المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 54 فهرس المحتويات 1- كلمة التحرير: لفضيلة الدكتور عبد الله بن عبد - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٢٥

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌العدد 54 فهرس المحتويات 1- كلمة التحرير: لفضيلة الدكتور عبد الله بن عبد

‌العدد 54

فهرس المحتويات

1-

كلمة التحرير: لفضيلة الدكتور عبد الله بن عبد الله الزايد

2-

فاجتنبوه لعلكم تفلحون: للشيخ أبي بكر الجزائري

3-

المسكرات والمخدرات وموقف الشريعة الإسلامية منها: للدكتور أحمد علي الأزرق

4-

الخمر جماعُ الإثمِ: للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي

5-

مكافحة المُخدَّراتِ واجبٌ ديني وطني إنساني: للواء جميل محمد الميمان

6-

المخدَّرات أخطرُ مُعوَّقاتِ التنمِيةِ: للدكتور إبراهيم إمام

7-

عِتَابٌ من الكبدْ: للشيخ عبد الله إبراهيم الأنصاري والدكتور أحمد مصطفى زهرة

8-

سبيلُ الدَّعوة الإسلاميَّةِ للوقايةِ من المسكِراَت والمخدّرات: للدكتور جمعة الخولي

9-

المسْكرات مِنَ النَّاحيَةِ النفسيَّة: للدكتور ملك غلام مرتضى

10-

المُسْكرُ والمُخَدَّرُ جنَايةٌ على العقلِ: للشيخ سعد ندا

11-

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام: بقلم: أحمد محمد جمال

12-

دورُ الأدبِ في مكافحة الخمر بين الجاهليّة والإسلام: للشيخ محمود محمد سالم

13-

السكران: للشيخ محمد المجذوب

14-

قَاتِلٌ.... وَنَشتَريهِ!! : للشيخ محمد رجب حميدو

15-

يَا ضحَايَا الكيف

: للشيخ يوسف الهمذاني الشافعي

16-

أَيُّها المدَخِنُ

: للشيخ محمد المجذوب

17-

نظرات الطب الحديث في المسكِراتِ والمُخدَّراتِ: للدكتور إسماعيل صبحي حافظ

18-

وقفة مع طب الفم والأسنان وعلاقته بالكحول والإدمان: للدكتور أحمد كرات

19-

الخمْرُ وتَأثيرها على العيُونِ: للدكتور فكري السيَّد عوض

20-

التَّسمُّمُ الكُحُولّي: للصيدلي حمدي إبراهيم علي إبراهيم

21-

التدخين والمسكرات

22-

أخبار الجامعة - في سبيل الدعوة إلى الله: إعداد: الشيخ محمود سالم

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 184

كلمة التحرير

لفضيلة الدكتور عبد الله بن عبد الله الزايد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه.

أما بعد. فإن الخير والشر ضدان لا يجتمعان، والخير حق والشر باطل، وهما في الضدية في صراع لا يهدأ، وتصير الغلبة لأحدهما على الآخر دوليك، وإنما تحصل هذه الغلبة على أيدي البشر أنفسهم لكن الحق يمتاز بالغلبة على الباطل بأن الله تبارك وتعالى يكون مع أهله ما صدقوا معه، فلا يخضع النصر للقوة المادية بالمقاييس البشري، بخلاف الباطل فإنه لابد لتفوقه من أمرين: القوة المادية الكاسحة وغفلة أهل الحق عن الأخذ بما أمر به الله من الأسباب الإيمانية والقوة المادية التي أمر الله عباده أن يهيئوا لأعدائهم بالإعداد لهم بحسب الاستطاعة.

وبهذه المقدمة يتبين أن واقع المسلمين اليوم مع أعدائهم إنما هو محصلة لهذين السببين.

وما حصل من خلل في بنية المجتمع البشري إنما المسؤول عنه غيبة الإسلام عن حكم واقعهم.

إن الإسلام لا يقر الظلم بجميع صوره وأشكاله يمارس ضد أحد، فالظلم حرام سواء كان ذلك بطريق مباشر أو بغير طريق مباشر، ومن أجل ذلك تأسست الحدود الشرعية لمنع الظلم وكبح جناح الظالمين الذين يزاولون الظلم ضد أمن البشرية في دينها وفي كيانها وفي عقولها وفي كل ما يتصل بحياتها.

ص: 185

ومن ذلك أن الله تبارك وتعالى خمر الخمر تحريما قاطعا بحيث لا يقرب الإنسان حماها، لأنها فضلا عن إصابتها العقل – مناط الإدراك في الإنسان – بالشلل بحيث يعيش منقادا لغيره عديم الإرادة كالحيوان، فإنها توقع العداوة والبغضاء بين الذين سقطوا في تعاطيها، وتصدهم عن الله صدا كبيرا، يقول جل ذكره {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} .

وبينت السنة النبوية المطهرة العقوبة الواجبة التي يستحقها من يشرب الخمر حماية لعقول الأمة وتجنيباً للعلل والأسقام عن الفتك بصحة أجسامها وأخلاقها بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من ساهم في إبراز الخمر إلى حيز الوجود وإعدادها لتكون في متناول الشاربين، فلعن عاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها، ومعنى هذا أن كل من يسهم بنصيب في تيسير أمر تعاطيها تنسحب عليه لعنة الله التي تتضمن طرده من رحمته.

وإن أخطر من ينالهم شر هذه الخمر المتوهج، إنما هو الشباب الذي تعلق عليه الأمة عريض أمالها وتعهد إليه فيما بعد جسام مسؤولياتها، إذا لو أن الخمر ملكت عليه نفسه وأصرت لبه وتمكنت من قلبه لأفسدت عليه حياته وقوضت عليه أركانه ومن ثم ضاعت ما كانت الأمة تأمله فيه من خير.

ويلحق بالخمر في حكمها وآثارها الخطيرة كافة المخدرات والمفترات ومشتقاتهما من بيرة وحشيش وأفيون وكوكايين وقات وما شاكل ذلك بأي اسم وبأي لون مما يعد من أكبر المعاول في تدمير صرح الأمة والقضاء على كيانها.

ص: 186

والله تبارك وتعالى حين كلف المكلفين خاطب فيهم العقل الواعي، فإذا أهلك هذا العقل فبأي شيء يعي الإنسان ويعقل عن الله؟ ألا إنه يصير في تلك الحال كالحيوان الأدنى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} .

ويجب أن يعلم أن إقامة الحد واجب الدولة الإسلامية، ولا ريب أنه يجب على العلماء والمفكرين بيان شرع الله في الحل والحرمة المتعلقين بحياة الناس مما تكفل كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بإيضاح أحكامها وإنما مؤتمر مكافحة المخدرات والمسكرات التي تقيمه الجامعة الإسلامية في 27/5/1402هـ إن شاء الله بالتعاون مع مقام وزارة الداخلية إنما هو تكريس لأفكار العلماء والباحثين المسلمين وغيرهم في بيان حكم الله في هذه الجرثومة الضارة للعقل والبدن وإقتصاد الأمة وأخلاقها والكشف عن هذا الخطر الداهم الذي يجعل من أفراد الأمة دمى لا روح فيها ولا حياة، فيسهل حينئذ على أعداء الله من اليهود والنصارى والملاحدة وأعوانهم أن يملكوهم ويلتهموا ثرواتهم ويسخروهم كالآلات في خدماتهم ويشكلوهم أشكالا منوعة حسب ما يريدون مع الإستفادة بالاستشهاد بما توصل إليه إنسان هذا القرن بما هيأ الله له من وسائل التقنية (والتكنلوجيا) في تقرير حقائق هذه المسكرات والمخدرات، عسى أن يكون في ذلك مساهمة نافعة يفيئ بها الإنسان المنهمك في تناول هذه الأوبئة إلى رشده ويعرف موضع الخطر ويدرك عمق الهاوية التي يتردى فيها من ينزلق إلى حمأة هذه الرذيلة، فلعله أن يرعوي، ويقلع عن مقارفة هذه الجريمة التي تنطلق منها الجرائم جميعا.

ص: 187

وإذا كانت الجامعة الإسلامية تقيم هذا المؤتمر فإنها إنما تؤدي واجباً هو من طبيعة وظيفتها في الدعوة والتبصير، فقد حدد نظامها الأساسي أنها مؤسسة علمية ودعوية كذلك وأن عليها أن تتخذ كافة الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الهدف على هدي من الكتاب والسنة، وهي في ذلك تتأسى بالداعي الأول، إمام الهدى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أمره ربّه أن يعلن على العالمين منهج دعوته بقوله:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} .

بيد أنها بما تشتمل عليه من قدرة بشرية وإمكانات معنوية ومادية مؤهلة للقيام بهذا الواجب أصلاً، الذي يعد من صميم ما نيط بها لتقوم به نحو العالم الإسلامي خاصة، ونحو العالم بأسره عامة، فرسالة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي للناس جميعاً {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} ، وما كانت كذلك إلا رحمة لهم لاستنقاذهم من وهدات الضلال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} .

هذا وقد دعت الجامعة لحضور هذا المؤتمر الهام حشدا من العلماء والمفكرين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي الذين نهلوا من علوم الشريعة، وجمعوا من خبرات الحياة ما يمكنهم من الإسهام في التوجيه في هذا المؤتمر، ليتوفر للبحث الذي يقوم عليه المؤتمر ما يجعله جديراً بالوفاء بكل مقومات البيان والإقناع بإذن الله عز وجل.

ص: 188

وإنني بهذه المناسبة لأتقدم بالشكر لله عز وجل ثم لقادة هذه المملكة المسلمة، فقد توفر على أيديهم للمسلمين في كل مكان كل أسباب التمكين والنماء لجامعتهم الإسلامية، ولا نستطيع أن نفيهم حقهم كفاء ما قدموا للمسلمين في هذه الجامعة العتيدة سوى الدعاء بأن يديم الله على هذه البلاد عزها وأمنها في ظل عقيد الإسلام وشريعته بقيادة جلالة الملك المعظم وصاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الأعلى للجامعة الإسلامية حفظهما الله وأيدهما ونصر بهما الحق وأهله.

وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

ص: 189

المُسْكرُ والمُخَدَّرُ جنَايةٌ على العقلِ

للشيخ سعد ندا

المدرس بكلية الحديث الشريف بالجامعة

العقل جوهرة يتميز بها الإنسان عن الحيوان، وهو مناط الإدراك فيه، فبه يفرق بين الخير والشر، ويميز به الخبيث من الطيب، ومن ثم حرص الإسلام أعظم الحرص على المحافظة عليه، وجعله محل التكاليف الشرعية، إذ قد أسقطها عمن فقده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم "(رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر) .

وحين نستقرئ آيات القرآن الكريم نجد أن الإشارة إلى العقل قد تكررت في صيغ مختلفة _ تسعاً وأربعين مرة [1]_ ورد فيها الاستفهام التقريعي التوبيخي بصيغة "أفلا تعقلون؟ "خمس عشرة مرة [2] في قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} (البقرة آية 44) .

وكذلك في الآيات رقم 76 البقرة، 65 آل عمران، 32 الأنعام، 169 الأعراف، 16 يونس، 51 هود، 109 يوسف، 10 الأنبياء، 67 الأنبياء، 80 المؤمنون، 60 القصص، 62، 68 يونس، 138 الصافات [3] .

والاستفهام بقوله جل وعلا "أفلا تعقلون؟ "يوبخ أولئك المخاطبين، لأن الله منحهم قولا تدرك، ومع ذلك أبوا إلا أن يطمسوها طمساً تعطل به ولا تستعمل فيما أعدَّها الله تعالى له، فبدلوا هذه النعمة الجليلة التي أنعم الله بها عليهم كفراً، فلم ينتفعوا بها شيئا.

ص: 190

وسوف يدركون هذه الحقيقة في الدار الآخرة فيقولون وهم يتلظون بالنار، كما أشار إليهم الله تعالى في قوله:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك آية 10) فهؤلاء أعطاهم الله أسماعاً، وأعطاهم عقولاً، ولكنهم لم يستعملوا أسماعهم ولا عقولهم في إدراك الحق الذي أنزله الله تعالى، فكانوا بمثابة الذين انعدمت أسماعهم وعقولهم ولم تغن عنهم شيئا.

* وجاءت الإشارة إلى العقل بصيغة "لعلكم تعقلون "ثماني مرات [4] وذلك في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة آية 73)، وقوله تعالى:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة آية 242) ، وكذلك في الآيات رقم 151 الأنعام، 2 يوسف، 61 النور، 67 غافر، 3 الزخرف، 17 الحديد [5] .

وفي هذه الصيغة يتبين أن ما سبقها علة لكي يعقل الإنسان ويتدبر، ليفهم عن الله عز وجل ما يلفته إليه.

* وجاءت الإشارة كذلك إلى العقل بصيغة "لا يعقلون "إحدى عشرة مرة [6] في قوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} (البقرة آية 170)، وفي قوله:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (البقرة آية 171) ، وفي الآيات رقم 58 المائدة، 103 المائدة، 22 الأنفال، 42 يونس، 100 يونس، 63 العنكبوت، 43 الزمر، 4 الحجرات، 14 الحشر [7] .

وقد نعى الله تعالى على من عناهم في هذه الآيات أنهم لا يستعملون عقولهم بل عطلوها تماما فلم يستفيدوا بوجودها لديهم، فكأنها منعدمة لا قيام لها فيهم، ومن ثم لم يفهموا ولم يدركوا عن الله شيئا.

ص: 191

* وجاءت الإشارة كذلك إلى العقل بصيغة "يعقلون "ثماني مرات [8]، وذلك في قوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (البقرة آية 64) .

ونرى في هذه الصيغة أن الله تعالى ساق قبلها آيات كونية بثها في أرجاء الكون، أو عبرا من صور الناس، ثم يجعل هذه الآيات محلا لتسليط العقل عليها للتدبر والاعتبار لمن استخدم عقله للاستفادة مما لفت إليه تبارك وتعالى.

وقد كررت هذه الصيغة في الآيات رقم 4 الرعد، 12، 67 النحل، 44 الفرقان، 35 العنكبوت، 24 الروم، 28 الروم، 5 الجاثية [9] .

* وجاءت الإشارة إلى العقل بصيغة "إن كنتم تعقلون "مرتين [10] الآية الأولى هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران آية 118) _ ومعنى (إن كنتم تعقلون) هنا أي إن كنتم عقلاء، وهذا على سبيل الهزَّ والتحريك للنفوس كقولك: إن كنت مؤمنا فلا تؤذ الناس. وقال ابن جرير: المعنى: إن كنتم تعقلون عن الله أمره ونهيه [11] .

ص: 192

والآية الثانية: هي قوله تعالى: {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (الشعراء الآية 28) ومعنى (إن كنتم تعقلون) هنا: أي إن كان عندكم عقول لأدركتم أن شروق الشمس وغروبها في المغرب _ وهو أمر يبصره العاقل والجاهل _ أمر لا يقدر عليه إلا الله رب العالمين [12] .

* وجاءت الإشارة إلى العقل بصيغة (عقلوه) مرة واحدة [13] في قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة آية 75) والمراد أن اليهود غيروا آيات التوراة بالتبديل والتأويل بعد أن عقلوها أي بعد أن أدركوها بعقولهم أي فهموها وعرفوها [14] .

* وجاءت الإشارة إلى العقل بصيغة (يعقلها) مرة واحدة [15] في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت آية 43) ، والمراد أن الأمثال التي يبينها الله للناس في القرآن الكريم لتقريبها إلى أذهانهم لا يدركها ولا يفهمها إلا العالمون الراسخون الذين يعقلون عن الله عز وجل مراده [16] .

* أقول: هذه لمحة موجزة عن الآيات التي وردت فيها الإشارة إلى العقل في القرآن الكريم. وإذا كانت الإشارة إلى العقل قد تكررت بهذا العدد الوفير، فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على الأهمية العظمى للعقل لأنه مناط الإدراك في الإنسان، ومحل التكاليف الشرعية التي كلفه الله تعالى بها.

وإذا كان العقل بهذه المثابة، وله هذه المكانة، وهذه الأهمية، فقد أمر الشارع بالمحافظة عليه ضمن الكليات الخمس (الدين _ والنفس _ والعقل _ والمال _ والنسل) التي بحفظها يجمع الخير لحياة الإنسان.

ص: 193

ومن ثم فإن اعتداء الإنسان عليه لتعطيله ووقف عمله، يُعدُّ جريمة يرتكبها الإنسان على بعض نفسه، وعلى إحدى كلياته وهو العقل، دون أن يجْرم هذا العقل في حق صاحبه شيئا، وعلى ذلك يستحق هذا المعتدي أن يعاقب تأديباً له على إجرامه. وحين ننظر إلى المسكرات والمخدرات التي يتعاطاها الإنسان نجد أنها من صور الاعتداء البشعة على عقله، لأنها تخامره وتخالطه، فتذهب وعيه، وتبدد إدراكه، ويصبح صاحبه المعتدي على نفسه، كالحيوان أو أضل، لا يفرق بين الخير والشر، لأن أداة التفريق قد أفسدت وعطلت، وانعدمت فيها قدرة التمييز.

والسكر بالخمر يخامر العقل، ويتخلل جوانبه، فيفسده، والتخدير بالمخدر يشل العقل، ويوقف عمله.

فهل لعاقل أن يقدم _ باختياره _ على تعطيل آلة غاية في الدقة وهي عقله تسجل له الماضي تسجيلاً دقيقا، وتساير له الحاضر مسايرة منتظمة، وتتصور له المستقبل تصوراً معقولا؟ هل لعاقل أن يفسد مثل هذه الآلة في روعة دقتها؟ وقد فطرها على هذا الإبداع الفريد الخلاق العظيم؟

إن الذي يقدم على إفساد عقله يدل بفعله هذا على أنه مستغن عن عقله، وليس في حاجة إليه، وأنه يريد أن يكون هكذا بدون عقل كالحيوان الذي لا يميز، أو كالجماد الذي لا يدرك مما حوله شيئا.

ص: 194

وبين يدي هذه الصورة البشعة تتضح وقفة الشرع الحاسمة في منع هذا الاعتداء على العقل بالأمر الجازم بعدم قربان حمى المسكر ولا الاقتراب منه، فقال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (المائدة آية 90 _ 92)، وقد ذكر المفسرون أن هذه الآيات هي جزم قاطع بتحريم الخمر _ وكل مسكر خمر _ واستدلوا على التحريم القاطع بما يأتي:

1 _

تصدير الآيات بلفظ (إنما) وهي تدل على التخصيص والحصر.

2 _

قرن الخمر والميسر بعبادة الأصنام وهي (الأنصاب) .

3 _

جعل الخمر والميسر رجسا أي نجسا _ مثل قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} .

4 _

جعل الخمر والميسر من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت.

5 _

الأمر بالاجتناب _ أقول: والاجتناب معناه أن يكون المؤمن في جانب، والمأمور باجتنابه في جانب آخر، ومفهوم هذا أنه لا يأتي قريبا من حماه.

6 _

جعل الاجتناب من الفلاح. ومفهوم المخالفة أن عدم الاجتناب خيبة وخسارة.

7 _

ناتج الوقوع في الخمر والميسر التعادي والتباغض بين الواقعين فيهما، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

ص: 195

8 _

قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وهو استفهام تقريع وتوبيخ، فيه زجر بليغ يؤكد التحريم. لهذا لما سمع عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم قالوا:(انتهينا) .

9 _

قوله تعالى بعد هذا الاستفهام {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} .

وهذا الأمر وإن كان أمراً مطلقاً، فإن المجيء به في هذا الموضع يفيد تأكيد التحريم، وقوله تعالى (احذروا) أي احذروا مخالفة الله ورسوله فيما جاء عنهما.

10 _

قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} ، معناه: إن أعرضتم عن الامتثال، فقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الواجب عليه من البلاغ الذي فيه رشادكم وصلاحكم، ولم تضروا بالمخالفة إلا أنفسكم، وفي هذا من الرجز ما لا يقدرُ قدره ولا يبلغ مداه [17] .

والخمر يأخذ حكمه كل مسكر بأي اسم كان، فقد روى البخاري _ بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل شراب أسكر فهو حرام ".

