المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دماء ودموع البوسنة:على من تعرض الصور - مجلة البيان - جـ ٥٥

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌دماء ودموع البوسنة:على من تعرض الصور

المسلمون والعالم

‌دماء ودموع البوسنة:

على من تعرض الصور

؟

أحمد بن راشد بن سعيّد

حرب الإبادة التي يشنها الصليبيون الصرب على مسلمي البوسنة والهرسك

هي (هولوكوست)[1] حقيقي وليس مختلقاً، وكأن دماء المسلمين وأشلاءهم هي

التي دائماً تفضح الزيف وتبدد الخرافة من (لا إله والحياة مادة) إلى (أفران

ومعسكرات النازية) .

هكذا إذن! وتذكرني مذابح المسلمين التي لا يصدق أن إنساناًيمارسها ضد

إنسان في أواخر القرن العشرين، وفي قلب أوروبا المتحضرة الراقية (..)

تذكرني إلى حد ما بما فعله الصليبيون في بيت المقدس عندما ذبحوا مائة ألف مسلم

حتى خاضت الخيول إلى الركب في دماء المسلمين. وانتقد أحد القساوسة قومه

قائلاً إنهم أسرفوا في قتل المسلمين وسفك دمائهم..

وكما أجمع صليبيو القرن العشرين على تصفية المسلمين الفلسطينيين

وتشريدهم، يجمعون اليوم على ذبح مسلمي البوسنة والهرسك وتهجيرهم وإذلالهم.

وتنبعث من هنا وهناك أصوات غربية تستنكر هذه المذابح. وقد كتبت مجموعة من

النصارى في صحيفة الغارديان البريطانية رسالة تشجب فيها (سياسة التطهير

العرقي واضطهاد المسلمين بسبب دينهم وثقافتهم) [2] . ومعظم المنددين

من النصارى واليهود يفعلون ذلك ليس حباً للمسلمين وإشفاقاً عليهم، بل خوفاً من تنامي الإسلام وظهوره في أوروبا بشكل أكبر، وهو ما عكسته مارغريت ثاتشر

عندما ذكرت أن بقاء المسلمين في البوسنة أمر مطلوب للقضاء على فرص

... (تشددهم) الإسلامي، والذي سينتج حتماً عن سياسة تمزيقهم وإخضاعهم لحكم

أجنبي. وقرنت تاتشر بين الهجرة البوسنية والهجرة الفلسطينية قائلة إن يأس البوس نيين المسلمين قد يدفعهم إلى (الإرهاب) ، وعندئذ تكون أوروبا قد صنعت (قنبلة

إسلامية موقوتة) [3] .

مجلة نيوزويك الأمريكية أكدت أن غالبية القتلى والمشردين والمعتقلين هم من

المسلمين، وأنهم بدون مساعدة من الغرب سيلجأون إلى إخوانهم في الإسلام [4] .

الصحافة الغربية تناقلت صوراً وأخباراً عما يتعرض له المسلمون من مذابح

وترويع واعتقال وتعذيب. أكثر من 120 معسكراً حشر فيه الصرب آلاف

المسلمين والمسلمات. معظم هؤلاء المعتقلين ليسوا «سجناء حرب» ، بل

اختطفوا من بيوتهم ليعذبوا ويجوعوا ويقتلوا. روي كوتمان مراسل صحيفة

نيوزدي النيويوركية نقل عن شاهد عيان قوله أن معسكر أومارسكا في شمال غرب

البوسنة يضم ألف معتقل، منهم كل النخبة السياسية والثقافية في مدينة بريجدور،

وأن الصرب يعدمون 10-15 شخصاً كل بضعة أيام [5] . إحدى النساء المعتقلات

في المعسكر قالت لمراسل شبكة أي. بي. سي الأمريكية وولتر رودجرز في غفلة

عن أعين الصرب: هذا معسكر متوحش، لا تصدق ما يقولون، هنا تجري مذابح، قتل في هذه المنطقة 800 طفل وامرأة، مئات من الرجال مفقودون. قال لها

المراسل تعالي وقولي هذا الكلام أمام الكاميرا، فأجابت وعيونها تنطق بالرعب

وهي تشير بأصبعها إلى حلقها على هيئة الذبح: لو فعلت ذلك لقتلوني الليلة [6] .

اليجا لوجينوفك وهو مسلم كان معتقلاًً في معسكر بركوعلى على ضفة نهر

سافا في شمال غرب البوسنة قال أن الصرب ذبحوا 1350 شخصاً من معتقلي

المعسكر بتقطيع حلوقهم بالسكاكين ثم ألقوهم عرايا في نهر سافا وهم يقولون (هذا

طعام الأسماك) . لوجينوفك قال أن الصرب ذبحوا مئات آخرين وأحرقوا جثثهم لإطعامها للحيوانات حتى طبق الدخان أجواء المعسكر. وذكر ليوجينوفك أن المسلمين لاقوا كل صنوف الإذلال والتعذيب الصربي من تدنيس المساجد إلى ذبح وتشويه السجناء الرجال، إلى الاغتصاب الجماعي للنساء، وأنه رأى بأم عينه عشرة رجال قطعت حلوقهم بالسكاكين، وجدعت أنوفهم، وقطعت أعضاؤهم التناسلية. كان الصرب في البداية يستعملون الرصاص ثم عدلوا إلى قطع الحلوق. يؤتى بالمسلم فيرقد على ضفة سافا ويوضع رأسه على حجر، ويهيأ بحيث ينسكب دمه في النهر. بعد شهر من عمليات الذبح هذه لتسعة أعشار المعتقلين، التفت الصرب إلى أهالي القرى الذين لم يعتقلوا فملأوا بهم المعسكر، ثم قاموا بذبحهم كما فعلوا بأسلافهم. لجنة الحكومة البوسنية لجرائم الحرب تقول أن ثلاثة آلاف شخص ذبحوا في المعسكر بين أوائل شهر مايو وأوائل يونيه [7] .

صحيفة الاندبندنت البريطانية نقلت عن شاهد عيان واسمه مرساد (أستاذ

جامعة) قصصاً عن التعذيب والقتل التي تعرض لها المعتقلون في معسكر بركو.

بعض المعتقلين ضربوا حتى الموت، وبعضهم سلطت عليهم كلاب مجوعة لم تذق

طعاماً لعدة أيام. الضحايا - كما يقول مرساد - ظلوا يصرخون ويبكون والكلاب

تنهشهم حتى قضى منهم عشرة من الجراح والآلام. الشاهد ذكر أيضاً أن خمسين

شخصاً كانوا يؤخذون يومياً من المعسكر ثم لا يعودون، وقدر عدد الذين قتلوا في

المعسكر بما في ذلك الذين قتلهم الصرب عند الاستيلاء على بلدة بركو بخمسة آلاف

شخص [8] .

الاندبندنت والغارديان نقلتا عن مرساد أن فتاة صربية ابنة لإحدى المومسات

تفننت في تعذيب المعتقلين، حيث كانت تقوم بكسر القوارير واستعمال شظايا

الزجاج لبقر البطون وسمل العيون وجدع الأنوف. يقول مرساد أن مظهر الفتاة لم

يكن يدل على هذه الوحشية والإجرام وقد ذهلنا من صنيعها. كانت تعذب المعتقلين

وهي تضحك. بالطبع كانت سعيدة بذلك. مرساد فرّ ليلاً من المعسكر وآخرون

عابرين نهر سافا وقد قتل الصرب بعضهم أثناء الفرار [9] .

