الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 42
فهرس المحتويات
1-
كلمة العدد من المسئول عن هؤلاء الضائعين: لفضيلة الأستاذ محمد المجذوب
2-
من منافع الحج وفوائده: لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
3-
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ} : لفضيلة الشيخ أبي بكر جابر الجزائري
4-
تفسير آية من كتاب الله: لفضيلة الشيخ عبد الفتاح عشماوي
5-
المفهوم الصحيح للتوسل على ضوء السنة: لفضيلة الأستاذ حماد بن محمد الأنصاري
6-
تصحيح المفاهيم في جوانب العقيدة: لفضيلة الشيخ محمد أمان بن علي الجامي
7-
مفهوم الربوبية (الحلقة الثانية) : بقلم سعد ندا
8-
وصايا للحجاج والزوار: لسماحة الشيح عبد العزيز بن باز
9-
الحج عرفة: لفضيلة الشيخ محمد أمان بن علي الجامي
10-
هذا هو الطريق: لفضيلة الشيخ أبي بكر جابر الجزائري
11-
أثر الحج في النفس والمجتمع: للدكتور عبد الرحمن بله علي
12-
خمسة أحكام للحج في آية واحدة: للدكتور عبد الفتاح عاشور
13-
الذبائح في مناسك الحج مصادرها ومصارفها: للدكتور أحمد علي طه ريان
14-
تأملات في فريضة الحج: بقلم محمد السيد الوكيل
15-
ما أدخلته الشيعة في التاريخ الإسلامي: بقلم فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله المحيسن
16-
مسئولية التعليم - المنهج بين الماضي والحاضر: بقلم عبد الله قادري
17-
قبس من بلاغة الفاروق رضي الله عنه: بقلم الدكتور علي البدري
18-
من قيم الإسلام - "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق": بقلم الدكتور عز الدين على السيد
19-
آيات الله في الكون: لفضيلة الشيخ أحمد عبد الرحيم السايح
20-
مولد رمضان: للشاعر السوري محمد منذر لطفي
21-
صحيح المقال في مسألة شد الرحال: بقلم حمود بن عبد الله التوريجرى
22-
أحكام يرفضها التحقيق حول إبراهيم عليه السلام والبيت العتيق: لفضيلة الشيخ محمد المجذوب
23-
تعقيب على تعقيب: للشيخ محمدالمجذوب
24-
سؤال وجواب: لفضيلة الشيخ عبد العزيز الربيعان
25-
الأنفلونزا والكوليرا: بقلم الدكتور حسين كامل طه
26-
المؤتمر العالمي بلندن عن حياة المسيح عليه السلام: ترتيب: عبد الرشيد أرشد ترجمة: محمد لقمان
27-
كلا.. ليسوا مسلمين..
28-
أول مؤتمر يبحث عن قضايا المدارس الإسلامية في الهند حوالي 1952 من المندوبين والعلماء اشتركوا في المؤتمر: نور الحق الرحماني
29-
من أعماق الكتب من كتاب زاد المعاد: للإمام ابن القيم
30-
من كتاب دور المساجد التاريخي في التثقيف العلمي: تأليف محمد الشاذلي الخولي
31-
الفتاوى: لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
32-
مختارات من الصحف
33-
لائحة الامتحانا في كليات الجامعة الاسلامية
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م
كلمة العدد
من المسؤول عن هؤلاء الضائعين
أسرة التحرير
في طريقنا إلى الفلبين كان لابد لنا من الهبوط في بومباي لتغير الطائرة، وكان علينا أن نقضي معظم الليل في ردهة المطار بانتظار موعد الطائرة التي ستقلنا إلى مدراس.. وبينما أنا أغالب إغفاءة خفيفة أخذ سمعي دوي بعيد ترافقه ضجة موزونة ثم ما زال يقترب شيئاً فشيئاً حتى انجلى لنا عن موكب يضم قرابة العشرين رجلاً، كلهم من العرق الأوربي في الأبيض البشرة، الأزرق العيون، الفارع الهيكل. كان أحدهم حدثاً لا يتجاوز الخامسة عشرة، وبينهم واحد في سحنة الهنود.
وقد استرعى انتباهي من هؤلاء أزياؤهم الغريبة، فهي عبارة عن سراويلات فصلت على الطريقة الباكستانية، وفوقها قمص تنسدل إلى الركب. وكانت رؤوسهم حليقة كلها. إلا امتداداً كذيل الثعلب، يبدأ من وسط الرأس ثم يتدلى إلى مؤخرة الرقبة.
كان بعض هؤلاء يحمل طبولاً على شكل اسطواني، ينتهي طرفاه بفتحتين ضيقتين ألصقت بهما قطعتان من الجلد عليهما يضرب حاملوها..
