المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اليمن: إلى أين تسير - مجلة البيان - جـ ٧٢

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌اليمن: إلى أين تسير

المسلمون والعالم

‌اليمن: إلى أين تسير

؟ !

عبد الله الحاشدي

تمر اليمن في هذه الفترة بأزمة حقيقية لم تعرف مثيلاً لها منذ أن أقيمت

الوحدة إلى اليوم بين حزب رئيس مجلس الرئاسة علي صالح (المؤتمر الشعبي

العام) وحزب نائب رئيس مجلس الرئاسة علي البيض (الحزب الاشتراكي) ، وهي

أزمة بالغة الخطورة، ومن الممكن استعراض خطورتها من خلال النقاط التالية:

*أنها بين حزبين قوميين أقاما الوحدة اليمنية على أنقاض دولتين، ومازال

كل حزب يسيطر على المناطق التي كان يحكمها قبل الوحدة.

*أن الحزب الاشتراكي أعطى لصراعه مع الرئيس (علي صالح) وحزبه بعداً

مناطقياً، إذ يوجه إليهم تهمة إرادة إحكام السيطرة لما كان يعرف بنظام اليمن

الشمالي على نظام ما كان يُعرف باليمن الجنوبي وخيراته وأفراده وعدم منحه

المكانة المرموقة التي كان يحظى بها من الناحية المعنوية أو المادية، بل على

العكس من ذلك فإنه نقل إلى المناطق الجنوبية والشرقية مساوئ نظامه من تسيب

أمني وإداري وتدهور اقتصادي.. الخ، مع قيامه بإزالة المعالم البارزة لدى ما كان

يعرف بنظام اليمن الجنوبي من الوجود.

*أن الأزمة تجاوزت نقد كل طرف من طرفي النزاع لمواقف الطرف الآخر، إلى تهجم قيادة كل طرف على قيادة الطرف الآخرمن خلال الخطب والكلمات

والمقابلات التلفزيونية والصحفية، وشتى وسائل الإعلام المختلفة التابعة لهما، وهذا

ما جعل الخلاف بينهما يتعمق ويتأصل، بالإضافة إلى انعدام ثقة كل طرف بالآخر

مما حصل بسببه انحسار إمكانية إقامة حوار موضوعي يزيل بؤر الصراع بين

الطرفين وقد يؤدي ذلك إلى تراجع في فرص استمرارية التعايش السلمي بينهما.

*دخول الجيش وقوات الأمن في الأزمة تبعاً لانتماءاتهما الحزبية، وخضوع

الجيش وأمن ما كان يعرف باليمن الشمالي للرئيس وخضوع جيش وأمن ما كان

يعرف باليمن الجنوبي للحزب الاشتراكي.

وقد كانت هنالك تحركات لوحدات من الجيش من معسكراتها إلى مواقع أخرى،

بالإضافة إلى استحداث نقاط جديدة وثبوت إعلان حالة الاستنفار القصوى في

بعض معسكرات الجيش إن لم يكن كلها.

*أنها أزمة متحركة سائرة بقوة نحو التصعيد مما يعني عدم إعطاء الفرصة

لمن يريد حلها وتخفيف حدة توترها بين الطرفين.

تطورات الأزمة الأخيرة:

بعد عودة (البيض) من رحلته الاستشفائية في الولايات المتحدة الأمريكية

ومقابلته لكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية وفي مقدمتهم نائب الرئيس الأمريكي، عاد إلى عدن بدلاً من صنعاء ولزم حالة ما سمي «الاعتكاف» منذ ذلك الوقت.

ولقد كان سبب ذلك الاعتكاف! في البداية كما صرح به أكثر من مصدر يمني

هو اعتراضه على مشروع تعديل الدستور الذي وقعته أطراف الائتلاف الثلاثي

الحاكم بما فيهم الحزب الاشتراكي ممثلاً بأمينه العام المساعد (سالم صالح محمد) ،

وكان اعتراض البيض على المشروع يتركز في قضيتين:

الأولى: تدور حول منصب نائب الرئيس وهل يكون بالتعيين من قبل

الرئيس أم بالانتخاب مع الرئيس، والفرق بينهما أن نائب الرئيس إذا كان معيناً

فإنه يحق لمن عينه عزله، كما أنه ليس من صلاحيته في حال فراغ منصب

الرئيس أن يتولى الرئاسة بقية الفترة الرئاسية، بل يقوم رئيس مجلس النواب

بتولي مهام الرئيس مدة لا تزيد عن شهرين تجري خلالهما انتخابات رئاسية جديدة

بخلاف ما لو كان منتخباً، فإن الأمر يتحول على الضد من ذلك.

الثانية: تدور حول تطبيق نظام اللامركزية الواسعة في الحكم أو عدم تطبيقها

ويلزم من ذلك كون المحافظ وكبار مسؤولي المحافظة منتخبين من أبناء المحافظة

في حال تطبيقها، ومعينين من قبل الرئيس والحكومة في حال عدم تطبيقها.

