المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أحكام التشهير .. محمد عبد العزيز الخضيري   إن مما يكثر فيه الخلط بين - مجلة البيان - جـ ٧٠

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌أحكام التشهير .. محمد عبد العزيز الخضيري   إن مما يكثر فيه الخلط بين

‌أحكام التشهير

..

محمد عبد العزيز الخضيري

إن مما يكثر فيه الخلط بين طلاب العلم حكم التشهير، وهل هو حرام بإطلاق

أم أن الأمر فيه تفصيل، ولذلك أحببت بيان هذه القضية بإيجاز، فأقول:

التشهير: هو إذاعة السوء عن شخص أو جهة كمجلة أو مدرسة أو دائرة أو

مكتبة أو غير ذلك.

أحكامه: يختلف حكم التشهير باختلاف من شُهر به، وإليك بيان ذلك على

وجه التفصيل:

1-

الأصل أن تشهير الناس بعضهم ببعض بذكر العيوب والتنقص من

الأشخاص حرام.

أ - لأنه غيبة، والله يقول:[ولا يغتب بعضكم بعضْا][1] ورسول الله

صلى الله عليه وسلم يبين معنى الغيبة بقوله: «ذكرك أخاك بما يكره..» [2]

ب - ولأنه أذية، وقد قال الله عز وجل: [والذين يؤذون المؤمنين

والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناْ وإثمْا مبيناْ] [3] قال ابن كثير:

«أي ينسبون إليهم ما هم بُرآء منه، لم يعملوه، ولم يفعلوه، يحكون عن المؤمنين

والمؤمنات ذلك على سبيل العيب والتنقص منهم، وقال رسول الله -صلى الله عليه

وسلم-:» أربى الربى عند الله استحلال عرض امرئ مسلم، ثم قرأ [والذين

يؤذون المؤمنين والمؤمنات

الآية] «. [4] وقد قيل في معنى قوله -صلى الله

عليه وسلم-» من سمّع سمّع الله به «:» أي من سمّع بعيوب الناس وأذاعها

أظهر الله عيوبه «.

ج- ولأنه إشاعة للفاحشة، وقد قال الله تقدس اسمه: [إن الذين يحبون أن

تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا

تعلمون] . [5] وقد شنع الله تعالى على الذين رموا عائشة بالإفك كذباً وزوراً

وتوعدهم بالعذاب الأليم.

وسواء أكان التشهير بحديث المجالس أو نظم هجاء من الشعر قال ابن قدامة:

» ما كان من الشعر يتضمن هجو المسلمين والقدح في أعراضهم فهو محرم على

قائله «.

2-

إن كان المشهّرُ به بريئاً مما يشاع عنه، فهذا هو الإفك والزور والبهتان

والإثم المبين، وأدلة تحريمه قد سبق بعضها.

3 -

إذاكان المُشهّرُ به يتصف بما قيل فيه، لكنه لا يجاهر به ولا يقع به

ضرر على غيره، فالتشهير به محرم؛ لأنه غيبة وأذى وإشاعة للفاحشة، ومن

المقرر شرعاً: أن السّتر على المسلم واجب لمن ليس معروفاً بالفساد، قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم:» أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود «. [6]

وقال صلى الله عليه وسلم:» من ستر مسلماً ستره الله عز وجل يوم

القيامة «. [7] قال النووي في شرحه:» وهذا الستر في غير المشتهرين «، والواجب في مثل هذا نصحه لا فضحه.

4-

يحرم تشهير الإنسان بنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

» كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره الله عز وجل، ويصبح يكشف ستر الله عز وجل عنه «. [8] ومن أصاب فاحشة فليستر على نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله «. [9]

5-

من جاهر بالمعصية جاز التشهير بفسقه، لأنه لا يستنكف أن يذكر

بمعصيته، قال أحمد:» إذا كان الرجل معلناً بفسقه فليست له غيبة «.

6 -

إذا كان التشهير على سبيل نصيحة المسلمين وتحذيرهم: كجرح الرواة

والشهود، والتشهير بمن لا يحسنون الفتيا، أو يكتبون فيما لا يعلمون أو المبتدعة،

أو ممن يتظاهرون بالعلم وهم فسقة أصحاب سوء وفتنة فهو واجب.

قال القرافي [10] :» أرباب البدع والتصانيف المضلة ينبغي أن يشهر في الناس فسادهم وعيبهم، وأنهم على غير الصواب ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقعوا فيها

بشرط أن لا يتعدى فيها الصدق، ولا يفترى على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة، فلا يقال في المبتدع: إنه يشرب الخمر ولا أنه يزني ولا غير ذلك مما ليس فيه، ويجوز وضع الكتب في جرح المجروحين من الرواة.. بشرط أن تكون النية خالصة لله تعالى في نصيحة المسلمين في ضبط الشريعة، أما إذا كان لأجل عداوة أو تفكه بالأعراض وجرياً مع الهوى فذلك حرام، وإن حصلت به المصلحة عند الرواة «، وفي مغني المحتاج [11] : ينكر على من تصدى للتدريس والفتوى والوعظ وليس هو من أهله ويشهر أمره لئلا يغتر به» .

