الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإبعاد
[وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ]
د. عبد الله عمر سلطان
اليهود كانت ولا تزال أمة تنتشي بقتل الأطهار وتحتفل بملاحقة الصالحين..، أمة قتلت أنبياءها، وطاردت صالحيها، وأدارت ظهرها مرة بعد مرة لقوافل الرسل الكرام والأنبياء الأطهار، الذين أرسلوا لها ليثنوها عن غيها ويرشدوها إلى أفق الاستقامة ودرب النور.. هذا أمسها.. وهذا يومها شاهد على أنها الأمة المغضوب عليها..
الصالحون الداعون إلى ربهم كان طريقهم حطباً في الطريق، وسلىً يلقى
على الأعقاب وطرداً من الديار هرباً بالدين والمبدأ.. هذا لوط عليه السلام
يخرجه قومه: [أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] والمتطهرون
من أتباع نبينا -عليه أفضل الصلاة والسلام- خرجوا مهاجرين إلى الحبشة مرتين
وإلى يثرب حيث كانت من الحمى تستوطن ويهود تتآمر في هجرة الظفر والنصر
.. هذا كان قدرهم وقدر هؤلاء الفتية الذين أتى بهم رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- مجندلين يوم الحديبية. روى البخاري (وبينما هم كذلك - في مناقشة بعد
الصلح -إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل
مكة حتى رمى نفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من
أقاضيك عليه أن ترده إلي بموجب الاتفاق، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا لم
نقض الكتاب بعد، فقال: إذاً لم أصالحك على شيء أبداً، فقال النبي فأجزه لي.
قال ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، قال: مكرز بل قد
أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت
مسلماً ألا ترون ما لقيت، وقد عذب عذاباً شديداً في الله) .... ثم انطلق هؤلاء
…
الأبطال هاجرين ديارهم في مكة مترصدين لعير وتجارة قريش في تلك البقعة النائية
على ساحل البحر الأحمر، حتى كان هذا الإبعاد إرهاصاً لفتح مبين..
وفي كل رحلة غربة وقافلة إبعاد ترفع التكبير كان النصر يأتي مع الصبر
ويعقب العسر اليسر.. وفق سنن العزيز الرحيم.
اليوم يستطيل يهود ومن خلفهم العالم النصراني الغربي المتواطىء ويقومون
بنفس الجريمة التي تحرمها قوانينهم ومواثيقهم التي لا تساوي قيمة الحبر الذي
كتبت به.. لكنهم في خضم الخوف من اشتعال الإيمان في الصدور، والجهاد في
الأعضاء، ينسون أن المعركة منذ هذه اللحظة دارت واستدارت وتوجهت نحو أفق
بديل..
ولم تعد معركة إسرائيل مع منظمات تطرح العلمانية حلاً أو الشيوعية خلاصاً
أو التطبيع رهاناً، أو أي مذهب آخر ساقط كمخرج لقضية المسلمين الأولى.. كلا
وفي ظروف دولية وإقليمية متجددة يماط اللثام مرة أخرى عن الإسلام، فإذا هو
ماثل في صورة طفل ينازل يهود وهو يزلزلهم بآيات البقرة، أو شيخ وهو يحمل
قنبلة مولتوف يقذفها في وجههم وهو يتمتم بأرجوزة ابن رواحة:
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
أو امرأة صبرت واحتسبت وقامت بتربية تسعة رجال كل واحد منهم تعده
ذخراً لقضية الإسلام شوكة في حلق اللئام..
لقد استجمعت الأمة قواها في ظل التوحيد، واختارت أن تعيد سيرة رجالات
الإسلام الأفذاذ الذين ضحوا ويضحون في سبيل القدس، لا لكونها حجراً أو شجراً
أو قطعة أرض، فهذا ما راهن عليه المارقون وحاولوا أن يجمعوا الفلسطينيين عليه
لعقود، لكن أبناء الإسلام تلوح لهم المساجد والمآذن وشجر الزيتون والإذخر،
فيحيوها في أذهانهم رموزاً لمواطن المعركة ومسارح لساح الجهاد الذي ينتظرهم..
