الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملف السلام العربي/ الإسرائيلي
الشرق أوسطية عنوان مرحلة
ولماذا وقع الأردن؟
د/عبد الله عمر سلطان
الأردن يوقع اتفاق سلام مع إسرائيل
…
مصافحة تاريخية بين الحسن ورابين تنهي نصف قرن من الصراع
…
مولود جديد للسلام برعاية كلنتون
…
هل هي كرة الثلج تبدأ عادة بكتلة صغيرة من ذرات الماء المتجمدة ثم تقذف
بها عوامل خارجية إلى أسفل السفح فتتورم بإطراد وتكبر وهي تلقى مصيرها
المنحدر؟
«لم يكن الاتفاق الأردني / الإسرائيلي في المحصلة النهائية إلا انعكاساً
لوضع الذي يأخذ في التشكل هذه الأيام بعين اتفاق رابين / عرفات، ودليلاً آخر
على أن من يحدد إطار اللعبة وحدود العلاقة في المنطقة هو طرف مستفيد من
سقوط (قطع الدمينو العربية) واحدة بعد أخرى في سبيل ترسيخ النظام الشرق
أوسطي الجديد. بهذه العبارات حدد أحد كبار المحليين الفرنسيين الوضع الحالي في
المنطقة، وأضاف: (كل ما فعله الحضور المسرحي لبيريز وحسن - ولي العهد-
هو أنه أخرج الاتصالات الأردنية/الإسرائيلية من حيز السرية والظلام إلى السطح
والواجهة الإعلامية.. لقد حاول الملك حسين أن يخفي هذه الاتصالات التي كان
آخرها قبل يومين من توقيع الاتفاق حينما رتب مع بيريز لتفاصيل (الحفلة)
ونصوص وثيقة العلاقة القادمة
…
لكن الجميع يعرف أن رائحة الصديق الإسرائيلي
كانت تفوح بشره في الأردن بعد كل لقاء حميم.
مهنته كملك
…
قبل أكثر من عقدين تحدث الملك الأردني لصحافي فرنسي عن شخصيته
وطموحاته وماذا ينتظر منه أن يقدم كملك للكيان الهاشمي ومشروعه القومي الذي
فجره جده الشريف حتتين تحت حراب رجال المخابرات البريطانية.
لقد كانت مخاوف الملك حسين منذ صعوده إلى السلطة وهو شاب لم يتجاوز
الثامنة عشرة أن يحافظ على هذا الكيان المسمى بشرق الأردن، وهذه المخاوف
تغذيها دوماً حقيقة مزعجة ظلت تلاحق جده الملك عبد الله تتمثل في أن هذا الكيان
(صُنع) على عين الإنجليز و (أقيم) في غرف وزارة المستعمرات البريطانية)
كبديل للوطن الفلسطيني الذي وُعد به الصهاينة داراً لحلمهم وموطناً لفكرتهم
…
و، وكأي (ثائر) صُنع وبَزغ في مشرقنا التعس فقد سارع الملك عبد الله إلى تبني
مشروع المملكة الأردنية الهاشمية كمرحلة مؤقتة حتى يتحقق حلمه السلطوي لأكبر
بأن يكون ملكاً لسوريا وما تبقى من بلاد الشام، هذا الوطن البديل لفلسطين كان
ثمنه أن يقبل الملك عبد الله بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين ويعترف به سراً
وتجري الاتفاقات مع الإنجليز واليهود مقابل تثبيت ملكه في ضفة الأردن الشرقية
مع وعود مستقبلية بتوليته مقاليد سوريا مقابل حفظ أمن الكيان الصهيوني وضمان
سلامته.
وفي خضم الاتفاقيات وتنفيذها سقط الملك عبد الله برصاص الاغتيال على
بوابة الحرم المقدس وهو لم يهنأ بتحقيق حلمه الطموح وإن كان قد تولى ملك الضفة
الغربية ثمناً للمعركة الخاسرة التي أطلق عليها (النكبة) وهي في حقيقتها
(الصفقة) ال تي تاجر في سبيلها الشريف حسين وذريته بمقدرات ومقدسات وثوابت الأمة مقابل وهج السلطات وفي سبيل غرور الملك
…
ألم يكن من السخرية أن يرفض الخليفة العثماني (التركي) عبد الحميد أن يبيع
فلسطين لهرتزل وهو في أمس الحاجة للمال والدعم اليهودي والغربي، وأن يتنازل
الملك عبد الله (العربي) عن مسرى جده الهادي صلى الله عليه وسلم بعد أن وثّق
المعاهدات مع وايزمن وبن غوريون
…
؟ !
وإن كان حلم عبد الله كبيراً وجشعه مشهوراً فإن حفيده الذي تولى الملك بعد
أبيه المريض كان ولا يزال يدفع ثمن فكرة الوطن/البديل ويحاول أن يتمسك بشرق
الأردن في ظل تسارع الخطى نحو الحل النهائي الذي يقتبس فكرة خبراء وزارة
المستعمرات القديمة والقائلة بإزاحة أهل فلسطين عنها وأحلامهم شرق النهر بعد أن
عملوا على إقامة كيان وديع مسالم مستغرب يحكمه (هاشمي) لم يطلق رصاصة
واحدة في وجه اليهود مما دفع إسحاق رابين للقول:» إن وجود الملك حسين
ضروري لتحقيق السلام والأمن (أمن اليهود) حيث لم تشهد حدودنا حوادث إرهاب
أو شغب في ظل حكمة العاهل الأردني «.
