المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

خواطر في الدعوة ‌ ‌جمال الكون محمد العبدة   إن ما كتبه ابن تيمية في - مجلة البيان - جـ ٩٠

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: خواطر في الدعوة ‌ ‌جمال الكون محمد العبدة   إن ما كتبه ابن تيمية في

خواطر في الدعوة

‌جمال الكون

محمد العبدة

إن ما كتبه ابن تيمية في سفره الكبير (درء تعارض العقل والنقل) كان لحل

مشكلة كبيرة في تربية وتكوين شخصية المسلم، لأن الفصل بين العقل والنقل

يحدث شروخاً وتشوهات في طبيعة التفكير، فإن الوحي للعقل كالنور للبصر، فما

فائدة أن يكون الإنسان مبصراً والظلام من حوله يلف الكون؟ ! ، وشبيه بهذا أيضاً: مَنْ يفصل بين آيات الكون المنظور وآيات الكتاب المسطور، فإذا كانت غاية

الخلق العبودية التامة لله (تعالى) ، فإن من كمال التربية انسجام الوسائل والغايات،

فقيام العقل بوظيفته المقدرة له وسيلة، والتناغم مع الطبيعة المُسخّرة للإنسان وما

فيها من إبداع وجمال وسيلة أيضاً، وقد أمر الله (تعالى) في كتابه بالنظر في آيات

الأنفس والآفاق [فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ][الطارق: 5] ، كما نبه القرآن إلى

هذا الكون وما فيه من جمال [وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ]

[الحجر: 16] ، [وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَاًكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا

جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ] [النحل: 5، 6] ، [وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ

وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ] [النحل: 8] .

ثم جاءت السنة لتربي المسلم على الانسجام مع هذا الكون، فعندما سئل

رسول الله عن الرجل يعجبه أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً قال: إن الله يحب

الجمال.. [1] وكان يغير الاسم القبيح والمنظر القبيح.

وجاء العلم الحديث ليكشف أن الجمال من تركيبة هذا الكون، وأن ما قاله

علماء القرن التاسع عشر من أن المادة ليس لها إلا خواص كمية كالوزن والحجم

والعدد ليس صحيحاً، وجاء العلم الحديث ليقول: إن أي نظرية أو فرضية نرى

فيها الجمال فإننا نتأكد أنها أقرب للصواب لأنها جزء من الكون. فالجمال في

النظرة الجديدة: وسيلة من وسائل اكتشاف الحقيقة العلمية [2] ويتساءل العلم

الحديث مستنكراً على العلم المادي الإلحادي: هل تستطيع آليات الطبيعة أن تفسر

جمال النُدف الثلجية، أو زبد البحر، أو غروب الشمس، أو زخرفة ريش

الطيور؟ [3] ، إن الجمال في الفيزياء هو السمة الغالبة، فالتجربة تخطئ في الغالب والجمال قلما يخطئ، وقد كان الرياضي والفيزيائي هرمان فيل مقتنعاً بأن نظريته في القياس لا تنطبق على الجاذبية، ولكن نظراً لكمالها الفني، لم يرد التخلي عنها، وقد تبين بعد ذلك بوقت طويل أن نظريته تلقي ضوءاً على

ديناميكا الكم الكهربائية، فجاء ذلك مصداقاً لحسه الجمالي [4] ويقول عالم الرياضيات والفيزياء هنري بوانكاريه: لأن في البساطة والضخامة كلتيهما جمالاً؛ فنحن نؤثر البحث عن حقائق بسيطة وعن حقائق كبيرة [5]، ويعلن أينشتاين أنه:

لا علم من غير الاعتقاد بوجود تناسق داخلي في الكون [6] . وأكتفي بهذه النقول من الفصل الممتع (الجمال) ، وأتمنى أن يقرأ العلم الجديد مَنْ في قلبه مرض من الذين يتابعون إلحاد العلم القديم، [أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] ؟ ! .

(1) الألباني: صحيح سنن الترمذي: ج2، ص193.

(2)

العلم في منظوره الجديد تأليف: روبرت أغروسي، جورج ستانيو، سلسلة عالم المعرفة، ص46.

(3)

المصدر السابق: ص71.

(4)

المصدر السابق: ص48، 49.

(5)

المصدر السابق: ص48، 49.

(6)

المصدر السابق: ص48، 49.

ص: 26

سياسة شرعية

العلاقات والحصانات الدبلوماسية..

في الفقه الإسلامي والقانون الدولي

(2)

بقلم: علي مقبول

في الحلقة الماضية ذكر الكاتب نبذة عن تاريخ التمثيل الدبلوماسيومفهومه ومراحل تطوره، وذكر صورة التمثيل الدبلوماسي في صدرالإسلام، ثم شرع في إيضاح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية في القانون الدولي، فذكر منها: الحصانة الشخصية للممثل الدبلوماسي، والحصانة القضائية، ويواصل الكاتب ذكر جوانب أخرى من الموضوع.

- البيان -

ثالثاً: عدم خضوع دار الوكالة ومحتوياتها للقضاء الإقليمي:

يقصد بدار الوكالة السياسية ومحتوياتها: مقر البعثة والمساكن التي تخصصها

الدولة الموفدة لاستعمال البعثة.

ويلحق العديد من القانونيين بها: وسائل النقل التي تملكها أو تستأجرها البعثة، فضلاً عن الحديقة وموقف السيارات.

وتتمتع كل هذه الأشياء بالحصانة، وهذه الحصانة ذات شقين:

الشق الأول: خاص بحظر دخول السلطات العامة مقر البعثة، وكذا: منع

اتخاذ أي إجراء قضائي أو إداري داخلها، ويشمل ذلك: القبض أو التفتيش، أو

الاقتحام، أو الحجز

ونحوها.

الشق الثاني: خاص بضرورة توفير كافة الإجراءات الملائمة لحراسة البعثة، لمنع الجمهور من اقتحامها، أو الإضرار بها، أو الإخلال بأمنها، أو الانتقاص

من هيبتها، بل تلتزم الدولة بأن تتخذ إجراءات أمن مشددة في أوقات الهياج أو

الفتنة أو الاضطرابات الشعبية، ومنع التظاهر أمام مقر البعثة حتى لا يؤدي إلى

عدم الاطمئنان الذي قد يعوق قيام البعثة بواجباتها على النحو الأكمل [1] .

