المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دحض شبهاتحول نظام الأسرة في الإسلام - مجلة البيان - جـ ٨

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌دحض شبهاتحول نظام الأسرة في الإسلام

‌دحض شبهات

حول نظام الأسرة في الإسلام

د. محمد بن عبد الله السلمان

تمهيد:

منذ أن ظهر الإسلام ديناً ارتضاه الله تعالى للبشرية في كل زمان ومكان

وأعداؤه - وما أكثرهم - يتربصون به الدوائر، ويتلمسون كل طريق ليبعدوا

المسلمين عن دينهم بتشويههم مبادئ هذا الدين، معتقدين عن جهل أو حقد-وهو

الغالب- أن هذه الشُبه حقيقة واقعة، وما علموا أن ما زعموه من شُبه إنما هي من

ميزات الإسلام، ودلالة واضحة على صلاحيته شريعة ومنهج حياة. بل إن حديثهم

العدواني عن الإسلام كثيراً ما يكون سبباً في نشره واتساع محيطه ومعتنقيه كما قال

الشاعر:

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عَرْف العود

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

ولكي لا يطول بنا الحديث نعالج الموضوع من عدة نقاط هي:

مشروعية الزواج في الإسلام:

إن أساس عناية الإسلام بالأسرة: حضه على الزواج وترغيبه فيه، لأنه

أساس لتكوين الأسرة المسلمة وبالتالي تكوين المجتمع المسلم، وقد وردت نصوص

كثيرة تحث على الزواج وترغّب فيه عند الاستطاعة، ومن ذلك قوله تعالى:

[ولْيَسْتَعْفِفِ الَذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ][النور: 33] .

وما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له

وجاء) [1] .

ومعنى ذلك: أن الإسلام حريص على تكوين الأسرة المسلمة وكثرة أفرادها

بالزواج، ليعيش الطفل المسلم بين أبويه ينهل من رعايتهما وعطفهما. وقد أثبتت

الأبحاث العلمية الحديثة أن الأطفال الذين يعيشون بين أبويهم أقوى جسماً وعقلاً

وعاطفةً من أطفال الملاجئ.

ولا تقتصر حكمة الزواج في الإسلام على ذلك، بل تتعداه إلى حِكم أخرى

لاشتمال الزواج على مصالح كثيرة منها: تحصين الزوج والزوجة، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة أمته [2] ، بل قرر

بعض العلماء أن الزواج أفضل من نوافل العبادة [3] .

شبهة تعدد الزوجات:

إذا كان الإسلام قد حث على الزواج فإنه - بجانب ذلك - أباح للرجل أن

يتزوج بأكثر من واحدة إلى أربع نسوة، واشترط توفر العدل بين الزوجات. وقد

وجد أعداء الإسلام في ذلك وسيلة للنيل منه، وذلك بزعمهم أن في ذلك إهانة للمرأة. وللرد على ذلك نشير إلى عدة أمور هي:

1-

الإسلام أباح التعدد ولم يأمر به أو يحث عليه، وفرقٌ بين إباحة الشيء

والأمر به، فالإسلام أباح التعدد حلاً لكثير من المشاكل الاجتماعية التي تحصل من

جرَّاء منع التعدد وتحريمه، فهو في ذلك مراعٍ للفطرة الإنسانية السليمة التي تتطلب

ذلك.

2-

اشتراط الإسلام العدل بين الزوجات في الإنفاق والمعاملة. فمن يتزوج

بأكثر من واحدة ولم يعدل بين زوجاته كان آثماً في عمله كله. يقول تعالى:

[فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً]

[النساء / 3] . وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن من لم

يعدل بين زوجاته جاء يوم القيامة وشِقه مائل) .

3-

عندما تكون الزوجة عقيماً، فالتعدد حلٌ لمشكلتها مع زوجها الذي قد

يرغب بإنجاب الأولاد، ولاشك أن زواج زوجها بأخرى مع بقائها معه خيرٌ لها من

أن يطلقها ويتزوج بأخرى.

