الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
ما هكذا تكون إرهابياً
…
أيها الأسمر
!
د/ عبد الله عمر سلطان
وأخيرا عملت آلت التصنيف عملها، حين أدرجت السودان في قائمة الإرهاب
العتيدة
…
هذه القائمة تصغر عاماً، وتنمو بصورة مذهلة في عام يليه، دون أن يكون
هناك قانون ثابت يحكمها أو ناموس واضح يفسرها
…
ولهذا فإن على المشبوهين
المسجلين في قائمة الانتظار أن يتحلوا بشيء من الصبر، وكثير من الدهاء، حتى
ينجوا من «العقوبة» التي تطاردهم
…
إن ناظر المدرسة الأمريكي - الذي هو
طالب يتمتع بكثير من العضلات المفتولة - قرر بعد أن انتقل من مقاعد الطلبة إلى
مكتب الإدارة «الدولية» أن يسلط بعض «قوته وجبروته حين يمنح شهادة حسن
السيرة والسلوك لزملائه
…
هذه الشهادة تمثل فكرة جميلة، ويُمنح بموجبها العضو
المنضم إلى محيط المجتمع الدولي شهادة حضارية على نبل سلوكه، وبعده عن
اللجوء إلى أساليب الإرهاب والبطش
…
صحيح أن الفكرة جميلة وحضارية وراقية
إلا أن همساً يدور بين أوساط الأقران في» المدرسة الدولية «يقول: كيف يمكن
لعضو ندّ لَنا أن يمارس علينا دور الأستاذية، بغض النظر عن نبوغه وقدراته
وثروته
…
إنها مسألة مبدأ، فالأقران من الطلبة والأفراد، والجماعات والدول
متفاوتون حتماً
…
بعضهم نابغ، وثانٍ ورثَ ثروة لم يتعب في تحصيلها، وثالث
جاد مجد غير موفق، ورابع محظوظ
…
لكنهم في النهاية أقران مشتركون في
مساحة معينة وثابتة، ولذا فليس من حق التلميذ القوي أن يفرض جبروته على
الضعيف لمجرد أنه مفتول العضلات، أو أنه يملك أسلحة رعب ودمار، ويذكر
بأنه صبها على رأس الملايين من الأبرياء قبل خمسين عاماً في هيروشيما
وناجازاكي؛ لمجرد إثبات جنون الدمار المتمكن في ذاته، أو تكريس مبدأ الهزيمة
والعار للجانب المستسلم تحت ظلال الدخان النووي المدمر! !
من الطبيعي إذن - والحالة هذه - أن يتساءل المتابع لقائمة الإرهاب السنوية
وأن يلقي بعض الملاحظات بعد أن يتجاوز إشكالية شرعية إصدار قائمة للإرهاب
من قِبل جهة تتهمها جهات كثيرة بأن لها تاريخاً طويلاً في استخدام العنف
وتكريسه
…
لقد خلت القائمة الأمريكية من ذكر دولتين تمارسان الإرهاب وقذف الرعب
في قلوب الأبرياء قبل صدور اللائحة في صورتها النهائية وأثناءه وبعده؛ فإسرائيل
قامت خلال صيف هذا العام بغزو بربري لجنوب لبنان بحجة ضرب حزب
الرافضة المسمى بحزب الله في الوقت الذي شردت فيه أكثر من نصف مليون مدنى
بريء، وطاردت طائراتها الأطفال والنساء والشيوخ حتى مشارف الشمال السني..!
…
دع عنك ما تردده منظمات حقوق الإنسان من إدانة دامغة لسلوك إسرائيل العدواني
تجاه سكان الأراضي المحتلة، واستخدام أساليب إرهابية مبتكرة، كتدمير منازل
المشتبه بهم، وتبنى المجتمع الدولى لقرار يجبر إسرائيل على إعادة المبعدين
المدنيين إلى ديارهم شاهدُ آخر على قبح السلوك الإرهابى الإسرائيلي، الذي يصب
جام غضبه على أبناء الأمة منذ أكثر من نصف قرن فإذا لم تكن إسرائيل إرهابية
فمن الإرهابي إذن..؟ ؟ ربما يقول ساذج: الصرب الذين دمروا المساجد الآمنة
وهتكوا عرض 100. 000 امرأة، ومارسوا التطهير العرقي، وأبادوا الحرث
والنسل، وبقروا البطون، ومثلوا بالأحياء والأموات
…
! والجواب بـ كلاّ..»
كبيرة جداً، فالصرب الهمج لا تشملهم قائمة الإرهاب الأمريكية، مثلهم مثل اليهود، والسبب يتضح ببساطة حيث أن المقصود بهذه القائمة إرهاب الشعور النصراني
اليهودي ليس إلا!
* معظم الدول التي جاءت بها القائمة دول إسلامية، ابتليت بجزارين وطغاة، صنعتهم مبادئ الغرب وقيمه، سواء أكانت وطنية، أو قومية، أو اشتراكية،
فالعراق يسدد جرائم البعث، وليبيا عليها أن تقاسي من جراء انفصام شخصية
القذافي، أما إيران فإن حكم الملالي لا يتورع عن استخدام العنف لتحقيق أحلام
الخميني الهالك، أو بروتوكولات حكام (قم) . وقس على ذلك
…
إن القائمة إن
شملت كوريا الشمالية فإنما يصب إدخالها في خانة الإسقاط النفسي القائل بأن
الإرهاب هو سلوك يرتبط بالإسلام والشعوب التي تدين به!
إن أمريكا بأقمارها الصناعية، وطائراتها التجسسية، وعملائها المبثوثين فى
الأرض، والبحر، والجو، عجزت عن أن تقدم دليلاً واحداً لهذا السلوك السوداني
الإرهابى، والمعروف عن أجهزة التجسس الغربية أنها تُتبع التهم بالأدلة حتى
ترسخ التهمة بالنسبة للشعوب التي تحكمها، وتثير الفزع في قلب الضحية والمتهم!
فهل عجزت الأجهزة التي تراقب مستودعات تخزين الأسلحة، ومواقع صواريخ
محددة عن الإتيان بدليل مقنع ومبرر مقبول، أم أن الاتهام سياسي في أساسه كما
قال (وليم كوانت) الخبير بشؤون الشرق الأوسط الذي يرى أن إدراج السودان هو
إشارة سياسية ضاغطة للحد من التوجه الإسلامي في هذا البلد؟ !