هل عرفتم إذن ماذا يعني (جلالته) بمهنته كملك؟ ؟
تحديات أضخم من الإمكانات:
بالرغم من النعوت والصفات والمواهب الشخصية التي يتمتع بها الملك
الأردني فإن الصحافي البريطاني الشهير (دايفيد هرست) صديق الحسين لخص
الوضع في الأردن عشية عودة الحسين من رحلته العلاجية بالقول: إنه الملك الذي
شهد أعنف التحديات في ظل التحدي الناصري والقومي وواجه بحسم الثورة.
الفلسطينية التي صفيت في أيلول الأسود عام 1970م وفاقت شعبيته أي زعيم آخر
في المنطقة أيام حرب الخليج حين وقف في صف العراق ليصبح في خانة الثوريين
ولذا فقد أصبح يخاف من المستقبل حيث عوارض المرض الخبيث (السرطان) ،
وموجة الإسلام السياسي العاصفة، وأهم من ذلك وضع الأردن بعد السلام وهذا كله
يجعل من موقف الحسين موقفاً صعباً
…
وما لم يقله صديقه البريطاني ما قاله
معلقون آخرون (إن الأردن أصبح مرتبطاً بوجود الحسين فبوجوده يبقى وبزواله
ربما يضمحل
…
)
إن التحدي الحقيقي قد جاء من الجهة الأخرى من ضفة نهر الأردن حيث
يسعى اليهود الذين تربطهم بالعرش الهاشمي صلات سرية وثيقة أن يكون الأردن
هو البديل عن أرض الرسالات التي من المستحيل - في عرفهم - أن يحكمها
سواهم، وفي ظل الوضع العربي العاجز والانهيار الذي انتاب قيادة المنظمة
(العرفاتية) فلا يستبعد أن يحل (الناطور الفلسطيني) محل (العاهل الهاشمي على المدى المتوسط / البعيد
…
، وهكذا فقد يجد العاهل الأردني القادم أن (المملكة العربية) التي وعد ماكموهن جده بها قد انكمشت، وأن الوطن البديل قد أصبح فكرة قائمة وبعيدة عن حكم ذرية الحسين. التي أدت للمعسكر الغربي أكبر خدمتين في المنطقة خلال قرن: تصفية الخلافة الإسلامية العثمانية وتسليمها (مع غيرهم) فلسطين بقدسها لليهود.. وكل هذا يتم تحت لافتة ضخمة يحملها (شريف) من آل البيت
…
!
الاتفاق الباهت!
في ظل السباق القائم بين عرفات والحسين بعد أن اتضح أن أمريكا وإسرائيل
قد قبلتا يد عرفات المدودة بخنوع وذلة؛ وقع ولي عهد الأردن مع بيريز (سفر
السلام) القادم حتى يضمن الأردن دوراً في النظام الشرق الأوسطي الجديد بالرغم
من أن أول من انتقد اتفاق السلام الفلسطيني اليهودي كان (جلالة الحسين) لكنه
سرعان ما ابتلع اعتراضاته وتهديداته وأصبح الاتفاق في نظره (خطوة شجاعة)
و (علامة جريئة) تستحق أن تحظى بكل الدعم، فالمرحلة المقبلة هي مرحلة
كسب الرضى الإسرائيلي، والأردن له سجل مشرف (في ظل قيادة الحسين) في حفظ أمن الدولة العبرية
…
ومع كل هذا يظل التحدي أكبر من مهارة الحسين ودبلوماسيته ومراوغته
السياسية، صحيح أن الحسين، كما قال هرست قد خاض بحر الظلمات العربية
وخرج سالماً حتى الآن، ولكن الصلح مع اليهود وعلاقة شرق الأردن بالدويلة
الفلسطينية الرمزية في غزة وجزء من القطاع تقتضي أن يدلف (الصانعون) للكيان
الأردني للموضوع دون رتوش أو مقدمات لأن المسألة تمس وجود الأردن ذاته الذي
وُضع منذ البداية كوطن بديل لفلسطين، الحسين في هذه المرحلة لا يواجه الأشقاء
العرب
…
إنه يواجه السادة الذين سمحوا له بالوجود! وإن كانت الظروف تقتضي
(تأمير) وتمليك القميص الأردني للملك عبد الله وذريته في السابق؛ فإن الأردن
منذ البداية في الفكر الصهيوني / الصليبي هو الوطن الفلسطيني على المدى البعيد،
واذا كان هذا الهدف يتعارض معه بقاء الأسرة الهاشمية واحلالها بقبائل عرفات
ومنظمته فإن هذا الحل سيجد طريقه للواقع وهذه التضحية بحسن أو حسين ليست
غالبة حتماً.... مع ميل العواصم الغربية إلى تفضيل القيادة الأردنية الحالية
المتمرسة في قياد اللعبة بمهارة وحنكة، خصوصاً أن على اللائمة موضوعاً يثير
(مثلث السلام) الأردني/الفلسطيني/الإسرائيلي والمتمثل بتحجيم الحركة الإسلامية
على ضفتي النهر، وهنا فربما خرج الحسين رابحاً ومنفذاً لهذا الهدف الثالث الذي
يحلم الغرب بتحقيقه في مواجهته الحضارية الراهنة مع الإسلام، وتلك مهمة
تستحق أن يندمج فيها الممثلون حتى لا تعرف في النهاية الحسين من عرفات من
رابين
…
!