وقد أشارت المادة (22) من اتفاقية (فيينا)

إلى هذه النقاط، فنجد المادة تقول:

1-

تكون مكانة مباني البعثة مصونة، ولا يجوز لوكلاء الدولة المستقبلة

دخولها دون موافقة رئيس البعثة.

2-

على الدولة المستقبلة واجب اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لحماية مباني

البعثة ضد أي تدخل أو ضرر عليها، وأن تمنع أي إخلال بأمن البعثة أو النيل من

كرامتها.

3-

لا يجوز أن تكون مباني البعثة، وأثاثها، والأشياء الأخرى الموجودة فيها، وكذلك وسائل النقل الخاصة بالبعثة.. محل تفتيش أو استيلاء أو حجز، أو

إجراء تنفيذي.

وأيضاً مما يلحق بدار الوكالة: محتوياتها، ووثقائها، وتتمتع أيضاً كافة

محفوظات ووثائق البعثة الدبلوماسية بالحصانة، أي: إنه لا يجوز التعرض لهذه

المحفوظات أو الوثائق أو كشف سريتها، وطبيعي أن هذه الحصانة مكفولة

للمحفوظات والوثائق الموجودة في المقر في إطار الحصانة المقررة لهذا المقر،

وتمتد تلك الحصانة كذلك إلى وثائق ومحفوظات البعثة الموجودة خارج المقر، وقد

ورد النص على هذه الحصانة في المادة (24) من اتفاقية (فيينا) بقولها: تكون

حرمة المحفوظات والمستندات الخاصة بالبعثة مصونة دائماً أيّاً كان مكانها.

وهذه الحصانة مطلقة، ولا يجوز التنازل عنها لأي سبب، وتظل سارية في

حالة قطع العلاقات الدبلوماسية [2] .

حق الملجأ: تثير حصانة مقر البعثة مشاكل واسعة حول حق البعثة في إيواء

الفارين من العدالة، أو السماح باللجوء السياسي أو احتجاز بعض الأشخاص فيها.

فبالنسبة لحق البعثة في إيواء الفارين من العدالة، نجد أن القانون والقضاء

الدوليين يرفضان الإقرار للبعثة بهذا الحق، وذلك على أساس أن الحصانة لا تمتد

إلى أبعد مما تطلبه حماية العمل الدبلوماسي، ويجب على رئيس البعثة أن يسلمهم

إلى سلطات الدولة، وإن كان يمتنع على هذه السلطات أن تقتحم مبنى السفارة

للقبض على الفارين من العدالة، وأقصى ما كانت تعمله الدول في مثل هذه الأحوال

هي أن تحاصر السفارة وتطلب تسليم المجرم.

ويوجد خلاف في القانون في جواز إعطاء حق اللجوء السياسي من جانب

البعثة، ولا نجد خلافاً في هذا الشأن في نطاق دول أمريكا اللاتينية، فهي تعترف

للبعثات السياسية بحق إيواء السياسيين، كما تؤيد هذا الحق بالنص عليه أيضاً في

اتفاقية (مونتفديو) المبرمة بينهم عام 1933م [3] .

أما بالنسبة للدول الأخرى: فقد نازع الكثيرون في شرعية فكرة الملجأ

الدبلوماسي، معللين رأيهم بمخالفته لمبدأ السيادة الأقليمية، ولكن رغم هذا حصلت

له تطبيقات عديدة أثناء الحرب الأهلية الأسبانية، وكذلك بعد الحرب العالمية

الأخيرة، فقد لجأ رئيس وزراء هنجاريا السابق كيلاي إلى السفارة التركية في

(بودابست) في إبريل سنة 1944م، وكذلك لجأ رئيس وزراء رومانيا السابق

روداسكو إلى السفارة الإنجليزية في (بوخارست) في السنة نفسها.

ومع غموض القواعد المتعلقة بالملجأ الدبلوماسي، نجد أن اتفاقية (فيينا)

سنة 1961م، لم تتناوله بالتنظيم، واكتفت بالنص في المادة (41) على عدم جواز استعمال مقر البعثة الدبلوماسية بطريقة تتنافى مع وظيفة البعثة، ونص المادة - كما في الفقرة (3) -: لا يجوز استخدام مباني البعثة على وجه لا يتفق مع وظائفها المقررة في هذه الاتفاقية، والمفهوم أن هذا النص يمنع بطريقة ضمنية منح الملجأ الدبلوماسي [4] .

ومع ذلك يرى العديد من القانونيين، وتدل السوابق القضائية على إعطاء حق

اللجوء إلى السفارة لأغراض إنسانية، وذلك إذا ما خيف على المجرم السياسي من

اعتداء العناصر غير المسؤولة، وإن كان ذلك لا يتضمن بحال منع الاختصاص

المحلي لسلطات الدولة، وقد أقرت هذا الاتجاه محكمة العدل الدولية في حكم لها

صدر عام 1950م [5] .

وقبل أن أختم هذه النقطة أشير بلمحة موجزة عن حصانة الحقائب الدبلوماسية، وذلك لتعلقها بموضوعنا (الحصانات) خاصة وأن اتفاقية (فيينا) قد أفردت لها

أحكاماً خاصة بها ذات فائدة في هذا النطاق:

- الحقائب الدبلوماسية:

للبعثة الدبلوماسية أن تستخدم حقيبة دبلوماسية للبريد السياسي بينها وبين

الدولة الموفدة، وقد دل العرف على تنظيم استخدامها، وذكرتها اتفاقية (فيينا) في

موادها.

- مدلول الحقيبة الدبلوماسية:

تحتوي الحقيبة الدبلوماسية في العادة على المستندات والأوراق والأشياء المعدة

للأعمال الرسمية، ويلحق بالحقيبة في الحكم: الطرود المغلقة والمختومة التي

ترسل من الدولة إلى البعثة والعكس، ويجب أن يوضع على الطرود أو الحقيبة

علامات خارجية تدل على صفتها (المادة 27/4) .