وينطلق الجميع في أناشيد محفوظة يكررونها وهم يترنحون في انتظام، وكلما انتهوا إلى فقرة منها معينة قفزوا معاً إلى الأعلى، تم يعودون إلى اهتزازاتهم الأولى..
وهكذا جعلوا يبدئون ويعيدون حتى نال منهم الإرهاق، وجعلت أصواتهم تخفت من التعب.. فإذا مما استعادوا بعض قدرتهم أعادوا العمل ضرباً وترنحاً وقفزاً وإنشاداً..
لم أستطع بادي الرأي تفسير عملهم.. وخطر في بالي أنهم مجموعة من الضائعين الذين يتكاثرون هذه الأيام في الشوارع أوربة وحواضر أمريكة، قد أقبلوا على الشرق في سياحة ترفيهية، فهم يجوبون شوارع بومباي على هذا الوضع، إعراباً على تمردهم على الحضارة الغربية، التي أعطت الإنسان الغربي كل وسائل الرفاه. وسلبته مقابل ذلك كل أسباب الطمأنينة. إلا أني لم ألبث أن هديت إلى تفسير الصحيح حين أقبل رفيق رحلتي الدكتور ف. عبد الرحيم، فبين لي أن هؤلاء نموذج لكثيرين من الغربيين الذين فرغت قلوبهم من سكينة الإيمان فراحوا يهيمون على وجوههم، حتى احتضنهم دعاة الوثنية الهندية، فاعتنقوا بعض مذاهبها، ثم جاءوا إلى الهند ليمارسوا شعائر دياناتهم الجديدة على النحو الذي ترى.. فهم يؤدون هذه الحركات داخل المعابد، ولعلهم يريدون من إجرائها في الشوارع تذكير الناس بها ودعوتهم إلى إحيائها..
وسرعان ما وجدتني مشدوداً بما شاهدته من هذه الغرائب إلى التأمل في ما وراءها من عبر وأحداث:
لقد وثبت بي الذاكرة إلى منظر الطرقيين في العديد من ديار المسلمين، وقد تحلقوا حول (الراقص المولوى) يعزفون له ويقرعون وينشدون، وراح هذا يدور في وسطهم على قدم واحدة، كخذروف الوليد، وقد انفتحت (تنورته) الواسعة حتى أشبهت مظلة الطيار الهابط من الأعالي..
ثم تتابعت على الرؤى حتى وقفت بخيالي على واحدة منها لم تزل تعمل عملها في صدور الغافلين.. إنها صورة هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً فكان من بين مبتدعاتهم تلك الحلقات الأخرى، التي يتوسطها (قائد السيرك) فتأخذ في التمايل وفق إشارته، وقد تصاعدت من صدورها همهمات تبدأ واضحة باسم الله، ثم ما تنفك تتغلغل في الغموض حتى تستحيل زفيراً وشهيقاً لا مفهوم له، ثم لا تفتر ولا تهدأ إلى أن يأخذها الإرهاق، الذي يأخذ هؤلاء الراقصين في ردهة مطار بومباي..
فمن هنا إذن.. من رقصات الهنادك والبوذيين لآلهتهم، قد تسرب هذا الرقص الطرقي، الذي يسميه المضللون والمضللون في بلاد المسلمين (حلقات الذاكرين) !..
ثم ألفيتني أتساءل: هذا الجيل المتمرد على حضارة المادة والشهوات، وعلى تعاليم الكنيسة، بعد أن تمردت الكنيسة نفسها على وحي الله، حتى صارت تعاليمها مجموعة من مقرات رجال الدين..
هذا الجيل الذي تتخطفه البوذية والبرهمية والهيبية.. وو.. لماذا أغفله دعاة الإسلام، فلم يفتحوا أعينه على نور ربه؟ أليس الإسلام هو خاتم رسالات الله إلى عباده؟ ..
فمن المسئول عن تبليغهم حقائقه، إذا لم يقم المسلمون من أولى العلم وهذه المهمة؟.
ولا حول ولا قوة إلا بالله!..
محمد المجذوب
هذا هو الطريق
لفضيلة الشيخ أبي بكر جابر الجزائري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
بين يدي الطريق أستعرض مع السالكين الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم، ليعلموا مدى الحجة الماسة إلى سلوك هذا الطريق، وأنه لا خيار لهم في ذلك متى أرادوا النجاة لأنفسهم، وللأجيال الآتية بعدهم.
إن المسلمين اليوم - دويلات كبيرة أو صغيرة، وأقليات كثيرة أو قليلة - يعيشون واقعاً مراً لا يغبطون فيه، ولا يحسدون عليه.
وهذه لمحات خاطفة نلقيها على هذا الواقع المر ونكتفي بها عن الاستعراض الشامل، والعرض التفصيلي الذي لا يزيد القلب إلا كمداً وحزناً، والنفس إلا ألماً وحسرة.