أليست المرحلة تحمل عنوان (الشرق أوسطية) ؟ .
شؤون العالم الإسلامي
طاجكستان
تدخل النفق الأفغاني
د. مالك إبراهيم الأحمد
توطئة:
مع دخول العام الثاني لاستيلاء الشيوعيين على الحكم في طاجكستان، وما
رافق ذلك من مأساة إنسانية بالغة، تدخل القضية الطاجكية النفق الأفغاني، حيث
أصبحت أفغانستان منطلقاً للمجاهدين الطاجيك، ومكان استقبال لآلاف من اللاجئين، وقد وقعت الحكومة الأفغانية الوليدة في حرج بالغ يشبه وضع (باكستان) سابقاً،
مع اختلاف طفيف وهو أن القضية الأفغانية كانت تمثل سابقاً ساحة صراع بين
الأمريكان والسوفييت؛ مما تطلب دعماً أمريكياً غير مباشر للأفغان كي يقفوا أمام
المد الشيوعي، أما في القضية الطاجكية فالتخوف من المد الإسلامي في
الجمهوريات هو هاجس الغرب والشرق على السواء. ونعرض هنا إلمامة
بتطورات الأحداث الأخيرة ومواقف الفرقاء حولها.
الموقف الروسي:
تعتبر روسيا نفسها وريثة الاتحاد السوفيتي، وبالتالي فهي مسؤولة عن الدول
التي خرجت من المظلة السوفيتية، وعلى وجه الخصوص تلك الدول الفقيرة
والمتخلفة (الجمهوريات الإسلامية) ، وسبق للكثير من المسؤولين الروس الحديث
عن الأمن القومي الروسي، وارتباطه بأمن الجمهوريات الإسلامية، فمثلاً صرح
وزير الخارجية الروسي بقوله: «ظهرت بوادر عدم الاستقرار على طول الحدود
الروسية وبالتالي فإن صون السلام أصبح من مقومات أمن روسيا القومي واضطلاع
روسيا بمسؤوليتها الخاصة عن حفظ الاستقرار في أراضي الاتحاد السوفيتي
السابق
…
» .
وبهذا المفهوم ينطلق التحرك الروسي بدءاً من الرئيس يلتسن بتصريحه
«ليعلم الجميع أن هذه الحدود- يقصد الطاجكية / الروسية- هي حدود روسية وليست طاجكية» .
ولقد أيده البرلمان رغم اختلافه في كثير من القضايا مع الرئيس يلتسن
والغريب أن الموقف الروسي واضح وصريح، بدءاً من التدخل المكشوف لإسقاط
الحكومة الائتلافية، ودعمه ثانياً للجبهة الشعبية الشيوعية حتى صعودها للحكم على
أشلاء المسلمين.
ويتحدث المسؤولون الروس عن القضية الطاجكية، وكأنها جزء لا يتجزأ من
روسيا، ويقول وزير الخارجية الروسي: «لا حوار مع المعارضة- الطاجكية- إلا
بالصواريخ» وكأنه يتحدث عن معارضة داخل روسيا - وللتدخل الروسي في
القضية الطاجكية مبررات لعل أهمها:
الخوف من الأفغنة:
فالتورط الروسي في أفغانستان سبب الكثير من المشكلات للروس، ولعلها من الأسباب الرئيسية لسقوط الاتحاد السوفيتي. وبالتالي فلا يريد الزعماء الروس أن تتحول طاجكستان إلى أفغانستان ثانية تكون مصدر قلاقل لهم مستقبلاً.
- الخوف من (المد الأصولي) لاشك أن الانبعاث الإسلامي في الجمهوريات
عموماً، وفي طاجكستان خصوصاً، يمثل تهديداً للنصرانية في الشمال وبالتالي فإن
قيام دولة إسلامية في طاجكستان سوف يشعل الفتيل في بقية الجمهوريات
وطاجكستان تمثل أضعف دولة في الجمهوريات، وفيها أقوى حركة إسلامية في
المنطقة، والمد الإسلامي لو استفحل في نظرهم قد يصل إلى روسيا نفسها حيث
يوجد فيها حوالي 50مليون مسلم مما يهدد بتفكك وسقوط الاتحاد الروسي نفسه.