إيجابيات..
ككل فعل بشري، وقدر ماض، كان حدث الإبعاد مزيجاً من الإيجابيات
والسلبيات التي نرجو أن تتحول إلى كم من الإيجابيات هائل، وقدر ضئيل من
السلبيات لا نملك إلا المدافعة والمحاولة لتغيير مسارها.
* إن أبرز إيجابيات الإبعاد تحويل مسار الصراع من بعده العلماني كصراع
حول الأرض والشجر، إلى منازلة عقيدة ودفع بين الحق المجاهد والباطل المستكبر..، لقد ظلت صيحات الدعاة خافتة لزمن طال، أما اليوم فإن الأعداء يدركون أن الصراع قد اختط زاوية أخرى تحمل في طياتها كما قال رابين خطراً داهماً على الكيان الصهيوني.
* ومن إيجابيات الإبعاد هذا الدرس العملي الذي تسابقت وسائل الإعلام
الغربية على نقله وتصويره، صورة معبرة للمبعدين وهم صابرون مصابرون
بروح عالية وإصرار على المكوث في هذا الجرد الموحش لا يؤنس وحدتهم إلا
صلاة أو ذكر أو دعاء..!
* تقديم صورة جديدة لقيادات لا تعرف الترف ولا المتاجرة بقضية شعبها،
إن شعوبنا ملت تجرع الهزائم وكرهت ملامح هؤلاء الذين تحولوا من صعاليك إلى
أباطرة عبر تقديم التنازلات تلو التنازلات.. أما هؤلاء فيشرعون في رسم مشروع
بطولة ومصابرة تحتاجها الأمة وهي ترى العارض المستقبل أوديتها وفيه ريح
تطبيع مدمر!
* في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات سماسرة التطبيع مع اليهود والمنادين
بالصلح مع إخوان القردة والخنازير وعبد الطاغوت، يعري المجاهدون المبعدون
هؤلاء العتاة، ويحذرون الأمة بلسان المقال من خطورة الإقدام على هذا الصلح مع
قوم لا يعرفون عهداً، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
* أما أمم (بطرس) المتحدة فأبت إلا أن تثبت لنا وللمشككين في نواياها
…
(وهم كثر) أنها حرب على كل طاهر وصالح من خلايا الأمة الإسلامية المستهدفة،
ويأبى الله إلا أن يفضح بطرس وأسياده فهو كان على بعد ساعة من مقر قيادة
حكومة الصهاينة كان في القاهرة ومقاديشو وأديس بابا، ولم يكلف نفسه عناء السفر
أو التصريح بشيء من عباراته البطولية التي يطلقها في وجه المحاربين للنفوذ
الأمريكي والغربي.. وإذا كان نصفك يهودي يا بطرس، هل تأتي هذه الحادثة إلا
لتكشف لنا عن خبث نصفك الآخر؟
* وإذا تطرقنا إلى الساحة العربية فإننا لا نجد إلا عجزاً وهواناً.. الأسلوب
المشروخ هو ذات الأسلوب.. شجب، استنكار، إدانة ثم إذا جد الجد.. إصرار
على خوض المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود، فطريق العجز يردي،
والضعفاء كالمعاقين لا يقدرون على الركض في دروب الجهاد..
وسلبيات..
* تدرك الدولة الصهيونية أهمية القيادة ودور الرموز، لذا فإنها سارعت إلى
إبعاد قيادات العمل الإسلامي في أول مناسبة بُعيد قتل المجند اليهودي، ولأنها لا
تحتمل وجود عمل إسلامي منظم وقوي فإنها سارعت إلى هذه الخطوة التي قد تؤثر
سلباً على انتشار الحل الإسلامي بين أوساط الشعب الفلسطيني، وهذا يقتضي إنشاء
قيادات بديلة تستعين بالكتمان وطول النفس في مواجهتها مع الأعداء و (بعض)
الأصدقاء!
