الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثغرات خفية
مهدي بن نزال المهدي
أخي الداعية المربي إننا بحاجة ماسة إلى من يخرج بجهوده جيل فريد من
نوعه ليسير على درب الهدى وينفع أجيالاً أُخر.
لكن ما هي الثغرات التي تقف أمام الجيل الجديد لكي ينحرف عن درب
الهدى.. وما هي أخطاء جهود الداعية المربي في ذلك؟ !
إن من الأخطاء:
1) عدم إدراك أفكار وشعور الأجيال المستقبلية:
من المعلوم أن الأفكار والمعتقدات تقع في عقل الإنسان ويصعب على المرء
معرفة ما يكنُّه رفيقه في قلبه من آلام وأحلام.. وكل إنسان له أفكار مستقبلية..
وكذلك الجيل الجديد.
وما إن يعرف الجيل الطريق السوي ومعه أفكاره ومعتقداته المستقبلية التي
يبني عليها حياته إلا ويأتي دور الداعية المربي لتوجيهه وارشاده.. وهنا يقع الخطأ
في التوجيه!
من تلقين العلم والعمل زمراً زمراً من غير دراسة لأفكاره المستقبلية.. فما إن
يرى الجيل هذا النوع من المعاملة وعدم موافقتها لما يدور في خلده إلا وتكثر
مجاملته لمعلمه وعدم اهتمامه بهذا الطريق السوي ظناً منه أنه ممل.. ويتدرج هذا
الشعور إلى التفكر في السقوط ثم السقوط بعد ذلك.
2) الإحاطة بمجتمع الجيل:
«الناس أجناس» ، والمجتمع فيه السيئ والمحسن.. والجيل يندرج تحت
غطاء السيئ أو المحسن في مجتمعهم.. وبعد تمسك الجيل بدرب الهدى يأتي خطأ
الداعية المربي حينما يفرض عليهم أعمالاً وأفكاراً هي في نظر المربي سهلة معتادة
في مجتمعه ولكنها في نظر الطرف الآخر عكس ذلك كله في مجتمعه.. وتأتي
المجاملة لتحل هذا لموقف الحرج.. ولكنها لا تجدي وبالتالي لابد لذلك الفرد السير
خلف مجتمعه إن كان ضعيفاً أو الوقوف محتاراً.. ويأتي حصاد السقوط بعد هذا.
3) بين الأمر والإجابة:
إذا عرف الإنسان طريق الخير وطريق الشر عرف على إثر ذلك الأعمال
الموافقة لهما والمنافية لهما.. وللمربي الحق في أمر الجيل بأمر متوجب شرعاً على
انفراد بعد ما يبينه له في سابق زمان.. وأما أمور الخير عامة فينبغي للداعية
المربي عدم إلزامه بها ولكن له أن يعرضها في قالب جميل من الحكمة وأن يجعل
من نفسه صورة معكوسة لأمور الخير عامة.
إن الإلزام بشكل عام بحكمة ورزانة لأمر مستحب ومستحسن ولكن إذا طغى
هذا الجانب على الجيل وأصبح يشغل حيزاً كبيراً من شعوره فإنه ما إن يحاول ترك
طريق الهدى مع معرفته له.. لا سيما إذا كان الجيل في أول طريقه للخير فإنك
ترى التقهقر والرجوع ينتابه.