الجانب الاقتصادي والثقافي:
كان الوضع الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي سابقاً مرتباً بطريقة خبيثة جداً
فالجمهوريات الإسلامية عموماً مصدر المواد الخام والجمهوريات النصرانية مناطق
الصناعة والمدنية، ولقد امتص الكثير من خيرات هذه الجمهوريات لصالح روسيا
وجاراتها، وطاجكستان إحدى هذه الأمثلة فالبلد متخلف جداً من النواحي المدنية
والصناعية، إنما هي فقط مصدر للمواد الخام لروسيا ففيها اليورانيوم والفضة
بكميات كبيرة فضلاً عن المعادن الأخرى، والسيطرة الروسية العسكرية على
المنطقة تضمن لها استمرار بقاء هذا الشريان خصوصاً أن روسيا هي مصدر الطاقة
لهذه الجمهورية وغيرها من الجمهوريات، فهي بالتالي تمسك بتلابيبها، وتنظر
روسيا إلى هذه الجمهوريات على أساس أنها متخلفة وغير متحضرة ولا تحسن
الديمقراطية ونظراً لكون روسيا دولة متقدمة وديمقراطية فإنها تشعر - كما تزعم -
بمسؤوليتها الأدبية تجاه هذه الجمهوريات.
الوجود الروسي:
يعيش في الجمهوريات الإسلامية- ومنها طاجكستان: ما يقرب من 30 مليون
روسي يسيطرون على الإدارة والصناعة والتجارة ويعملون في الاستسمارات
الروسية، ونظراً لشعور روسيا بمسؤوليتها تجاه مواطنيها فإنها لا بد أن تقف مع
الاستقرار في المنطقة خصوصاً مع نظرة الخوف والشك في حال وصول
الإسلاميين إلى سدة الحكم في روسيا.
الدور الأمريكي:
كان الحضور الأمريكي في منطقة الجمهوريات مبكراً، ولقد افتتحت الولايات
المتحدة لها مقار دبلوماسية لمتابعة أوضاع الجمهوريات، ومراقبة الوضع الأمني
خصوصاً مع اختلال الموقف الروسي عند سقوط الاتحاد السوفيتي ومع بداية
الأحداث شاركت القوات الأمريكية بصفة سرية للغاية ومحدودة في معاونة الجبهة
الشعبية لإسقاط الائتلاف الإسلامي الديمقراطي، وبعد استقرار الأوضاع دعمت -
صراحة - نظام (دوشانبه) الشيوعي وأيدت - بإطلاق - التدخل الروسي. وقد
ذكرت مصادر إعلامية وجود وثيقة سرية بين روسيا وأمريكا تخول فيها الثانية
للأولى التحرك بحرية في الجمهوريات للتصدي للأصولية الإسلامية هناك. رغم
مأساة اللاجئين الذين يقاربون المليون، والضحايا الذين سقطوا وهم يعدون بعشرات
الألوف - فإن الإنسانية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص غائبة تماماً عن
الساحة ولم يُقَدَّم إلا الفتات من بعض المنظمات الصليبية.
كذلك لعبت أمريكا بالورقة الأفغانية وحركت عملاءها في المنطقة لدعم
الفوضى السياسية في ذلك البلد، وإشغال هذا النظام الإسلامي الوليد بنفسه كي لا
تصبح أفغانستان بالنسبة للطاجيك كباكستان سابقاً بالنسبة لأفغان وذلك خوفاً من
امتداد المارد الإسلامي إلى وسط آسيا.
موقف دول الجوار:
بالنسبة للجمهوريات الثلاث (أوزبكستان - تركمانستان - كازخستان) فالحكم
فيها للشيوعيين، أما (قوقيزيا) فيحكمها العلمانيون لكنهم جميعاً يقفون صفاً واحداً
أمام الحركة الأصولية الإسلامية - كما يسمونها - وقد دعموا جميعاً نظام دوشانبه
خوفاً من امتداد الأمر إلى جمهورياتهم ولعل أوزبكستان أكثر الدول دعماً لنظام
دوشانبة فلقد شاركت منذ الأيام الأولى في الأحداث عسكرياً ومادياً وبشرياً.
وبالنسبة لإيران الرافضية ذات الوجهين فإن موقفها المتخاذل يماثل موقفها من
شيوعي أفغانستان فهي فقط تدعم طائفتها وتجهزهم للمستقبل والموقف المعلن هو
العمل على عدم اتساع رقعة الحرب.
أما تركيا العلمانية فإنها أيضاً دعمت الشيوعيين واستخدمت ورقة الأوزبك
ذوي الأصول التركية ودفعتهم - وهم لا يحتاجون إلى دفع - لمواجهة الإسلاميين،
ومن جانب آخر أيدت الموقف الروسي وتدخله المباشر في شؤون هذه الجمهورية.
دور الأمم المتحدة:
منذ أزمة الخليج دخلت الأمم المتحدة طرفاً مباشراً في الأزمات العالمية لكن
مع غياب شبه كامل لاستقلاليتها في اتخاذ القرارات، بل أصبحت أحياناً كثيرة
طرفاً في الصراعات كما هو حالها في الصومال والبوسنة.
وفي طاجكستان كان موقف الأمم المتحدة متناسباً مع توجهاتها الحالية من
المسلمين وقضاياهم فوسيطهم المكلف بالقضية كان دوره مؤيداً للحكومة الطاجكية
الشيوعية، وبدلاً من أن يكون وسيطاً نزيهاً في الأزمة، رفض مقابلة مندوب
الجبهة الرئيسية للمعارضة (حزب النهضة) وذلك أثناء زيارته لباكستان وزار
مخيمات اللاجئين وطلب منهم العودة حالاً إلى ديارهم رغم معرفته بظروف هروبهم
وأسبابها، من جهة أخرى نجده يمتدح تلك الحكومة العميلة ويثني على مواقفها في
حل الأزمة! ! .