ويريد الحزب الاشتراكي من ذلك ضمان استمراريته في حكم المحافظات

الجنوبية والشرقية عن طريق انتخابات في كل محافظة لاختيار مسؤوليها، تكون

نتائجها معروفة سلفاً، كما كان الحال في الانتخابات النيابية السابقة، بالإضافة إلى

سعيه للحصول على نجاح مرشح الحزب الاشتراكي لمنصب المحافظ في بعض

المحافظات الشمالية، مما يعني في حال نجاحهم في ذلك الاستمرار في حكم ما كان

يسمى باليمن الجنوبي، بالإضافة إلى بعض المحافظات الشمالية.

وبالطبع لم يقم الرئيس (علي صالح) بتلبية هذه المطالب، مما جعل نائبه

يستمر في اعتكافه، لكن حدث تطور آخر في الأزمة إذ أعلن الحزب الاشتراكي

ثمانية عشر مطلباً تمثل جملة مطالبه من الرئيس (علي صالح) لحل الأزمة، ولن

ندخل في عرض هذه المطالب ونقاشها، لكنها في غالبها مطالب تقوي نفوذ الحزب

في الدولة وتقلص من نفوذ الرئيس (علي صالح) ، بالإضافة إلى مجموعة من

المطالب للمزايدة بها على الجماهير.. ولقد أدخل الحزب الأزمة بمطالبه تلك مرحلة

جديدة، فبدلاً من أن الاعتراض كان على نقاط في مشروع الدستور، إذا به ينقلب

إلى اعتراض على نظام الحكم القائم ووسائل تنفيذه مع أن الحزب أحد مؤسسيه

ومنفذيه والمنافحين عنه سابقاً! ولقد سعى الاشتراكيون من خلال ذلك إلى تحقيق

مكاسب عدة منها إلقاء مثالب الفترة الانتقالية وما بعدها الداخلية منها والخارجية

على الرئيس (علي صالح) وتحميله مسؤوليتها كاملة، نظراً لكونه المتنفذ الوحيد في

الحكم الساعي إلى تهميش جميع القوى من حوله.

والملاحظ أن (البيض) في هذه المرحلة حاول أن يعمق خلافه مع الرئيس

(علي صالح) شخصياً من خلال التهجم والاستهزاء بشخصيته وحديثه ووصفه

بالمراوغة وعدم تنفيذ الوعود، بالإضافة إلى وصمه بعدم القدرة على إدارة البلاد

وضبطها، ولقد التزم الرئيس (علي صالح) الصمت، واكتفى بالتهديد معلناً أنه

سيرد على ذلك بالمثل.. وعموماً فقد كان الرئيس صامتاً في الغالب وكل ما كان

يرد به هو عدم مصداقية الحزب الاشتراكي في تطبيق الديمقراطية والرضى بنتائج

الانتخابات النيابية، التي قلصت تواجدهم في البرلمان والحكومة، بالإضافة إلى

قيامه بإعلان تسعة عشر نقطة تمثل جملة مطالبه ومرئياته للخروج من الأزمة وهي

تشتمل على ما اشتملت عليه مطالب الحزب الاشتراكي، ولكن بما يحقق مصالح

الرئيس ويقلص من نفوذ الحزب الاشتراكي وطموحاته.

ولقد استمرت الأزمة على ما هي عليه رغم توسط كثير من الشخصيات

اليمنية وغير اليمنية بين الطرفين لنزع فتيل الأزمة، ولكن دون جدوى، إلى أن

أعلن الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي في خطوة مفاجئة للكثيرين اعتقاده بأن

النظام الصالح لليمن هو (الفدرالية) لا الوحدة الاندماجية، ولم يقم الحزب

الاشتراكي بالاعتراض على هذا الأمر، بل قام بتبرير هذا المطلب مدّعياً بأن

وضع اليمن الآن دون مستوى الفدرالية، مما جعل الكثير من المحللين يفسرون

تصريح (سالم صالح) بأنه موقف للحزب وليس رأياً شخصياً مجرداً.

ونحن نلاحظ من خلال ما سبق استمرارية الحزب الاشتراكي في تصعيد

الأزمة فترة بعد فترة، فيا ترى ما حقيقة مطالبه؟ .

يمكننا تلخيص حقيقة مطالب الحزب الاشتراكي بحرصه على استمرارية قوته

ونفوذه ومواصلة إعطاء المناصب والامتيازات لكبار قياداته، وفي حال تحقق ذلك

فإن لدى الحزب الاستعداد لضمان استمرارية الوحدة، وعدم مواصلة افتعال

الأزمات، وفي حال إضعاف قوة الحزب وكبت نفوذه وتقليص امتيازات قياداته فإن

لديه الاستعداد لمواصلة افتعال الأزمات والمشكلات، والسعي بجدية إلى الانفصال.

ولكن ما هي الأسباب التي شجعته على سلوك هذا المسلك؟

الأسباب كثيرة منها الخفي ومنها المعلن، ولكن ما ظهر لنا منها في الأفق هو

التالي:

*أن وضع الحزب بعد الانتخابات النيابية الماضية أصبح في خطر، فبدلاً

من كونه كان يملك ما يقارب 50% من البرلمان والحكومة، صار له أقل من

(خُمس) البرلمان فقط، بالإضافة إلى (ثلث) الحكومة تقريباً وبالتالي فإن عليه أن

يسعى إلى منافذ أخرى تمكنه من استمرارية نفوذه وسيطرته، وهو ما طرحه عن

طريق (اللامركزية) ، وإعطاء صلاحيات واسعة لنائب الرئيس.

