الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقيدة
من لهذه الوثنية المتعددة
؟
الشيخ/ إسماعيل بن سعد بن عتيق
(من المعلوم من الدين بالضرورة: أن تحقيق كلمة التوحيد لا يتم بمجرد
…
الإيمان بالله.. بل لابد مع ذلك من الكفر بالطواغيت والتبرؤ منها..
…
وهذا المقال يعالج جانباً مما يقع فيه كثير من المسلمين اليوم، مما يناقض هذه البديهية.. و (البيان) وهي تفسح المجال للكشف عن هذا الجانب انطلاقاً من منهجها لتتطلع إلى علماء هذه الأمة، ومن نفس المنطلق أن يكشفوا زيف الطواغيت الأخرى التي غرق الناس في عبادتها.. كمن يشرع ويحكم بخلاف حكم الله ويطيعه الناس في ذلك.. وكمن يحلل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، وكالأهواء والأفكار التي سادت أذهان الناس واتخذوها موجهاً ودليلاً لتصوراتهم في الكون والحياة والإنسان.. والحسن والقبيح، والحلال والحرام.. وغير ذلك من أمثال هذه القضايا الخطيرة التي تهز العقيدة من أساسها) .
- البيان -
كتب الله لي أن أزور كثيراً من عواصم العالم الإسلامي، ورأيت في كل
صقع من أصقاعه من يتهافت على تلك الأوثان حباً وتعظيماً وخشيةً وإنابة وتضرعاً
وافتقاراً، ولا حرج في التمثيل وذكر بعض أمثلة لتلك الدول التي تبنت الإسلام
شعاراً لا عقيدة، ومع الأسف فهي محسوبة على الإسلام! ! والله المستعان.
وأترك أسماء المدن لفطنة القارئ ليستنتج مواقع هذه الأوثان ومواطنها.
1-
قبر مزعوم للحسين، يحج له الناس ويتقربون إليه بالنذر والقربات،
وتجاوز ذلك إلى الطواف به والاستشفاء، وطلب قضاء الحاجات عند الملمات.
2-
السيد البدوي، له مواسم في السنة أشبه بالحج الأكبر، يقصده الناس من
خارج البلاد وداخلها، وسُنة وشيعة، وهذان نموذجان في دولة واحدة من أقدم
الدول العربية والإسلامية في التعليم النظامي، وفيها أكبر مؤسسة تعليمية نظامية
منذ القرن الثالث الهجري، والتي كان لدعاتها وعلمائها الأثر الطيب في نشر
الإسلام والدعوة إليه، ولكن كما قيل:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
…
الماء فوق ظهورها محمول
3-
جلال الدين الرومي الذي كتب على قبره ومزاره: صالح للأديان الثلاثة، المسلمين واليهود والنصارى، ويدعى هذا الوثن بالقطب الأعظم، وفعلاً كان
قطباً تدور عليه أفلاك أرباب المصالح الدنيوية طلاب الشرف باسم الدين المزور،
وقد لقي كل تشجيع وتقديس من الأيدي الخفية لإبقاء شعلة الوثنية وقَّادة في العالم
الإسلامي، فقبر جلال الدين الرومي في دولة ضمت الإسلام ثمانية قرون على أيدي
السلاطين المسلمين، ليسوا بالعرب ولا العرب منهم، ولكنهم المسلمون الذين تنبأت
الرسالة المحمدية بظهورهم، فكان في ظهورهم دلالة من دلائل النبوة، وغير جلال
الدين الرومي كثير وكثير في هذه الدولة التي أضحت دولة علمانية تحارب كل ما
هو إسلامي، حتى أصبح الإسلام غريباً في بحور المادة.
