المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حتى لا ننسى البوسنة والهرسك - مجلة البيان - جـ ٧٠

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌حتى لا ننسى البوسنة والهرسك

المسلمون والعالم

‌حتى لا ننسى البوسنة والهرسك

مراجعة شاملة للقضية

د. يوسف الصغيّر

أثناء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في جدة، لبحث مأساة المسلمين في البوسنة، كانت قضية السلاح الذي يمنع عن المسلمين على رأس الأولويات ولهذا سارع

اللورد الانجليزي «ديفيد أوين» بالحضور إلى المؤتمر، ولا أدري هل كان

مدعواً أم لا، ولكنه لم يستح فأبدى معارضته لرفع حظر السلاح عن المسلمين لأن

هذا لا يساعد على حل الأزمة كما زعم، وهذه نظرية غريبة لم يتم تطبيقها من قبل

بل ولا يجري تطبيقها الآن إلا في البوسنة، ومع ذلك تنازل المؤتمر وأعطى

المجتمع الدولي مهلة إلى الخامس عشر من يناير الذي يلي المؤتمر لاتخاذ

الاجراءات المناسبة، وذلك حرصاً من المؤتمر على أن تكون تصرفاته منسجمة مع

الشرعية الدولية التي يمثلها أوين الذي لم يكن يتوقع أن يصمد المسلمون إلى ذلك

التاريخ، ولكن إرادة الله غالبة فقد أبلى المسلمون بلاءً حسناً ووقفوا أمام جحافل

الكفر المدججة بالسلاح طويلاً، ومر 15 يناير الموعود وتتالت الأشهر بعده والقتال

على أشده، ومازالت الأقطار الإسلامية تنتظر من الشرعية الدولية أن تغير رأيها

وتتكرم برفع حظر السلاح عن المسلمين وهو ما لا أظن أنه سيحدث لأن هذا موقف

مبدئي لكل من بريطانيا وفرنسا وروسيا حتى إن أمريكا التي تتصرف في كل مكان

بدون النظر إلى مواقف الدول الأخرى، وجدت نفسها في هذا الجزء من العالم

بالذات تسلم بوجهة نظر بريطانيا، وتترك القيادة بيد دول المجموعة الأوربية لحل

المشكلة، والتي أرى أنها من التعقيد بحيث أن ما يجري من إذلال وقهر وسلب

للمسلمين سيكون له أوخم العواقب على المنطقة حيث أنه يمكن اعتبار المسلمين

عامل توازن مهم في المنطقة، وبخاصة بعد سقوط الشيوعية وعودة التحالفات

القديمة إلى الظهور وهي التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الأولى، والتي

انطلقت شرارتها من سيراييفوا نتيجة للصراع بين الصرب ومنافسيهم على النفوذ

في المنطقة، وهم النمساويون الذين يمثلهم الكروات.

والصراع في البوسنة هو مظهر من مظاهر الصراع بين الصرب والكروات

وحل قضية البوسنة سيؤدي بالضرورة إلى اندلاع صراعات متتالية سيكون الصرب

طرفاً رئيساً فيها حيث إنهم ينتظرون الانتهاء من البوسنة، حتى يلتفتوا إلى قضايا

أخرى معلقة مثل مناطق كوسوفو وسنجق ومقدونيا وكرايينا، حتى يتم لهم حلمهم

بإقامة صربيا الكبرى.

مسلمي البوسنة بين فكي الكماشة:

من المعلوم أن الأحداث في جمهورية يوغسلافيا السابقة بدأت بانفصال

سلوفينيا وكرواتيا عن يوغسلافيا التي يسيطر عليها الصرب؛ مما أدى إلى قيام

الصرب باحتلال ثلث مساحة جمهورية كرواتيا، وقد تدخلت الأمم المتحدة وأرسلت

قواتها من أجل تثبيت الوضع على الأرض في كرواتيا، أي استمرار احتلال

الصرب لأجزاء من كرواتيا، واستمر الصراع بين الكروات والصرب ولكن على

أرض جمهورية البوسنة والهرسك الوليدة التي يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان،

وقام الصرب بتكرار ما فعلوا في كرايينا، ولكن بوحشية فاقت كل التصورات،

لأن المسلمين أخذوا على حين غِرّة ولم يكونوا يملكون من السلاح ما يدافعون به

عن أنفسهم، وبدأ مسلسل من القتل والاغتصاب والتدمير والطرد يتناسب مع

المباديء الحضارية التي يتميز بها الأوربيون والتي ورثوها عن أسلافهم،

واستبسل المسلمون في الدفاع وقام الكروات في البداية بلعب دور الحليف مما مكّن

المسلمين من استرداد أجزاء كبيرة كانوا فقدوها في البداية، ولكن بدأت محاولة لحل

الأزمة بين الصرب والكروات وذلك بتعويض الكروات عما فقدوه في كرواتيا

بأراضي المسلمين في الهرسك، وقد بارك هذه الفكرة الشيطانية كل من زعيمي

البلدين.

وقد بدأت القوات الصربية والكرواتية تقوم بعمليات مشتركة ضد المسلمين

الذين على الرغم من الحصار عركتهم الحرب فأصبحوا أصلب عوداً وأقدر على

المواجهة.