وضع المجاهدين الطاجيك:
بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم في (دوشانبه) وإعدام الكثيرين من اتباع
حزب النهضة هربت البقية الباقية منهم إلى الجبال وإلى أفغانستان المجاورة والتي
يمثل الطاجيك فيها نسبة كبيرة من السكان وخصوصاً في الشمال.
وقد بدأ حزب النهضة بعد ذلك بتكوين قوات عسكرية لمواجهة النظام
الدكتاتوري في طاجكستان مستخدمين أفغانستان منطلقاً لتحركاتهم لأسباب كثيرة من
أهمها الدعم الذي حصلوا عليه من إخوانهم الأفغان، وللحدود الطويلة المشتركة
(أكثر من ألف كيلو متر) مع طاجكستان.
كانت البداية عمليات اختبار وجس نبض للوضع الأمني على الحدود والذي
يسيطر عليه الروس بشكل أساسي، ولقد كانت ردة الفعل الروسية عنيفة منذ الأيام
الأولى لمحاولات الاختراق، فلقد قصفت القوات الروسية تجمعات المجاهدين
واللاجئين في الطاجيك أفغانستان، فضلاً عن التهديد الحكومي الروسي بالرد القاسي
مستقبلاً إزاء أي محاولة اختراق للحدود، وفي الجملة لم تبدأ العمليات الجهادية
الفعلية حتى الآن نظراً للظروف الصعبة التي يعيشها المجاهدون وإمكاناتهم المادية
المحدودة. ومن التحديات التي قد تواجه المجاهدين مستقبلاً ولعل بوادرها ظهرت
الآن حيال وضع بدخشتان المنطقة الجبلية - ذات الاستقلال الذاتي - والمتاخمة
للحدود وذات المساحة الشاسعة (45% من مساحة طاجكستان) والتي يقطنها
الإسماعيليون (الغلاة) - وإن كان عددهم محدوداً (180 ألف نسمة) - إلا أن
موقعهم الاستراتيجي بالنسبة للمجاهدين له حساسية فائقة فلقد شارك بعض منهم في
الوقوف أمام الحكومة وبالتالي هم مصنفون ضمن المعارضة لكن الحكومة تحاول
منذ مدة استمالتهم إلى جانبها وعرضت عليهم مشروعات لتطوير المنطقة، ولقد
ذكرت وسائل الإعلام استيلاءهم. على شاحنات للمجاهدين تحمل أدوية وأغذية إلى
إخوانهم في الداخل مما ينبئ بموقفهم الحقيقي حيث سيكونون شوكة في خاصرة
المجاهدين كما هو حال إخوانهم الرافضة في افغانستان.
مستقبل القضية:
لاشك أن من أسباب النصر كما بينها القرآن الكريم هو نصر المسلمين أنفسهم
لله أولاً [إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ] وبذلهم الأسباب المادية ثانية [وأَعِدُّوا لَهُم مَّا
اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ] وانتصار المسلمين على أعدائهم ليس بغلبة المادة ولكن بتمسكهم
بالعقيدة الصحيحة واليقين بالله والالتزام بأوامره والانتهاء عن محارمه، أما
الشيوعيون فهم ساقطون لا محالة والزمن بإذن الله كفيل بهم، ولكن تعاضد أهل
الضلالة مع بعضهم يقوي شوكتهم ويطيل أمدهم.
والحكومة الشيوعية تعرف ضعفها وافتقارها للشعبية ولذلك تعتمد كلية على
الدعم الروسي والأوزبكي وقامت بعقد معاهدة أمنية مع روسيا في هذا العام، ورغم
محاولات الوساطة بين الرئيس رحمنوف والمعارضة (النهضة) إلا أن الرئيس
يرفضها ويتهم من يسميهم بالأصوليين بالإجرام والإرهاب وهو الوصف الذي
ينطبق عليه وعلى الجبهة الشعبية تماماً والذين أودوا بحياة عشرات الآلاف فضلاً
عن الجرحى وما يقارب المليون من المهاجرين، أما عن موقف المجاهدين،
فرئيس حزب النهضة من جانبه لا يعترف بالحكومة الحالية والتي نصبها الروس
والأوزبك وبالتالي فلا مجال - من وجهة نظره - للحوار معها.
***
الخاتمة
مع توالي الأحداث تبقى القضية الطاجكية مغيبة إعلامياً ولا تكاد تلمح إلا
إشارات قليلة هنا وهناك ورغم الوجود الإعلامي الغربي القوي في مناطق الأحداث
في العالم إلا أننا نرى إهمالاً إعلامياً متعمداً للقضية في وسائل الإعلام الغربية
والعربية من باب أولى؛ لأنها عالة على الوكالات الأجنبية. وفي الحقيقة تعتبر
القضية الطاجكية لعبة الدول الكبرى، وتجربة فريدة في مواجهة المد الأصولي
المزعوم. وفي مواجهة هذا الكيد تقوم حركة الجهاد بقيادة حزب النهضة الإسلامي
والذي يحمل إيجابية كبيرة- لعلها استفادت من التجربة الأفغانية- ألا وهي الوحدة،
فالتفرقة بين مجموعات الجهاد الأفغانية أدى إلى ضياع ثمرة الجهاد بعد سقوط الحكم
الشيوعي، وهناك مبشرات للجهاد الطاجيكي فقد سقطت قبل أيام مدينة طوس
(200 كم عن العاصمة) بأيدي المجاهدين ولعل انشغال الروس بقضاياهم المحلية
ولو مؤقتاً يكون فرصة لاندفاعة قوية لذلك الجهاد الذي يحتاج إلى الدعم من كل
المسلمين خصوصاً في هذه الأيام الحرجة قبل دخول الشتاء حيث تصبح الأمور
صعبة جداً. فالبدار البدار لنجدة إخواننا في العقيدة والدين.