الاندبندنت نشرت صورة مسلم ذبحه الصرب، وتوضح الصورة أن يديه

مقيدتان بالحديد وأن حلقه مقطوع بالسكين [10] . الغارديان نشرت صورة مسلم

قتيل ملقى في نهر درينا خارج مدينة غوارزدي وقد شوه وجهه تماماً وقطعت

أصابعه، كما نشرت صورة أخرى لجثث قتلى مسلمين طافية على سطح

النهر [11] .

صحيفة نيوزدي وصفت الوضع المأساوي لمعسكر بوسانكي ساماك الذي حشد

فيه الصرب بوسنيين وألبانيين مسلمين وكروات. سجين سابق روى للصحيفة كيف

يجلد المعتقلون بقضبان الحديد والعصي الغليظة حتى تنزف دماؤهم ويغشى عليهم،

وكيف يعذبون بحرمانهم من الماء وقضاء الحاجة وإعطائهم وجبة واحدة فقط خلال

24 ساعة هي عبارة عن قطعة خبز صغيرة مع شيء من المربى. وذكر الشاهد

أيضاً أن بعض المعتقلين يجبرون على أكل الرمل أو ازدراد غائطهم أو ممارسة

الفاحشة مع معتقل آخر. الشاهد روى كيف قام الصرب بتعذيب شاب ألباني بجرح

حلقه بالسكين وضربه ضرباً مبرحاً ثم قطع ذراعه، كما روى كيف صف الصرب

المعتقلين وقتلوا 15 منهم رمياً بالرصاص، ثم أمروا الشبان الصغار أن يحملوا

الجثث ويضعوها في شاحنة، وأمروا بقية المعتقلين بتنظيف الأرض من (بركة)

الدماء [12] .

الجمعية الدولية لحقوق الإنسان أكدت في تقرير مطول لها أن آلافاً أعدمهم

الصرب في معسكر لوكر وأن ثمانية آلاف أعدموا في مانياتشا، وأن قطع الحلوق

والتعذيب بالزجاجات المكسورة وتسميم الأطفال هي من الطرق الإرهابية الشائعة

التي يرتكبها الصرب [13] .

مجلة تايم أوردت تقريراً مفاده أن الصرب في مدرسة ابتدائية في براتوناك

استنزفوا دماء خمسمائة مسلم حتى الموت من أجل إمداد الصربيين الجرحى بالدم.

وفي بلدة فوكاسكا علق الصرب السجناء من أرجلهم، ثم استعملوا آلات حادة لسمل

عيونهم [14] . مراسل مجلة نيوستيتسمان سوسيتي البريطانية ذكر أنه عندما كان

في مدينة دوبرينجا واحتل الصرب حياً من المدينة، قاموا (بتطهيره) من المسلمين. يقول المراسل أن هذا (التطهير) يعني قطع حلوق أكثر الرجال أمام زوجاتهم وأطفالهم [15] . المجلة نقلت أيضاً عن ستيف وات (عامل إغاثة) قوله

أن كل صربي يحصل على ما يعادل 300 جنيه استرليني مقابل كل طفل يقوم

بقتله [16] .

مراسلة الغارديان ماغي أوكين كتبت خبراً تحت عنوان (كابوس المسلمين

تحت شمس يوغسلافيا الطويلة الحارة) روت فيه مأساة أهالي القرى الإسلامية

ومعاناتهم على يد الصرب. عندما احتل الصرب قرية كوساراك فر بعض النساء

والشيوخ والأطفال، لكن الصرب طوقوهم وقالوا لهم:(أين الله الذي تعبدون الآن، سوف (نجامعكن)[*] جميعاً أيتها النساء المسلمات) . ماغي روت أيضاً كيف

حبست مجموعات كبيرة من المسلمين في عشر عربات قطار مخصصة للأبقار

وكيف حرموا من الطعام والشراب. الإيكونومست أيضاً روت الحادثة قائلة أن

الصرب حشروا أهالي إحدى عشر قرية إسلامية تحت تهديد السلاح في قرية واحدة

لثمانية عشر يوماً، ثم رحلوهم في عربات قطار مخصصة للأبقار ليس فيها ماء

ولا طعام. النساء كن يبكين والأطفال يصرخون والصيحات تتردد: ماء.. ماء..

نريد فقط كأساً من ماء! كان الطقس شديد الحرارة، والعربات مكشوفة لأشعة

الشمس، ولا توجد فيها حمامات. إحدى النساء قالت: (كان الواحد منا يغشى عليه

ثم يفيق، يغشى عليه ثم يفيق) . عند إحدى المحطات أخذ الصرب مجموعة من

الفتيات الصغار، ثم لم يرين بعد ذلك. مكث المسلمون داخل هذا الجحيم خمسة أيام

بلا ماء ولا طعام، وهم يصرخون ويضربون النوافذ بأيديهم، وقد توفي بعضهم.

في نهاية المطاف تم ترحيل النساء والأطفال إلى كرواتيا، وأخذ الرجال ليسجنوا

في ملعب بوسانكي نوفي الرياضي [17] .

أعراض تنتهك.. ولا معتصم

اعتقال المسلمات واغتصابهن، سيما صغيرات السن (13 سنة فما فوق) ،

أصبح ظاهرة مفزعة في المناطق التي يستولي عليها الصرب. الصحافة الغربية

روت قصصاً مطولة عن إذلال المسلمات واغتصابهن. الاندبندنت نقلت عن أربع

مسلمات في سراييفو أن البوسنيات يتعرضن لاغتصاب جماعي وسلب أمتعة وحلي

وأشكال مختلفة من الضرب والإذلال. ثلاث فتيات تتراوح أعمارهن بين الخمس

عشرة والعشرين قلن إنهن ومائة امرأة أخرى تعرضن لاغتصاب الصرب مراراً

خلال سبعة أيام بعد اعتقالهن في مدرسة في بلدة روجاتيكا. امرأة مسلمة قالت: (أنا أعرف الناس الذين أحرقوا بيتي وسرقوا أشيائي وأخذوني سجينة.. إنهم

أصدقائي وجيراني) . الصرب نقلوا هذه المرأة وابنتها ذات العشرين ربيعاً إلى سراييفو ومعهما قرابة 300 شخص حبسوا لأسبوع في المدرسة. الفتاة قالت: إن مسلحين أخذوها من المدرسة في ليلة الأول من أغسطس واقتادوها والسكين مشهرة على حلقها لثلاث ساعات إلى شقة جار صربي ذكرت اسمه. قالت الفتاة: (اغتصبني جاري أولاً، ثم تبعه الباقون، وظللت اغتصب أربعة

ليال) . أم الفتاة (قتل زوجها في المعارك) قالت: (عندما جاء الصرب إلى المدرسة حاولت حماية ابنتي والبنات الأخريات، لكنهم ضربوني وركلوني

بأحذيتهم.. لم يكن هناك ما أستطيع عمله) ، وأضافت أن كل الشابات المحبوسات

في المدرسة (أكثر من مائة شابة) تعرضن للاغتصاب، وفيهن أمهات بأطفالهن، وأن ابنة عمها توفيت في المدرسة [18] .