4-

عندما تكون الزوجة مريضة أو غير قادرة على القيام بواجباتها تجاه

زوجها إما لمرض جسمي أو غيره، فإن زواج زوجها بأخرى مع بقائها معه خير

لها من فراقها وهي على هذه الحالة.

5-

عندما تكون نسبة النساء في مجتمعٍ ما أكثر من نسبة الرجال، لحروبٍ

طحنت الرجال أو لغيرها من الأسباب، فإنه لا يوجد حل لمشكلة ذلك المجتمع

وحفظه من براثن الفساد والفتن سوى التعدد. وأقرب مثال على ذلك ما حصل في

ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث تبين من الإحصائيات الدقيقة أن النساء

يشكلن 70% من مجموع السكان، ومعنى ذلك أن الرجال يشكلون 30% من

السكان، وبالتالي سيبقى45% من النساء بدون زواج، فارتفعت بعض الأصوات

هناك تطالب بإباحة التعدد حلاً لهذه المشكلة الخطيرة.

ومثال آخر: ظهر قريباً في إحدى دول الخليج التي خرجت فيها بعض

الدراسات أثبتت أن نسبة النساء فيها أكثر من الرجال. وأوضحت تلك الدراسات

والإحصائيات أنه مما زاد هذه المشكلة انتشاراً ظاهرة زواج المواطن من خارج

وطنه بسبب غلاء المهور.

6-

وأخيراً فإن الإسلام قد جاء والتعدد كان نظاماً اجتماعياً معروفاً عند

العرب وغيرهم من الأمم الأخرى، وكان بدون تحديد لعدد معين، فجعله الإسلام لا

يزيد على أربع زوجات واشترط العدل بينهن حفظاً لحقوق المرأة وكرامتها.

شبهة الطلاق:

وكما أباح الإسلام التعدد فقد أباح الطلاق أيضاً، وجعله حلاً لمشاكل اجتماعية

قد تحصل بين الزوجين لا يمكن حلها إلا بالطلاق. ومع ذلك اتخذ أعداء الإسلام

من إباحة الإسلام للطلاق منطلقاً للتهجم عليه. وزعموا أن في ذلك إهانة لكرامة

المرأة وسبباً في تشرد الأولاد. وللرد على ذلك نشير إلى عدة أمور:

1-

أن الإسلام حينما أباح الطلاق بغَّض به، وجعله الرسول أبغض الحلال

إلى الله [4] .

2-

رغب الإسلام في الصلح بين الزوجين وإيجاد الحل لمشاكلهما قبل البتِّ

في الطلاق. فقد يكون سبب النزاع عوامل خارجية عن حياة الزوجين الخاصة

يمكن إيجاد حل لها وتستقيم الأمور، يقول تعالى: [فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَماً

مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا] [والنساء: 35] ، فإن انسدت أبواب

الإصلاح، ولم يكن التوفيق بينهما فالطلاق هو الحل الأخير، وسيوفق الله الطريق

الأصلح لكل واحد منهما [وإن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ][النساء: 30] .

ومع ذلك ترك الإسلام للرجل والمرأة فرصة للتفكير؛ فشرع الطلاق الرجعي

ليستطيع الرجل أن يراجع فيه امرأته بدون مهر أو عقد جديد إذا كانت لازالت في

عدتها.

3-

أن الإسلام حينما أباح الطلاق إنما وافق بذلك الفطرة السليمة بجعله حلاً

لمشكلة اجتماعية قد تحصل بوجود خلاف وعدم التئام بين الزوجين ولا حل لهما إلا

بالطلاق. ولنا أن نتصور كيف تكون الحال لو أن الطلاق ممنوع أو محرم، إن

الحياة بين هذين الزوجين ستكون جحيماً لا يطاق. ولهذا نجد في أوربا أن القوانين

فيها أخذت تجيز الطلاق مع أن الكنيسة النصرانية بتعاليمها المحرفة لازالت تحظر

الطلاق حتى مع ثبوت الخيانة الزوجية. وكانت فقط تحكم بالتفريق الجسدي بين

الزوجين مما سبّب مشاكل اجتماعية خطيرة.

