الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في دائرة الضوء
جهود الأسلمة وعوائق التقليدية
بقلم: خميس بن عاشور
الاحتواء من الأساليب التي يستخدمها خصوم الحل الإسلامي وذلك بهدف
توظيف قوة الإسلام والمسلمين لأغراض العلمنة وأهداف النظام العالمي الجديد.
والذي نهتم له في هذا الحديث ليس العالم الغربي، وليست الأنظمة والدول العميلة
له، ولكن الذين نقصدهم بالحديث هم أولئك الذين يعملون من أجل إرجاع الإسلام
إلى مكانته في مجتمعاتهم ودولهم وتخليصها من هذا الجمود الفكري، وفي إطار هذا
الاحتواء أصبح كثير من العلماء والدعاة يستمرئون وضعهم، ويطمئنون إلى عدوهم، بل صاروا من العناصر التي تسهم في تلك الجهود من خلال المشاركة في إثراء
القضايا المطروحة لخدمة النظام العالمي، وتجاهَلوا قضايا الإسلام الأساسية،
وواجب العمل من أجل تحقيقها، وما يتطلبه ذلك من قوة تغييرية كبيرة من أجل
كسر تلك الحواجز المادية والمعنوية التي تكونت في فترات هجران تطبيق الشريعة
والتفريط في سلطة التنفيذ التي هي شرط لهذا التطبيق.
قال الماوردي: (فليس دين زال سلطانه إلا بدلت أحكامه وطُمست
أعلامه) [1] . إن من أسباب هجر الشريعة وعدم التفكير في تطبيقها: إقصاءها من الواقع، وهذا ما كرس مقولة عدم صلاحيتها للتطبيق في هذا العصر، فالضرورة إذن تبدو ملحّة لتكوين قوة معنوية كبيرة تسهم في تحطيم هذه الحواجز، التي نشأت في زمن القوانين الوضعية الظالمة داخل مجتمعاتنا ودولنا.
إن أولئك الذين لا يزالون يبحثون عن صيغة اجتهادية لعرض الحل الإسلامي
كان حريّاً بهم أن يراجعوا حساباتهم ويقرؤوا قوله (تعالى) : [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً] [المائدة: 3] . فالإسلام قد
كمل وتم، ولم يبق إلا تطبيقه تطبيقاً شرعيّاً حسب مقتضيات كل عصر دون
المساس بالثوابت الاعتقادية والتشريعية، ومن المفيد إزالة تلك العقدة التاريخية لدى
كثير من المثقفين المسلمين والدعاة؛ التي تتمثل في المشاعر الأبوية نحو الدعوة،
فحماية الدعوة قبل أن تكون بالأشخاص يجب أن تكون بالمبادئ التي شرعها الإسلام، فالمبادئ هي التي يحتمي بها الأشخاص وليس العكس صحيحاً؛ لأن التنازل عن
هذه المبادئ لحجة مصلحة هذه المبادئ هو (الإهانة المهذبة) لها! ! .
إن كثيراً من المدائح التي قيلت في مزايا الشرع الإسلامي بعد سقوط الخلافة
إنما هي في الغالب عمليات دفاعية سببها الانبهار والشلل الحضاري، وبسبب
المعاناة التي يتعرض لها دعاة الإسلام ودعاة تطبيق الشرع؛ فإن كثيراً منهم يميلون
نفسيّاً نحو استصعاب تحقيق الحل الإسلامي، ومع ذلك فلا يمكنهم التملص من
واجب العمل على إرجاع سلطة التنفيذ التي هي شرط للتطبيق كما سبق. وتطبيق
الحكم يجب أولاً كما يراه المحققون من الفقهاء والأصوليين لعلة أولى هي الامتثال
لأمر الله عز وجل ، أما إدراك المقصد أو الحكمة فليس ذلك شرطاً في تطبيق
الحكم، وذلك لأن إدراك المقصد عمل اجتهادي يقوم به عقل المجتهد الذي قد
يصيب وقد يخطئ، ولذلك فلا يعلّق التطبيق على إدراك المقصد أو الحكمة؛ لأن
كل ذلك متحقق دون ريب بعد تطبيق الحكم.