كان بإمكان (جون جرنج) أن يستمر في ممارسة تمرده، وما يصاحبه من
تقتيل، وتشريد، وإرهاب، جعل الجنوبيين أنفسهم يبتعدون، وينشقون عنه وعن
حركته البربرية، التي لا تراعي حقوقاً إنسانية أو أخلاقية. ف (جرنج) صنيعة
مجلس الكنائس العالمي مدعوم بصورة مكشوفة، بالرغم من أنه يقود حركة تمرد
ضد حكومة معترف بها دولياً، ورغم ذلك فلم يرف جفن خبراء الإرهاب في وزارة
الخارجية الأمريكية؛ لأنه مضموم ضمناً إلى قائمة إسرائيل وصربيا لا ضر من
ممارساتها الإرهابية؛ طالما أن الضحايا من الذين يحملون شهادة التوحيد في
صدورهم....
فالسودان الشمالي المسلم إذن لم يعرف كيف يفهم أن يكون محاكياً لرابين، أو
بيجن، أو شارون، أو ميلوسيفتش، أو كارفاجيش ومن الفصيل «الحضاري»
الذي يعلي من شأن حضارة الرجل المسيحي الأبيض، والذي قد يقبل في زمرته
أتباع الكنيسة السُمر، كجون جرنج، ونيريزي من قبل، اللذين افتتحوا فرعاً كنسياً
جنوبياً يهدد بخنق منابع النيل والانتشار الحضاري للإسلام في القارة السوداء. ولو
رضي السودان الأسمر بزعامة عصابات «جون» فإن اسمه سيُمحى من القائمة
آلياً؛ لأن من يريد أن يمارس الإرهاب كما يريد التلميذ الفُتوَّة، فإن بإمكانه أن
يفعل ذلك، حتى ولو كان أسمراً! ! أما إن كان أسمراً ومسلماً في الوقت نفسه فإن
همساً يجري تداوله في محيط الأسرة الدولية يحذر من الجمع بين سمرة البشرة،
والإسلام، والقبول في المحيط الدولي المتحضر، الذي لا يفهم إلا القوة والجبروت
حين تصبان ضد سودان (أسمر مسلم مستقل) وهى صفات يستحق من يحملها أن
يسارَع إلى رميه بشتى النعوت والتهم! ولكن السودان الأسمر لو انحرف عن
توجهه فإنه حتماً سيكون مقبولاً بكل بشاعته وإرهابه، حتى ولو كان في قبح جون
قرنق وأفراد عصابته إن القانون يريد إرهابياً كهذا! يرحب به ويقول له: «هكذا
تكون إرهابياً
…
أيها السودان الأسمر!» .
المسلمون والعالم
مجاهدو مورو لم يهزمهم الاستعمار
لكن هزمتهم مائدة المفاوضات
التحرير
وردنا البيان رقم (21)(414هـ، 1993م) من لجنة الإعلام الخارجي
لجبهة تحرير مورو الإسلامية، وفيما يلي عرض لأهم ما تضمنه ذلك البيان:
أكد لنا التاريخ أن الاستعمار الصليبي - رغم جهوده - لم يهزم مسلمي مورو
في ميدان الحرب، ولكنه هزمهم في مائدة المفاوضات. لقد خاض مسلمو مورو
أطول حرب في التاريخ كما قاله المؤرخ الأمريكي فيك هارلي في كتابه (هسهسة
السيف) ، وفيما يلي مقتطفات وترجمة من الكتاب المذكور: «تعتبر بلاد بانجسا
مورو من أقدم ميادين الحرب في العالم، فقد خاض مسلمو مورو حروباً مريرة
استمرت 377 عاما ضد الحملات الأسبانية المتتالية التي شهدتها الأجيال المتلاحقة، ولعل العالم لم يسجل حروبا دامية مريرة أطول من حروب مورو ضد الأسبان.
وقد فشلت محاولات المعتدين للسيطرة على شعب مورو الشجاع وفي عام 1899 م
ألقى المعتدون سلاحهم وغادروا المنطقة خائبين ذليلين، وانتصر السيف على
البندقية، وبقي شعب مورو وبقيت عقيدته حيث انتصر الإسلام على الصليب في
أرض بانجسامورو» . هذه ترجمة ما قاله المؤرخ الأمريكي في كتابه المذكور.
ومضى قائلاً: «وفي غرة القرن العشرين جاء الأمريكيون، وحاولوا عبثاً أن
يخضعوا مسلمي مورو لحكمهم، وعندما أدرك الأمريكيون أن مسلمي مورو لا
يعرفون الاستسلام، بل يحبون الموت (الاستشهاد في سبيل الله) ، ولن يتوقفوا عن
الجهاد إلى آخر رجل منهم، عرض عليهم الأمريكيون وقف القتال والمفاوضات
معلنين أنهم لا يريدون السيطرة على البلاد، وإنما يريدون التعاون في المجالات
الاقتصادية والتعليمية والصحية، فوافق المسلمون، وبذلك نال الأمريكيون غرضهم، ولم يهزموا المسلمين في ميدان الحرب، ولكنهم هزموهم في مائدة المفاوضات،
ووقعت بلادهم تحت حكم الولايات المتحدة الأمريكية. وقد فشل الحديد والنار في
قهر شعب مورو المسلم وإخضاعه، وأصبحت بلاد مورو تحت الحكم الأمريكي عام
1935 م؛ بسبب دخول شعب مورو في المفاوضات مع الأمريكان، ثم ضمتها
أمريكا إلى الفلبين عام 1946 م حين منحت الأولى الثانية استقلالها في ذلك العام،
أي أن أمريكا أعطت شعب مورو للفلبين جزاء لمساعدتها لهم في حرق هذا
الشعب» .
هكذا لم يهزم شعبنا المسلم أمام القوات العسكرية التي فاقت قواتها مئات
المرات إمكانياته المادية، ولكنه انهزم عن طريق الحيلة والمكر وبواسطة
المفاوضات المقرونة بالخداع، وقد ذكرنا ما تقدم تنبيها لكل من يدفعون جبهة
مسواري الوطنية إلى المفاوضات ويشجعونها، وتذكيراً لهم بأن شعب مورو فقد
استقلاله بسبب المفاوضات. صحيح أننا لم نعارض مفاوضات مسواري إعلاميا
ولكن لم نشجعها ولن ندفعها إلى الأمام، فإن قيل: إن عدم المعارضة نوع من
التشجيع قلنا: عدم معارضتنا إعلامياً ليس تشجيعاً، ولكنه سياسة.