4-
محيي الدين بن عربي صاحب (فصوص الحكم) ، والمعتقد بوحدة
الوجود والحلول والاتحاد، وزعيم الفلاسفة القائلين بهذه البدعة المكفرة، أقول: إن
مزاره وثن يعبد ويقدس في عاصمة دولة كانت عاصمة الخلافة الأموية، ولا يزال
في أهلها الخير -إن شاء الله-، غير أن الفتنة بهذا الوثن تزداد يوماً بعد يوم،
وقفت على باب القبة لأرى وأعتبر، وكنت أحمل حذاءً في يدي؛ فأنكروا عليَّ
بالإجماع: كيف تقرب من المقام وفي يدك حذاؤك، احتراماً وتقديساً للولي؟ ! إنها لعبرة وعظة لأهل التوحيد والإيمان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
5-
(داتا) صاحب (مقبرة علي هجويري) في المشرق الإسلامي، ينتابها
الزوار في كل صباح ومساء، ومن عجيب ما شاهدتُه: أن له يوماً في العام تراق
عليه الألبان حتى لا نجد في الأسواق لبناً يباع ويُشترى، وله يوم في العام يغسل
بماء الورد والطيب أسوة بالكعبة المشرفة، يتشرف بتغسيله الساسة والقادة في البلاد، وليتك ترى ما يصنع حول هذه المقبرة من منكرات أخلاقية، فضلاً عن العقيدية،
وحولها الرقص والدف والاختلاط، والتبرك بسدنة هذه المقبرة، يُفعل ما لا يجوز
ذكره، وفي هذه الدولة حزب سياسي يزعم أنه إسلامي قد فتح باب الخرافة والبدع
على مصراعيه، ويحكى: أن وزير أوقاف هذه الدولة شكى لرئيس الدولة عجز
الميزانية في وزارته؛ فاتفق الرأي على إيجاد باب الجنة يتفتح دخوله الأعيان
والرؤساء، ثم تباع التذاكر للسواد الأعظم من جهلة المسلمين على أن من دخل هذا
الباب فقد دخل الجنة، وبهذا زال العجز المالي بفضل هذه التذاكر وصكوك الغفران!
ولعل القارئ يتساءل كيف يحصل هذا في دولة نالت استقلالها لتقيم حكم الشريعة في دولة إسلامية مثالية في المشرق الإسلامي؟ كيف يحصل هذا في دولة
ضحت بالكثير في سبيل الاستقلال ومحاولة تطبيق الشريعة الإسلامية؟ ولا أكون
مبالغاً إذا قلتُ: إن نسبة أهل البدع والخرافة تزيد على (80%) ما بين متصوف
وقبوري وأصحاب نحل تنتمي إلى الإسلام كالقاديانية والبهائية والإسماعيلية الباطنية، أمَّا وثنية القبور فكثيرة، ومنها مدينة تعرف بمدينة القبور والتمور والفقر
والإفلاس، أعاذنا الله وإياكم من خسارة الدين والدنيا، ولا أريد أن أستطرد، فهذا
مثال للعبرة والفطنة لنقول: من لهذه الأوثان المتعددة؟ ثم انتقل بك إلى قطاع آخر
في عالمنا الإسلامي.
6-
مقبرة أحمد التيجاني، زعيم طائفته، ورائد التضليل، الذي شرع للناس
بمشورة الفرنسيين الطريقة المنسوبة إليه، والقائل: إن جوهرة الكمال أفضل من
القرآن الكريم سبعمائة مرة، وكذا صلاة الفاتح، وهما وردان ترددهما الطائفة
التيجانية صباحاً مساءً، ويكتفون بقرائتهما وتلاوتهما عن القرآن الكريم. مقبرة
زعيمهم أحمد التيجاني وثنٌ يُعبد من دون الله، ويحج له الناس تعبداً لنيل البركات.
7-
مقبرة عثمان فيدو الذي صمم على قبره بناية أشبه بالكعبة وكسيت
بالحرير الأسود، وحينما سئل أحد أحفاد هذا المصلح؛ قال: وضعت هذا أسوة
بقبر أحمد التيجاني، ومع أن الإمام عثمان فيدو كان ممن أقام به الله الدين، وتبنى
دعوة الإصلاح أشبه بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلا أن طريقته قادرية،
ثم تحول أتباعه إلى الطريقة التيجانية..