- حصانة الحقيبة:

قررت اتفاقية (فيينا) حصانة الحقيبة، ومنعت فتحها أو حجزها

(المادة 27/ 2) ، على أنه من الملاحظ أن هذه الحصانة قد يساء استخدامها، فقد تستخدم في التهريب، أو حمل مواد ممنوعة

ونحوها، فما هو الحكم في هذه الحالة؟ وما الوسيلة الواجب اتباعها لو اشتبهت الدولة المُوفَد إليها في أمر من هذه الأمور؟ هل يجوز فتحها؟

رفضت اتفاقية (فيينا) إقرار نص يفيد هذا المعنى رغم جهود العديد من

القانونيين في ذلك.

وللدولة التي تشك في أمر الحقيبة أمران:

1-

إما منع دخول الحقيبة أصلاً.

2-

أو فتحها بعد استئذان وزارة الخارجية، وفي حضور رئيس البعثة

الدبلوماسية.

- حامل الحقيبة:

أطلقت عليه اتفاقية (فيينا) اسم الرسول الدبلوماسي، وأضفت عليه حصانة

كاملة، بشرط أن يكون حاملاً لمستند رسمي يدل على صنعته، ويحدد فيه عدد

العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية، وقد ذكرت اتفاقية (فيينا) ذلك في

(المادة 27/ 5) بقولها:

إنه [حامل الحقيبة] أثناء قيامه بمهامه في حماية الدولة المعتمد لديها، يتمتع

بالحصانة في شخصه.

ثم ذكرت المادة نفسها أيضاً أنه: لا يخضع لأي شكل من أشكال القبض أو

الحجز وتنتهي الحصانة الشخصية لحامل الحقيبة بمجرد تسليمها إلى المرسل إليه

(المادة 27/6) .

وأجازت الاتفاقية إرسال الحقيبة مع قائد طائرة تجارية، ونجد المادة (27/7)

توضح ذلك: يجوز أن تسلم الحقيبة الدبلوماسية إلى قائد طائرة تجارية، ويجب أن

يهبط عند نقطة دخول مصرح بها، كما يجب عليه أن يحمل وثيقة رسمية تبين عدد

الطرود التي تتألف منها الحقيبة، غير أنه لا يكتسب صفة حامل الحقيبة، ويجوز

للبعثة أن ترسل أحد أعضائها لاستلام الحقيبة الدبلوماسية من يد قائد الطائرة بطريقة

مباشرة وحرة [6] .

رابعاً: الحصانة المالية أو الإعفاء من الضرائب:

جرت عادة الدول إعفاء رجال السلك الدبلوماسي من الضرائب الشخصية

المباشرة، وكذلك من دفع رسوم إلا ما كان منها مقابل خدمات فعلية كالإنارة والمياه، كما يعفى الممثلون الدبلوماسيون على سبيل المجاملة بشرط معاملة المثل من

الرسوم الجمركية.

ولقد احتوت اتفاقية (فيينا) سنة 1961م على تنظيم مفصل للإعفاءات المالية، وذلك على النحو التالي:

قررت المادة (34) على أنه: يعفى الممثل الدبلوماسي من جميع الضرائب

والرسوم، شخصية كانت أو عينية، عامة، أو إقليمية، أو بلدية، فيما عدا:

أ- ذلك النوع من الضرائب غير المباشرة التي تكون عادة في سعر البضائع

والخدمات.

ب- الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات الخاصة الواقعة في إقليم

الدولة المستقبلة، إلا إذا كان الممثل الدبلوماسي يضع يده عليها نيابة عن الدولة

المستقبلة من أجل أغراض البعثة.

ج- ضرائب التركات ورسوم الأيلولة التي تجبيها الدولة المستقبلة، وذلك مع

مراعاة الفقرة الرابعة للمادة (39) .

د- الضرائب والرسوم على الدخل الخاص التي يكون مصدرها في الدولة

المستقبلة، والضرائب التي تجبى من رأس المال الخاص بالتمويل للمشروعات

التجارية الواقعة في الدولة المستقبلة.

هـ- الضرائب والرسوم التي تجبى مقابل خدمات خاصة.

ورسوم التسجيل، والقيد، والرهن، والدمغة الخاصة بالأملاك الثابتة مع

مراعاة أحكام المادة (23) .

الإعفاءات الجمركية:

1-

نصت اتفاقية (فيينا) أيضاً على أن تقوم الدولة الموفد إليها وفقاً لما قد

تضعه من قوانين وأنظمة بالسماح بدخول المواد الآتي ذكرها، وبإعفائها من جميع

الرسوم الجمركية والضرائب والتكاليف الأخرى غير تكاليف التخزين والنقل

والخدمات المماثلة (المادة 36) :

أ- الأشياء المعدة للاستعمال.

ب- الأشياء الخاصة بالاستعمال الشخصي للممثل الدبلوماسي وأفراد أسرته

الذين يعيشون في كنفه، بما في ذلك الأشياء اللازمة لإقامته.

2-

تعفى الأمتعة الشخصية للممثل الدبلوماسي من التفتيش، مالم توجد قرائن

جدية تبرر إمكانية احتوائها على أشياء لا تشملها الإعفاءات المقررة في الفقرة

الأولى من هذه المادة، أو أشياء يحظر قانون الدولة المستقبلة استيرادها أو

تصديرها، أو تخضع لأنظمة الحجر الصحي، ويجري مثل هذا التفتيش في

حضور الممثل الدبلوماسي أو مندوبه الرسمي [7] .

وهكذا حددت اتفاقية (فيينا) حدود هذه الإعفاءات المالية، ولكن السؤال المهم

في هذا المجال هو: هل التزم الممثلون الدبلوماسيون بهذه الحدود؟

الواقع أن ما يسمع به الناس اليوم، وما يرونه من إساءة استخدام المبعوثين

الدبلوماسيين لهذه الإعفاءات بلغ من الكثرة بحيث أصبحت تتزايد خطورتها يوماً

بعد يوم.

فالحقيقة: أن كثيراً من المبعوثين الدبلوماسيين أساؤوا استعمال حقهم في

الامتيازات المالية، وظهر على المسرح الدولي كثير من عمليات التهريب التي

نفذت بمعرفة هؤلاء الدبلوماسيين، كما أن بعضهم أساء استغلال الإعفاءات

الجمركية [8] وعدم تفتيش أمتعتهم، واستغلوا هذه الحصانات في إدخال أشياء

ممنوعة، وهناك الكثير من قضايا تهريب المخدرات وغيرها من أفلام ومجلات

هابطة ضبطت في حوزة هؤلاء الممثلين الدبلوماسيين، ولا نطيل بذكرها

لشهرتها [9] .