1 -
في بلاد العرب:
إن العرب وهم الذين قد اختير آباؤهم السالفون لحمل رسالة الإسلام، وإبلاغها إلى الناس كافة، لينجوا بها، ويسعدوا عليها، وفعلاً فقد حملوها وبلغوها، ونجت بها، وسعدت عليها أمم كثيرة، ولا ينكر هذا إلا جاهل، أو مكابر، جاحد.
لكن هؤلاء العرب الأحفاد قد مزقتهم الأهواء، وعبثت بهم أيدي الأعداء، فتمكن منهم الحانقون على الإسلام، الناقمون منه من كل قوى الشر في الأرض، فسلخوهم من الإسلام، وأبعدوهم عن ساحته، وقد كان درعهم الواقي، وحصنهم المنيع، ومصدر قوتهم الروحية والمادية معاً، فتنكروا - مع الأسف- له، وأصبحوا حرباً عليه من حدثهم عنه ازدروه واحتقروه، ومن دعاهم إليه أخافوه، وعذبوه أحياناً، ونكلوا به.
تقاسمت هؤلاء العرب الأحفاد - الأهواء، ومزقتهم الشهوات، فتفرقوا أيادي سبأ، فأصبحوا لذلك سخرة لأعداء الإسلام وأعداءهم، يسخرونهم كما شاءوا، ولما شاءوا، حتى قال قائل [1] منهم مؤخراً:"يجب أن نحافظ على توازن النفوذين الأمريكي والروسي في المنطقة "أي في بلاد العرب، فيا للعجب! ! !
إن معنى هذا القول من هذا المسئول هو بلا شك مساعدة العرب عدوهم على التمكين، له في بلادهم، ومعنى آخر لهذا القول هو مساعدة العدو على احتلال الدار، وبقاء العار، وسبحان الله! ماذا أصاب العرب، وماذا حل بديارهم من ذل، وهون، ودون؟ ! !
إن العرب الذين كانوا بالأمس القريب مثال العز، والكرامة، والمروءة، والشهامة أصبحوا اليوم أمثلة للمذلة، والمهانة، وأصبحت ديارهم التي كانت بالأمس حصوناً منيعة، وقلاعاً رفيعة لا تنالها أيدي الأعداء، ولا يدخلها من لا نأذن له ولا نشاء. أصبحت ساحات لتحارب النظريات وحقولاً لزرع فنون الخبث والعبث، ومباءات لألوان الهون والدون، والفسق والمجون، آه، ثم آه..
إن القلب ليذوب كمداً، وإن النفس لتذهب حسرات عندما نرى هذا ونرى فسلطين أرض قدسنا، ومعقل عزنا، وبها كرائمنا، وفلذات أكبادنا، تدنس برجس الصهاينة اليهود، وتجلل بعار احتلالهم لها، وبخزي انتصارهم على العروبة فيها.
وآه، ثم آه
…
أن القلوب لتذوب كمداً وإن النفوس لتذهب حسرات عندما نرى طائفة تمرق منا فتقتطع جزءاً غالياً من جنوب جزيرة إيماننا، ومدار عزنا وكمالنا، وتحوله دار كفر وعدوان، بعد أن كان دار إيمان وإسلام، ثم تجعله - يا للمصيبة - حصناً لأعدائنا وقلعة في أيدي خصومنا، لإذلالنا وتهديد بلادنا، لتدميرها والقضاء عليها، أه، ثم آه.. ماذا دهى العروبة والإسلام، وماذا حل بساحتهما، ونزل بديارهما؟ ؟ ؟
إن القلب ليتقطع، والنفس لتتمزق عندما نشاهد رجال مغرب العروبة والإسلام تهدر دماؤهم وتزهق أرواحهم، وتبدد أموالهم، وكل طاقاتهم إرضاء لأطماع الشيوعية البغيضة، التي تريد أن تقتطع من صحراء العروبة والإسلام قطعة كبيرة كقطعة عدن، من جنوب اليمن فتتخذها مركزاً لإدارة الفتن، وقلعة لتهديد أمننا وإيماننا، ثم القضاء على سلامتنا وإسلامنا.. آه، ثم آه! ! ! ماذا أصابنا، وماذا نزل بديارنا حتى أصبحنا خناجر في أيدي أعداء ديننا، وخصوم عقيدتنا يقتلوننا بها، وهم جالسون على أرائكهم آمنون في ديارهم
…
آه، ثم آه.. إن القلب ليذوب كمداً، وإن النفس لتذهب حسرات عندما نشاهد ونرى إخواننا من فلسطيننا ولبناننا يقتلون ويذبحون في مجزرة رهيبة دامت قرابة نصف عقد من السنين يستصرخون فلا يصرخون، ويستغيثون فلا يغاثون حيث عجزت جيوش قرابة عشرين دولة عربية إسلامية عن إنقاذهم، وإطفاء نار الفتنة في ديارهم. ووالله لو كان العرب كما يريد الإسلام أن يكونوا لما دامت محنة لبنان ثلاثة أيام، وذلك بتحويل قوة الردع إلى قوة فتح، ولاحتلت لبنان في ثلاثة أيام، ولألقي القبض على كل عناصر الشر بها، وضرب على أيديهم ولو بالقضاء عليهم، وإن غضب اليهود أو تحركوا جعل من لبنان مجزرة ومقبرة لهم، فيها يجزرون، ويقبرون، ولا يبعثون إلى يوم ينشرون.