وبعد؛ فهذه سبعة نماذج من المشرق الإسلامي ومغربه وأوسطه، تعطي أمثلة
من اتجاه العالم الإسلامي وعقيدة الإسلام الصحيحة، ولا ننكر أن هناك منظمات
وجمعيات وأحزاباً، كلها تدعو إلى الإسلام، ولكن أي إسلام هو؟ اتجهت طائفة
إلى محاولة إيجاد الدولة الإسلامية لتنفيذ التشريع والأحكام، وكانت أخرى تتبنى
السلوكيات والتعبد من غير دخول في السياسة ولا شعابها الملتوية، وهاتان
الطائفتان فشلتا في تطبيق شمولية الإسلام والإيمان بقاعدته -التوحيد -، والعالم
ينتظر منطلقَ الدعوة المحمدية المبنية على توحيد الله وطاعته واتباع رسوله -
صلى الله عليه وسلم في كل دق وجل. والدولةَ الإسلامية المنفذة لأحكام الله
وشرعه على أساس من التوحيد والتصديق والتجرد من كل شائبة بدعة أو شرك.
أقول مرة أخرى: من لهذه الوثنية المتعددة؟ ونرجو أن يكون هذا المقال
فاتحة خير ونافذة أمل في العمل على إبطال الوثنية في العالم كله، والله من وراء
القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
كتب
مدخل إلى وحدة العمل الإسلامي
تأليف: جمال سلطان
عرض وتلخيص: د. حسن حسن إبراهيم
اختلاف الفكر حقيقة ثابتة.. فكما أنه لكل إنسان بصمة أصبع، كذلك لكل
إنسان أيضاً بصمة فكرية، من صفاتها: أنها (متحولة) . فقد تعرض على الكافر
كافة البراهين التي تدفعه للإيمان، إلا أنه يحجم، ثم يأتي لحظة تقلب موقفه الفكري
رأساً على عقب، فيقرر الإيمان.
فقه الخلاف في الجيل الراشد:
في هذا الجيل تم توظيف ظاهرة الاختلاف توظيفاً بناءاً لم يحدث في أي جيل
آخر. وكان ذلك ثمرة تربية الرسول-صلى الله عليه وسلم لصحابته ونتيجة
لتمسكهم بهديه. فعندما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال
لهما: «تطاوعا ولا تختلفا» [1]، أي: لا يصر كل منكما على رأيه واجتهاده؛
ويصعد الخلاف حوله، وإنما يتساهل فيه ليقدم وحدة العمل على اختلاف
الاجتهادات والآراء.
وجاء في بيعة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: «وعلى ألا ننازع
الأمر أهله، إلا أن نرى كفراً بواحاً لنا فيه من الله برهان» [2] ، فهذا النص يبين
مبلغ حرصه صلى الله عليه وسلم على وحدة الأمة، حتى أنه لم يعد ينقضها إلا
نقض الإسلام ذاته.
وعندما خرج النبي-صلى الله عليه وسلم -على بعض أصحابه وقد تماروا في
آية من القرآن حتى ارتفعت أصواتهم؛ فأخذ يرميهم بالتراب وقد احمر وجهه-صلى
الله عليه وسلم-، ويقول: «مهلاً يا قوم؛ بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على
أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً،
بل يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى
عالمه» [3]، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعرض لقضية:(الصواب والخطأ في اختلافهم) ، وإنما عرض لحسم مادة الشقاق برفع كل الخلاف والانشغال عنه بغيره.
والخلاف في الإسلام نوعان:
- الخلاف التخصيبي: هو ذلك الاجتهاد الجاد الذي يبحث ويتفحص لكي
يخرج برأي يزيد الآخرين تبصراً بأبعاد الموقف، ويزيدهم فهماً للقضية محل
النظر، دون إملاء هذا الرأي على الآخرين كحل نهائي لا يجوز خلافه، وهذا
خلاف محمود.
- الخلاف التفريقي: وهو ذلك الخلاف في الرأي الاجتهادي، الذي يتعدى الموقف الفكري ليتشخص في موقف عملي يلزم الآخرين باتباعه، ويؤسس على ذلك سلوكاً يشكل خطراً على وحدة الأمة المسلمة. وهذا خلاف مذموم.
