المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[إنا وجدنا آباءنا على أمة] - مجلة البيان - جـ ٦٥

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌[إنا وجدنا آباءنا على أمة]

في إشراقة آية

[إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ]

د. عبد الكريم بكّار

أكرم الله سبحانه وتعالى الخلق، فأرسل لهم الرسل تترى حتى تظل

أعلام الهداية منشورة، وحتى لا يكون لأحد على الله حجة بعد إرسال الرسل.

وينقسم الناس أزاء كل رسالة في العادة إلى فريقين فريق يصدق، وفريق يكذِّب،

وكانت حجة المكذبين الجاحدين ما حكى الله عنهم: [وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي

قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلَاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ *

قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ]

[الزخرف 23- 24] .

وظاهر هذه الآية أن الرؤساء والوجهاء والمترفين هم - في الغالب - الذين

قاوموا دعوات الرسل؛ لأن أية رسالة ستحدث تغييراً في القيم السائدة والأحوال

المعاشة، وهذا التغيير سيمس مصالحهم ومكاسبهم، ومن ثَمَّ فإن موقفهم هو التأبي

والمعاندة. وبما أن الحياة الجمعية لا يمكن أن تستقيم، وتنتظم من غير ضوابط

عرفية تؤمِّن نوعاً من التعاون، وتَحُوْل دون بغي الخلطاء على بعضهم بعضاً كان

الجواب دائماً: أن ما تقوم عليه حياتهم الاجتماعية هو ما وَرِثوه عن آبائهم

وأجدادهم من الأعراف والعادات والتقاليد، وما حياتهم إلا استمراراً لحياة سلفهم

الذين يفاخرون بهم.

والخلف لا يكتفي عادة بالتلقي الأصمّ عن السلف لكنه ينشئ من الفلسفات

والمقولات والخرافات ما يمنح ما ورثه - من تقاليد - القداسة والاحترام مما يجعلها

محوراً للمنظومات العقدية والفكرية والرمزية والتاريخية! وهذا كله طبيعي؛ لأنه

في حالة اندراس معالم المنهج تصبح السوابق التاريخية هي المنهج، ومن ثم كان

من مهمات المصلحين وضع السوابق التاريخية في إطارها الصحيح.

ماذا تعني الآبائية؟

ليس كل ما يرثه المرء عن آبائه وأجداده رديئاً - لأنه لا يوجد جيل مختص

بالرذائل - لكن الرديء هو أن نفقد القدرة على الحكم على تلك الموروثات، ونُحلها

محلَّ القبول والاقتداء! وإذا تأملنا قضية التقاليد الموروثة وقبولها دون تبصُّر ولا

تمييز وجدنا أنها تعني أموراً عديدة منها:

- إن الإنسان قادر على امتلاك منهج يُسَيِّر حياته من خلال خبرته التراثية

دون مرشد خارج عن حدود ذاته، وهذا ما نجده واضحاً في جواب المترفين للرسل

حين قالوا لهم: [أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ؟][الزخرف 24] ،

وكان الجواب: [إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ][الزخرف 24] . وفي هذا الجواب

القاطع الخالي من أي تدليل أو برهان توصيف آخر للآبائية هو أن التقليد وإن بنى حوله بعض الفلسفات التسويغية إلا أنه يظل مع الدليل والبرهان على طرفي نقيض، فهو ظاهرة لا دليل لها سوى وجودها فحسب!

ومما تعنيه الآبائية أن البشر امتلكوا ناصية الحقيقة كاملة فيما يتعلق بشؤون

حياتهم الاجتماعية. والشعور بامتلاك الحقيقة مع أنه غير صحيح إلا أنه يدفع إلى

الجمود؛ لأن حركة الفكر والعلم لا تنشط إلا عند الإحساس بأن هناك حقائق خافية

أو مشكلات تحتاج إلى حل. ومن هنا كانت متابعة الآباء والأجداد من غير ميزان

عبارة عن حركة إلى الوراء تصادم منطق التاريخ، وتجعل أصحابها مخلفين بكل

ما تحمله هذه الكلمة من معنى! وإذا كان المنهج الحق يسعى إلى تجديد ذوات

معتنقيه ونقدها واستيعاب العظات والعبر من حياة الأولين فإن الآبائية تعني تعطيل

تراكم الخبرة البشرية وتقويمها؛ لأن ذلك يخلُّ بالمكانة التي أنزلوا آباءهم فيها!