7 -

يجب على الحاكم إشهار إقامة الحدود، قال تعالى: (وليشهد عذابهما

طائفة من المؤمنين «. [12] قال الكاساني [13] :» والنص وإن ورد في حد

الزنى لكن النص الوارد فيه يكون وارداً في سائر الحدود دلالة؛ لأن المقصود من

الحدود كلها واحد، وهو زجر العامة، وذلك لا يحصل إلا وأن تكون الإقامة على

رأس العامة؛ لأن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة، والغائبون ينزجرون

بإخبار الحضور، فيحصل الزجر للكل «.

(1) الحجرات، آية (12) .

(2)

أخرجه أبو داوود والترمذي، وقال: هذا حديث صحيح.

(3)

الأحزاب، آية (58) .

(4)

رواه أحمد وأبو داوود.

(5)

النور، آية (19) .

(6)

رواه أحمد.

(7)

رواه مسلم.

(8)

رواه البخاري ومسلم.

(9)

رواه مالك والبيهقي والحاكم وصححه.

(10)

الفروق (4/206) .

(11)

مغني المحتاج (4/211) .

(12)

النور، آية (2) .

(13)

بدائع الصنائع (7/60) .

ص: 18

خواطر في الدعوة

مزالق الطريق

محمد العبدة

ليس المصلح من يُعَلّم الناس الخير، ويلقنهم حب الفضائل، ويتعلمون منه

أنواع العلوم فيحفظونها ويطبقونها، ولكن من يحتاط ويحترس، ويخشى من زغل

العلم ودخائل النفس وخباياها، فينبه إلى المزالق، ويقطع على تلامذته طرائق الفهم

الخاطئ، أو وضع الكلام على غير مواضعه، وذلك لأن للنفوس عاهات تعتريها

من شغف بالغرائب، وحب للظهور والتعالم، فالمربي هو الذي يحرس هذا العلم

من أن تتلاعب به الأهواء فتحمله على ما تريد وتصل به إلى مدى لا تحمد عقباه،

كما يحرسه من أنصاف المتعلمين الذين لم يرسخوا فيه.

وعندما تطلق العبارات العامة أو المجملة دون تخصيص أو تفسير فإن الناس

يحملونها على غير محملها؛ وهذا ما يربك الأفهام، وخاصة إذا تعلقت بأمر من

أصول العقائد كالولاء والبراء، أو الإيمان والكفر أو بالمفاهيم الأساسية للإسلام.

ومن هنا ينشأ التفرق والاختلاف، وتتشعب الآراء والأفكار، وذلك لنقص العملية

التربوية.

إن منهج الاحتراس وسد الكُوى منهج قرآني جاءت به آيات كثيرة، قال

تعالى: [لا يستوي القاعدون من المؤمنين، غير أولي الضرر، والمجاهدون في

سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين

درجة وكلاْ وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراْ عظيماْ] [1]

وقال تعالى: [فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله

رمى] . [2]

وهو منهج نبوي، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم يعيد الكلمة ثلاثاً

لتعقل عنه ومن صفة كلامه أنه بين فصل يحفظه من جلس إليه، وقد عَلّم المسلمين

التأدب مع الأنبياء حتى لا تقع منهم الهفوة ولو كانت غير مقصودة، قال -صلى الله

عليه وسلم-: «ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن مَتى» وعندما

قال له رجل: يا رسول الله يا خير البرية، قال:«ذاك إبراهيم» .

وهذا منهج سلفي، فقد خشي التابعي الفقيه عبيدة السلماني أن يضع الناس

كتبه على غير مواضعها، فدعا عند موته إلى محوها ورعاً، وقد تكلم الحسن

البصري بكلمة حملت على أنها مغايرة لمنهج أهل السنة، قال ابن عون: «لو

علمنا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتاباً وأشهدنا عليه شهوداً، ولكن

قلنا: كلمة خرجت لا تحمل» .

إن في العالم الإسلامي اليوم نهضةً علميةً، وطلبة علم حريصين كل الحرص

على تلقيه وحفظه، وهم حريصون على لقاء العلماء والمربين، فإذا لم يكن العالم

ربانياً عارفاً بدخائل النفوس، يعطي طالب العلم ما يحتاجه ويعيه كان عاقبة ذلك

الغلو والتفرق، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وهذا أمر لا يسر من كان همه

مصلحة الدعوة وانتشار الإسلام، وإذا كانت هذه الآفات موجودة في واقعنا اليوم،

فكم نتمنى على المربين التنبه لها، وسد هذه الثغرة ليكون البناء سليماً.

(1) النساء، آية (95) .

(2)

الأنفال، آية (17) .

ص: 22