الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكر
التفكير الذري
محمد محمد بدري
لكل نشاط عملي علاقة مباشرة بالطريقة التي يفكر بها صاحبه، فإذا أصيب
التفكير بمرض من الأمراض أو انعدم التفكير تماماً فإن ذلك النشاط يصبح مختلاً أو
مستحيلاً! !
ولقد أصيب كثير من المسلمين بمرض خطير يجعلهم في حيرة أمام كثير من
أمور الواقع لا يقدرون على فهمها، فما هو هذا المرض؟ ! إنه مرض «الذرية»
أو (الجزئية) في التفكير وهو مرض يمنع صاحبه من أن يربط بين الأحداث
والوقائع، بحيث يجعلها داخلة تحت قاعدة واحدة أو يستخلص منها حقيقة كلية عامة، فالمصابون بهذا المرض ينظرون إلى الوقائع والأحداث حولهم وكأنها ذرات
متناثرة لا يربطها أي رباط عضوي أو يجمعها سياق واحد، وبالتالي لا يستطيع
هؤلاء أن يستنتجوا قانوناً عاماً يمكن تطبيقه على كل حالة خاصة، فتكون قراراتهم
في مواجهة الأحداث قرارات عاطفية لا ترتكز على مبادئ محددة أو أصول واضحة.
أصاب هؤلاء مرض «الذرية» لبعدهم عن عرائس الحكمة ولباب الأصول
التي دونها علماء الأمة في كتبهم، والتي توصلوا إليها باتخاذهم القرآن أنيساً
وجليساً على مر الأيام والأعوام نظراً وعملاً، وباستعانتهم على ذلك بالاطلاع
والاحاطة بكتب السنة ومعانيها، وبالنظر في آراء السلف المتقدمين والالتزام بما
كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
تلك الأصول التي تربى من يقرؤها على طريقة التفكير العضوية -أو الكلية -
التي تجمع بين الوقائع في تسلسل وسياق واحد يمكنها من استنباط بالقانون العام - أو
المقياس - الذي تقيس به الحواث الجزئية.
فالإمام الشاطبي رحمه الله يقول:
«الأدلة المعتبرة هنا المستقرأة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى
واحد، حتى أفادت فيه القطع، فإن للاجتماع من القوة ما ليس للافتراق، ولأجله
أفاد التواتر القطع - وهذا نوع منه -، فإذا حصل من استقراء أدلة المسألة مجموع
يفيد العلم فهو الدليل المطلوب - وهو شبيه بالتواتر المعنوي - بل هو كالعلم
بشجاعة عليّ رضي الله عنه، وجود حاتم الطائي المستفاد من كثرة الوقائع
المنقولة عنهما» [1] .
فهو رحمه الله يعرض كيفية اقتناص القطع من جملة أدلة ظنية، فلم يفتقر
في الحكم بشجاعة عليّ رضي الله عنه إلى دليل خاص يقول بأن عليّ شجاع..
ولكن باستقراء حوادث كثيرة تتحدث عن مواقف شجاعة لعلي رضي الله عنه.
«فالعموم إذا ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغة عموم فقط، بل له
طريقة أخرى، وهي استقراء مواقع المعنى حتى يحصل منه في الذهن أمر كلي
عام، فيجري في الحكم مجرى العموم المستفاد من الصيغ» [2] .
فالشاطبي رحمه الله يصف هنا طريق الوصول إلى الأمر الكلي العام..
إلى القاعدة.. إلى المقياس.. عن طريق تصفح جزئيات المعنى.
ومن وصل إلى القاعدة الكلية استطاع أن ينّزل على مقتضاها كل الجزئيات
التي قد تخالف بظاهرها هذه القاعدة..
يقول الشاطبي رحمه الله: «وهذا الوضع كثير الفائدة عظيم النفع بالنسبة
إلى المتمسك بالكليات إذا عارضها الجزئيات وقضايا الأعيان، فإنه إذا تمسك بالكلي
كان له الخيرة في الجزئي، في حمله على وجوه كثيرة» [3] .