* سارعت المنظمة إلى المزايدة على أحداث الإبعاد وتصويره أنه من
بطولاتها (فبطولاتها خارقة للغاية) ، وفي الوقت الذي طالب رئيسها الهرم عبر
…
صحافة اليهود بقتل (الجناة) الذين قتلوا الجندي اليهودي، كان يجري مباحثات مع
قادة حركة حماس من أجل التنسيق ونصب فخاخ المشاركة في هيكل منظمته
العلمانية..، إن الدخول مع هذه المنظمة المفلسة واقعاً ومعتقداً منعطف خطير
ينبغي على الحركة الإسلامية أن تعيد النظر فيه، وهذه السلبية اصبحت حدثاً
متوقعاً على الدوام في إطار عجز الخطاب العربي وخوائه. فكما تنبأ العديد من
الإسلاميين سارعت طهران إلى ركوب الموجة الفلسطينية الجهادية واستغلالها في
نفس الوقت الذي كشفت فيه الأنباء خلال نفس الفترة عن صفقة سلاح إسرائيلية-
إيرانية عن طريق كوريا الجنوبية، وهذا دليل آخر على النفاق الرافضي الذي
يرضي البسطاء بتقديم الجعجعة الإعلامية، بينما يأكل اليهود الطحين الإيراني كما
فعلوا من قبل، إن السلوك الإيراني بحاجة إلى دراسات خصوصاً على الساحة
الفلسطينية التي ينبغي على المخلصين فيها أن يسترجعوا دروس القضية الأفغانية
وموقف إيران الإجرامي حيالها، أو ما كشفت عنه الأنباء المتواترة عن تقديم
كلاشنكوفات وأسلحة (رمزية) لمسلمي البوسنة في العلن، بينما يزود نظام الملالي
الصرب بالنفط القادر على سحق أبناء السنة من البوسنيين.
كلما مر يوم على المبعدين الصابرين في الجرد الموحش كشف لنا عن درس
إيجابي أو نقطة ضعف قاتلة، ولكن مجمل المسار لقضية الإبعاد هو مسار إيجابي
عسى أن يتحقق فيه قول الحق عز وجل: [فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ
فِيهِ خَيْراً كَثِيراً] ، ولعلهم أن يكونوا أحفاداً لأبي جندل وصحبه.
طاجكستان مأساة جديدة
د. مالك الأحمد
توطئة:
تقع طاجكستان في أقصى الجنوب الشرقي للاتحاد السوفييتي (سابقاً) وتشترك
بحدود مع الكثير من الدول وأهمها أوزبكستان من الشمال وأفغانستان من الجنوب،
إضافة إلى الصين وقرقيزيا وكازخستان.
وهي بلد جبلي في معظمه يسكنه أكثر من خمسة ملايين نسمة أكثرهم من
الطاجيك، ثم الأوزبك، بالإضافة إلى أقليات عرقية أخرى.
واللغة القومية هي الطاجيكية وهي فارسية الأصل، لكن اللغة السائدة هي
الروسية. والبلد غني بموارده الطبيعية والغلال والثروات المعدنية والتي من أهمها
اليورانيوم.
والسكان غالبيتهم من السنة ويوجد أقلية من الإسماعيلية. والبلد صغير
المساحة بلا جيش - كحال الجمهوريات الأخرى - لكن الجيش الروسي هو الذي
يحمي الحدود ويسيطر على المراكز الرئيسية سواء في العاصمة (دوشنبه) أو المدن
الأخرى، وقيادته بيد يلتسن شخصياً.
والبلد يتميز بخصائص هامة جعلته محط الأنظار ولعل أهمها:
- قوة الشعور الإسلامي (القومي) لدى الناس، وتمسك الناس بالتقاليد المحلية
وثوراتهم المبكرة ضد الروس في أوائل القرن الحالي، وكذلك الثقافة العالية لدى
الكثيرين خصوصاً في الشمال، والوحدة الإسلامية رغم اختلاف الأعراق.