وتعني الآبائية أيضاً إحالة العادات والأخلاق إلى إطار مرجعي لا منطقي

ومتحجّر، يحكم الناس في حالات اجتماعهم، ويتيح لهم الانطلاق الحر في خلواتهم، أي: يؤسِّس الحياة على نوع من الازدواجية، على حين أن الدين يجعل الوازع

الداخلي أساساً للانضباط الفردي والجماعي. وإن التفسير المستمر في كل شؤون

الحياة يجعل تقليد الآباء فارغاً من مضامينه في أحيان كثيرة، فإذا كان الآباء

يتقلدون السيف - مثلاً - لمواجة حيوان مفترس، فما معنى حمل الأبناء له وهم

يركبون الطائرة؟ ! وإن الآبائية بعد هذا أو ذاك توجد نوعاً من الانحباس

الاجتماعي المصادم لسنّة التغيير التي بثها الله - تعالى - في الكون، ومن ثَمَّ فإن

الانغلاق على مواريث بالية لابد أن يعقبه انفلات غير متزن يطيح بصالح

الموروثات وطالحها.

المصلحون والآبائية:

لا نبعد النجعة إذا قلنا: إن الآبائية هي أخطر مشكلة واجهت الأنبياء - عليهم

الصلاة والسلام - وتواجه أتباعهم من المصلحين على مدار التاريخ حيث تمتلئ

الساحة الاجتماعية بتركة الآباء ومخلفات الأجداد مما يجعلهم يحتاجون إلى تزييف

الموروثات أولاً، ثم إحلال المنهج الرباني محلها. وإن حملة الهدى الرباني

يصطدمون بالآبائيين صداماً مباشراً حيث يرون أن ما بأيديهم من الهدى يجعل

التراث مملوكاً خاضعاً للمحاكمة على حين يرى الآبائيون أن التراث هو مالكهم

والقاضي في حياتهم لا المتهم!

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل بإمكان البشر الفرار من الارتهان

للماضي بدون منهج منفصل عن خبرة الإنسان، أي: لا زماني؟ الواضح أن ذلك

غير ممكن؛ لأننا باعتبارٍ ما جزء من الماضي ومكوناتنا الثقافية أكثرها موروث،

فنقده وتجاوزه بمبادئ وأدوات منه غير ممكن. ونحن حينئذ كالجرَّاح الذي مهما

كان ماهراً فإنه عاجز عن استئصال زائدته أو مرارته بنفسه! وعلى المهتمين

بصلاح الأمة الغيورين على مستقبلها أن يخوضوا معركتين في آن واحد: معركة

الحياة العامة وتنقيتها من الرواسب والشوائب التي تولدها حركة الأيام، ومعركة

داخلية في مجال الحياة الفكرية، وما فيها من مشكلات التجديد والتقليد والاجتهاد

وحدود سلطان العقل والنقل الخ..

إن معالم المعركة الأولى تتمحور حول (مفاصل) التقاليد والسنن والتوزيع

الصحيح للاهتمام بمفرادت التكاليف الشرعية، وما يتصل بها مما يحفظ كيان الأمة. وعلى هذا الصعيد نلاحظ أن المسلمين منتشرون في بقاع الأرض؛ ولذا فإنهم

يعيشون في ظروف شديدة الاختلاف تؤدي إلى تفاوت عظيم في معرفتهم بالدين،

كما أن الثقافات الأجنبية التي تأثروا بها مختلفة أيضاً، والمؤثرات المدرسية

والمناهجية التي تعرضوا لها متفاوتة، وهذا كله يجعل إمكانات إقامة التوازن بين

متطلبات الدين ومتطلبات الدنيا مختلفة، كما يجعل تحرير الخلاف وترجيح

الصواب مختلفاً أيضاً! ولا ننسى في هذا السياق الآثار الكثيرة التي تتركها توجهات

الحكومات المختلفة في إبراز أجزاء من الدين وضمور أجزاء أخرى بحسب

المصلحة!

ونستطيع القول: إنه كلما خمدت حركة الفقه في دين الله، زحفت العادات

والتقاليد والبدع لتحل مكانه في حياة الناس، ذلك لأن من شأن البشر أن يجعلوا

الدين - الذي هو منهج رباني مطلق فوق الزمان والمكان - واحداً من عناصر

ثقافتهم بدل أن يكون الموجّه لتلك الثقافة والحاكم عليها، وذلك ميسور عليهم ولا

سيما حين تكون هناك بعض الملابسات بين العادات وحقائق الدين في الكُنْهِ أو

المظهر، وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله " أن من الناس من لو جلدته حتى

يصلي ما فعل، ولو جلدته حتى يفطر رمضان ما فعل! " مع أن أهمية الصلاة

أعظم. وفي زمننا صار إنكار الناس لتعدد الزوجات في كثير من بلاد المسلمين

أعظم من إنكارهم للزنا! كما صار هناك استغراب من إقبال الشباب على المساجد

لأن المساجد خُلقت لمن أكل الدهر عليهم وشرب، على ما تعودوه في عقود مضت. وفي زماننا تُشْتَنْكَرُ الفاحشة من البنات ويغضُّ الناس الطرف عنها إذا وقعت من

الرجال ولا سيما الشباب! !