4-

أما زعم أعداء الإسلام أن الطلاق سبب لتشرد الأولاد في البلاد الإسلامية، فإن هذا غير صحيح ولا دليل له من الواقع. ذلك أن إحصائيات الطلاق في العالم

الإسلامي أشارت إلى أن أكثره يقع في السنة الأولى من الزواج وقبل الإنجاب

بسبب فشل اختيار أحدهما للآخر. وقد ورد في تلك الإحصائيات أن 77% من

وقائع الطلاق تقع قبل إنجاب أي ولد، وأن 17 % تقع بعد إنجاب طفل واحد [5] . ثم تتدنى النسبة كلما كثر عدد الأولاد. وحينما يقع الطلاق مع وجود الأولاد كفل

الإسلام الحياة الكريمة للأولاد - في رعاية أحد الأبوين - وأوجب النفقة على الأب، بل أوجب الإسلام على الأب إعطاء الأم أجراً حتى على إرضاع ولدها. يقول

تعالى: [وإن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ

فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ] .. [وإن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى][الطلاق: 6] .

مكانة المرأة وحقوقها:

وهكذا اتضح لنا أنه حتى في المسائل التي أثارها أعداء الإسلام زعماً منهم أن

فيها إهانة للمرأة إنما في الحقيقة هي في مصلحة المرأة وحماية حقوقها.

وحينما نبحث عن نظرة الإسلام للمرأة وتكريمه لها في جوانب أخرى نجد أن

الإسلام قد أعلى من شأنها وأعطاها من الحقوق ما لم يعطه لها الغرب الأوربي

المتمدن. فما بالك بالأمم الأخرى قبل الإسلام! ! .

فلو نظرنا إلى الأمم الأخرى قبل مجيء الإسلام لرأيناها-في مجملها-تحط

من مكانة المرأة، وتحرمها أبسط حقوقها. فاليهودية المحرفة: تعتبر حواء ومن ثَم

المرأة عموماً سبباً في شقاء الإنسانية لأنها أخرجت آدم - بزعمهم - من الجنة.

وجاءت النصرانية المحرفة: فتبعت اليهودية في احتقارها للمرأة، حتى أن

المجتمعات الأوربية النصرانية- حتى نهاية العصور الوسطى-كانت تشك في

إنسانية المرأة هل هي إنسان أم لا؟ ! .

وبلغ من ظلم بعض المجتمعات للمرأة أن أوجبت عليها إحراق نفسها إذا مات

زوجها كما في البرهمية بالهند.

أما في المجتمع العربي قبل الإسلام: فقد وجدت عادة وأد البنات عند بعض

القبائل العربية (أي: دفنهن وهن أحياء خوف العار) ، كما أن المرأة عندهم لا تَرث

بل قد تورث كأي سلعة أو مال.

وجاء الإسلام ليعطي للمرأة حقوقها الكاملة، ويكرمها، ويرفع من مكانتها.

ويتضح ذلك مما يلي:

1-

أعلن المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الإنسانية والإيمان. يقول

تعالى: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى

بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ] ، وقوله تعالى: [الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ والْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ

والصَّادِقِينَ والصَّادِقَاتِ والصَّابِرِينَ والصَّابِرَاتِ والْخَاشِعِينَ والْخَاشِعَاتِ والْمُتَصَدِّقِينَ

والْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ والْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ والْحَافِظَاتِ والذَّاكِرِينَ اللَّهَ

كَثِيراً والذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وأَجْراً عَظِيماً] .