فتاتان أخريان (أختان) وصلتا إلى سراييفو قالتا أن مجموعة صربية تناوبت

على اغتصابهما. إحداهما (15 عاماً) قالت أنها أخذت من المدرسة في الثلاثين من

يوليه إلى مقر قائد الميليشيات الصربية المحلي الذي أخذها إلى شقة واغتصبها، ثم

أعيدت إلى المدرسة حيث اغتصبها ثلاثة صرب. الأخرى (17 عاماً) قالت أنها

تعرضت لاغتصاب متعدد ثلاث مرات، مرتين على أرض المدرسة، ومرة في

شقة حيث اعتدى عليها خمسة صرب. قالت: (لقد ضربوني حين قاومت خلع

ملابسي، وقد صفوا صفاً واغتصبوني الواحد تلو الآخر.. أنا أعرف ثلاثة منهم

جيداً) [19] .

روي كوتمان مراسل نيوزدي ذكر أن ثلاثة جنود صرب اعتقلوا أربع فتيات

وأودعوهن سيارة شحن عسكرية. ثلاثة منهن أخذهن الصرب إلى بيت كان

لشخصية مسلمة بارزة، وهو الآن (بيت اغتصاب) ؛ وهناك سلموهن لاثني عشر

صربياً لينتهكوا أعراضهن، ثم قام الثلاثة باغتصاب الرابعة في السيارة

العسكرية [20] .

نيوزويك نقلت عن شاهد عيان بدت عليه آثار الذهول قوله أنه رأى ثلاث

بنات مسلمات قرب تزلا شرقي البوسنة. وقد أوثقهن الصرب بالحديد إلى حائط،

واغتصبهن من شاء منهم ثلاثة أيام، وبعد ذلك سكبوا عليهن (الجازولين) وأشعلوا

فيهن النار [21] .

فتاة مسلمة قالت في مقابلة مع تلفزيون بي. بي. سي، وقد أخفت وجهها

عن الكاميرا أنها و 23 امرأة أخرى اعتقلن في قبو واغتصبن أربعة أشهر وأن

الصرب يعتدون عليهن أحياناً وهم سكارى، وأن صديقة لها قاومت فقتلوها.

الطبيب الذي يعالج هذه الفتاة أخبر مراسل بي. بي. سي أنها حبلى، وأنها ليست

في وضع نفسي يؤهلها لسماع هذا الخبر [22] .

تقارير الاغتصاب لا يسعها الذكر هنا. روي كوتمان مراسل نيوزدي يقول

أن هذه التقارير كثيرة جداً إلى حد أن بعض المحللين يعتقدون أنه اغتصاب (منظم) .

سيفكو عمر باسك زعيم الجالية الإسلامية في كرواتيا وسلوفينيا صرح أنه

استنتج من خلال اتصالاته بمئات اللاجئين القادمين من البوسنة أن (كل النساء

الشابات قد اغتصبن) . كوتمان ذكر أن هناك تقارير كثيرة عن اغتصاب

تناوبي لبنات صغيرات السن وأن (آلافاً ربما عشرات الآلاف من ضحايا الاغتصاب قد يبقين في معسكرات الاعتقال)[23] .

صليبية المذبحة:

حدد الصرب أهدافهم منذ البداية فأعلنوا أنهم يريدون القضاء على المسلمين

في البوسنة ومنع قيام دولة إسلامية في أوروبا. وقد لامست هذه الدعوة شغاف

الغربيين، فاستجابوا لها، رغم أنها دعوة صليبية متخلفة طالما زعم الغرب أنه لا

يتبناها. وقد أدت الجهود الصربية والغربية معاً إلى إقناع كرواتيا بهذا المفهوم،

ففي الثاني عشر من أغسطس 1992 هاجم الرئيس الكرواتي المنتخب فرانكو

توجمان (عناصر في الحكومة البوسنية تسعى لإقامة دولة مؤسسة على

الأصولية الإسلامية) [24] . وفي مقابلة مع مجلة نيوزويك صرح وجمان أن الكروات (مهددون (برغبة) المسلمين في إقامة دولة إسلامية) ، واقترح أن تحل مشكلة البوسنة بأن تضم المناطق المأهولة بالصرب إلى صربيا

والمناطق المأهولة بالكروات إلى كرواتيا، الأمر الذي يسمح (بوجود دولة

إسلامية صغيرة في وسط البوسنة) . وأضاف: (إن ذلك سيضع حداً لأية مطالب أو محاولات لإنشاء دولة إسلامية كبيرة في قلب أوروبا)[25] . هذا الموقف يعتبر

تحولاً حاداً في التحالف البوسني الكرواتي الهش، ويعني أن الصرب والكروات أصبحوا يداَ واحدة، وأن الكروات سيحتفظون بجمهوريتهم التي أعلنوا تأسيسها داخل الأراضي البوسنية تكريساً لواقع التقسيم.

وشواهد صليبية المذبحة كثيرة، فقد قام الصرب بذبح المسلمين ورسم

الصليب بالسكين على أجسادهم، كما قاموا بتدمير المساجد في كل بلدة يحتلونها.

مجلة الإيكونومست ذكرت أن الصرب نسفوا مساجد بلدة بوسانكي نوفي شمالي

البوسنة في إطار عملية تفريغها من المسلمين [26] . الغارديان ذكرت كيف قام

الصرب بنسف المساجد وإحراقها. ونقلت عن جندي صربي قوله أن المسلمين لن

يعودوا إذا دمرت المساجد [27] .

مجلة نيوستيتسمان سوسيتي نقلت عن بعض الصرب قولهم أن كل

المسلمين - في الأصل - (عرب قذرون يمسحون أدبارهم بأيديهم)[28] . مراسل شبكة اي. بي. سي الأمريكية والتر رودجرز ذكر (أن أكثر الصرب يقولون أن القتال في البوسنة أمر ضروري لمنع انتشار الإسلام في أوروبا) . أحد الجرحى الصرب أخبر رودجرز أن (سبب هذه الحرب أن المسلمين يريدون إقامة دولة إسلامية في بلادنا)[29] . مراسلة شبكة اي. بي. سي شيلا ماكفيكار قالت في تقرير لها من مدينة اليجا البوسنية أن القادة العسكريين الصرب يقولون أنهم (يشنون حرباً دينية، نصارى ضد مسلمين، نوع من الحرب الصليبية في القرن العشرين) القائد العسكري الصربي لاليجا توما كوفاش قال للمراسلة: (الذي تحاول الحكومة البوسنية عمله هو إقامة دولة إسلامية في أوروبا. نحن نعرف، نحن الصرب نقاتل المسلمين منذ خمسمائة عام) . أحد الصربيين الذين يقصفون سراييفو قال لشيلا: (أتمنى أنه لا يزال لي أصدقاء في سراييفو. ربما أصبحت الآن عدواً لهم) . وقبل أن يلوح لشيلا ويعود لممارسة القتل قال: (هذه نهاية حضارة)[30] .

العالم الغربي والأمم المتحدة: فضيحة (الحياد)

يتعاطف الغرب - كما قلت - مع النظرة الصربية الصليبية للمعركة، ويسعى

إلى أن يحقق الصرب أهدافهم في أقصر فترة ممكنة. ولذلك تنادت الدول الغربية

المهيمنة على مجلس الأمن (ولا يمكن فصل موقف العالم الغربي - لا سيما

أمريكا - عن موقف الأمم المتحدة بسبب هذه الهيمنة) ، تنادت لاستصدار قرار في بحظر السلاح عن جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي المنحل بما في ذلك البوسنة والهرسك التي تتعرض لحرب إبادة.