ولكن العرب قومنا وإخواننا هداهم الله قد أخطأوا الطريق، طريق الإيمان الذي به يأمنون ويعزون، وضلوا السبيل سبيل الإسلام الذي به يسلمون وينتصرون. وهم مع هذا يا للأسف يحسبون أنهم مهتدون. فمن يهديهم من بعد الله! !
إنه قد أصبح من غير السهل أفهامهم، فضلاً عن إقناعهم بأن ما هم عليه ليس من الهدى في شيء، وأن كل يوم يمضي على اقتناعهم بواقعهم، ورضاهم به يخسر فيه الإسلام والمسلمون بل العالم أجمع كل فرصة للخلاص من هوة الشر والفساد، التي تردى فيها أكثر المسلمين والناس أجمعون، وأنه لا منقذ لهم ولا للعالم كله إلا الإسلام، ولا نجاة لهم ولا لغيرهم من بني الناس من خسران الدنيا والآخرة إلا بالإسلام لله رب العالمين.
2-
في بلاد العجم:
إن بلاد المسلمين العجم هي أوسع مساحة من بلاد العرب، وشعوبها أكثر عدداً من شعوب العرب، قد أصيبت هي التالية بما أصيبت به بلاد العرب وشعوب العرب، فبالأمس البعيد قد خسر الإسلام دار الخلافة وشعبها على أيدي عصابة مارقة من أبنائها. وبالأمس القريب فقد فقدت دولة الإسلام الكبرى باكستان نصفها حيث شطرها العدو المزدوج [2] إلى شطرين. ومنذ أشهر قليلة قد سقطت أكبر قلعة للإسلام في بلاد العجم وهي أفغانستان بلاد الأبطال والشجعان حيث هدت أركانها على أيدي عصابة مارقة من أبنائها من أبنائها من عملاء الشيوعية صنيعة ولعبة اليهودية العالمية.
ولم يكن كل هذا الذي أصاب ديار العرب والمسلمين إلا نتيجة طبيعية لإعراض العرب والمسلمين عن الإسلام وبعدهم عنه ورضاهم بالحياة خالية منه، بعيدة عن شرائعه وقوانينه التي هي مصادر القوة والخير، وينابيع الرحمة والعدل في الأرض.
والتعليل المنطقي لهذا الذي أصاب المسلمين في ديارهم وعقولهم وعقائدهم هو أن خصوم الإسلام ما فتئوا منذ أن كان الإسلام وهم يكيدون له، ويحاربونه في الظاهر والباطن حتى تمكنوا منه وضربوه حتى كادوا يقضون عليه. وباختصار القول: إن كل ما أصاب الإسلام والمسلمين إنما هو من كيد أعداء الإسلام والمسلمين ومكرهم، وحربهم الباردة والساخنة والمستمرة على الإسلام والمسلمين، إلى كتابة هذه الكلمات وستستمر إلى ما شاء الله تعالى.
ومن عجب أن المسلمين كلهم أو جلهم يعلمون هذه الحقيقة، ويصرحون بها، فيقولون إن أعداء الإسلام هم الذين فرقوا المسلمين، وأضعفوهم وأبعدوهم عن الإسلام مصدر وحدتهم وقوتهم، ثم هم لا يحاولون حتى مجرد محاولة أن يخرجوا من هذه الوضعية السيئة، التي وضعهم فيها خصومهم، وأعداء معتقدهم ووجودهم حتى لكأنهم مسحورون أو شبه مسحورين.
وبالجملة فإن المسلمين من غير العرب كالمسلمين من العرب في كل أوضاعهم، وسائر أحوالهم، لا يختلف بعضهم عن بعض، في كل ما أصابهم، وحل بديارهم من إلحاد وشر، وفسق وظلم وفساد، فالدواء واحد، ولهذا لا يكون الدواء إلا واحداً. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو ما هو الدواء؟.