محاضرات إسلامية
الصحوة الإسلامية وأزمة المثقفين في ديار الإسلام
(2)
جمال سلطان
قدمنا في القسم الأول من هذه المحاضرة، الحديث عن أهم معالم
الإيجابية في الصحوة الإسلامية الجديدة، وهي أيضاً المعالم التي تكشف لنا أبعاداً من أزمة الثقافة في ديار الإسلام، تلك الثقافة التي تأسست في تاريخنا الحديث على فكر الاغتراب وأدب الاغتراب وقيم الاغتراب، وكانت في قسمها الأعظم - على عداء ظاهر أو مُستخف للإسلام، وتاريخه وشريعته وتراثه ورموزه. وهذه الحقائق التي أبرزناها في (حركة الثقافة) المعاصرة في ديار الإسلام، والتي تشرح لنا أسرار هذه اللوحة الساخرة من الأقوال والمواقف التي تصدر عن ثقافة العلمانية والاغتراب بكل تياراتها ومذاهبها، والتي نذكر منها بعض الشوارد على سبيل التمثيل للأزمة والتأسيس للقياس:
- طوال العقود الماضية، كانت الديمقراطية هي شعار الثقافة العلمانية، على
اختلاف مذاهبها، من أقصى اليسار (الماركسية) حتى أقصى اليمين (الليبرالية)
حتى إن أعتى منظري الديكتاتورية الناصرية وما شابهها، كانوا يرفعون شعار
الديمقراطية، وقد طغى هذا الشعار على الخطاب السياسي والفكري في السنوات
الأخيرة بشكل صارخ حتى وقعت واقعة الجزائر، وأجريت تجربة ديمقراطية حرة
نظمتها الحكومة، ورتبت دوائرها، واحتاطت لنفسها باعتقال قادة الإسلاميين
ومهدت لها بحملة إعلامية لتشويه صورتهم، ثم كانت النتيجة- كما نعلم - الفوز
الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأعلن الشعب الجزائري المسلم بوضوح مذهل
وبحسم رائع، أنه لا يريد سوى هؤلاء يحكمونه ويقودون البلاد.
وهنا انقلبت تيارات الفكر العربي بزاوية مائة وثمانين درجة، لنرى دعاة
الديمقراطية بالأمس، ومن جعلوها ديناً، وقدساً مقدساً، أكثر الناس خوفاً منها،
وأول الدعاة للكفر بالديمقراطية، وأول المنادين بتأجيل (الخيار الديمقراطي) وما
ذلك إلا لأن (الإسلام) ومنهجه يوشك أن يحكم، وتحالف العلمانيون واليساريون
ودعاة التقدم، وتحرر المرأة، والليبراليون والقوميون والعرقيون تحالفوا مع
اللصوص والمفسدين والطغاة والجنرالات ومع الغرب الصليبي ليقفوا صفاً في وجه
الشعب وفي وجه الإسلام ودعاته ورجالاته، وأصبح الشعب الجزائري، بل
الشعوب العربية كلها: منذ ذلك الحين - متهمة في عقلها، وفي وعيها، وفي
قدرتها على الاختيار لا لشيء إلا لأنها اختارت الإسلام، ولم تختر الشيوعيين أو
اللصوص أو الملاحدة أو دعاة الفتنة العنصرية.
هذه الفضيحة التاريخية ما زالت أصداؤها تتردد، شاهدة على (خيانة) الثقافة
العلمانية والمغتربة للشعوب، ومجاملتها الصريحة للطغاة والمستبدين، بل كشفت
صراحة عن كون ثقافة العلمانية هي الحليف الطبيعي للاستبداد في بلاد المسلمين.
- الخلاف واضح - كما نعلم - بين الجبهة الإسلامية في السودان التي تدعم
الحكومة السودانية، وبين المعارضة السودانية علمانية وصليبية وشيوعية
وعنصرية وقد يكون محور الخلاف الأكبر الذي عبرت عنه المعارضة ذاتها، ربما
مغازلة للقوى الغربية المتوثبة على كل ما هو إسلامي، هو (تبني الحكومة
للمشروع الإسلامي) بغض النظر عن تفصيلات الأمر، ولا بأس من حيث
مقتضيات الخلاف السياسي بمفهومه العلماني في ذلك الخلاف والمعارضات، أما
الأمر الذي يخرج عن حدود الخلاف المشروع في أي ملة وأي مستوى ثقافي أو
حضاري، أن يتنادى مثقفون سودانيون وينادون بالتدخل الاستعماري في السودان
لإزالة الحكومة القائمة وإحلال المعارضة الوطنية (الشريفة) مكانها! ! لقد تحالف
المثقفون السودانيون العلمانيون والشيوعيون مع العنصري المرتزق - إسرائيلياً
وأمريكياً - جون قرنق بدعوى التحالف مع فصائل سودانية، فبأي منطق إذن
يتحالفون مع الصليبية العالمية والغرب الطافح حقداً على الإسلام والمسلمين، وهو
ما ينجلي الآن في البوسنة غيرها، ما معنى المشروعية في التحالف معه لضرب
أبناء وطني وديني بمن اختلف معهم، وبأي مسوغ أطالب بالقفز على كرسي الحكم
من فوق دبابات الاستعمار؟ ! .