وإذن فلا يكفي النظر في الأدلة الجزئية دون النظر إلى كليات الشريعة، وإلا
تضاربت الجزئيات وعارض بعضها بعضاً في ظاهر الأمر.
ولقد عالج ابن تيمية رحمه الله مرض الذرية في التفكير بما سطره في
كتابه القيم: (اقتضاء الصراط المستقيم) ، فروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده أن نفراً كانوا جلوساً بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ألم
يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا [4] ؟ فسمع رسول الله -
صلى الله عليه وسلم فخرج فكأنما فقىء في وجهه حب الرمان، فقال: «أبهذا
أمرتم؟ أو بهذا بعثتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم من
قبلكم بمثل هذا، إنكم لستم مما هاهنا في شيء، انظروا الذي أمرتكم به فاعملوا،
والذي نهيتكم عنه فانتهوا» .. يقول ابن تيمية رحمه الله: «وأكثر ما يكون
ذلك لوقوع المنازعة في الشيء قبل إحكامه وجمع حواشيه وأطرافه» اهـ.
فالجمع بين أطراف الأدلة وعدم النظر إليها نظرة جزئية ذرية هو طريقة أهل
السنة والجماعة، وكم من ساعات تمر بسبب نقاش بين طرفين من الناس لو كان
عندهم وضوح في فهم المسألة المتنازع فيها وجمعوا أطرافها وجزئياتها فربما لم
يكن للنقاش مبرر.
وما نقلناه عن عالمين من علماء الأمة، وإن كان يعالج مرض الذرية، في
جانبه النظري إلا أن العلم - كما يقول الشاطبي - إنما يراد لتقع الأعمال في الواقع
على وفقه من غير تخلف، سواء كانت الأعمال قلبية أو لسانية أو من أعمال
الجوارح [5] .
فكل علم لا يفيد عملاً فليس في الشرع ما يدل على استحسانه [6] .
وختاماً نرى أن مبادئ الإسلام هي الحصن الذي ستفشل تحت أسواره جميع
المحاولات التي تستهدف سلب المسلم شخصيته وهويته، فعلينا العودة إلى الأصول
والمنابع التي منها نبع ديننا.
ولنجعل لكتب الأصول مكاناً في قراءات كل منا، فنحن نجد فيها «الإبرة
المغناطيسية» التي تساعدنا للوصول إلى فهم قضايانا المعاصرة، وتخلصنا من
الخضوع في حركتنا لأخصائيين يشرفون عليها، كما لو كانوا يمارسون لوناً من
«لعبة الأمم المكيافيلية» ، وتخلصنا قبل ذلك كله من الكساح العقلي ومن الذرية في
التفكير.
(1) الموافقات 1 / 13 - 15.
(2)
الموافقات 3 / 188.
(3)
الموافقات 3 / 167.
(4)
ينظرون في القرآن نظرة جزئية ذرية.
(5)
الموافقات 1/99.
(6)
الموافقات 1 / 61.
مراجعات في عالم الكتب
الإسلام وحاجة الإنسانية إليه
الدكتور / محمد يوسف موسى
عرض وتقديم: محمد السيد المليحي
تعبيراً عن فضل الدين الحنيف علينا، وتجسيداً لدوره القيم فينا نقدم عرضاً
متواضعاً لهذا المؤلف الطيب الذي جمع بين دفتيه كثيراً من سمات الإسلام، وعديداً
من خصائصه التي تعين الفرد على السير قدماً نحو التقدم والرقي في الدنيا،
وتضمن له حياة هنيئة مريئة في الآخرة، فقد حرص الكاتب في كتابه هذا على
إبراز غايته التي قصد إليها في هذا الكتاب في سمتين عظيمين:
1 -
القصد المباشر نحو الفكرة التي يرنو إليها الكاتب، دون اعوجاج أو
تحذلق.
2 -
التدليل على الرأي بأسس ومبادئ علمية، وعرضها بصورة علمية
صحيحة.
التعريف بالدين:
ففي الفصل الأول استعرض الكاتب فكرة الدين وأن الغريزة [1] الدينية
وجدت مع الخليقة منذ النشأة الأولى، ولكنها - كما يقرر المؤلف - حادت بعض
الشيء عن الطريق المعين لها.