* شبهة أولى وردها:

أقول: وقد يعترض بعضهم بأنه يشرب زجاجة من الخمر أو النبيذ أو البيرة ولا يسكر، ويبني على ذلك أنه يصير _ بعدم إسكاره _ غير محرم. والجواب عن ذلك: أن هذه النظرة قاصرة جاهلة، لأن هذا الذي يشرب زجاجة واحدة فلا يسكر، لو أنه شرب زجاجتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا فإنه يسكر قطعا، وما دام أنه قد سكر من كمية كثيرة، فإن أقل كمية تكون محرمة. فقد أخرج الترمذي وأبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:"ما أسكر كثيره فقليله حرام "[18] .

ومن ثم فإن أي شراب يسكر الكثير منه، يكون القليل منه حراما، وحكم القليل حكم الكثير.

* شبهة ثانية وردها:

أقول: وقد يعترض البعض بأن المخدرات لم يرد في القرآن النهي عنها، وكذلك الدخان لم يرد النهي عنه كذلك.

ص: 196

وهذا الاعتراض مردود على صاحبه لما يأتي:

أ _ المخدرات: تتخلل العقل وتخدره، بل إنها تشله وتذهبه تماما إذا كثرت الكمية المتناولة، وما دام أنها خامرت العقل وأذهبته، فإن حكمها حكم الخمر، وتكون حراما.

فقد أخرج الترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مسكر حرام ".

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها لم يتب منها، لم يشربها في الآخرة ".

رواه البخاري ومسلم (في باب الأشربة) ، وغيرهما.

ومن ثم فإن الحشيش والأفيون والهروين والقات وغير ذلك مما يذهب العقل كليا أو جزئيا حرام قطعا، حكمه حكم الخمر.

ب _ أما الدخان: فهو وإن كان غير مسكر إلا أنه مفتر للجسم، والمفتر هو ما يرخي الجسم، ويضعف الجفون، ويكسر الطرف. وهو منهي عنه شرعاً.

فعن أم سلمة _ زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم _ رضي الله تعالى عنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفتِر "[19] .

وبعض الناس يفتون بكراهية الدخان، ولكنه _ فيما يبدو لي _ أنه حرام للأدلة الآتية:

أن الله تعالى قال في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف آية 157) .

ص: 197

أقول: والمأكولات والمشروبات في نظر الإسلام إما طيبة وإما خبيثة، والطيبات حلال، والخبيثة حرام.

ونحن إذا سألنا شارب الدخان: هل هو خبيث أو طيب؟ ما وجد جوابا إلا أن يقول: إنه خبيث. ما يختلف في هذا الجواب عاقلان.

حقاً إن الدخان خبيث:

1 _

خبيث لأنه يفسد الأسنان فيحطم أساسها وشكلها.

2 _

خبيث لأنه يضر الفم وينشر فيه الالتهابات الخبيثة.

3 _

خبيث لأنه يضر بالحلق فينشر فيه التقرحات المتنوعة.

4 _

خبيث لأنه يفسد الجهاز التنفسي.

5 _

خبيث لأنه يفسد الجهاز الهضمي.

6 _

خبيث لأنه يفسد الجهاز الدموي.

7 _

خبيث لأنه يفسد الجهاز العصبي.

8 _

خبيث لأنه يؤثر في محتويات الرأس فيفسد التفكير ويضعف الإدراك.

9 _

خبيث لأنه يؤدي إلى أمراض خطيرة أعظمها السرطان والعياذ بالله.

10 _

وفوق ذلك فهو خبيث لأنه يؤدي إلى قتل النفس وإهلاكها وقد أمرنا الله تعالى بأن لا نقتل أنفسنا، فقال سبحانه:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} (النساء آية 29)، كما أمرنا بأن لا نهلك أنفسنا فقال سبحانه:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة آية 195) . وسواء قتل الإنسان نفسه حالا أو على مراحل، كمن يمسك السكين ويطعن نفسه طعنة واحدة قاتلة، أو من يطعن نفسه عدة طعنات في مواضع مختلفة من جسمه ثم في النهاية تكون الطعنة القاتلة، فإن النتيجة أنه قاتل لنفسه. وشارب الدخان مثله في قتل نفسه كمن يطعن نفسه عدة طعنات مرة في ساقه ومرة في ذراعه، ومرة في يده ومرة في قدمه، والطعنه الأخيرة في صميم قلبه. فهو على أي الأحوال قاتل لنفسه، وملقٍ بها إلى التهلكة.

11 _

فضلا عن ذلك فإن الدخان خبيث لإتلافه المال، فهذا الذي يشتري علبة الدخان بريال مثلا ويحرقها كأنه أشعل في الريال وأحرقه _ وقد نهينا عن إضاعة المال وإتلافه.

ص: 198

12 _

زيادة على ما ذكرت فإن الدخان خبيث في رائحته، فنتن رائحته التي تنبعث من فم المدخن خبيثة للغاية. وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد منع آكل البصل والثوم والكراث _ وهذه شجرات غير محرمة _ من قربان المسجد واعتزاله لخبث رائحتها، فما بالنا بمدخن الدخان ورائحته أشد نتنا وأكثر خبثاً، مما ينبغي معه أن يعتزل المسجد ويمنع من دخوله؟

وبناء على ما ذكرت فإنه يبدو لي أن الدخان حرام قطعاً لأنه من الخبائث، والخبائث كلها (محرمة) وليست مكروهة كما يزعم بعض الذين لا يعلمون.

خطورة المسكرات والمخدرات على الفرد والأمة:

بعد هذه العجالة، أحب أن أتساءل، لأبرز مدى خطورة المسكرات والمخدرات على الفرد والأمة.

هب أن حريقا شب في منزل مجاور لك، وأحسست بلهبه، فعجلت إلى جيرانك لتنبههم إلى شبوب الحريق واندلاعه في منزلهم، فوجدت أفراد المنزل سكارى، ففتح أحدهم لك بابه ثم أغلقه في وجهك، والنار تشتعل في داخل المنزل _ فماذا تكون النتيجة.؟

النتيجة أن النار تلتهم المنزل بما فيه من السكارى، فلا تبق على أحد منهم ولا تذر.

وبالمثل لو أن حريقا هائلا شب في منازل الأمة، وحاولت أن تنبه إليهم أفرادها، فإذا هم جميعا سكارى؟ فماذا تكون النتيجة.؟

النتيجة أيضا أن الحريق يقضي على الأمة بأسرها لا يبقى منها على شيء.

وهكذا إذا سكرت العقول وتخدرت، تعطلت، وشُلت، فزحفت عليها زواحف الشر والطغيان، فأهلكتها وقضت عليها، وأفرادها لا يدرون ولا يحسون، بل يتحركون كالأنعام حركات آلية، عديمة الإدراك، يلقون حتفهم بأظلافهم.

إن الأمر جد خطير، وينبغي أن يوضع لتلك المبيدات حد من أولى الأمر في كل دولة، فالله يزع بالسلطان مالا يزعُ بالقرآن.

اللهم أرشدنا إلى الحق، وخذ بنواصينا وقلوبنا إليه، إنك جواد كريم، وأنت ولينا وأنت نعم النصير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 199

زيادة نسبة الأمراض بسبب التدخين

أهم الأمراض التي تزيد نسبتها في التدخين هي سرطان الرئة، أمراض الشرايين الإكليلية، أمراض تضيق الشرايين، سرطان الشفة واللسان والفم والحنجرة واللهاة والمرئ والمثانة والقرحة والإنثي عشرية.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

المعجم المفهرس.

[2]

المرجع السابق.

[3]

المرجع السابق.

[4]

المعجم المفهرس.

[5]

المرجع السابق.

[6]

المرجع السابق.

[7]

المرجع السابق.

[8]

المرجع السابق.

[9]

المعجم المفهرس.

[10]

المعجم المفهرس.

[11]

صفوة التفسير المجلد الأول ص

[12]

المرجع السابق المجلد الثاني 377.

[13]

المعجم المفهرس.

[14]

صفوة التفسير المجلد الأول ص 7.

[15]

المعجم المفهرس.

[16]

صفوة التفسير.

[17]

فتح القدير الجزء الثاني ص 73 _ 74 _ ببعض تصرف.

[18]

رواه الترمذي في الأشربة باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، ورواه أبو داود في الأشربة باب النهي عن المسكر: ورجال إسناده ثقات، وحسنه الترمذي.

[19]

أخرجه أبو داود في الأشربة باب (النهي عن المسكر) وفي سنده ضعف. وقد حسنه الحافظ في الفتح _ انظر: جامع الأصول ج5 ص 93.

ص: 200

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

وجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام

بقلم: أحمد محمد جمال

جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام.. التي منحت لسماحة العلامة المجاهد بقلمه ولسانه الشيخ عبد العزيز بن باز – كانت تحية طيبة لسماحته من لجنة الجائزة، وإشعاراً للمجتمع الإسلامي بإدراك اللجنة الموقرة لمقام سماحته الكبير، مقام العلم النافع، والعمل الرائع، مقام الجهاد بالقلم واللسان والمال، مقام الناصح الأمين، الذي يعلن كلمة الحق، بين أيدي الرعاة والرعية، وبين الخاصة والعامة.

* أجل.. إن الشيخ عبد العزيز فريد في ميدانه علما وعملا، ونادر في مقامه جهادا بالقلم واللسان والمال..

كل أيامه في بيته، وفي مقر عمله – مشغولة بالزوار من طلاب الحاجات، وحملة المشكلات، وطارحي المسائل، وهو بينهم يقضي لهذا حاجته، ويحل لذلك مشكلته، ويجيب الآخر على مسألته، ويبذل للرابع شفاعته ليقبل في معهد أو كلية، أو ليعطي عونا ماليا لبناء مسجد، أو إنشاء مدرسة، أو إقامة مركز للدعوة الإسلامية.

وزوار سماحته متعددو الجنسيات، مختلفو الألوان والأوطان.. من البلاد العربية، ومن إفريقيا وآسيا، ومن أمريكا وأوروبا – لم يجدوا بابا غير بابه مفتوحا، ولا صدرا غير صدره متسعا لاستقبالهم، والترحيب بهم، ثم إمدادهم بما يريدون من عون مادي، أو فتوى دينية، أو شفاعة لدى مسؤول كبير لقضاء حاجة من حاجات الدنيا الكثيرة.

* ثم هو لا يسمع بمنكر يحدث في جماعة أو مجتمع، أو حتى من فرد صغير أو كبير – إلا سارع فكتب لولاة الأمر ينبه إلى مخاطر هذا المنكر، ويوجه إلى ضرورة القضاء عليه لئلا يفشو فيزداد وباؤه في المجتمع، فتسوء العاقبة والمصير.

ص: 201

وإلى جانب ذلك: المؤلفات والأحاديث والمقالات عبر الصحف والمجلات والإذاعة: تعليما وتذكيرا، وأمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، وتوجيها إلى الخير، ودحضا للباطل، وانتصارا للحق.

والمؤتمرات والندوات العلمية والدينية لا تخلو من محاضراته وأحاديثه القيمة.. مذكرا بماضي الإسلام، مطالبا بالعودة إلى سيرة السلف الصالح، وقبل ذلك العودة إلى كتاب الله الكريم، وسنة رسوله الرءوف الرحيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

* إن جائزة الملك فيصل – رحمه الله – التي منحت لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ليست إلا مجرد تذكير بجهاده العلمي والاجتماعي والديني رمزاً لتقديره، والتعريف بمقامه الجليل.

وسماحته – أمده الله بعونه وتوفيقه – يمثل علماء السلف الصالح.. الذين كانوا يجمعون إلى العلم العمل، وإلى الجاه التقوى، وإلى السلطة الشفاعة الحسنة لأصحاب الحاجات، وحملة المشكلات، وذوي المظالم.

ولو كان علماؤنا – في كل منطقة من مناطق المملكة الخمس – على مثل علم الشيخ عبد العزيز بن باز وعمله.. لكان المجتمع السعودي اليوم – طولا وعرضا – غير ما نرى.. في مجالات الثقافة والتعليم والتربية، والسلوك الاجتماعي، والعلاقات العامة بين السادة والعامة.

وبعد.. فهذه تحية سريعة لسماحة العالم العامل، الناصح الأمين: الشيخ عبد العزيز، وأهم منها أنني أسأل الله مخلصا أن يمده بعونه وتوفيقه وتيسيره، ويجزيه على ما يبذل من علم ونصيحة أعظم الجزاء وأكرمه.

ص: 202

دورُ الأدبِ

في مكافحة الخمر بين الجاهليّة والإسلام

للشيخ محمود محمد سالم

المحاضر بكلية اللغة العربية بالجامعة

ابتليت الأمم قديمها وحديثها في الشرق والغرب بآفة الخمر يحرك بها الشيطان في نفوس البشر نوازع الشر، ودوافع الفساد، ليضلهم عن ذكر الله، وعن الصلاة، ويوقع بينهم بسببها العداوة والبغضاء، ذلك أنها تغتال العقل الإنساني الذي فضل الله به الإنسان على سائر مخلوقاته، فتسلبه الحكمة والرشاد، وتحرمه القدرة على التدبر والتفكير، ثم ما تلبث بعد اغتيال العقل والفضل أن تفتك بقوة الجسم والنفس، فتترك شاربها مسلوب الإرادة، مشلول القدرة، سقطاً لا نفع فيه. ويصبح مذموماً مدحوراً، تكرهه الأرض كما تلعنه السماء.

- وقد شاع شرب الخمر في جاهلية العرب، واقترن بها في حياتهم كثير من الرذائل مثل استباحة النساء، ولعب الميسر أو القمار، مما فرض على مُقارفي هذه الرذائل حرصهم على جمع المال. لا يبالون من أين أتاهم من حرام أو حلال، فانتشر بينهم الربا والبغاء واستحلال الدماء والأموال من نهب الغارات، وما يجري فيها من انتهاك الأعراض والحرمات، وأقتات وأثْرى على ذيوع هذه الرذائل بعض الطبقات الطفيلية في ذلك المجتمع الجاهلي، فانتشرت الحانات، وصاحبات الرايات الحمر اللواتي يوفرن اللذائذ الرخيصة، والمتع التافهة لأولئك المخمورين التافهين الذين لا وزن لهم ولا قيمة في مجال القوة والفضائل.

أدب الإسلام في حرب هذه الرذائل:

ص: 203

وحين أراد الله بهذه الأمة خيراً بنزول الإسلام فيها حارب هذه الآفات والرذائل في حياة الفرد والجماعة، فشدد عليها النكير، ووضع لها العقاب الصارم الرادع ليجعل من هذه الأمة قوة بناءة قادرة على حمل رسالة الله إلى الناس كافة، فقد وصف الله الخمر في القرآن بأنها رجس ومن عمل الشيطان، ونهى رسول صلى الله عليه وسلم عنها، ولعن عاصرها ومعتصرها وشاربها، وجعل لشاربها حداً أربعين جلدة، وكذلك فعل أبو بكر رضي الله عنه، وحين رأى عمر رضي الله عنه بعض العرب ما يزال يتورط في شربها جعل حدَّها ثمانين جلدة بعد أن استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخف الحدود ثمانون جلدة [1] .

الأدب العربي وآفة الخمر:

ويجد الباحثون في تاريخ الأدب العربي دوراً بارزاً للأدب وبخاصة الشعر في انتشار آفة الخمر، والولع بها وذلك بما صوروه في شعرهم من النشوة واللذة التي تصاحب شربها ومن جمال المجالس التي تضم الندمان، وقد أحاطت بهم صور من الترف في لذيذ المطاعم والمشارب، ونعيم الملك وأبهة السلطان.

ذلك أن كثيراً من شعراء العرب الجاهليين الذين اشتهروا بشعر الخمر، كانوا ينتجعون ملوك الحيرة والغساسنة، فيلقون عندهم صنوفا من التكريم والعطاء ما يطلق ألسنتهم بالمدح والثناء، وتصوير ما يحيط بهم من ألوان المتعة وصنوف البهاء.

ومع وفرة النصوص الأدبية التي تشيد بالخمر في وصف محاسنها والإعجاب بنشوتها قديما وحديثا، فإن الباحث لا يعدم أن يجد النصوص الكثيرة التي تذمها وتزري بشاربيها، وتصور مضارها ومفاسدها وتبرز خطرها على العقل والدين.

الشعر الجاهلي وحرب الخمر:

ص: 204

ففي الشعر الجاهلي نجد نصوصاً كثيرة. وإن كانت متناثرة – تصور ما أحدثته الخمر بشاربيها، وما نالت من كرامتهم، وما تعرضوا له بسببها من مهانة واحتقار، فطرفة بن العبد – وهو من أشهر واصفيها والمولعين بها والمدمنين عليها – يصور في معلقته ما ناله بسببها من تحامي عشيرته له، وإبعاده عنها حتى اجتنب منهم، وعزل البعير الأجرب الذي يعزل عن الإبل الصحاح حتى لا يصيبها بعداوه، وذلك حيث يقول:

وما زال تشرابي الخمور ولذتي

وبيعي وإتلافي طريفي ومتلدي

إلى أن تحامتني العشيرة كلها

وأفردت إفراد البعير المعبد

ومع شيوعها في الجاهلية وفقدان الوازع الديني الذي يحرمها لم يكن معاقروها مثلا أعلى يحتذي به بين الرجال، ولا كانوا قدوة صالحة بين الناس، لأنهم ساقطو الهمة لا يرجيهم الناس لدفع ضرر أو جلب منفعة، وذلك ما يصوره قول أحد شعراء الجاهلية:

وليس فتى الفتيان من جلُّ همه

صبوح وإن أمسى ففضل غبوق

ولكن فتى الفتيان من راح أو غدا

لضر عدو أو لنفع صديق

وواضح من هذا النص أن المثل الأعلى للفتوة والرجولة هو الشجاع القادر على منازلة الأعداء، الكريم القادر على نفع الأصدقاء، وليس المثل الأعلى للرجال ذلك المدمن على الشراب في صباحه ومسائه، فهو منعدم المروءة، ساقط الهمة، لا يرجى في حرب ولا سلم لأنه جعل همه هواه.

ص: 205

وفي سير شعراء الجاهلية ما يقدم لنا دليلا على أن الذين أولعوا بها واشتهروا بها بين قومهم وذويهم كانوا يدمنونها في مرحلة من مراحل طيش الشباب، وعرامة الفتوة، ألهاهم الغنى والترف عن التعلق بمعالي الأمور، وعن الانشغال بجلائل الأعمال، ففي حياة امرئ القيس لمحات دالة على أن انغماسه في اللذات وانهماكه في اللهو والشراب كان في الفترة الأولى من حياته وقد طرده أبوه حجر الكندي الذي كان ملكا على بني أسد، وبلغه مقتل أبيه وهو في مجلس شرابه، وقال قولته المشهورة التي صارت مثلاً: ضيعني صغيرا، وحملني دمه كبيراً اليوم خمرٌ، وغداً أمرٌ، لا صحو اليوم، ولا سكر غداً ". وكان ذلك الحادث فاصلاً بين عهدين وحداً بين مرحلتين في حياته.

وقد مدح زهير بن أبي سلمى حصن بن حذيفة الفزاري، فكان مما امتدح من فضائله أنه لا يشرب الخمر، ولا يهلك فيها ماله وإنما يذهب بماله كثرة عطاياه للمحتاجين، وذلك حيث يقول:

أخي ثقة لا تهلك الخمرُ مالهُ

ولكنه قد يهلك المال نائله [2]

من حرموا الخمر في الجاهلية:

وحرصت أمهات كتب الأدب العربي [3] على أن تفرد أبواباً وفصولاً تذكر فيها من حرموا الخمر في الجاهلية تكرماً وصيانة لأنفسهم، وتورد قصصهم وأشعارهم التي تصور ذهابها للعقل والمال، وزرايتها بمروءة ذوي المروءة، وذهابها بالنخوة والنجدة.