مفاوضات الاستسلام وقضية مسلمي مورو:
مفاوضات جبهة مسواري الوطنية العلمانية الحالية مع حكومة راموس
الصليبية هي سلسلة من المفاوضات التي استمرت أكثر من ثمانية عشر عاماً، لقد
تفاوض مسواري مع جميع حكومات الفلبين المتعاقبة ابتداء من حكومة الديكتاتور
ماركوس مروراً بحكومة زوجته إلى حكومة الثعلب المحتال راموس الحالية، التي
ليس لها هدف في مفاوضاتها معه سوى إقناعه بالاستسلام، وعرض منصب
حكومي عليه، ومبلغ من الأموال. والشيء المضحك أن حكومة الفلبين - التي
تعتبر من أفقر الحكومات في العالم - ما زالت قادرة على دفع الملايين من الأموال
للاحتيال والمكر والرشوة وشراء ضعاف الإيمان والنفوس كما فعلت أثناء
الانتخابات الأخيرة فيما يسمى الحكم الذاتي، فقد أنفقت الملايين من أجل إنجاح ذلك
المخطط، كما أنفقت أيضاً الملايين لشراء ضعاف النفوس من الثوار العلمانيين من
أتباع مسواري، وقد استسلم عدد من هؤلاء مقابل بعض المبالغ التي دفعت لهم،
فإلى الله المشتكى.
والله نسأل أن يوفق المجاهدين لقطف ثمار الجهاد، وأن يكفينا شر الراكبين
موجات الجهاد لمصالحهم.
والله المستعان.
محاضرات إسلامية
الصحوة الإسلامية وأزمة المثقفين
في ديار الإسلام
(1)
جمال سلطان
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين،
وبعد:
فإن الحركة الإسلامية إذا شئنا التقييم الموضوعي النزيه، هي أهم وأعظم
حركة اجتماعية فكرية سياسية، شهدتها المنطقة الإسلامية، على مدار القرن الفائت
كله، وذلك بالنظر إلى الفكرة التي قامت عليها هذه الحركة، ومحورها الإسلامي،
الذي يمتاز بالأصالة والتجديد والإحياء والنهوض، وهي المعاني التي سرقتها
طوائف أخرى من تيارات الحركات العلمانية السياسية والفكرية والاجتماعية،
وحاولت نسبتها إلى ذاتها ورفعها شعاراً تتجمل به، وتخدع به المسلمين؛ وأيضاً
بالنظر إلى البعد الجماهيري واسع النطاق لهذه الحركة، ورغم أنها حركة بعيدة عن
السلطة أغلب الأوقات، فلم يعرف المسلمون حركة اجتماعية وفكرية وسياسية،
استطاعت أن تكسب هذا الامتداد الجماهيري الهائل، رغم كل الضغوط والترهيبات، والقمع بأنواعه المختلفة. إن قبول الحركة الإسلامية واجتذاب الناس خلف شعار
أو فكرة - في حد ذاته - ليس دليلاً كافيا على صدقيتها، ولكن أن تحشد هذه
الجموع خلف لواء الإسلام من جديد، وتتحدى شياطين الإنس، في الداخل
والخارج، وتستطيع أن تحرك الناس بهذا القدر للمطالبة بعودة الإسلام، دينا ودنيا، عقيدة وشريعة، مصحفاً وسيفاً، فهذا - بكل المقاييس - حدث فذ.
أيضاً؛ فالحركة الإسلامية حدث فذ وفريد، من جانب الهبة الإلهية لأبنائها أن
تمتد هذه الحركة وتياراتها، لتخترق الحدود المصطنعة، لكنها القاسية والصارمة،
بين أقطار الإسلام، لتصبح الحدث الاجتماعي الأكبر في بلاد المسلمين كافة، كلا،
بل الحدث البارز والمثير للانتباه والبحث والتفكير في قارات العالم أجمع، وحينما
وُجد إنسان يشهد أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيضاً؛ فالحركة الإسلامية حدث فذ، من حيث أنها أول تيار فكري سياسي
اجتماعى في العالم الإسلامي الحديث، يقوم وينتشر، متطهراً من عقدتي: الغرب، والتخلف، وهذا ما أفزع دوائر الغرب ومراصده من هذه الحركة، لأنه - لأول
مرة - يشهد مثل هذه الحركة الجماهيرية التي تعلن -في جرأة وثقة- أنها تقبل
التقنيات والعلوم البحتة، فهي تراث إنساني مشاع؛ وتكفر بالمناهج والنظريات
والقيم والأفكار الغربية، ويقول أتباعها: إن في ديننا وإسلامنا غناءً لنا، وفيه
حاجتنا، وهدانا، ورشدنا، ومنهاجنا للنهوض والتحضر.
ومن جانب آخر؛ كانت الحركة الإسلامية، متجاوزة لعقدة «التخلف» ،
التي أثارت الخلل المنهجي والعقلي والسلوكي في أجيال عدة من بني الإسلام لا
سيما مثقفيه، فمنهم من رأى التخلف قدرنا، ومنهم من جعله ناتج تراثنا،، ومنهم
من جعله بسبب تمسكنا بديننا، ومنهم من جعله بسبب ترددنا في الالتحاق بالغرب،
وها هي الحركة الجديدة، تقلب كل المفاهيم، لتؤكد أن «التخلف» ليس قدرنا،
بل هو ما جنت أيدينا، فإذا ما عدنا لما صلح به أولنا، صلح واقعنا، وارتفعت عنا
وصمة «التخلف» ، كما أن التراث هو جهد الإنسان، فيه ما في الإنسان، من
خير وشر، وصحيح وباطل، ونهضتنا لا تقوم إلا بعودتنا إلى تراث سلفنا الصالح، ورفض ما عداه من الانحرافات والبدع، والموبقات الفكرية والسلوكية والسياسية، حاكِمُنا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم من بعد ذلك حاجات
واقعنا الجديد.
ثم ها هي الحركة الجديدة، تصل إلى تحديد منطلق التصحيح والنهوض،
وذلك بالتأكيد على أن سبب تخلفنا، كان هو بعدنا عن الإسلام، وهجرنا لمعالمه،
وخور العزائم في الدفاع عنه، ومن ثم فإن سبيلنا هو إحياء الدين في النفس وفي
الواقع، والدفاع عن السنة، وتعزيز إيمان المسلم بأن الإسلام هو السبيل، والإسلام
هو الحل.
وإذا كانت الحركة الإسلامية بهذا القدر من الخطر والشأن بشهادة خصومها،
بل بشهادة الواقع الذي لا يكذب أبداً، فإنها - بالمقابل - كانت من أكثر الحركات
ظلماً لدى بعض الباحثين والناقدين والمؤرخين، وذلك لأسباب عديدة لا مجال
للتفصيل فيها هنا، ولكننا - في هذا المقام - نعتني على بعض الإسلاميين أنفسهم
الذين استهوتهم موجات النقد، ودعاوي النقد الذاتي، حتى غرقوا في بحاره، وما
عاد أحد يسمع عن «إيجابيات» للحركة الإسلامية، وأنا زعيم بأن تسعين بالمائة
مما يكتب في تقييم الحركة الإسلامية ينحى باتجاه إبراز «سلبيات الحركة» ،
ويبقى نزر يسير، يشير إشارات عجلى إلى «إيجابيات» الحركة، وهذا خلل
خطير، على الأقلام الإسلامية بالذات أن تتنبه له، وتعيره اهتمامها.