وفي زماننا يُتَّخذ الاهتمام بليلة القدر والمولد النبوي وليلة النصف من شعبان

وإغراق الأسواق بالسلع في رمضان قناعاً وستاراً مشهوداً ومن خلف الستار لضرب

ركائز الإسلام ومبادئه الكبرى وجعل الداعين إليها غلاة متشددين إرهابيين! !

ويزداد الطين بلة حين يُسهم في هذا الخلل أشخاص تثق بهم العامة لما عندهم

من العلم والتقوى. والعامة غير قادرين على مناقشة الأفكار ولا التمييز بين الأدلة؛

مما يجعلهم تبعا للأعلى صوتاً والأكثر تابعاً. وهذا كله يجعل مسألة تحجيم الآبائية

أكثر صعوبة وتكلفة. لكن لا خيار: فإما المنهج وإما المنهج، وإلا فكيف يكون

خلود الرسالة، وكيف تستمر أنوار النبوة في العالمين؟ !

المعركة الثانية لا تبتعد في منطلقاتها وعقابيلها [*] عن المعركة الأولى؛ إذ

أنّ تقديس القديم لمجرد أنه قديم هو الطاقة المحركة لأبطالهما، لكن الخصوم

يختلفون فإذا كان الخصوم في معركة الحياة الاجتماعية من العامة والدهماء وأنصاف

المتنورين فهم في الثانية ممن يحمل العلم، ويحسب نفسه من المصلحين - وقد

يكون كذلك - لكن بُنَى ثقافتهِ العميقة لا تختلف كثيراً عما لدى العامة!

هذه المعركة هي معركة الاجتهاد والتقليد، والاجتهاد هو بذل الجهد لمد

سلطان النصوص إلى كلّ الحوادث والحالة المستجدة المشابهة في علة الحكم لحالات

ورود النص وتطبيقاته لدى السلف، على حين أن التقليد يحجم من فاعلية

النصوص، ويجعل مجالات الاهتداء بها تتضاءل يوماً بعد يوم؟ ذلك لأن أية

مرحلة سابقة لا تَتَّسِع في تنظيماتها وآلياتها ومعطياتها الجزئية لمرحلة لاحقة، وهذا

ما دعا الصحابة والتابعين من بعدهم إلى الاجتهاد، وهو ما يدعونا أيضاً إليه.

لعل نقطة الخلاف الأساسية ليست في تجويز الاجتهاد والتقليد لشرائح محددة

من الأمة، وإنما تكمُنُ في نزع (صفة دوام الصواب) عن المجتهد، ومع أن الجميع

يُصَرِّحون بأن المجتهد يُخطئ ويُصيب، إلا أننا نجد في الممارسة العملية مواقف لا

تحصى لا تدلّ إلا على اعتقاد أصحابها العصمة في بعض الأئمة والمجتهدين

لاعتقادهم أن إحاطة أولئك الأئمة بالأدلة وَحِدَّةِ ذكائهم وفهمهم مع ما أكرمهم الله به

من التوفيق يجعل وقوع الخطأ منهم نادراً أو معدوماً! وقد رأينا كثيراً من طلاب

العلم يلتزم الواحد منهم مذهباً واحداً في كل دقائقه، ويحاول الدفاع عن ذلك بكل ما

أوتي من قوة، ويوالي ويُعادي في ذلك، ويخسر إخوة في الله، وهو يظنّ أنه

يخوض معركةً لِنُصرة دين الله!

وهذا يدل على جهلٍ فاضح في العملية الاجتهادية المعقَّدة، والتي تلتحم فيها

عناصر أربعة، هي مجال رحب، للاختلاف بين المجتهدين، هذه العناصر هي:

الإمكانات الذهنية التي أكرمنا الله بها والنصوص والأدلة المتعلقة بالقضية موضع

الاجتهاد والخلفية الثقافية للمجتهد (وهي ما كان يُسْمّى بالأهلية) بالإضافة إلى الواقعة

نفسها والظروف والخلفيات المحيطة بها. وتَمَكُّنُ المجتهدين من كل ذلك متفاوت

إلى حدًّ بعيد، وهذا كله ينفي عن المجتهد دوام الصواب في كلّ ما ينظر فيه. وأن

من المفيد أن ننظر إلى المجتهد بعيون أبناء زمانه حيث تخلصوا من وَهْمِ التقديس

بسبب من المعاصرة والمعاشرة ومعرفة الخفايا والإمكانات لبعضهم بعضاً.

إننا إذا لم نتمكن من التجديد الذاتي فسنعرِّض أنفسنا إلى غزو من الخارج، أو

انحباسٍ داخلي يعقبه انفجار لا ينبع معه الترقيع! وإن تجاوزنا المعطيات مراحل

عديدة في حياة المتقدمين لنلتصق بالادلة في إطارٍ من مقاصد الشريعة العامة أمر

حيوي للغاية؛ حتى لا نقعَ ضحيةً للغرق في مراحل الانحطاط والتدهور التي مرت

بها هذه الأمة في قرونها المتأخرة! وعلى الله قصد السبيل.