- سمعنا- بلا شك - بالمأساة التي وقعت في تركيا مؤخراً، من ثورة غضب
شعبي عارم أدت إلى مقتل ما يقارب الأربعين شخصاً بخلاف الإصابات، وكان
سبب الموقعة أو (الفتنة) أن العلماني المخضرم (عزيز نسين) رأى أن ما يحيق
بالشعوب المسلمة أو المستضعفة ومنها الشعب التركي المسلم، ليس هو ما يحدث
في البلقان - منطقة الخطر الأولى تاريخياً على تركيا، وما يحدث في البوسنة
والصومال وأذربيجان وغيرها من ديار المسلمين، ولا هو الغارة العنصرية واسعة
النطاق التي تجتاح أوربا اليوم، ويروح ضحيتها- في ألمانيا خصوصاً- الأتراك
المسلمون.
المثقف المستنير (عزيز نسين) رأى أن ذلك كله (لعب صبيان) أما
الضرورة التاريخية الملحة، والمخرج من هذا الحصار الخطير، يكمن في ترجمة
رواية (آيات شيطانية) لسلمان رشدي، وعقد ندوات حولها فننعم بسب دين الله،
وتحقير مقدسات المسلمين، وسب الشعب التركي ذاته، وأخيراً إشعال فتنة
أزهقت فيها الأرواح ودمرت فيها البلاد. لقد رأى المثقف العلماني - بغباء أو
تغابي أن الطريق إلى النهضة وتحريك الأمة وصد غارات المستكبرين، ليس إلا
طريقاً واحداً أو بوابة واحدة، هي بوابة الشيطان وآياته.
- الشيء نفسه أو قريب منه قام ويقوم به العلمانيون والشيوعيون في مصر
الآن، حيث أصدر العلماني النصراني (غالي شكري) ملفاً كاملاً في مجلة (القاهرة) أه م مجلة ثقافية مصرية الآن، أرش مجهولون) رئاسة تحريرها إلى نصراني علماني مشبوه، تاريخه حافل بروائح العفن الصحفي والسياسي والفكري، من أول اشتغاله بمجلة (حوار) التي كشف النقاب عن تمويلها مباشرةً من
(المخابرات الأمريكية) ، الصحفي وليد أبو ظهر في (الوطن العربي)[*] هذا
المشبوه، دون غيره من مثقفي مصر، يوكل إليه رئاسة أخطر مجلة حكومية ثقافية والرجل كان عند الظن به، فأصدر ملفاً في المجلة، عن (التنوير) جعله كله للدفاع عن سلمان رشدي، وعن نظير له محلي، يُدعى (نصر أبو زيد) وحاول المشبوه أن يقنع أسياده بأنه - هو والنصراني العلماني - ينور الشباب المسلم ويجذبهم إلى (الاستنارة والعقلانية) بعيداً عن التطرف الإسلامي والأصوليين.
- التحالف الشيوعي العلماني في مصر، يتوسد الآن معظم المنافذ الإعلامية
والثقافية الرسمية، وفي زفة مواجهة التطرف الديني، وضعوا خطة (للتنوير) كان
قوامها إعادة طبع ونشر كتابات (السلف العلمانيين) التي كتبت منذ مائة عام أو
يزيد لقاسم أمين وعبد الرحمن الكواكبي وأحمد لطفي السيد ورفاعة الطهطاوي
وعلي عبد الرازق وأيضاً (سلامة موسى) وكان الأمر ليس مثيراً للدهشة أن يوكل
أمر هداية الشباب المسلم إلى نصراني مصري فما بالك إذا كان من نمط سلامة
موسى، الذي يحمل كل احتقار ورفض لكل ما يمت إلى العرب والمسلمين بصلة؟
- في مصر الآن حركة غريبة ومفاجئة، بقدر ما هي مثيرة للفرح والبشر،
وتلك هي توبة نفر من الرموز الفنية الكبيرة والشهيرة - ولا سيما الفنانات -
ورفضهم التمثيل جملة وتفصيلاً، وإعلانهم البراءة من هذا الوسط المتعفن، والتزام
الفنانات منهن بالحجاب والطهر، واشتغال العديد منهم ومنهن بالدعوة إلى الله،
خاصة في أوساط الشرائح الاجتماعية المترفة وفي أوساط النساء، هذه الظاهرة
التي يفرح لها وبها كل مؤمن أثارت حقداً مريراً، وغيظاً طافحاً، في نفوس رموز
الثقافة العلمانية، ليس في مصر فقط، بل في أنحاء كثيرة من البلدان العربية، وقد
قاد التحالف (العلماني/الشيوعي) وأذناب الغرب، قادوا حملة تشويه بشعة ضد
هؤلاء التائبين وبخاصة التائبات، وقد روجوا إشاعات عديدة عنهن، منها
حصولهن على مبالغ مالية طائلة من بعض الأثرياء لكي يعتزلن الفن، ومنها الغمز
بأنهن مريضات وقد ضعفت نفوسهن أمام المرض، ومنها القول بأنهن تبن عن
(انحرافات شخصية) وليس عن التمثيل والوسط الفني، وكان الوسط الفني هو
المجال الطاهر والمطهر والنزيه الشريف الذي زاد طهراً ونقاء بخروج هؤلاء
المنحرفات عنه.