الحرب الدبلوماسية:

لقد كانت الأمم المتحدة عاملاً مهماً في استمرار وتفاقم مأساة المسلمين في

البوسنة، ففي البداية كان بطرس غالي يرفض إرسال قوات الأمم المتحدة إلى

البوسنة وفي نفس الوقت يفرض حظراً على السلاح، لا يتضرر منه إلا المسلمون، ثم أرسلت قوات الأمم المتحدة وتصرفت كأن مهمتها تنحصر في التفرج على

المذابح، مع مرافقة قوافل الإغاثة، والموافقة على دفع الإتاوات إلى الصرب

والكروات، وتصل نسبة ما يأخذه الصرب من نصيب المسلمين أثناء مرور القوافل

على حواجزهم إلى 70% من الشحنات، مع العلم أنهم يأخذون نصيبهم كاملاً من

الإعانات حيث إنها توزع على الجميع، وإذا أراد الصرب أو الكروات منع

الإمدادات عن منطقة فلهم ذلك وعلى الأمم المتحدة إسقاط المؤن من الجو على

المحاصَرين في المدن، ومن لم تقتله الطرود أثناء سقوطها فهو معرض لنيران

المُحاصِرين أثناء محاولة البحث عنها، وإذا نسيتُ فلن أنسى أنه أثناء تلك المجازر

الرهيبة التي ارتكبها الكروات في «فيتيز» نشرت إحدى الصحف صورة جندي

من الأمم المتحدة يطل من فتحة في إحدى الخيام: بينما التعليق يقول العين بصيرة

واليد قصيرة، وقد أصبح وجود قوات الأمم المتحدة وسلامتها ذريعة لمنع قيام أي

عمل جدي ضد الصرب.

إن جمهورية البوسنة والهرسك هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي تصبح

عضواً في الأمم المتحدة، ثم تعمل الأمم المتحدة جاهدة على وأدها في مهدها،

وبالاستعراض السريع لمجريات الأحداث من الناحية السياسية: فإننا نجد أنه على

الرغم من تتابع الوسطاء الدوليين من اللورد كارينجتون إلى اللورد أوين إلى

سايروس فانس إنتهاءً بـ شتولتنبرغ، فإن تقويض أركان الجمهورية تدريجياً كان

هو السياسة الثابتة، ففي البداية كانت المعضلة هي جمع الأطراف حيث إنه بعد

انفضاح جرائم التطهير العرقي ومعسكرات الاعتقال التي حاولت أمريكا والأمم

المتحدة التستر عليها، أعلنت أمريكا لائحة بمجرمي الحرب ومنهم «رادوفان

كاراديتش زعيم صرب البوسنة إضافة لرفض حكومة البوسنة الاعتراف بهم

واعتبارهم متمردين، وقد قامت المجموعة الأوربية والأمم المتحدة بالضغط الشديد

على المسلمين والذي يتوافق دائما مع ضغط عسكري صربي حتى رضخت

الحكومة البوسنية ودُفِعَ الرئيس» علي عزت «إلى الرضى بمقابلة كارادينش،

وحيث بدأت المفاوضات وبدأ الوسطاء يعاملون مجرم الحرب كاراديتش على قدم

المساواة مع رئيس الدولة (أي أن مجرم الحرب يمثل فئة ورئيس الدولة ينظر إليه

على أنه يمثل فئة أخرى هي المسلمون وليس الدولة البوسنية) ، وتتابعت المشاريع

التي لا يقصد منها القبول أو الرفض بل القصد منها الحصول على تنازل المسلمين

عن أرض أو مبدأ، ففي البداية عقد مؤتمر لشبونة وطرح مشروع تقسيم الجمهورية

إلى 109 من الدوائر الإدارية وتقسيمها بناءً على أغلبية السكان وحصل بموجبها

المسلمون على 49. 43 % من أراضي الجمهورية بينما حصل الصرب على

72.

43% وحصل الكروات على الباقي، ويبدو أن الهدف هو فقط إقرار مبدأ التقسيم ولهذا سرعان ما طرحت مبادرة (فانس/ أوين) التي تنص على تقسيم البوسنة إلى عشرة أقاليم ترتبط بسيراييفوا بعلاقات واهنة والأسس الدستورية الجديدة هي:» كانوا يأتون للصلاة وينصرفون بهدوء ويعبرون عن ما في صدورهم في ستكون جمهورية البوسنة والهرسك دولة ذات سيادة وحكومة مركزية محدودة الصلاحيات وذات دستور يعترف بالشعوب الثلاثة المكونة لها، إضافة إلى المجموعات الأخرى، مع انتقال غالب الصلاحيات الأساسية من الحكومة إلى إدارات المناطق «، وتنحصر مهمة الحكومة المركزية في إدارة الأمور الخارجية والحفاظ على النظام النقدي.

ورافق المحادثات حول الاتفاق دعاية كبيرة وتم الضغط على المسلمين بشدة

للتوقيع، وأظهر الصرب التمنع لأنهم يطمعون في أكثر من ذلك، وبعد أخذ ورد

ومناورة تم التوقيع، وكان أهم نتائج الاتفاق قيام الكروات بالعمل على تنفيذ الاتفاق

فيما يخصهم، أي طرد المسلمين من المناطق التي منحت لهم بينما بقيت مناطق

المسلمين في يد الصرب، وزادت حدة المعارك وبدأت أمريكا تلوح بالقيام بالتدخل

عن طريق الضربات الجوية، وبدأت تطالب برفع الحظر عن المسلمين، وجوبهت

التصريحات الأمريكية بمعارضة شديدة من بطرس غالي وبريطانيا وفرنسا وأعلنت

روسيا أنها ستستخدم حق» النقض «ضد أي قرار يسمح بتسليح المسلمين، ثم

خرجت الأمم المتحدة بقرار المناطق الآمنة وهو يعني أولاً قتل مشروع فانس أوين، وثانياً يعني حصر المسلمين في مناطق منزوعة السلاح يحيط بهم الصرب

المدججين بالسلاح مما يجعلهم مهددين على الدوام، إضافة إلى عدم إمكانية استمرار

الوضع بهذا الشكل طويلاً، حيث إنه لم يحدد من الذي سيتحمل مسؤولية الأمن فيها، وإلى متى وما هي المقومات الاقتصادية لهذه المدن المحاصرة.