(*) العقابيل: الدواهي.

...

...

...

...

...

...

...

...

... - البيان -

ص: 8

من إيجابيات الدعوة الإسلامية

«تعظيم مذهب السلف»

د. عابد السفياني

الدعوة الإسلامية المعاصرة بذلت جهداً كبيراً لإصلاح العالم الإسلامي ومعالجة

ما يحمله من أمراض وعلل منها على سبيل المثال شرك القبور والأضرحة وما يتبع

ذلك من الخرافات والغلو في الصالحين، ومنها الإعراض عن التحاكم للشريعة

الإسلامية، وقام في العالم الإسلامي علماء يمثلون صوت الدعوة الإسلامية يذكرون

بالعلم الصحيح ويدعون إلى التحاكم إلى الشريعة الإسلامية في جميع المجالات.

ولقد بقي أمام المصلحين من مؤسسي الدعوة الإسلامية المعاصرة مجالات

كثيرة تحتاج إلى تجديد وبذل مزيد من الجهد. من هذه المجالات:

1-

تصحيح العقائد عند طوائف كثيرة من الناس سيطرت عليهم الخرافات

والغلو في الصالحين وانتشرت بينهم أنواع كثيرة من الشرك وحملهم التقليد

والتعصب والجهل إلى رد العلم الصحيح بالسنة.

2-

انتشار الإعراض عن دين الله بترك العمل به وترك التحاكم إليه وترتب

على ذلك انتشار القوانين الوضعية والعمل بها. وراجت في العالم الإسلامي

المذاهب الفكرية التي زَّينها الغزو الفكري للناس فحكمت قوانينها وتمكنت وصدت

طوائف من الناس عن عبادة الله وحده. وقد ناهض الدعاة والمصلحون هذا الخطر

العظيم وبقي السؤال المهم وهو على أي أساس قام هؤلاء الدعاة بالإصلاح والتجديد؟

ونكتفي بذكر الجواب على سبيل الإجمال لندلّ به على جوانب الخير العظيمة

التي اشتملت عليها الدعوة الإسلامية المعاصرة. ومنهجنا الذي نذكّر به - وقد سبق

بيانه في المقال الأول - إن هذه الإيجابيات لا تمنعنا من الوقوف عند أمور تحتاج

إلى معالجة، وتأمُّل مقالات بعض المفكرين يحتاج إلى تصحيح. والمقام هنا

للحديث عن الإيجابيات ومنها:

توجه الدعوة الإسلامية المعاصرة إلى تعظيم مذاهب السلف ويدل على ذلك:

أولاً: استمرار دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب وانتشار آثارها

العلمية في العالم الإسلامي وأبرز ما فيها تحقيق مذهب السلف في التحذير من شرك

القبور والخرافة وما يتبعها من بدع وأهواء والتحذير أيضاً من كفر الطواغيت

وإعراضهم عن قبول الشرع والتحاكم إليه. وقد كشف في كتابه (مسائل الجاهلية)

عن تلك المظاهر الشركية والكفرية محذراً منها ومبيناً أن الإيمان قول واعتقاد

وعمل وأن له نواقض هي أسباب الكفر والشرك الأكبر مذكراً بعقيدة السلف في ذلك

كله داعياً الناس إلى الاعتقاد الصحيح في صفات الله سبحانه وتعالى.

ثانياً: استمرار الدعاة إلى مذهب السلف في أنحاء كثيرة من العالم وانتشار

كتبهم وأتباعم وأنصارهم ومن أبرز ما نشير إليه من المظاهر التي تدل على تعظيم

مذهب السلف مما يلي:

أ- نشمر العلم الصحيح بالسنة وبرزو أئمة مجتهدين في بيان صحيح الحديث

وضعيفه فانتشرت كتب الحديث وشاع هذا العلم بين الطلاب.

ب- نشر الاعتقاد الصحيح في صفات الله تعظيماً لله واتباعاً لعقيدة الصحابة

- رضوان الله عليهم -.

ب- إنكار البدع والأهواء المضلة عن مذهب السلف ومحاربتها.

ومن أبرز المظاهر العملية لهذه الدعوات تعليم الأفراد في المجتمعات، وإنكار

المخالفات العملية، ومن أبرزها انحراف أهل البدع وشرك القبور ومخالفة السنة.

ولعل سائل يسأل فيقول: إن هذا الجهد في تعظيم مذهب السلف جهد طيب

ولكن المشاهد عند هؤلاء الدعاة الاقتصار على معالجة هذه الانحرافات وهناك

انحرافات أخرى مثل " المذاهب الفكرية، وقوانينها الوضعية " وهذه تحتاج من

الدعاة إلى جهد كبير لكشف زيفها وتحذير الناس منها. فكيف تتم معالجتها؟

ويمكن أن يجاب على هذا السؤال بما يأتي:

1-

أن الدعاة السلفيين يعتبرونه انحرافاً يحتاج إلى معالجة ولكنهم يعالجون

الانحرافات التي سبق ذكرها لأنهم يرون أنها أخطر والمسألة عندهم لا تعدو ترتيب

الأولويات.