قديم وجديد
تعصب الغرب
عن حاضر العالم الإسلامي
تعليق: شكيب أرسلان
كانت غرناطة آخر المعاقل التي سقطت في الأندلس، وقبل رحيل آخر
ملوكها عقد معاهدة مع ملك إسبانيا على أن يترك للمسلمين حريتهم في دينهم ولغتهم، ولكن الإسبان نكثوا عهودهم ومارسوا سياسة البطش لتحويل المسلمين إلى
النصرانية. يقول العالم محمد بن عبد الرفيع الذي حضر هذه المأساة وأنجاه الله
منها:
«أطلعني الله على دين الإسلام بواسطة والدي - رحمة الله عليه - وأنا ابن
ستة أعوام وأقل، مع أني كنت إذ ذاك أروح إلى مكتب النصارى لأقرأ دينهم ثم
أرجع إلى بيتي فيعلمني والدي دين الإسلام، فكنت أتعلم فيهما معاً، وسني حين
حملت إلى مكتبهم أربعة أعوام. فأخذ والدي لوحاً من عود الجوز كأني أنظر الآن
إليه مملَّساً من غير طَفَل ولا غيره، فكتب لي فيه حروف الهجاء في كرّتين. فلما
فرغ من الكرة الأولى أوصاني أن أكتم ذلك حتى عن والدتي وعمي وأخي وجميع
قرابتنا، وأمرني أن لا أخبر أحداً من الخلق ثم شدد علَّي الوصية، وصار يرسل
والدتي إليَّ فتسألني ما الذي يعلمك والدك فأقول لها: لا شيء فتقول أخبرني بذلك
ولا تخف لأني عندي الخبر بما يعلمك: فأقول لها: أبداً ما هو يعلمني شيئاً.
وكذلك كان يفعل عمي وأنا أنكر أشد الإنكار. ثم أروح إلى مكتب النصارى، وآتي
الدار فيعلمني والدي إلى أن مضت مدة فأرسل إليَّ من إخوانه في الله الأصدقاء فلم
أقر لأحد قط بشيء، مع أنه -رحمه الله تعالى- قد ألقى نفسه للهلاك لإمكان أن
أخبر بذلك عنه فيحرق لا محالة. لكن أيدنا الله سبحانه وتعالى بتأييده وأعاننا على
ذكره وشكره وحسن عبادته بين أظهر أعداء الدين» .
قلت (شكيب أرسلان) فهمنا من هنا أن هؤلاء الجماعة كانوا أُجبروا على
النصرانية طراً، وإنما كانوا باقين في الغالب على الإسلام سراً، وكانوا مضطرين
أن يرسلوا أطفالهم حتى من سن أربع سنوات إلى مكاتب النصارى، ولم يكن يباح
لهم أن يعلموا أولادهم شيئاً عن الإسلام، ومن كان يقدم على ذلك وكانت الحكومة
تعلم به كان يحرق بالنار. وبرغم هذا كله كان بعضهم حريصاً على تعليم أولاده
عقيدته الإسلامية ولغته العربية فكان يعلمهم ذلك مع أشد الاحتياط والامتحان خشية
أن السلطة تأخذ سر الأمر من الأولاد فتحرق أولئك الوالدين بالنار كما هو قرار
ديوان التفتيش الكاثوليكي.
ويتابع ابن عبد الرفيع:
«وقد كان والدي -رحمه الله تعالى- يعلمني حينئذ ما كنت أقوله عند رؤيتي
للأصنام وذلك أنه قال لي: إذا أتيت إلى كنائسهم ورأيت الأصنام فاقرأ في نفسك
سراً قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَاّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ
الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ] و [قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ] إلى آخرها وغير ذلك من الآيات
الكريمة وقوله تعالى [وبِكُفْرِهِمْ وقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً * وقَوْلِهِمْ إنَّا قَتَلْنَا
المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ومَا قَتَلُوهُ ومَا صَلَبُوهُ ولَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وإنَّ الَذِينَ
اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ومَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ
اللَّهُ إلَيْهِ وكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً] .
فلما تحقق والدي -رحمه الله تعالى- أني أكتم أمور دين الإسلام عن الأقارب
فضلاً عن الأجانب أمرني أن أتكلم بإفشائه والدتي وعمي وبعض أصحابه الأصدقاء
فقط. وكانوا يأتون إلى بيتنا فيتحدثون في أمر الدين وأنا أسمع، فلما رأى حزمي
مع صغر سني فرح غاية الفرح وعرفني بأصدقائه وأحبائه وإخوانه في دين الإسلام
فاجتمعت بهم واحداً واحداً» .