وأخيراً فقد انتهز الصرب الفرصة، وبدأوا بسحب قواتهم من بعض المناطق، وتركيزها لشن هجمات جديدة تهدف إلى تأمين الممر الشمالي، وبدأ هجوم واسع

النطاق على جبهة برتشكو.

وفي النهاية تم التحول الكبير، ولا أظنه الأخير حيث أنه بعد فشل مشروع

(فانس/أوين) ، واستقالة» فانس «ممثل الأمم المتحدة وهو وزير خارجية أمريكي

سابق تم تعيين السويدي شتولتنبرغ ممثلاً للأمم المتحدة مع بقاء اللورد أوين

الإنجليزي ممثلاً للمجموعة الأوربية، مما يدل على انسحاب أمريكا من القضية

وتسليمها للأوربيين، وهنا طرح مشروع جديد وذلك بتقسيم البلاد إلى ثلاث دول

تعتمد على الأساس الديني وعرضت الخريطة الجديدة باسم الوسيطين الدوليين أوين

وشتولتنبرغ وهي في الأصل خريطة اتفق عليها أولاً رئيسا صربيا» سلوبودان

مليوسفيتش «وكرواتيا» وفرانيو توجمان «، نعم إنهما رئيسا صربيا وكرواتيا

وليسا زعيمي صرب وكروات البوسنة، وقد اعتمدت الخريطة أساساً على ما هو

واقع على الأرض مع تغييرات طفيفة إضافة لتنازل الصرب للكروات وليس

للمسلمين عن جانب من الأراضي مما يوحي بأنه تعويض لهم عن كرايينا.

وبناءً على المعلومات التي نشرت في مجلة المجتمع بقلم رئيس قسم الخرائط

في وكالة الأنباء البوسنية بَرْنَس علي حوجيتش فإن الخطة الجديدة تقسم الجمهورية

إلى ثلاث دويلات مع وضع سيراييفوا وموستار مدينتين مفتوحتين تحت إشراف

الأمم المتحدة، ويوضح الجدول المرفق مساحات الأراضي المعطاة لكل طرف

بالمقارنة مع الوضع على خطوط القتال بناءً على مصادر الجيش البوسني.

المناطق الوضع الحالي الخطة الجديدة

المسلمون 28.1% 29.90%

الصرب 59.80% 51.70%

الكروات 11.79% 15.80%

سيراييفوا تحت سيطرة المسلمين وضع خاص

موستار بين المسلمين والكروات يمثلان 2.6%

ومن الملاحظات المهمة على هذه الخطة أن الصرب يتنازلون للمسلمين عن

بعض الأراضي، وذلك مقابل تخلي المسلمين عن سيراييفوا عاصمة الجمهورية

التي عجز الصرب عن دخولها، وأيضا تبقى المناطق المحاصرة في شرق البوسنة

معزولة وتتصل ببعضها عن طريق ممر في أراضي يسيطر عليها الصرب، ولا

يوجد منفذ لدولة المسلمين ما عدا ممر يمر بأراضي الصرب إلى كرواتيا، وهذا

معناه أن الدولة ستكون تحت رحمة الصرب والكروات، وقد رفض المسلمون

الخطة بصورتها الحالية وطالبوا بمنفذ على البحر وإعادة الأراضي التي مارس فيها

الصرب سياسة التهجير القصري وهو ما سمى بالتطهير العرقي.

وأنحى أوين باللائمة على المسلمين الذين طالبوا بـ 33 % بدل 29. 9 %

من الأراضي وأعطاهم مهلة عدة أيام للموافقة، وعرض» علي عزت «المشروع

على وجهاء المسلمين الذين قبلوه بالشروط السابقة، وأيضا وافق عليه البرلمان

بنفس الشروط ومن ثم عادت المعارك من جديد، بل لقد قام الصرب بهجوم كبير

على سيراييفو استخدموا فيه الطيران الحربي بكثافة على الرغم من حظر الطيران

في البوسنة، وكانت القوات الدولية تكتفي بالتفرج على الصرب وهم يقتحمون جبل

(بيلاسنيتشا) وأجزاء من جبل إيجمان المهمين جداً، وقد تمكنت القوات البوسنية

بعد استدعاء القوات المسلمة من وقف تقدم الصرب وبدأت أمريكا بتهديد الصرب

بضرب مواقعهم، وهنا اعترض بطرس غالي وصرح أن أمر الهجوم هو من

صلاحيات الأمين العام فقط، وأيضا فقد انسحبت القوات الصربية من بعض

مواقعها وحلت محلها قوات فرنسية بدعوى الفصل بين القوات، ولكن الهدف

الرئيس هو منع ضرب مواقع الصرب، التي تداخلت مع الصرب (الزرق) وهو

الاسم الذي يطلقه المسلمون على الجنود الفرنسيين في البوسنة.

وقفات:

*يلاحظ أن الصرب والكروات يتمنون موافقة المسلمين على خطتهم

(أوين/شتولنتبرغ) وذلك بسبب ما تعانيه صربيا جراء الحظر الدولي غير المتقن

حيث إن دولاً كثيرة ومنها روسيا وبلغاريا ورومانيا واليونان لا تلتزم به ومع ذلك

فإن تكاليف الحرب قد أرهقتها، وأيضاً بسبب الهزائم المتتالية التي مني بها

الكروات أمام المسلمين بعد غدرهم ومحاولتهم الاستيلاء على مناطق المسلمين في

الهرسك ووسط البوسنة.

* على الرغم من تحالف الصرب والكروات فإن المسلمين صامدون بل

ويقومون بهجمات موفقة بخاصة ضد الكروات.