2-

أنهم ينادون بتصحيح الواقع في ضوء عقيدة السلف ويرون أن تحذير

الناس من شرك القبور والأهواء والبدع ومخالفة السنة هو طريق لمحاربة المذاهب

الفكرية المعاصرة وقوانينها.

والظاهر أن هذا النقص الموجود عندهم في مواجهة المذاهب الفكرية

والقوانين الوضعية قد سده دعاة آخرون من أهل السنة والجماعة شاركوا في كشف

أباطيل الغزو الفكري وقوانينه مع محافظتهم على عقيدة السلف ومشاركتهم إخوانهم

في معالجة الانحرافات الأخرى. ولا شك أن هؤلاء وهؤلاء معظمين لمذهب السلف.

ثالثاً: هناك دعاة آخرون يخلطون مذهب السلف بغيره من آراء المتأخرين

ومناهجهم متأثرين تارة بالأشعرية وتارة بالصوفية ومع ذلك فإنهم يعظمون مذهب

السلف ويدل على ذلك أنهم لما جعلوه مقارناً لبعض الأسماء قدموه عليها فقالوا:

أ- دعوتنا طريقة سلفية وحقيقة صوفية..

ب- أنهم يعتقدون السلامة فيه كما قال الأشاعرة من قبل " مذهب السلف أسلم

" والشهادة لمذهب السلف بالسلامة تعظيم له بهذا الاعتبار.

ج- أن أكثرهم يعتبرون المسألة مسألة أولويات وأسلوب وإلا فإن عقلائهم

يشهدون بأن مآل الحال هو انتصار مذهب السلف ويرددون قولتهم المشهورة وهل

أحد يخالف مذهب السلف؟

ومع وجود كثير من المخالفات لمذهب السلف إلا أن ما ذكرناه فيه دلالة

ظاهرة على أن مذهب السلف له تعظيمه في النفوس وله هيبته فتجد المخالف لبعض

عقائد السلف يشهد بأن السلامة فيه كما صنعت الأشاعرة. فآل الأمر - والحمد لله

- إلى تعظيم مذهب السلف قولاً وعملاً واعتقاداً أو على الأقل الشهادة له بالخيرية

والسلامة.

ومن البشائر التي نذكرها في هذا الباب وجود أقوام قد خرجوا من تحت

أنقاض الشيوعية الخاسرة محتفظين بإسلامهم على عقيدة السلف الصالح وهذه بشارة

تشير إلى أن البديل عن المذاهب الوضعية والعقائد البدعية هو الإسلام لا على فهم

العصور المتأخرة بل على فهم الجيل القدوة الذي رباه رسول الله - صلى الله عليه

وسلم -، وهذا هو الطريق الصحيح الذي ينبغي على الدعاة أن يتعاونوا على

الاجتماع عليه ونصرته مبتغين بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة وهمهم

هداية الخلق وإبعادهم عن أسباب الشرك والكفر بجميع أنواعه سواء أكان شرك

القبور والغلو في الصالحين، وما يتبعه من الأهواء والبدع أو كان شركاً في

العبودية والطاعة والتشريع مِنْ دون الله.

ص: 14

دعوة

حتى نستفيد من خطبة الجمعة

محمد بن عبد الله الدويش

ما أحوج الدعاة إلى التأمل في مجالات الدعوة، ووسائل مخاطبة الجماهير،

والسعي إلى توسيع دائرة المخاطبة، والتحدث للجميع وإسماع رسالتهم للكل. إن

مراجعة الدعاة لوسائلهم الدعوية، وأساليبهم مطلب ملحّ، وواجب تمليه ضرورة

الدعوة ذاتها.

وإن من الوسائل التي يمكن للدعاة أن يخاطبوا فيها الجميع، ويبلغوا رسالتهم

للناس كافة، (خطبة الجمعة) فأي قدر حظي به هذا المنبر، وهذه الوسيلة من

الدراسة، والعناية، فضلاً عن التوظيف العملي لهذه الوسيلة.

وهذه محاولة لوضع إضاءات، وإشارات حول هذا الموضوع الملحّ.

أولاً: أهمية خطبة الجمعة:

1-

الأمر بالسعي لها، فإن المسلم مأمور بالسعي لصلاة الجمعة حين يسمع

النداء، ويحرم عليه أن ينشغل ببيع أو نحوه. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا

نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ

تَعْلَمُونَ] [الجمعة 9] . وهو في الوقت نفسه يحض على التبكير إليها كما قال -

صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المهجر [1] كمثل الذي يهدي بدنه، ثم كالذي يهدي

بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي

البيضة) [2] . ويؤمر بالتهيؤ النفسي لها فيؤمر بالتطيب والاغتسال والسواك.