إن اعتراف هيئة الامم المتحدة بجمهورية البوسنة والهرسك يعنى - حسب

المادة السابعة من ميثاق هذه الهيئة - أن تهب لنجدتها متى تعرضت لعدوان. لكن

نجدتها كانت في حظر السلاح عنها. الحظر شمل صربيا ذراً للرماد في العيون،

فصربيا قد ورثت جميع ذخائر ومعدات الجيش اليوغسلافي، وجعلته تحت تصرف

عصاباتها الحاقدة. أما جمهورية البوسنة والهرسك فلا زالت (وليدة) وتحتاج إلى

السلاح من أجل الدفاع عن النفس. ولما انكشفت كذبة العقوبات على صربيا وتضح

أن المتضرر الرئيسي هم المسلمون وطالبت الحكومة البوسنية برفع الحظر عنها

لتمارس حقها الطبيعي والقانوني في الدفاع عن النفس، رفضت الدول الغربية ذلك

لأن (إعطاء الأسلحة لن يحل المشكلة، بل سيطيل أمد الحرب) هكذا فالمطلوب استسلام وبدون نقاش.

وما تزال الدول الغربية تصر على وصف المأساة بأنها (حرب أهلية) ،

وليست عدواناً على دولة مستقلة، وما تزال ترفض التدخل العسكري، حتى وإن

كان مقتصراً على استعمال الطائرات لإخراس المدافع الصربية، لأن المعركة -

كما تقول هذه الدول - (معقدة) وناتجة عن (كراهية تاريخية) ولأن التدخل ربما

يقود إلى (فيتنام أو أفغانستان أخرى) ، بل إلى (حرب عالمية ثالثة) !

...

ثم لجأ الغرب إلى وسيلة نفاق أخرى، وهي إرسال المساعدات الغذائية

والطبية إلى سراييفو وسراييفو كما نعلم ليست إلا مدينة من مدن الجمهورية،

وهناك مئات الآلاف من المسلمين متوزعون في أنحاء البلاد لم تصل إليهم

المساعدات. وبعد ترتيبات وإجراءات طويلة وصلت قوات الأمم المتحدة، لكنها

كانت وبالاً وشراً، فقد ورد أنها قامت بقتل عدد من المسلمين، كما ثبت تورطها

في إخفاء معلومات عن مذابح اعتقالات جماعية للمسلمين. الجنرال لويس ماكينزي

قائد قوات الأمم المتحدة السابق في سراييفو (كندي) شدد في عدة مقابلات مع

المراسلين والصحفيين على إنه (محايد) وأنه يحمل كل الأطراف المسئولية،

وألقى باللوم عدة مرات على جانب المسلمين، وقد تعرض على حد قوله لتهديدات

عديدة بالقتل، لكنه لم يفصح عن مصدرها. وعندما اختتم مهمته ووصل إلى

الولايات المتحدة في أوائل أغسطس عقد مؤتمراً صحفياً في مبنى الأمم المتحدة قال

فيه أنه وجد في هذا القتال كراهية لم يشاهد لها مثيلاً في حياته، لكنه لم يبين

الطرف الذي تستبد به هذه الكراهية [31] . إنه (الحياد) الذي جعل ماكينزي

مكروهاً من مسلمي البوسنة. المصور الدانماركي جاركون هلديبراندت ذكر أن كل

شخص تحدث له في مدينة جورادزة الإسلامية (المحاصرة الآن من الصرب) يكره

ماكينزي ويعتبره رمزاً لكل الأخطاء [32] .

إن (الحياد) هر الذي دفع ماكينزي والأمم المتحدة إلى إخفاء المذابح والتستر

عليها قبل أن تكشفها تقارير وصور المراسلين في أواخر شهر يوليه. قوات الأمم

المتحدة في سراييفو علمت بالإعدامات العشوائية الجماعية للمسلمين في شهر مايو.

هذه المعلومات تؤكد أن الإعدامات جارية (لتطهير) المنطقة من المسلمين، وأن

المسلمين يتعرضون لحرق البيوت والإرهاب المنظم من قبل الجماعات المسلحة

الصربية، كما أنهم يرغمون على توقيع أوراق تقضي بالتنازل عن ممتلكاتهم مقابل

السماح لهم بالخروج أحياء من البوسنة والهرسك [33] . قوات الأمم المتحدة وقفت

ايضاً تتفرج في شهر يوليه الماضي على القوات الصربية وهي تجمع مدنيين

مسلمين عزلاً من السلاح في ملعب رياضي، ثم تفصل الرجال وترسلهم إلى

معسكرات الاعتقال. الأمم المتحدة بررت سياسة اللامبالاة والصمت هذه بأن لدى

قوات حفظ السلام أوامر بأن تبقى محايدة مهما يكن من أمر [34] . مندوب البوسنة

لدى الأمم المتحدة محمد ساكربي وصف عملية التستر هذه بأنها (خيانة) وانتقد هذا

(الحياد) المزعوم الذي يعني غض الطرف عن وحشية المعتدي ومعاناة المعتدي

عليه.

في الحادي عشر من أغسطس توج ماكينزي قائد قوات الأمم المتحدة (السابق)

حياده التاريخي ونزاهته النادرة بإخباره الحكومة الأمريكية أنه لا يؤيد التدخل

العسكري في البوسنة، حتى ولو لحماية القوافل الغذائية، وبرر (المحايد) ذلك بقوله:

(إن هذا التدخل سيشجع البوسنيين على الاستمرار في القتال بدلاً من التفاوض مع

الصرب) [35] .. أيها المستر ماكينزي لقد زاد إيماني بعظمة هذا الإسلام المطارد

وجدارته المطلقة بقيادة البشرية، مستر ماكينزي هذا الدين لا بد أن يقود العالم

ويستنقذه من قيم الصليب وعربدة ونفاق الصليبيين الذئاب، مستر ماكينزي والله

الذي لا إله إلا هو لن يبقى مدر ولا وبر في بلاد الغرب الأبيض (المتحضر) إلا

أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل..

وإضافة إلى الأمم المتحدة فإن منظمة الصليب الأحمر كانت (محايدة) أيضاً،

وأخفت معلومات عن انتهاكات لحقوق المسلمين وعن اعتقالات جماعية وعمليات

تعذيب واغتصاب منظمة، وبعد تسرب هذه الأخبار إلى الصحافة الغربية اعتذرت

المنظمة بأنها كانت تريد التريث والتحقق من صحة التقارير المفزعة التي لديها.

الجماعة الأوربية (EC) التزمت (الحياد) هي الأخرى، ولم تتخذ أي إجراء

ضد الفظائع التي جرت وتجري في معتقلات الصرب. محمد شاكر بي مندوب

البوسنة لدى الأمم المتحدة اتهم الجماعة الأوربية بتلقي معلومات مبكرة عن فظائع

المعتقلات وعدم المبالاة بها، وقال: (إن المرء ليتساءل ماذا علم اللورد كارينغتون

(عن هذه المعتقلات) ولماذا لم يعلن هذه المعلومات) [36] .