* يمثل الاتفاق الأخير فرصة لا تعوض للصرب، من أجل إقامة جمهورية

في البوسنة، والتي ستكون مع جمهورية الصرب في كرواتيا اتحاداً مع جمهورية

صربيا؛ لتكوين المرحلة الأولى من صربيا الكبرى.

* ازدياد الضغوط على الرئيس الكرواتي من أجل تحرير بقية الأراضي

الكرواتية وبالتالي فهو بحاجة إلى تعويض سريع عنها.

* يمثل كل من إقليم السنجق الذي يغلب عليه المسلمون البوسنيون وجمهورية

كوسوفو الذي يغلب عليه المسلمون الألبان الهدف الثاني في سبيل إقامة صربيا

الكبرى، ولا تستطيع صربيا تنفيذ المشروع قبل تصفية قضية البوسنة التي طالت

أكثر من المتوقع، حيث إن هناك احتمال دخول ألبانيا الحرب مما يجر اليونان

وبالتالي تركيا، وهذا سيمثل مخاطرة صربية كبيرة، وكما سيمر معنا فإن رئيس

الوزراء اليوناني الجديد صرح باحتمال قيام حرب عامة في البلقان مع دخول دول

كبرى فيها.

* تخبط السياسة الأوربية في البلقان، ففي البداية كان الحديث عن منع قيام

دولة للمسلمين في أوربا ثم أخيراً اقتراح دولة للمسلمين لا تملك مقومات الحياة

اقتصادياً واستراتيجياً.

* استمرار تماسك الصرب مع حلفائهم مع خشية تورطهم في نزاع واسع

حيث إن سعي الصرب إلى جمع صرب المنطقة في دولة واحدة يؤدي إلى سعي

الألبان لنفس الشيء، وأيضاً يوجد منطقة مجرية في صربيا وهي سلسلة من

التداخلات لا تنتهي، فهل يستمر دعم المنظومة الأرثوذكسية للصرب حتى النهاية.

*محاولة أمريكا العودة إلى منطقة البلقان، وذلك بتهديدها للصرب وانتقادها

سياسة الدول الأوربية ومنها بريطانيا وفرنسا.

*الغياب التام للعالم الإسلامي في التأثير على مجريات الأحداث ويقتصر دعم

بعض الدول الإسلامية على ما يسمى بالدعم الإنساني، ولم يتم العمل الجدي على

تسليح المسلمين على الرغم أن الصرب يحصلون على السلاح بسهولة، وليس سراً

حصول الصرب على السلاح من بعض الدول العربية، فمثلاً تم نقل أسلحة من

لبنان إلى صرب البوسنة.

*لقد أدى ثبات المسلمين في ميادين الحرب إلى محاولة شق صفوفهم، وقد

حاول كل من الصرب والكروات تشجيع بعض زعماء المسلمين المشبوهين مثل

» فكرت عبديتش «على إعلان الحكم الذاتي في مناطقهم، مع العلم أن ديفيد أوين قد

حاول خلال المحادثات الأخيرة وبعناد تفريق كلمة المجلس الرئاسي البوسني

ومحاولة تشجيعهم على التمرد على (علي عزت) ، وقد تخلى عن المجلس اثنان من

الكروات وانضموا إلى بني قومهم، وقد نجحت محاولة الصرب والكروات مع

عضو المجلس فكرت عبديتش فأعلن منطقته منطقة حكم ذاتي فأغدق عليه الصرب

السلاح وشجعوه على مواجهة جيش البوسنة، وهناك أيضاً بعض البوادر في مدينة

توزلا وهذا ينظر إليه من جانبين الأول: هو أن الصرب والكروات في حاجة إلى

عملاء في صفوف المسلمين نظراً لتنامي قوتهم وثباتهم، والثاني بداية تمايز

الصفوف حيث خرج رئيس الوزراء الكرواتي، بالإضافة إلى دلالة اجتماع علي

عزت مع زعماء المسلمين للتشاور حول الخطة الأخيرة قبل عرضها على البرلمان

المختلط وخروج المسلمين من قوات الدفاع الكرواتية.

*إذا كانت هيبة الأمم المتحدة قد فقدت في الصومال فإن سمعتها قد فقدت في

البوسنة، فمنذ البداية كان بطرس غالي واضح التحيز إلى إخوانه الصرب، وكان

استبدال القائد السابق لقوات الأمم المتحدة نتيجة أيضا لتواطئه مع الصرب، بل

واتهامه الصريح باغتصاب المسلمات، هذا من ناحية القادة أما الجنود فقد كان

تواطؤ القوات الفرنسية والبريطانية مع الصرب واضحاً، أما القوات الكندية فقد

كانت أغلبيتهم من ذوي الأصول الصربية وانغمس الجنود في سرقة مواد الإغاثة

وبيعها في السوق السوداء إضافة إلى حالات من وقائع الاغتصاب، وقد ابتلي

المسلمون بالصرب الأصليين وبالصرب الزرق.

*إذا كان هناك تخاذل من قبل الحكومات فإن كثيراً من الغيورين قد قاموا

ببعض ما يجب على المسلمين، فمنهم من قام منذ البداية بالجهاد مع إخوانه، وقد

كان لهم أبلغ الأثر في رفع الروح المعنوية للمسلمين هناك ومنهم من انخرط في

أعمال الدعوة والإغاثة وهي لا تقل أهمية عن سابقتها.