- وجود حدود طويلة مع أفغانستان، مما قد يسبب خطورة عند قيام دولة
إسلامية قوية فيها.
- وجود نشاط إسلامي قوي وموحد تحت قيادة حزب النهضة الإسلامي.
الأزمة وتطور الأحداث:
استقلت الجمهورية عن الاتحاد السوفييتي سابقاً في سبتمبر 1991 بعد ما
يقارب الـ 130 عاماً من الاستعمار الروسي، وتنفست الصعداء، وخرج طلاب
العلم من الأقبية المظلمة التي اضطروا إليها سنين طويلة كي يحافظوا على دينهم
وعلى لغتهم العربية، ونشطوا في الدعوة والتعليم وأقبلت عليهم الأمة بقلوب
عطشى بعد عقود من التجهيل.
لكن الحكم استمر بيد الشيوعيين مستخدمين نفس سياساتهم السابقة مع تحوير
طفيف دون أن يغيروا عباءتهم كما فعل أشياعهم في الجمهوريات الأخرى واستمروا
في سيطرتهم على كافة المنظمات الشبابية والنقابات والإعلام والمراكز الهامة في
الدولة.
ومجاراة لتطور الأحداث، قاموا بعمل انتخابات (مزورة) في أواخر 1991
وفاز فيها رأس الشيوعية في البلاد نبييف والمدعوم من حزبه الشيوعي، ونتيجة
لذلك تحركت أحزاب المعارضة الوليدة ممثلة بحزب النهضة الإسلامي وهو الغالب، ومعه الحزب الديمقراطي والحركة الشعبية (حزب قومي) مطالبة الرئيس بالتنحي
عن الحكم، وقادت هذه الأحزاب مظاهرات حاشدة فاضطر الرئيس نتيجة الضغوط
لتقديم بعض التنازلات، وشكلت حكومة ائتلافية شاركت فيها المعارضة مع
الحكومة، مع وعد بإقامة انتخابات برلمانية (البرلمان ما زال تحت سيطرة
الشيوعيين) ، لكن الرئيس نكث بوعوده، فتحركت الجماهير بالآلاف بتوجيه من
المعارضة وحاصرت القصر الرئاسي ما يقارب الشهرين حتى اضطر الرئيس
للتنازل والهرب بعد ذلك..
تكونت حكومة جديدة مؤقتة من المعارضة وبعض الشيوعيين (المعتدلين)
وحصل دولت عثمان (من حزب النهضة) على منصب نائب الرئيس مع أنه لم تكن
للحكومة قوة فعلية ولا سيطرة على الشارع، فالقوة الحقيقية كانت للمليشيات
الشيوعية المسلحة والمنظمة والتي انسحبت بعد فرار نبييف وتجمعت في منطقة
كولاب، وانضم إليها الكثير من عتاة الإجرام الذين أخرجوا من السجون وبدأوا
بالتحرك للسيطرة على المناطق القريبة منهم، وهاجموا كرغينة معقل الإسلاميين
الذين لم يكونوا على استعداد للمواجهة، ورغم ذلك استطاعوا إيقاف الشيوعيين
مرات عديدة بأسلحتهم الخفيفة. تطورت الأحداث بعد ذلك سريعاً حيث اجتمع
البرلمان (الشيوعي) وخلع الرئيس وأسقط الحكومة، ثم تكونت حكومة جديدة ليس
للإسلاميين فيها وجود، وضمت المليشيات الشيوعية للحكومة وأصبح الإسلاميون
(حزب النهضة) عناصر خارج النظام، حيث بدأت مطاردتهم في كافة البلاد،
وحدثت مجازر رهيبة بحقهم، لدرجة أن بعض الصحف الغربية كتبت تقارير حول
ذلك، فطلبت الحكومة مراقبين من الأمم المتحدة لمتابعة الأوضاع في البلاد حتى
تنفي عن نفسها مسؤولية المجازر التي وقعت للمعارضة وبخاصة الإسلاميين.