الخلاف في واقعنا الإسلامي المعاصر:
هو خلاف تفريقي مذموم، متجه إلى شق الصفوف وتفريقها، وأسبابه هي:
1-
ضعف المحصلة العلمية: وهذا يؤدي إلى تعظيم الصغائر، وتصغير
العظائم، كمن تنازعوا قديماً في دم البعوضة واستباحوا دم أصحاب رسول الله-
صلى الله عليه وسلم، وكهؤلاء الذين عندهم استعداد لتدمير الحركة كلها من أجل
خلاف فقهي بسيط.
2-
عدم فهم مقاصد الشريعة: فيؤدي ذلك إلى عدم فقه ترتيب الفروض وهو
فقه غزير لا سيما الآن، حيث يصعب أن تقيم فريضة إلا على حساب أخرى، وأن
تحقق مقصداً شرعياً إلا بتفويت آخر.
3-
الهوى والاستبداد: ويتمثل ذلك في تقديم الولاء للحركة على الولاء
للإسلام، مما يؤدي إلى إقامة حاجز بين أفراد هذه الحركة وبين غيرهم من
المسلمين.
4-
عقم العقل المبدع: الذي يبحث عن الأفكار الجديدة ويولد القضايا العملية
الجادة التي تشغل العقل بدلاً من أن ينشغل بالجدل وبما لا يجدي من قضايا، كما
هو حادث الآن، فيؤدي هذا إلى انشطار الصف.
5-
غياب المشروع الحركي المتكامل: أو ما يطلق عليه (استراتيجية
الحركة) ، فالكثير من الفصائل الإسلامية يتحرك بعشوائية وحسب الظروف، فتكون عرضة للاختراق والتدمير من الداخل والتورط والانزلاق والغرق أحياناً.
6-
أوهام الورع التي تصل بالبعض إلى حد الوسوسة؛ فيصير بذرة للفتنة،
خاصة عندما يبدأ في إعلان انتقاداته للسلوكيات المخالفة للمستحب، فيرسِّب ذلك
حزازات في النفوس تنبه روح التمرد.
7-
العجز عن إدراك طبيعة حركة الفكر وقوانينها: ومن أهم هذه القوانين قانون: الحرية، فلا فكر بلا حرية، والمفكر اليوم عليه مراجعة نفسه ألف مرة قبل إطلاق فكرته، لأنه سوف يهتم بالتبديع والتجهيل والتضليل ثم الاتهام بالعمالة. وقانون آخر يهمل وهو قانون: تراكم الخبرة المعرفية وتلاقح الأفكار، فالفكرة الآن ترفض دون أن تنقد أو تهذب أو يضاف إليها.
العلاج:
لن يكون إلا بطريقة تربوية شاملة تراعي التوجيه الفني الذي يلفت ولا يصدم، وينصح ولا يحرج، ومن ذلك:
1-
تربية العاملين على التجرد لقضايا الإسلام العامة، وأن حفظ الإسلام
أقدس من حفظ الحركة.
2 -
توظيف الطاقات في ضبط الرؤية الفكرية وفي ضبط منهج العمل.
3-
إحياء وممارسة أدب الاختلاف في الإسلام، فالسلفية ليست مجرد ثراء
فقهي، ولكنها في المقام الأول تأسٍ تربوي وأخلاقي وسلوكي بما كان عليه سلفنا
الصالح. ونحن في حاجة أولاً إلى (فقه الخلاف) ، بتحليل ظواهره والكشف عن
…
أسبابه، ثم نفهم التناول الشرعي له، وبعد ذلك يأتي (أدب الاختلاف) .
4-
ترسيخ قاعدة الشورى في العمل الإسلامي، حتى يدرك كل مسلم رأيه
محترم وله دوره وفعاليته، وأحيانا قد يحسم المسألة.
5-
إحياء وتوسيع أبحاث (فقه السيرة) ، خاصة فقه السيرة في الخلاف
وكيف عالجته السيرة.
6-
تعميق الفهم في أبعاد ظاهرة الخلاف وكيفية التعامل مع كل بعد.
7-
تربية الأفراد على ضبط قواعد الحوار واحترامها، وفي مقدمة هذه
القواعد: السماع الجيد للرأي الآخر، وتجريد عرض الفكرة بعيداً عن المزايدات،
وتحديد نقطة الخلاف بدقة.
8-
الاهتمام بالنقد الإيجابي البنَّاء، الذي يعطي البديل لما يُرفض لا الذي
يقف عند حد الرفض المجرد.