إن الدول الغربية ومنظماتها (الإنسانية) والسياسية لم تحرك ساكناً تجاه

ممارسات الصرب، بل شجعتهم في الخفاء، ومكنتهم من خلال حظر الأسلحة عن

البوسنة، وعمليات المساعدات الغذائية النفاقية، والتهديدات الجوفاء - مكنتهم من

الاستمرار في عمليات الذبح والطرد والتعذيب والاغتصاب. وحتى عندما أحرجت

أمريكا بتقارير (معسكرات الموت) أعلنت أنها تأكدت من وجود هذه المعسكرات،

لكنها (لا تخطط للاحتجاج على ذلك)[37] .

إن فضيحة القيم الغربية والمنظمات الدولية والقانون الدولي في كارثة البوسنة

والهرسك هي أوضح من الشمس في رابعة النهار. ما أكثر ما نادت حكومة البوسنة

دول العالم - أي دولة - بالتدخل العسكري لإنقاذها، لكن الدول أحجمت، مع أن

هذه الحكومة (شرعية) بالمنظور الغربي، أي أنها منتخبة وديموقراطية. ومرات

توسلت حكومة البوسنة للعالم أن يرفع عنها الحظر - على الأقل - لتدافع عن نفسها

هذا العدوان الشرس، لكن النظام العالمي الجديد سكر بصره وسمعه، لأنه لا مكان

لمسلم في حياة، فضلاً عن حياة كريمة وعيش مستقر في ظل هذا النظام الصليبي

المتوحش.

وحتى قرار الأمم المتحدة بشأن حماية المساعدات الإنسانية هو قرار جاهلي

جائر يفضح الرياء الغربي، حيث يسمح باستعمال القوة كحل أخير إذا هددت قوافل

الإغاثة فقط، وكأن إطعام الناس المحاصرين أولى وأهم من إسكات المدافع التي

تحرق منازلهم وتمزق أجسادهم ليل نهار. لقد بلغ عدد القتلى من المسلمين خمسين

ألفاً [38] ، وقرار الأمم المتحدة يعني إعطاء الضوء الأخضر للصرب ليستمروا في

عمليات الذبح ما دام أنهم يسمحون بمرور قوافل الإغاثة، أي أنه يقول للبوسنيين

المسلمين: موتوا وبطونكم ملأى. لقد صرح البوسنيون مراراً للصحفيين

والمراسلين: الطعام وحده لا يكفي، لا نريد أن نصبح عالة يتصدق علينا الناس

بالطعام، نريد سلاحاً لندفع عن أنفسنا هذا البلاء، ونذب عن ديننا وأعراضنا.

محمد شاكر بي مندوب البوسنة لدى الأمم المتحدة أخبر صحيفة الاندبندنت أن في

سراييفو وحدها خمسين ألف شخص مستعدون للقتال، لكن السلاح الموجود يكفي

خمسة آلاف فقط [39] .

مسلمو البوسنة هم ضحايا النظام العالمي الجديد، ضحايا الحقد الصليبي

و (الميكافيلية) والنفاق الغربي والغياب الفعلي للأمة الإسلامية عن مسرح الأحداث.

هم كما وصفتهم الصحافة الغربية (الفلسطينيون الجدد لأوروبا) . تقاسم الصرب

والكروات أرضهم. نسبتهم 45 في المائة من سكان البلاد، لكنهم يسيطرون الآن

على 5 في المائة منها فقط [40] . الصرب يقولون: فليذهب المسلمون إلى الجحيم. أكثرهم - كما تقول كاتبة الغارديان ماغي أوكين - في جحيم فعلاً، إما في

معسكرات اعتقال مكتظة، أو في قطارات إلى استقبال بارد في أوروبا [41] .

مليون وثلاثمائة ألف شخص أخرجوا من البوسنة معظمهم من المسلمين [42] . في

الحادي عشر من أغسطس أعلن الصرب بوقاحة (وهم واثقون بوقوف إخوانهم

الغربيين معهم) أنهم سيطردون 28000 مسلم، وأن على الأمم المتحدة أن تبحث

لهم عن مكان يأوون إليه [43] .

ماذا تعني قيم (العالم الحر) - كما أكدت هذه النكبة - غير تلبية مشاعر

التطرف الصليبي، ومصادرة حق الإنسان المسلم في العيش الحر الكريم في بيت له

وعلى ثرى وطنه. ربما قامت الأمم المتحدة قريباً بإقرار تقسيم البوسنة، أي نفس

الدور الذي قامت به عام 1947 عندما كرست الظلم وصوتت لتقسيم فلسطين.

مجلة الإيكومونست التي تمثل الخط اليميني السائد في بريطانيا اقترحت تكريس (الأمر الواقع) قائلة أن (أوروبا الغربية لا بد أن تدرك أن صربيا وكرواتيا

ستصبحان أكبر مساحة من ذي قبل.. (و) إذا تم الاعتراف بذلك سريعاً انتهت

الحرب سريعاً) . المجلة ذات الشعور الإنساني الرقيق (..) أضافت: (في غضون ذلك أوروبا تستطيع أن تعمل أكثر لمساعدة الابرياء الذين يريدون الخروج

من (البوسنة) ، أي الترحيب باللاجئين) [44] . هكذا يستجيب العالم (المتحضر)

للعدوان: يكافئ المعتدي ويعطيه 95% من أراضي دولة مستقلة ومعترف بها،

ويغض الطرف أو يبارك سياسة (الفرز) الديني وتدمير المساجد وانتهاك الأعراض

وسحق الأطفال وإذلال كرامة الرجال الشرفاء وجز هاماتهم وإطعام أجسادهم

الكلاب. وحق للمرء أن يتساءل: (ماذا قال الرئيس بوش في عام 1990

عندما دخل العراق الكويت، (استعمال القوة يجب ألا يكافأ في أي مكان من

العالم) ؟ حسناً. سلوبودان ميلوسفش نال مكافأته) [45] . هذا هو الوجه البشع

للنظام العالمي الجديد. تعالوا معي فتأملوه!

الدور الإسلامي

لقد أدى تشجيع الغرب لحرب الإبادة التي يشنها الصرب، وتفضيله تقسيم

البوسنة إلى ثلاث مناطق (كما هندس ذلك المفاوض الإنكليزي كارينغتون) وحظر

السلاح عن مسلمي البوسنة، كل ذلك أدى إلى إطلاق يد الصرب ليس فقط في

البوسنة والهرسك، بل في إقليم كوسوفو ذي الأغلبية الإسلامية المطلقة. لقد أكدت

الجمعية الدولية لحقوق الإنسان مؤخراً أن أهالي كوسوفو يتعرضون الآن لممارسات

قتل وتهجير وإذلال شبيهة بالتي تحدث في البوسنة والهرسك، وأن الصرب

يعمدون إلى تسميم جماعي واسع النطاق لأطفال الأقليم [46] .

هذه الأوضاع المحزنة تحتم على المسلمين التحرك على المستوى الشعبي

والرسمي لنصرة دينهم وإنقاذ إخوانهم. إن الغرب يقدم لنا (فلسطين) ثانية وهو

يضع اللمسات الأخيرة على نعش فلسطين الأولى. ماذا ينتظر المسلمون؟ لماذا هذا

البرود المخيف والصمت المطبق عما يجري في البوسنة والهرسك؟ إن هذه الأخبار

والصور تعرض على أمة معروفة بالنخوة والمروءة والانتصار للمظلوم والشعور

كالجسد الواحد، فأين ذلك كله؟ لمن تساق الأخبار؟ على من تعرض الصور؟ هل

تودع من أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ لقد آن أوان إعادة النظر في أشياء

مسلمة كعضوية الأمم المتحدة واستقلال الصليب الأحمر ونزاهة المنظمات الدولية

التي هي غربية الهوية والمنهج واللسان. ماذا لو كان أهل البوسنة المستهدفون

بالإبادة والطرد يهوداً أو نصارى؟ ماذا لو كان مرتكبو المذابح مسلمين؟ تصوروا

كيف سيكون الرد الغربي - بل ويا للأسف - رد الحكومات في عالمنا الإسلامي

المنكوب! إن المسلمين في عالم اليوم ليس لهم وزن ولا اعتبار ولا تمثيل.