(1) النظم الدبلوماسية والقنصلية، د جعفر عبد السلام، ص 117 -118.

(2)

لقانون الدولي العام، د إبراهيم محمد العناني، ص 287.

(3)

انظر: النظم الدبلوماسية والقنصلية، د جعفر عبد السلام ص120.

(4)

انظر: مبادئ القانون الدولي العام، د محمد حافظ غانم، ص 585.

(5)

انظر: النظم الدبلوماسية والقنصلية، مرجع سابق، ص 120.

(6)

راجع: النظم الدبلوماسية والقنصلية، د جعفر عبد السلام، ص 122، العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، د عدنان البكري، ص 129، الدبلوماسية الحديثة، د سموحي فوق العادة، ص 290

(7)

انظر: العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، د محمد حافظ غانم.

(8)

سلطات الأمن والحصانات والامتيازات الدبلوماسية، د فاوي الملاح، ص 219.

(9)

انظر: الكثير من الأمثلة على ذلك في المرجع السابق، ص 329 وما بعدها.

ص: 28

هموم ثقافية

رؤية إسلامية لـ: إشكاليات مفهوم الديمقراطية

بقلم: سامي محمد صالح الدلال

الديمقراطية كلمة أجنبية، جرى عليها قلم التعريب؛ فهي في لغة قومها

Democracy ومعناها: السيادة للشعب، وتطبيقها العملي يعني: أن يحكم

الشعب نفسه بنفسه عن طريق ممثلين له في مجلس ينتخبه يطلق عليه: (مجلس

الشعب) أو (مجلس الأمة) أو (المجلس النيابي) أو غير ذلك من الأسماء المعبرة عنه.

ولا أريد أن أتكلم هنا عن الغور التاريخي الذي تبلورت من خلاله الديمقراطية

المعاصرة، كما إنني لا أريد أن أفصّل في أنواع الديمقراطية، سواء أكانت سياسية

أو غير سياسية، ولكن أريد أن أشير إلى أهم المعاني التي ينطوي عليها مفهوم

الديمقراطية، وذلك من خلال الإشكاليات التي تغلف أزمة تبعثر ذلك المفهوم في

أوساط الداعين إليها.

وسيكون حديثي من خلال الإشارة إلى ست إشكاليات، تتضمن كل منها عناصر متعددة:

الإشكالية الأولى:

مبادئ الديمقراطية:

طالما أن المحصلة النهائية للإيقاع الديمقراطي هي حكم الشعب بالشعب، فإن متطلبات ذلك تدفع إلى السطح بأربعة عناصر رئيسة تؤلف فيما بينها النغم الأخير.

- العنصر الأول (الحرية) :

إن الحرية في المجتمع الديمقراطي تتعدى كثيراً ذلك التقييد الذي ذكره الدكتور

علي الدين هلال في بحثه المعنون (مقدمة الديمقراطية وهم الإنسان العربي

المعاصر) عندما حصرها بقوله: الحرية، أي: احترام الحريات المدنية والسياسية

للمواطنين؛ الحريات المدنية مثل: الحريات الشخصية، وحرية الانتقال،

والزواج.. والحريات السياسية مثل: حرية التعبير والرأي والحق في الاجتماع والتنظيم.. [1] .

إن جميع ما ذكره منطو في مفهوم الحرية في المجتمعات الديمقراطية، لكن

المفهوم الشامل عند أصحابها أعمّ من ذلك؛ فهي حرية مطلقة، لا يقيدها دين

سماوي، بل تسورها قوانين أرضية غير متفق على نصوصها، فهي أسوار

متحركة، لها مسارات متعرجة بحسب البلاد والمجتمعات.

وعندما تكون الحرية مبتوتة التحديد عن دين الله الذي هو الإسلام، فإن تقييد

إطلاقها سيكون خاضعاً لعقول البشر وأهوائهم، ومن هنا: ستختلف معاني الحرية

بحسب ذلك، وبناء عليه: فإن مفهوم الحرية في النظام الاشتراكي مغاير لمفهومها

في النظام الرأسمالي، وفي داخل المنظومة الاشتراكية: فإن مفهومها في الصين

مثلاً قد تراه مغايراً لمفهومها في كوبا، ومثل ذلك يقال في إطار النظام الرأسمالي،

فإن مفهوم الحرية في فرنسا مثلاً قد تراه مغايراً لمفهومها لدى ألمانيا، ويعود سبب

اختلاف المفاهيم إلى تراكم ظروف حياتية وموضوعية أدت في النهاية إلى صياغة

قوانين متغايرة، سواء في إطار المنظومات العقدية (كالاشتراكية والرأسمالية) ، أو

في إطار مكوناتها (أي: الدول التي تنتظمها) .

وبسبب ذلك: فإن ممارسة الحرية في تلك الدول أو المجتمعات لن تكون

بالقدر نفسه.

إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو انبتاتها عن التقييد الرباني، فالحرية

الجنسية والحرية الاقتصادية والحرية السياسية والحرية الثقافية والحرية الاجتماعية

والحرية الفكرية والعقدية: جميع تلك الحريات وغيرها هي حريات يطلق للشعب

أسلوب التعبير عنها، كل بطريقته وذلك من خلال الأطر التي يضعها ممثلوه

المنتخبون.

إن مهمة المجلس النيابي في الظاهر هي إيجاد الأوضاع التشريعية التي من

خلالها تُمارس الحرية المنوه عنها بما يكفل المصلحة لأفراد الشعب، وبما أن مفهوم

الحرية ليس محدداً وموحّداً لدى أولئك الممثلين للشعب، فإن الصيغة النهائية ستكون

محصلة تغلّب أصوات أصحاب مفهوم معين على أصوات أصحاب مفهوم آخر،

وحتى تلك الصيغة النهائية لن تكون سوى حلول وسط لدى أصحاب المفهومين،

وكل ذلك ليس بالضرورة أن يكون معبراً عن وجهة نظر الشعب.