قال صلى الله عليه وسلم: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل)[3] .

2-

وحين يحضر المصلي للجمعة يلزمه الإنصات للخطيب ولا يجوز له

الكلام ولو أن يقول لصاحبه صه. (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة:

أنصت فقد لغوت) [4] . فهذا المصلي الذي أوجب عليه السعي للجمعة، وحُث

على التبكير لها، والتغسل والتطيب، وحُرّم عليه الكلام حال الخطبة، من حقه أن

يعتني بهذه الخطبة التي تقدم له.

3-

خطبة الجمعة لها شأن عظيم عند الله عز وجل فهي ذكر لله كما سماها

الله في كتابه، وهي شعيرة من شعائر الدين، تشهدها الملائكة، كما قال -صلى الله

عليه وسلم-: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة

يكتبون من جاء من الناس على قدر منازلهم، فرجل قدم جزوراً، ورجل قدم بقرة،

ورجل قدم شاة، ورجل قدم دجاجة، ورجل قدم عصفورا، ورجل قدم بيضة، فإذا

أذَّن المؤذن، وجلس الإمام على المنبر طووا الصحف ودخلوا المسجد يستمعون

الذكر) [5] .

إن هذا الحديث يلقي ظلالاًً من الهيبة والجلال على هذه الخطبة، وفي الوقت

نفسه يعطي الخطيب شعوراً بأهمية الكلمة التي يقولها من على المنبر فعلاوة على

كل ما فيها من قيمة دعوية، فإن الملائكة الكرام يسمعونها، فليت الذين يوظفون

خطبهم لتحقيق مصالح فلان أو علان يفقهون هذا الحديث.

4-

شهود المسلمين جميعهم لها. فالمسلمون على اختلاف طبقاتهم،

ومستوياتهم التعليمية، يحضرون هذه الصلاة ويشهدونها. فيحضرها المثقف،

والجاهل وطالب العلم، والمتعلم. ويحضرها الكبير والصغير، ومن جانب آخر

فحضورها ليس مقصوراً على الأخيار وحدهم، فكثير ممن لا يشهد صلاة الجماعة

يحضر الجمعة، وهذا يتيح للخطيب أن يخاطب الجميع، وأن يتحدث للكثير ممن

لا يحضرون المحاضرات والندوات، ودروس المساجد. إنها باختصار هي المجال

الوحيد المتاح للدعاة والذي من خلاله يتحدثون مع الجميع.

5-

تكررها كل أسبوع. ففي العام الواحد يستمع المصلي لـ (52) خطبة،

وحين يعتني بها الخطيب ويرتب موضوعاتها يقدم للمستمع مادة متكاملة. إنها تمثل

دورة مكثفة مستمرة.

6-

قيمتها المعنوية عند الناس وتأثيرها، ففي بحث عن أثر خطبة الجمعة

أجري في مصر أفاد 78% أنهم يتأثرون تأثراً دائماً بما يقوله الخطيب، وذكر 71

% أنهم يلتزمون دائماً بما يقوله الخطيب. واتفق مع أحد خطباء المساجد على أن

يخطب عن الربا، فأجرى استفتاء قبل الخطبة وبعدها، كانت النتيجة:

أ- 85% كانوا يعرفون المفهوم الصحيح للربا. وبعد الخطبة ارتفعت النسبة

إلى 97%.

ب- 33% كانوا يعرفون عقوبة المرابي. وبعد الخطبة ارتفعت النسبة إلى

59%.

ج- 71% كانوا يعلمون أن البنوك المصرية تتعامل بالربا. وبعدها ارتفعت

النسبة إلى 94%.

د- 50% كان يفضل الاستثمار في البنوك الإسلامية. وبعد الخطبة ارتفعت

النسبة إلى 64%.

هـ- نتيجة الخطبة: 34% سينصحون الآخرين بترك الربا. 31% سيقاومون

أي عمل ربوي [6] .

إن هذه الدراسة وغيرها تعطي دلالة صادقة أن خطبة الجمعة لها تأثيرها على

المصلين، وذلك حين يجدون الخطيب المؤثر.

7-

حضورها يزيد ولا ينقص. فالمصلون لا يخرج منهم أحد قبل انتهاء

الخطبة، إنما يتوافدون، بخلاف المحاضرة والدرس، فقد يخرج بعضهم قبل

اكتمال الموضوع. ومع اقبال الناس على الخير في هذه الفترة، يتوافد الكثير من

المسلمين إلى الجمعة ممن كانوا لا يعرفونها قبل ذلك.

8-

ثباتها في كافة الأحوال، فهي مستمرة في السلم والحرب، وفي القحط

والجدب، وفي سائر الظروف.