إسرائيل تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل جثة يهودي متعفنة منذ حرب لبنان. أمريكا

تؤكد للرئيس الروسي يلسن أن إمداده بالمساعدات مشروط بالبحث عن عدد من

الأمريكيين يزعم أنهم ما زالوا موجودين في روسيا منذ حرب فيتنام. العالم كله

يحاصر دولة ويجوع شعبها من أجل الاشتباه بأن أثنين منها نسفا طائرة أمريكية.

أما مسلمو البوسنة فلا بواكي لهم، ولم ولن يشفع لهم أنهم أوربيون بيض البشرة

ومتسامحون، وصدق سبحانه: [ولَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ

مِلَّتَهُمْ] . ترى هل سيكتفي المسلمون بنفث الآهات وذرف العبرات على أهل

البوسنة والهرسك، وهل سيتخذون نفس الموقف إذا ما احترقت كوسوفو وامتدت

ألسنة اللهيب إلى ألبانيا؟ هل سيبقون متفرجين على استئصال دينهم وانتهاك

أعراضهم وتلطيخ شرفهم؟ إن أقل ما يجب على المسلمين عمله هو تزويد أهل

البلقان جميعاً بالسلاح اللازم لكي يثبتوا ويدافعوا عن دينهم ووجودهم. لا بد من

البدار قبل أن يردد المسلمون عن البلقان ما قاله شوقي في رثاء أدرنة والتي احتلها

الصليبيون البلغار:

يا أخت أندلس عليك سلام

هوت الخلافة عنك والإسلام

طوي الهلال عن السماء فليتها

طويت وعم العالمين ظلام

أيها المسلمون: لا تأبهوا للشرعية الدولية، فالإيمان بها شرك!

أيها المسلمون: دافعوا عن دينكم!

(1) الهولوكوست كلمة إنجليزية معناها قتل عدد كبير من الآدميين حرقاً، واشتهرت بإطلاقها على ما يزعم أنها محرقة ومذبحة قام بها هتلر للقضاء على اليهود الأوربيين دولة اليهود في فلسطين تستمد (شرعيتها) كثيراً من هذا الحدث، الذي تؤكد عدد من البحوث والدراسات الغربية أنه لم يحصل (الهولوكوست)" أكثر الأحداث التاريخية الاجتماعية ذيوعاً وانتشاراً في القرن العشرين "، الذي صدر باللغة الإنجليزية وحدها عن هذا الحدث بعد إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948 تجاوز 5000 كتاب، وآلاف المقالات والأفلام أقسام (دراسات الهولوكوست) انتشرت في الجامعات الكبيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية محاضرات وندوات وحفلات عزاء تقام باستمرار في ذكرى هذا الحدث المزعوم لإبقائه حياً ادجار برونغمان رئيس الكونجرس اليهودي العالمي قال:" الهولوكوست لا يمكن أن ينتهي أبداً " إعلام (الهولوكوست) أصبح " تجارة " أو " صناعة كاملة " كما يقول الحبر اليهودي البريطاني جاكو بوفيتز (هـ ج سكتل، ميدل ايست انترناشيونال 8 يوليه 1988) .

(2)

الغارديان، 8 اغسطس 1992.

(3)

النيويورك تايمز والغارديان، 7 أغسطس 1992.

(4)

نيويوريك، 10 أغسطس 1992.

(5)

نيوزدي والغارديان، 5 أغسطس 1992 2.

(6)

اي بي سي، الأخبار في برنامج (مباح الخير أمريكا) ، 10 أغسطس 1992.

(7)

نيوزدي والغارديان، 5 أغسطس 1992.

(8)

الاندبندنت، 7 أغسطس 1992.

(9)

الاندبندنت والغارديان، 7 أغسطس 1992.

(10)

الاندبندنت، 7 أغسطس 1992.

(11)

الغارديان، 8 أغسطس 1992.

(12)

نيوزداي والغارديان، 4 أغسطس 1992.

(13)

أخبار الساعة الواحدة، تلفزيون بي بي سي 1، 11 أغسطس 1992.

(14)

تايم، 17 أغسطس 1992.

(15)

نيوستيتسمان سوسيتي، 31 يوليو 1992.

(16)

نيوستبتسمان سوسيتي، 31 يوليو 1992.

(17)

الغارديان، 29 يوليه 1992، الإيكومونست، 1 أغسطس 1992.

(*) كلمة (نجامعكن) وضعت هنا بديلاً عن الكلمة البذيئة التي استعملها الصرب ووردت في تقرير الغارديان.

(18)

الاندبندنت، 10 أغسطس 1992 (أوردت الصحيفة اسم المرأة واسم ابنتها) .

(19)

الاندبندنت، 10 أغسطس 1992 (أوردت الصحيفة اسمي الفتاتين) .

(20)

نيوزدي والغارديان، 10 أغسطس 1992.

(21)

نيوزويك، 10 أغسطس 1992.

(22)

أخبار الساعة السادسة، بي بي سي 1، 10 أغسطس 1992.

(23)

نيوزدي والغارديان، 10 أغسطس 1992.

(24)

الخدمة العالمية لإذاعة بى بي سي، 12 أغسطس 1992.

(25)

نيوزويك، 17 أغسطس 1992.

(26)

الإيكونومست، 1 أغسطس 1992.

(27)

الغارديان، 11 أغسطس 1992.

(28)

نيوستيتسمان سوسيتي، 31 يوليه 1992.

(29)

أخبار العالم الليلة، اي بي سي 14 أغسطس 1992.

(30)

أخبار العالم الليلة، اي بى سي، أوائل يوليه 1992.

(31)

شبكة سي ان ان، أوائل أغسطس 1992، بعض الآراء التي طرحها ماكينزي في مؤتمره الصحفي أدلى بها أيضاً إلى مجلة تايم الصادرة في 17 أغسطس 1992.

(32)

الغارديان، 8 أغسطس 1992.

(33)

الصحف ووكالات الأنباء، أوائل أغسطس 1992، انظر مثلاً الغارديان 8 أغسطس، والإيكونومست، 1 أغسطس.

(34)

الاندبندنت، 7 أغسطس 1992.

(35)

أخبار العالم الليلة اي بى سي، 11 أغسطس 1992 زعم ماكينزي أيضاً لمجلة تايم ان إحلال السلام في البوسنة والهرسك عملية كبيرة تتطلب مليون جندي (تايم، 17 أغسطس 1992) .

(36)

الاندبندنت، 10 أغسطس 1992.

(37)

شبكة سي ان ان، أوائل اغسطس 1992 الغارديان ذكرت أيضاً أن السفارة الامريكية في بلغراد علمت منذ أوائل يوليه على الأقل بوجود معسكرات الموت هذه، لكنها لم تتخذ أي إجراء (7 أغسطس 1992) .

(38)

نيوزويك، 10 أغسطس 1992، الاندبندنت، 7 أغسطس 1992.