*مجيء اعتكاف البيض بعد عودته من أمريكا ومقابلته لنائب رئيسها ومروره

على فرنسا يشير إلى إمكانية أخذه للضوء الأخضر من هناك، وذلك في محاولة من

الغرب لإجراء مزيد من التركيع للرئيس (علي صالح) الذي اتخذ موقفاً غير مرضيٍ

عنه في أزمة الخليج، بالإضافة إلى عدم اتخاذه موقفاً حاسماً من القوى المهددة

بشكل صارخ لرعايا تلك الدول ومصالحها في اليمن ومنهم الشباب اليمني العائد من

أفغانستان الذين اتهم بعضهم من قبل الحزب الاشتراكي بتفجير فندق الساحل الذهبي

في عدن أثناء نزول مجموعة من الجنود الأمريكان فيه خلال توجههم إلى الصومال، بالإضافة إلى عدم مقدرته على إحكام السيطرة الأمنية على البلاد واعتماده على

النظام القبلي الذي قد يعرض منسوبي ومصالح الشركات الغربية المنقبة عن النفط

للخطر.

*أخذه للضوء الأخضر من بعض القوى الإقليمية واستعدادها لدعمه وتأييده

بقوة.

*حصول نوع من التحسن في موقف التيار الشعبي من الحزب وبالأخص فيما

كان يعرف باليمن الجنوبي، نظراً لتدهور قيمة العملة وارتفاع الأسعار بشكل

جنوني، وانتشار الرّشوة وعدم وجود تحسن في الخدمات، وقد استطاع الحزب

الاشتراكي أن يقنع الكثيرين من أبناء تلك المناطق بأن المسؤول عن كل ذلك هو

الرئيس (علي صالح) .

*هذا بالاضافة إلى اكتشاف وجود النفط بكثرة في المناطق الجنوبية والشرقية

وزوال كابوس الرعب الغربي من الأحزاب الاشتراكية بعد سقوط المنظومة

الشيوعية، وقدرة قادة الحزب الاشتراكي على الاتصال المباشر بالغرب، وتقديم

مزيد من أوجه الطاعة والاستعداد لخدمة مصالحهم بإخلاص في اليمن.

حقيقة موقف الرئيس على صالح:

في البداية أعلن الرئيس رفضه لموقف نائبه المتمثل في الاعتكاف، ذاكراً

بأنه مسلسل سيستمر لتحقيق مزيد من المصالح والمكاسب، بالإضافة إلى رفضه

لمطالب الحزب المتمثلة في تعديل مشروع الدستور.

وبعد فترة من استمرار الحزب الاشتراكي في تصعيد الأزمة، أعلن قبوله

بمطالب الحزب الثمانية عشر، وأحال وضع آليةالتنفيذ إلى لجنة الحوار الوطني

المكونة من أغلب القوى الموجودة في الساحة، ومع ذلك الإعلان بالموافقة فإننا

نشك في مصداقيتها لأن تنفيذ المطالب يعني سلب صلاحيات مهمة من (علي صالح) ، وخير له أن يبقى حاكماً لما كان يعرف باليمن الشمالي وحده من أن يكون في ظل

الوحدة غير حاكم لما كان يعرف باليمن الجنوبي وبعض المحافظات الشمالية ومن

الممكن إرجاع تلك الموافقة إلى أحد الأمرين التاليين:

الأول: أنها محاولة لتمرير مرحلة يجد فيها أن الحزب يقوى على حسابه يوماً

بعد يوم، سواءاً أكان ذلك داخلياً من خلال ازدياد شعبيته لدى أبناء المناطق

الجنوبية والشرقية ولدى بعض أبناء المناطق الشمالية.. أم إقليمياً من خلال التقاء

البيض ببعض ممثلي الدول الاقليمية في اليمن، بل وفي أثناء رحلته الاستشفائية

في أمريكا، والتأييد الواضح بصراحة للحزب في صحف تلك الدول.. أم دولياً من

خلال عدم ممارسة نوع من الضغط على الحزب من قبل أمريكا وفرنسا وغيرهما،

لثنيه عن موقفه، بل وقيام دول أخرى مثل بريطانيا بانحياز واضح نحوه.

الثاني: أنها نوع من تبادل الأدوار مع التجمع اليمني للإصلاح والأحزاب

المحسوبة على الرئيس، وقيام التجمع ومن معه بدور الرافض لمطالب الحزب

وجعل الرئيس (علي صالح) نفسه كالواقع بين ناري الحزب الاشتراكي والتجمع

ومن معه.

والقضية وطنية لا بد فيها من حل يرضي جميع القوى الموجودة، مما يعني

إمساك الرئيس بخط رجعة له عند موافقته على مطالب الحزب الاشتراكي وهذا ما

فعله سابقاً مع مطالب الحزب نفسها التي وافق عليها قبل الانتخابات النيابية

الماضية.