والآن من الضروري أن نحدد أبرز إيجابيات الحركة الإسلامية مما يتعلق
بسياقنا الحالي، ليس من قبيل التزكية، أو مجرد التذكير بهذه الإيجابيات، وإنما
لما لهذه المعالم التي سنذكرها من أهمية كبيرة في كشف خلفيات العداء الذي أسفر
عن وجهه أخيراً ببشاعة بين تيارات الثقافة المغتربة بمختلف فصائلها، وبين
الحركة الإسلامية، وبعد ذلك، نرصد بعض مظاهر «الفجور في الخصام الثقافي» لدى بعض المثقفين العرب وغير العرب من أبناء المسلمين، في موقفهم من
الإسلام والحركة الإسلامية، ثم نخلص بعد ذلك برؤية مستقبلية للعلاقة بين الحركة
الإسلامية والمثقفين في ديار الإسلام.
معالم الحركة الإسلامية وإيجابياتها:
أولا: الحركة الإسلامية عندما تقدمت إلى الواقع منذ عدة عقود، لم تتقدم إليه، بصفتها جمعية دينية، بالمفهوم الضيق لمعنى الدين، وإنما تقدمت بصفتها
مشروعاً للنهضة والتجديد ينطلق من الإسلام وحده.
وبالتالي، فظهور العمل الإسلامي بهذه الصورة لم يمكن العلمانية ومثقفيها من
خوض معاركها مع الحركة الإسلامية على أساس «التقسيم الأوروبي التاريخي»
بين الحكم الثيوقراطي والحكم المدني، وبين رجال الدين ورجال النهضة والتجديد،
لأن الإسلاميين كانوا «رجال نهضة وتجديد» ، والحركة الإسلامية كانت حركة
نهضة وتجديد، وهذا ما أضعف كثيراً تشويشات العلمانيين العرب على الحركة
الإسلامية، وجعل حديثهم عن الكهنوت، والثيوقراطية، والحكم الديني، ونحو ذلك، أشبه بالمزاح أو العبث الثقافي، فضلاً عن فقدانه أي تأثير على القطاعات الثقافية
الواسعة وعموم الناس.
ثانياً: أن الحركة الإسلامية هي - بشهادة الواقع والخصوم - صانعة الموجة
الثقافية الحالية في ديار الإسلام كافة، ويستطيع القارئ المتأمل أن يلحظ ذلك الأمر
على الفور، من خلال الاطلاع على مختلف النشاطات الثقافية، فكرية وأدبية وفنية، إذ يجد أن «قضية الإسلام» و «الصحوة الإسلامية» ، هي القاسم المشترك
الأعظم في النتاجات الثقافية المتصلة بهذه الجهود كافة، سواء كان ذلك بالسلب أو
بالإيجاب، إن المعادين للإسلام والصحوة الإسلامية - أو أبناء الصحوة ورجالاتها
ونساءها والمتعاطفون معها أو المتأثرين بها. في كل هذه الأحوال تبرز الحقيقة
ناصعة، لتثبت أن الحركة الثقافية الآن في ديار الإسلام تدور حول قطب واحد هو
«الإسلام» ، وذلك نصر كبير للحركة الإسلامية، رغم أن العديد من الإسلاميين
أنفسهم لا ينتبهون إلى خطره وقيمته.
لقد كانت الثقافة في ديار الإسلام - حتى عهد قريب - تدور حركتها حول
قطب «الغرب» والفكر الغربي والحضارة الغربية، سواء بالتبعية، أو النقد، أو
المواءمة، المهم أن القطب صاحب الحيوية الثقافية الذي يصبغ الحركة الثقافية
بصبغته - سلباً أو إيجاباً - كان هو الغرب والفكر الغربي والآن أصبح «الإسلام» هو القطب، والفكر الإسلامي هو الذي يصبغ الحركة الثقافية بصبغته - سلباً أو
إيجاباً -، المهم أن الجميع الآن يدورون في فلكه، أرأيتم حجم النقلة وروعتها؟
ثالثاً: إن مثقفي الحركة الإسلامية اليوم هم الرواد الحقيقيون للجماهير المسلمة، وهم الأكثر التصاقاً بالناس، وتعبيراً عنهم، وجاذبية لديهم وهم الأكثر نفوذاً في
العقل العربي والإسلامي الجديدين بوجه عام.
والكلام هنا لا نقصد به أبداً، التفاخر، أو التفريط أو المباهاة، فليس المقام
مقام ذلك، وإنما نحن نرصد «ظاهرة» ثقافية، من حقنا بل من واجبنا أن نبني
عليها، ونضعها في اعتبارنا عندما ندرس حياتنا الثقافية الجديدة.
إن الحركة الإسلامية في ديار المسلمين لا تملك السلطة، بل هي - غالباً -
مضطهدة من السلطة، ومع ذلك نجد إقبال الناس على الدعاة - شباباً كانوا أو
شيوخاً - بالغ الإدهاش، وإقبال طلبة الجامعات والمثقفين على الكتب الإسلامية
والمحاضرات طاغياً بوضوح، حتى أنه لم يعد من قبيل المفاجأة أو الجديد أن يزور
القارئ معرضاً من معارض الكتب الرسمية، فيجد دور النشر العلمانية بل الشيوعية
تضع في صدر أجنحتها كتب سيد قطب، وأبي الحسن الندوي، وأبي الأعلى
المودودي، ناهيك عن كتب السلف الصالح، وقد شاهدت ذلك بنفسي في معرض
القاهرة الدولي للكتاب.
بالمقابل؛ تجد المثقف العلماني أو المتغرب، قوميا كان، أو شيوعيا، أو
ليبراليا شبه معزول عن واقعه، محروماً من الإحساس بجمهور الناس، حانقاً على
شعبه. إن أحداث الجزائر وما تلاها،، كشفت بوضوح أن المثقف العلماني، قد
تحول إلى عدو صريح للشعب، وللجماهير، يصرح باحتقاره للناس، وبعدم أحقية
الشعوب - الآن - في اختيار حكامها، واتهام الجماهير بالتخلف والغباء
ونحو ذلك.