والجواب: أن الدواء هو الإسلام، والطريق إليه هو ما سنوضحه فيما يلي:
إلى الحاكمين أولاً:
إن الطريق إلى نجاة الحاكمين في بلاد المسلمين وسعادتهم يتمثل في النقاط الأربع التالية:-
- الاعتراف الكامل بأن أكثر ما هم عليه الآن هو خطأ وباطل أي ليس بصواب ولا حق ولا يجوز قبولهما، ولا الإقرار عليهما، وذلك لحكمهم المسلمين في الجملة بدون رضاهم، وبغير شرع ربهم الذي يكفل لهم نجاتهم وسعادتهم.
- الاعتراف التام بأن الاستمرار على هذا الخطأ والباطل سيؤدى حتماً إلا شقائهم، وشقاء من يحبونهم من المسلمين في دنياهم وأخراهم، لأن الاستمرار على الخطأ والباطل لا ينجم عنه إلا تفاقم الشر والفساد، وازدياد الضعف والنقصان في حال المسلمين ديناً ودنيا إلى أن يتعرض المسلمون كلهم للزوال والفناء.
- الإيمان بوجوب تدارك الموقف وتصحيح الوضع للنجاة، ولعودة حياة العزة والقوة، والعدل والرحمة والخير للمسلمين كل المسلمين، ومعنى هذا أنه التوبة المأمورة بها في قول الله تعال:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وهي توبة تشمل كل مظاهر الحياة بين المسلمين، فيستبدل بالخبث الطهر، وبالفساد الصلاح، وبالظلم العدل، وبالشر الخير، والحسنات بالسيئات.
- اجتماع الملوك والرؤساء العرب والمسلمين أو من قبل منهم مبدأ التوبة هذا وتاب، يكون اجتماعهم في المدينة النبوية عاصمة الإسلام الأولى، لاتخاذ القرارات الأربع التالية:-
1-
الإعلام عن اتفاق المؤتمرين على ضرورة عودة الحياة الإسلامية في بلاد المسلمين عقيدة، وعبادة، وأدباً وخلقاً، وحكماً، ونظاماً، وشرعاً، لإنقاذ المسلمين مما حل بهم، ونزل بديارهم من ضعف، وذل وهون ودون.
2 -
تكوين لجنة توسعة من علماء الشريعة في البلاد الإسلامية، وأن يعهد إليها بوضع دستور إسلامي لأمة الإسلام تؤخذ كل بنوده مواده، نصاً وروحاً من الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة، والفقه الإسلامي المستنبط من الوحيين في عصر الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام الصالحين.
3 -
والإعلان عن استئناف الحياة الإسلامية فور صدور هذه القرارات، وذلك بوجوب إقامة الصلاة بين كل أفراد الأمة الإسلامية إقامة إجبارية. وبوجوب منع الخمر شراباً وتجارة، وإنتاجاً، وصناعة بين كل أفراد المسلمين. وبوجوب إلزام الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة الزي الإسلامي والحجاب الإسلامي، ومنع الاختلاط بين النساء والرجال منعاً كلياً وفي كل المجالات. وبوجوب تطهير الإعلام في ديار المسلمين صحافة، وإذاعة، وتلفازاً، ومسرحاً، من نشر وإذاعة وإظهار كل ما يمس العقيدة الإسلامية، والخلق الإسلامي، أن يتنافى مع مبادىء الإسلام، وتعاليمه القائمة على أساس الطهر والكمال النفسي والخلقي.
وبوجوب إيقاف سائر المعاملات الربوية، وتصفيتها، والاستبدال بهذه البنوك الربوية مصارف وبنوكاً إسلامية، يسهم فيها كل مسلم ومسلمة، تقوم على أساس منع الربا، وحظر التعامل به، وبوجوب تعقب الملاحدة في بلاد المسلمين واضطرارهم إلى العودة إلى حياة الإيمان، والعمل، والجهاد، ومن رفض منهم ذلك يحكم فيه السيف فهو الحد الفاصل بين الكفر والإيمان.
4 -
الإعلان عن موعد بدء تنفيذ مواد الدستور [3] ، والأخذ بها، وتطبيقها يوم الفراغ من وضعه، وتقديمه لأعضاء مؤتمر القمة الإسلامي الذي انعقد أول مرة. فيبدأ بتعيين إمام المسلمين، ومجلس حكومته المكون من ممثلين صالحين لكل الأقاليم الإسلامية التي رضي حكامها بالوحدة الإسلامية في ظل الحياة الإسلامية والدستور الإسلامي، ثم بالتطبيق الحرفي لكل مواد الدستور وبنوده شريعة وسياسة، بكل صدق وجد وإخلاص.
هذا. وكلمة أخيرة نقولها للحاكمين في ديار المسلمين بعد أن بينا الطريق لهم في صدق وإخلاص وولاء: طريق نجاتهم ونجاة شعوبهم وسعادتهم جميعاً وفي الحياتين أيضاً، نقول لهم: والله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، إنه لا نجاة لهم مما هم في من حيرة، وقلق، وضعف، وعجز، ولا مما يتوقع لهم من كوارث، ومحن، وبلاء، وعذاب دنيوي، وأخروي وشقاء، لا نجاة لهم من كل ذلك إلا بسلوك هذا الطريق.