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه أحمد.
تحزيب القرآن
وهدي السلف في ذلك
محمد عبد الله الدويش
إن القلوب تصدأ وتقسو، والنفس تضعف، وتهبط بها دواعي الشهوات
وهواتف الدنيا، والإنسان يعيش في هذه الدار في معركة مع النفس والهوى
والشيطان. ولئن كان المقاتل يحتاج للسلاح المعنوي والمادي؛ فالذي يخوض في
معركة المصير أولى بأن يعتني بإصلاح نفسه.
والذي يحمل لواء الدعوة وراية الإصلاح أولى الناس بأن يهتم بنفسه وتربيتها، وصلتها بالله-عز وجل، وأولاهم بأن يأخذ الزاد في سفره إلى الله والدار الآخرة.
وما تقرب إلى الله بأفضل من تلاوة كتابه والوقوف عند معانيه وحدوده؛
فحريٌّ بنا أن نضرب من ذلك بسهم وافر، ومن رحمة الله بعباده وفضله عليهم: أن
شرع لهم ما يتعبدون به إليه سبحانه.
ولما كان تحزيب القرآن من السنن المهجورة -بل المجهولة -عند كثير من
طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس. في حين كان الأمر متواتراً ومعلوماً عند
السلف، فقلما تقرأ في ترجمة أحدهم إلا وتجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا.
لذا رأيت أن أجمع بعض ما ورد في ذلك لعل الله عز وجل ينفع به.
تمهيد: قال ابن فارس (2/55) :
(الحاء والزاي والباء أصل واحد وهو: تجمع الشيء، فمن ذلك الحزب
وهو الجماعة من الناس، قال تعالى [كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ] . والطائفة من
كل شيء حزب. يقال: قرأ حزبه من القرآن)
وقال في (النهاية)(1/376) : (الحزب ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالوِرد، والحزب النوبة في ورد الماء. ومنه حديث أوس ابن حذيفة: (سألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن) .
ومعنى ذلك: أن يجعل الإنسان لنفسه نصيباً يومياً يقرؤه ويتعاهد نفسه عليه،
بحيث يختم القرآن في كل شهر، أو عشرين، أو خمسة عشر، أو عشر، أو سبع، أو غير ذلك.
1-
وقد ورد في السنة النبوية استعمال ذلك المصطلح في قوله-صلى الله
عليه وسلم-: «من نام عن حزبه» ، وقوله:«إنه طرأ على حزبي من القرآن» .
وقد بوب غير واحد من الأئمة بتحزيب القرآن. وقال عقبة بن عامر: (ما
تركت حزب سورة من القرآن) . وقال نافع: (لا تقل: ما أحزبه) . وسوف يأتي
تخريج هذه النصوص إن شاء الله- عز وجل.
2-
واستعمل عند السلف بلفظ الجزء، فقد ورد في كلامه-صلى الله عليه
وسلم-: «قرأت جزءاً من القرآن» . وقال عبد الله بن عمرو: (هذا جزئي الذي
…
أقرأ به الليلة) . وعن عائشة: (إني لأقرأ جزئي) . وعن ابن عباس وابن عمر:
(أنهما كانا يقرآن أجزاءهما بعدما يخرجان من الخلاء) .
3-
واستعمل بلفظ الوِرد، فعن ابن عمر قال:(كنت في قضاء وِردي) ،
وعن الحسن: (أنه كان يقرأ ورده من أوَّل الليل) .
المسألة الأولى: بعض فضائل تلاوة القرآن:
إن النصوص الدالة على فضل القرآن أشهر من أن تورد، إنما نورد هنا
بعض فضائل تلاوته؛ قال تعالى: [إنَّ الَذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ
وأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراً وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ
ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ] ، وقال عز وجل: [لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ
الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ
الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وأُوْلَئِكَ مِنَ
الصَّالِحِينَ *ومَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ] .
أما من السنة: فالأدلة على فضله كثيرة، ومن فضائله:
1-
أن الماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يتتعتع فيه له أجران؛ كما
في حديث عائشة عند الشيخين والترمذي وأبي داود.