ومع ذلك كله رغم مدى عنايتنا بهذا المنبر، وشعورنا بأهميته، والحرص

على أن يصعده الدعاة الصادقون، وطلبة العلم الواعون؟

والخطباء أنفسهم أمام مدى إدراكهم لهذه الرسالة وقيمتها وأهميتها؟ أليست

خطبة الجمعة تستحق منا عناية ودراسة لاستثمارها، وأساليب تطويرها؟ ولم لا

تتلقى المراكز والمؤسسات الإسلامية دورات وبرامج لإعداد الخطباء وتدريبهم،

والرفع من مستواهم؟ إنها تساؤلات آمل أن تلقى عناية إخواننا.

ثانياً: الموضوع:

1-

أن يختار الموضوع في وقت مبكر، فإن تأخير اختيار الموضوع، إلى

ليلة الجمعة وربما يومها، يؤدي بالخطيب، إلى أن يقرر أي موضوع يخطر في

باله، وربما لا يكون مقتنعاً به القناعة التامة، إضافة إلى أنه لا يترك له فرصة

كافية للتحضير والتفكير في عناصر الموضوع ومحاوره. ويعاني الكثير من

الخطباء من هَمِّ اختيار الموضوع، فيُقترح إعداد قائمة متنوعة من الموضوعات،

يختار بعد ذلك من بينها.

2-

التفكير الجيد في الموضوع بل وطول التفكير فيه - وهذا يستوجب

الاختيار المبكر له - يقول (دايل كارنيجي) في كتابه (فن الخطابة) : (حدد

موضوعك مسبقاً حتى يتسنى لك الوقت للتفكير به مراراً. فكر به طيلة سبعة أيام،

واحلم به طيلة سبعة ليال، فكر به أثناء خلودك إلى الراحة، وفي الصباح وأنت

تستحم، وفي طريقك إلى المدينة، أو بينما تنتظر المصعد، وعندما تكوي الثياب،

أو حين تطهو الطعام، وناقشه مع أصدقائك واجعله موضوع حديثك، واسأل نفسك

جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به) [7] .

3-

أن يكون الموضوع عن قناعة لا تمليها ضغوط الشارع، أو المناسبة، أو

جهة معينة. مع الترفع عن الإثارة العاطفية.

4-

التنويع في الموضوعات والمجالات وعدم التركيز على جانب واحد.

فينبغي أن تشتمل موضوعات الخطيب الحديث عن مشاكل الناس الاجتماعية،

وحلولها، وعلى بيان واقع الأمة، والمؤامرات عليها، وعلى الحديث عن الأخطاء

المتفشية بين الناس، وعلى بيان العقيدة وتعليمها للناس، وعلى بيان ما يحتاجه

الناس من أحكام عباداتهم ومعاملاتهم، وعن الرقائق والوعظ، وتذكير الناس؛

وباختصار ينبغي أن تشمل على كل ما يحتاج المسلم أن يعرفه في شؤون حياته.

وقد تجد البعض من الخطباء يركز على جانب الوعظ دون سواه، والآخر على

الجانب السياسي، والثالث على الجوانب الاجتماعية.. وهكذا.

إن هناك فئة غير قليلة من المسلمين لا يتلقون العلم إلا من خلال خطبة

الجمعة، وإن تحقيق التكامل والتنوع في موضوعات الخطبة يهيئ لهؤلاء حَدّاً أدنى

من الثقافة الشرعية.

5-

التحضير الجيد والمتكامل للموضوع، من خلال القراءة والاطلاع على ما

كتب في الموضوع حديثاً وقديماً، وإن ترتيب الخطيب لملفاته وأوراقه، وتدوين ما

يمر بباله من عناوين لكتب، أو مقالات، أو موضوعات، أو تقارير مما يعينه

على ذلك. إن المنبر أمانة، والمصلون ينتظرون أن يسمعوا الجديد من الخطيب،

ومهما كانت ثقافة الخطيب وإطلاعه، فإنه لا يستغني عن المراجعة والإعداد،

والترتيب لموضوعه، ومن الظلم للمصلين، وإهمال الأمانة، أن يحدد الخطيب

موضوعه متأخراً، ولا يعد له فيجيء مهلهلاً متنافراً.

وفي حادثة السقيفة المشهورة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(فزورت في نفسي مقالة) . قال البعيث الشاعر - وكان من أخطب الناس -: (إني والله وما أرسل الكلام قضيباً خشيباً، وما أريد أن أخطب يوم المحفل إلا بالهائت المحكك) . وكان ابن النوام الرقاشي إذا دُعي للكلام ولم يكن مهيئاً نفسه يقول: (ما اشتهي الخبز إلا بائتاً) .