كما نقول لهم ونقسم إن سلوك هذا الطريق الذي بينا لكم- أداء لواجب نصحكم- لأيسر وأسهل وآمن من سلوك الطريق المعاكس الذي تسيرون فيه وتفرضون على المسلمين وهم كارهون- سلوكه والسير فيه بقوة الحديد والنار! ! !
كما ننصح لهم بأن عليهم- إذا كانوا مجبرين بقوة عالية خفية على السير في هذا الطريق المعاكس للإسلام من أجل إذلال المسلمين وأفنائهم، أو مسخهم في عقولهم وقلوبهم، وفي كل مميزات حياتهم لتبقى بلادهم مناطق نفوذ، أو تمهيداً لاحتلالها من قبل اليهود تحقيقاً لحلمهم في إقامة مملكة إسرائيل على أرض الناس أجمعين.
ننصح لهم بأن يتحرروا في شجاعة وإيمان من سيطرة هذه القوة الخفية، ويرفضوا طاعتها، والسير في طريقها، وليطيعوا الله تعالى، وليسلكوا سبيله، وليمشوا في طريقه، ولن تضرهم تلك القوة الخفية ولن تستطيع أن تنال منهم منالاً أبداً، لأنهم برفضهم طريقها وقبول طريق الله تعالى قد أصبحوا أولياء لله، ومن كان الله وليه فإنه لو اجمع عليه من بأقطارها لم يضروه شيئاً.
وإن هم عجزوا عن التحرر من هذه القوة الخفية بترك طريقها واتباع طريق الإسلام دين الله الذي لا يشقى سالكه ولا يضل في الحياة أبداً، لقوله تعالى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} فإن عليهم أن يهربوا من ساحة الحكم، وينجوا بأنفسهم، ويتركوا الأمر لأمة الإسلام تتحمل مسئوليتها بنفسها إن أحسنت فلها، وإن أساءت فعليها، فإنه والله لأن يرضى العاقل بأن يصبح كناساً من كناسي البلديات في ديار المسلمين، بعد أن كان ملكاً أو رئيساً، خير له من أن يبقى على رأس شعب من شعوب الإسلام يحكمه بغير شريعة الله، ويسوسه بسياسة تتنافي في جملنها مع حياة الإسلام وتطلع المسلمين..
وهذه كلمة نصح قدمتها أيها الحاكمون المحترمون بعد بيان طريق النجاة لكم، فإن أخذتم بها نجوتم وسعدتم وذلك ما أريده لكم ولكل المسلمين، وإن كانت الأخرى فحسبي أن تصحت والأمر لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والى الجماعات الإسلامية ثانياً:
والى الجماعات الإسلامية العاملة في الحقل الإسلامي في كل أنحاء العالم بيان طريق نجاحها في عملها الإصلاحي ووصولها إلى أهدافها وغاياتها من إقامة المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي؟ ليعبد الله وحده لا شريك له، ولتظهر أمة الإسلام، وتسود وتحكم،.
إليك أيتها الجماعات الطريق واضح المعالم، ظاهر الأعلام، فاسلكيه في صدق، وامشي فيه بجد وحزن، واعملي أنه لا سبيل إلى تحقيق ما تصبين إليه وتهدفين إلى تحقيقه إلا بالسير عليه. وإنه ليتمثل في الأبعاد الثلاثة الآتية:
الأول: الاعتراف بالواقع الذي يعيشه المسلمون كل المسلمين، وهو واقع جد مؤلم ومؤسف ومحزن أيضاً، فليعترف به ولا يتجاهل بحال من الأحوال، وها هي ذي صورة واضحة لهذا الواقع المؤلم فلينظر فيها ولتتأمل ملامحها حتى يكون الاعتراف مبنياً على أساس العلم فيساعد ذلك على قبول هذا الطريق الذي ندعو الجماعات الإسلامية إلى سلوكه، والسير فيه إلى أن تتحقق أهدافها وتصل إلى غاياتها في إيجاد المجتمع الإسلامي وإقامة الحكم الإسلامي فيه.
ملامح الصورة:
إن لصرة الواقع المؤلم الذي يجب على الجماعات الإسلامية الاعتراف به ملامح بارزة ومخيفة منها يتكون وجهه المكفهر الكالح، فلننظر إليها:
1 -
الفرقة:
إن مما لا شك فيه أن واقع المسلمين اليوم قائم على أساس الفرقة والاختلاف، فدولتهم دويلات تعد بالعشرات، وجماعاتهم جماعات تعد أيضاً بالعشرات، قانونهم الذي يحكمهم قوانين شتى، وفكرهم الذي تنبع منه سياستهم وتخطيطهم لكل حياتهم أفكار متعددة، ومتناقضة ومتضاربة أيضاً.