2-
أنه يقال له يوم القيامة: (اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا) ؛
كما أخرجه أحمد وأهل السنن إلا النسائي من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً.
3-
أن له بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها كما أخرجه الترمذي
والدارمي من حديث ابن مسعود.
4-
أن الآية منه خير من الخلفة السمينة، كما أخرجه مسلم من حديث أبي
هريرة.
5-
أن مثل المؤمن الذي يقرؤه مثل الأترجة، كما رواه الستة إلا ابن ماجه
عن أبي موسى الأشعري.
6-
أنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة، كما رواه مسلم عن أبي أمامة.
7-
تنزل السكينة لقراءته، كما رواه الشيخان من حديث البراء.
8-
أنه يقود قارئه يوم القيامة لتاج الكرامة ورضا الله-عز وجل، كما
أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
المسألة الثانية: مشروعية تحزيب القرآن:
1-
حديث عبد الله بن عمرو، وهو حديث طويل مشهور، رواه جمعٌ من
الأئمة بينهم الأئمة الستة. ولفظه عند مسلم: (كنت أصوم الدهر، وأقرأ القرآن كل
ليلة؟) ، قال: فإما ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل لي،
فأتيته، فقال:(ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟) فقلت: بلى يا
نبي الله؛ ولم أرد إلا الخير، قال:(فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ثم قال: (واقرأ القرآن في كل شهر)، قال: قلت: يا نبي الله: إني أطيق
أفضل من ذلك، قال: (فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقاً،
…
ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً) ، قال: فشددت؛ فشدد علي، قال:
وقال لي النبي-صلى الله عليه وسلم: (لعلك يطول بك العمر) ، فصرتُ إلى
الذي قال لي النبي-صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددت أني قبلت رخصة
النبي-صلى الله عليه وسلم.
2-
حديث: «من نام عن حزبه» وقد أخرجه مسلم (747) ، وأبو داود
(1313)
، والنسائي (1790) ، والترمذي (581) ، وابن ماجه (1343) ، ومالك
في (الموطأ)(1/ 200) ، وأبو عبيد في (فضائل القرآن)(285) ، وعبد الرزاق
في (مصنفه)(4747) ، وابن حبان في (صحيحه) كما في الإحسان (2634) .
ولفظه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (من نام عن حزبه أو عن شيء منه؛ فقرأه فيما بين صلاة الفجر
وصلاة الظهر: \كتب له كأنما قرأه من الليل) .
3-
ما رواه أبو داود (1396) والمرزوي في (قيام الليل) كما في
(المختصر)(157) عن ابن الهاد قال: (سألني نافع بن جبير بن مطعم فقال لي:
في كم تقرأ القرآن؟ ، فقلت: ما أحزبه، قال لي نافع: لا تقل (ما أحزبه) ؛ فإن
رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال: (قرأت جزءاً من القرآن) ، وصححه
الألباني في (صحيح أبي داود) .
4-
حديث أوس بن حذيفة الثقفي ولفظه: (قدمنا على رسول الله-صلى الله
عليه وسلم- في وفد ثقيف، فنزَّلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة، وأنزل رسول
الله-صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له، فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء؛
فيحدثنا قائماً على رجليه حتى يُراوح بين رجليه، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه
من قريش، ويقول: (ولا سواء، كنا مستضعفين مستذلين، فلما خرجنا إلى المدينة
كانت سجال الحرب بيننا وبينهم، ندالّ عليهم ويدالُّون علينا) ، فلما كان - ذات ليلة
أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: يا رسول الله: لقد أبطأت علينا الليلة؟ قال: (إنه طرأ علي حزبي من القرآن، فكرهت أن أخرج حتى أتمه) ، قال
أوس: فسألت أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟
قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب
المفصل) .
والحديث قال فيه أحمد شاكر فيما نقله في (تهذيب السنن)(2/113) عن ابن
…
عبد البر: أن ابن معين قال: (حديثه عن النبي-صلى الله عليه وسلم في تحزيب
القرآن ليس بالقائم) . وضعفه الألباني في دفاع عن الحديث، كما في (ضعيف ابن
ماجه) (283) . لكن حسنه الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء)(1/276)
والحافظ ابن حجر كما في (الفتوحات) لابن علان (3/229) . وأورده الحافظ ابن
…
كثير في (تفسيره) محتجاً به على أن المفصل يبتدئ من سورة (ق) . واحتج به
شيخ الإسلام ابن تيميه في حديثه عن التحزيب بالسور والأجزاء كما سيأتي.