موقف الإسلاميين من الأزمة:

ينظر الإسلاميون إلى الحزب الاشتراكي باعتباره عدواً أساسياً يسعى إلى

كسر شوكتهم وخنق دعوتهم، وتكفي تجربة الحزب أثناء استقلاله بالحكم فيما كان

يعرف باليمن الجنوبي، وما قام به من حرب وإزهاق لكل ما هو إسلامي بالإضافة

إلى علمانيته الصارخة ودعمه القوي لكثير من المنكرات الضخمة والواضحة

كمصنع الخمر، ومحاربته لتجربة الإسلاميين في التعليم ممثلة في المعاهد العلمية

المنتشرة في أرجاء اليمن الشمالي، مع أن البديل قوى منحرفة في نظر الإسلاميين

وبينها وبين الكثير منهم عداء سافر، إذ هي أحزاب الرافضة في الشمال والصوفية

الشديدة الغلو في الجنوب، أضف إلى ذلك أن مطالب الحزب تهدد وحدة البلاد

وسلامتها.

والإسلاميون يدركون خطورة منطلقات (سيادة الرئيس) وسلبياته الكثيرة ولكن

يقولون كما يقول المثل: «أعور ولا أعمى» ، بالإضافة إلى أن بينهم وبينه

تعايشاً سابقاً قبل الوحدة اليمنية، كما أنه لا يعتبرهم يمثلون خطراً على وجوده كما

صرح هو بنفسه، ولا مانع لديه من إعطائهم بعض ما يريدون بما لا يجعلهم

يجاوزون الخطوط الحمراء التي لا يُسمح بتجاوزها إقليمياً ودولياً.

ولقد سلك الإسلاميون في البداية طريق الإصلاح ومحاولة إخماد مواضع

الانفجار، مع ميل خفي نحو الرئيس (علي صالح) ، ولكن الميل ازداد وضوحاً فيما

بعد يوماً بعد يوم، ووصل الوضوح أشده بتحميل (ابن الأحمر) و (الآنسي) الحزب

الاشتراكي مسؤولية ابتداء الأزمة.

ولكن يبدو أن الموقف قد تغير بعد إعلان الرئيس (علي صالح) موافقته على

مطالب الحزب الاشتراكي وهو ما ذكره ابن الأحمر حيث صرح في إشارة واضحة

إلى الحزب الاشتراكي بأن التجمع اليمني للإصلاح سيسلك مسلك المعارضة لكل

من يسعى إلى تقسيم البلاد إلى 19 بلداً، وإن وافق عليه المؤتمر والحزب

الاشتراكي.. والموقف الأخير للإصلاح يحتمل أن يكون تنسيقاً مع حزب الرئيس

نظراً لكونه يخدم كلاً من أهداف الطرفين، وهو الأظه. ويحتمل أن يكون نابعاً من

منطلقات التجمع ومصالحه بشقيه (الإسلاميون منهم والقبليون) ، ولا علاقة لحزب

الرئيس به.. وأياً كان منشأ هذا الموقف فيجب على الإسلاميين ألا ينسوا التالي:

*ألا يركنوا إلى الرئيس (علي صالح) ومؤتمره، إذ هو من خلال التجربة

يميل إليهم حين يحتاجهم، ويعرض عنهم حين يكون في غير حاجة إليهم وموقفه

من الإسلاميين منذ بداية الوحدة إلى الآن خير شاهد، وليذكروا أن الذي كان يتهجم

على الخطباء في المساجد، ويتهمهم بإثارة الفتن واستخدام المنابر في غير ما

وضعت له، نجده الآن يستميلهم ويحرص على رضاهم. ورجل هذه حاله يمكن أن

يستخدمهم لمجابهة عدوه الحالي ممثلاً بالحزب الاشتراكي، وبعد القضاء عليه يلتفت

إليهم، ويقص أجنحتهم، ويكسر شوكتهم، وبخاصة إذا كان هذا مطلباً إقليمياً أو

دولياً.

*أن شركاءهم في التجمع اليمني للإصلاح من (القبائل) لهم ارتباطات قوية

بالرئيس وحزبه، بل إن ابن الأحمر على سبيل المثال عضو في اللجنة الدائمة

للمؤتمر الشعبي العام، وله اتصالات لا تخفى بقوى إقليمية معادية للإسلاميين،

وبالتالي فالواجب عليهم أن لا يسلموا زمام القيادة لذلك الشريك وألا يتركوه يتخذ

المواقف المختلفة باسمهم بل يجب عليهم حساب مواقفهم بدقة وبعد دراسة وتأمل.

*أن يستغلوا هذه الأزمة لكسب مزيد من المواقع والمصالح للعمل الدعوي

عموماً، مما يقوي مركزهم ويُعلي من مكانتهم أمام الشعب كله.

وأخيراً: إلى أين؟

قبل الإجابة على هذا السؤال نؤكد بأن جوهر الأزمة تصارعٌ على السلطة

بدون وجود ضوابط أو قيم أياً كانت يحتكم إليها، وبدون وجود مرجعية مقبولة

تَفصِل فيها، مع وصول الأزمة إلى التصعيد والعمق الذي يصعب معه التعايش بين

الطرفين، نظراً لانعدام الثقة وشعور كل طرف باستعداد الطرف الآخر وتأهبه

للانقضاض عليه وبالتالي لا علاقة لمصالح الشعب والحرص على تحقيقها من

قريب أو بعيد بكل ذلك الصراع. وكل ما يذكره الجانبان من مطالب في هذا السبيل

هي نوع من المزايدة على الشعب ودغدغة عواطفه وكسب مشاعره لا غير! .