إنهم قادمون:

إن العالم اليوم يقف على مفترق طرق، ففي السنوات القليلة الماضية حدثت

تحولات كبيرة مع ظهور الصحوة الإسلامية وتناميها وسقوط الشيوعية حيث بدأت

تظهر علامات على بداية حروب صليبية جديدة، ففي البوسنة يطرح الصرب

أنفسهم كحماة لأوربا من الإسلام، أما بطريرك موسكو فإنه يطرح نفسه حكماً بين

الشيوعيين السابقين» يلتسن وروتسكوي ومسيولاتوف «أما ثالثة الأثافي فهي أن

رئيس وزراء اليونان الجديد ذلك الذي يرفع راية الاشتراكية بدأ يتكلم عن تطلع

الشعوب إلى الجذور ويتحدث عن التحالف المسيحي الأرثوذكسي، ولأهمية هذه

التصريحات التي أطلقها أثناء لقاء أجراه معه مراسل» جلوبال فيوبونيت «

ونشرته الشرق الأوسط في عددها (54445) فإنني أقتطع منه بعض الأسئلة

والأجوبة بنصّها كما نشرت.

س: لقد حقق الصربيون الفوز الآن على أرض المعركة في البوسنة، وفي

هذه الحالة حذر الرئيس الألباني» ساتي بيريشا «من أن الصرب سيتفرغون الآن

للتحرك جنوباً طمعاً في إقامة صربيا الكبرى، و» تطهير «كوسوفو من سكانها

المسلمين الألبان، هل تعتقد أن ثمة شيء من الصواب في هذه النظرة؟

ج: إن الحقيقة في هذا القول تكمن في الآتي: هناك جماعات سياسية

وعسكرية في صربيا تحمل ذهنية» الاندفاع جنوباً «، لكن سلوبودان ميلوسوفيتش

والذين حوله دعنا نسمي هؤلاء بلجراد يدركون بالكامل أن الاندفاع جنوباً يعني

الحرب، ليس فقط الحرب بين ألبانيا وصربيا، بل حرب في البلقان مقرونة بتدخل

من القوى العظمى؛ لذا فإن بلجراد سوف تخسر وجهتها كلية، إذا ما اندفعت جنوباً، وما أخشاه هو أن الحرب يمكن أن تنشب نتيجة استفزاز من الجانب الإسلامي في

كوسوفو الذي يريد أن يتحرر من الصرب، أو من أية قوة عظمى.

س: هل ستسعون إلى إزالة العقوبات المفروضة على الصرب إذا تسلمت

اليونان رئاسة الجماعة الأوربية؟

ج: أسمعْ: إن صربيا تتصرف اليوم في اللحظة الحالية بطريقة تبرر رفع

العقوبات، إن التوجه الرئيس الآن (أكتوبر 1993) في بلجراد هو السلام هناك قلق

من أن يحصل الصرب على حصة أكبر في البوسنة من خلال صفقة معينة، إذا

حصل ذلك فإن من الصعب عملياً رفع العقوبات.

س: إذن جزء من مسعاك الدبلوماسي سيتركز على إقناع الصربيين باعطاء

المزيد من أراضي البوسنة للمسلمين حتى يمكن رفع العقوبات؟

ج: لن أذكر بالضبط ما سنفعله، لكني سأقول: مادامت هذه هي المشكلة

فإننا سنحاول الضغط باتجاه حل سلمي بأسرع ما يمكن.

س: أشرتم إلى أن من بين نتائج تمزّق يوغسلافيا إحياء الصلات القديمة

للتحالف المسيحي الأرثوذكسي أثينا صوفيا بلجراد بوخارست ولربما حتى موسكو،

فهل أن قضايا الحرب والسلام في البلقان لن تتوقف كثيراً بعد اليوم على مؤسسات

مثل حلف الأطلسي والسوق الأوربية، بل ستعتمد على الأسس التاريخية الأعمق

في هذه المنطقة؟

ج: بالطبع أن دور حلف الأطلسي لم يحدد بعد، لذلك فإننا لا نعرف مدى

أثره في المستقبل، هناك أيضاً الجهد الذي تقوم به فرنسا لإقامة تحالف عسكري

أوربي، لكن ذلك مرهون بالمستقبل، والآن بالنسبة لحروب البلقان فإنني أعتقد أنها

أحيت الصلات الأرثوذكسية، وبالطبع فإن انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفياتي

أعاد الدين الأرثوذكسي إلى الحياة اليومية للشعب الروسي صحيح أن هذه مجرد

صلة روحية، إلا أنها تكتسب محتوى حقيقياً مع تبلور التطورات في البلقان، وفي

عالمنا السيّال الدفاق يسعى الناس إلى الهوية والأمن وتتطلع الشعوب إلى الجذور

والصلات للدفاع عن النفس ضد المجهول، وهناك كثرة من الأمور المجهولة في

أوربا اليوم فرئيس وزراء فرنسا» ادوارد بالادور «مثلاً اقترح عقد مؤتمر يعيد

فحص المعاهدات والحدود، ها أنت ترى الأمر حين يطرح رجل دولة كبيرة من

وزن فرنسا مثل هذا الاقتراح أمام السوق الأوربية فإن علينا أن نشعر بالقلق إزاء

التغيرات المرسومة لنا، في مثل هذه الظروف نتطلع إلى روحية التعاضد مع أولئك

الذين يشاطروننا الجذور، لا أقصد بذلك أن روابط المؤسسات في أوربا ما بعد

الحرب أقل شأنا من الصلات الدينية التي تنتعش الآن، إن الأمر يتوقف على

الوجهة التي ستسير فيها أوربا.