وتد تواتر ذلك عن السلف -رضوان الله عليهم -؛ فعندما تقرأ في ترجمة
أحدهم تجد أنه كان يختم القرآن في كذا وكذا، وسيأتي بعض هذه الآثار.
المسألة الثالثة: هدي السلف في تحزيب القرآن:
أولاً: ذكر من روي عنه الختم في سبع:
أخرج أبو عبيد في (فضائل القرآن)(291) بإسناده عن عائشة - رضي الله
عنها - قالت: (إني لأقرأ جزئي - أو قالت: سبعي - وأنا جالسة على فراشي أو
على سريري) .
وأخرج الطبراني كما في (المجمع)(2/269) وقال: رجاله ثقات، عن
الأحوص قال: قال عبد الله. (لا يُقرأ القرآن في أقل من ثلاث، اقرأوه في سبع،
ويحافظ الرجل على حزبه) . وكذا أخرجه ابن أبي شيبة (502/2) دون قوله:
(وليحافظ) ..
وأخرج أبو عبيد في (فضائل القرآن)(263) ، والبيهقي في (السنن) (2/
296) عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أنه كان يختم في غير رمضان من
الجمعة إلى الجمعة) .
وقال الحافظ: أخرج ابن أبي داود: عن عثمان وابن مسعود وتميم الداري:
(أنهم كانوا يختمون في سبع) بأسانيد صحيحة.
وأخرج أبو عبيد (266) عن إبراهيم: (أنه كان يقرأ القرآن في كل سبع) ،
وكذا رواه ابن أبي شيبة (2/501) .
وأخرج ابن أبي شيبة (2/501)، والفريابي (138) : عن هشام بن عروة
قال: (كان عروة يقرأ القرآن في كل سبع) .
وأخرج أيضاً (2/501) عن أبي مجلز: (أنه كان يؤم الحي في رمضان،
وكان يختم في سبع) .
وأخرج ابن أبي شيبة بإسناده (2/501) : عن إبراهيم قال: (كان عبد
الرحمن بن يزيد يقرأ القرآن في كل سبع، وكان علقمة والأسود يقرؤه أحدهما في
خمس والآخر في ست، وكان إبراهيم يقرأه في سبع) .
وقال ابن قدامة في (المغني)(2/611) : (قال عبد الله بن أحمد كان أبي
يختم القرآن في النهار في كل سبعة، يقرأ كل يوم سبعاً، لا يكاد يتركه نظراً،
وقال حنبل: كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة) . وقال إسحاق بن
هانىء في (مسائله)(506) : (وسئل: في كم يقرأ القرآن؟ قال: أقل ما يقرأ في
سبع) .
ثانياً: ذكر من روي عنه الختم من الثلاث إلى السبع:
سبق عن علقمة والأسود: (أنهما يقرآن في خمس وست) .
قال ابن علان (3/230) : (قال الحافظ: أخرج ابن أبي داود من طريق
مغيث بن سمي قال: كان أبو الدرداء يقرأ القرآن في كل أربع. ومن طريق بلال
ابن يحيى: لقد كنت أقرأ بهم ربع القرآن في كل ليلة، فإذا أصبحت قال بعضهم:
لقد خففتَ بنا الليلة) .
ثالثاً: ذكر من روي عنه الختم في أقل من ثلاث:
وذكر ابن علان (231/2) : عن ابن أبي داود أنه روى عن الأسود بن يزيد: (أنه كان يختم القرآن في رمضان كل ليلتين) وقال: سنده صحيح، وأخرج
الحافظ من طريق الدارمي عن سعيد بن جبير: (أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين) قال: وأخرجه ابن أبي داود، قال: وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يفعل ذلك. ومن طريق واصل بن سليمان قال: (صحبت عطاء بن السائب فكان يختم القرآن في كل ليلتين) .
*يتبع*