ولذلك نجد الرسل لم يتحدثوا إلى الناس في خلق هذا الشعور الديني، ولكنهم
قاموا بتوجيه هذه الميول الوجهة الصحيحة لتصل إلى الدين الحق، ولهذا يكون
الوحي الإلهي رحمة للناس جميعاً، إذ يهدي النفوس الضالة، ويساعد العقل على
الوصول إلى الحق من أقرب الطرق وأيسرها على الإنسان. ونخلص من هذا
الفصل إلى أن الدين أمر طبيعي غريزي في الإنسان أصيل في أعماق شعوره
وأحاسيسه.
وهنا يقول الكاتب: «إن الاعتقاد في شيء أو كائن ما أو قوة من القوى
والتدين به أمر طبعي في الإنسان، وحاجة من حاجات النفس تهيمن على المرء
طول حياته، ومن ثم لابد من إروائها وإشباعها، كسائر حاجات النفس الطبيعية
الأخرى» .
الحاجة إلى الإسلام:
تناول المؤلف في الفصل الثاني مضمون الفكرة التي قام عليها الكتاب،
فاستفتح الحديث عن تخبط الشعوب وتيه الأمم من جراء اليهودية المتعصبة،
والمسيحية المحرفة، والزرادشتية المضللة، والمزدكية التي تدعو إلى الإباحية
الجنسية، وغيرها من الديانات التي عاشت في وجدان وعقول البشرية، فأضلت
كثيراً من الشعوب، وأصمت العديد منها عن الوعي السديد، والحس المستنير،
وجمدت حريات الغالب منها واعتقلت آراءهم وأفكارهم.
ومن خلال التناول العلمي لصور الديانات القديمة والحديثة، خرج علينا
المؤلف بدور الإسلام الحنيف، وحاجة الإنسانية الماسة إليه خاصة بعد ما حرم
اليهود وحللوا لأنفسهم، وبعد ما سيطر رجال الكنيسة على الحياة العلمية والعملية
بصورة حمقاء، تصور الدين بأنه عدو للعلم، وحجر عثرة لكل تقدم ورقي..
وتأتي أهمية الإسلام لتحمي الشعوب من الخلط في الأنساب، وتفشي
الأمراض التي جاءت من دعوة المزدكية للإباحية الجنسية المطلقة، إذ ذهب
مؤسسها «مزدك» إلى أن أحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها،
اشتراكهم في الماء والنار والكلأ.
ويعلق الكاتب على جدال النصارى وعقائدهم بقوله: لقد كان الإسلام ثورة
على المجادلة الجوفاء في العقيدة، وحجة قوية ضد تمجيد الرهبانية باعتبارها رأس
التقوى، وقد بين أصول الدين التي تقول بوحدانية الله وعظمته.. وهكذا كانت
الإنسانية تتطلع منذ زمن طويل إلى دين جديد عادل رحيم، وكان هذا الدين هو
الإسلام الحنيف، خاصة بعد أن أفلست كل نظم العالم السياسية والاقتصادية
والاجتماعية، وبعد أن نجحت فيه فلسفات تدعو لإنكار وجود الله، والتحلل من
المسؤولية وفاضل الأخلاق.
من خصائص الإسلام:
نأتي إلى الفصل الثالث حيث يدلل المؤلف على أن الإسلام دين ضروري
تحتاج إليه الإنسانية احتياجاً ماساً وشديداً، ففي هذا الفصل يعرض لنا الكاتب بعضاً
من خصائص الإسلام التي تنقذ البشرية من هذا التخبط، وتعيد لها صياغتها على
الوجه الأكمل، ومن هذه الخصائص التي جاءنا بها الكاتب:
1 -
الوحدة الدينية:
وفي هذه الخصيصة جسد لنا المؤلف هذه السمة التي انفرد بها الإسلام حين
ذكر لنا ما قامت به الرسالة المحمدية من نفي لجميع الالهة التي كان الناس يعبدونها
في ذلك الوقت، ووحدت العقيدة وأفردت العبادة لإله واحد أحد لا شريك له، عالم
بكل صغير وكبير في كونه، محيط بكل شيء ومدبر لكل شيء.