كما تحولت لقاءات المثقفين العلمانيين إلى ما يشبه «نوادي أدبية» محدودة
العدد ومحفوظة الوجوه، المتحدث فيها هو المستمع، ولا يخرج صوتهم - أبداً -
إلى الشارع، ولا ينفذ إلى عقول الناس وقلوبهم، ولا يكاد يسمع الناس بأسمائهم إلا
عبر الصحف الحكومية التي «أُجّرت» لهم، نظير سب الإسلام والصحوة
الإسلامية ورموزها وتشويهها، ودعوة الناس إلى الانصراف عنها.
إن الحصار الذي يفرض الآن على الحركة الإسلامية - سياسياً وفكرياً
واجتماعياً - هو بالمقياس الثقافي العام «مدمّر» و «قاتل» ، ومع ذلك؛ تصل
دعوة الحق وصوت الإسلام إلى الناس في كل مكان، وتتأبي الحركة الإسلامية على
الموات بفضل الله ورحمته.
رابعاً: الحركة الإسلامية وصحوتها أدت إلى بلورة الموقف الثقافي، ودفعت
الحركة الثقافية إلى درجات حادة من التمايز والوضوح، وبالمصطلح الإسلامي،
فإن مسألة «الولاء والبراء» قد انتقلت بالفعل إلى الحياة الثقافية، وفرضت على
الرموز الثقافية حسم مواقفها وخياراتها، بعد أن ذابت المناطق المحايدة، وتمايزت
السبل، وأصبح الانتماء الثقافي محصوراً في وجهتين: الأصالة والإسلام من جانب، والتقليد والتأورب من جانب آخر.
وفي الحقيقة فإن الطرح الجديد للحركة الإسلامية، كان نقلة ضخمة فى
الوعي الإسلامي الحديث كله، إذ نادى الإسلاميون بأن الإسلام - والإسلام وحده -
هو السبيل، وهو الحل، وهو حضارتنا، وأن الإسلام كل متكامل، ومنهاج شامل، عقيدة وشريعة، ديناً ودنيا، وأن للإسلام خصوصيته التي لا تشبه شيئا من أفكار
البشر، ومناهجهم، ومذاهبهم.
هذا الطرح قطع الطريق على المزورين، والملفقين، الذين احترفوا تمييع
المواقف الفكرية، بمحاولات المزاوجة بين الإسلام والفكر الغربي، ونظرياته
السياسية والاقتصادية، ونظمه التشريعية، ونسقه القيمي، وهي المحاولات التي
أسهم فيها - بحسن نية - قطاع واسع من المفكرين المسلمين على مدار القرن
الأخير، زعماً أنهم - بذلك - يجملون الإسلام في عين الإنسان الجديد،
ويستجلبون تأشيرة دخول للإسلام إلى نادي الحضارة الأوربية الطاغية!
وعلى الرغم من أن نفراً من المفكرين المسلمين اليوم، مازال أسير هذا
الموقف الساذج والمهزوم، إلا أنهم أصبحوا «ندرة» وشبه معزولين عن المجرى
العام للصحوة الإسلامية الجديدة.
هذا الموقف والطرح الفكري الحاسم والواضح، جعل المثقفين أمام أحد
خيارين، لا ثالث لهما؛ إما الإسلام، وإما الاغتراب، وكان من نتائج ذلك على
الصعيد العملي، تعدد حالات التحول الفكري لرموز ثقافية كبيرة إلى الإسلام، على
ما شاب بعضها من بعض الغبش، وبالمقابل سفور عداء المثقف العلماني للإسلام،
والانحدار الخطير في لغة الحديث عن الإسلام وتاريخه وشريعته ورموزه المقدسة،
ومن ثم؛ نذكر، ونؤكد، أن ازدياد عنف مثقفي العلمانية والإعلام المؤازر لهم،
وطغيان هجومهم على الإسلام ورموزه ودعاته، هو مؤشر طيب، وإيجابي،
وليس سلبياً، هو شعور «الظلاميين» باقتراب الفجر، وتميز الخيط الأبيض من
الخيط الأسود، وكلما ازداد موقف الإسلاميين وضوحاً، وكلما نجحوا في نقل هذا
الوضوح إلى «الناس» وإلى عامة المثقفين، كلما ازداد السعار العلماني، وكلما
تواتر انحداره الأخلاقي والفكري بصورة متسارعة ومتخبطة.
خامساً: لقد شاء الله تعالى أن يعلو مد الحركة الإسلامية، ويشتد عودها، في
الوقت الذي كانت فيه أكبر تجربة أوربية عقائدية جديدة تذوي وتنهار، وتنتهي
بفضيحة سياسية واقتصادية وإنسانية لا حدود لها، وأعني بذلك المشروع الماركسي
وهو نبت فلسفي أوربي كما هو معروف، أي أنه إفراز لحضارة أوربا ومع
سقوط الماركسية وتتابع انهيار نماذجها في أوربا وآسيا وإفريقيا، بدأت حقائق
التاريخ تعود من جديد، لتؤكد ما حاولوا تغطيته وستره طوال قرن أو أكثر من
تاريخنا الحديث، عادت حقائق التاريخ، لتبرز العداء الغربي تجاه الإسلام، والحقد
الغربي على المسلمين، والقلق الغربي من ظهور دولة الإسلام من جديد، وأصبحنا
اليوم نسمع الكلام سافراً عارياً، من الدوائر الغربية، الإعلامية أو السياسية، بأن
«الإسلام» هو العدو الجديد / القديم، للغرب، ومن ثم؛ فإن الحركة الإسلامية أو
«الأصولية» كما صاغوها، هي حائط الصد الذي يحول دون إعلان السيادة
الأوربية على العالم أجمع، وإعلان النصر النهائي للحضارة الأوربية
في الأرض.
إن المواجهة مع الغرب اليوم، قد بدت مواجهة مع الكيان الإسلامي بوصفه
أمة، فليست القضية قضية يمين أو يسار، أو ليبرالية أو اشتراكية، أو ديكتاتورية
أو ديمقراطية، وإنما القضية أصبحت قضية الوجود الإسلامي بكامله، فإما أن
ينمحق في المشروع الغربي، أو يكون عدواً للحضارة والمدنية، وأصولياً وإرهابياً، و
…
إلى آخر قائمة الاتهام.
ومن ثم؛ تبدو الحركة الإسلامية اليوم في موقف الدفاع عن «الأمة» وعن
«الوجود» وعن «الهوية» ، كل أولئك بالقدر نفسه في دفاعها عن «الدين» إن التحالف الغربي الصليبي والصهيوني، يتجلى اليوم واضحاً في فلسطين، وفي البوسنة، وفي جمهوريات آسيا الوسطى «السوفيتية سابقاً» ، وفي
…
الصومال، وفي غيرها من المواقع الديار، وعندما نجحت جبهة الإنقاذ في الجزائر، وحازت ثقة الشعب، وأصبحت صاحب الشرعية لقيادة الجزائر، فزعت الدوائر الغربية، وكان محور الفزع ليس الوضع الداخلي للجزائر، وإنما «آثار ما يحدث على أوربا ومصالحها في المنطقة» ، ومازلنا نذكر تصريحات سياسية من أعلى الدوائر الغربية، التي تؤكد بأنها لن تسمح بقيام حكم «أصولي» في الجزائر.
