المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نعم.. يموت المجتمع ويحيا - مجلة البيان - جـ ٨٨

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌نعم.. يموت المجتمع ويحيا

متابعات

‌نعم.. يموت المجتمع ويحيا

محمد العسيري

اطلعت على مقال د/ خالص جلبي، فوجدت أن فيه فكرة جديرة بالنظر

والتأمل، وتواصلاً وإسهاماً في هذا النظر أقدم هذه المشاركة المتواضعة:

نعلم علم اليقين أن كل مخلوق حي له جسد وروح، بناءٌ مادي خارجي وروح

تسري في أوصاله، والمجتمع كذلك له جسد وروح؛ ومن هنا كانت ميتة المجتمع

كما أرى إما ميتة مادية محسوسة بهلاك أفراده أو دمار بنيته، وإما معنوية روحية

بانهيار مبادئه وقيمه الحضارية.

فالميتة المادية المحسوسة:

هي الدمار الشامل أو الجزئي لمجتمعٍ ما بحيث تزول إمكاناته البشرية

ومكتسباته الحضارية، وأرى أن هناك طريقين لهذا الموت:

1-

انحراف بعض الأفراد وسكوت الآخرين: كما في قوله (تعالى) : [وإذا

أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا]

[الإسراء: 16]، وقوله (تعالى) عن قوم صالح: [وكان في المدينة تسعة رهط

يفسدون في الأرض ولا يصلحون] [النمل: 48] عقروا الناقة وهموا بقتل صالح

عليه السلام فكان الجزاء والعقاب: [أنا دمرناهم وقومهم أجمعين]

[النمل: 51] .

2-

تواطؤ المجتمع على الانحراف: كما حدث في قوم لوط عليه السلام

وما كانوا يقيمون عليه من الفواحش والمعاصي التي استحقوا بها عذاب الله؛ فكان

عقابهم: [فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل][الحجر: 74]

وتلاشى ذلك المجتمع ودفن في مقبرة التاريخ.

والميتة الروحية المعنوية:

كما حدث لأمتنا في العصور المتأخرة حينما عانت من الإحباط النفسي

والهزيمة الداخلية عندما تسلطت عليها فئات من المستغربين عقدياً وثقافياً وقيميا،

وقدموا روح هذه الأمة عقيدتها وقيمها وثقافتها وفكرها قربان ولاء لأصنام الجاهلية

المعاصرة، ثم بقي جسد الأمة لينهشه كل طامع وحاقد ومتسلط، كما قال

النبي صلى الله عليه وسلم: يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.. [*] .

ولكن كما أن الله يخرج الحي من الميت فقد أراد الله لهذه الأمة أن تبعث من

رقدتها، فتنبهت على نداءات صوت الصحوة الإسلامية يهتف بالرجوع إلى

الأصول وإحياء المبادئ الإسلامية.

من أسباب حياة المجتمعات:

1-

الإيمان والتقوى: [ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات

من السماء والأرض..] [الأعراف: 96] .

2-

الاستغفار والتوبة: [فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل

السماء عليكم مدراراً* ويمددكم بأموال وبنين..] [نوح: 10 - 12] .

3-

الإصلاح (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) : [وما كان ربك ليهلك

القرى بظلم وأهلها مصلحون..] (هود: 117) .

من أسباب موت المجتمعات:

1-

الظلم: [وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة..]

[هود: 102] .

2-

البطر وكفر النعمة: [وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها..]

[القصص: 58] .

وبطرت: أي: أشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم الله به عليهم من الأرزاق؛

فحق الموت على هذا المجتمع واندثرت ديارهم.

هذا ما خطر لي عن موت المجتمع وحياته، نسأل الله (سبحانه) أن يوفقنا إلى

العمل بأسباب حياة مجتمعنا وتجنب أسباب موته، والله ولي التوفيق.

(*) أخرجه الإمام أحمد ج5 ص278، وأبو داود ج4 ص483، وصححه الألباني: صحيح سنن أبي داود ح/3610.

ص: 105

هموم ثقافية

نكون.. أولا نكون..!

نظرات في مذكرات المرأة الصهيونية الرجل

أحمد عبد الرحمن الصوبان

الدارس لتاريخ الحركة الصهيونية الحديثة يجد عجائب وغرائب كثيرة جداً،

فمن شعب مهين مستضعف مشتت في كلّ أنحاء العالم، يتحول اليهود خلال سنوات

قلائل إلى أمّة قوية مهيبة، يتساقط تحت أقدامها قادة المشرق والمغرب.

جولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل 1969- 1973م) إحدى النساء اللواتي

ساهمن مساهمة قوية في قيام دولة إسرائيل، قال عنها ابن غوريون أول رئيس

للوزراء عندما عادت من أمريكا محملة بخمسين مليون دولار بعد حملة تبرعات

واسعة: سيُقال عند كتابة التاريخ: إن امرأة يهودية أحضرت المال، وهي التي

صنعت الدولة [ص171من مذكراتها]، بل قال عنها ثانية: إنها الرجل الوحيد في

الدولة! [ص97] ، عندما قرأت مذكراتها وجدت دروساً عملية جديرة بالتأمل

والنظر، منها:

الأول: ضرورة الإيمان الراسخ بالهدف الذي يدفع للبذل والعطاء، وتحويله

من حلم إلى حقيقة واقعة.

الثاني: أن آمال الإنسان لا تتحقق إلا بالإصرار والصبر وطول النفس،

واستسهال الصعاب..!

ودعونا الآن نقرأ بعض هذه المقاطع التي لا تحتاج إلى تعليق:

لقد شعرت أن الرد الوحيد على قتل اليهود في أوكرانيا هو أرض فلسطين،

يجب أن يكون لليهود أرض خاصة بهم، وعليّ أن أساعد في تحقيق هذا، لا

بالخطب والتبرعات، بل الحياة والعمل هناك معهم في أرض فلسطين [ص54] .

لقد كانت مسألة العمل في حركة العمل الصهيوني تجبرني للإخلاص لها

ونسيان همومي كلها، وأعتقد أن هذا الوضع لم يتغير طيلة مجرى حياتي في الستة

عقود التالية [ص56] .

لقد كانت (فلسطين) هي السبب، ولأجلها حضرنا جميعاً، ولأجلها تحملنا

المشاق! .. لقد كنت شغوفة في شرح طبيعة الحياة في إسرائيل لليهود القادمين،

وأوضح لهم كيف استطعت التغلب على الصعاب التي واجهتني عندما دخلت

(فلسطين) لأول مرة، ولكن حسب خبراتي المريرة التي مارستُها كنت أعتبر أنّ

الكلام عن الأوضاع وكيفية مجابهتها نوعاً من الوعظ أو الدعاية، وتبقى الحقيقة

المجردة هي وجوب إقامة المهاجرين وممارستهم للحياة عملياً. لم تكن الدولة

الإسرائيلية قد أنشئت بعد، ولم تكن هناك وزارة تعنى بشؤون المهاجرين الجدد،

ولا حتى من يقوم على مساعدتنا لتعلم اللغة العبرية، أو إيجاد مكان للسكن، لقد

كان علينا الاعتماد على أنفسنا، ومجابهة أي طارئ بروح بطولية مسؤولة!

[ص 71] .

كان الروّاد الأوائل من حركة العمل الصهيوني هم المؤمنون الوحيدون الذين

يستطيعون تحويل تلك المستنقعات أو السبخات (! !) إلى أرض مروية صالحة

للزراعة، فقد كانوا على استعداد دائم للتضحية والعمل مهما كان الثمن مادياً أو

معنوياً..! [ص74] .

عندما أتذكر وضع (السوليل بونيه)[منظمة يهودية] منذ زمن أي: منذ

1927م في مكتبها الصغير في القدس يوم كانت لا تستطيع دفع أجور العمال، ثم

أفكر في وضعها الحالي، والخمسين ألف موظف وموظفة، وبمدخولها الذي وصل

إلى 5. 2 مليون ليرة إسرائيلية، عندها أحتقر أي شخص يقول أو يُنكر على

الصهيونية تفاؤلها [ص 95] .

إننا في اجتماعنا هذا لن نُعيد المسيح إلى الحياة (في زعمهم) ، ولكن لابد لنا

من القيام بمجهود لنقنع العالم بما نريده وبما نحن عليه! ! [ص99] .

أعتقد أن هناك سببين فقط يمثلان المحنة القومية التي مررنا بها، أحدهما:

الانهيار والاستسلام، والقول: لا أستطيع أن أتابع. والثاني: أن تكشر عن أنيابك

وتحارب بكل ما أوتيت من قوة على كل الجبهات التي تواجهك مهما كانت المدة

صعبة وطويلة، وهذا بالضبط ما قمنا به في السابق، ونحن قائمون به الآن!

[ص 120] .

أدركت أنه لا يكفي لشعب ضعيف أن يثور لكي ينال عدلاً مطالبه، أما مبدأ

(نكون أو لا نكون) فعلى كل أمة أن تعمل به وبالتالي تقرر مصيرها بطرقها

الخاصة، وعلى اليهود ألا يعتمدوا على أحد من أجل تقرير مصيرهم [ص130] .