2-

رفع الإسلام الظلم الذي كان يقع على المرأة في الجاهلية؛ فحرّم وأد

البنات، وألغى نظام وراثتها كسائر السلع، وأشركها في الميراث مع الرجل، وإذا

كان قد جعل نصيبها من الميراث نصف ميراث الرجل فإن هذا لم يكن إلا تقديراً

للواجبات والتكاليف المالية التي أوجبها الإسلام على الرجل من النفقة على الأولاد

والزوجة والوالدين ومن يعولهم شرعاً. فلو مات ميت عن ابن وبنت مثلاً: فإن

للإبن ثلثا المال وللبنت ثلث المال. لكن يترتب على الابن أن يدفع مهراً عند

زواجه ونفقة على زوجته وأولاده، بينما البنت: سيُدفع لها مهر ولا تجب عليها أي

نفقة حتى على نفسها، بل تكون النفقة على زوجها. وهكذا.

3-

أعطى الإسلام للمرأة حقوقها الشخصية، مثل: حق التصرف بمالها

شراءً وبيعاً وهبةً دون أن يكون للرجل -حتى زوجها-سلطة على مالها أو أخذ شيء

منه إلا برضاها. وهذا الحق لم تمنحه حتى القوانين الوضعية في البلاد الأوربية

التي تدعي التحضر والتمدن. ففي فرنسا حتى عام 1939م: لا يسمح القانون

هناك للمرأة بالتصرف بمالها إلا بإذن زوجها، ثم عدِّل القانون بإعطاء المرأة شيئاً

من الحرية في التصرف بمالها لكن مع بعض القيود أيضاً. وفي ألمانيا الغربية: لم

يعط القانون هناك للمرأة حق اقتناء الممتلكات حتى عام 1957م [6] ، بل إن نظام

العمل والأجور في أوربا وأمريكا لازال حتى الآن ينقص أجر المرأة المالي بالنسبة

للرجل. فيصل في بريطانيا مثلاً إلى75% من أجر الرجل مع تساويهما في

الوظيفة ونوع العمل [7] .

4-

الإسلام كفل للمرأة الحياة الكريمة في جميع مراحل حياتها بنتاً أو زوجةً

أو أماً. فالبنت: لها على والدها حق النفقة والرعاية التامة كأخواتها، والزوجة:

لها على زوجها حق النفقة والرعاية والمعاملة بالمعروف قولاً وعملاً، يقول

الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)[8] .

أما الأم: فقد أعطى الإسلام لها حقوقاً كبيرة من التكريم والنفقة والعطف

وخفض الجناح. يقول تعالى عن حق الوالدين: [وقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إلَاّ إيَّاهُ

وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ولا

تَنْهَرْهُمَا وقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُل رَّبِّ

ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً] [الإسراء: 24] . بل حق الأم يفوق حق الأب بنسبة

3: 1، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول

الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) .

وهكذا نرى أن الإسلام يزيد من تكريم المرأة كلما كبرت وأصبحت بحاجة إلى

الرعاية، بينما نرى في المجتمعات غير الإسلامية اهتماماً بالمرأة مادامت في

جمالها وشبابها، ثم نسيانها بعد أن تتقدم بها السن. ولهذا تكثر في المجتمعات

الأوربية العجائز اللاتي يسكن لوحدهن، وكثيراً ما تمرض أو تموت دون علم

أولادها بها قربوا في المسافة أم بعدوا؟ .

5-

ونتيجة لشدة عاطفة المرأة وتأثرها الشديد بالمواقف: جعل الإسلام

شهادتها نصف شهادة الرجل: [أَن تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى]

[البقرة: 282] . ويقول صلى الله عليه وسلم عن النساء: (

وما رأيت من

ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن. قالت امرأة: يا رسول الله؛ وما

... نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل؛

فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان الدين) [9] .

