتاتوريته مثل صدام حسين.. أو كان ذلك واضحاً من حالة الاضطراب التي حدثت خلال عملية التشكيل؛ حيث تضاربت مواقف العملاء والموالين والمتعاونين مع الاحتلال.
لكن الأهم من كل ذلك هو أن اجتماع إعلان المختارين لرئاسة الجمهورية والوزراء ورئيسهم قد جرى بشكل سري وفي مكان سري لم يُعلن عنه، وهو ما يعني ببساطة شديدة أن المنطقة التي كانت تعتبرها قوات الاحتلال أشد المناطق أمناً ـ وهي ما سمي بالمنطقة الخضراء وهي القاعدة العسكرية الأمريكية الرئيسة ـ والتي بها مقر قوات الاحتلال ومجلس الحكم لم تعد آمنة إلى الدرجة التي يعقد فيها مجرد اجتماع؛ كما أن هذا الاجتماع قد جرى في غياب أي أمريكي وهو إن كان مقصوداً منه مسالة شكلية وخداعية بأن الأمر يجري وفق اختيارات عراقية؛ إلا أنه كشف مدى ما وصلت إليه سمعة الاحتلال من كراهية بين الشعب العراقي؛ إذ لو لم يكن الأمر كذلك لكان الاحتفال يوم يظهر فيه بريمر يبدو بمظهر الذي يعطي العراقيين السيادة في احتفالات ترتب على الطريقة السينمائية الأمريكية التي جرت في إسقاط تمثال صدام حسين.
_ وتعكس صعوبة الموقف الدولي الأمريكي:
والدلالة الثانية في تشكيل الحكومة العراقية هي أن عملية التشكيل عكست مدى صعوبة الموقف الدولي للولايات المتحدة؛ سواء مع حلفائها في العدوان واحتلال العراق، أو معارضيها؛ وإذا كان الشكل المباشر لهذه الأزمة هو جلب الأخضر الإبراهيمي لإسباغ الشرعية الدولية على تشكيل الحكومة؛ فإن خلافاً قد برز وخرج للعلن بين واشنطن ولندن حول صلاحيات الحكومة العراقية حينما أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن الحكومة الجديدة سيكون لها حق الاعتراض على أية عمليات عسكرية. وحينما قال رئيس الوزراء الإيطالي: إننا «نتطلع إلى فتح واضح في السياسة بحيث يؤدي ذلك إلى سيادة كاملة في العراق، فرد عليهم كولن باول بأن الحكومة العراقية لن يكون لها حق الاعتراض (فيتو) على عملياتها العسكرية. أما المؤشر الأهم على الوضع الدولي الأمريكي في العراق؛ فهو أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد اضطرتا إلى تعديل القرار المقدم إلى مجلس الأمن الدولي من أجل إعلان دخول العراق مرحلة جديدة تحت الاحتلال، وأن فرنسا وروسيا قد طلبتا مجدداً تعديل القرار في ضغط جديد على الموقف الأمريكي.
ومن خلال متابعة الاعتراضات على المشروع الأمريكي البريطاني والإضافات والتعديلات المطلوبة عليه من الدول الأخرى نجدها في مجموعها تستهدف إنهاء السيطرة الأمريكية المنفردة على العراق، وتكثيف الضغط على الوضع الداخلي للرئيس بوش في حملته الانتخابية؛ وذلك من خلال التركيز على ما يلي:
أولاً: تحويل الجيش الأمريكي المحتل في العراق إلى «صفة وصلاحيات القوة الأمنية بوضعها تحت سلطة وسيطرة الحكومة العراقية» وذلك هو ملخص الفارق بين قيام القوات الأمريكية بعملياتها العدوانية دون سلطة من قوات الاحتلال، أو أن تقوم بهذه العمليات تحت سلطة وسيطرة هذه الحكومة، وهو أمر ليس ذا طابع شكلي كما يُتصور، وإنما هو بالأساس وضع قانوني يلغي الصفة السياسية لقوات الاحتلال، ويلغي الرجوع إليها دولياً، بل هو يمثل السابقة الأولى للقوة العسكرية الأمريكية التي ترفض مجرد محاكمة جنودها أو ضباطها أمام المحاكم الدولية، وهو أيضاً ما يتعارض مع قوانين القوات المسلحة الأمريكية التي تمنع وجود أية قوة أمريكية في الخارج من العمل تحت إمرة أي قيادة أخرى، وهو أمر بطبيعة الحال يمنح الشعب العراقي حق مقاومة وجود هذه القوات أمام القانون الدولي، وحق طرد هذه القوات، في حال قدرته على تشكيل سلطة وطنية.