لم يقدم لنا الاستقلال على طبق من فضة، بل حصلنا عليه بعد سنين من

النزاع والمعارك، ويجب أن ندرك بأنفسنا ومن أخطائنا الثمن الغالي للتصميم

والعزيمة [ص238] .

أخبرت اليهود في جميع أنحاء أمريكا أن الدولة الإسرائيلية لن تدوم

بالتصفيق ولا بالدموع ولا بالخطابات أو التصريحات! ، إنما يجب توفر عنصر

الوقت لبنائها، قلت في عشرات المقابلات: لن نستطيع الاستمرار دون مساعدتكم؛ فيجب أن تشاركونا بمسؤولياتكم في تحمل الصعاب والمشاكل والمشقات والأفراح، صمموا على المساعدة وأعطوني قراركم! لقد أجابوا بقلوبهم وأرواحهم بأنهم

سيضحون بكل شيء في سبيل إنقاذ الوطن! ! [ص185] .

[2]

أرجو من القارئ الفطن أن يقرأ هذا المقطع بتمعن شديد، ثم يقارنه

بالشعارات الثورية التي ملأت الأمة بضجيجها وصخبها لعبد الناصر ومن بعده من

قادة التحرر العربي

! ! .

تردد الجموع بكل بلاهة:

من الخليج الثائر.. إلى المحيط الهادر.. لبيك عبد الناصر!

فتجاب بكل استهتار ومهانة: سنرمي إسرائيل في البحر!

والنتيجة هي تحطيم الطيران المصري كله على أرض المطار.. فالقادة

يعبثون ويشربون حتى الثمالة، ويتراقصون على أنغام الموسيقى، ولا يدركون ما

حدث إلا حينما انتهى كل شيء..! !

وبعد هذا الإحباط.. حتى تلك الشعارات الثورية سقطت.. وتحركت القلوب

الرحيمة تندد بالفدائية، وتنادي بالسلام وحقن الدماء.. فلابد أن نتفرغ للبناء، فقد

أنهكتنا الحروب..!

إنها حرب عقيدة، ولن تنتصر الأمّة بشعاراتها النفعية وإعلامها الرخيص،

فمتى يدرك الناس أننا قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله؟!. فإما نكون أو لا نكون..! ! [ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم

يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون] [النساء: 104] .

ص: 107

الورقة الأخيرة

حالة جارودي

جمال سلطان

المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي، رجل أضنته السنون في معالجة

قضايا الفكر الفلسفي والفكر الحضاري، وعلى الرغم من رصانته وجديته في تأمل

قضايا الفكر المختلفة، إلا أن قضايا الفكر إجمالاً تختلف عن العلوم الشرعية

بضوابطها ومعالمها ومحدداتها العلمية، ولذلك: فكثيراً ما يخطئ جارودي أخطاءً

فاحشة عندما يتحدث في قضايا من هذا القبيل دفاعاً عن الإسلام بحكم عدم

التخصص. كذلك هناك عامل السن وضعف القدرة على التعمق في عالم جديد عليه

من الأفكار، والتاريخ، والحضارة، والدين، كعالم الإسلام، لاسيما وقد أسلم

جارودي في سن متأخرة بعدما أضنته التجارب والسياحات الفلسفية وأجهدت ذهنه،

ولكن حالة جارودي تختلف كثيراً عن حالات المفكرين المسلمين أبناء المجتمع

الإسلامي والتاريخ الإسلامي، مولداً ونشأة وتحضراً، فهؤلاء يؤخذ كلامهم على أنه

شهادة إسلامية من أصحابها، وهذا مكمن الفتنة، أما جاردوي: فلا أظن أحداً من

الغرب أو الشرق يأخذ كلامه باعتباره حجة من داعية إسلامي أو مفكر إسلامي أو

عالم مسلم، وإنما الجميع يأخذ كلامه في الإسلام كنوع من التصور والسياحة

الفكرية لرجل حديث عهد بإسلام، فالفتنة هنا ضعيفة بل معدومة، أقول هذا الكلام

بمناسبة صدور مقالات وكتابات تحمل بعنف شديد على آراء جارودي وشطحاته،

ففي الحقيقة: إن الأمر أهون من كل هذه القسوة وهذه الحماسة، بل إن كثرة

ردات الفعل هذه، وتوالي الحماسات المنتسبة إلى الإسلام في غير قضية بدعوى

الدفاع عنه وحمايته، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، تستخف بكتابات الإسلاميين،

وتضعهم في ركن أصحاب المعارك الوهمية، مما يخدش من جدية الطرح الإسلامي

وقيمته، عندما يخوض غمار المعارك الحقيقية والمصيرية.

ص: 111