6-

وأخيراً؛ فإن الإسلام يجعل من رعاية الرجل لابنته أو أخته عبادة يؤجر

عليها. يقول صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من البنات بشيء، فأحْسن إليهن: كن له سِتراً من النار) . وقال أيضاً: (من عال جاريتين حتى تبلغا: جاء يوم القيامة أنا وهو؛ وضم أصابعه)[10] .

(1) رواه الجماعة (والباءة) : المهر (وجاء) : كاسر لحدة الشهوة.

(2)

رواه الترمذي.

(3)

انظر مثلاً كتاب النكاح في زاد المستقنع للحجاوي.

(4)

حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ، ليس صحيحاً (التحرير) .

(5)

عن كتاب علم الاجتماع، تأليف د عبد الكريم عثمان وآخرون، ص 142، 145.

(6)

عن كتاب علم الاجتماع، تأليف د عبد الكريم عثمان وآخرون، ص 143، 145.

(7)

عن مجلة البيان، العدد الخامس، ص 54.

(8)

رواه الترمذي، وصححه السيوطي في الجامع الصغير.

(9)

رواه مسلم 4 / 27 0 2.

(10)

رواه مسلم 4 / 27 0 2.

ص: 51

أدب وتاريخ

قصيدة وموقف

لخبيب بن عدي رضي الله عنه

المناسبة والشاعر [1] :

خبيب بن عدي: صحابي جليل من الأوس، وقارئ داعية إلى دينه، كان في

البعثة التي أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نجد، حيث قدم على رسول

الله بعد أُحد رهط من (عُضَل والقارة) وقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما؛ فابعث

معنا نفراً من أصحابك يفقِّهوننا في الدين، ويُقرؤوننا القرآن، ويُعلموننا شرائع

الإسلام.. فبعث رسول الله نفراً، منهم: خبيب وزيد بن الدثنة وعاصم بن ثابت

بن أبي الأقلح.. حتى إذا كانوا على الرجيع -ماء لهذيل بين عسفان ومكة -

استصرخوا عليهم هذيلاً وغدروا بالصحابة، فمنهم قتيل وأسير.

أُسر خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة، وقدم المشركون بهما مكة، (قال ابن

هشام) : فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة

حيث إن خبيباً كان قد

قتل في بدر الحارث بن عامر من أهل مكة.. فقتلته قريش ثأراً لصاحبهم، وتشفيّاً

بعباد الله المؤمنين.

سُجن الصحابي الجليل انتظاراً لتنفيذ الجريمة البشعة فيه، حيث خرجت به

قريش إلى التنعيم (خارج حدود الحرم) ، وصلّى ركعتين خفيفتين، واجتمع الرجال

والنساء والأطفال يحضرون مصرع الصحابي الجليل وصلبه، وعندما رفع إلى

خشبته وأوثقوه، قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا،

ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

وفي هذا الموقف العصيب قال هذه القصيدة:

1-

لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا قبائلهم واستجمعوا كل مَجمعِ

2-

وكلُّهم مُبدي العداوةِ جاهدٌ عليّ لأني في وَثاقي بمضيع

3-

وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم وقُربتمن جذع طويل مُمنّع

4-

إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما أرصدَ الأحزابُ لي عند مَصرعَي 5- فذا العرشِ صبّرني على ما يُراد بي فقد بضّعوا لحمي وقد ياس مطمعي

6-

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصالِ شلْو ممزّع

7-

وقد خيروني الكفرَ، والموت دونه وقد هملت عيناي من غير مجزع

8-

وما بي حِذارُ الموت، إني لميّتٌ ولكن حذاري جحم نار مُلفع

9-

فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أيّ جنبٍ كان في الله مصرعي

10-

ولست بمبدٍ للعدو تخشّعاً ولا جزِعاً، إنّي إلى الله مَرجعي

المفردات الغريبة:

5-

ياس: أصلها يئس، فخففت.

6-

أوصال: أعضاء مقطعة. شلو: ضعيف.

8 -

جَحْم: الملتهب. الملفع: المضطرم. جحم نار ملفع: في (الاستيعاب) : حر نار تلفع.