ولما كان الأمر يغذ السير في هذا الاتجاه؛ فإن مفهوم الحرية لن يبقى ثابتاً،

سواء لدى الأفراد، أو المجتمعات، ومع تطور أو تغير مفهوم الحرية تتطور أو

تتغير المفاهيم الديمقراطية، ومثال ذلك: ما ذكره الدكتور إسماعيل صبري عبد الله

في بحثه المعنون (المقومات الاقتصادية والاجتماعية للديمقراطية في الوطن العربي)، إذ قال عن تطور مفهوم الديمقراطية الغربية: كانت أولى خطواته: هي حق

تكوين النقابات، ثم الأحزاب، وظل هذا الحق مرفوضاً في فرنسا بالذات إلى ما

قبل مائة عام. الخطوة الثانية كانت: حق الاقتراع العام، وهذا المبدأ لم يسر

بصفة عامة إلا في نهاية القرن الماضي وأوائل القرن الحالي. الخطوة الثالثة في

ذلك كانت: الاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة، وهذا حدث قريباً جداً؛ في فرنسا

لم تنل المرأة الحقوق السياسية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، سويسرا ما زالت لا

تعطي للمرأة الحقوق السياسية حتى الآن. الخطوة الرابعة كانت: الاعتراف بحق

الأحزاب وبحق العمال في التأمينات الاجتماعية، وبالذات التأمين ضد البطالة [2] .

وكما أن الحرية الفردية المبتوتة عن الإطار الإسلامي غير متفق على تحديد

أبعادها لدى الديمقراطيين، مما أعطاها صفة الإطلاق عند النظر إليها من حيث

العموم، فإن الحرية بمعناها الأشمل تتوفر لها هذه الخصائص نفسها [3] في

المساحة الجماعية التي تمثل الحرية الفئوية.

ففئة العمال لهم فهم للحرية ليس بالضرورة أن يتطابق مع فهم فئة الموظفين

لها، ومثل ذلك يمكن أن يقال عن فئة الفلاحين، وعن فئة المثقفين، وعن فئة

السياسيين.. وهكذا.

ومن هنا: تتبنى كل فئة إطاراً يُعبّر عن فهمها للحرية تتحرك من خلاله،

فانبثقت من مضامين هذا التصور مسميات منوعة هي عناوين معروفة لتلك الفئات، مثل: النقابات، والأحزاب، والهيئات، واللجان

وسواها، تتوسّم كل فئة أن

تمارس فهمها للحرية تحت شعار عنوانها.

ونظراً لأن هذه الحرية لها صفة الإطلاق: فإن كل فئة تنزع إلى توسيع دائرة

حركتها في تلافيف تلك الصفة المطلقة لمفهوم الحرية بما يجعلها تتجاوز مساحاتها

إلى مساحات الفئات الأخرى، فيقع الصدام الذي تنشأ عنه طاقات شعورية وعاطفية

لها منحى الدفع باتجاه التوسع على حساب الآخرين مما يسبب ضحايا بشرية ومادية، والتي مهما عظمت فإنها تبقى دون الآثار السلبية المترتبة على الشقاق والافتراق،

مما يؤدي إلى بعثرة الأمة وإضعافها باسم ممارسة الحرية! ! .

ومن هنا: فإن عنصر الحرية الذي هو المبدأ الأول في الديمقراطية، عندما

ننظر إليه من خارج المنظور الإسلامي نراه متردّياً في إشكاليتين رئيستين:

إشكالية تحديد مفهومه في مجالاته الفردية.

إشكالية تحديد مفهومه في مجالاته الجماعية.

إن مجرد وجود هاتين الإشكاليتين كاف لجعل الريح تهوي بالديمقراطية إلى

مكان سحيق! ! .

- العنصر الثاني (المساواة) :

ولها وجهان (إفرازي) و (تنفيذي) ، ولكل وجه ما يناسبه من المناقشة

والتحليل.

الوجه الإفرازي: وهو الوجه الذي من خلاله يُفرَز النواب الناجحون في

الانتخابات فيدلفون المجلس، وبموجب المساواة: فإن جميع الناخبين بغض النظر

عن مستوياتهم الثقافية وخبراتهم الحياتية لهم وضع متساوٍ في الإدلاء بأصواتهم

لصالح مرشحيهم، ولكل فرد صوت واحد فقط، إما لصالح مرشح واحد أو لصالح

قائمة من المرشحين. وفي هذه الحالة يتساوى صاحب شهادة الدكتوراة العلمية مع

العامي الجاهل الذي لا يعرف كيف يتوضأ، في إدلاء كل منهما بصوته لصالح

مرشح أو قائمة مرشحين! ! ويتساوى العالم الفاضل التقي مربي الأجيال في الإدلاء

بصوته مع بنت الهوى التي تعرض مفاتنها في الملاهي الحمراء، ويتساوى

الإداري صاحب العقل المنظم وواضع برامج التعليم أو التنمية في الإدلاء بصوته

مع جامع القمامة الأمي، ويتساوى مدير المدرسة أو رئيس الجامعة في الإدلاء

بصوته مع الطالب الناشيء الذي يدرّسه. وعندما تفرز الأصوات ربما يفوز مرشح

بسبب صوت أدلى به الأمي على مرشح آخر جلّ أصوات ناخبيه من المثقفين.

ففي هذه الإشكالية أطاحت مساواة الأصوات بأهمية ثقل الكفاءات.

ثم نُيمّم وجوهنا شطر ناحية أخرى، وهي انعدام المساواة في قدرات

المرشحين في دعاياتهم الانتخابية، فربّ صافق في الأسواق لا يكاد يخط اسمه

يفوز بعضوية المجلس على حساب مربّ عريق بسبب تفاوت القدرات المالية،

وأحياناً ربما بسبب الانتماءات الحزبية أو التعصبات القبلية، فهذه إشكالية أخرى

إزاء دعوى المساواة! ! .

الوجه التنفيذي: وهو الوجه الذي يكتسب من خلاله النواب واجهات اجتماعية

ومواقع نفوذية بحكم موقعهم، لا بحكم القانون، ففي الواجهة الاجتماعية قد يلقى

النائب الأمي من الترحاب في المجالس والدوائر الحكومية والمؤسسة الشعبية ما لا

يلقاه العالم الجليل المجتهد أو صاحب رسالة الدكتوراة المتفوق صاحب الأبحاث

والدراسات، لا لشيء سوى لأن الأول نائب في مجلس الشعب والآخر ليس كذلك،

بل الأنكى من ذلك: اندفاع الناس لتنفيذ أوامر ذلك النائب الأمي، وأحياناً لا تكون

أوامر بل إشارات، بمقابل عدم اكتراث أولئك الناس بحضور العالم مجلسهم،

فضلاً عن أن يصدروا عن أمره! ! .