وممن اشتهروا بتحريم الخمر في الجاهلية عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان، ومن شعره في ذم الخمر وبيان ضررها على العقل والمال، وتحريمها على نفسه ما دام حياً قوله:

سآلة للفتى ما ليس في يده

ذهابة بعقول القوم والمال

أقسمت بالله أسقيها وأشربها

حتى يُفرَّق تربُ القبر أوصال

مورثة القوم أضغانا بلا إحن

مُزْرِيةٌ بالفتى ذي النجدة الحالي [4]

ص: 206

وممن اشتهروا بتحريم الخمر على أنفسهم في جاهليتهم قبل إسلامهم قيس بن عاصم المنقري الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم فأسلم وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا سيد أهل الوبر [5] ، ومما روى في سبب تحريمه الخمر في جاهليته أن تاجر خمر في الجاهلية كان يأتيه فيبتاع منه، ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفد ما عنده، فشرب قيس ذات يوم فسكر سكراً قبيحاً، فجذب ابنته أو أخته، وتناول قرنها، فلما أصبح سأل عنها فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة فأخبر بالقصة فحرم الخمر على نفسه، كما روى أنه شرب ذات ليلة فجعل يتناول القمر، ويقول والله لا أبرح حتى أُنزله. ثم يثب الوثبة ويقع على وجهه، فلما أصبح وأفاق قال: مالي هكذا فاخبروه بالقصة فقال والله لا أشربها أبداً [6] .

ومن المشهور قول قيس بن عاصم في تحريمه الخمر في جاهليته وتصوير أخطارها:

لعمرك إن الخمر ما دمت شارباً

لسالبةٍ مالي ومذهبةٍ عقلي

وتاركتي من الضعاف قواهم

ومورثتي حرب الصديق بلا نبل [7]

وروى له ما يصور قصته مع التاجر وهو قوله:

من تاجرٍ فاجرٍ جاء الإله به

كأن لحيته أذناب أجمال

جاء الخبيث ببيسانية تركت

صحبي وأهلي بلا عقل ولا مال [8]

وقالوا: حرم صفوان بن أمية بن محرث الكناني الخمر على نفسه في الجاهلية وروى عنه قوله:

رأيت الخمر مَنْقُصَةً وفيها

مناقبُ تفسد الرجل الكريما

فلا – والله – أشربها في حياتي

ولا أشفي بها أبداً سقيما [9]

وهي – حتى عند الجاهليين – أم الخبائث – ترتبط بكثير من الرذائل والفواحش فهي دافعة إلى الزنا، وداعية إلى لعب الميسر، وممن صور هذا الارتباط الوثيق بين هذه الرذائل التي أصلها الخمر الشاعر الجاهلي المشهور: عفيف بن معد يكرب عم الأشعث بن قيس، ومما روى عنه في ذلك قوله:

وقائلةٍ: هلُمَّ إلى التصابي

فقلت: عففت عما تعلمينا

ص: 207

وَودَّعْتُ القِداحَ وقد أراني

بها في الدَّهر مشغوفاً رهينا

وحرَّمت الخمور عليَّ حتى

أكون بقعر ملحود دفينا

وقوله:

فلا والله لا أْلفى وشرباً

أُنازعُهم شراباً ما حييتُ

أبى لي ذاكَ آباءٌ كرام

وأخوالٌ بِعِزَّهمُ رُبيتُ [10]

وممن حرمها في الجاهلية عبد الله بن جدعان وكان سيداً جواداً من سادات قريش من بني تميم. وروى في سبب تحريمه الخمر أنه شرب يوماً مع أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر الجاهلي المشهور، فضربه على عينه، فأصبحت عين أمية مُخْضَرَّةً يُخاف عليها الذهاب، فقال له عبد الله: ما بال عينك؟ فسكت، فألحَّ عليه، فقال: أوَلَسْتَ ضاربها بالأمس؟ فقال: أو بلغ مني الشرابُ ما أبلغ معه إلى هذا الحد، ثم دفع إلى أمية عشرة آلاف درهم. وقال: الخمر عليَّ حرام لا أذوقها بعد اليوم أبداً، وهو القائل:

شربت الخمر حتى قال صحبي

ألستُ عن السَّفاهِ بِمُسْتَفيق

وحتى ما أوَسَّدُ في مبيتٍ

أنام به سوى التُّرْب السحيق

وحتى أَغْلقَ الحانُوتَ صحبي

وآنَسْتُ الهوانَ من الصديق [11]

قال أبو الفرج وهو يورد قصة عبد الله بن جدعان وتحريمه الخمر على نفسه في الجاهلية "إنه ما مات أحد من كبراء قريش في الجاهلية إلا ترك الخمر استحياء مما فيها من الدنس ".

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

كتاب عمدة الأحكام للإمام تقي الدين المقدسي في باب حد الخمر.

[2]

شرح ديوان زهير صنعة أبي العباس أحمد بن يحي ثعلب. ط الهيئة العامة للكتاب بمصر ص 141.

[3]

مثل كتاب العقد الفريد الجزء السادس وأمالي القالي الجزء الأول والمستطرف للأبشيهي وكتاب الأشربة لابن قتيبة، والإصابة لابن حجر في تراجم كثير من الصحابة.

[4]

أمالي القالي ج1 ص 207.

ص: 208

[5]

الإصابة لابن حجر ج3 ص 253 رقم 7194.

[6]

المستطرف للأبشيهي ج2 ص 161.

[7]

أمالي القالي ج1 ص 208.

[8]

البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص 31.

[9]

العقد الفريد ج6 ص 346 – ويروي في بعض المصادر: "رأيت الخمر صالحة ""ولا أسقي بها أبدا نديما ".

[10]

- خزانة الأدب للبغدادي تحقيق هارون ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ج 5 ص 330.

[11]

- الأغاني أبي الفرج الأصفهاني ط دار الكتب ج 8 ص 332 ومجموعة المعاني ط الجوائب ص 198.

ص: 209

السكران

للشيخ محمد المجذوب

كلية الدعوة

عندما يقع بصرنا على شيء يسترعى الانتباه نلاحظ أنه يترك صورته ماثلة في خيالنا بعض الوقت، وأكثر ما يكون ذلك حين نغلق أعيننا عقب رؤيته فإذا هو منطبع على خلفية البصر بكل ما يميزه إلا تفصيلات الملامح. على أن بعض هذه المرئيات طويلة الأجل، فلا تكاد تفارق الذاكرة إلا ريثما تعود.؟. ومن أبرزها في أعماق نفسي صورة ذلك الكهل الأروادي التي ما زالت مخيلتي تحتفظ بها منذ خمس وستين سنة في وضوح يباين ما يتركه غيرها من الصورة العابرة.

ها أنا ذا أنظر إليه من خلال ركام الذكريات، وأوشك أن أميز كل ظاهرة في هيكله الضئيل الذي ما أحسبه يتجاوز صورة ابن الرومي، الذي يحدد حجم شخصه بقوله:

أنا من خفّ واستدقَّ فما يُثقل

أرضاً ولا يَسُدَّ فضاء

وقد عُبِئ هذا الهيكل في سروال صغير متوسط السعة، أحاط أعلاه بأسفل قميص متواضع من أرخص الأقمشة، وبرز فوقه ذلك الوجه الأسمر المنمنم، الذي استقرت عليه سمة غامضة يضيع تحديدها بين العبوس والابتسام، وتُطل من خلالها عينان لطيفتان لا أستطيع تحديد رؤيتهما لأنه قلما يوجههما إلى أحد من الناس.. حتى اسمه لا يخلص من ذلك الغموض، فهو في علمنا نحن الصغار على الأقل يوسف، أما من أمه وأبوه وأسرته فوراء مدركاتنا المحدودة. وما أحسب أحداً حتى من الكبار يُلِمُّ من تعريفه بغير هذا الاسم، ولا من هُويته بغير تلك الصفة المشتقة من صناعته اليومية (الكعَّاك) .

* كان المنزل الذي يسكنه أشبه بغار صغير مستطيل لا يتخلله الضوء إلا من مدخله الذي لا يتسع لأكثر من اثنين بمثل حجمه، ففيه يبيت ويأكل ويصنع الكعك، الذي يطوف به أسواقَ طرطوس وأزقتها عصر كل يومٍ وهو ينادي بصوته الأجش الهزيل.

كعك سخن.... سخن يا كعك

ص: 210

ولقد ألفت منظر ذلك الكهل الأروادي إذ لا أكاد أفقد رؤيته في أي يوم، فإذا غدوت إلى حانوت والدي أو رحت منه إلى البيت، عبرت به فأقف قليلا مقابل مدخله أتطلع إلى يديه وهما تمارسان عمل الكعك، وبنفسي رغبة في أن أسرق هذه الصنعة لأعلمها والدتي، التي كانت قليلة الخبرة بصناعة الطعام، وبخاصة المشوقات التي لا تعرف منها سوى رصف الحمص على وجه العجين المرسل إلى المخبز، حيث تُغير النار من طعمه فتجعله أقرب القضامة، وكانت تلك هي المكافأة المغرية التي تُحبِب إلي حمل أقراص الخبز إلى الفرن، لآخذ بحظي منها في كل نوبة.؟.

وكان لهدوء ذلك الكهل الأروادي أثره في تطلعي إلى عمله، إذ قلما يضيق صدره بمشهد الصغار أمام مصنعه فلا ينفرهم كما يفعل أكثر الرجال الآخرين، وبخاصة ذلك النجار الأخرس الذي ما أن يكاد يرى إنساناً يحك رأسه حتى يثب نحوه مُعْملاً به كفيه، وهو يرسل مثل مواء الهر المهتاج. وأكثر ما يقع عدوانه على الصغار الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.

وكان لهدوئه كذلك وبعده عن العنف أثر آخر في نفسي إذ كنت كثيرا ما أستشعر الأسى عليه فأتساءل: أليس لهذا الكعَّاك من أم أو أب؟ أليس له من زوج تنفض عنه غبار الوحشة؟. وكيف يستطيع العيش مع هذا الظلام الرهيب الذي يحتشد في جوف هذا الغار، ولاسيما حين يستحكم الليل؟! .

ص: 211

* وأعود إلى حانوت والدي كشأني بعد كل عصر لأقرأ عليه ما تلقيته من دروس اليوم في المدرسة التركية، وألتقي الكعاك الكهل في الطريق، وهو يحمل فوق رأسه ذلك الطبق المصنوع من قش الحنطة، وقد نُضدت عليه أطواق الكعك المحمار، وانتشر من خلاله الأريج المحرك للرغبة، وجعلتْ حبوب السمسم تلتمع على جوانبه كالعيون الصغيرة تطل عليك ضاحكة من كل مكان.. وعلى دأب الرجل يعرج على حانوتنا ليضع لي الكعكة التي لابد منها ويُردفُها بالصرة الممتعة التي تحتوي مسحوق السُّماق الشهي، فيأخذ ثمنها القطعة النحاسية الصغيرة، ثم يمضي لغايته دون أن ينبس ببنت شفة، وأمضي أنا في قضم كعكتي في نهم مهذب، ومن ثم أفرغ للتدرب على تحسين الخط بمشاكلة القاعدة التي يكتبها لي والدي برسمه الأنيق، وقلما تتجاوز الأبيات الثلاثة التي تركت طابعها عميقاً في حياتي وجاهدت طويلا للتحرر من إيحائها:

أنست بوحدتي ولزمت بيتي

فطاب الأنسُ لي ونما السرورُ

وأدَّبني الزمان فلا أبالي

هُجرت فلا أزار ولا أزور

ولستُ بسائلٍ ما دمتُ حياً

أسار الجيشُ أم ركب الأميرُ

ويتابع الكعاك مسيرته ويستمر صوته في نغمه المتشابهة: (كعك سخن

سخن يا كعك) .

ص: 212

وما هي إلا ساعة أو بعضها حتى يخفت ذلك الصوت، لأن الكعك كله قد أتت عليه أيدي المشترين حتى لم يبق منه شيء.. ومن ثم تبدأ المرحلة الجديدة من يوميات صاحبه في موعدها، الذي قلما يعدو مطلع الساعة الأخيرة من النهار، وإذا هو مقبل من أعماق الحي الجنوبي المغلق على سكانه من النصارى، وقد سمّر بصره في الأرض كالكلب الذي استحكم فيه السُّعار ففقد خاصة الانتباه، وأخذ طريقه كالسهم الذي لا يلوي على شيء ولا يسلم من إصابته شيء صادفه، إلا أنه يختلف عنه في اضطراب مسيرته، فهو يترنح ذات اليمين وذات الشمال، ويحرك يديه في استرخاء كأنه يدفع عن نفسه شيئا يخشاه

وما هي سوى خطوات حتى يحدق به العفاريت الصغار وهم يهتفون:

السكران.. السكران

الله يلعن السكران.

ولكن الكعاك لا يُغير وجهته ولا يرد على الهتاف بكلمة، بل يستمر في انطلاقته المترنحة، على حين يتنامى موكب الهتافين من حوله، ويأخذ الصياح في التعالي، ثم يقبل الفارغون من هنا وهناك ليزيدوا في كثافة الموكب، ولا يكتفون بالهتاف يزفونه به، بل إن صمته ليغريهم بالمزيد من إيذائه، فهم يرمونه بالحصى، وبالأتربة، وبالأوساخ يجمعونها من قمامة الطريق، ولا يَضنُّ عليه بعضهم بالنعل يقذفه به، وبالبصاق يلطخ به رأسه ووجهه، فلا يملك إلا أن يضاعف من تحركه ابتغاء الخلاص، ولكن أنَّى له الخلاص وقد أحيط به من كل جانب، وما كان له أن يستمر في صمته فإذا هو يعمد إلى الصياح بصوت متشنج لا يفهم منه سوى زعيق الاستغاثة ولا من مغيث.

وهكذا يتواصل خط السير بالمسكين إلى أن يجد نفسه على شاطئ البحر فلا يتمالك أن يقذف فيه بجسده المنهوك، ولكن مشّيعيه يأبون أن يكفوا عنه عبثهم، فإذا هم يرجمونه بالحجارة، ثم لا يدعونه حتى يبعد عن مرمى أيديهم، وتحول بينه وبينهم طلائع العتمة فيفترقون عنه وهم يتصايحون: السكران

السكران

الله يلعن السكران.

ص: 213

وبذلك تنتهي المرحلة الثانية من يوميات الكعاك ليستأنف مسيرته الجديدة المزدوجة في يومه التالي.

* وتكر الأيام والسنون ويسجل الزمن عامة التاسع عشر بعد المئة التاسعة والألف، ويكبر العفاريت الصغار ويتغير واقع الناس بعد زوال شمس الخلافة وانتشار ظلمات الاحتلال الفرنسي لديار الشام، ويغيب وجه السكران الوحيد الذي كان الملهاة اليومية لأولئك الأشقياء في طرطوس، فلا يعلم أحد منا مصيره ولا يدري من أمر هويته شيئاً غير الذي عرفناه من قبل.

ومن ذلك العهد دخل الناس مرحلة جديدة من الحياة فقد جاء جنود غورو، المتحدي لقبر صلاح الدين، بالسكر والأرز والأمتعة التي ما كان الناس ليحملوا بها أثناء سني الحرب، وكان أبرز هداياهم لذلك البلد وإخوته البنطال وربطة الرقبة (الكرافات) وألوان الخمور التي لم تعرفها طرطوس من قبل، إذ لم ينقص سوى أشهر قليلة على ذلك الاحتلال حتى شرعت حوانيت الخمارين تطل برأسها هنا وهناك، بعد أن كانت الخمور أيام الكعاك من الأسرار التي لا يعرف مزظانها، ولا يقدم على تناولها إلا المغامرون بأنفسهم وإنسانياتهم.. وتستمر الأحداث في التطور فإذا الحشيش والأفيون والكوكائين وما إليها من ضروب المخدرات تأخذ سبيلها إلى أبناء الأعيان الذين وافتهم الحظوظ بالمزيد من المال، فراحوا يشترون به أصناف المتع التافهة والمدمرة، ويجرون إلى مزالقهم الآخرين من الشباب الذين فُرغوا مثلهم من كل وعي إسلامي، وسلبوا كل شعور بالمسئولية، فأصبحوا وليس لهم من صفات الأحياء إلا أنهم يأكلون ويدخنون ويسكرون ويحششون ولا يستحيون أن يتسكعوا في الشوارع وهم متعتَعون ومقهقهون.

إلا من رحم الله

وقليل ما هم.

ص: 214

قَاتِلٌ.... وَنَشتَريهِ!!

للشيخ محمد رجب حميدو

المدرسة الفيصلية المتوسطة – أبها

مدخنة تمشي على أرجل

يحذيك من دخانه القاتل

من قَطِران التّبغ أسنانُهُ

صفراءُ ذاتُ منظرٍ هائلِ

ورأسُهُ مشتعلٌ شيبُهُ

ناهيكَ عن هيكله الناحلِ

سعالُه حشرجةٌ مرةٌ

وأنفُه كالجدولِ السائلِ

لفافَةٌ تذيبه مثلما

يذيبها في زمنٍ عاجل

لا كان من يسعى إلى حتفه

بظلفه، أو عاش للباطل

فمنْ بلاياها وأدوائها

ما لم يَعُدْ يخفى على عاقِل

كالسُّم والسلَّ وآلامِهِ

وكل داءٍ بالفتى نازلِ

كم تتلفُ الأمةُ من مالها

في نزوةِ الأحمقِ والثاملِ

لو أنفقتْ في العلمِ ما أحْرَقَتْ

لم يبق بين الشعبِ من جاهلِ

أو كان في البرّ وأبوابهِ

ما وقعتْ عينٌ على عائلِ

لكنهُ التقليدُ قد جرَّناَ

إلى إتباع سَنَنٍ مائلِ

ومحنةٍ عمياءَ من شرَّها

لماَّ نَزَلَّ في شُغُلٍ شاغلِ

قد حار أهل الرشد في أمرها

واختلط الحابل بالنابلِ

لِفاَفَةٌ لَفَّتْ بأكفانها

قوافلاً من جيلها الهازلِ

أَنصارُها في الفتكِ (نرجيلةٌ)

و (بيبة) ، و (جوزة الخامل)

أربعةٌ تغتالُ أجسادَنا

تحت دخانِ لِيلِها اللَاّئلِ

كم من أبٍ مدخنٍ قاتلٍ

أبناءهُ ومجرمٍ غافلِ

وكم جنينٍ موتُهُ كائنٌ

من عادةِ التدخينِ للحاملِ

والأمُّ تسقي سُمَّ ما دخنتْ

رضيعَها من ثديِها الحافلِ

لِفافَةٌ من بعض إجرامهَا

إفسادُهَا للصالِح الفاضلِ

كأنَّها والنارُ في رأسِها

كنايةٌ عن شرَّها الماثلِ

وكل ما يأتيك عن ضُرّها

فرملةٌ من معظم الساحلِ

ولا يرى المتعةَ في شربِها

إلا وريثُ الحُمْقِ عن باقلِ

ص: 215

يَا ضحَايَا الكيف

للشيخ يوسف الهمذاني الشافعي

المدرس بالمعهد الثانوي بالجامعة

أَمِن الدنيا وغَرَّته رؤاها

وأبى إلا التردي في هواها

فإذا النور أراه زيفها

حطم المصباح كبراً وسفاها

ومضى يَخْبِطِ في عشوائها

ضَيَّع النور فأعماه دجاها

وإذا العقلِ تولى نوره

أضحت الدنيا ظلاماً ومتاها

أي نور بعد هذا يُرتَجَى

أي هَدْيٍ يُبلغ النفس هداها

هذه الدنيا كفينا شرها

كم أناس أسكرتهم بطلاها

كم حديث تكتم النفس إذا

فضحته الخمر شاهت ثم شاها

كم فِعالٍ قُبَّحَتْ تَأنَفُها

رُفِعَ الستر بها واسوأتاها

حرمات قد أبيحت جهرة

لم تجد من وازع يحمي حماها

أين عهدٌ توثق النفس به

وأماناتٌ أضيعت لهواها

أي مسخ يسخر الناس به

شاءه الله كريما فأباها

ضاق بالنعمةٌ والفضل كما

ضاق إبليس فأرداه شقاها

جعلوا الخمر دواء سفها

هل ترى الأنفس في حَتْفٍ شِفاها

كل يوم تخرج الدنيا لنا

مُلهيات تفقد النفس هداها

نفث الشيطان فيها كيده

فهي سم ليس ينجو من حساها

وترى الأفواج تهوى نحوها

ويباري كهلها فيها فتاها

أمَّل المفتون فيها سَلْوةً

ما الذي يُسليه عن مُرَّ شقاها

وترى الشيخ على شيشته

أو على السيجار لا يسلو هواها

إنها الدنيا أضلت أهلها

فتمادوا كلهم يبغي رضاها

ما لهم همٌّ سوى أن ينهلوا

عللا من لهوها أو من جناها

إنه داء الأولى قد جعلوا

من هواهم ومن (الكيف) إلها

لا يبالون بشيء بعدها

ضُبطَ الأمر أو انحلت عراها

وعلى التدخين كم من أمة

أقبلت من سمه تحسو رداها

فقد الناس إذن وَعْي الهدي

لم يعد من وازع.. من يتناهى.؟

كلما ازداد هوى شعب ذو سعة

زاد بُعْداً عن هدى الله وتاها

ص: 216

فالعلاج الدين هل من صحوة

يا ضحايا الكيف ينجيكم هداها.؟!