ومع كل ما ذكر فإننا لا نتوقع أن تُجاوِز الأزمة هذا الحد ولا أن تصل إلى حد

الانفجار المسلح وبالتالي الانفصال، نظراً لكون ذلك سيجعل البلاد بؤرة صراع لا

يتمكن الغرب معها من استنزاف الخيرات الموجودة من بترول ومعادن كما أن

الشركات الغربية لن تتمكن معها من تنفيذ المشاريع الضخمة أو الحصول على

الجديد منها، وهذا لا يمكن أن يسمح به الغرب أو تجرؤ على القيام به القوى

الداخلية المتصارعة، كما أننا لا نتوقع أن تنتهي الأزمة بسهولة وأن يتفق الطرفان

على التعايش السلمي فيما بينهما قريباً، نظراً لانعدام الثقة وتخوف كل طرف من

كسر جناحه من قِبَل الآخر.. لكن قد تهدأ الأزمة فترة من الفترات ولكنها بالتأكيد

سوف تعود إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً كانتهاء رموز أحد الطرفين بموت أو

اغتيال أو نحوه، والله أعلم.

ص: 62

المسلمون والعالم

الأوجادين.. الشعب والجهاد

مراسل (البيان) في الأوجادين

أوجادين أو (الصومال الغربي) كما يسمى في بعض الأحيان جزء متمم

للصومال، ويعرف جغرافياً باسم «الهضبة الصومالية» ؛ لأن الأخدود الأفريقي

يفصلها طبيعياً عن هضبة الحبشة بمنخفض تنتشر عبره مجموعة من البحيرات

العذبة أشهرها (أبايا) و (أبيتا) و (شامو) ، وتنحدر الهضبة تدريجياً نحو الأراضي

الصومالية مما يجعلها وحدة طبيعية مكملة لأرض الصومال الواقعة في جنوبها

وشرقها، وهي تحد (أثيوبيا) من الشمال والغرب، ومن الشمال الشرقي (جيبوتي)

ومن الجنوب والشرق الصومال وكينيا، وتضم أوجادين ثلاث ولايات (هرر)

و (بالي) و (سيدامو) ، وسكانها حوالي (6. 271. 700) نسمة غالبيتهم مسلمون

ولغتهم الصومالية.

ودخول الإسلام فيها مرتبط بدخوله إلى الحبشة (أثيوبيا) ؛ حيث انتشر الإسلام

هناك نتيجة تحركات التجار المسلمين، وهم من العناصر العربية من اليمن

وحضرموت، ولما انتشر الإسلام برز من أهله علماء وفقهاء وأثمرت الدعوة هناك

قيام (إمارة إسلامية) في القرن الثالث الهجري، واستمرت حتى نهاية القرن السابع

الهجري، أسسها بنو مخزوم من الحجاز، وعرفت بإمارة (شوا) ومنذ سقوطها في

نهاية القرن الثالث عشر الميلادي قامت سبع إمارات إسلامية أشار إليها (المقريزي)

في كتابه (الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام) ، وكانت الحرب

سجالاً بين ملوك الحبشة وهذه الإمارة، وكان للمسلمين النصر المؤزر على

الأحباش لاسيما في عهد الإمام (أحمد بن إبراهيم) ، حتى هزم هذا الإمام المجاهد

عندما تحالف نصارى الحبشة مع الصليبيين البرتغاليين ضده عام 950هـ ثم تدخل

العثمانيون إلى جانب الإمام أحمد، فأحرز انتصارات جديدة على التحالف الصليبي، ولكنه تعجل فأعاد القوة العثمانية؛ لاعتقاده بزوال خطر الصليبيين ولكنهم عادوا

إليه، ودارت بينه وبينهم معارك قاسية انتهت بهزيمة الإمام واستشهاده رحمه الله

وتعرض المسلمون بعدها لموجة شديدة من الانتقام، ولكنهم صمدوا فتحققت لهم

بعض الانتصارات في ظل تفكك الأحباش وتنافسهم على الحكم، لكن الأحباش

عادوا ووحدوا أنفسهم، مما أدى إلى مضايقة المسلمين مرة أخرى ودخلت (مصر)

في عدة حروب مع الحبشة استولت فيها على (هرر) ، وعلى الساحل الصومالي

المطل على خليج عدن عام 1292 هـ لكن الاحتلال الإنجليزي لمصر عام

(1800م) ضيع عليها هذه الفرصة؛ مما أدى بشرق أفريقيا للوقوع فريسة للأطماع

الاستعمارية الأوربية حيث غزت إيطاليا الحبشة ووقعت معاهدة مع (فيلك) ملك

الحبشة سنة 1307هـ، الذي استولى على الإمارات الإسلامية واحدة بعد الأخرى، وهلك (فيلك) وتولى مكانه حفيده الإمبراطور (بيج ياسو) الذي أسلم، وأخذ يعامل

المسلمين معاملة حسنة مما جر عليه غضب الكنيسة والقوى الاستعمارية، ونجحت

المؤامرة في خلعه سنة 1336 هـ، وآلت مقاليد الحكم بعده إلى (هيلاسلاسي)

فبدأت مرحلة المعاناة للمسلمين مرة أخرى، وأودع (لي ياسو) السجن حتى مات.