وأما من ناحية النفوذ: فإن أتباع النائب وأنصاره يحظون بالمكاسب المادية

الناشئة من توليهم الإدارات ومراكز متقدمة سواء في الحكومة أو الشركات، أو

الناشئة من استلالهم لأحقية تنفيذ المناقصات ذات الأرقام الفلكية، أو من تمكنهم من

اصطناع أفكار وهمية يجسدونها بمؤسسات اقتصادية يجعلونها غطاءً لابتزازاتهم

المالية

وهكذا.

إن جميع ذلك مقتصر على حضرات النواب أو من كان في حكمهم كالوزراء، دون غيرهم ولو كانوا علماء فضلاء أو عاملين نجباء.

إن الديمقراطية تقف عاجزة إزاء حل إشكالية لعنصر من أهم عناصرها،

وهو عنصر المساواة.

- العنصر الثالث (التمثيل النيابي) :

على أعتاب التمثيل النيابي تتصارع الأهواء، تارة لابسة لبوس الحق أو

ملتبسة به، وتارة متدرعة بالأفكار الزائفة والآراء الباطلة، التي يخيل لمستمعيها

من سحر بهرجة إعلام الداعين إليها، أنها نور يتلألأ يضيء الظُلمة، أو ماء

رقراق يروي غليل العطشان! ! إلا أنّ انبلاج الأمر يسفر عن زيف هذا وذاك

معاً! ! . وهذا لا يقحمنا في إشكالية واحدة، بل يزجّ بنا في حقل إشكاليات، هذه بعض مظاهرها وأنواعها:

1-

ممارسة الحق الإلهي: إن نواب المجلس النيابي يمارسون التشريع على

وجه الاستقلال عن أي قيد يحدّ من ذلك، وهم يفعلون هذا ضمن صلاحياتهم

الممنوحة لهم من الدستور، والتي بموجبها يُحِلّون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون، مما ليس فيه حق للبشر، إذ إن التحليل والتحريم حق خاص لله (تعالى) ، ففعلهم

ذاك هو ممارسة لحق إلهي ينقض عقيدة لا إله إلا الله، ويحل محلها عقيدة: لا إله

إلا المجلس النيابي! !

2-

الأقلية والأغلبية: وينظر إليها من زاويتين: (عامة) و (خاصة) .

فأما العامة: فإن نواب المجلس عند التحقيق لا يمثلون أغلبية الأمة بل يمثلون

أقليتها؛ فالمجلس لا يصل إلى عضويته إلا من كان غنيّاً، بنفسه أو بقومه، ولو

كان جاهلاً أو سفيهاً، أو كان وجيهاً بنسبه أو بصدارته قبيلته أو عشيرته أو طبقته

أو فئته، ولو كان صاحب هوى أو فكر منحرف، أما المتوسطون من الشعب وهم

الأغلبية الحقيقية فلا ممثل لهم.

وأما الخاصة: فإن تشريعات المجلس تصدر بالأغلبية النيابية، وعند إعمال

النظر النزيه يتضح جليّاً أن النجاح سيكون حليف القضية المعروضة إذا كانت

مكرسة لمصالح الأغلبية المجلسية، ومشتتة أو ملغية لمصالح المعارضين.

3-

الاستمرار والحل: قرار استمرار عمل المجلس النيابي أو حَلّه يقبض

على مفتاحه رئيس البلاد، الذي هو في الواقع رأس هرم مراكز القوى فيها، إن

لعبة شد الحبل بين المجلس والحكومة (وهي التي تمثل مراكز القوى إما بأشخاصها

أو برئيسها) تتم غالباً من جانب واحد. وعندما يشد المجلس الحبل في اتجاهه

فيصوبه إلى الخط الأحمر يصدر فوراً قرار الحل.

وتعاد اللعبة من جديد! ! وفي الدول الإسلامية ذات النظام الديمقراطي فإن

الخط الأحمر غالباً ما يتمثل باختلال توازن تشكيلة المجلس بما يمكّن من تمرير

المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية! ، إن هذه الإشكالية واحدة من الصخور الصلداء

التي تتهشم على نتوءاتها جهود الإسلاميين النيابيين التي يهدرون زمناً طويلاً في

حشدها بغية تحقيق الحلم المتمثل في الوصول إلى تحكيم شرع الله من خلال

المجلس النيابي! ، ومن المؤسف أن نقرر أن الإشكالية البارزة هنا هي: أن أولئك

الإسلاميين لم يدركوا بعد أنهم يحرثون في الهواء ويزرعون بذور الوهم، فهل

سيحصدون سوى الخواء! !

4-

الجزئية الكلية: إن مسحاً شاملاً لمكونات شعب من الشعوب سيظهر فيه

عدداً من الأديان والطوائف والقبائل والمهن والطبقات والأجناس وغيرها، وكل

واحدة من هذه المكونات تتألف من شعب وبطون وأفخاذ واختصاصات وأعراق،

منها كلها أو من بعضها، وإن المجلس النيابي مهما كان الإعداد له دقيقاً فإنه يقصر

عن إيجاد الصيغة العادلة للتمثيل الكلي لتلك المكونات، ولذلك: فإن حقيقة ذلك

المجلس لا تتجاوز تمثيل أجزاء من تلك المكونات من استيفاء دعوى الكلية، مما

يحمل في طياتها معنى البهتان، ويُلحق بها وزر الافتئات.

5-

قصور التخصصات: ما إن ينعقد المجلس النيابي حتى يشرع في تكوين

لجانه المختلفة، ولكل لجنة تخصص محدد، ويخضع تعيين أعضاء كل لجنة في

الغالب إلى مزايدات الأحزاب والفئات التي يتشكل منها المجلس، وقد يحدث أحياناً

أن يكون جميع أعضاء اللجنة ليس بينهم نائب واحد يحمل التخصص الموكول لتلك

اللجنة تمثيله! ! مما يؤدي إلى استعانة اللجنة برجال متخصصين من خارجها! ! .