9 -

وفي رواية: (مضجعى) بدل مصرعي.

في جوّ الأبيات:

1-

إن الصحابي الجليل يصور غربته وسط جوّ جاهلي حاقد، فقد تجمع

المشركون حوله، يُبدون العداوة، يشتفون بإراقة دم المسلم الطاهر النقي، ولا ذنب

له إلا أن يعلن إسلامه صادقاً، جمعوا الأبناء والنساء، وقد قربوه من جذع ليصلبوه

عليه، عرضوا عليه الكفر ففضّل الموت:(وقد خيروني الكفر والموت دونه) .

وهكذا المشركون في كل عصر، والطواغيت في كل حين، مطلبهم واحد

من المؤمنين: أن يتركوا دينهم، وإلا فهم متزمتون، متطرفون، رجعيون، أعداء

الوطن.

2-

وها هو مسلم اليوم يعيش في غربته القاتلة، ولكن طوبى للغرباء،

فالصحابي يشكو غربته وكربته وما أرصد له الأحزاب عند مصرعه..

ويدور الزمن دورته وإذا بالمؤمنين يفرون بدينهم في فجاج الأرض، وهم

يحسون الغربة والكربة، يلاحقون ويضطهدون، ويضيَّق عليهم في كل أرض

يَقبضون على الجمر ماداموا يتمسكون بعقيدتهم، ولا يساومون عليها.

3-

إن والي حمص - سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه-أيام أمير

المؤمنين عمر -رضى الله عنه- كان ممن حضر مصرع خبيب ودعوته في

الجاهلية، يقول سعيد بن عامر. (فوالله ما خطرت على قلبي دعوة خبيب وأنا في

مجلس قط إلا غشي عليّ) .

كم من المسلمين اليوم من يُرفع على أعواد المشانق، وكم من المؤمنين من

يُقتلون بالعشرات، والجرافات تواريهم في قبور جماعية. وقد يكون من بينهم

بعض الأحياء! وكم من ليال لجيران أقبية التعذيب لا تدع لأصحابها فرصة للنوم،

من أنين المعذبين المضطهدين؟ ! .

ومسلمو العصر الحديث لا يحركون ساكناً، وأحفاد سعيد بن عامر-رضي الله

عنه-لا يرف لهم جفن عندما يسمعون بهذه المآسي.. بَلْهَ الغيبوبة التي كانت تصيب

الصحابي الجليل الوالي الورع..

أين كلمات الحق التي تقال؟ أين الإنصاف، ولا ذنب لهؤلاء إلا أن قالوا:

ربنا الله؟ ! .

إن منطق الجاهلية الحديثة، جاهلية القرن العشرين يقول: إن هؤلاء وأمثالهم

مشاكسون متطرفون، يجب أن يخضعوا ويتركوا إثارة القلاقل، وإعلان دعوة

التوحيد؛ لأن الدين قضية شخصية لا تحتاج إلى كل هذا؟ ! . وقديماً قال المنافقون

في شهداء الرجيع مثل هذا القول. يقول ابن إسحاق عن ابن عباس -رضي الله

عنهما-[2] : لما أصيبت السرية - في الرجيع - قال رجال من المنافقين: يا ويح

هؤلاء المفترين الذين هلكوا، لا هُم قعدوا في أهليهم، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم، فأنزل تعالى قوله: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى

مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ] [البقرة: 204] .

4-

إن الصحابي البدري القارئ، إنسان يشعر بكيد الجاهلية، وتذرف عيناه

الدمع من غير جزع، فما هو بخائف من الموت، فالموت حق، ولو لم يمت بحد

السيف مات بغيره، ولكنه يخشى ألا يكون قد قام بحق الدعوة، وحق الإسلام، إنه

يخشى مَسَّ النار الملتهبة..

إن الذي يموت على الإسلام، لا يبالي على أي جنب كان في الله مصرعه ما

دام في سبيل الله.