ص: 217

أَيُّها المدَخِنُ

للشيخ محمد المجذوب

كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة

يا من يُريدُ دَمارَ ويَهْوى

الموتَ منتحراً بلا سكين

لا تيأسنَّ فإن مثلَك واجدٌ

كل الذي يرجوه في التدخين

وبفضلِ جهلِك قد غدوتَ لصانعي

تلك السمومِ السودِ خيرَ مُعين

تحبوهمُ المالَ الذي لولاه لم

يجدوا السبيلَ لِكيدِ هذا الدين

وتخون حق الله في الجسد الذي

لا يستبيح أذاه غيرُ خئون

فاهنأ بما حققتَ للأعداء من

نصر وللشيطان من تمكين

ما كان إبليسٌ ليدرك غايةً

لولا غباوةُ حزبه المأفون

وبمن ينالُ مُناه إن هو لم يَجدْ

عوناً بكل مضلَّل مفتون!

ص: 218

نظرات الطب الحديث في المسكِراتِ والمُخدَّراتِ

للدكتور إسماعيل صبحي حافظ

طبيب باطني بالجامعة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

فأقدم في هذا الموضوع ما توصل إليه الطب الحديث من كتاب هاريسون لعام 1980م (نظرات في المسكرات والمخدرات) حيث أصبح الطب ينقض بعض نظرياته السابقة التي يقول فيها ببعض الفوائد، مع أننا نحن المسلمين نصدق ونؤمن بما قاله أصدق القائلين سبحانه:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} صدق الله العظيم في جميع ما قاله جل شأنه.

ونحن كذلك نؤمن بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر".

ولنا وقفة في هذا المجال حيث يجب علينا نحن المسلمين أن لا ننخدع بما يظهر به علينا العلم الحديث أحياناً من بعض الفوائد للأشياء المحرمة، حيث ما يقولونه اليوم، ينقصونه بعد فترة من الزمن، وما يكون لديهم اليوم حقيقة علمية ذات فوائد خفيت عنهم مضارها، تنكشف لهم مضارها في يوم آخر.

فالمشكلات الرئيسية في المجتمع الحديث تنصب على المسكرات والمخدرات، وإنما المشكلة النفسية الرئيسية هي: لماذا يستمر الإنسان على تعاطي هذه المواد مع علمه التام بما تسبب من أذى وضرر؟.

والمشكلة الطبية هي ما تولده من أمراض.

والمشكلة الاجتماعية هي ما تتضمنه من تأثير سيء على الفرد والأسرة والمجتمع والعالم بأسره.

والعدد الحقيقي لمدمني الخمر في الولايات المتحدة (10) مليون.

وعدد شاربي الخمر في الولايات المتحدة (60) مليون.

وفي بريطانيا يوجد مليون مدمن خمر.

وفي فرنسا يوجد 4 مليون مدمن خمر.

ص: 219

وبالاستقراء يمكن إدراك ما يحدثه الكحول من دمار ونقص في الإنتاج وما يسببه من حوادث وجرائم، وأمراض عقلية وجسمية، وما ينجم عنه من تفكك عائلي.

"الكحول "أو الخمر:

ثبت في الطب الحديث أن الكحول الأثيلي هو الجزء الفعال في الخمر في جميع أشكاله فكل شراب يحوي الكحول الأثيلي أو الكحول المثيلي له صفة الإسكار وإن تفاوتت النسبة حيث إن بعضها يحوي 60% وبعضها الآخر يحوي 4% فكلها مواد مسكرة.

وقد ثبت أن البيرة والمشروبات الأخرى لا تعتبر ذات قيمة غذائية.

نظرات في التأثيرات الفيزيولوجية والنفسية للخمر:

1 – قالوا سابقا إن للخمر فوائد في توسيع شرايين وأوعية القلب ثم ثبت بأن الخمر تنكس ألياف العضلة القلبية بتثبيط خمائري، وتحدث الجلطة القلبية بشكل مباشر وغير مباشر.

2 – وقالوا سابقا إن الخمر تدفئ الجسم ثم أثبت الطب الحديث بأنها توسع الأوعية المحيطية، وشعور الإنسان بالحرارة الخارجية يكون على حساب امتصاص الحرارة المركزية، وقد يحدث الموت المفاجئ في المناطق الباردة.؟

3 – وقالوا إن الخمر يزيد الشهية ثم أثبت الطب اليوم أن الخمر يزيد الإفراز المخاطي بالمعدة وينبه أعضاء الذوق الإنتهائية، ومنه يثبط إفراز الحمض الضروري للهضم فيحدث عسر الهضم والتهاب حاد بالمعدة.

4 – والتأثير المنعش في حالات التعب ظاهرة فيها الرحمة وباطنها فيه العذاب، حيث إن هذا التأثير من شعور دماغي، ولكن على حساب العضلات المجهدة المنهكة.

5 – وأثبت الطب الحديث بأن الخمر تحدث إما نقصاً في سكر الدم أو الداء السكري وذلك بإصابة أماكن تولد الفليكوجين. وقد يحدث الحماض اللاكتائي حيث يتأكسد الكحول الإثيلي وبتحولات كيماوية يحدث الحماض.

ص: 220

6 – والرأي الحديث يقول بأن الكحول مثبط للجملة العصبية وليس منشطا.؟ وبعض التأثيرات الظاهرة من التنبيه تعود لتثبيط بعض النوى تحت القشرية من الثرثرة والفعالية الشديدة. حيث يبدأ تثبيط القشر الدماغي. ويؤثر الكحول عكسياً على كل أشكال الأداء الحركي ووضعية الوقوف وضبط الكلام، وحركات العين.

ويقلل الكحول من كفاءات الأعمال العقلية، وينقص قوة الانتباه والتركيز، ويقلل من ملكات المحاكمة والتمييز، ويفقد القدرة على التفكير والتعقل بوضوح.

نظرات في الأمراض الناتجة عن الخمر:

أصبح ما ينتج عن الخمر من أمراض:

1 – التهاب المعدة ومنه عسر الهضم والألم الدائم بعد الطعام.

2 – تليف الكبد وهو سبب للموت المحقق.

3 – التهاب البنكرياس وهو سبب كذلك للموت المحقق.

4 – فقر الدم.

5 – مرض القلب الكحولي وهو سبب للموت المحقق.

6 – الذبحة الصدرية وتؤدي إلى الوفاة.

7 – السبات وفقد الوعي الكامل الذي يؤدي إلى الوفاة.

8 – التهاب الأعصاب وألم الأطراف المستمر.

9 – الخبل العقلي والشلل التشنجي.

نظرات الطب الحديث في الأخطار الناتجة عن شرب الخمر:

1 – التحلل الأخلاقي والجنون.

2 – انتشار الجرائم الجنسية وتفشي الشذوذ الجنسي بأنواعه المختلفة.؟

3 – انتشار الأمراض الجنسية كالسيلان والزهري خاصة في البلاد الغربية من مخلفات الإدمان المفرط.

4 – إيجاد الاستعداد الوراثي للإدمان حيث إن بذرة الإدمان تنمو بسرعة في تربة الإدمان العائلي.

5 – الخمر سبب مباشر وغير مباشر في 50% من حالات الوفاة في معمل الطب الشرعي في إحدى الولايات الأمريكية.

6 – فقد القدرات الدقيقة على الحكم والملاحظة والانتباه لدى السائق والطيار والبحار نتيجة تناول الخمر مما يعرضه وغيره للموت المحقق عند شربه قبل العمل أو أثناءه.

ص: 221

7 – البطالة فيصبح المدمن عالة على غيره هو وأسرته.

8 – نقص الإنتاج والدخل القومي.

9 – قد يحدث سلوك مخرب غير معقول بسبب تناول كمية صغيرة من الكحول تغري بالشرب وتؤدي إلى الاستعداد للتحسس بالكحول بما يعرف بالحالة الزورية الكحولية الحادة فيقتل الكحولي بدون أن يشعر بأنه قام بهذا الفعل.

فهل هناك بعد ذلك شك في أن "ما أسكر كثيره فقليله حرام "؟ .

نظرات الطب الحديث في معالجة الإدمان وشرب الخمر:

طالعنا الطب الحديث بأن أساس المعالجة الناجعة للإدمان على شرب الخمر هو الانقطاع الكامل المطلق عن الشرب، الذي يمثل عملياً الحل الوحيد الدائم. ومن المتفق عليه طبياً أن أي محاولة لكبح عادة الشرب بالتقليل أو بالتدرج أو بالمناسبات ستفشل إذا استمر المريض على الشرب.

وهكذا فلن يكون هنالك لا حاضراً ولا ماضياً ولا مستقبلاً أفضل مما قاله الله سبحانه {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} .

وهل هناك أفضل علاج من قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} .

يقرأ منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فيقول الصحابة رضي الله عنهم: ربنا انتهينا.

وقد فشلت وسائل الإعلام في أمريكا الشمالية - في إبعاد الناس عن الخمر رغم ما كفلت الحملة الإعلامية عام 1920م من أموال بلغت حوالي 65 مليوناً من الدولارات، ورغم قانون منع المسكرات الذي يجعل عقوبة السكر السجن والغرامة من عام 1920 حتى 1936م ولم يُجْدِ هذا كله شيئاً - والذي يجدي فعلاً هو الوازع الديني يوجده هذا الإسلام العظيم.

ص: 222

وقد فكرت جمعية الكحوليين المغفلين (AA) في أمريكا الشمالية وهي تتكون من الكحوليين السابقين الذين تركوا الكحول - وقدمت الأسس التي ترشد المدمن إلى الإقلاع عن الشرب – ولكن دون فائدة - والحقيقة أن الامتناع الكامل عن الشرب إنما يكون بالاستعانة بالله ثم الجم في ترك الشرب نهائياً.

نظرات في طرق مكافحة الخمر الوقائية:

1 – تدريس أضرار الخمر الطبية حيث يجب أن تكون جزءاً من المواد الدراسية التي يدرسها الطالب في الابتدائي والثانوي والجامعات.

2 – عرض أفلام تلفزيونية طبية عن أضرار الخمر.

3 – إلقاء محاضرات إذاعية قصيرة يشرح في كل محاضرة منها مرض من الأمراض التي تنتج عن شرب الخمر.

4 – عرض لقطات قصيرة وصغيرة عن كل ضرر من الأضرار الناتجة عن شرب الخمر.

5 – تزويد خطباء المساجد أو مدرسي العلوم الشرعية ببعض المعلومات الطبية لإضافتها على النواحي الشرعية عن أضرار الخمر ليكون وقعها في المسامع أفضل وأقوى.

6 – التدقيق في بعض المشروبات المستخرجة من التفاح والشعير المستوردة من الخارج، والتحقق من أنها غير مسكرة.

7 – عدم التساهل في بيع الكولونيا والعطورات التي تحوي الكحول لأن بعض ضعاف النفوس يشربونها بقصد السكر.

8 – إعداد جهاز مقياس الشرب يحمله شرطي المرور ليعرف السائق المخمور وذلك بهواء الزفير من السائق، فيمنع السكران من القيادة.

9 – يجب أن تعرض على الناس النتائج الطبية والاجتماعية السيئة التي تنجم عن الشرب المستمر، كما يُفَهَّم الناس أن الشرب باعتدال لا يمكن أن يتحقق لأسباب منها مثلا مرض السكر، فمريض السكر لا يستطيع الامتناع عن المواد السكرية.

10 – القيام بطرق شخصية تقدمها المستشفيات والمراكز الخاصة كأن تبغض الخمر لشاربيها مستعملة أدوية مقيئة.

ص: 223

11 – الاستعانة بالطب النفسي لإقناع المريض بالمنطق والمحاكمة بأن الامتناع عن الشرب أفضل من السكر المقيئ.

"المخدرات "

1 – إن أكثر المدمنين من الشباب والأحداث المنحرفين الذين يعيشون في الأوساط الفقيرة وفي المدن الكبيرة.

ويبدأ تعاطي المخدرات في سن المراهقة بين 17 – 18 سنةً وثلثا المدمنين للمخدرات هم ممن دون 21 عاماً. والسبب الرئيسي هو معاشرة المدمنين، واستعمال الأدوية لغرض دوائي.

2 – يجب ملاحظة الأدوية التي لها تأثير مخدر، خاصة الأدوية التي تستعمل لأمراض عضوية. فمثلا دواء لوموثيل للإسهال له خاصة مشابهة للأفيون.

3 – يلاحظ أن 90% من المدمنين على الأفيون يشاركون في عمليات إجرامية.

4 – الاستعمال الدائم والذاتي لمتعاطي المخدرات هو أنه تطلب زيادة الجرعة ليحصل على نفس الشعور من الهيمنة والسعادة والتيه بعد استعماله الجرعة البدئية.

5 – المريض المدمن يحاول إخفاء إدمانه عن طبيبه.

6 – هنالك طريقة مخبرية تكشف المورفينات في البول، وتكشف أي جرعة مأخوذة قبل 24 ساعة.

7 – يمكن معالجة الإدمان بنوع من المخدرات أخف يحدث إدماناً من نوع آخر.

8 – يجب أن يعالج المدمن في بيئة خالية من المدمنين.

الجزء الفعال في المخدرات:

كل مادة نباتية أو تركيبية تؤخذ بطريق الحقن، أو الفم، أو الاستنشاق، أو الشيشة، أو السيجارة ولها صفة مفترة.

والمخدرات أنواع:

1 – مسكنات (كالأفيون ومشتقاته) .

2 – منومات (كالباربيتوريات) .

3 – مهدئات (كالفاليوم) .

4 – مهلوسات (كالحشيش والماريوانا والقات) .

5 – منبهات (كالامفاتامين والكوكائين) .

ص: 224

وقفة مع طب الفم والأسنان وعلاقته بالكحول والإدمان

للدكتور أحمد كرات

طبيب الأسنان بالجامعة

أخي المسلم فمك أمانة منحها الله لك فهو المدخل لطعامك وشرابك وجهازك الهضمي، وفيه الأسنان واللسان ويحده من الخارج الشفتان وهكذا بفمك تتحدث وتنطق بالبيان فلا تأكل إلا الطيب الذي أحله الله، ولنتذكر دائماً أننا مراقبون في أقوالنا وأفعالنا فلا يصح أن ننطق أو نقول إلا بما يرضي الله، ولا نفعل إلا ما يحبه الله، والله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى.

إذا نظرنا إلى الفم وجدنا به الأسنان، والسن يتكون من التاج وهو الجزء الذي يظهر في تجويف الفم والجذر هو الجزء المدفون في عظام الفك والذي يرتبط بعظام الفك بواسطة غشاء يسمى peviodontal membrane ليحفظ السن ثابتاً في مكانه والتاج يتكون من طبقات، فالطبقة الخارجية وهي الميناء شديدة الصلابة ناصعة البياض نسبة الكالسيوم بها هي الغالبة، وطبقة الميناء هي التي تعطي للسن بريقه ولمعانه ويلي طبقة الميناء طبقة العاج ثم لب السن الذي يحتوي على خلايا وأعصاب وأوعية دموية ومحيط بعنق السن اللثة، ومحيط بالتجويف الفمي أغشية مخاطية تختلف في تكوينها وطبقاتها كل حسب وظيفته وموقعه ويوجد بالتجويف الفمي اللسان تلك العضلة المثبتة من الخلف في قاع الفم ويتحرك جزءه الأمامي في جميع الاتجاهات ويحتوي على حلمات حسية لتعرف المذاق الحلو والمر ويوجد أيضا بالتجويف الفمي سقف الحلق الذي يفصل بينه وبين التجويف الأنفي. كذلك يحتوي التجويف الفمي على الغدد اللعابية التي لها وظائف هضمية وهي الغدتان النكفيتان والغدتان تحت الفكين والغدتان تحت اللسان. وهي تفرز اللعاب ليختلط بالطعام فيسهل بلعه وهضمه ويرطب الفم فيسهل الحديث والكلام.

ص: 225

إن الفم أول أجزاء الجسم تعرضاً للمسكرات والمخدرات والتدخين. فالمسكرات وما تحتويه من مواد كحولية لها التأثير الضار على الخلايا التي تحيط بالتجويف الفمي، فجسم الإنسان يتكون من أعضاء مختلفة والتجويف الفمي كأي عضو في الجسم يتكون من خلايا منتظمة التكوين لها شكل معين وتتراص في تركيب بديع، لتقوم بوظائف خاصة كل حسب موقعه، كل ذلك يقوم بنظام دقيق ليقوم كل عضو بوظيفته والكل يعمل في تعاون ونظام وتوازن الأنسجة والخلايا التي بالفم تقوم بأداء مهمتها ليكون الفم دائما في حالته الصحية ويقوم كل جزء بأداء عمله، وخلايا الفم تختلف في عدد طبقاتها وقدرتها على التحمل كل حسب موقعه ووظيفته.

إن التبغ بصوره المختلفة وبكل أنواعه ومشتقاته سواء كان على صورته والتي توضع في الفم مباشرة وتمضغ أو عن طريق التدخين بالسجائر والسيجار والغليون وما شابه ذلك له الأضرار الكبيرة على صحة الفم والأسنان وكذلك أيضا المخدرات والمسكرات وينتج عند تناول هذه الأشياء تغير في رائحة الفم مما يتسبب في بخر من الروائح الكريهة وفي هذا يكون الأذى للمخالط والمجاور وبالنظر إلى أسنان المدخنين نجد طبقات سوداء اللون غيرت من طبيعة ميناء الأسنان وجعلتها أكثر تعرضا للتلف فلقد أفقدها التدخين لمعانها وبريقها وجعل للجراثيم المرتع الخصب في المواد المتخمرة لنشر الالتهابات وتعريض السن للتسوس وجعل رائحة الفم عفنة.

ص: 226

لقد أثبتت التجارب الطبية والأبحاث العلمية الأضرار والأمراض الناتجة من المسكرات والمخدرات والتدخين. فالمواد الكحولية وكذلك التبغ بكل صوره ومشتقاته الذي يدخل التجويف الفمي ويلامس خلاياه فالمسكرات تحتوي على الكحول والتبغ يحتوي على القطران والنيكوتين وكلها مواد سامة ذات تأثير ضار على خلايا الجسم المختلفة. تلامس هذه المواد السامة خلايا الفم فتصيبها وتحدث بها الكثير من التغيرات. لقد أدخلت في فمك الخطر وعرضته للمرض بتناول المسكرات والمخدرات وأرادت الخلايا أن تدافع عنك وتقاوم هذه السموم والأخطار ونتيجة للحرب بين الخلايا وسموم المسكرات والتدخين والمخدرات كانت الالتهابات التي تصيب الفم وأجزاءه المختلفة والتي تكون في بادئ الأمر بسيطة ثم تتطور لتكون حادة وكثيراً ما تكون صديدية تفرز الأذى والقيح والاستمرار في تعرض الخلايا لهذه السموم القاتلة يهلك هذه الخلايا الدقيقة التكوين ويضعف مقاومتها وتصبح عرضة لتتطور وتصبح أمراضاً خطيرة وخبيثة وهنا أوضح للقارئ ببعض الصور التي نشرت بالمجلات الطبية عن حالات تصيب الفم نتيجة التدخين والتي رأيت منها الكثير علاجي للمرضى وبخاصة في مصر.

العديد من المقالات الطبية والبحوث العلمية التي نشرت في العالم وتؤكد أن كثيراً من الأمراض التي تصيب الفم وتجعله معرضا للأورام الخبيثة السرطانية هي شرب المواد الكحولية والتدخين والتبغ بكل أنواعه.