6-

انخفاض المستويات: بما أن المجلس النيابي يضطلع بمسؤوليتي الرقابة

والتشريع، فإنه بحاجة إلى مستويات ثقافية ذات ارتقاء تخصصي وخبرة تنفيذية

تمكنه من أداء دوره، إلا أن الانتخابات النيابية بأساليبها الالتفافية تدفع إلى كراسي

المجلس بتشكيلة عجيبة، بينهم من لا يعرف كيف يكتب اسمه ومن لا يحسن سوى

بيع بعض الخضروات، فما هو دور هؤلاء البسطاء في الرقابة والتشريع؟ ! ،

وإذا ادعى بعض الإسلاميين أنهم سينجحون في تمرير التشريعات الإسلامية من

خلال: المجلس فكيف يكون هذا ومعظم إن لم يكن كل تخصصات النواب لا علاقة

لها بالشريعة ولا يعلمون شيئاً عن أصول التشريع الإسلامي؟ ! .

7-

العام والخاص: رغم أن عضوية المجلس النيابي تكليف لأداء العمل العام، فإن كثيراً من أعضائه يبتزونه لصالح النفع الخاص، إما لهم أو لأقاربهم أو

لقبائلهم أو لمعارفهم، ويتم ذلك كله في إطار القانون والحصانة البرلمانية، وبالتالي: يتحول أداء كثير من النواب من الخدمة المؤسسية إلى المصلحة الشخصية.

8-

ضياع مصالح الأمة: ما إن يسند أعضاء المجلس النيابي المنتخب

ظهورهم إلى كراسيهم المجلسية الوثيرة، حتى يبدأ تشكيل الدوائر الشللية، سواء

حزبية أو قبلية أو مصلحية، وكثيراً ما يرتفع صراخ المهاترات ويتراشق الجميع

بالاتهامات، وتحتدم المعارك الصوتية وتعلو النبرات وتنتفخ الأوداج، وكأن قاعة

المجلس ساحة حرب، (صبّحكم مسّاكم) فإذا حمي الوطيس رأيت كراسي تطير في

الهواء وقبضات تتوجه نحو الوجوه، وأخذاً بالتلابيب ورشقاً بالأحذية (كرمكم الله)

مما يستدعي تدخل الآخرين لفك الاشتباك بعد أن استبد بالجميع الإنهاك! ! فكيف لا

تضيع مصالح الأمة في خضم أمواج تلك الخزعبلات؟ ، وقد شاء الله أن أرى

واحدة من تلك المسرحيات، أقصد الجلسات، منقولة على الهواء مباشرة عبر

قنوات التلفزيون في إحدى البلاد الإسلامية.

9-

التسرّب والتسريب: تعتبر المجالس النيابية فرصة لا تعوض يستغلها

أعداء الأمة لتسريب عملائهم بشكل قانوني، ومن خلال انتخابات معترف بها محليّاً

ودوليّاً إلى تلك المجالس، ومن خلال أولئك النواب المسرّبون تتسرب جميع أسرار

الدولة إلى أعدائها دون أن يتجرأ أحد على اختراق الحصانة البرلمانية لإيقاف تلك

المهزلة! ! بل يستطيع أولئك المسرّبون أن يؤثروا على قرارات الدولة لصالح

أسيادهم! ! .

10-

استغلال المنبر المجلسي: يتخذ أصحاب الأديان والطوائف من المجلس

النيابي منبراً يدعون من على أعواده لأديانهم وطوائفهم ويستعملونه ستاراً لتمرير

ودعم أتباعهم وأنصارهم، وكل حزب بما لديهم فرحون، وهكذا تتمكن مؤسسات

تلك الأديان والطوائف من الاستفادة من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بما تلاقيه

من تغطية نيابية محصنة.

11-

الهاجس! ! : إن تحليلاً دقيقاً لتصرفات معظم نواب المجالس النيابية

سيشير بما لا يدع مجالاً للشك أن هؤلاء النواب يباشرون أعمالهم المجلسية وفي

نفوسهم هاجس الترشيح للانتخابات القادمة، ولذلك فإنهم يدرسون تصرفاتهم

ويوجّهونها بما لا يؤدي إلى وقوفها عائقاً دون آمالهم النيابية المستقبلية، إن هذا

الهاجس قد يجعل بعض النواب يقفون حجر عثرة أمام مشاريع القرارات التي يعيق

تأييدها احتمال فوزهم في المجلس المقبل، حتى وإن كانت تلك المشاريع

المعروضة على المجلس فيها مصلحة للأمة وتوطيد لكيانها.

12-

الانتهازية: تسعى بعض الأنظمة إلى عرض الوزارة على بعض

الفائزين في الانتخابات، وهنا ينتهز النائب الذي تعرض عليه الوزارة الفرصة

للمفاضلة بين أيهما ألمع جاهاً وأوسع كسباً، آلوزارة أم النيابة؟ ، فأيهما رجحت

في ذهنه كفتها بادر باختيارها، وأحياناً تكون الانتهازية حزبية وليست شخصية؛

فيبادر الحزب الممثل في المجلس إلى دفع أحد أعضائه للمشاركة الوزارية أو

النيابية حسب ما تقتضيه مصلحته الحزبية.

13-

التلوّن والبرمجة: إن كثيراً من المرشحين النيابيين يلوّنون أفكارهم

ويبرمجون تصرفاتهم بحسب ما يودّه منهم ناخبوهم، فإن كان ذلك يقتضي منهم

الصلاة صلوّا! ! ، أو الزكاة زكوّا، أو العربدة عربدوا! ! . إنهم يلبسون لباس

الجماهير ويكتحلون بلون كحلهم! ! .

تلك كانت ثلاث عشرة إشكالية فرعية في موضوع التمثيل النيابي في المفهوم

الديمقراطي، وكل واحدة منها كافية لهدم الهيكل وتقويض البناء، فكيف لو أضفنا

إليها إشكالية الصراع بين النواب وبين الحكومة (التي تمثل مراكز القوى الحاكمة

والمسيطرة) ، وإشكالية دور الإعلام المحلي والوافد في صياغة توجهات الناخبين

وأفكارهم، وإشكالية الدعم المالي والمعنوي الموجود والموعود الذي يدفع ببعض

المرشحين نحو الصدارة، وغير ذلك من الإشكاليات الفرعية الأخرى

لا شك أن

ذلك سيزيد الصورة قتامة ويكسي الواقع سواداً.