س: تتذكرك الولايات المتحدة كعدو لدود لها، دأب على التهديد بطرد القواعد

العسكرية الأمريكية من اليونان. ما رأيك الآن في الولايات المتحدة بعد انتهاء

الحرب الباردة؟

ج: أولا، دعني أذكرك أن آخر حكومة ترأستها هي أول من أبرمت اتفاقية

مع الولايات المتحدة حول القواعد في اليونان، قبل ذلك كان وجود القواعد غير

رسمي، إن أمريكا اليوم ليست مجرد قوة عظمى، إنها القوة الوحيدة العظمى، هذا

واقع قائم، فالأمريكان يصوغون استراتيجيتهم الكونية والبلدان الصغيرة مثل

اليونان لا رأي لها في ذلك، إن المشاكل التي برزت بين اليونان وأمريكا في

الماضي ناجمة عن مثلث واشنطن أنقرة أثينا، وليست بالمشاكل الثنائية، والمشكلة

كما نعرف هي أن اليونان عضو في التحالف الأمني نفسه الذي توجد فيه تركيا

» حلف الأطلسي «، مع ذلك فإن الحلف لا يحمينا من البلد الوحيد الذي يهددنا

(تركيا) . إن هذا الاحتكاك ينعكس على الولايات المتحدة، وإن الموقف الحذر

الحصين الذي اتخذه الأمريكان في البلقان قد بين أنهم يهتمون حقاً بالاستقرار، هذا

يناسبنا تماماً ونتطلع بوجه خاص إلى لعب دور بناء مع الولايات المتحدة في البلقان

مادام ثبات الحدود واستقرارها هدفنا المشترك» .

هكذا تحولت خطة 10 مقاطعات إلى ثلاث دويلات، وما يدرينا لعل الصرب

وهم كما هم أعداء حقيقيون للمسلمين فهم أيضا أعداء حقيقيون للكروات لخلافهم

المذهبي الذي لا يعرف مدى حقيقته إلا من تابع ويتابع ماذا يجري بين النصارى

في إيرلندا من عداء كبير بسبب النزاع المذهبي.

إن الصرب يخططون في النهاية لقيام صربيا الكبرى على حساب غيرهم

وعلى رأسهم المسلمون، لكن هذا بعيد المنال فالكروات لهم من يحميهم وللمسلمين

رب أكبر وأجل، فلا يجوز أن يتطرق لقلب مسلم اليأس مما جرى فإنه مع الابتلاء

والتمحيص يكون النصر والتمكين، وقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم [*] : إن المسلمين سيفتحون القسطنطينية وقد فتحوها وسيفتحون روما وسيكون ذلك بإذن الله لا محالة، ولعل الله أن يجعل في جهاد البوسنويين الطريق إلى تحقيق الأمل الموعود، وما ذلك على الله بعزيز.

(*) أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، ص 7.

ص: 54

المسلمون والعالم

نظرة عابرة على

واقع المسلمين في الهند

(2)

أحمد بن عبد العزيز أبو عامر

التعدي على قانون الأحوال الشخصية الإسلامي:

للمسلمين في الهند قوانين خاصة بأحوالهم الشخصية، منبثقة من تعاليم دينهم، والتي تشمل مسائل الزواج والنفقة والطلاق والإرث.. إلخ، يرعى تطبيقها

مصلحة خاصة يرأسها حالياً (الشيخ أبوالحسن الندوي) ، ومع أنه كانت ترتفع

أصوات علمانية من المسلمين تدعو لدمج ذلك القانون مع القانون العام للأحوال

الشخصية للدولة، إلا أن الحكومة ترفض ذلك ما لم يطالب به المسلمون أنفسهم.

وفي عام 1978 أصدرت المحكمة العليا المركزية حكماً لصالح إحدى

المسلمات بمنحها النفقة من زوجها المطلق لها إلى أن تموت أو تتزوج غيره طبقاً

للمادة (125) من القانون الهندي الذي لا يفرق بين المطلقة والزوجة في النفقة بل

واقترحت المحكمة تعديل (قانون الأحوال الشخصية الإسلامي) ليكون متساوياً مع

القانون الحكومي. يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: إن بقاء قانون الأحوال

الشخصية الإسلامي هو الضمان الوحيد لتمسك المسلمين بصبغتهم الدينية، وسيؤدي

انتهاكه إلى فقدان المسلمين لشخصيتهم شيئاً فشيئاً ومن ثم ضياعهم كما ضاع غيرهم

في بلدان أخرى.

ومما يؤسف له أنه حينما تحرج المسلمون من التحاكم للقوانين الأجنبية

واستفتوا الأزهر عن مدى صحة التحاكم لتلك القوانين.؟ جاءتهم الفتوى، بإمكانية

التحاكم إليها، والعمل بها وإن خلاف ذلك يضيع على المسلمين مصالحهم.

فأخذوا بتلك الفتوى ولا شك أن في ذلك نظراً؛ لأن التحاكم إلى تلك المحاكم

الأجنبية تحاكم إلى غير ما أنزل الله.

ولبيان مناقشة الموضوع باستفاضة يرجع لكتاب (أثر الفكر الغربي في

انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية) د/ خادم حسين إلهي بخش، حيث

ناقش هذه الدعوى بموضوعية ووضع النقاط على الحروف.

الفرق المنتسبة للإسلام بالهند:

يوجد الكثير من تلك الفرق في الهند ومن أشهرها الشيعة الجعفرية والبهرة

الإسماعيلية والقاديانية والبريلوية والقرآنيون والصوفية ولهم مدارسهم ومنطلقاتهم

الفكرية والعقدية التي تخالف أهل السنة مخالفةً جذرية، ولتلك الفرق مواقف غير

حميدة من أهل السنة ولا يتسع المقام للتطرق لتلك الفرق والتعريف بها وبيان

منطلقاتها الفكرية.