6-

أن يكون الموضوع حول واقع الناس، وما يحتاجون إليه؛ فالعالم

الإسلامي اليوم يموج بأحداث ساخنة، ومضطربة، والعقل المسلم يعاني من

تحليلات الإعلام المضلل الذي يصور القضايا وفق ما يريد فلان، أو غيره؟ ولذا

فإن المصلي ينتظر أن يسمع الكلمة الصادقة، وعرض القضية من هذا الخطيب

الذي يثق فيما يقول لأنه يعرف أنه يدرك أمانة الكلمة، ومسؤليتها.

وثمة طائفة من المسلمين لا تتفاعل مع قضايا الساحة، ولا تُعيرها أي اهتمام، فلها شأن آخر مع شهوات النفس ورغباتها؛ وهذه الفئة تحتاج لمن يغرس فيها

التفاعل مع قضايا المسلمين، والاهتمام بها، وأقرب الناس، وأقدرهم على ذلك هو

خطيب الجمعة. ومن الجوانب التي تمسّ الناس، ما قد يحصل من قضايا،

وإشاعات، وأخبار أو ظواهر متفشية، إلى غير ذلك مما يخصّ بلداً معيناً، فينبغي

للخطيب أن تكون له فيه كلمته.

وحين يتحدث الخطيب عن هذه القضايا، لا ينبغي أن يفرط في التحليلات

السياسية، والاجتهادات الخاصة، والتي هي عرضة للخطأ والصواب، إنما يركز

على بيان وجه القضية، والأخبار الصادقة عنها، والمنهج الشرعي في التعامل

معها.

7-

مناسبة الموضوع المصلين، فالمسجد الذي يؤمه كثير من غير أهل البلد

قد لا يناسب التحدث فيه عن مشاكل اجتماعية خاصة بهذا البلد، والمسجد الذي

أكثريته من الطلاب غير المتزوجين ليس من الحكمة أن يتحدث الخطيب فيه عن

المشاكل الزوجية، ومسجد القرية والبادية لا يستحسن الحديث فيه عن قضايا تخص

النخبة المثقفة. فعلى الخطيب أن يدرك طبيعة المصلين، وتركيبتهم، ويختار لهم

ما يناسبهم، وما يحتاجون إليه.

8-

العمق العلمي في الموضوع، فلا يكفي أن يقتصر الموضوع على

عبارات إنشائية، أو خواطر وأفكار شخصية، وإن العناية بالاستشهاد بالنصوص

الشرعية، وأقوال أهل العلم، والعناية بالتأصيل العلمي للموضوع يعطي المستمع

الثقة، والقناعة بما يطرح.

9-

دقة المعلومات والتأكد من صحتها ومن ذلك:

أ- الأحكام الشرعية: ببحثها بحثاً دقيقاً وتأصيلها.

ب- الأحاديث النبوية: وذلك بالتأكد من صحتها وثبوتها؛ لذا فعلى الخطيب

أن يتعرف على طريقة التعامل مع كتب الحديث ليتسنى له الوقوف على ما قاله

أهل العلم في درجة أي حديث يود الاستشهاد به.

ج- الإخبار: فلا يليق بالخطيب أن يتلقف أية إشاعة، أو خبر ليكون مادة

لخطبته، بل يثبت ويتبين.

د- القضايا العلمية والمتخصصة: قد يتطرق الخطيب للحديث عن بعض

الجوانب الطبية، أو التخصصية في أي فن؛ وحين يتحدث الرجل بغير فنه يأتي

بالعجائب، فعليه أن يتأكد من صحة المعلومات، فقد يكون ضمن المصلين أحد

المختصين بما يتحدث عنه، فيسمع الغرائب.

10-

مناسبة الموضوع للمقام والزمن: فقد خطب أحد الخفاء، في إحدى

عواصم الدول الإسلامية عن ليلة القدر يوم الثلاثين من رمضان؛ وليس هناك أمل

بإدراك هذه الليلة. أو يكون هناك حدث يعني الأمة كلها، وينتظر المصلون الخطبة

ليستمعون رأي خطيبهم في ذلك، فيفاجؤون به يتحدث عن قضية اجتماعية، أو

قضية لا تمت بصلة لما هم فيه.

11-

الوحدة الموضوعية، فلا يسوغ أن تكون الخطبة خليطاً متنافراً من

القضايا والموضوعات، ومليئة بالاستطرادات المناسبة وغير المناسبة.

12-

تناسق الأفكار وتسلسلها.

(يتبع)

(1) المبكر وزناً ومعنى.

(2)

متفق عليه من حديث أبي هريرة.

(3)

رواه البخاري (877) ، ومسلم (844 845) كلاهما عن حديث ابن عمر.

(4)

متفق عليه من حديث أبي هريرة.

(5)

متفق عليه من حديث أبي هريرة.

(6)

انظر: (خطبة الجمعة والاتصال بالجماهير) لمحي الدين عبد الحليم ص (160) فما بعدها.

(7)

فن الخطابة، مع ملاحظة أننا نوافقه على أصل الفكرة دون تفاصيلها.

ص: 18