- العنصر الرابع (الواقع الدستوري) :

لم أقل الدستور، بل قلت الواقع الدستوري، وأقصد به الدستور وما يكتنفه

من ملابسات، وتلفه من ظروف، وتنجم عنه من إفرازات، ومن أهمها:

1-

مصلحة الزعيم: سواء أكان رئيساً أو غير رئيس.

فالدستور لابد أن يلبي مصلحة الزعامة، وعلى الديمقراطية أن تكيّف أحوالها

لأداء خدمة تلك المصلحة، وينبغي أن تصاغ بنود الدستور في ذلك الإطار، فإذا

اقتضت مصلحة الزعامة حل المجلس يُحلّ، وينبغي أن تلبي مواد الدستور تلك

الرغبة الزعامية، وإذا اقتضت تجميده يجمّد، أو إلغاءه يُلغى، وكل ذلك بتغطية

دستورية. وإذا عجزت صيغ الجمل الدستورية عن القيام بتلك التغطية فإن الدستور

يُعدّل وينقح خدمة لعين الزعيم.

وفي بعض الأحيان لا يحتاج الزعيم لأي من هذا كُلّه؛ فيدوس فوق الدستور

ويمضي قُدماً لتحقيق مصلحته، دون أن ينسى القول: إن الذي فعله ليس إلا

لمصلحة البلاد وسعادة العباد! ! .

[مَا أُرِيكُمْ إلَاّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلَاّ سَبِيلَ الرَّشَادِ][غافر: 29] .

2-

مزاج الزعيم: نعم مزاجه! ! فالواقع الدستوري يخضع أحياناً لأمزجة

الزعماء وأهوائهم، والزعيم ليس مطالباً بتبرير قراراته، فقد جعله بعضهم في مقام

من لا يُسأل عمّا يفعل! ! .

وإن استفسرت عن ألوان أمزجة أولئك الزعماء: فما عليك إلا النظر إلى

ألوان الطيف الضوئي وما يمكن أن يستجد من ألوان أخرى بخلط بعضها ببعض،

فأمزجة الزعماء قد تبدأ باللجان الشعبية، وتمر بمناجل الفلاحين، واتحاد القوى

العاملة، وأصناف النقابات، وشعارات الأحزاب، وكراسي مجلس الشعب.. وقد

تنتهي عند إشارات الدستور ومقتضياته ومفهوماته بل ونكهاته، وقد لا تنتهي.

3-

إرادة الدول الأجنبية: إن كثيراً من الدول الديمقراطية هي في الواقع في

إطار النفوذ الأجنبي رغم علم الاستقلال الذي يرفرف فوق مؤسساتها الرسمية،

ويبقى موضوع استمرار الديمقراطية فيها أو إيقاف عجلاتها منوطاً بإرادة تلك الدول

صاحبة النفوذ، الذي له أوجه متعددة، منها: النفوذ الاقتصادي، والنفوذ العسكري، والنفوذ السياسي.. وغيره من ألوان النفوذ، وكل لون من تلك الألوان له حظه

في التأثير على الصيغة النهائية للواقع الدستوري، بما في ذلك القرار السياسي

المتعلق بالعلاقات الخارجية، أو القرار الداخلي المتعلق بالإجراءات الأمنية، أو

القرار الاقتصادي المتعلق بالميزانية العامة للدولة أو

4-

تعليق الحريات: إن بعض الأنظمة عندما تريد بلورة الواقع الدستوري

حسب رغباتها ومقتضيات مصالحها تلجأ إلى اعتقال المناوئين ومصادرة حرية

كلمتهم أو تعليقها بما لا يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات الدستورية، وبالتالي

يفقدون فرصتهم المتاحة للوصول إلى المجلس النيابي ويتم تعليق الحريات

المعارضة للنظام في إطار الدستور الذي ينص على أن الحريات الشخصية مكفولة

في إطار القانون، وهؤلاء المعتقلون قد خالفوا القانون، أي النظام، فلابد من تكميم

أفواههم ووضع الأغلال في أيديهم، ليهنأ الزعيم وينام على فراشه الوثير! ! .

5-

مراكز القوى: وهي جماعات الضغط التي ترى أن يُفصّل الدستور بما

يحقق مصالحها ويُدعّم نفوذها، كما أنها تتخذ من مظلة الدستور مواقع انطلاق في

داخل المجلس النيابي وفي خارجه لحماية مكاسبها الذاتية؛ ولذلك تراها تضع

العراقيل أمام أي مشروع قرار يحول بينها وبين أهوائها ومطامحها الابتزازية، وإذا

فشلت نصوص الدستور في توفير تلك المظلة سعت جماعات الضغط إلى تنقيحه

واستبدال بعض فقراته لتناسب تحقيق آمال وأهداف مراكز القوى التي تشمل

فعاليات سياسية واقتصادية وعسكرية.

6-

المحاباة: تلجأ بعض الفئات، بصفتها الحزبية أو الشخصية إلى محاباة

وتملق النظام الحاكم، إما بالدفاع عن دستوره أو بمؤازرة رموزه، رغم أن ما

ترفعه من شعارات لا يسمح لها بهذا ولا بذاك. وللأسف إن هذا الوصف ينطبق

على بعض الجماعات الإسلامية أو الأفراد الإسلاميين المتورطين في حمأة المجالس

النيابية؛ فرغم أن دستور بلادهم علماني، مجافٍ للشريعة، بل مضاد لها، فإنهم

يدعون إلى احترام ذلك الدستور المضاد لتنزيل رب العالمين ولسنة خاتم المرسلين،

محاباة للنظام، ويتسامرون مع رموزه تملقاً لهم، أو انتهازية منهم. وإذا أردنا

دراسة الواقع الدستوري والمؤثرات التي تحيط به وتبلور توجهات فهم نصوصه أو

تنقيحها فإنه لا يسعنا أن نغض الطرف عن إحصاء أصوات النواب المحابين

والمتملقين! !

(1) كتاب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي: ص10، مطبوعات مركز دراسات الوحدة العربية.

(2)

المصدر السابق: ص111.

(3)

أي عدم تحديد الأبعاد.

ص: 34