1 – صورة للتجويف الفمي ويظهر في الشدق التهاب مزمن تحول إلى مناطق بيضاء

ص: 227

إن الاستمرار في تناول المسكرات والمخدرات استمرار لتقديم المواد السامة والقاتلة التي تهلك خلايا الفم الدقيقة التكوين لتغير من طبيعتها فيتغير شكلها ونظامها وطبقاتها وتصبح في حالة عدم توازن وتستعد هذه الخلايا لمقاومة هذا الخطر بأجهزتها الدفاعية لتلتهم وتحاصر هذه المواد الضارة لتدفعها وتتخلص منها وينتج عن تلك الالتهابات التي تصيب الفم وأغشيته المختلفة وتعرض اللثة للالتهابات الصديدية والمتقيحة والمتقرحة وتصبح الأسنان فريسة للتخلخل بل وبؤرة صديدية تفسد الجسم. وبازدياد هذه السموم والمواد القاتلة الناتجة عن المسكرات والمخدرات تعجز الأجهزة الدفاعية عن مقاومة هذه الأخطار التي تهددها باستمرار في تعاطيها المسكرات والمخدرات وفي تقديم موادهما السامة إليها لتظهر بقعاً وقطعاً بيضاء الليكوبلاكيا leukoplakia وهي تظهر في منطق مختلفة من الفم أحياناً في الشدق كما في منظر (1) أو على الشفاه أو على سطح أو أسفل اللسان، وهذه القطع البيضاء معروفة بالليكوبلاكيا تأخذ أوضاعا مختلفة حسب تأثيرها على الخلايا كما هو واضح في الشكل (2)

(2)

صورة للفم تظهر فيها بوضوح الإصابة بالليكوبلاكيا

ويمكن للطبيب تشخيص الإصابة بالليكوبلاكيا بشكلها وتكوينها وأسبابها التي منها تناول الكحول والتدخين والمخدرات وهذه الحالة المرضية تظهر بوضوح تحت المجهر ومن مميزاتها اختلال في طبقاتها الخارجية وهو ما يسمى يالهيبركيراتوزيس hyperkeratosis

ص: 228

إن مرض الليكوبلاكيا الذي يصيب الفم مرض خطير لأنه المنذر بأن الأمر سيكون خطيراً حيث تفقد الخلايا سيطرتها على الانقسام ويتغير شكلها ونظامها وتختل طبيعتها وتتكاثر بغير نظام لتأخذ صورة همجية وتفقد تعاونها ووظيفتها وتصبح عالة على الخلايا السليمة الصحيحة تسلبها خصائصها وتمنعها من أداء وظيفتها بل وتؤثر عليها وتصعقها وتجعلها فريسة لها بل وتورثها صفاتها الخبيثة، عند ذلك يستفحل المرض وتكون الأورام التي كانت في بدايتها حميدة ثم تحولت لتكون خطيرة وخبيثة.

وهناك العديد من الأمثلة والكثير من الصور التي توضح وتعطي صورة حية لهذا الوبال الخطير الذي يهدد البشرية بأجمعها إنه السرطان ومن أهم أسبابه تناول الخمور والتبغ والمخدرات.

منظر (3) توضح قرحة بسقف الحلق نتيجة للتدخين

بالرغم من الإعلانات والدعاية الخادعة للتدخين والتي تدعي بأن السيجارة متعة وأنها سلسة ودعايات أخرى بأنها تحتوي على أقل نسبة من القطران والنيكوتين إلا أن منظمة الصحة العالمية بعد التأكد بأن للتدخين مضاره على الجسم والإصابة بالأورام الخبيثة أمرت بالكتابة على علبة بأن التدخين ضار بالصحة ويسبب السرطان فننصحك بالامتناع عنه.

منظر (4) صورة للتجويف الفمي تظهر فيه الليكوبلاكيا على سقف الحلق والشفاه من تأثير التبغ

أخي المسلم عد إلى رشدك واحفظ دينك ومالك ونفسك وعقلك وبدنك وتناول في فمك ما أحله الله لك وحذار أن تضع في فمك ما حرمه الله فكيف يستجاب لنا الدعاء.

ص: 229

تذكر أن الطعام الذي تدخله في فمك بيديك وتقطعه بأسنانك وتطحنه بأضراسك وتقوم أجهزتك الهضمية بإعداده ليكون مهضوما ليجري في الدم فيبني خلايا الجسد لابد أن يكون حلالاً طيباً. ابتعد عن تناول كل ما حرمه الله فالمعجزة التي نزل بها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هي القرآن إنه المعجزة التي أحلت للناس الطيبات وحرمت عليهم الخبائث. فليكن فمك طاهراً فتكون ممن يجاب لهم الدعاء.

انظر تأثير ما حرمه الله عليك وهذا منظر للتجويف الفمي وتحولت الليكوبلاكيا التي أصابت المنطقة التي تحت اللسان فحولتها إلى سرطان منظر (5) .

منظر (5) صورة لمنطقة تحت اللسان وقد تحولت الليكوبلاكيا إلى سرطان خبيث

إن الله سبحانه وتعالى لم يحرم علينا شيئا إلا لما فيه من الضرر والمفسدة على صحة الإنسان سواء العقلية أو الفكرية أو الجسدية فالله سبحانه وتعالى حكيم عليم. ولقد أوضحت بعضاً من الحكم في أسباب تحريم المسكرات والمخدرات وآثارها الخبيثة على صحة الإنسان.

على المسلم أن يكون حذراً من مقارفة الحرام أو تناوله أو تناول أي شيء منه حتى ولو لم تكن هناك حكمة ظاهرة لنا حينئذ تكون الحكمة فيها تعبدية ولا يزال الإنسان قاصراً عن إدراك الكثير من الحكم ولتكن أعمالنا وأفعالنا وأقوالنا في طاعة الله وطاعة رسوله.

لقد أوجزت قليلا من كثير مما تسببه المسكرات والمخدرات والتدخين على صحة الفم والأسنان، وسيظل العلم يبحث ويكتشف الكثير والجديد من آثارهما الضارة وفي نفس الوقت سيظل العلم عاجزاً للوصول إلى الحكم الكثيرة في تحريم الخمر وكذلك المسكرات والمخدرات.

ص: 230

لقد سمعنا نداء الحق وكلنا مسئولون أمام الله عن المال فيم أنفقناه وعن الوقت فيم أضعناه وعن الشباب والصحة فيم أفنيناهما فلا تدخل فمك السموم والمنكرات وندعي بأن التبغ والدخان عادة لا تستطيع الإقلاع عنها وأن فيها متعة الراحة والتخلص من الأزمات وأحياناً تدعي بان الدخان فيه وقاية لك من الأمراض والميكروبات لأن عملك فيه المخالطة والمجاورة بالمرضى والصواب هو ضدٌ ما تدعيه لأنك تقدم الأذى والشر للمخالطين وكل من حولك لأنك تبثهم ما تلفظه من سموم الدخان الذي يحمل القطران والنيكوتين وزودته بغاز فاسد هو ثاني أكسيد الكربون وكلها مواد مؤذية مهلكة.

أخي المسلم: عد إلى رشدك فلقد ميزك الله بالعقل فلا تضيع مالك ووقتك وصحتك وتعرض نفسك للمعاصي وعقلك وجسدك للأمراض وانظر إلى الأضرار الجسيمة التي تخلفها المسكرات والمخدرات. انظر إلى الصورة رقم (6) لترى النجويف الفمي وقد أصيب الركن الأيمن من الفم بالسرطان نتيجة للتبغ.

(6)

صورة توضح التجويف الفمي وقد تحولت منطقة الليكوبلاكيا leukoplakia بركن الفم الأيمن إلى سرطان نتيجة الإدمان والتدخين.

فليكن لنا في السابقين الأولين من السلف الصالح من هذه الأمة القدوة الحسنة، فلقد أطاعوا الله ورسوله وجاهدوا في الله حق جهاده وفتحوا الأقطار والأمصار وخضعت لهم الجبابرة والقياصرة بقوة إيمانهم وكريم خصالهم وسلوكهم فكانت لهم القيادة وكان لهم النصر والفتح المبين لأنهم أقبلوا على الله معرضين عمن سواه حتى تم لهم اليقين وبلغوا درجة المقربين.

ص: 231

الخمْرُ وتَأثيرها على العيُونِ

للدكتور فكري السيَّد عوض

طبيب العيون بالجامعة

* سنتعرض في بحثنا هذا بمشيئة الله تعالى وعونه على تأثير الخمر السيئ على العين وسنكتفي بعرض تأثيرها على كل من: العصب البصري، العضلات المحركة للعين، الأوعية الدموية التي تغذي العين.

- الخمر ما هي إلا مشروبات تحتوي على كميات متفاوتة من الكحول، وعلى حسب تركيز الكحول تختلف مسمياتها. والكحول هو الذي يسبب جميع الآثار الضارة تنتج من شرب الخمر.

والكحول مركب كيميائي له صفات وخصائص معينة فهو مكون من ذرات من الكربون وذرات من الهيدروجين وتنتهي بمجموعة من الهيدروكسيل (OH) . فيكون رمزه هكذا [C-H....OH]

- وأكثر الأنواع انتشاراً هو الكحول الإيثيلي:

وله استخدامات كثيرة منها:

أ – في الطب:

1 – يستعمل كمطهر.

2 – مذيب للمواد العطرية ويستخدم بكثرة في صنع الروائح.

3 – مذيب لبعض الأدوية (الأدوية التي تتكون من مواد دهنية أو قلونية فإنها لا تذوب إلا في الكحول) .

ب – في الصناعة:

1-

مذيب للمواد الدهنية.

2 – يستخدم في ضغط بعض المواد.

3 – كما انه مقاوم للتجمد.

- أما الكحول المثيلي (كحول نشارة الخشب) فهو أسوأ أنواع الكحول من الناحية السميَّة.

- ويتكون الكحول الإيثيلي من تحليل المواد السكرية الموجودة في الفواكه، أو تحليل المواد النشوية الموجودة في الشعير، وذلك بإضافة الخميرة إليها بكمية معينة، في درجة حرارة معينة، فيحدث التخمر الذي هو تكوين الكحول.

* امتصاصه من الجسم وتوزيعه:

ص: 232

يدخل الكحول إلى الجسم عن طريق المشروبات، ويمتص من الفم، أو من المعدة، أو من الاثنى عشر، ويكون الامتصاص سريعاً إذا كانت المعدة خالية وكانت نسبة تركيز الكحول قليلة، أما إذا كانت نسبة تركيز الكحول عالية والمعدة ممتلئة بالطعام فعند ذلك يكون الامتصاص بطيئاً، ويذهب بعد ذلك عن طريق الأوعية الدموية إلى الكبد، وهناك يتحول من الكحول إلى حامض الخليك ثم يتأكسد، وهذه العملية تحتاج إلى كمية كبيرة من فيتامين ب المركب وبالذات فيتامين ب1 مما يؤدي إلى نقص كبير في هذا الفيتامين بالإضافة إلى نقص في كمية البروتينات الدهنية، علاوة على أن خلايا الكبد تتأثر تأثراً مباشراً به، وبعد ذلك يتوزع تأثيره على جميع أنسجة الجسم.

* فما تأثيره على العين.؟

من الحقائق التشريحية الثابتة:

أن الجهاز العصبي يتكون من نوعين يجب معرفتهما حتى يسهل معرفة تأثير الكحول على العين:

1 – جهاز عصبي مركزي (central nerveous system) : وهو يتكون من المخ وما به من مراكز للبصر، ومراكز للسمع، ومراكز للنطق......

2 – جهاز عصبي فرعي (peripheral nerveous system) : وهو عبارة عن ثلاثة أقسام:

(أ) أعصاب مخية (cranial nerves)

- وهي تخرج من جانبي المخ لتصل إلى العين وإلى الوجه وإلى جميع أجزاء الجسم.

- عددها اثني عشر زوجاً من الأعصاب.

- والذي يهمنا منها ما يتعلق بتأثير الكحول على الأعصاب المتعلقة بالعين وهو:

xx العصب المخي الثاني: وهو يسمى بالعصب البصري (يختص بحاسة الإبصار)

xx العصب المخي الثالث: وهو يختص بتحريك معظم عضلات العين.

xx العصب المخي الرابع: وهو يحرك عضلة واحدة من عضلات العين (العضلة المنحرفة العليا) .

xx العصب المخي السادس: وهو يحرك عضلة واحدة من عضلات العين (العضلة المستقيمة) .

ص: 233

(ب) أعصاب نخاعية شوكية: وعددها واحد وثلاثون زوجاً. وتخرج من العمود الفقري.

(ج) أعصاب لا إرادية: (antonomic nerveous system)

وهي تعمل بدون تدخل الإنسان عند الحاجة إليها وقسم منها يسمى الأعصاب التعاطفية أو الودية حيث تتعاطف مع الإنسان في حالات الخوف أو القتال فنجد أن حدقة العين تتسع وتجحظ العضلات وتنتفخ الأوداج، وتسرع ضربات القلب ويرتفع الضغط: وعندما يذهب الخوف ويعود الهدوء يعود القسم الآخر من الأعصاب (وهو ما يسمى بالأعصاب نظير التعاطفية) للعمل.

بعد هذا العرض ندرك أن الأعصاب التي تتعلق بالعين:

- إما عصب يختص بالإبصار (وهو العصب البصري) .

- وإما أعصاب تحرك عضلات العين (وهو العصب المخي الثالث والرابع والسادس) .

- وإما أعصاب لا إرادية لتحريك مقلة العين، وانقباض أو استرخاء الأوعية الدموية.

- وإما مراكز في المخ تختص بالإبصار.

فماذا يفعل الكحول على هذه الأعصاب السابقة؟

يؤثر الكحول على الجهاز العصبي إما تأثيراً مباشراً وذلك بضمور بعض الخلايا العصبية وعندئذ تتأثر جميع الإحساسات (من رؤية الأشباح، وسماع أصوات موهوبة، وشم رائحة غير موجودة لا وجود لها) .

- وإما يكون تأثير الكحول تأثيراُ غير مباشر وذلك للنقص الشديد من فيتامين ب المركب.

التهاب عصب العين المؤدي إلى العمى:

- يحدث ذلك عند مدمني الكحول وبالذات إذا كان الشخص يشرب الخمر وهو في نفس الوقت من المتعودين على التدخين حيث تتعاون المادتان السامتان في كل من الكحول والتبغ على إحداث العمى.

- والتهاب العصب البصري هذا يكون من النوع المزمن وهو ما يعرف (toxic ambolygria) ويحدث فيه تحطيم لألياف العصب البصري نتيجة سموم خارجية ومن أهمها:

(التبغ – والكحول الإيثيلي – والكحول الميثيلي

) .

ص: 234

* تأثير الكحول الإيثيلي على العصب البصري:

- يتراوح عمر المريض من الخامسة والثلاثين إلى الخمسين من عمره.

- يبدأ المرض بأن يشعر المريض بأن هناك ضباباً أو شبورة أمام نظره وعلى الأخص في المساء أو في الضوء الخافت، ثم تأخذ الرؤية المركزية في النقصان تدريجيا بمعنى أن القراءة والأعمال القريبة تصبح صعبة.

- ويحدث ذلك في كلتا العينين إلا أن إحداهما تتأثر أكثر من الأخرى.

- وبفحص قاع العين تظهر علامات معينة، وبفحص مجال الرؤيا تظهر عتامات فيه ومبادئ في عمى الألوان وبالذات للون الأحمر.

- ثم تفقد الرؤية المركزية بعد ذلك (فلا يستطيع القراءة ولا يستطيع ممارسة الأعمال القريبة) لكن من الممكن أن يرى من الجوانب إذا أراد المسير.

- يحدث تحلل وضمور في نوع خاص من خلايا الشبكية.

- علاج مثل هذه الحالات إذا اكتشفت مبكراً: هو أن يتوقف المريض عن شرب الكحول ويمتنع عن التدخين نهائياً، ويعطي جرعة كبيرة من فيتامين ب المركب وبالذات B12) (Thiamine and

* تأثير الكحول المثيلي على العصب البصري:

* يحدث ذلك في المناطق التي يمنع فيها من تناول الخمور.

* ونظراً لأنه سام جداً فإن الحكومات تضيفه عمداً إلى الاسبيرتو (الذي يستخدم في الوقود) حتى لا يشرب.

ولذا كان شرب السبيرتو مميتاً في الحال بخلاف بقية الخمور من حيث أنها تميت ولكن على فترات متباعدة.

- وهو يتحلل في الجسم إلى فورمالدهيد + حامض فورميك.

- والتسمم به له حالتان إما تسمم حاد أو مزمن.

- ويصاب المريض بالغثيان، والصداع، وزغللة في عينيه، ثم إغماء.

- وإذا فرض أن المريض أنقد، فإن البصر يقل بسرعة عجيبة، بادئاً بمرحلة ضيق مجال الرؤية إلى أن ينتهي بالعمى نتيجة ضمور في العصب البصري (primary optic atrophy) وذلك نتيجة لتحلل خلايا العصب بادئاً من الشبكة ويظهر ذلك بفحص قاع العين.

ص: 235

* هذا ما حدث للعصب المختص بالإبصار، وهو العصب البصري.

فماذا يحدث للأعصاب الأخرى؟ أي المختصة بحركة العين.

* في الغالب يحدث نتيجة تأثير الكحول على محاور الأعصاب (لأن كل عصب يتركب من محور أسطواني (Axis Cylinder) ويغلفه غشاء (Myelin Sheath) فإذا ما حدث تحلل لمحور العصب يكون ذلك مميتاً للعصب إلا إذا توقف مبكرا عن الشراب ثم أخذ كميات كبيرة من فيتامين ب المركب (لكن إذا حدث تحلل في الغشاء الذي يغلف المحور فإنه يعود مرة أخرى. والخطر الذي يحدثه الكحول هو على محور العصب نفسه. وهنا تكمن الخطورة.

* ويلاحظ أن بعض الحالات المتأخرة في أمراض العيون مثل (Absolute Glaucoma) وهي المياه الزرقاء التي تصيب العين وتصل إلى مرحلة العمى ولا يصلح معها العلاج وتصبح العين فيها ألم شديد جداً إذا وافق المريض على استئصال هذه العين لإراحته من هذا الألم الشديد وإلا فإنه يعطى حقنة تخدير خلف العين ثم بعدها بدقائق يعطى حقنة من الكحول تركيزه 80% خلف العين حتى يتخلص من هذا الألم لإحداث شبه شلل بأعصاب العين لكن بالطبع هذا له مساوئه العديدة التي منها عدم حركة العين، وكذلك ارتخاء الجفن، وكذلك التهاب القرنية.

لكن أشرنا إلى ذلك فقط من باب تأثير الكحول المباشر على الأعصاب وما ينتج عنه من تلف.

- كذلك فإن من الآثار السيئة للكحول على أعصاب العين المغذية للعضلات حيث يؤدي إلى اضطراب في حركتها مما يؤدي إلى الرؤية المزدوجة (Diploysia) ، فيرى المريض الشخص شخصين، وهكذا يرى كل شيء مزدوجا مما يؤدي له الانزعاج الشديد والحرج البالغ.

وأكثر أعصاب العين إصابة هو العصب المخي السادس (العصب المُبَعَّدْ)(Abducent Nerve) فنجد كلما التفت المريض يميناً أو يساراً يرى الشيء شيئين.

- أما في حالات السكر:

ص: 236

فإنه يحدث تخدير خلايا المخ، فتنعدم الرؤية الواضحة، يحتقن العينين والوجه وقد يرى الشيء شيئين وتبدأ الرأرة في العين (اهتزاز العين بحركة بندولية – (Nystag Mous)

- وعلى هذا فإن المدمنين للكحول نجد أن ملتحمة العين دائما محتقنة، ونجد كذلك أن الجفون محتقنة والتهاب في حافة الجفون.

لكن في بعض الحالات بدلا من أن تكون الملتحمة محتقنة نجدها صفراء وهذا يحدث في مرض اكتشفه الطبيب زيف (Zeive)

ما هو مرض زيف؟ (Zeive` s Syndrome)

* هو مرض خطير لا يصيب إلا المدمنين، لكنه لا يصيب جميع المدمنين. ويحدث فيه اختلال في وظائف الكبد وتضخم في الكبد.