ثانياً: إعادة سيطرة مجلس الأمن على العراق بديلاً للسيطرة الأمريكية، وهو ما يظهر من التعديل المطلوب بعودة لجنة «أنموفيك» ـ لجنة مراقبة ونزع أسلحة الدمار الشامل العراقية ـ إلى العمل في العراق لإغلاق ملف الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وكذلك عودة هيئة الطاقة الذرية للعمل في العراق لإغلاق الملف النووي، وهي عودة تعني قبول الولايات المتحدة للاعتراف بعدم نجاعة خطتها في غزو العراق واحتلاله، وتعني فضيحة دولية للولايات المتحدة بكذب كل ادعاءاتها بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل وبصفة رسمية من خلال هيئة الأمم المتحدة.
ثالثاً: الانتظار مدة من الوقت لتحديد مدى قبول الشعب العراقي بالحكومة الجديدة، وهو ما يعني تعرُّض الخطة الأمريكية لخطر محقق؛ حيث إن استمرار المقاومة بعد تشكيل الحكومة وتصاعد حالة الرفض لها يصبح موضعاً لمزيد من الضغط على الولايات المتحدة لتقديم مزيد من التنازلات أمام الأقطاب الدولية الأخرى الطامعة في اقتسام ثروات العراق، وهو ما يعني مزيداً من إحباط الهدف الأمريكي في استعجال إنهاء تشكيل الحكومة العراقية لدعم الموقف المتهاوي للرئيس الأمريكي في استطلاعات الرأي العام داخل الولايات المتحدة.
_ بوش يعترف بالمقاومة:
يبدو التساؤل الأهم هو: لماذا كل هذا الذي جرى والذي هو من أوله إلى آخره ليس ناتجاً لا عن رغبة الولايات المتحدة ولا حلفائها ولا هو كان في حساباتها؟ والعامل الحاسم الذي أجبر الولايات المتحدة هو المقاومة والجهاد العراقي الذي هو أيضاً العامل الأساسي الذي تعتمد عليه المواقف الخارجية التي تضغط على الولايات المتحدة. واللافت للنظر أن قوة المقاومة العراقية لم تتمكن من تحقيق كل ذلك وغيره خاصة الإعلانات المتتالية من قادة عسكريين أمريكيين بهزيمة الاحتلال استراتيجياً رغم استمراره في العدوان والقتل، ولكنها أجبرت الرئيس الأمريكي نفسه في حالة نادرة على فكره وعقله للاعتراف بحقها المشروع في المقاومة؛ إذ قال لمجلة «باريس ماتش» :(إن مهمة القوات الأمريكية في العراق لا تزال صعبة) داعياً المجتمع الدولي إلى التعاون لتحقيق الاستقرار في هذا البلد، وأضاف:(أنا لن أحتمل أن يكون بلدي محتلاً..) وقال مشيراً إلى المقاومة العراقية: (ليسوا جميعاً إرهابيين. الانتحاريون كذلك ولا المقاتلون الباقون.. إنهم لا يتحملون الاحتلال..) !!
(*) رئيس تحرير جريدة الشعب المصرية سابقاً