دور المفتي:
المفتي ورئيس الإدارة الدينية أكبر تورجان زاده لعب دوراً خطيراً في
الأحداث، فهو ابتداء من الوضع الشيوعي السابق، معروف بتقلبه ومواقفه
المتعارضة، فتارة مع الشيوعيين وتارة مع المعارضة وأحياناً يلعب دور الوسيط،
وفي مرحلة لاحقة ساعد على تصعيد المواجهة بين الطرفين (وهو يخبر الأجانب
أنه يريد دولة هيكلها علماني وروحها إسلامية، وتلتزم بمعايير حقوق الإنسان
الدولية! ! لكنه لا يتحدث بشأن هذه الآراء بصراحة مع الحركة الإسلامية) [1] .
مواقف الدول الخارجية:
- أوزبكستان: وتعتبر من أخطر الدول ودورها خبيث للغاية، فهي دولة
علمانية صرفة بأسلوب دول العالم الثالث، وتعلن ذلك بصراحة وتحارب الإسلام
في عقر داره، وكانت مواقفها خلال الأزمة مؤثرة وخطيرة، حيث قامت بدور
إعلامي رئيسي في الأزمة تمثل في تشويه صورة الإسلاميين من حزب النهضة،
ووصفتهم بالتطرف والإرهاب والوهابية (التي يبغضها الناس ولا يعلمون ما هي)
وتعتم على أخبار المجازر، وتهون من خطورة الأحداث، وأخبارها دائماً في
مصلحة الشيوعيين، وعند تأزم الأحداث أقفلت الحدود مع طاجكستان لحصار
الناس ومنعهم من الهرب وبالتالي نقل حقيقة ما يجري للناس هناك، وقطعت
الاتصالات والطرق، والقطارات والطيران، ودعمت عسكرياً الشيوعيين وطاردت
من فر من الإسلاميين لأوزبكستان، بالإضافة لحصارها للإسلاميين الأوزبكيين،
وختمت ذلك بالقبض على رئيس حزب النهضة في أوزبكستان عبد الله أوته وما
زال مصيره مجهولاً.
- روسيا: كان للروس دور هام وخبيث وإن كان بشكل غير مباشر حيث أن
موسكو تعتبر مصدراً رئيسياً للأخبار والمعلومات. قامت روسيا بتشويه صورة
الإسلاميين ووصفتهم - كأوزبكستان - بالوهابية والأصولية وأنهم يقاتلون المسلمين، وهيأت الناس للتدخل في حال تعرض الجالية الروسية في طاجكستان للخطر.
أما في الجانب العسكري فقد قامت قواتها بحجز الإسلاميين عن الشيوعيين في
بداية الأحداث عندما كانوا يطاردونهم، وأوقفت الإسلاميين في كثير من المواقع،
ثم قامت في مرحلة لاحقة بالدعم العسكري المباشر للشيوعيين، وزودتهم بأحدث
الأسلحة، وشارك بعض الجنود في القتال، وقامت القوات الروسية بإغلاق الحدود
مع أفغانستان لمنع تنقل الإسلاميين أيام الأحداث وفرارهم آخر الأمر.
- الدور الغربي: تعتبر أمريكا ذات دور هام في دول آسيا الوسطى حيث لها
سفارة تتابع أحداث المنطقة عن كثب، وقامت أثناء الأحداث بمد أنصار نبييف
الشيوعيين بالأسلحة حيث هبطت طائرات نقل أمريكية في كولاب مباشرة تحت
غطاء المساعدات الإنسانية.
- أما الدول العربية والإسلامية فكان دورها سليباً كالعادة، عدا إيران
الرافضة والتى تحمي مصالحها فقط..