* وينتج منه تحلل كرات الدم الحمراء بكميات هائلة حتى تسبب فقر دم شديد.

* وينتج عن ذلك مرض اليرقان الذي يحدث عنه اصفرار جميع أجزاء الجسم وكذلك ملتحمة العين.

* وقد لاحظ الطبيب زيف أنه مع توقف شرب الكحول وأخذ العلاج اللازم يتماثل المريض للشفاء وإلا فمصيره الدمار والهلاك.

وماذا عن مرض فيرنيكي الدماغي: (Wernicke – encephalopacy)

- إنه يكون عند المدمنين للكحول (نتيجة نقص شديد في فيتامين ب المركب)

- ويصيب المنطقة الوسطى من الدماغ حيث يخرج من هذه المنطقة العصب المحرك الثالث، والرابع اللذان يقومان بحركة عضلات العين، كذلك في هذه المنطقة يوجد المركز الخاص باليقظة، ولذلك يصبح المريض في حالة كسل وخمول بالإضافة إلى أنه يرى الأشياء مزدوجة.

* الخمر وعمى الألوان:

توجد في شبكية العين (وهي تتكون من عشر طبقات فوق بعضها) في طبقة واحدة منها ما يختص بالرؤية حيث يوجد فيها نوعان من الخلايا يقومان بذلك:

النوع الأول: العصايا (Rods) وتختص بالرؤية الضعيفة (Scotopic Vision)

النوع الثاني: المخاريط (Cones) وتختص بالرؤية النهارية أو الرؤية المركزة.

ص: 237

أما كيف تحدث الرؤيا وتظهر الأشياء ملونة فهذا له نظريات متعددة وليس مجال بحثنا لكن في بساطة أن الشعاع الضوئي يمر في أوساط مختلفة من العين حتى يقع على الشبكية فتقوم الخلايا الحساسة للضوء (العصايا والمخاريط) بترجمتها إلى شكل سيولة عصبية تنقلها إلى العصب البصري الذي يوصلها إلى المخ.

والأمراض التي تصيب العين بعمى الألوان من جملتها التسمم المزمن بالتبغ والخمر حيث يؤثر ذلك على الخلايا الحساسة لاستقبال الضوء، أو يؤثر على العصب البصري الذي ينقل الصورة ملونة (يحتوي العصب البصري ما يقرب من مليون جهاز ملون أي ألياف عصبية) وفي الغالب لا يكون عمى الألوان لجميع الألوان ولكن لبعضها دون الآخر أي يميز بعض الألوان، والأخرى لا يميزها.

تأثير الخمور على مرحلة "نوم حركة العين السريعة": (Rapid Eye movement sleep)

إن نوم الإنسان الطبيعي يشمل مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة النوم العميق:

ومدتها حوالي ساعة ونصف _ وتقل فيها سرعة النبض وضربات القلب، وتقل سرعة التنفس، ويقل فيها ضغط الدم.

المرحلة الثانية: مرحلة نوم حركة العين السريعة:

- ومدتها من خمس إلى عشر دقائق تقريباً.

- حيث تتحرك مقلة العين حركة سريعة (بالرغم من أن الإنسان في نوم – وبالرغم من أن الجفن مغلق - وأمكن تصويرها بالأشعة تحت الحمراء وأمكن مشاهدتها وهي تتحرك بسرعة كبيرة تحت الجفن المغلق) ، فإذا استيقظ الشخص في هذه الفترة يتبين أنه يحلم.

- وإذا كان نوم الشخص خاليا من هذه المرحلة يصبح في تعب وإرهاق ولا يشعر أنه قد أخذ نصيبه الكافي من النوم. فهي تعتبر مرحلة ضرورية للنوم.

- ويتكرر ذلك كل ليلة حوالي أربع أو خمس مرات.

* وقد وجد أن من إحدى الأسباب التي تؤدي إلى انعدام حركة العين السريعة هو الكحول. وبالتالي يفقد الإنسان النوم الضروري له.

ص: 238

* ووجد أنه عند المدمنين إذا سحب الدواء أو امتنع المدمن مرة واحدة عن شرب الكحول فإن النوم كله يتحول إلى مرحلة نوم حركة العين السريعة. وهذا يسبب له هيجاناً شديداً ولذلك عند معالجة هؤلاء يتبع معهم نظام دقيق جدا داخل المستشفيات المعدة لذلك.

تكلمنا عن تأثير الكحول على الأعصاب المخية وعلاقتها بالرؤية والألوان وحركات العين.

بقي أن نعرف تأثير الكحول على الأعصاب اللاإرادية:

تقوم الأعصاب اللاإرادية بإرسال الأوامر إلى الأوعية الدموية حسب ضرورة الجسم بدون تدخل من الإنسان، ولكي ندرك تأثيرها في الأوعية الدموية لابد من معرفة تركيب الشريان حتى نعرف في أي طبقة تؤثر الأعصاب وما نتيجة ذلك.

يتركب الشريان من ثلاث طبقات:

1 – الطبقة الأولى: وهي الطبقة الداخلية (Intima) وهي التي تبطن الوعاء الدموي ولذلك فهي ملساء ناعمة جداً، وأي خلل أو خدش أو خشونة فيها ينتج عن ذلك الجلطة الدموية التي تؤدي إلى ضيق أو قفل الشريان.

2 – الطبقة الثانية: وهي الطبقة العضلية (Muscular Layer) وهي تتكون من عضلات تتغذى بالأعصاب اللاإرادية فهي التي تأمر تلك العضلات بالانقباض (فيضيق الوعاء الدموي) بدون إرادة من الإنسان.

3 – الطبقة الثالثة: وهي طبقة مصلية مغلفة للعضلات، وأهميتها أقل من الطبقتين السابقتين.

فماذا يحدث لهذه الطبقات عند المدمنين للخمر؟

أولا: الكحول كما هو معروف أنه يزيد من نسبة الدهنيات في الدم، وخاصة نسبة الكوليسترول وإذا زاد الكوليسترول فإنه يترسب في الأوعية الدموية (تحت الغشاء الداخلي المبطن للوعاء الدموي) .

وكما هو واضح من الرسم أن ترسيب الكوليستيرول يؤدي إلى:

1 – تصلب في الشرايين الذي يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم.

ص: 239

2 – ضيق في الأوعية الدموية الذي يؤدي إلى تباطؤ في سرعة الدم وترسيب صفائح الدم حيث تتكون الجلطة الدموية. وأخطر ما تكون إذا كانت في القلب حيث تؤدي إلى الوفاة، أو إذا كانت في الأوعية الدموية التي تغذي فتحدث شللا، وأما إذا كانت في الشريان الرئيسي المغذي للعين فإنه يحدث العمى المفاجئ.

ثانيا: في الشخص الطبيعي: إذا كان مستلقيا على ظهره وأراد الوقوف فجأة فإنه بتأثير الجاذبية فإن الدم من المفروض أن يتجمع في الأوعية الدموية التي في الأجزاء السفلي من الجسم، لكن على الفور يقوم الجهاز اللاإرادي بموازنة تلك الحالة فيرسل أوامره إلى العضلات الموجودة في جدار الأوعية الدموية للانقباض حتى تدفع الدم إلى أعلى.

هذه الخاصية تفقد في عدة أمراض من بينها المدمنين على الخمور وذلك لسببين:

أ – لتأثير الكحول على الأعصاب اللاإرادية فلا يحدث التأثر الكافي.

ب – لتصلب الشرايين الناتج من الكوليستيرول المترسب فيها فلا يحدث الانقباض اللازم وعلى ذلك يبقى معظم الدم في الأجزاء السفلي وينتج عن ذلك عند النهوض من وضع الاستلقاء أن يقل الدم الواصل إلى المخ ويظهر ذلك في صورة الشعور بعدم الرؤية الواضحة لفترة قليلة والدوخة والصداع وقد يؤدي إلى الإغماء.

وهكذا نجد أن تأثير الكحول له مضار متعددة على كل مستوى من مستويات العين سواء على مستوى الأعصاب المخية أو الأعصاب التي تحرك عضلات العين أو الأعصاب اللاإرادية المختصة بالأوعية الدموية.

ص: 240

فاجتنبوه لعلكم تفلحون

للشيخ أبي بكر الجزائري

الأستاذ بالدراسات العليا بالجامعة

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد فقد قال العلماء: "معرفة سبب نزول الآية يساعد على فهمها".

ومن هنا نورد لك أيها القارئ سبب نزول هذه الآية ليعينك على فهمها بإذن الله تعالى.

روى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهم: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: فيَّ نزل تحريم الخمر، وذلك أن رجلا من الأنصار صنع طعاماً فدعانا فأتاه ناسٌ فأكلوا وشربوا حتى انتشوا [1] من الخمر، وذلك قبل تحريم الخمر، فتفاخروا، فقالت الأنصار: الأنصار خير، وقالت قريش: قريش خير! فأهوى رجل بلحْيِ [2] جزور فضرب على أنفي ففزره [3] فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فنزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ

الآية} .

ولما كان فهم الآية الكريمة يتوقف على فهم كلماتها فإنا نشرح لك أيها القارئ الكلمات التي نرى شرحها ضروريا لما فيها من خفاء لعدم استعمال الناس لها في مخاطباتهم اليوم وهي:

آمنوا: معناها: صدقوا جازمين بالله رباً وإلهاً حقاً، وبمحمد نبياً ورسولاً، وبالإسلام ملة ودينا، وبلقاء الله تعالى وصادق وعده لأوليائه وأهل محبته، ووعيده لأهل عداوته وبغضته.

إنما: هذا الحرف أداة قصر بمعنى أن المحرمات الأربعة التي اشتملت عليها الآية الكريمة وهي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام مقصورة على الرجس فليس فيها خير ولانفع ولا شيء آخر أبداً إلا الرجس فقط.

ص: 241

الخمر: هذا الفظ مأخوذ من التخمير الذي هو التغطية والستر، ومنه خمار المرأة المسلمة التي تغطي بهاراسها وتستر به محاسن وجهها قال تعالى:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ} .

وفي الحديث الشريف: "خمّروا الإناء بالليل" أي غطوه واستروه حتى لا يقع فيه ما يفسد ما فيه، فسميت الخمر خمراً لأنها أولا تخمر في إناء وتغطى حتى تشتد وتقذف بالزبد، وثانيا تغطي شعور شاربها وتستر عقله حتى يصبح لايعي ما يقول ولايدرك عاقبة ما يفعل، ولذالك حرمت، وأصبح كل مسكر خمرًا، وكل خمر [4] حرام، وما أسكر قليله فكثيره حرام.

الميسر: هذا الفظ مشتق من اليسر والسهولة؛ لأن المال المتحصل به يحصل بسهولة ويسر أي بدون تعب ولاحصول مشقة، ولا يبعد أن يكون مشتقا أيضا من اليسار الذي هو السعة والغنى، هذا وجه اشتقاق كلمة الميسر، أما حقيقته فهو كل أنواع القمار التي يحصل بها المال بلا كلفة ولامشقة كلعبة الطاولة والنرد والشطرنج والكعاب والجوز والكيرم والورق والدمنو وما إلى ذلك من أنواع الألعاب غير ما أبح الرسول صلى الله عليه وسلم من الرماية والمناضلة والسباق.

الأنصاب: جمع نصب بفتح النون والصاد، أو نُصْب بضم النون وسكون الصاد، حجارة تنصب للعبادة، وكل علم أو تمثال، أوصنم عبد من دون الله تعالى، وتحريمها يشمل عبادتها أو إيقاع العبادة عندها، أو صنعها أو بيعها وشراءها او الرضا بها.

ص: 242

الأزلام: جمع زُلَم بضم الزاي وفتح اللام كصُرَد – طائر معروف – والزلم سهم لا ريش عليه ولا نصل فيه. ويقال له قِدح وجمعه إقداح وأقداح وهو سهم الميسر، كان العرب في الجاهلية يستقسمون بها أي يتعرفون بها إلى ما قسم لهم وقدر من خير أو شر وكيفية الإستسقام بها: أن يكتب على أحدها: أمرني، وعلى الثاني: نهاني، ويترك الثالث غفلا ليس عليه علامةن فإذا أراد أحدهم أن يسافر أو يتاجر أو يحرث أو يبني أو يتزوج وهو لا يدري الخير في أيها يدخل تلك القداح في خريطة ويحركها ويخرج واحدا منها فإن كان الذي عليه أمرني فعل ما أقدم عليه، فإن كان الذي عليه نهاني ترك ما عزم عليه من الأمور، وإن خرج بعد تخليط القداح وتخليطها في الخريطة القدح الغفل أعاد تخليط القداح وتحريكها وأخرج واحداً منها ويعمل بمقتضاه.

ولما جاء الإسلام رحمة الله للعامين حرم الإستقسام بالأزلام ومثله خط الرمل والحساب بالمسبحة، وقرعة الأنبياءن والشوف، والنجوم، والطيرة، والعرافةن والكهانة.

وأعطى المسلمين أحسن بديل وهو الإستخارةن وحقيقتها: إذا أراد المسلم أمرًا كزواج أوطلاق أو تجارة أو حرث أو بناء أو بيع أو شراء أو سفر أو إقامة ولم يدر الخير في أيها صلى ركعتين [5] وسأل الله تعالى أن يختار له ما فيه خيره عاجلا أو آجلا.

ص: 243

رجس: أي مستقذر فالرجس هو ما استقذر من قول أو عمل أو اعتقاد، والرجز: العذاب مستقذرا كالأوبئة والركس: النَّجس مساً كالروث والعذرة، والنَّجس – فَعِلُ كفرح – المتلوث بالنجاسات ويكون مساً كالجسم المتنجس لما خالطه من أنواع النجاسات، ومعنى كأرواح المشركين والكافرين وأرواح الشياطين وهي أن الرجس في الآية التي نشرحها خبر –والخبر وصف في الحقيقة – عن الربعة المحرمة وهي الخمر والميسر والأنصاب والزلام، إذ ما من واحد منها إلا وهو رجس مستقذر شرعا وعقلا وطبعا لعدم وجود أي نفع أو خير فيه فهو شر كله ولكن وصفه بارجسية أبلغ في التنفير منه.

من عمل الشيطان: الشيطان: إبليس الذي أخرج آدم وزوجه من الجنة بوسوسته لهما وتغريره بهما حيث زين لهما الأكل من الشجرة المنهي عن الأكل منها فأكلا منها فأخرجهما مما كانا فيه، وهو مشتق من شطن الحبل من البئر إذا بعد، وسمي إبليس شيطانا لشدة بعده عن الحق والخير والفضيلة، وكان شرب الخمر ولعب القمار وعبادة الأصنام والإستقسام بالأزلام من عمله، لأنه زينه لفاعله ودفعه إليه وحمله عليه ليهلك به معه والعياذ بالله من الشيطان وشِرْكه وشَرَكه [6] .

فاجتنبوه: الفاء حرف عطف وتكون للسببية نحو نزل المطر فنبت العنب، وهي هنا الفصيحة إذ قد أفصحت عن جواب شرْط مقدر تقديره: إذا عرفتم أن هذه المذكورات الأربعة رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، وذكر الضمير فاجتنبوه باعتبار: المذكور، أو لفظ الرجس والكل صحيح ومعنى اجتنبوه: اتركوا ذلك المذكور جانبا لتبتعدوا بالاجتناب أبلغ، وهو كثير في القرآن.

لعلكم: لعل حرف ترجٍ غالبا وهي هنا كذلك أي اجتنبوا ذلك المذكور لكم رجاء أن تفلحوا.

ص: 244

تفلحون: أي تفوزون. يقال أفلح المرء في عمله نجا من خسارة ما بذله فيه من جهد وظفر بما أراده منه من نفع مصلحة. وعليه فالفلاح معناه الفوز، والفوز: النجاة من المرهوب، والظفر بالمرغوب المحبوب هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالفوز النجاة من النار، ودخول الجنة.

قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} .

معنى الآية الكريمة:

بعد أن عرفت أيها القارئ الكريم معاني كلمات الآية الكريمة المفردة فإليك معناها مركبة؛ نادى الله عباده المؤمنين بوصف الإيمان ليقبلوا عليه ويسمعوا عنه ما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

} ثم أخبرهم ناصحا مبينا أن الخمر وهي كل مسكر، والميسر وهو كل لعب مُلْهٍ عن ذكر الله، والأنصاب وهي كل ما صرف القلب عن الله تعالى، والأزلام وهي كل تطلع إلى ما أخفاه الله عن عباده مما كتب لهم أوعليهم من خير أو شر. أو ضر أو نفع لحكمة استمرار الحياة واطرادها إلى نهايتها المحدودة لها رجس مستقذر يطلب العقلاء البعد عنه والبراءة منه لضرره وفساده وانعدام النفع منه والخير فيه.

ثم أمرهم بعد أن بين لهم شر وفساد ما أخبرهم عنه من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أمرهم مرتبا أمره على ما عرفهم من رجسية المذكور أمرهم باجتنابه وهو تركه والبعد عنه، وعدم تحديث النفس بالقرب منه فضلا عن فعله.

وعلل لهم الأمر بترجيتهم للفلاح وتأهلهم لخير الدنيا والآخرة إن هم امتثلوا أمره فتركوا ما أمرهم بتركه من هذه المذكورات الأربعة في الآية وهي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.

ما تضمنته الآية الكريمة من أحكام:

لقد تضمنت الآية الكريمة الأحكام التالية:

1-

نجاسة المذكورات الربعة نجاسة معنوية إلا الخمر فقد تكون نجاستها حسية أيضا على خلاف في ذلك.

ص: 245

2-

تحريم الخمر صنعا وبيعا وشربا وإهداءً وحملا إذ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم شارب الخمر وبائعها وحاملها والمحمولة إليه.

3-

تحريم الميسر سواء كان بخطر كالقمار أو بدونه، إذ لم يعلل لغريمه بالخطر وإنما علل بكونه رجس، والرجس يجب تركه والبعد عنه، والميسر كل لعب مله إلا ما أباح الشرع من السباق والمناضلة.

4-

تحريم الأنصاب وهي التماثيل صنعا وبيعا، وتذكارا وآثارا، وما ينصب للزعماء اليوم تقليدا للكفار من تماثيل لبعض زعماء العرب والمسلمين كتمثال أتاتورك، والأمير عبد القادر، وسعد زغلول، وبورقيبة.

5-

تحريم كل تطلع إلى الغيب وبأي واسطة من الوسائط إلا ما رخص الشارع فيه من الإستخارة.

ما في الآية الكريمة من الهداية:

لقد تضمنت هذه الآية الكريمة أنواعًا من الهداية القرآنية: منها أن أهل الإيمان الصحيح هم الذين يتشرفون بخطاب الله تعالى، ويسمون بالاستجابة له تعالى، وينهضون بما يطلب إليهم ربهم ويكلفهم به من أمر ونهي لاكتمال قوتهم بالإيمان وإرادتهم بالمعرفة.

ومنها: أن المجتمع الإيماني الذي أراد الله إيجاده في ظروف ختمت فيها الدنيا بالشر والفساد، شاء تعالى أن يقيم دعامة الحضارة فيه والكمال الإنساني على مبدئ العقيدة السليمة الصحيحة، والطهر التام لظواهر الناس وبواطنهم، فلذا كانت كلمة السر فيه لا إله إلا الله، محمد رسول الله {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} .

ومنها: أن أولياء الله الذين يعمر بهم الكون، وتزدهر بهم الحياة، وتتجلى بهم وفيهم الكمالات الإنسانية هم أهل الإيمان والتقوى، ومن عداهم من أهل الكفر والفسق هم ظلمة الحياة وثقلها، وفساد الأرض وخرابها، ولو كلمة الفصل لما كان لهم أن يعمروها دقائق بل ثوان.

ص: 246

وأخيرًا أيها القارئ الكريم وقد أطلت عليك، وما كان لي أن أطيل لولا الحاجة الماسة إلى البيان والبلاغ، فاعلم أن المجتمع البشري مؤمنه وكافره بره وفاجره قد سادته الشرور وانتظمته المفاسد وعمته الظلمات والمظالم، وأصبح يقرب من هاوية سحيقة قد لا يخرج منها إذا وقع فيها إلى يوم القيامة.