سؤال يطرح نفسه:
ولو سُئلنا ذلك السؤال التقليدي، وهو: كيف نطبق الحدود مثلاً والأمة غير
مؤهلة ومستعدة لذلك؟ فالجواب: شرط التهيؤ والاستعداد هو تطبيق هذه الحدود
فعلاً، وسوف تتهيأ بإذن الله، ولنا أن نقول: إن الحدود من حقوق الله التي لا تنفع
فيها شفاعة ولا عفو، فمن خوّل لنا التعطيل لحكم هو من حقوق الله عز وجل ؟ ،
إنه لا يمكننا مطلقاً أن ندعي أننا أكثر رحمة من الله نحو العصاة والمذنبين، ولذلك
فإن التردد في فعل الخير ليس من ورائه خير، وإن منهج التطبيق في الإسلام لا
يحتاج إلى بيان أفصح وأوضح من السير فيه قدماً. وعندما ننطلق من عمق الأزمة
من أجل البحث عن حلول موضوعية فإننا لا نجني سوى الخيبة والنتائج الفاسدة،
وكذلك فإن الانطلاق من واقع التقليد بمفهومه الأصولي الفقهي وحتى بمفهومه
السياسي [2] لا تكون الثمرة والنتيجة منه إلا تقليداً مركّزاً، سِمَتُهُ الأساسية:
التدليس والتمويه والعيش في ظلال الوهم، الذي يعتبر عاملاً رئيساً في عملية الهدم
الفكري الذي تعيشه بعض العقليات المذهبية والفعاليات الإسلامية اليوم.
إن النظر في مجالات الشرع يفتقد عند مثل هذه الفئة إلى البعد المستقبلي الذي
وضعه الشارع الحكيم؛ أي إن بعض الصفات التي تميز العملية التشريعية شبه
منعدمة في نفس هذا المنظور الضيق؛ فالله عز وجل عندما وضع هذه الشريعة
وأرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم، إنما فعل ذلك بعلمه بما كان وبما هو
كائن، أي: إن البعد المستقبلي لعملية التشريع الإلهية يجب أن نضمنها عملية فهمنا
للإسلام عقيدة وشريعة، وذلك من أجل ألا نقع فيما هو تقديم بين يدي الله ورسوله،
وكذلك حتى لا نقع في اجتهاد هو في مقابلة نص صحيح بالنسبة لمجال التشريع،
أو أن نجتهد لإيجاد عقيدة بديلة عن عقيدة الوحي الإلهي كالذي اقترفته مدرسة
التأويل قديماً وحديثاً.
إن فرض الإسلام على الواقع هو الذي يقضي على تلك المحاولات المنحرفة
لفرض الواقع على الإسلام لأن منهج الإسلام تغييري النزعة، وهذا يدل على أنه لا
يقبل المواجهة إذا كانت بدافع سد الثغرات وتعويض النقائص، بالإضافة إلى أن
المصدرية الإلهية للإسلام لا تقبل إلا أن يكون الإسلام فوق الجميع، وقديماً قال
الشاعر:
إذا غامرت في شرفٍ مروم
…
فلا تقنع بما دون النجومِ
فَطَعْم الموتِ في أمرٍ حَقيرٍ
…
كَطَعْمِ الموتِ في أَمْرٍ عظيمِ
وكما سبقت الإشارة إليه، فإن التقليد الذي يحاول أصحابه إلباسه لباس
الإصلاح والتجديد، إنما هو الداء العضال الذي يجب إزاحته من ميدان العمل نحو
إرجاع الشرعية للعمل الإسلامي وترشيده، حتى لاينحرف عن منهج الرسالة
الإسلامية التغييري، الذي من شأنه أن يُحوّل ما أمر الله ورسوله بتحويله من
عادات الأمم وتقاليدهم وأفكارهم وسلوكياتهم، وإن هذه العملية الانتقائية للتفكير
والسلوك هي التي من شأنها وضع الأسس والخصائص التي يجب أن تميز المجتمع
الإسلامي العالمي من غير تمييز بين الأجناس والشعوب؛ وذلك حتى لا تصبح
النظرات الضيقة للمجتمع الإسلامي عائقاً في وجه الرجوع الميمون نحو الإسلام ديناً
ودولة، وحتى لا تصبح القومية والوطنية وجهاً من وجوه الانغلاق نحو الذات،
وبالتالي بروز النظام القبلي والعشائري في أقنعة جديدة تخفي وراءها معالم
(الأرستقراطية) التي لا تقبل التغيير، ومع ذلك: فإنه لا يمكننا أن ننكر اعتراف
الإسلام بالخصائص والفروق بين الأفراد والمجتمعات؛ لأن الشارع الحكيم قد
راعى ذلك أثناء عملية التشريع؛ قال الله (تعالى) : [وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ] [الروم: 22] .