هذه الحقيقة، جعلت الحركة الإسلامية بمثابة الممثل الشرعي الوحيد لثقافة
الدفاع عن الأمة، وعن وجودها، وتراثها، وحاضرها، ومستقبلها، واستقلالها،
كما أنها الممثل الشرعي عن دينها وعقيدتها، وبالتالي أصبح معظم المعادين
للصحوة الإسلامية اليوم، لا يستحون من الكشف عن ولائهم الفاضح لأعداء الأمة،
إلى الحد الذى يتحدث فيه الشيوعيون والعلمانيون المصريون - مثلاً - عن عميل
للمخابرات الأمريكية، وكأنه بطل قومي لأنه تجسس على معارض إسلامي، كما
أن الذاكرة مازالت تحفظ آخر برقية أرسلها طاغية أفغانستان المخلوع «نجيب الله» إلى الرئيس الأمريكي، والتي قال فيها «ادخرني لعدوك..!» وعلقت
الصحافة يومها على البرقية بالقول: «إن نجيب الله عرض على الولايات المتحدة
أن تساعده في مقابل أن يقف صخرة في طريق المد الإسلامي» الأصولي «في
آسيا الوسطى، وإلى الحد الذي يشرنا فيه بعض المعارضين السودانيين من فلول
العلمانية والشيوعية بقرب التدخل الغربي في السودان، لتحريره من» الجبهة
الإسلامية «! ! !
في دائرة الضوء
رؤية جديدة للدين الإسلامي [*]
روبن رايت
في آخر أيام شهر رمضان وفي اللحظات الباردة التي تسبق انبلاج الفجر
وشروق الشمس تأتي إلي الأسماع أصوات المؤذنين من آلاف المساجد بالقاهرة تلك
المدينة القديمة قدم الزمن تقول: الله أكبر الله أكبر «تنطلق من مكبرات الصوت
من خلال شوارع المدينة الضيقة والملتوية، بعدئذ تبدأ الشوارع التي كانت خالية
من الناس في الحركة.
لقد كان هذا صباح يوم عيد الفطر.
انطلقت أصوات الناس بالتهليل، تحمل في طياتها أدعية الحمد والثناء
» الحمد لله وحده صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا اله الا الله «إنها واحدة من أكبر المدن في العالم العربي تمثل منطقة حضارية هائلة تضم بين جنباتها كل الأشياء.
إنها أيضاً مدينة عربية، قريبة من قلب الصحوة الإسلامية المتنامية، التي
تدعو مسلمي العالم إلى أن يصبحوا على علاقة أوثق بجذور دينهم أكثر من أي وقت
مضى خلال التاريخ الإسلامي، الذي استمر 1400 عام حتى الآن.
يشكل الإسلام - الذي يبلغ عدد أتباعه بليون نسمة في كافة أنحاء العالم
ويعيش ملايين منهم كأقليات في الغرب - يشكل اليوم قوة سياسية وثقافية دولية،
تقف لتعيد تحديد علاقة الغرب بالعالم الثالث، وتتحدى مفاهيمه عن التقدم، وتضع
المعايير للنظام العالمي الجديد.
في الشهور الأخيرة احتلت الأخبار الإسلامية العناوين الرئيسة في الصحف،
بعد المكاسب الانتخابية التي حققوها في الجزائر، والأردن، والكويت، بعد أن
فجر الإسلاميون المتطرفون القنابل في نيويورك والقاهرة [1] .
واذا مانحينا العناوين الرئيسية في الصحف جانباً فإن الحقيقة الأكثر أهمية
تتمثل في أن الدين أصبح بشكل متزايد جزءا لا يتجزأ من نسيج الحياة اليومية
للمسلمين، من أفريقيا إلى آسيا، ومن نيوجيرسي إلى مانيلا، حيث تأتي عملية
التجديد للدين بمصدر جديد للهوية الثقافية، والعمل السياسي في عالم يشهد تغييرا
كبيرا.
ففي الجمهوريات السوفيتية السابقة في أوزبكستان وطاجيكستان نجد أن
مدارس قرآنية جديدة قد فتحت أبوابها كي تحل محل المؤسسات التعليمية العلمانية
التي قامت إبان الحكم الشيوعي، وفي الأردن نجد أن الخمور قد منع تقديمها على
طائرات الخطوط الأردنية، وفي جنوب شرق آسيا نجد أن ماليزيا تحاول بتردد
تطبيق الشريعة الإسلامية، في حين تجابه الفيلبين خطر الحروب الانفصالية بتحديد
مناطق للحكم الذاتي، يعيش فيها المسلمون.
ومن تونس إلى الأردن يحصل الأب المسلم النشط على أصوات الأغلبية في
الانتخابات المحلية لاتحادات الطلبة والنقابات والمجالس البلدية، كما أن المساجد في
مصر تضيق بتدفق المصلين إليها، حتى أنهم صاروا يؤدون صلواتهم في أقبية
المباني، وفي الحجرات الخلفية لها، وحتى في الممرات الجانبية التي يسير فيها
الناس.
لكن هذه الصحوة الإسلامية قليلاً ما يفهمها الغرب، الذي تنبع تصوراته عن
الإسلام من ثورة إيران في 1979، وجموعها الغاضبة التي كانت تهتف:»
الموت لأمريكا «كما تنبع من أحداث لبنان، التي قام خلالها جيل من المحاربين
المسلمين بعمليات قتل أو إرهاب للغربيين الذين غامروا، واقتربوا من قلب الحرب
الأهلية في لبنان.
وفي الواقع فان الارتباط التاريخي للإسلام بالسيف يجعل البعض من الغربيين
يرتعد حينما يرى كلمات تقول:» لا اله إلا الله محمد رسول الله «مكتوبة فوق
سيف مسلول على العلم السعودي وفي الوقت نفسه فإن هؤلاء لا يبالون بالعبارة
التي تقول» نحن نثق في الله «المنقوشة على ظهر الدولار الأمريكي.
الافتراءات والمفاهيم الخاطئة:
يعتبر الربط بين الإسلام والمحاربين من رجال القبائل العربية الذين نشروا
الإسلام في بدايته واحدا من العديد من المفاهيم الخاطئة، التي لها مفعولها اليوم.