وإن كان هناك حيلة لإنقاذه مما يتوقع له فهي الإسلام برافعته العظمى، تلك الرافعة التي انتشلت أقواما ومجتمعات من الحضيض فوضعتهم في مستويات رفيعة ناطحوا بها الجوزاء علوا وسموا، وسادوا فيها الدنيا هداية وقيادة، فسلام عليهم في الماضينن وسلام عليهم في الحاضرين والآتين، أولئك رجال سلف هذه الأمة الطاهرة وصدرها الصلح.

هذه الرافعة هي القرآن الكريم، قال تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} إنها آيات القرآن الكريم، فإذا قيض الله للبشرية رجلا قادها بالقرآن، وساسها به وأصلحها عليه، فقد نجت وسعدت، وإلا فعلى الحياة العفاء، وعلى الدنيا السلام.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

سكروا.

[2]

فك بعير.

[3]

شقه.

[4]

وفي الصحيح "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" رواه مسلم وأبو داود، وفي رواية لمسلم:"كل مسكر خمر وكل خمر حرام".

[5]

دعاء الإستخارة دعاء خاص كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، والدعاء يوجد في الصحاح والسنن وفي كتابنا منهاج المسلم وهو أيسر تخريجا، فليطلب منه.

[6]

وشركة الأولى من الشرك الذي هو عبادة غير الله، وشركة الثانية من الشراك الحبائل التي توضع للصيد، وإبليس ينصب شركه وهو تزينه للشر والباطل ليصيد به ابن آدم فيرديه ويهلكه.

ص: 247

التَّسمُّمُ الكُحُولّي

للصيدلي حمدي إبراهيم علي إبراهيم

بمستوصف الجامعة

"التسمم من الخمور"أو"التسمم الكحولي":

ينظر جميع العاملين في مجال الطب والدواء إلى جميع الأدوية على أنها سموم لابد منها، فهي غريبة عن مواد تركيب الجسم البشري، تستخدم بحذر شديد، وبكميات معلومة ومحسوبة قبل التعاطي، ويتعاطاها المريض لفترة معينة حتى يبرأ من مرضه.

وهذه العقاقير الطبية لها من التفاعلات الجانبية ما يحاول الأطباء والصيادلة منذ القدم في إيجاد حل في ملافاتها أو التقليل منها، فضلا عن استبدالها كلما أمكن ذلك بعقاقير جديدة أقل في سميتها أو تأثيرها الجانبي – وكثيرا ما سمعنا عن تعليمات من هيئة الصحة العالمية بإيقاف استعمال دواء معين ظهرت منه أعراض ومضار ظهرت بعد طول استعماله، بالرغم من فوائده في حالات معينة.. ولذلك فلابد من إيجاد توازن بين الفائدة المرجوة، والعيوب المتوقعة غير القاتلة أو التي تؤثر على الأجنة داخل أرحام الأمهات..

وكلما كانت الجرعات القاتلة أو الضارة أكبر بكثير من الجرعات الشافية، كلما كان الدواء أكثر أمناً في استخدامه.

ويتحاشى الأطباء على قدر المستطاع وصف الأدوية ذات الحد السمَّي القريب من جرعاته الشافية، لسهولة الوصول إلى هذا الحد إما عن طريق القصد أو النسيان.

كل هذه الاعتبارات وغيرها توضع موضع الأهمية عند تناول الأدوية التي لابد منها لعلاج مرض أو للوقاية منه.

فهل يمكن تطبيق تلك الأمور على الخمور؟

وهل يمكن النظر إلى المشروبات الكحولية على أنها دواء لأي داء؟؟

ونستطيع طرح السؤال بمعنى آخر.. هل هناك مرض معين لا يبرأ صاحبه إلا إذا تناول نوعا معيناً من الخمور؟ للجواب عن هذا السؤال نعرض عدة أمور:

الأمر الأول: أن المواد الكحولية ليست دواء، وليس هناك ضرورة ملحة لتعاطيها.

ص: 248

الأمر الثاني: أنه ليس للمشروبات الكحولية أية فائدة على الإطلاق.

الأمر الثالث: أن عيوب هذه المواد وسميتها وأعراضها الجانبية تظهر من أول وهلة بل من أول لحظة التقائها مع أنسجة الفم.. فضلا عما تحدثه في الأنسجة الداخلية للجسم.

الأمر الرابع: يدعي مدمنو الخمور أنفسهم بأنهم يتعاطونها من أجل نسيان مشكلاتهم، فهم يعترفون صراحة بأنها تطمس على عقولهم، ولا تساهم في حل هذه المشكلات.

والخمور بجميع أنواعها ومسمياتها تحتوي على نسب مختلفة من مادة"الكحول الإثيلي"وهو أحد أفراد"الكحوليات"من المواد الكربوهيدراتية، أي التي تحتوي جزئياتها على عناصر الكربون والهيدروجين والأكسجين.

وهناك أنواع كثيرة من"الكحوليات"، ولكن إذا ذكرنا لفظ الكحول منفرداً، فإننا نعني"الكحول الإثيلي"ك2 يد5 أيد.

ويحضر الكحول إما من غاز"الإيثيلين" أحد المنتجات البترولية، وتعرف هذه الطريقة"بالتخليق الكيماوي".

أو من تخمر المواد السكرية أو النشوية بفعل أنواع معينة من الخمائر، في درجة حرارة مناسبة، ويتصاعد أثناء عمليات التخمر هذه غاز ثاني أكسيد الكربون.

ومن خواص الكحول: أنه سائل رائق شفاف عديم اللون، رجراج، طيار، ذو رائحة خاصة وطعم حار، وقابل للاشتعال بلهيب أزرق عديم الدخان. ويستعمل في الطب: إما كمذيب للمواد العضوية التي لا تذوب في الماء، أو كمطهر موضعي.

ويجب أن ننوه أيضا أن هناك"الكحول المثيلي".. وهو أبسط في تركيبه من الكحول الإثيلي فهو يتكون من ذرة واحدة من الكربون"ك3ر. أيد".. ولكنه أكثر من الكحول الإثيلي فتكا بالصحة.. ولذلك فإنه يضاف إلى الكحول التجاري الذي يستعمل لوقود منزلي وهو ما يطلق عليه بعضهم اسم (السبرتو) يضاف هذا الكحول المثيلي لمنع استعمال (السبرتو) كمشروب كحولي، ولكنه يستعمل بالرغم من ذلك خاصة وسط الطبقات الفقيرة والتي لا تجد طريقاً إلى باقي الأصناف..

ص: 249

مرة أخرى.. إذا وضعنا تعريفاً للدواء بأنه المادة المناسبة التي تعطي بكمية مناسبة في الوقت المناسب للمرض المناسب.. فهل من الممكن تطبيق المواد الكحولية بهذا التعريف على أنها دواء؟ ولنبحث عن المرض الذي يمكن أن تداويه هذه الأشربة. هناك ادعاءات بأن المشروبات الكحولية تعطي شعوراً بالدفء في الليالي الباردة، وبأنها تزيد في فتح الشهية، وتقوى الجسم من الناحية الجنسية.

فهل يحدث هذا حقاً؟؟ هذه ثلاثة ادعاءات!!

* أما بالنسبة للادعاء الأول فيحدث الآتي:

المواد الكحولية توسع الأوردة والشرايين القريبة من سطح الجسم، فيزداد حجم الدم الواصل تحت الجلد ويحس الشخص بدفء ظاهري نتيجة لهذا الأمر، وبعد مدة يفقد الجسم حرارته بالرغم من هذا الشعور، الأمر الذي تتسبب عنه الوفاة. أجل يموت من البرد بالرغم من إحساسه بالدفء. أليس هذا عجيبا؟؟

* والادعاء الثاني الخاص بفتح الشهية:

هذا أيضا شعور كاذب نتيجة لزيارة إفراز حمض الهيدروكلوريك في المعدة، ويلي ذلك تهيج في الأغشية المخاطية المبطنة لجدار المعدة، وتضمر في النهاية، ويقل إفراز حمض الهيدروكلوريك وتقل الشهية.

* وأخيراً فإن الادعاء بزيارة الكحوليات في المقدرة على مزاولة الجنس!! لا يقل بلاهة عن الأمرين السابقين، فهي تزيد من الرغبة فقط، ولكنها تسلب المقدرة، وتزداد تبعاً لذلك مشاكل الانحلال الخلقي والشذوذ.

ومن هنا فإننا لا نجد للمشروبات الكحولية أية فائدة صحية أو غير صحية، فضلاً عن استخدامها كدواء. ولنا أن نعود مرة أخرى لنتعرف عما تحدثه في الجسم من أفاعيل.

إذا نظرنا إلى مضار المواد الكحولية أو إلى التسمم الكحولي، فإننا سوف نجد أموراً عجيبة، ذلك أن لهذه المواد أضراراً موضعية على الأنسجة التي تمر عليها، وقبل أن تمتص داخل الجسم، وتسير مع الدم إلى سائر الأنسجة والأعضاء الداخلية.

ص: 250

فهي تؤثر على الفم والبلعوم والمرئ والمعدة والأمعاء الدقيقة.. كل هذا وعملية الامتصاص لا تتوقف.. ففي الوقت الذي تقاسي فيه المعدة من وجود الكحول داخلها، تقاسي باقي أجهزة الجسم من جهاز عصبي ودوري وعضلي.. الخ.

وسوف نقوم إن شاء الله بتفصيل هذه الأمور فيما يلي:

* في الفم: يتسبب مرور الكحول في الفم في حدوث التهابات، وإصابات فطرية، وتتصاعد منه الروائح الكريهة، وتقل المقاومة الطبيعية، وتتحول الميكروبات غير الضارة والموجودة بصفة عادية في الفم إلى ميكروبات ضارة تسبب التهابات خطيرة، ترتفع فيها درجات الحرارة، ويصعب معها البلع، وقد يصل الأمر إلى مرحلة السرطان.

* في المرئ: تحدث انتفاخات يتسبب عنها نزيف دموي، وينتهي إلى قرحة مزمنة وهذه الأمور يتسبب عنها القيء، وإذا حدث القيء، حال السُكر البيَّن، فإن الشخص يفقد القدرة على التحكم، وتصل هذه المواد إلى القصبة الهوائية والرئتين، الأمر الذي ينتج عنه التهابات أو اختناقات تصل به إلى الموت.

* في المعدة: تتهيج الأغشية المخاطية، وتزداد إفرازات حمض الهيدروكلويك ويشعر شارب الخمر بأن شهيته للأكل قد ازدادت، ولكن بعد هذا الشعور عندما تصل الأمور إلى حد الالتهاب، يقل إفراز هذا الحمض الهام ويفقد الشهية، وتظهر بثرات حمراء في جدران المعدة، وتمتلئ بعد ذلك بالصديد وتضمر المعدة.

* في الإثنى عشر وبقية الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة:

لا يختلف الأمر عما يحدث في المعدة، تهيج في الأغشية المخاطية، واحتقان وتقرح، ينتج عنها نوبات متتالية من الإسهال والإمساك.

وتقل المقدرة على الامتصاص للمواد الغذائية، ويصاب الجسم بأمراض سوء التغذية ونقص كثير من الفيتامينات الهامة، يصل به إلى الأنيميا الخبيثة والبلاجرا، هذا بالرغم من وجود الغذاء – إذا وجد – فضلا عن فقد الشهية أصلا.

ص: 251

هذه المضاعفات السالفة الذكر تحدث من مجرد مرور الكحول على هذه الأنسجة فماذا يحدث داخل الأنسجة والخلايا بعد الامتصاص؟

أولا: تأثير الكحول على الخلية:

- تفقد النواة سيطرتها على الانقسام والتكاثر، ولن يتم تجديد الخلايا أو تعويض ما يفقد منها.

- تتأثر"الكروموزومات"وهي التي تحمل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء وتكون الأجيال اللاحقة لديها استعداد لكثير من الأمراض والتغييرات في الصفات، وبذلك لا نجد تأثير الكحول على المدمن للخمر فحسب، ولكنه يمتد إلى أبنائه الأبرياء من بعده.

ثانيا: تأثير الكحول على الكبد:

الكبد هو أكبر غدة في جسم الإنسان. ويعتبر أعظم معمل كيماوي في الوجود فما من مادة يتناولها الإنسان إلا وتمر على الكبد. فهو يقوم بأهم عمليات الأيض الغذائي وتكوين مادة الصفراء. وتطويع المواد السامة الناتجة من هضم المواد الغذائية إلى مواد غير سامة يمكن إخراجها عن طريق الكليتين.. ويقوم بعمليات تطبيع الأدوية وتكوين المواد الأساسية لإيجاد عديد من الهرمونات.. والمحافظة على نسبة السكر في الدم.

فماذا يحدث لو فشل الكبد في تكوين خلايا جديدة بدل المستهلكة نتيجة لتأثير الكحول؟

ماذا يحدث لو تجمعت المواد الدهنية بدون تمثيل، أو المواد الناتجة عن الأيض الغذائي للبروتينات والأدوية؟

ولذلك فإن تأثير بعض الأدوية العادية بجرعاتها المقررة يزداد زيادة مطردة. مما قد يؤثر تأثيراً ضاراً على الكبد مرة أخرى بدلا من أن يبرأ الجسم من مرضه.

وكما يفشل الكبد في عمليات"الأيض الغذائي"يفشل أيضا في إنتاج المواد اللازمة لتجلط الدم في حالة الجروح.. مما يسبب للمريض نزيفاً مزمناً تتفاوت خطورته على حسب حالة الكبد.

تتحطم الكرات الحمراء نتيجة لتضخم الطحال، وتكون من نتائجه مرض الصفراء، علاوة على الإصابة بالأنيميا.

ص: 252

ومن العجيب أن تكون مصادر الإصابة بفقر الدم نتيجة لقصر عمر الكرات الحمراء، وفي نفس الوقت تقل المدد من الخارج لتعويض ما يفقد منها لسوء التغذية لقلة الشهية وضعف الامتصاص من الأمعاء.

ثالثا: تأثير الكحول على الجهاز العصبي:

ماذا لو تأثرت وسيلة التحكم الإرادي واللاإرادي في الانفعالات والتفكير واتخاذ القرارات أو تحويل الاتجاه؟؟

كيف يكون انتقال المؤثرات الصوتية والسمعية والبصرية إلى جهاز أصيبت خلاياه بالضمور والتآكل؟

وإذا كانت الأعصاب هي المسئولة عن إفرازات اللعاب والإنزيمات لهضم الغذاء في المعدة والأمعاء"وهي المسئولة عن التحكم في فتحات الإخراج".

فماذا يحدث لو أصيب هذا الجهاز بالشلل أو القصور؟

لنتصور حياة إنسان فقد القدرة على التحكم في إظهار عواطفه، فهو يبكي في وقت الفرح، ويقهقه سعيداً عند حلول المصائب.

يثور من أجل التافه من الأمور، ويشك في أقرب المقربين إليه.

والنتيجة الحتمية هي تحطم الشخصية وتفكك الإرادة، وأخيراً الانتحار، والحركة الإرادية واللاإرادية تتوقف على تأثير الجهاز العصبي، وإذا اختل هذا النظام، فكيف يكون المشي والجلوس أو القيام؟

والجهاز العصبي ما له من سيطرة كاملة على باقي الأجهزة، فإن أي خلل منه أو تصدع إنما تظهر نتيجته على باقي هذه الأجهزة، فيتأثر الجهاز التنفسي والجلد ووسائل الدفاع الطبيعية ضد غزوات الميكروبات، علاوة على الاضطرابات في الغدد والهرمونات وإدرار اللبن للطفل الرضيع إذا كانت الأم تتعاطى مثل هذه المشروبات الروحية.

رابعا: تأثير الكحول على الجهاز الدوري:

فضلا عن تضخم عضلة القلب وقصوره تزداد نسبة "الكولسترول"نتيجة لاضطراب عمليات الأيض الغذائي للمواد الدهنية في الكبد. وهذه المادة هي المسئولة عن تصلب الشرايين والجلطة..

ص: 253

بذلك تفقد الأوعية الدموية مرونتها في الانقباض والانبساط، وتقل القدرة على المواءمة في حالة الشخص المدمن ما بين قيام أو قعود، مما قد يتسبب عنه حدوث إغماءات لنقص حجم الدم الواصل إلى المخ.

وإذا كان الكحول كأي مادة كربوهيدراتية تنتهي عملية الأيض الغذائي لها إلى ثاني أكسيد الكربون وبخار ماء ويتولد عنها طاقة حرارية، فهذه الطاقة الحرارية.. قليلة جداً بالقياس إلى الطاقة الناتجة عن كمية مماثلة من السكر أو النشاء مثلا، ليس هذا فحسب، ولكن هذه الكمية من الكحول، تحتاج في عملية"التمثيل الغذائي"إلى كميات مضاعفة من فيتامين ب1.

وأنى للجسم بهذا الفيتامين الهام وسوء التغذية وعدم القدرة على الامتصاص من الأمعاء أمران سبق التنويه عنهما؟

وبذلك يضاف مرض جديد إلى قائمة الأمراض وهو"البري بري".

هذه لمحة سريعة عما يحدثه الكحول من أضرار بشاربيه وهو ممسك بخناقهم لا يستطيعون منه فكاكاً لو وصلوا إلى حالة"الإدمان".

* الوفيات بسبب التدخين

يقول الدكتور كيث بول إن بريطانيا خسرت مليون إنسان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب تدخين السجائر، وستخسر مليونا آخر قبل نهاية هذا القرن إذا استمر الحال ولم يتغير.

وأعلن وكيل وزارة الصحة الأمريكي أن عدد الذين يموتون في الولايات المتحدة سنوياً بسبب التدخين يقدر بنحو (350) ثلاثمائة وخمسون ألفاً.

* التدخين والتوقف عن العمل

ص: 254

قدرت زيادة أيام التعطل عن العمل وملازمة الفراش في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب التدخين بـ (77) مليون يوم عمل، و (88) مليون يوم في ملازمة الفراش، و (306) مليون يوم من العمل المحدود، وبالتالي الإنتاج المحدود، وفي الرجال المدخنين ما دون الأعمار (45 – 64) سنة تمثل نسبة التعطيل وملازمة الفراش بسبب التدخين 28% من مجموع أيام التوقف عن العمل. ويزيد الطلب على الخدمات الطبية في المشافي والعيادات الخارجية ويخسر المجتمع من الموت المبكر للناس الذين هم في سن العمل والإنتاج.

ص: 255

التدخين والمسكرات

- لأول مرة: تقرير عملي صريح. التدخين يسبب السرطان -

فيما مضى أعلن العلماء والأطباء كثيراً من التصريحات المبهمة حول موضوع التدخين وعلاقته بالسرطان، فكل ما نشر وأذيع خلال السنوات القليلة الماضية أجمع على أن التدخين (قد) يكون سبباً في الإصابة بسرطان الرئة.. ولم يدمغ التدخين إدماغاً قاطعاً بأنه المسبب الأول للسرطان. حتى أن التحذير المكتوب على علب السجائر ينهى بأن السجائر ضارة بالصحة (وقد) تكون سبباً في الإصابة بالسرطان.

الآن، ولأول مرة، نقلت وكالة "الأسوشيتدبرس "على لسان الطبيب الجراح العالمي إيفرت كوب أن التدخين هو فعلا المسبب الرئيسي لسرطان الرئة والحلق والبلعوم علاوة على أنه قد يلعب دوراً هاماً في الإصابة بسرطان المثانة والكلية والبنكرياس.

وهذا هو أعلى مركز يقوم بتوفير خدمات صحية للمواطنين في أمريكا، ويهيمن على عمل أكثر من نصف مليون موظف حكومي هدفهم إيجاد توصيات ومقاييس ومعايير خاصة تعني بشئون الصحة العامة للأفراد.

وجاء في التقرير أن سرطان الرئة هو المسؤول عن وفاة نحو 85% من حالات السرطان في أمريكا.. وكان من الممكن تحاشيه إذا ابتعد الناس عن التدخين، ومما يثلج الصدور أن سرطان الرئة هو مرض يمكن الوقاية منه بمجرد الابتعاد عن التدخين. ويشير كوب في تقريره الهام إلى نتائج بعض الدراسات السابقة بقوله: إن هذه النتائج تجمع على أن هناك ما يقرب من 22 إلى 38% من مجموع وفيات السرطان بأنواعها المختلفة سببها الرئيسي الإدمان على التدخين، كما يشير التقرير إلى أن المدخنين يتعرضون إلى الوفاة مبكراً وهم صغار السن بنسبة أعلى من غيرهم غير المدخنين، هذا إذا ما عرفنا أن السرطان أصبح الآن مسؤولا عن وفاة نحو 430 ألف نسمة في أمريكا هذا العام بالمقارنة إلى 412 ألف نسمة في عام 1980.