نتائج الأحداث:
* حدثت مجازر رهيبة بحق المسلمين والإسلاميين من حزب النهضة على
وجه الخصوص - وتقدر بين 12. 000 - 20. 000 بالإضافة لآلاف قتلوا
أثناء هربهم من الأحداث، بما فيهم من شيوخ ونساء وأطفال بأيدي الشيوعيين
ومسانديهم من الروس، وغرق المئات في نهر جيحون أثناء الفرار، والهجرة
القسرية لأعداد كبيرة من العائلات التي تضررت بالأحداث خصوصاً في جنوب
البلاد إلى أفغانستان (يقدرون بمائتي ألف نسمة) وهم يعيشون في وضع سيء للغاية
من برد شديد، انعدام للمؤن والألبسة والخيام.
* توقف جميع الأنشطة الإسلامية وحلقات العلم، وفرار الكثير من طلبة العلم
إلى البلاد المجاورة والتخفي.
* الملاحقة أو القتل والتعذيب اليومي لأي شخص اشترك في المظاهرات أو
ينتمى لحزب النهضة.
* تدمير وحرق ونهب مناطق الإسلاميين.
* توقف أنشطة البلاد الاقتصادية والأعمال والمدارس ودمار في كثير من
مرافق البلد.
تقويم للأحداث:
- المرتدون من العلمانيين والشيوعيين يمثلون أكبر خطر على الأمة
وعداوتهم لهذا الدين وأهله متأصلة في نفوسهم وهم لا يرعوون عن ارتكاب الجرائم
والقتل والاغتصاب للحفاظ على مصالحهم، ويتحالفون مع أعداء الأمة الخارجيين
كالنصارى واليهود وغيرهم لوأد المسلمين في ديارهم.
- الغرب والشرق على السواء لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام قيام دولة
إسلامية، وسيبذلون وسعهم للحيلولة دون ذلك إن ظهرت بوادره (مثال البوسنة
والهرسك) .
- سلامة المنهج ووضوح الراية ركن أساسي في العمل السياسي للمسلمين أما
دخول الإسلاميين في تحالفات مع أعداء الله الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة
أو مشاركة في حكومات مختلطة فإنه خلل في المنهج وعواقبه
- إن دخول الإسلاميين في اللعبة السياسية قبل أن يشتد عودهم خطر كبير
على الدعوة وآثاره لن تزول بسهولة، وكذلك اعتمادهم على جماهير غير واعية
ولم تتربَّ تربية سليمة، وإن الأمة تحتاج لجهود ضخمة من الإعداد والتربية
الإيمانية والجهادية قبل خوض المعركة مع أعدائها.
- وإيران خطر مستفحل وأثرها في طاجكستان ملموس نظراً لوجود اللغة
المشتركة وقد استفادت كثيراً من تقاعس أهل السنة، وإخواننا في حزب النهضة
اكتشفوا - أخيراً - حقيقتهم بعد أن وثقوا بهم في السنين الماضية، ولا أدل من
موقفهم السلبي تجاه الأحداث وكأنها لا تعنيهم.
وأخيراً نقول إن المأساة الدامية التي عاشتها الأمة في طاجكستان قدر من الله
وابتلاء وامتحان، ونسأل الله سبحانه وتعالى ألا تكون عقوبة لهم. إن الأزمات
دروس للأمة لترتيب الصفوف ومتابعة الخلل وتصحيح الأخطاء والانتباه للمستقبل،
وفي ظني أن الدعوة - في عموم الجمهوريات الإسلامية - سوف تكون تحت مجهر
الأعداء ولن يدعوا الأمور تصل إلى ما وصلت إليه في طاجكستان، فالأمر سباق
بين دعاة الإسلام ودعاة العلمنة، فأيهم يسبق؟
(1) كما ذكرت مجلة فورين بوليسي عدد 87/1992، ومن الجدير بالذكر أنه مطارد حالياً من قبل الحكومة الشيوعية، قال تعالى:[ولَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] .