وأحيل راغب الزيادة لمعرفة ذلك لبحث الدكتور (خادم حسين إلهي بخش)

آنف الذكر حيث تناولهم بدراسة موضوعية على ضوء واقعهم الفعلي واستناداً إلى

مصادرهم المعتبرة بعيداً عن الغلو والإجحاف

وللعلم فإن تلك الفرق طارئة على

واقع المسلمين هناك؛ إذ وفدت عليهم في فترات الضعف التاريخي وبخاصة بعد

العصر المغولي وأثناءه؛ لأن الإسلام كما هو معروف دخل الهند في عهد الخلافة

الراشدة، وفتحت السند في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام 93 هـ

على يد القائد المسلم (محمد بن القاسم الثقفي) وكان المسلمون هناك إلى أواخر القرن

الرابع الهجري عاملين بالكتاب والسنة على منهج أهل الحديث، بعيدين عن الجمود

الفقهي والانحرافات العقدية حكى ذلك (أبو القاسم المقدسي) في كتابه (أحسن

التقاسيم) عند زيارته للسند عام 375هـ.

مشكلات المسلمين في الهند:

عرفنا جهود المسلمين الكبيرة في الحفاظ على شخصيتهم الإسلامية وهم

يعانون المشاق من جراء الأخطار المحدقة بهم، ومن أشهر مشكلاتهم مايلي:

1 -

مشكلة الدعوة إلى الله:

وهي من أخطر المشكلات التي يجب أن تعطى الأهمية؛ لدورها في توعية

المسلمين هناك، وبخاصة العامة منهم وضرورة تقريب وجهات نظر العلماء العدول

منهم؛ ليكونوا يداً واحدًة على من سواهم، ثم تأتي أهمية الدعوة لغير المسلمين

فيمن حولهم، وبذل الجهود الممكنة في ذلك؛ لأن الإسلام هو الدين الوحيد القادر

على حل مشكلات تلك الشعوب الوثنية المضطهدة والمنبوذة لما في الإسلام من

تعاليم ربانية وقيم أخلاقية هي العلاج الوحيد لواقعهم، مما يعيد لهم كرامتهم المهانة

وإنسانيتهم، المهدرة وإنقاذهم من جبروت الظلم والطغيان.

2 -

مشكلة تعليم المسلمين:

ودستور الدولة الهندية علماني يتيح المجال لكل دين ويسمح بحرية الاعتقاد إلا

أن كثيراً من الولايات الشمالية وضعت مناهجها التعليمية حسب ديانة الهندوس

المضادة لدين الإسلام، التي تصور البلاد بأنها وثنية، وقام مؤخراً حزب (بهارتا

جاناتا) في أربع ولايات يحكمها بعد التنسيق مع الأحزاب العلمانية بتنفيذ سياسة

تعليمية معادية للمسلمين تحت اسم (إصلاحات في المقرارات المدرسية) ومنها:

غرس الحقد في نفوس الناشئة والعداوة للمسلمين واتهامهم بأنهم هدموا معابدهم

وأقاموا عليها مساجدهم.

ادخال نشيد وطني يحتوي على عقيدتهم الوثنية وكان قد حذف في عهد (انديرا

غاندي) لطائفيته.

فرض اللغة (السنسكريتية) لأنها لغة دينهم وفرض تعلمها على الجميع.

الإشادة بزعماء الهندوس المتطرفين واعتبارهم زعماء وطنيين.

وقد قام المسلمون ونفر من العلمانيين بالاحتجاج على تلك التعديلات الجائرة

لما تحمله من عنصرية وتطرف، وقد باشر المسلمون بإنشاء مدارس خاصة بهم

خوفاً من تأثير تلك المدارس ومناهجها الوثنية على ناشئتهم، ولابد من وقفة جادة

حيال تلك الهجمة الوثنية لإيقافها وضرورة احترام الحكومة الهندية للمسلمين

وعقيدتهم، ولن يتأتى ذلك إلا بالضغط على الحكومة الهندية من المسلمين بعامة.

3 -

المشكلة اللغوية:

كانت الأردية هي لغة المسلمين في الهند، وبعد الاستعمار الإنجليزي صارت

هي اللغة الثانية في المصالح الحكومية.. لكن الإنجليز فيما بعد شجعوا اللغة

(الهندية) وأحدثوا تنافساً بين الهندية والأردية، لزرع بذور العداء بين الجانبين،

وبعد الاستقلال عام 1947 قرر الدستور الهندي أن اللغة الهندية هي اللغة الرسمية، ثم قامت الولايات الشمالية بإلغاء (الأردية) من المدارس مع انتشارها في تلك

المناطق وقررت اللغة (الهندية) لغة إجبارية وأداة وحيدة للتعليم وحينما طالب

المسلمون بتعليم (الأردية) ؛ لأنها لغتهم المعتبرة، ولغة ثقافتهم، ولكونها ذات

حروف عربية رفض ذلك حتى في عهد الرئيس المسلم الأسبق (د: ذاكر حسين)

ومع أن الدستور الهندي يكفل لرئيس الجمهورية إصدار أمر بالاعتراف بلغة يتكلم

بها عدد وجيه من أهل البلاد، إلا أن ذلك لم ينفذ ويظهر أنها سياسة عليا لمحاربة

المسلمين ولغتهم المعتبرة، ومع عناية المسلمين بالعربية إلا أنها تحتاج لعناية أكثر

واهتمام أكبر ولا سيما في أوساط العامة لأنها لغة دينهم ومنطلق عقيدتهم.