2 -
العداء:
إن العداء الموجود اليوم بين المسلمين عداء مستحكم شديد، وهو قائم بين الحكومات وبين الجماعات كذلك، وحتى بين الأفراد، فلذا لم يوجد أي تعاون صادق بين المسلمين وفي أي مجال من مجالات الحياة. مع أن التعاون بين المسلمين مبدأ أساسي في كمال حياتهم، وطهرها، وسعادتها، لقول الله تعالى لهم:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ومنذ أن حلت العداوة بين المسلمين محل المحبة ترك بينهم واجب قيام الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إذ لا يتم هذا الواجب على وجهه الكامل المثمر إلا بين جماعات متوائمة متحابة، وما دام لا وئام، ولا حب بين المسلمين حكومات، وجماعات وأفراداً، فلا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، وإذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلد عمه الفساد وهلك أهله لا محالة [4] .
3 -
قسوة القلوب:
إن ظاهرة قسوة القلوب بين أفراد المجتمع الإسلامي لظاهرة غريبة، وخطيرة في نفس الوقت.
غريبة، لأن طبيعة العقيدة الإسلامية القائمة على أساس الإيمان بالبعث والجزاء {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} - وعلى مبدأ الرحمة والإخاء {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [5]"الراحمون يرحمهم الله"[6]- "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"[7] .
يتنافى معها قسوة القلوب التي تنجم عادة عن الكفر والظلم.. وخطيرة لأن مجتمعنا حين تنعدم فيه الرحمة حتماً ينعدم منه الخير، ويعمه الشر، ويكثر فيه الفساد، وبالتالي تنتظم أهله التعسة والشقاء.
وإن بحثنا عن سبب وجود هذه الظاهرة أو الكارثة في الحقيقة وجدناه فيما أصاب العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين من تخلخل، وضعف نتيجة الكيد المستمر للإسلام والمسلمين، والذي ابتدأ بقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وانتهى بإسقاط الخلافة الإسلامية، ثم بنشر مذهبي الإلحاد والإباحية في ديار المسلمين الإلحاد الذي يتزعمه المعسكر الشيوعي الاشتراكي، صنيعة اليهود، والإباحية التي تقوم بنشرها الرأسمالية الغربية بزعامة أمريكا اليهودية، فعن المذهب الأول انتقلت شعارات الكذب، والخداع، والتضليل، كالتقدمية الثورية، والاشتراكية العربية والإسلامية، فأنست المسلمين قيادة الإسلام، وحكم الإسلام وعدالة الإسلام، ورحمته، وعن المذهب الثاني انتقل ما يسمونه حرية الرأي والفكر، والحرية الشخصية، وفصل الدين عن الدولة، وعزل الشريعة الإسلامية عن الحياة كل الحياة والتعليم المخرب للعقول والقاضي على الخلق والكرامة، ثم السفور والفجور وأندية العرى والقمار، وإظهار الأغاني الخليعة وإيجاد المسابح والمسارح في سلسلة جهنمية يطوق بها عنق الإسلام، لخنقه والقضاء عليه، والذي تولى القسط الأكبر من هذه الجريمة هم وزراء الإعلام، والتربية والتعليم، والشبيبة والرياضة في بلاد المسلمين، وجرهم لذلك غفلتهم عما تقدمه لهم الماسونية من سم قاتل، في قوالب مختلفة يطلقون عليهم مسميات الخبرات والاستشارات هم لا يشعرون.
وتتجلى ظاهرة قسوة القلوب بين المسلمين في مجالين: الأول: بين الأغنياء والفقراء والثاني: بين ذوي الحاجات من المسلمين وبين من على أيديهم قضاؤها ولو كان من أصغر الموظفين القائمين على بعض مصالح المسلمين. فبين الأغنياء لا يوجد على الحقيقة أي مظهر للرحمة، والبر، والإحسان، يشار إليه بالبنان، فلا يوجد إلا غني يسكن قصور الملوك، وفقير يسكن أكواخ الحطب، وبيوت الصفيح، وغني يركب أحدث أنواع السيارات، وفقير يمشي على رجلين حافيتين، وغني تصنف له أنواع الطعام، وتصفف بين يديه في كلتا وجبتيه، وفقير محروم من كل الكماليات ويعاني آلاماً من فقده الضروريات.