ولن يبدي للعدو جزعاً ولا تردداً، ولا تراجعاً، فنفس المؤمن عزيزة، فهو

صاحب دعوة، أدى رسالة رسول الله (اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة

ما يصنع بنا) ، (اللهم اقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً) .

5-

إن خبيباً مثال التضحية والفداء في السراء والضراء، وأين منه أدعياء

البطولة - في أيامنا الحاضرة - وقت الرخاء ومواتاة الظروف؟ ! ، وإذا ما تنكرت

لهم الأيام انقلبوا خائبين إلى أحضان أعدائهم ولو كانوا من المشركين! .

إن العقيدة الصلبة، والتربية الإيمانية، هي التي تفرق بين أجيالنا وجيل

الذروة، جيل القمة السابقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واستمع إلى قول زيد بن الدثنة-رضي الله عنه-عندما قدم ليقتل في التنعيم

أيضاً:

قال له أبو سفيان: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك

نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: (لا والله ما أحب أن محمداً الآن في

مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي) .

قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد

محمداً، ثم قُتل- رحمه الله[3] .

هكذا تكون التربية العقدية، ولا مخلَص لنا مما نحن فيه إلا بالعودة إلى هذه

التربية القرآنية الإيمانية الخالصة لوجهه تعالى.. بعيدة عن كل شائبة.

6-

لابد من التربية الصلبة التي رُبِّي عليها أصحاب رسول الله؛ حتى

يستطيع المسلمون اليوم أن يَثبتوا للجاهلية الجديدة والغربة الثانية.

فالملأ من قريش الذين أعدموا الصحابة في التنعيم موجودون في معظم أنحاء

العالم الإسلامي ولو تغيرت اللافتات والأسماء، هنالك قريش وهذيل وبقية

المشركين في جزيرة العرب، وهنا: الشيوعية، والأحزاب العلمانية، والباطنية،

والطواغيت التي ترفض تحكيم شرع الله..

7-

وأخيراً أختم هذه الخواطر (من وحي القصيدة) بأبيات لشاعر الدعوة

الإسلامية حسان بن ثابت رضي الله عنه-يرثي فيها خبيب بن عدي -رضي الله

عنه-عندما قتل صبراً بمكة [4] :

1-

ما بال عينك لا ترقا مدامعها شحّاً على الصدر، مثلَ اللؤلؤ الفَلَقِ

2-

على خبيبٍ، وفي الرحمن مصرعُه لا فشل حين تلقاه ولا نزق

3-

فاذهب خبيبُ، جزاك الله طيبةٌ وجنة الخلد عند الحور في الرُّفَق

4-

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم حين الملائكة الأبرارُ في الأفق

5-

فيما قتلتم شهيدَ الله في رجلٍ طاغٍ قد أوعث في البلدان والطرق

هكذا كانت عين حسان رضي الله عنه - وأمثاله من المؤمنين - لا ترقأ

مدامعها، تنهمر غزيرة على خداع الجاهلية وضلالات الشرك التي أودت بأهل

الرجيع، سرية القراء والدعوة إلى الله.. وهكذا يكون التعاطف بين المؤمنين،

ويكون الرثاء في معاني جديدة، معاني الإسلام؛ (الجنة، والملائكة، والشهادة) .

(1) الإصابة 1/ 418، الاستيعاب 1 / 430، وابن هشام 2 /170-177.

(2)

السيرة النبوية: ابن هشام 2 /174.

(3)

سيرة ابن هشام: 2 /172.

(4)

ديوان حسان: ص 168

الغريب: - اللؤلؤ الفلق: شبه انتشار الدمع بانتثار اللؤلؤ المتفلق، لا ترقأ: لا تجف

- في البيت الرابع: يقصد يومَ القيامة

- أوعث أفسد (ويشير إلى: الحارث بن عامر الذي قتله خبيب يوم بدر) .

ص: 58