هذا بالرغم من أن رائحة العفن في هذا الوسط هي من الانتشار والذيوع إلى
الحد الذي يستحيل على عاقل إنكاره أو تجاهله، ولكن الثقافة العلمانية وأذناب
الغرب في ديارنا أَبوا إلا أن يقولوا ما قال المجرمون في الزمن القديم:
[أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] .
وعبثاً في هذا الخضم المظلم أن تسألهم عن الحرية الشخصية، وحقوق
الإنسان! .
- هذه الحادثة تذكرنا بما وقع في الأردن منذ أشهر قليلة، عندما هاج
العلمانيون وماجوا، وندبوا التحضر والاستنارة، لأن قراراً صدر بالفصل بين
الجنسين في حمامات السباحة حتى لا يرى الرجال والنساء بعضهم بعضاً عرايا،
واعتبروا ذلك ردة حضارية، وعودة إلى (القرون الوسطى) أي والله هكذا قالوا.
- هناك - أيضاً - قضية المجاهدين العرب في أفغانستان، وهي قصة من
أروع قصص الجهاد والبطولة في تاريخ العرب والمسلمين الحديث كله، فلما فتحت
ساحات الجهاد في أفغانستان، بعد أن سدّها (المغاوير) على حدود فلسطين،
واعتقلوا كل من تسول له نفسه المساس بأمن إسرائيل، لما فتحت ساحة الجهاد في
أفغانستان هرع الشباب المسلم من العرب وغير العرب يقاتلون في سبيل الله
ويدافعون عن أرض الإسلام، حتى منّ الله عليهم بالنصر المبين، والذي لا يقلل
من شأنه أبداً ما كان أو يكون بعد ذلك من خلاف وشقاق بين الأفغان أنفسهم. المهم
في القضية أن هؤلاء المجاهدين، في مجموعهم ساخطون على حكومات بلدانهم،
ومعارضون لسياساتها ونهجها، ومن جهة مقابلة، خافت بعض هذه الحكومات من
عودة هؤلاء المجاهدين، وقيامهم بأعمال عنف، وهم على كفاءة قتالية عالية،
فوقعت هذه الموجة العارمة من التحذير من هؤلاء (الأفغان) ، وركب العلمانيون
الموجة، وتوطنت ثقافة التخريب في جروح المجتمعات، لتعمق الجروح، وتعزز
الأوجاع، وتوسع نطاق الفتنة، إضافة إلى هذا الانحطاط العجيب في (الحديث عن
هؤلاء المجاهدين، بجعلهم عملاء لأمريكا، أو عملاء لباكستان أو مجرد مرتزقة،
وبعد أن كانت مثل هذه الشتائم وقفاً على الشيوعيين العرب العميل المعتمد للاتحاد
السوفيتي سابقاً، أصبح الأمر مشاعاً واجتذب سوق الشتائم السياسية ليبراليين
وقوميين ومحافظين وغيرهم.
إن الحقيقة التي سجلها التاريخ واعترافات الشرق والغرب بروعة هذه الملحمة
التي شهدتها أرض أفغانستان إنما تنطق بمعنى واحد لسياقنا الحالي وهو: أن شسع
نعل أحد هؤلاء المجاهدين العرب لو مسح بوجه علماني من هؤلاء الموتورين
لطهره، وما كنا لنتوقف عند هذه الترهات لثقافة العلمانية، لولا ضرورات السياق
لتسجيل مشاهد على أزمة المثقفين في ديار الإسلام.
- وأخيراً - نذكر- من مُلح مواقف وتصريحات المثقفين العلمانيين - ما
صرح به من سمي (الأمين العام لحزب التجمع الوحدوي التقدمي) المصري، وهو
أكاديمي ورمز شيوعي سابق تداولت الصحف اسمه في أعقاب فضيحة نشر وثائق
المخابرات السوفيتية فيما يتعلق بالرواتب التي كانت تدفعها الـ (كي جي بي)
للتقدميين المعروفين في العالم الثالث.
الرجل زار تونس منذ وقت ليس بالقصير، وقد أعلن عبر أجهزة الإعلام
التونسية أنه يطالب بجعل يوم تولي الرئيس (زين العابدين بن علي) للسلطة في
تونس (يوم عيد) ليس عيداً تونسياً وحسب، بل عيداً للعرب جميعاً.
وسبب ذلك أنه - في نظره - نجح في قمع الأصولية في بلاده! ..
(*) لقد سبق الصحفي والكاتب المعروف (محمد جلال كشك) أن كشف هذا الأمر في مجلته السابقة الشعب والأرض) - البيان -.