وبين الموظفين وأصحاب الحاجات لا يوجد أيضاً أي مظهر من مظاهر الرحمة والشفقة، أو التقدير أو التكريم، كأن الموظف القائم على المصلحة موعز إليه بأتعاب المواطن ذي الحاجة، وإهانته، وتعذيبه حتى أصبح من المعلوم لكل الناس إن صاحب الحاجة إن لم يكن له وساطة لا تقضى حاجته إلا بعد عناء، ومشقة، وفوت وقت طويل، هذا إن قضيت له، وإلا فما أكثر من تموت حاجاتهم في نفوسهم، وتقبر مصالحهم في مقابر آمالهم وآلامهم.
4 -
الكذب والخيانة:
إن ظاهرة انعدام الصدق والأمانة بين المسلمين اليوم لظاهرة خطيرة للغاية، حيث شملت أغلب وجوه الحياة بين المسلمين، فلم يسلم منها وجه واحد، فقد ظهر الغش وفشت الخيانة في كل مرافق الحياة، فظهر ذلك بين الرؤساء والمرءوسين، وبين العمال والموظفين، وبين الصناع والتجار والفلاحين، وحتى بين العلماء والمتعلمين حتى لكأن المسلمين لم يؤمروا في شريعة ربهم بأمانة، ولم ينهوا عن خيانة، ولم يدعوا إلى صدق، ولم يحذروا من كذب قط، مع أن نصوص الشرع تقول:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [8] .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [9] .. ويقول عليه الصلاة والسلام:"أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"[10] .. ويقول: "من غش فليس منا"[11] .. ويقول: "عليكم بالصدق وإياكم والكذب"[12] ومع كل هذه النصوص وغيرها شاع الغش، وانعدمت الأمانة حتى أن المرء لو أراد أوقية من عسل خال من الغش أو سمن أيضاً لم يكد يجدها في أسواق المسلمين والعياذ بالله تعالى.
5 -
زيغ القلوب:
إن زيغ القلوب أصبح ظاهرة معروفة بين كثير من المسلمين، لا سيما طبقة الأثرياء والمثقفين، والحاكمين، وظهر ذلك في استخفافهم بشريعة الله، ونقدهم لها، وإعراضهم عنها، وعيشهم بعيداً عن التخلق بأخلاقها، والتأدب بآدابها، وعن مزاولة فرائضها وسننها، كما يظهر بوضوح أكثر في تكييف حياتهم الخاصة تكييفا ألحقهم باليهود والنصارى، وذلك بتشبههم بهم، في كل شأن من شئون حياتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"من تشبه بقوم فهو منهم"[13] .
6 -
كبائر الإثم والفواحش:
إن كبائر الإثم والفواحش والتي ما ظهرت في أمة إلا دمرتها، وقضت على طهرها وصفائها، وبالتالي على وجودها بالمرة، قد ارتكبت بين أمة الإسلام بصورة هائلة، مفزعة مخيفة، فالربا وهو من أكبرها قد أصبح مباحاً تتعاطاه الحكومات والمؤسسات وحتى الأفراد تجاراً وموظفين على حد سواء، والزنى وهو من أعظم الفواحش قد انتشر، وظهر بين المسلمين بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذا الأمة، نتيجة لتهيئة وسائله، وإتاحة الفرص لطالبه، وذلك بإشاعة الأغاني في بيوت المسلمين، وعرض صور النساء المومسات، وصور الزناة من الرجال على شاشة السينمات والتلفزات، والسماح للنساء وبالسفور والتبرج الجاهلي في الأسواق والشوارع، ودور العمل وما إليها من المدارس والجامعات.
الأمر الذي دفع برجال الأمة ونسائها إلى التكالب على فاحشة الزنى، حتى أصبحت السلامة من هذه الفاحشة نادرة جداً بين شباب هذه الأمة وشاباتها.
وككبيرة الربا وفاحشة الزنى الظلم والجور والقمار والتلصص، والسرقة، وقتل النفس، والرشوة، في الأحكام والمعاملات، كل هذه مرتكبة معمول بها على مرأى ومسمع من كل المسلمين، ولا قلب يحزن، ولا نفس تخاف، ألا فلتعرف هذا الجماعات الإسلامية، وليبينوا بناء دعوتهم الإصلاحية لا يجاد المجتمع الإسلامي، وإقامة الحكم الإسلامي فيه على أساسه والذي هو اعتراف بواقع مر وجد أليم.
الثاني:
إن البعد الثاني من الأبعاد الثلاثة التي يتكون منها طريق الوصول إلى إيجاد المجتمع الإسلامي وإقامة الحكم الإسلامي فيه هو العمل الإصلاحي على أساس الاعتراف بواقع الأمة الإسلامية اليوم وعدم تجاهله، وهو واقع مر، وجد مؤلم كما أسلفنا.
وهو أي العمل على أساس الاعتراف بالواقع يتطلب الإخلاص في العمل، والصبر عليه، والحلم والأناة فيه، والحكمة، والعلم، والتنظيم في كل ذلك.