فالعرب في التسعينات يتزايد وضعهم كأقلية بين الـ 75 دولة التي تشكل» دار
الإسلام «، والتي تقع مراكزها الكبرى حالياً في أندونيسيا، وباكستان،
وبنجلاديش، والهند، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى.
إن خمس سكان العالم ينتشرون عبر منطقة تمتد مسافة 11000 ميل من
غرب أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، وهؤلاء جميعا يشهدون بأن محمدا هو خاتم
أنبياء الديانات السماوية. ولم يقتصر الأمر على الربط بين الإسلام والسيف، ذلك
أن هناك أيضاً خرافات وافتراءات أخرى منها قولهم:
- إن الدين الإسلامي دين» بربري «؛ لأنه يطبق حدودا مثل: قطع الرأس، وبتر الأعضاء، والرجم، كعقوبات لبعض الجرائم. وفي الحقيقة فإن المملكة
العربية السعودية، وإيران عموماً، والسودان من حين لآخر يطبقون هذه العقوبات
إلا أن قطع الرأس في الرياض لا يمكن أن يكون أكثر بربرية من الإعدام بالكرسي
الكهربائي.
إن كل المواطنين اعتبارا من سائقي سيارات الأجرة إلى أساتذة الجامعات
يثنون على هذا الأسلوب العقابي، ويردون على المنتقدين بالإشارة إلى الفارق بين
معدلات الجريمة في الرياض، ومعدلاتها في نيويورك.
- إن الوجه الصارم لآية الله روح الله خميني - الذي حكم بالموت على
المرتدين - يمثل غالبية رجل الدين من المسلمين، لكن يتعين علينا أن نجرب
مشاهدة رجل دين حكيم على شاشة التلفزيون هو الشيخ محمد متولي الشعرواي،
الذي يجلس متربعا مساء كل يوم جمعة، ويقوم بروح طيبة بتفسير القرآن الكريم
للملايين من المشاهدين.
- إن الإسلام الجهادي يسير على طريق التصادم العنيف مع الغرب.
وفي هذا الصدد يمكن القول بأن الإسلام قد يكون على خلاف مع الغرب في
نواحي معينة، لكن أسلحته بالنسبة للمستقبل تأخذ شكل المؤتمرات، والمنتديات
الفكرية، وصناديق الاقتراع، أكثر من أن تأخذ شكل الإرهابيين الملتحين، حتى
في مصر التي عانت من أسوأ أعمال العنف الإسلامية في السنوات الأخيرة.
في الواقع فإنه في الوقت الذي يبدو فيه أن العالم الإسلامي صار الجبهة التالية
للصراع بعد الحرب الباردة، فإن ذلك لا يرجع إلى حد كبير إلى أن المسلمين
يمثلون تهديداً عسكرياً أو إرهابياً، لكن لأنهم يطرحون تحديا أساسيا: يتمثل في قوة
اجتماعية سياسية متنامية، تثير تساؤلات حول بعض مفاهيم الغرب؛ عن الواقعية، وعن طبيعة التقدم، والعلاقة بين الله والبشر، ودور التقنية، والعصرية،
والمبادئ الأخلاقية في حياة الإنسان.
هناك جيل جديد من الإسلاميين الذين درس الكثير منهم في الغرب على
استعداد للاستفادة من المفاهيم الديمقراطية.
إن هؤلاء الإسلاميين يتسلحون بالكتابات القديمة من القرآن، التي جرى
تعديلها لتتواءم مع احتياجات الحاضر في إطار الإصلاح العصري، وهي تمثل
واحدة من أهم القضايا الفكرية في التاريخ الإسلامي.
وفي هذا الصدد يقول أحد المفكرين» إنها ليست مسألة إحياء روحية فقط،
إنها مسألة إحياء أيضاً للقرآن، كما أنها تجديد للفكر ذاته، إنها صحوة لنشاط الطاقة
الإسلامية الكامنة، وهي على الأغلب صحوة تقودها الصفوة العصرية، التي
تعرضت لتأثير الغرب ولتحدي ثقافة الغرب ذاتها «ويضيف:
» أما مسألة أن قدر العالم الإسلامي المحتوم هو الصراع مع الغرب فإن ذلك
يعتمد على مدى استعداد الغرب لقبول مستوى من النزاهة والعدل يسمح بسيادة
الديمقراطية في العالم الثالث، حتى ولو تولدت عنها الحركة الجهادية الإسلامية،
وضمانُ معاملة المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي فلسطين، وليبيا بالمعاملة
نفسها التي يلقاها اليهود في إسرائيل، والنصارى في أي مكان من العالم «.
ويقول آخر:» المفروض أن نتحدث عن الاستقلال الفعلي، لا الاستقلال
الاسمي: عن الاستقلال الاقتصادي، وعن الاستقلال في الأنظمة التعليمية،
والأنظمة السياسية إلا أن هذا قد يتعارض بشكل أو بآخر مع مصالح الغرب.
إن قيام علاقة بناءة بين الغرب والعالم الثالث يعني وضع جداول أكثر عدلا
لسداد ديون الدول المدينة في العالم الثالث، وإقامة علاقات تجارية أكثر عدالة،
وتحقيق قدرة أفضل من جانب الدول النامية على الاستفادة من مواردها الطبيعية «.
ومن جهة أخرى يقول مفكر آخر اقتفى الحركة السياسية من ثورة مصر في
عام 1919 التي استمر المصريون بعدها في تبني التقاليد الغربية في مجالس
الأعمال والثقافة حتى ثورة جمال عبد الناصر في 1952 التي أقامت الاستقلال
الاقتصادي الاجتماعي على مذاهب قومية علمانية ماركسية.
» أعتقد أننا الآن في المرحلة الحديثة من حركة التحرير الوطنية وفي إطار
هذه المرحلة اكتشفنا أننا قد انغمسنا كثيراً في التقاليد الغربية إلى الحد الذي نسينا فيه
حقيقة أننا نختلف عنه أي: عن الغرب، وأننا حينما نتحدث عن شخصيتنا، وعن
هويتنا الوطنية، فإننا نأتي حتماً إلى الإسلام «.
ويضيف إن أول شيء نرفضه في الغرب هو إصرار أصحاب الثقافة الغربية
على أنهم يحتكرون مفهوم التقدم، وأنهم يحددون هوية التقدم والعصرية بربطها
بالحياة الغربية، ونحن نتساءل لماذا؟ !» .