4-

المشكلة الاقتصادية:

يعاني جل المسلمين من الفقر والفاقة؛ مما يؤدي بهم إلى سوء التغذية

والحرمان من التعليم، وفرص العمل التي تكفل لهم الحياة الكريمة وبخاصة وأنه بدأ

تناقص أعداد المسلمين في العمل الحكومي، لا سيما في الوظائف العليا والهامة

والتي تكاد أن تكون حكراً على غيرهم مع ما يمتاز به الكثير منهم من العلم والنبوغ، وحل هذه المشكلة لا يكون طفرة، وإنما يحتاج لدراسات علمية طويلة المدى

وقصيرة المدى، وليس هذا مجالها، وقد تطرق لها الأستاذ (أبو ذر كمال الدين) في

بحثه عن (طبيعة وحجم المشكلات الاقتصادية للمسلمين في الهند) وكيفية حلها،

لكنه ذكر أنه يتعين على المسلمين هناك أن يغيروا من أساليبهم في الفكر والعمل

وساق بعض الاقتراحات في هذا الصدد ومنها:

1-

أهمية فتح فصول دراسية مزودة بكل التجهيزات في كل المدن الكبرى

لإعداد شبابها وطلابها للعمل في الخدمات في الناحيتين الإدارية والإشرافية.

2-

إنشاء عدد كاف من المدارس والكليات وضرورة استصدار الموافقة

الحكومية عليها لدعمها.

3-

ضرورة تشكيل هيئة من رجال الاقتصاد ورجال الأعمال والإختصاصيين

المسلمين؛ للإشراف على وضع خطة للنهوض بالصناعات التقليدية، التي يمارسها

المسلمون فيما يتعلق بمسائل التمويل والتسويق وخلافه.

4-

أهمية إقامة حركة تعاونية ومشروعات مشتركة على غرار شركات

(المقاصة) وعلى أساس المشاركة في الربح.

5-

يتعين على المسلمين الذين يعملون في البلدان الإسلامية، ويحصلون على

رواتب كبيرة، أن يؤسسوا صندوقاً خاصاً بهم لتقديم الدعم المالي لإخوانهم المسلمين

المواطنين في مجالات التعليم والصناعة والخدمات الاجتماعية.

6-

ترشيد نظام الزكاة وإنفاقها بطريقة منظمة مما سيساهم في حل كثير من

مشكلات المسلمين الفقراء التي يعانون منها.

7-

ضرورة أن يسود شعور الجماعة في المجال الاقتصادي وعلى الموسرين

أن يضعوا حداً لاستهلاكهم وتبذيرهم لضمان تحسن الأوضاع الاقتصادية لإخوانهم

في الدين والعقيدة.

هذا بعض مايلزم القيام به، مع الوقوف في وجه ممارسات الأحزاب الوثنية

من حروب عقدية وتخطيط لإقامة دولة هندوكية، وهي تقوم في سبيل تحقيق هذا

الهدف بمذابح همجية بقصد إفناء المسلمين، أو فتنتهم في دينهم (فإنا لله وإنا إليه

راجعون) ، ويلزم أن يطالب المسلمون بعامة (حكومة الهند) بإعطاء المسلمين فيها

حقوقهم المفروضة بنص دستورهم، والحفاظ على معالمهم الإسلامية وكف أي أذى

تقوم به الأحزاب الوثنية المتطرفة، وحينما يهدّدُونَ بمصالحهم مع الأمة الإسلامية

سيقومون بما يلزم حيال تنفيذ تلك الحقوق وإن تساهلنا حيال حماية إخواننا

والانتصار لهم ستزيد معاناتهم وربما يكونون لا قدر الله أثراً بعد عين كما خسرنا

الكثير من البلدان الإسلامية والواقع شاهد أن الأمم المتحضرة في هذا العصر

تنتصر لبني جنسها، ولبني عقيدتها، وتعمل كل ما يمكن لحمايتهم ونصرتهم ولم

يأتهم جزء من ألف جزء مما أصيب به المسلمون في الهند.

إن دول هذا العصر لا تحترم إلا القوة ولن يؤبه لأيٍ كان ما دام لم يعضد حقه

بالقوة بكل أبعادها، وحينما ترى حكومة الهند الاهتمام الجاد من الدول الإسلامية

وتهديدها بمصالحها فستكف آذاها وستقوم بحماية المسلمين بها وإعطائهم حقوقهم

التي كفلها الدستور.

ولتتعلم الدول الإسلامية وتنظر كيف انتصرت روسيا ودول الغرب للصرب

المعتدين وكيف وقفت روسيا في وجه القرارات الدولية انتصاراً للصرب لأنهم على

نفس مذهبهم العقائدي، وهم على باطل بينما نحن المسلمين على حق وندافع عن

حق ومع ذلك لا نعمل ما يحتمه علينا ديننا للانتصار لإخواننا في العقيدة وكل النظم

والشرائع تؤيدنا فيا لله للإسلام ويا لله للمسلمين.

والله أسأل أن يأخذ بأيدي اخواننا المسلمين في الهند إلى مافيه قوتهم ونصرهم

وعزتهم وما ذلك على الله بعزيز.

من مراجع المقالة:

(1)

المسلمون في الهند لأبي الحسن الندوي.

(2)

أثر الفكر الغربي في انحرافات المجتمع المسلم بالقارة الهندية د/ خادم

حسين بخش.

(3)

تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند لمسعود الندوي.

(4)

الصراع بين الفكرة الإسلامية والغربية/ لأبي الحسن الندوي.

(5)

نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية بالهند وباكستان: لمسعود

الندوي

(6)

مجلة البعث الإسلامي عدد شوال 1395 هـ.

(7)

دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة

لصلاح الدين مقبول أحمد.

(8)

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بين مؤيديها ومعارضيها في القارة

الهندية لأبي المكرم السلفي.

(9)

شيخ الإسلام ابن تيمية في علومه ومعارفه ودعوته في القارة الهندية لعبد

الرحمن الفريوائي.

(10)

الأقليات المسلمة ظروفها آلامها وآمالها، من مطبوعات الندوة العالمية

للشباب الإسلامي.

ص: 70