إن هذه النزعة التقليدية بالنسبة لنا نحن المسلمين لها جذور دينية، وهي
تهدف إلى المقاصد نفسها التي تتركز أساساً فيما يسميه بعضهم بـ (الآبائية)[3]
التي ترفض التغيير وتتمسك بالتقليد، هذا التقليد الذي يعرفه الأصوليون بأنه:
(قبول قول الغير من غير معرفة دليله)[4] ، أو هو (قبول قول بلا حجة، وليس
ذلك طريقاً إلى العلم لا في الأصول ولا في الفروع) [5] وقد نهى القرآن الكريم
المسلمين عن أن يَقْفُوا ما ليس لهم به علم، قال (تعالى) : [وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً] [الإسراء: 36] .
والتقليد في أمور الدين هو الأخطر؛ لأنه يسهم في مزاحمة المصدر الحقيقي
للشرع الذي هو الوحي الإلهي (كتاباً وسنة) ، وهنا يمكننا أن نطرح سؤالاً لنجيب
عليه، وهو: لماذا لا يريد المسلم أن يترك دينه على الرغم من أنه في كثير من
الحالات لا يلتزم به سلوكاً وتفكيراً؟ والجواب يمكن أن يكون كما يلي: إن تلك
الآبائية على الرغم من سلبياتها وخطرها هي التي حافظت على هذا الانتماء الذي
ترسخ عبر الأجيال ليصبح عادة وتقليداً، ورغم أن هذا التقليد وهذه العادة لا تدفعنا
إلى التشكيك في هذا الانتماء مثلما يفعله أهل النظر وأهل الكلام إلا أننا سنتخذ
هذه الآبائية نقطة للانطلاق الذي سيرتكز على العلم وعلى الاتباع.
إن البحث عن الحلول من خارج الموضوع أي الإسلام لا يمكن أن يقود إلى
نتيجة سارة بلا ريب، فلقد ذمّ الإسلام التقليد بينما حث على العلم وعلى الاتباع
للوحي.
إن عدم معرفة المسلم دليل السلوك والاعتقاد هو الذي أحال التدين إلى عادات
وتقاليد فاقدة لصيغ الاقتناع؛ لأنه لا يمكن أن يقتنع المسلم بدينه إلا إذا كان هذا
الدين مدلّلاً عليه، وحينئذ ستنبعث الروح والحياة في تلك التقاليد والعادات لتصبح
عملاً مثمراً وعبادة خالصة يجني من ورائها المسلم ثمار التزكية والعمل الصالح،
وإنما يتم ذلك بمعرفة أدلة السلوك والاعتقاد الشرعية من مظانها ومصادرها.
إن هذه العملية التي تهدف إلى تغيير جذري في منهج الاعتقاد والعمل هي
التي يمكن أن نطلق عليها إصلاحاً وتجديداً فعلاً، ومع ذلك فإن هذه العملية
ستصطدم بعوائق التقليدية والآبائية، ولكن سرعان ما ستنهار هذه العوائق لسبب
يسير، وهو: أنها لم تكن مشيدة إلا على الأوهام والأباطيل.
(1) الماوردي: أدب الدنيا والدين، ص 78.
(2)
انظر: د أحمد زكي بدوي: معجم المصطلحات السياسية والدولية، ص 148، د عبد الوهاب الكيالي وآخرين: موسوعة السياسة، ص 777.
(3)
جودت سعيد: حتى يغيروا ما بأنفسهم.
(4)
الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: مذكرة أصول الفقه، ص 314.
(5)
أبو حامد الغزالي: المنخول من علم الأصول، ص 387.
متابعات
هل يستحق نجيبب الكيلاني أن يكون رائداً؟ !
بقلم:محمد الدوسري
لقد قرأت في العدد 92 (ربيع الثاني 1416هـ) ، مقالة تتحدث عن (نجيب
الكيلاني) بصفته رائد القصة الإسلامية المعاصرة! . وكثيراً ما أتوقف وأتعجب عند
مثل هذه المقالات التي تتحدث عن هذا الرجل، ومما يزيد في عجبي أن أهلها لا
يتورعون عن إطلاق صفات: الكاتب الكبير، الرائد.. إلخ، على نجيب الكيلاني
رحمه الله ، ويتغاضون بشدة عن سقطاته التي لا تكاد تخلو منها قصصه
ورواياته! ، بل إن أحدهم قال في أحد مهرجانات الجنادرية المقامة في الرياض: إنه يطمأن على أولاده تمام الاطمئنان إذا قرؤوا روايات الكيلاني! ، وأخذ يكيل له الشكر كيلاً وافراً! .