ويضيف: «إن المسلمين إذا ما تولوا زمام الحكم فإنهم قد يضعون لدى
الآخرين نموذجا يجعل المعايير هناك تختلف، كما أنه لن يكون لديك معيار واحد
للقياس يتمثل في معدل النمو الاقتصادي إننا لا نعبد معدل النمو الاقتصادي إننا فكرة
الاستقلال الثقافي، الذي ربما يمثل أكثر التهديدات للغرب، وهو الاستقلال الذي
يبني بديهات التقدم والعصرية على تحكم العقل، والسعي إلى تحقيق الازدهار
الاقتصادي، وهي المفاهيم التي سادت الحضارة الغربية لأكثر من ثلاثة قرون.
إن الإسلام يتيح نموذجاً آخر يتمثل في نظام شامل للإيمان، يمتزج فيه الدين، والحكم، والزواج، والعمل امتزاجا كاملا في نسيج واحد متداخل، تحل فيه
الأفكار الراسخة والمحددة للأخلاق والقيم محل لغة الاستيعاب، وتسود فيه سلطة
التشريع على الأفكار الغربية العصرية عن القانون، الذي يسن وفقا للضرورة
والظروف المتغيرة.
يقول أحد المفكرين الفرنسيين ويدعى (فرانسوا بورجا) : إن هذه الحركات
الإسلامية تسبب لنا الجنون لأنها تؤذينا في الصميم.
لقد اجبرونا على أن ندرك الحقيقة التي تقول: إننا لا نملك احتكار النظام
الرمزي، اننا لسنا الوحيدين الذين يمكن أن يتعاملوا مع الأمور الكونية فهل صار
ميزان القوى يتغير في هذا المجال؟ نعم - وهل هذا التغير في صالحنا؟ والإجابة
طبعا:» لا «ويضيف (فرنسوا بورجا) إلى ذلك قوله» لكن إذا كنا نفقد احتكارنا
لهذه الأمور فهل يتعين علينا أن نواجه ذلك بالتدخل في العمليات التي تتم في
محيطنا ومن حولنا، إننا بذلك نربي عداوات أكثر.
إن الصحوة الإسلامية تعكس جزئياً ظاهرة متنامية على المستوى العالمي،
أصبح فيها الدين قوة للتغيير، تتسم بالطاقة والديناميكية.
وفي المجتمعات التي تناضل في محاولاتها تخليص نفسها من الإفلاس، أو
من الأنظمة التي تنقصها الكفاءة، أو البحث عن بدائل قابلة للبقاء فإن الدين يوفر
المُثُل، والهوية، والشرعية، كما يتيح البنية التحتية أثناء عملية البحث، ويتم ذلك
بدرجات مختلفة في كل أنحاء العالم، وعلى سبيل المثال فإن البوذيين في شرق
آسيا، والكاثوليك في شرق أوربا وأمريكا اللاتينية والفلبين، والسيخ والهندوس في
الهند، وحتى اليهود في إسرائيل، كل هؤلاء تحولوا إلى دياناتهم حتى يتمكنوا من
تحديد أهدافهم، ولتعبئة قواهم.
وفي أغلب مناطق العالم العربي نجد أن الإسلام يطرح طريقة لمعالجة عقود
من الفشل: الاجتماعي، والاقتصادي، والعسكري، والاضطراب الذي حدث
مؤخراً بسبب حرب الخليج.
في حقبة الضياع هذه نجد أن الإسلام يبعث الحياة من جديد في صورة
الماضي، التي وحد أثناءها منطقة تعيش فيها قبائل متصارعة، في إطار لغة واحدة، ودين واحد.
ومنذ الفترة التي هاجر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة في عام
622 م، وبدأ في إقامة أول دولة إسلامية على أرض الصحراء العربية في المدينة
المنورة فإن الإسلام بدأ عصرا ذهبيا من الصعود السياسي والفني غطى عدة قرون، وتم نقل التعاليم الإسلامية مع الذين قاموا بفتح أسبانيا، ومع الأتراك العثمانيين
الذين فتحوا استانبول، وعادوا عن طريق البلقان إلى أوروبا.
أما في آسيا فإن التجار العرب قاموا بإدخال أجيال كاملة من المتعاملين معهم
في جاوه، وسومطرة، وبورما، وماليزيا، وتايلاند، والهند، والصين، والفلبين، في الإسلام خلال الفترة من القرن السادس حتى القرن الثاني عشر، وبعد ذلك
بمئات السنين انتقل الإسلام على السفن التي كانت تنقل العبيد من إفريقيا إلى أمريكا.
إن تلك هي الحقبة التاريخية التي تحول فيها العديد من المسلمين خاصة في
المنطقة التي تمثل القلب من العالم الإسلامي، لقد خدعت أجيال من العرب بسلسلة
من المذاهب السياسية المتتالية، التي تمثلت أساساتها في الماركسية والقومية اللتين
جعلتهم يعيشون، في أحلام الوحدة والاستقلال الذين لم يتحققا قط.
وكانت نقطة التحول للعديد من هؤلاء هي الهزيمة العربية في عام 1967
على أيدي الإسرائيليين، وهم شعب يعرف الكثيرُ من المسلمين عنه أنه شعب يحقق
النصر؛ لأنه لم يفقد صلته بجذوره الدينية.
إن العالم الإسلامي مشغول الآن بفكرة جديدة عن الجهاد، وهى تعني رد
العدوان، وليست الفكرة التقليدية، التي تعني شن الحرب المقدسة، وهي تنطوي
أيضاً على معنى النضال من أجل الإنجاز وبناء الأفضل، وإقامة مجتمعات أخلاقية، وتحقيق كفاية الإنتاج لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وفي الحقيقة فإن المسلمين زادت مقاومتهم كثيراً، وسوف يردون العدوان عن
أنفسهم بالطبع إذا ما حاولت أوروبا أن تفرض نموذجها عليهم.
إننا نعلم أن أوروبا لا تؤمن بالديمقراطية إيمانا مطلقا، فهم يكبحون
الديمقراطية حينما تأتي بالإسلام إلى الحكم، ويقضون عليها. لقد فعلوا ذلك في
تركيا، وفي الجزائر، وإذا ما تعرض الإسلام للظلم والاضطهاد فإن المسلمين
سوف يتحولون إلى الجهاد، ويعني هذا الجهاد المقاومة، ولا يعنى الحرب؛ لأنه
إذا وجه شخض إليك فعلا، فإنك توجه إليه بالتالي فعلا آخر «.
(*) للكاتب (روبن رايت) في مجلة (لوس أنجلوس) الصادرة في 6 أبريل 1993.
(1)
أثبتنا في الترجمة ألفاظ الكاتب وتعبيراته دون تدخل منا، حتى تتسق أفكاره أمام القارئ المسلم، ويكمل تصورنا عن نظرة الغرب إلى الصحوة، ولا يعني ذلك - كما هو واضح - موافقتنا على تعبيراته واتهاماته.