وقبل الحرب العالمية الثانية غزت إيطاليا الحبشة سنة 1353هـ، ونال

المسلمون قسطاً من الحرية إبان حكمهم، وبعد اشتعال الحرب العالمية الثانية عاد

الإمبراطور الهارب (هيلاسلاسي) يحض الإنجليز على غزو الحبشة، وعجز في

هذا فبدأ القتال سنة 1360هـ، ودخل (هيلاسلاسي) الحبشة بمساعدة الإنجليز

ووقع معهم معاهدة عام 1361هـ، ومن بنود هذه المعاهدة أن يكون إقليم

(أوجادين) تحت النفوذ الإنجليزي، وبقيت خارج نفوذ الحبشة، وتغيرت المعاهدة

البريطانية الحبشية بمعاهدة جديدة سنة 1364هـ مع تبعية أوجادين للإنجليز وفي

سنة 1368هـ وصلت (مقديشو) لجنة من الحلفاء لمعرفة رغبة الشعب الصومالي

في تقرير مصيره، فانتهى الأمر إلى أن تتولى الدول الأربع الكبرى إدارة شئونه

تحت إشراف الأمم المتحدة لمدة (10) سنوات ينال بعدها استقلاله ولذا قررت

بريطانيا تسليم (الأوجادين) إلى أثيوبيا بمعاهدة سنة 1375هـ، وبدون مراعاة

لرأي الشعب الصومالي، لذا ثار هذا الشعب على ذلك الوضع، وكانت حجة أثيوبيا

تلك المعاهدة الموقعة مع بريطانيا، وكان رد فعلها هجوماً عسكرياً على الصومال

عام 1384هـ (1964م) ، فتدخلت منظمة الوحدة الأفريقية لحل النزاع سلمياً،

وكان مصير هذه الجهود الفشل.

جبهة تحرير الصومال الغربي:

تأسست هذه الحركة عام 1383هـ كرد فعل لتعنت أثيوبيا، وبدأت حركة

المقاومة ضد الأثيوبيين؛ وأمام الظروف الدولية قلصت الحركة عملياتها مع دخول

الريف وبوادي الأوجادين، وأعطت أثيوبيا فرصة للمفاوضات ولكنها فشلت،

فعادت المقاومة من جديد؛ وبعد الانقلاب العسكري في أثيوبيا عام 1394هـ الذي

أطاح بهيلاسلاسي، عمّ التفاؤل أهل الصومال الغربي ولاحت آمال بقرب انفراج

أزمتهم، وتوقفت حركة المقاومة لكي تعطي النظام الجديد فرصة للحل السلمي،

ولكن الآمال خابت حيث صعّد النظام الجديد عملياته الحربية منذ عام 1396هـ،

لكنه مُنِيَ بهزائم شديدة فاستعان بحلفائه الحمر من (السوفيات والكوبيين) وقتل آلافاً

من المسلمين، ولجأ عدد كبير منهم يزيد على المليون نسمة إلى الدول الفقيرة

المجاورة، وانتشرت مخيماتهم على حدودها، وأضافوا إليها عبئاً جديداً [1] .

الأوجادين.. المأساة:

تمثل منطقة القرن الأفريقي أهمية استراتيجية تنافست عليها الدول

الاستعمارية منذ وقت مبكر، وتعد أثيوبيا أقرب حلفاء المنطقة لأمريكا، خاصة في

التسعينات الميلادية، ولهذا تمثل أثيوبيا عمقاً استراتيجياً للسياسة الأمريكية في

المنطقة.

ويحكم أثيوبيا حالياً (ميليس زيناوي) رئيس جبهة التحرير الشعبية

الديموقراطية ذات الأغلبية النصرانية التجرانية، ويوجد في أثيوبيا اتجاهات

سياسية وقبلية متعددة، منها:

1 -

الأورميون في الجنوب والمنطقة الوسطى.

2 -

العفريون في الشرق.

3 -

الصوماليون في الأوجادين.

وتسعى معظم هذه الإتجاهات القبلية للتحرر من سلطة الحكومة التجرانية؛

ولهذا حرصت الحكومة الأمريكية على عدم تغير الأوضاع في المنطقة، ودعم

جهود المصالحة بين حكومة أديس أبابا وخصومها من المعارضة المسلحة، مع

سعيها لتثبيت الحكم النصراني في المنطقة، وساهم (هيرمان كوهين) المبعوث

الأمريكي في المنطقة بجهود كبيرة في هذا الميدان، وشارك في لقاءات متعددة مع

الحكومة والمعارضة.