وكتابتي لهذا التعقيب ليست اعتراضاً على الاحتفاء بالرجل، ولكنها رجاء
موجه للأدباء الإسلاميين وخصوصاً مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي أن ينحوا
العاطفة جانباً، ويتأملوا الأمر مليّاً؛ فَلَكَمْ ولَكَمْ عانى العمل الإسلامي من الانسياق
وراء العاطفة، ووضع الأشخاص فوق مكانتهم الحقيقية، والذي نرجوه من إخواننا
الأدباء هو: أن يضعوا الأمور في نصابها؛ فنجيب الكيلاني هذا كان يضَمّن
رواياته مشاهد جنسية يخجل المسلم من قراءتها، ولكن يبدو أن بعض الأدباء
الإسلاميين (سامحهم الله) قد تأثروا تأثراً غير مباشر بالروايات الحديثة التي لا
تتعفف عن إقحام الجنس في ثنايا القصة، فأصبحوا لا يرون ضيراً في هذا الأمر!، وقد قيل: كثرة الإمساس تقلل الإحساس.
ولَكُم أن تتخيّلوا ماذا يقع في حس المراهق، وهو يرى بطل رواية (ليالي
تركستان) لـ (نجيب الكيلاني) ، لا يفتأ يضم ويُقَبّل عشيقته! ، ولو أن المؤلف
ينبهه إلى أن هذا الأمر محرم لكان أهون، ولكنه لم يفعل؛ فماذا تتوقع أخي القارئ
أن ينمو في حس المراهق: حب الفضيلة، أم حب الرزيلة؟ ! .
ولقد أمسك بي أحد الإخوة، وقال: (يا أخي كيف تقولون: إن نجيب
الكيلاني أديب إسلامي، وأنا قرأت له رواية (رأس الشيطان) ، فوجدت فيها من
المشاهد ما يندى له الجبين) ، ولقد حرت جواباً في البداية، فلم أدر ما أقول،
ولكني تداركت نفسي وذكرت له بأن الرجل أخطأ، وكان يتوجب عليه أن يرتفع
بمستوى القصة عن هذه القذارات، فلا يكفي أن تكون روايته يدور رحاها حول
موضوع إسلامي.
ويجب على أدبائنا الإسلاميين، أن يكونوا على شجاعة حقيقية وواقعية في
التعامل مع جميع الأدباء؛ فلا يعطوا أحداً أكبر من حقه، ولا يزنوا الحق بالرجال؛ فإذا تكلموا عن نجيب الكيلاني، فيجب أن يذكروا أخطاءه وبوضوح كامل؛ فخطأ
الرجل في تضمينه المشاهد المخلّة بالأدب أمر ليس بالهيّن، فالرسول صلى الله
عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً. ونجيب الكيلاني لا يرى بأساً في إقحام
المشاهد الجنسية في ثنايا الرواية، فهو يقول: (.. وإذا كان الزنا صورة الجنس
المنحرف الحرام وباءً خطراً، أفلا يمكن تناوله بما يستحقه من تقبيح وتنفير؛ وما
يصاحبه من مقدمات وإغراءات وسقوط؟) [1] .
فهو كما نرى لا يمانع أن يتناول مقدمات الزنا، والإغراء، والسقوط! ، مع
أنه يذكر أن (الأدب الإسلامي حينما يحتفي بقضايا المجتمع والعصر فإنه ينهج نهج
القرآن الكريم، وأحاديث نبينا المختار، صاحب الرسالة العظمي صلى الله عليه
وسلم) [2]، وأورد دليلاً: قصة يوسف عليه السلام ، ولكنه للأسف لم ينضبط
بهذا الضابط، فالقرآن في قصة يوسف عليه السلام ، والسنة في قصة عابد بني
إسرائيل الذي أغراه الشيطان بالزنا، لم يتناولا الجنس بالطريقة التي فهمها نجيب
الكيلاني وحاول إقناعنا بها! .