هل يعود الشيوعيون
إلى السلطة في كابول
أحمد الإدلبي
يتخوف بعض المراقبين الأفغان أن يؤدي الوضع المتدهور وغير المستقر في
العاصمة كابل بشكل خاص وأفغانستان بشكل عام إلى عودة الشيوعيين إلى السلطة
كما حصل في دوشنبه عاصمة طاجكستان مؤخراً وذلك بعد أن حكمت المعارضة
لمدة ستة أشهر.
المعلومات المتوفرة تشير إلى أن حزب الوطن الشيوعي والذي يضم جناحي
الحزب الشيوعي خلق وبرشم، عقد اجتماعاً لقيادته المركزية قبل سقوط نجيب الله
في أبريل الماضي، وقرروا التوزع في أحزاب المجاهدين وبقية المليشيات
الأوزبكية بزعامة الجنرال عبد الرشيد دوستم التي تحالفت إلى جانب المليشيات
الإسماعيلية وحزب الوحدة الشيعي مع أحمد شاه مسعود، ويلعب الرئيس بابراك
كارمل الدور الأساسي في هذا التحالف، وكان الهدف المشترك لكل عناصر
التحالف إبعاد الحزب الإسلامي عن السلطة، لكن مع مرور الوقت وإدراك الجميع
قوة الحزب الإسلامي، خاصة في معارك أغسطس الماضي عندما فشلت كل
عناصر التحالف في إبعاد الحزب عن كابل، بل استطاع التقدم عدة كيلومترات نحو
العاصمة. ومع رفض رباني التنحي عن السلطة مع انتهاء فترة ولايته للسلطة
وإصراره على عقد مجلس أهل الحل والعقد الذي أثار الشكوك بين الأفغان لرفض
خمسة أحزاب رئيسية لعقد هذا المجلس، وقد وقف الشيخ سياف بشكل واضح إلى
جانب رباني وهو موقف يثير تساؤلات عدة.
حاول حكمتيار كسر التحالف الأخير فقام بتشجيع أي قتال بين عناصر
التحالف حتى وقع الاقتتال بين مسعود وحزب الوحدة في ديسمبر الماضي نجم عنه
تدمير العديد من مناطق الشيعة حيث وجد علاء الدين برجوردي نائب وزير
الخارجية الإيراني من الصعب أن يعيد اللحمة بين الطرفين مرة ثانية رغم زيارتين
قام بهما إلى كابل عقب وصول رباني إلى السلطة، وقد التزم حكمتيار الصمت
حالياً حيال المليشيات حيث اكتفى بالمطالبة في حل كل قطاعات بقايا النظام
الشيوعي السابق، ولم يتحدث عن المليشيات أبداً، حتى أنه في تهديده الأخير هدد
الحكومة بأنه ما لم تقم بالإفراج عن أسرى الحزب الإسلامي الذين بحوزة الحكومة
منذ أبريل الماضي فسيعمد الحزب إلى إسقاط أي طائرة تحلق في سماء كابل أو
تقلع من مطار بغرام أو كابل الدولي، ولم يهدد بقصف الطائرات الجاثمة على
أرض المطار حتى لا يُعد هذا هجوماً على مواقع المليشيات.
وحسب قول المهندس حكمتيار فقد وضع ثلاثة شروط للمليشيات حتى يتعاون
معها: التخلي عن مواقع (بالاحصار، وتبة مهراجان، والمطار الدولي) وهي
مواقع استراتيجية من يتحكم بها يستطيع السيطرة على كابل..
ويبدو أن استمرار الوضع بهذا الشكل دون رجحان لهذه الكفة أو تلك سيصعد
المواجهة بين حكمتيار والأحزاب الأخرى خاصة بعد القتال الأخير بين قوات
حكمتيار وسياف حول كابل حيث إن قوة الأحزاب الشيوعية لم تمس ورغم هروب
قادتها فإنها لم تستقر في كراتشي أو إسلام آباد وإنما فضلت البقاء في بيشاور رغم
تعرضها للخطر مما يشير إلى عزمهم على تنظيم أنفسهم مرة ثانية.