ويذكر الكاتب هنا أن الإسلام لم يكتف بإقرار هذا التوحيد للإله الذي يستحق
العبادة، بل بين لنا أن كل الرسل دعوا إلى هدف واحد، ورسالة من الله تعالى
للبشرية بعامة تعينهم على الحياة الفاضلة والمطمئنة في ظل طاعة الله وتوحيده.
ثم جاء الكاتب بآيات من الذكر الحكيم تدلل على هذه الحقيقة، فقد جاء في
آخر سورة البقرة (آية 285) : [آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وقَالُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ] ، وقال أيضاً في نفس السورة آية 136: [قُولُوا
آمَنَّا بِاللَّهِ ومَا أُنزِلَ إلَيْنَا ومَا أُنزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ ويَعْقُوبَ والأَسْبَاطِ
ومَا أُوتِيَ مُوسَى وعِيسَى ومَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ]
2 -
الوحدة السياسية:
جاء الإسلام وكان حال الأمة العربية يرثى له، حيث كان التفكك والتمزق
والحمق والعداء، فكانت الحروب تقوم بين القبائل على أضعف الأسباب، وتستمر
أياماً، بل وشهوراً، وبعضها ظل سنيناً إلى أن جاء الإسلام.
فقد فض الرسول الكريم النزاع الذي ظل زمناً طويلاً بين الأوس والخزرج،
وآخى بين المهاجرين والأنصار، وغرس في قلوب أصحابه حب الخير والسلام،
ودعا الناس إلى التوحد والتجمع والتزاور والتشاور، ونهى عن الخصام والعزلة عن
الجماعة، وهنا يقول الكاتب: كما كان من أثر هذه الوحدة السياسية التي جاء بها
الإسلام وعمل بها الرسول والمؤمنون، أنه لما لحق صلى الله عليه وسلم
بالرفيق الأعلى، واجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة لهم، رأى
الأنصار أن لهم حقاً في أن يكون الخليفة منهم لسابق نصرهم للإسلام ورسوله،
ولكن أبا بكر والمهاجرين جميعاً - على عرفانهم فضل الأنصار ومآثرهم - ذهبوا
إلى أن يكون الخليفة من قريش لما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم..
وهكذا قضي على النزاع وانتهى الأمر واستقر بينهما.
وفي هذا السبيل، سبيل المحافظة على وحدة الأمة السياسية يرى فقهاء
الإسلام أنه لا يجوز أن يكون هناك أكثر من خليفة في الأمة الواحدة.
3 -
الإسلام دين يحض على التفكير:
أعرب الكاتب عن هذه الميزة التي جاء بها الإسلام، ودعا إليها في صورة
جلية وساطعة تقوم على الأدلة المستمدة من الكتاب والسنة، فقد أعرب عن كون
الإسلام دين يدعو إلى التفكر والتدبر، وأنه أدى رسالته نحو العقل والعلم، كما
أفصح عن حقيقة هامة يجب أن لا نغفل عنها، ولا يغفل عنها من استفاد منها وهي: «دور العلم الإسلامي في التقدم والرقي الذي أضحى عليه العالم الغربي في
العصور المتأخرة، ومن الأسس والأدلة القرآنية التي أتى بها الكاتب، لكي يثبت
دعوة القرآن إلى العلم والتعلم والفكر والتفكر قوله تعالى: [إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ
والأَرْضِ واخْتِلافِ الَليْلِ والنَّهَارِ والْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ومَا
أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ
وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ والسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ]
[البقرة: 164] . وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تدعوا إلى
العلم حين قال:» طلب العلم فريضة على كل مسلم «، إلى غير ذلك من آيات
وأحاديث نبهنا إليها الكاتب تدعم ما جاء به الإسلام لإحلال العقل محله المناسب.
وإذا كان الإسلام يحض هكذا على ملاحظة الكون وظواهره، وإعمال العقل
والفكر في كل ما يحيط بالإنسان، وسائر ما خلق الله من الكائنات، فما هذا إلا لأنه
يريد منا أن نطلب العلم بكل سبيل، ونترفع عن التقليد الأعمى، ونبذل في سبيل
العلم كل ما نملك من طاقات.