ونجيب الكيلاني لا يرى بأساً من ظهور المرأة على المسرح! ، معللاً ذلك
بالتعليل التالي: (
…
لأن هناك قضايا وأموراً حساسة لا يمكن أن تقدم إلا من
خلال المرأة، فضلاً عن أن (وضعية) المرأة في المجتمع وما يلابسها من محاذير
وحرج وسلبيات، لا يمكن تناولها إلا بالتواجد المباشر للمرأة) [3] ! . ومشكلة
نجيب الكيلاني ومعظم أدبائنا، هي أنهم لم يحاولوا الانعتاق من أسر الأشكال الأدبية
الغربية؛ فمن الذي قال بضرورة المسرح في الأدب الإسلامي؟ ! ، ففيما عداه
غنية وفضل؛ ثم: لماذا لا يقوم الأديب المسلم الملتزم بمعالجة مشكلة ظهور المرأة
إن كان ولا بد من مسرح فيبدع لنا مسرحية تتطرق لقضايا المرأة بدون ظهورها
على المسرح؟ ! ! .
وفي تاريخنا خير مثال على ذلك، فلقد قام الفنان المسلم المتقدم باستبدال
التصاوير المحرمة، بالخط العربي والنقوش الإسلامية.
ورجاؤنا الحار من الأخوة الأدباء الذين أخذوا على عواتقهم مهمة تقديم أدب
إسلامي متميز خاصة أعضاء رابطة الأدب الإسلامي أن يؤطروا الأطر التي
تتناسب مع إسلامنا فعلاً، وأن تكون أسس وبدايات جهودهم وتنظيرهم، ونقدهم،
وإبداعاتهم، مستمدة (بكاملها) من الإسلام؛ فلا نرضى بأن يقدموا لنا كلاماً فاحشاً،
ثم يقولوا لنا: هذا أدب إسلامي! ، أو يقدموا لنا قصة أو رواية تتخللها انحرافات
عقدية، ثم يقولوا لنا: هذا إبداع من إبداعات الأدب الإسلامي! .
ونرجو منهم أن يكونوا صرحاء مع أنفسهم، ومع غيرهم من الأدباء، فلا
تكون المجاملة هي الفيصل في تقرير إبداع هذا الكاتب أو ذاك، وأن يتقوا الله في
إخوانهم المسلمين، وليقدموا ما يعكس روح دينهم، وينفع أمّتهم، ويرسخ في أبنائها
حب الله ورسوله ثم حب الفضيلة.
تعقيب الكاتب
بعد ورود وجهة نظر الأستاذ محمد الدوسري حول الموضوع، عرضناها
على الكاتب الأديب الناقد محمد حسن بريغش، فكتب التعقيب التالي:
لقد تفضل الأخ الكريم بالكتابة عن نجيب الكيلاني رحمه الله ناصحاً ومحذراً
الأدباء الإسلاميين والنقاد: ألاّ يطلقوا صفات الريادة والمديح، وألا يُؤْثروا المجاملة
في نقدهم، وألا يتغاضوا عن الانحرافات والأخطاء عند الكيلاني وغيره، وألاّ
ينساقوا وراء العاطفة في تقويم الأشخاص، فيضعوا الأشخاص فوق مكانتهم.. إلخ.
وذكّرهم بمسؤوليتهم أمام الله عز وجل ، لكي يقدموا ما يعكس روح دينهم
وينفع أمتهم، ويرسخ في أبنائها حب الله ورسوله ثم حب الفضيلة.
وأشكر الأخ الكريم الذي عقّب على ما كتبتُه عن نجيب الكيلاني في العدد
(92)
من مجلة (البيان) ، ولقد كانت غيرته على دينه، وخوفه على شباب الأمة
من الانحراف، وحماسته في الصّدع بالحقيقة باعثاً لهذا التعقيب، فجزاه الله خيراً،
وله منا الشكر.
أما اعتراضات الأخ فلها ما يبررها، ولكنه وقع في مبالغات وأحكام متعجلة؛
لأن ما نُشر في البيان عن الكيلاني رحمه الله لم يقع في إطلاق الأحكام العاطفية،
بل حدد بشكل دقيق ومختصر مكانة الكاتب وظروفه، وحدد بعض الأسباب التي
دفعت الكيلاني لمجاراة كتاب القصة.