يقول أحد كبار موظفي مكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأمريكي: «إن أثيوبيا ستظل أكثر دول المنطقة بما فيها الصومال جاذبية لنا لأسباب عديدة

منها: مقدرتها الاقتصادية، وحجمها السكاني، وطبيعة الروابط الأثيوبية /الأمريكية

التاريخية، وتمتع البيروقراطية الأثيوبية بكفاءة عالية في أداء المهمة المطلوبة منها

بدقة، وموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر، وميراثها النصراني الذي يمكن أن

يكون عائقاً أمام مد الحركات الإسلامية، إضافة إلى دور أثيوبيا كمقر دائم لمنظمة

الوحدة الأفريقية» . [2]

ولقد سعت الحكومة الأثيوبية بمباركة من أمريكا إلى حصار منطقة الأوجادين

لأنها تمثل أكبر تجمع إسلامي في أثيوبيا، فأهملت المنطقة إهمالاً منقطع النظير،

ولم تقدم الحكومة شيئاً يذكر لتحسين حال المنطقة خاصة في عهد (منجستو

هيلامريام) الذي حكم المنطقة بالحكم الشيوعي عشرين عاماً.. وزاد من مأساة

الشعب المسلم في الأوجادين أن جفافاً شديداً ضرب المنطقة فانقطعت الأمطار،

وجفت الآبار، وهلكت الزروع والمواشي.. مما أدى إلى انعدام مقومات المعيشة

الإنسانية، فأصبح الناس في شدة وبلاء.

والعجيب أن مأساة هذا الشعب المسلم لم تلق حقها من العناية لأسباب متعددة

منها:

1-

تزامنت هذه المأساة مع تفجر الأوضاع في الصومال التي ركزت عليها

الأنظار ووسائل الإعلام.

2-

حرص الحكومة الأثيوبية على التعتيم الإخباري لهذا الإقليم.

3-

انتشار الدعوة الإسلامية بشكل متنامٍ في هذه المنطقة، التي كونت بعد

ذلك نواة للحركة الجهادية المسلحة.

وقد استغلت الهيئات التنصيرية والإرساليات الكنسية هذا الموقف ووسعت

أنشطتها في المنطقة، فبلغ عددها حوالي أربعين هيئة رسمية، بينما غابت الهيئات

الإسلامية عن الساحة أو كادت، مما زاد من تغلغل المنصرين في هذا الإقليم،

وانتشر الجهل والبدع بصورة كبيرة جداً، فبيئة الجهل والجوع هي التي يغتنمها

النصارى لإخراج الناس من دين الإسلام.

حركة جهاد الاتحاد الإسلامي:

لقد قامت حركة الاتحاد الإسلامي مؤخراً بجهادها لتحرير أراضيها المغتصبة

من المعتدين؛ لتعود أرضاً إسلامية يحكمها الإسلام وأهله، وقد دخل جهادها عامه

الثاني، وهو يدور بين مجاهدي شعب الأوجادين الذين يدافعون من أجل هويتهم

الإسلامية وإقامة دولتهم المسلمة وبين حكومة التيجراي الأثيوبية النصرانية، التي

تسعى جادة لكسر شوكة المجاهدين وإخماد حركتهم الجهادية، وتعد الحرب الدائرة

بين الطرفين حرب عقيدة؛ إذ هي المحور الأساس الذي يمثل سبب الصراع الأول

والأخير، فأثيوبيا من جانبها ترى أنها الوارث الشرعي للصليبية، التي ضربت

بجذورها في بلاد الأحباش ومازالت الحكومات المتعاقبة على (أثيوبيا) تخلص

العطاء للكنيسة، وتعطي ولاءها المطلق للمذهب الأرثوذكسي المتعصب، الذي

يعتبر نفسه الأصولي الوحيد الذي يسير على طريق الكنيسة الصحيح في زعمهم

وتأتي الأطماع الأثيوبية في الاستمرار في محاربة مسلمي الأوجادين والسيطرة على

منطقتهم من خلال التشجيع والدعم المتواصل الذي تجده من القوى الصليبية

الخارجية.

أما الاتحاد الإسلامي وهو الحزب الذي يقود الجهاد حالياًِ ضد الصليبية

وباعتراف من حكومة أثيوبيا بشرعيته، فهو يقود جهاده للقضاء على الصليبية في

منطقة الأوجادين، التي استلبها الاستعمار الصليبي من أرض الصومال البلد المسلم

وقلد إدارتها لأتباع الكنيسة، لتسعى بدورها لطمس اسمه الإسلامي من تلك المنطقة.

ولذا لم يكن في حسبان قوات التجراي (الأثيوبية) ذات الإمكانات المادية

الهائلة، والتأييد المطلق من قبل الصليبية العالمية لم يكن في حسبانها بأن قوات

الأوجادين ذات ثقل كبير، وعندما عزمت قوات التجراي مهاجمة معسكر طارق بن

زياد التابع لقوات الاتحاد الإسلامي كانت تظن أن الكرّة سوف تكون واحدة ومبرمة، تتفرق بعدها قوات الاتحاد الإسلامي، لكن الله خيب ظنهم. يقول الله تعالى:

[إنهم يكيدون كيداْ وأكيد كيداْ فمهل الكافرين أمهلهم رويداْ] ، فشاء الله بقدرته وعزته أن يجعل الدائرة على الكافرين ويقتل منهم سبعون قتيلاً، فلم يهدأ لهم بال منذ ذلك الحين وحتى الآن، ولقد أبلى المجاهدون بلاءً حسناً، وأذاقوا الصليبيين بأسهم ولقنوهم درساً لن ينسوه ثم استنفرت قيادة الاتحاد الإسلامي كل قوى المجاهدين في أوجادين، وقررت أن تكون المواجهات عن طريق حرب العصابات مما بث الذعر والرعب في قلوب أعداء الدين الإسلامي في المنطقة بصفة عامة.