فالإسلام دعوة إلى استعمال العقل والفكر في شتى نواحي الحياة.
4 -
الإسلام دين الحرية والمساواة:
إن الحرية في الإسلام أصابت الحظ الوافر من التشريع الإسلامي، بل ومن
الإسلام نفسه، فقد كانت النواة الأولى للحرية في الإسلام ممثلة في التحرر من عبادة
الأصنام والسجود للآلهة المتحجرة والمتعددة، وإلى عبادة إله واحد لا شريك له.
ومع ذلك فإن الإسلام لم يجبر غير معتنقيه على الدخول فيه، قال تعالى:[لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ] ، وقوله للرسول صلى الله عليه وسلم
- في سورة يونس: [ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ
النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ] ، ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بألا يتعدى
عمله عن التبليغ والانذار، وهذا نراه في قوله تعالى:[إنْ أَنتَ إلَاّ نَذِيرٌ] وقوله: [ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلَاّ البَلاغُ] ، وآيات كثيرة تجعل من العبادة مكنوناً جوهرياً
لا دخل لأحد فيها سوى الإنسان ذاته.
ومن أسس الحرية التي جاء بها الكاتب في هذا الكتاب القيم الاجتهاد في
التشريع مع ما يتمشى والكتاب والسنة، ويذكر الكاتب هنا رأياً عظيماً للفقهاء في
هذه المسألة، حيث يقول:
إن الفقهاء يؤمنون بالحرية والمساواة، ودليل على ذلك حين يكون هناك طفل
غير معروف نسبه مع مسلم وكافر، فقال الكافر هو ابني، وقال المسلم هو عبدي،
يحكم الفقهاء في هذه القضية ببنوة الابن للكافر من قبيل الحرية.
أما في جانب المساواة فقد أقر الكاتب أن التفاضل بين الناس في الدنيا يكون
بالتقوى والعمل الصالح [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً
وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] ، والرسول الكريم يقول:» لا فضل
لعربي على أعجمي إلا بالتقوى «، هذا وللحرية والمساواة جوانب كثيرة وعديدة
خصصها لهما الإسلام، وشرعها لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 -
الإسلام دين ودولة:
يبين الكاتب في هذه النقطة وتلك السمة أن الإسلام لم يكن عقيدة دينية فقط ولا
نظاماً أخلاقياً فحسب، بل هو دين ودولة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان
ودلالات.
فقد نظم الإسلام للإنسان المسلم حياته ومعاملاته مع أسرته ومع الناس، وبين
له سبل النجاح والردى في الحياة، ودله على الطريق الذي يؤدي به إلى العيش
الهادئ المطمئن، ففي جانب العبادات بين الدين الحنيف طريقة العبادة لله تعالى،
وأعرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية التعبد لله سبحانه، أما في
جانب التعامل في الحياة العامة فقد رسم لنا القرآن الكريم في شخص رسول الله ص
الحالة التي يجب أن يكون عليها الإنسان المسلم والوجه الصحيح الذي لابد وأن
يصبح عليه المسلم الأمر الذي لم يدع جانباً واحداً من جوانب الحياة إلا وكان للإسلام
دور رائد فيه.
وهنا يقول الكاتب: ومن هنا يحق للإسلام أن يكون دستوراً أزلياً يحكم به،
وتقوم شريعته لتفصل بين الناس، وتقضي بينهم بما أمر الله تعالى، فمن طلب
الهدى من غيره أضله الله، ومن أراد الفلاح والنجاح بدونه خسر وخاب، وضل
عن الطريق السديد.
وإن لم يكن للإسلام دور في هذا العالم المعاصر، فلابد أن ننتظر تخبطاً
واضطراباً وتيها أكثر مما نعيشه الآن، وذلك لأن المولى عز وجل قال وقوله الحق:[ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً] .
(1) استخدم الكاتب مصطلح الغريزة الدينية، ولو استخدم مصطلح الفطرة الدينية لكان أدق
- التحرير-.