(39)

الاندبندنت، 10 أغسطس 1992.

(40)

الايكونومست، 1 أغسطس 1992.

(41)

الغارديان، 10 أغسطس 1992.

(42)

نيوزويك، 10 أغسطس 1992.

(43)

الصحف ووكالات الأنباء، 11، 12 أغسطس 1992.

(44)

الإيكونومست، 1 أغسطس 1992 الاستاذ سيد قطب رحمه الله قال في معرض حديثه عن مبادئ العالم الحر: والعالم الحر يشرد الشعوب من ديارها - على نحو ما فعل في فلسطين - وذلك رغبة منه في إيجاد (لاجئين) يتولى رعايتهم، والعطف عليهم، وإقامة الخيام لهم في العراء فمبادئ العالم الحر تقتضي العطف على المشردين، الذين لا وطن لهم في هذه الارض المعذبة! " [وردت في (البيان) ، العدد 45، جمادى الاولى 1412، نقلاً عن مجلة الرسالة العدد 1018، 5/1/1953) .

(45)

ماغي أوكين، الغارديان، 10 أغسطس 1992.

(46)

أخبار الساعة الواحدة، بي بي سي 1، 11 أغسطس 1992.

ص: 58

الرعب والخوف والدموع

في عمليات إجلاء المسلمين عن البوسنة

بقلم: ماجي أوكين [*]

ترجمة: عبد القادر حامد

روزالينا تركض في الطريق، معها جارها سالكونوفيتش يدفع العربة بأمه

المقعدة ذات التسعين عاماً، ووراءهما الجنود الصرب يصرخون ويكادون يمسكون

بهم، تتعثر العربة فتنقلب العجوز المسكينة منها على أرض الطريق، الجنود

يدركونهم صارخين، فيتقافزون فوق بعضهم يحاولون الهرب، الحقائب والأكياس

والأمتعة تناثرت على الطريق، الجنود الصرب المتنكرون بالأقنعة وبالقفازات

السوداء بدون أصابع يحيطون بهم قائلين: أين (الله) ربكم الآن؟ ! سوف (نفعل [1] ) بكن كلكن يا مسلمات! ! ثم تتابع روزالينا: يجب أن اعترف أنهم فعلوا الفاحشة

معنا، شعرت بالعار، كنا جميعاً ممدات على الطريق في الأقذار، دون أن نستطيع

فعل شيء! .

بعدئذ جاءت الشاحنات العسكرية، وحملتهم إلى معتقل (ترنبولي) لكنهم بعد

فترة أطلق سراحهم، وبقي بعض أصدقائهم في المعتقل. في أوائل شهر حزيران

(يونيو) أراد صليب خروستك - زوج روزالينا - أن يعود ليستطلع أخبار أصدقائه، فذهب إلى محطة القطار ليرى إن كان بإمكانه الوصول إلى ذلك المعتقل الذي يبعد

عن قريته ثلاثة أميال، والذي كان يوماً من الأيام مدرسة ابتدائية، فأصبح سجناً

للمسلمين والكروات الذين أصبحوا غير مرغوب فيهم في (جمهورية البوسنة

الصربية الجديدة) . ملعب المدرسة محاط بالأسلاك الشائكة ويضم (500)

امرأة وطفل محتجزين هناك منذ (27) نيسان (أبريل) ولا يسمح لهيئة الصليب الأحمر بالدخول والاستفسار عن أحوال من بداخله.

إن معسكر (ترنبولي) ، هذا هو الأفضل من بين أربع معتقلات في هذه

المنطقة من البوسنة التي أصبح يسيطر عليها الصرب. ونزلاء هذا المعتقل

يُطْعَمون، والفلاحون المجاورون يجلبون لهم ما يحتاجون ويبيعونهم.

يقول صليب (خروستك) الذي وجد أن القطار يتجه إلى جهة أخرى: كان

القطار مؤلفاً من عشر قاطرات لنقل المواشي، آتياً من معتقل (ترنبولي) ، رأيت

وجوه بعض النساء فقط، وأيديهن ممدودة من نوافذ القاطرات ذوات القضبان

الحديدية، ويشير الضجيج المتصاعد أن هذه القاطرات مملوءة بالنساء. النساء

تبكي وتنتحب، والأطفال يتصارخون: ماء، كأس الماء فقط! كان يوماً حاراً

والقاطرات تحت الشمس، لا مراحيض هناك! بقوا هناك طوال الليل والأبواب

مقفلة عليهم طوال الوقت. ذهبت في الصباح وموظف المحطة يحاول إعطاء

قارورة ماء لهن، لكن الحارس الصربي المسلح قال له: هؤلاء متعصبات علي

عزة، ابتعد عنهن ودعهن يمتن من العطش.

بقيت القاطرات في المحطة حتى الساعة 11. 30 من تلك الليلة.

هناك عامل بالسكة طلب من جمعية (محمد) الإسلامية الخيرية في بانيالوكا

استقبال النساء والاطفال عند وصولهم البلدة. وحين وصلوا كانوا قد قضوا يومين

في القاطرات تحت شمس يوغسلافيا الحادة متكدسين فوق بعضهم، ولا زالوا على

حالهم يتصارخون، يمدون أيديهم من بين قضبان النوافذ الحديدية متوسلين: اثنان

من الاطفال ماتا، دعونا نخرج جثتيهما. دعونا نخرج، من فضلكم ماء. حاولت

الجمعية الخيرية إحضار بعض قوارير الماء إلى القاطرات. فقال لهم الشرطي:

أين تذهب بهذا، ارجع أدراجك.

وصلت الشاحنات إلى ضواحي زينيتسا في 15 حزيران، استغرقت الرحلة

خمسة أيام، فقد كانت تسير ليلاً فقط، كان الأموات من الركاب قد بلغ عددهم أحد

عشر، 7 أطفال، واثنان من الأمهات، وامرأتان.

هناك (14) ألف مسلم محتجزين في المعتقلات الأربعة الأخرى في الزاوية

العليا للبوسنة. في أقصى الجنوب في (براتوناتس) 2000 مسلم محتجزون في

ملعب كرة قدم، وقد أفاد أحد رجال الإغاثة الدولية أنه في ليلة السابع من نيسان

وثلاث ليالٍ تلت كان رجال يؤخذون خلف الملعب ويقتلون. وفي تلك الليالي كان

هناك إطلاق رصاص مستمر خلف الملعب، ولم يكن هناك رد على هذا الرصاص. كان الرجال يؤخذون إلى خلف الملعب ولا يعودون، وقال بأن المسؤولين عن

هذه المجازر هم الصرب العاملون تحت إمرة رضوان كاراجيش الذي كان الأسبوع

الماضي في لندن.

يؤتى بالرجال المحتجزين في المعتقلات والملاعب من بيوتهم الموجودة على

طول الطريق المؤدي إلى بلغراد، وهي بيوت يسكنها المسلمون والكروات الذين

عاشوا منذ أجيال قديمة في القرى والمدن في الممرات التي تربط صربيا بالمناطق

البوسنية التي يسيطر عليها الصرب الآن في غرب البوسنة.

في الأسبوعين الماضيين افتتح طريق آخر للباصات يربط بلغراد بهذه المنطقة، حيث يجلب الصرب من بلادهم إلى القرى والمدن التي طهرت من المسلمين.