وكانت حصيلة المواجهات العسكرية بين المجاهدين في الأوجادين والحكومة

الأثيوبية خلال (16) شهراً: 13 مواجهة ما بين معركة عنيفة وعملية خاطفة.

وفي تاريخ 15/7/1413هـ وقعت معركة عنيفة قتل فيها (95) جندياً من

جنود الحكومة ودمرت فيها خمس ناقلات للجنود، وغنم المجاهدون معدات عسكرية

كثيرة، ومن العجائب أن القوات الفرنسية المرابطة في الحدود الصومالية

الأوجادنية باسم قوات هيئة الأمم المتحدة لما رأت هزائم الجيش الأثيوبي تدخلت

بمروحياتها الهجومية، وشنت غارات متعددة على المجاهدين، فاستشهد اثنان وأسر

ثمانية أطلق سراحهم فيما بعد، وكما قال الله تعالى: [والذين كفروا بعضهم أولياء

بعض] .

ولما فشلت حكومة أديس أبابا في حسم قضية الأوجادين عن طريق الحرب

والقوة، لجأت إلى حيلة ماكرة لتدمير وحدة شعب الأوجادين، حيث طرحت

مشروع تكوين حكومة محلية في المنطقة الصومالية على أن تكون غالبية مقاعد

الادارة الجديدة لأعضاء الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين، بغرض إشعال الفتنة بين

أهل المنطقة، وليرفع أبناء المنطقة السلاح في وجه بعضهم بعضاً وتعم الفرقة

والتشتت في صفوف المجاهدين والشعب الأوجاديني، الذي اكتشف مؤخراً أن هذا

المخطط الاستعماري هو تطبيق لقاعدة فرق تسد.

وفي شهر يوليو 1993م الماضي قامت حكومة أديس أبابا بتغيير مسؤولي

الحكومة المحلية الذين رفضوا تنفيذ مخططاتها الصليبية، وطالبوا بالانفصال عن

أثيوبيا، وأن يصبح الشعب الأوجاديني حراً مستقلاً، وذلك وفقاً لما ينص عليه

الميثاق الوطني الأثيوبي من إعطاء حرية الخيار للشعب الأوجاديني في تقرير

مصيره سواء أراد الوحدة مع أثيوبيا أو اختار الانفصال والاستقلال.

وبعد عزل المسؤولين المعارضين لسياسة أديس أبابا تجاه أوجادين قامت

الحكومة بتعيين مسئولين جدد؛ لتسيير أمر المنطقة حتى لا يكون للإدارة المحلية

الجديدة حق التدخل في الشؤون المصيرية والشؤون الخارجية والدفاع والمالية

وكذلك مسألة الاستقلال والانفصال عن أثيوبيا.

وتمر منطقة أوجادين في الوقت الراهن بأوضاع متفجرة حيث استعد

المجاهدون في الآونة الأخيرة التي توقفت فيها المعارك وأعدوا العدة لأي مواجهات

قادمة مع العدو، وذلك امتثالاً لقوله تعالى:[وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة] ؛ ويجيء استعداد جيش المجاهدين على إثر خروج جيوش العدو من ثكناتها

العسكرية استعداداً لبدء معارك جديدة مع المجاهدين وقد هجم التجراي على مدينة

(سجج) في 13 أكتوبر 93 وسرعان ما هزمتهم قوات المجاهدين حيث قتل منهم

سبعة وعشرون جندياً ولاذ البقية بالفرار مخلفين وراءهم غنائم كثيرة استولى عليها

المجاهدون بعد استيلائهم على قاعدة العدو، وفقد المجاهدون ستة من رجالهم رحمهم

الله.

واستطاع الاتحاد الإسلامي أن يكسب ثقة الشعب في أوجادين في الفترة التي

توقفت فيها الحرب، حيث عقدت المؤتمرات الشعبية التي حضرها زعماء العشائر

والقبائل، وتم طرح مبادئ وأهداف الإتحاد الإسلامي في هذه القاءات الشعبية،

والتي أكد فيها بأن هدفه الجهاد في سبيل الله من أجل أن تقوم دولة إسلامية في

المنطقة وتحكم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

ولقد نال المجاهدون تأييد زعماء القبائل والشعب الذي كره الاستعمار الأثيوبي، ورفع شعار التخلص من العدو البغيض بعد أن اتفقت كلمته على ضرورة الجهاد

في سبيل الله وطرد والصليبيين.

والله نسأل أن يعز جنده، ويعلي كلمته.. والله غالب على أمره.

(1) أنظر الأقليات المسلمة في أفريقية، ج2، للأستاذ/ سيد أبو بكر.

(2)

فصلية ميدل إيست جورنال، خريف 1992م، نقلاً عن مجلة المراقب، (عدد 2) .

ص: 73