ولذلك قلت فيما كتبت: (وهذا يؤكد بأن الكيلاني كان في بداياته القصصية
معنيّاً بترسيخ قدميه، وتقديم نفسه بوصفه كاتب قصة مصريّاً يجيد كتابة الرواية،
ويقف مع كتّاب القصة الآخرين: (نجيب محفوظ، وباكثير، والسّحار، وعبد
الحليم عبد الله، والشرقاوي، ويوسف إدريس.. وغيرهم) ولهذا: لم تكن قصصه
الأولى تختلف عن قصص غيره إلا في نسبة مشاركة المرأة والجنس في
القصة..) [4] .
وقلت أيضاً: (وتأرجح بين الرضوخ لتقاليد القصة الغربية والالتزام بالتصور
الإسلامي للقصة) [5] .
ووضّحت سبب تأرجحه في ذلك، وأشرت إلى أن هذه الظاهرة تثير لدينا
قضية مهمة، تبدو عامة عند كثير من الأدباء والكتاب الذين يتحدثون عن الأدب
الإسلامي؛ وهي: فقرهم في الزاد الشرعي، وتأثرهم بالفكر الغربي) [6] .
ولكن ذلك كله لا يمنع من الاعتراف للرجل بريادته في مجال القصة
الإسلامية، وإسهاماته في مجال الأدب الإسلامي، فالريادة لا تعني الإصابة؛ لأن
الرائد هو من يتقدم القوم ليبصر لهم مواطن الكلأ ومساقط الغيث [7] ، فهو سابق
للناس يستطلع لهم، ويخبرهم، وقد يخطئ وقد يصيب. والكيلاني كان يخوض
غمار التجربة وسط جو يعج بالهيجان السياسي والفكري، ويمتلئ بالأفكار المعادية
التي تهيمن على الساحة، ولا يستطيع كاتب التعقيب أن يتصور مثل هذه الأجواء
المليئة بالفتن، ووسط ذلك الجو بدأ الكيلاني يكتب حينما كان الآخرون يتهيّبون من
كلمة إسلام، فهو رائد حقّاً في هذا المجال، اجتهد فأصاب وأخطأ، وحينما نتحدث
عنه لا نغض الطرف عن أخطائه، ولا تأخذنا العاطفة في إطلاق الأحكام، ولكننا
أيضاً لا نقع بالمقابل في الغلو فنرفض كل شيء منه؛ لأنه أخطأ هناك وأصاب هنا.
لقد كتبت عن الكيلاني منذ وقت مبكر، وكنت صريحاً وواضحاً في الكشف
عن هذه الأخطاء في كتابين خاصين بالقصة [8] ، بل وكان الرجل رحمه الله من
أحسن من يستمع إلى نقد ناقديه، ويتقبل نصيحة إخوانه، ويصغي إلى أصحاب
الرأي الآخر من قراء أدبه والنقاد.
ولهذا نلتمس له العذر، ونسأل الله له الرحمة، ونبين أخطاءه برفق وعدل،
ولا نبخسه حقه من المميزات التي يستحقها عن جدارة.
وكذلك فإن لكل فن شروطه وأجواءه، شريطة ألا يخرج عن الإطار الشرعي: أي دائرة الحلال المباح، ولا ينفع في إطلاق الأحكام العامة أن نطبق أخلاق
العابد الزاهد على كل المسلمين، فربما كانت فضائلهم نوعاً من الإسراف والتبذير
والإساءة عند مثل هذا الرجل الزاهد.
وأخيراً: فللأخ الشكر كله على غيرته، ونرجو الله عز وجل أن يقوي من
عزيمة المسلمين لارتياد مجالات الحياة بإيمان وصدق وشجاعة لتقديم الخير للناس،
وإعطاء الصورة الصحيحة للحياة بعامة، والأدب بخاصة، وكما يريدها لنا رب
العالمين سبحانه وتعالى .
(1) مدخل إلى الأدب الإسلامي، نجيب الكيلاني، كتاب الأمة (1408هـ) ، ص113.
(2)
المصدر السابق، ص 115.
(3)
المصدر نفسه، صفحة 112، 113.
(4)
البيان، العدد (92) ، ص 76.
(5)
السابق، ص 77.
(6)
انظر: البيان، (92) ، ص 78 79.
(7)
انظر: القاموس المحيط، ص362، مؤسسة الرسالة والمعجم الوسيط، ص 381، المكتبة الإسلامية باستانبول.
(8)
هما: (في القصة الإسلامية المعاصرة (و (دراسات في القصة الإسلامية المعاصرة عرض ودراسة لعدد من قصص الدكتور نجيب الكيلاني) .