أول تطهير لهذه المنطقة من المسلمين بدئ به في نيسان، لم يبق من بيوت

المسلمين إلا آثار القصف الشديد بالمدافع والدبابات، التي لا زالت في القرى

الإسلامية، وكأنها في حالة راحة الآن، مثلها مثل ذلك الجندي الذي يرتدي بدلة

سباحة ويتمشى الآن على الجسر ومعه الكلاشينكوف.

ويحدث الآن تطهير آخر لأماكن بعيدة في هذا الممر من المسلمين،

فالسيارات العسكرية الصربية تملأ الطريق جيئة وذهاباً. والصرب يجوسون خلال

البيوت ويفرغونها من المتاع قبل إشعال النار فيها. الصرب في الباصات صامتون، وعندما مررنا بتلك الأرض الخراب كانوا يطلون من النوافذ، أفواههم منفرجة

قليلاً، ينظرون إلينا بدهشة، ما أشد مهارتهم! ! كيف أنجزوا إفراغ وتخريب

وإحراق آلاف وآلاف من البيوت في هذه المسافة التي لا تقل عن 11 ساعة سفر

بالسيارة؟ ! يقول حارث خروستك - وعمره 17 سنة - والذي قضى أربعة أيام

في المعتقل قبل أن يساعده أبو صديقه الصربي - وكان شرطياً - على النجاة

وزوده بأوراق الصليب الأحمر: عوملنا معاملة حسنة في المعتقل، لم يضربونا،

بل وضعونا في الحقل فقط، كان هناك (5000) منا على مرحاض واحد. وفي

اليوم الثاني أخذوا الرجال إلى أومارسكا، بعض النساء اللاتي كن هناك ليحضرن

لهم بعض الطعام قلن: إن الرجال أصبحوا مرضى الآن بالتيفوئيد وتليُّف الكبد.

فهم هناك منذ شهرين بلا غطاء، ولا ظل، ولا ماء للغسيل، ولا مكان صالح للنوم

أو الراحة. لم تتمكن هيئة الصليب الأحمر الدولي من زيارة معتقل أومارسكا، لكن

سمح لهم بالدخول إلى (مانياشا) وهو معتقل في المنطقة خاص بالذكور.

منذ أسبوعين أطلق سراح (106) أطفال تحت سن (18) ، ورجال فوق

(60)

سنة، وتركوا في حديقة مسجد في بلدة بانيالوكا.، هناك آواهم أهل البلدة

وأطعمتهم النساء. وقد كانوا في غاية الضعف والإعياء، حيث لم يأكلوا أكلاً طبيعياً

خلال شهرين حسب ما قالت إحدى النساء التي قالت: أنا أخذت رجلاً عجوزاً

وقلت له: أعطني قميصك أغسله لك في الغسالة، حاولت مساعدته كي يخلعه،

ورأيت آثار الضرب المبرح على بدنه، وكان القميص ملتصقاً بجسمه.

(بانيالوكا) الواقعة في شمال الجمهورية الصربية الجديدة - التي كانت سابقاً

البوسنة - تنتظر أن تطهر من المسلمين أيضاً، فالصرب في الجبهة لم يعودوا

يتكتمون على ما يخططون له، فقد صرح قائد صربي في منطقة «فوشا» : لقد

طهرنا (فوشا) و (فيشاغراد) من المسلمين والآن سنطهر (كور اجدة) .

المسلمون والكروات يعرفون ما هو قادم، فهنا في (بانيالوكا) البلدة

المتطورة ذات الحدائق والمطاعم، يبدأ منع التجول من الساعة العاشرة مساءً،

هذا مخزن مسلم بنوافذه المحطمة، وذاك منزل مسلم واجهته قد نخلها الرصاص

والقصف نخلاً، وهناك امرأة ظلت تعمل لمدة (26) عاماً في شركة للاستيراد

والتصدير إلى ما قبل شهر قالت: رجعت من الغذاء يوم الجمعة وإذا بهم

يسلمونني ورقة قائلين: أنت لم تعملي هنا أبداً! جميع المسلمين طردوا من العمل

في ذلك اليوم، وهكذا اصبحنا بحاجة إلى أوراق رسمية لنتجول في بلدتنا التي

ولدنا فيها! ! بعض المسلمين والكروات ينتظرون محاولين ترتيب مبادلة منازل

بينهم وبين صرب آخرين في أجزاء أخرى من يوغوسلافيا، بعض كبار السن

قالوا إنهم لن يذهبوا إلى أي مكان. وبعضهم تركوا وراءهم كل شيء، يغادرون في باصات تغادر ملعب (بورشيف) مرتين في الأسبوع، ولا مخرج آخر لهم إلا بذلك.

في الساعة التاسعة من صباح يوم الاثنين كان هناك خمس باصات منتظرة

خارج ملعب داخلها 350 فرد لا يحملون شيئاً، أعمار غالبهم بين العشرين

والخامسة والثلاثين كان حولهم مئات من الأقارب والأصدقاء، يلوحون ويشيرون

على أقربائهم أن يدخلوا الباصات باسمين، يغمزون ويشيرون بالإبهام إلى أعلى..

أنور المحامي مع زوجته وطفله الذى عمره خمسة أشهر قرروا أن يغادروا

عندما أوقفه شرطي على عتبة المحكمة وأخبره بأن المسلمين لن يسمح لهم بالدخول.

تحركت الباصات الخمسة ببطء. وانكشفت التمثيلية بوضوح، كل من في

الباص انفجر بالبكاء، الدموع تنهمر بصمت، الأمهات في الخارج مغطيات

وجوههن يهززن رؤوسهن بين أيديهن، الآباء المشهورون بشدة البأس يبكون مثل

الأطفال، يودعون أبناءهم الذين دفعوا أجرة نقلهم ومعهم أوراق من القيادة العسكرية

أنهم يغادرون برغبتهم، وعن طيب خاطر منهم!

عند الحدود أمرنا كلنا بالنزول من الباص، التعليمات واضحة: ممنوع حمل

أي أدوات كهربائية، وممنوع حمل ما يساوي أكثر من مئة جنيه من الأمتعة.

الجميع جلوس على الأرض، وجوه تصبب عرقاً، شعور تتناثر على جباه مجهدة

متعرقة، (350) لاجئاً لا يريدهم أحد يجلسون على حقائبهم ينتظرون أسماءهم

لينادى عليها. الحقائب تفتش ثم يقال لهم: اصعدوا إلى الباصات، كل على

دراجته.

الأمم المتحدة هناك في الجهة الاخرى من الجسر ترحب بهم، فريق من بورما

يفتش الباصات الخمسة عن الأسلحة فلا يجد شيئاً. مراقب من السوق الأوربية

يقول: (هؤلاء ليسوا لاجئين، كلهم عندهم أعمال في النمسا وألمانيا) .

روزاليا خروستك التي هربت من قريتها تدفع العربة بالعجوز، وتشق طريقها

نازلة على الرصيف، وتقول: لم يبق شيئاً في قريتنا، احترق كل شيء، النادي،

المحل، من فضلك [2] ، خذي هذه كتذكار يثبت أنه كانت هناك قرية اسمها

كوساراس، وأن أعمال هتلر لم تكن شيئاً بالمقارنة بما حصل هناك.

(*) عن الغارديان ويكلي، الأسبوع المنتهي في 9/8/1992.

(1)

كلمة بذيئة في النص الإنكليزي.

(2)

تقول للصحفية.

ص: 75