ص: 256

ويشير تقرير كوب أيضا إلى أنه ليست هناك ثمة أدلة وبراهين مؤكدة على أن استنشاق دخان السجائر من غير المدخنين له أثر ملموس في إصابتهم بسرطان الرئة. ومع هذا فهذه المسألة قد لا تخلو من الأخطار الصحية الأخرى، وأضاف كوب قائلا: إن معدل وفيات المدخنين قد وصل الآن إلى ضعف معدل وفيات غير المدخنين الرجال، بينما زادت هذه النسبة بين النساء المدخنات بمعدل 30% فقط.

ويضيف التقرير بأن هناك علاقة مؤكدة الآن بين عدد السجائر التي يدخنها المدخنون يوميا ومعدل وفياتهم بسبب الإصابة بالسرطان. فكلما زاد عدد السجائر المستهلكة، وزادت سنوات الإدمان، كلما زاد الاحتمال بالإصابة.

أما مدخني السيجار والغليون فقد يكونون أفضل حالا من مدخني السجائر، فهم ولو أنهم أقل احتمالا من الإصابة بسرطان الرئة بالمقارنة بين مدخني السجائر، إلا أنهم لا يسلمون من بقية المخاطر المحدقة بهم وعلى وجه الخصوص سهولة إصابتهم بسرطان الفم والحلق، أما استنشاق "النشوق "أو "السعوط"، فهو من أهم أسباب الإصابة بسرطان اللثة والفم، والجدير بالذكر أن هذه النتائج التي جاءت في التقرير تنافي تماماً النتائج التي توصلت إليها بعض شركات الدخان التي أجمعت فيما بينها، في عدة تقارير رسمية، على أنه لا توجد علاقة مؤكدة بين التدخين والسرطان.

ويفيد تقرير الطبيب الجراح العام أيضا إلى أنه في العام 1975، وهو العام الذي لديهم فيه إحصائيات متكاملة، تسبب سرطان الرئة في صرف ما يقرب من 5ر379 مليون دولار تكلفة ومصاريف المستشفيات، ونحو 78 مليونا تكلفة أتعاب الأطباء المعالجين.

(الشرق الأوسط)

التدخين والصحة

ص: 257

تدمغ الدلائل الطبية والعلمية بشكل قاطع التدخين على أنه سبب أمراض متنوعة وفي زيادة نسبة الوفيات منها. وتتفاوت نسبة الضرر من تدخين السيجارات حسب طول أو قصر مدة التدخين وحسب كمية السجائر المستهلكة فكلما زاد التدخين كماً وزمناً كلما كبر حجم الضرر الحاصل عضوياً ونفسياً واقتصادياً على مستوى الفرد والجماعة والدولة ومداواة هذه الأضرار والعلل لا يكون بالعلاج بل بالوقاية.

والعالم الثالث كله معرض الآن (للاستعمار السجائري) كما قال أحد الظرفاء، إلا أن الشركات الاحتكارية، رغم سطوتها ونفوذها ومالها الحرام، هي في موقف الدفاع أمام الحقائق الدامغة. وزراعة وصناعة وتجارة التبغ ليست عملية اقتصادية – اجتماعية رابحة على المدى الطويل رغم الاستفادة المادية الظاهرة الآن في بعض البلدان من هذه النشاطات وانخداع – أو فساد ضمائر – بعض المسؤولين في العالم الثالث. بها والطريف في الأمر أن شركات التبغ الكبرى هي الآن مثل الجيش المنسحب الذي يحرق في طريق تراجعه كل شيء ولقد بدأت فعلا هذه الشركات في تنويع استثمارات ووضع رؤوس أموالها في ميادين أخرى غير التبغ خوفاً من المستقبل وحريٌّ بالمسئولين المخدوعين أو المتواطئين أن يفعلوا نفس الشيء.

وتتناقص مصالح المواطنين مع مصالح الحكومات في هذا المجال عندما ينظر بعض المسؤولين إلى الأمر من زاوية مادية ضيقة ففرنسا مثلا ربحت (7) مليارات من الفرنكات، حوالي 1500 مليون دولار أمريكي عام 1978م بينما لم تصرف على حملة مكافحة التدخين في العام نفسه إلا مليونين ونصف من الفرنكات فقط. وفي مثل هذه الحالة يعمى المال أبصار الماديين حتى أبصار بعض من يدعون شفاهة (فقط) تفضيل القيم الروحية والإنسانية على المادة – وهكذا يتذرع بعض المسؤولين باستحالة معالجة مشكلة التدخين حتى لا ينهار الاقتصاد.

ص: 258

وفي بلادنا الإسلامية يجب البدء فوراً بالمنع التام لأي نوع من أنواع الدعاية والإعلان للتبغ والسجائر ثم منع التدخين في الأماكن العامة ونشر التثقيف الصحي على أوسع مدى وتركيزه على الناشئة – بخاصة – ولكن الخطوة الأولى الهامة التي قد تختصر كثيراً من الخطوات التالية وتلغيها هي:

أن يتربى أبنارنا تربية إسلامية واعية والمؤمن ذو البصيرة لا يؤذي غيره فلا ضرر ولا ضرار في المجتمعات الإسلامية الحقة ولا يتربى أبناؤنا على ذلك إلا إذا كنا مؤمنين واعين نضرب لهم المثل الطيب في أقوالنا وأعمالنا في بيوتنا ومدارسنا ومزارعنا ومتاجرنا ومصانعنا وأماكننا العامة.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

(مجلة الأمة القطرية)

- ارتفاع عدد مدمني الهيرويين بين أوساط المراهقين الإنكليز -

كشفت أرقام وزارة الداخلية البريطانية أن عدد مدمني الهيرويين في بريطانيا تضاعف خلال العام الماضي.

جاء ذلك في صحيفة غارديان التي قالت أن عدد المدمنين المتوفر، لدى وزارة الداخلية للعام 1981 بلغ ألفين وثلاثمائة شخص وهذا يعني زيادة مقدارها 45% مقارنة مع أرقام العام 1980 التي كانت 1600 شخص.

وجدير بالذكر أن الزيادة في عدد المدمنين خلال الأعوام العشرة الماضية لم تكن تتجاوز السبعة في المئة في السنة، وتغري وزارة الداخلية الأسباب في الزيادة الحادة الجديدة إلى توفر الهيرويين في كثرة وهبوط سعره والبطالة بين صفوف الشباب.

وقال مايك تريسترام المسؤول في مجموعة التخلص من المخدرات أن الهيرويين يساعد أكثر من غيره الإنسان على الهروب من الواقع. والشباب يقبلون على تناوله بأعداد كبيرة لأنه متوفر من خلال عمليات التهريب المتزايدة.

وقال دافيد تيرنر عضو مؤتمر سوء استخدام المخدرات: "إن الوقت يمر بسرعة وإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة فإن الموت سيكون مصير المدمنين ".

ص: 259

وعلى صعيد آخر قالت الصحيفة إن سعر الهيرويين هو 70 جنيها للغرام الواحد وهذا يساوي نصف سعر الغرام في العام 1978، فقد بدأ سعر الهيرويين بالهبوط قبل ثلاث سنوات عندما تم تهريب كميات كبيرة منه من إيران، وتعتبر مناطق الشرق الأقصى في الوقت الحاضر المصدر الرئيسي للهيرويين.

وقد انعكست الزيادة في تهريب المخدرات في الكميات التي وضعت الشرطة أيديها عليها خلال السنتين الماضيتين.

وقال تريسترام "إن مشكلة الهيرويين ليست مشكلة شباب المدن فحسب فقد وصلت إلى المقاطعات الصغيرة وهناك أعداد كبيرة من المدمنين في هذه المقاطعات، والمشكلة أن العيادات المعدة لمعالجة المدمنين قائمة فقط في لندن؟ إلى جانب بعض العيادات الأولية في المدن الأخرى.

وقال: "إن الهيرويين أصبح شعبياً بين المراهقين دون العشرين من أعمارهم".

وأضاف: "أن على الحكومة أن توجه السلطات الصحية وهيئات الشؤون الاجتماعية في عمليات مواجهة المشكلة "، وذلك عن طريق إيجاد مبادرات جديدة.

(الشرق الأوسط)

أولا: أضرار المسكرات على الأسرة:

إن رب الأسرة عندما يتعاطى المسكرات، فإنه يقضي أكثر أوقاته في شرب الخمر، متنقلا في محلات بيع المسكرات ومحلات الشرب الخاصة، وينسى أن له زوجة وأولاداً هو مسؤول عن إعاشتهم وتربيتهم تربية صالحة قويمة، ليكونوا عنصراً صالحاً في المجتمع، الأمر الذي يجعلهم ينشأون نشأة بعيدة عن الكمال والصلاح، ولعل هذا الأمر يؤدي ببعضهم إلى الانزلاق بطرق المعصية والفساد، فيسوء الحال ويؤدي بالتالي إلى فقدان الأمن.

ص: 260

وقد ينساق أولاد مدمني الخمر إلى تقليد آبائهم والتشبه بهم، لأن الوالد يسرف في إهمال أولاده ولا يعمل على تربيتهم تربية صالحة، بل لعله يشجعهم على تعاطي المسكرات، فينشأون نشأة سيئة، ويكونون تحت تأثير الوسط الذي يعيشون فيه، وبالنهاية يكون مصيرهم إلى الجهة التي تتلقفهم، ومثل هذه الأسرة سيسيطر عليها الشذوذ بالتفكير وتسودها الأخلاق السيئة، وبالتالي سيكونون تحت ضغط شهواتهم وأهوائهم.

ثانيا: تأثير المسكرات في الأخلاق:

إن المسكرات تهدم الشخص وتحطمه، فتجعله لا يشعر بالواجب الملقى على عاتقه تجاه دينه ووطنه وأسرته، فتخسره بلاده ويصبح عضواً عاطلاً لا نفع فيه ولا خير.

فالسكير لا يعرف الخير ليعمله، لأن الخمر قد أحدثت خمولا شديداً في جهازه العصبي حيث تنتقل عنده المشاغل ويذهب قلقه، ويخف توتر أعصابه، فيحصل عنده ابتهاج وقتي يزول عند زوال تأثير الخمر وعندها تبدأ آلامه ومشاغله بالظهور، فيلجأ ثانية إلى شرب الخمر للتهرب من الواقع الذي هو فيه.

وما دام هذا حاله فإنه لا يتورع من ارتكاب المعاصي والجرائم لأن السكر يمنعه من التفكير السليم ويجعله بعيداً عن نداء الروح، ولا يشعره بالعذاب الوجداني وتأنيب الضمير، كما لا يحس بالندامة على عمله ليندم، فأصبح هذا المسكر معولاً هداما للأخلاق، لأنه جعل من السكير إنسانا خطراً على المجتمع، وغالبا ما يفقد السكير ثقته بنفسه فتضيع الرابطة بينه وبين من يعول والمجتمع الذي يعيش فيه فيصبح لا يهتم بأمورهم، بل كل همه نفسه.

(مجلة التربية الإسلامية)

ص: 261

أخبار الجامعة

في سبيل الدعوة إلى الله

إعداد: الشيخ محمود سالم

1-

رحلة فضيلة الدكتور عبد الله الزايد إلى باكستان

زار الدكتور عبد الله الزايد نائب رئيس الجامعة الإسلامية جمهورية باكستان الشقيقة في رحلة عمل استغرقت شهرا.

تصريحات فضيلته حول هذه الزيارة:

وقد صرح فضيلته لمندوبي الصحف عقب عودته من هذه الرحلة تصريحات هامة جاء فيها:

- إن هذه الرحلة كانت بدعوة من فخامة الرئيس الباكستاني ضياء الحق. وبموافقة من صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس ا؟ لأعلى للجامعة الإسلامية وذلك لوضع حجر الأساس لكلية الملك فيصل للدراسات الإسلامية والعربية بمدينة فيصل آباد نيابة عن سموه، ولزيارة بعض المدارس والجامعات هناك.

- وقال فضيلته: بعد أن قمنا بوضع حجر الأساس لكلية الملك فيصل نيابة عن صاحب السمو في الاحتفال الرسمي الذي أقامته جامعة "تعليمات إسلامية"بهذه المناسبة، قمنا حسب خطة وبرنامج معد بلقاءات متعددة مع قيادات التعليم والشريعة لأكثر من خمسين مدرسة وجامعة إسلامية شملت أكثر من خمس عشرة مدينة في ثلاث من ولايات باكستان، وقد تدارسنا مع المسؤولين عن التعليم مناهج الدراسات الإسلامية والعربية. وأكدنا على أهمية القدوة في تثبيت التربية الإسلامية في مناهج التعليم في مختلف مراحله.

- وقال فضيلته: إن من أهم تلك اللقاءات: تلك الاجتماعات التي تمت مع قضاة باكستان الذين تقام لهم دورات تدريبية لتعميق الدراسات الإسلامية تمهيدا لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في باكستان.

لقاء مع فخامة الرئيس الباكستاني:

ص: 262

وقال فضيلته: وقد شرفت بمقابلة الرئيس ضياء الحق وقد أكد فخامته بأنه ماض قدما بإذن الله لتأسيس المرتكزات الصلبة لتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع شؤون الحياة بباكستان. تلك المرتكزات التي تضمن ألا يتأثر تطبيق الأحكام الشرعية بتغير الأشخاص. ولا بتغير الظروف ومرور الأزمان بإذن الله.

لقاء مع جماعة أهل الحديث وتعريف بهم:

وقد التقى فضيلة الدكتور الزايد في هذه الرحلة إلى باكستان بجماعة أهل الحديث وترأس مؤتمرهم العام. وقد عرف فضيلته جماعة أهل الحديث بأنهم تجمع واسع في باكستان يضم عشرات الألوف من خواص الشعب الباكستاني وعامته وينطلقون في فهم الأحكام الشرعية عموما من مفاهيم الحديث الشريف من خلال فهم شراح الحديث وعلمائه المتقدمين والمحدثين. ولا يرضون أن ينتموا إلى مذهب معين.

2 – دورة تدريبية للقضاة الباكستانيين في الجامعة الإسلامية

وصل إلى الجامعة الإسلامية في أول شهر جمادى الأولى 1402 هـ ستة وثلاثون قاضيا من باكستان لتلقى دورة تدريبية بدأت يوم السبت الموافق 4 من جمادى الأولى.. وذلك إعداداً لهم على الحكم بالشريعة الإسلامية التي تعتزم باكستان تطبيقه في أقرب فرصة.

وقد التقى فضيلة الدكتور عبد الله الزايد بأصحاب الفضيلة القضاة الباكستانيين في كلمة ترحيبية فيها دور القاضي الذي لا تقف مهمته عند ساحة المحكمة بل تتعداها إلى قيامه بالدعوة إلى الله بعلمه وسلوكه في المجتمع كله.

3 – وفود إسلامية في زيارة الجامعة

* من تونس:

ص: 263

في أوائل شهر ربيع الثاني زار الجامعة الإسلامية وفد من الأدباء التونسيين المدينة المنورة على ضيافة النادي الأدبي، وقد زار هذا الوفد الجامعة الإسلامية، وقد التقى فضيلة الدكتور عبد الله الزايد نائب رئيس الجامعة الإسلامية بهذا الوفد ورحب بهؤلاء الأدباء ضيوفا في المملكة وعرفهم بالجامعة الإسلامية، نشأتها وتطورها وأهدافها وبحث معهم أوجه التعاون بين الجامعة الإسلامية والجامعات الإسلامية المماثلة في العالم الإسلامي.

* من باكستان ونيجيريا:

كما زار الجامعة في منتصف ربيع الثاني 1402هـ فضيلة الشيخ طفيل أحمد أمير الجماعة الإسلامية في باكستان على رأس وفد باكستاني.

كما زار الجامعة الدكتور عمر جاه الأستاذ الزائر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتأتي زيارة الدكتور عمر في إطار بحث المساعدات التي تقدمها الجامعة الإسلامية لجامعة بايرو بنيجيريا والجماعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا. وتناقش مع فضيلة الدكتور عبد الله الزايد نائب رئيس الجامعة حول الدورة التدريبية التي تقيمها الجامعة في إجازة الصيف لتدريب معلمي اللغة العربية والتربية الإسلامية في نيجيريا.

* ما تقدمه الجامعة الإسلامية من مساعدات هو جزء من رسالتها:

وصرح فضيلة الدكتور عبد الله الزايد نائب رئيس الجامعة لمندوب جريدة المدينة ونشر في عددها الصادر يوم 20 ربيع الثاني بأن الجامعة الإسلامية ترحب بجميع زوارها من جميع أنحاء العالم الإسلامي. وتعتبر ما تقدمه من مساعدات جزءاً من رسالتها في خدمة الإسلام والمسلمين.

* ومن الهند والجزائر:

وفي آخر شهر ربيع الثاني 1402هـ زار الجامعة الشيخ كاكا محمد عمر أمين عام جامعة دار السلام بالهند.. والتقى بالدكتور عبد الله الزايد وبحث معه أوجه التعاون بين الجامعة الإسلامية وجامعة دار السلام.

ص: 264

كما زار الجامعة وفد ممثل لوزارة التعليم العالي بالجزائر ضم كلا من الدكتور بو عمران الشيخ. والدكتور عبد القادر حليمي والدكتور محمد العساكر الأساتذة بجامعة الجزائر والتقى هذا الوفد بالدكتور الزايد وجرى بحث التعاون الثقافي بين الجامعتين.

* الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي:

كما زار الجامعة الدكتور أحمد با حفظ الله الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، وتباحث مع الدكتور عبد الله الزايد في شئون الشباب الإسلامي – وما يتعلق بأنشطة الندوة وما يخص الجامعة الإسلامية فيما يرفع شأن الدعوة في أوساط الشباب وفي موضوعات مختلفة حول الدعوة والدعاة ودور الجامعات وخريجيها ومنسوبيها في شئون القضايا الإسلامية التي تهم الشباب الإسلامي.

4 – جامعة إسلامية في كوريا

قد زار الجامعة الإسلامية في نهاية شهر صفر 1402هـ الدكتور أبو بكر كيم من قادة الحركة الإسلامية العاملة في سبيل نشر الإسلام في كوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا. وكان برفقته الدكتور أحمد يوسف المنتدب من كوريا في وظيفة باحث في شئون الأقليات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.

وجاءت زيارة الدكتور أبي بكر كيم للجامعة الإسلامية في إطار بحث الحركة الإسلامية في جنوب شرق آسيا عن الوسائل التنفيذية لإقامة جامعة إسلامية في جمهورية كوريا الجنوبية على نفقة المملكة العربية السعودية بإنشاء مبانيها ثم إدراتها وإمدادها بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي.

وقد التقى هذان الضيفان بفضيلة الدكتور عبد الله الزايد نائب رئيس الجامعة الإسلامية، وقد تباحث معه الضيفان طلبا لمشورته وتوجيهاته في مجال التربية والتعليم وشئون الجامعات وشئون الدعوة الإسلامية.

ص: 265

وفي معرض الحديث عن فكرة إنشاء جامعة إسلامية في كوريا الجنوبية قال فضيلته: إن فكرة إقامة جامعة إسلامية في كوريا جاءت ثمرة لزيارة صاحب السمو الملكي الأمير نايف ابن عبد العزيز لجمهورية كوريا الجنوبية عام 1979م. وقد وعد سموه بتبني المملكة فكرة إقامة الجامعة الإسلامية هناك وتتولى إدارتها وتقوم بتدعيهما بكل وسائل الدعم.

" إعداد: الشيخ محمود سالم "

ص: 266

المسكرات والمخدرات وموقف الشريعة الإسلامية منها

للدكتور أحمد علي الأزرق

رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بالجامعة

نحمد الله سبحانه الذي أحل لعباده الطيبات، وحرم عليهم الخبائث.

ونصلي ونسلم على خير خلقه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد.

فإن من مقاصد الشريعة الإسلامية جلب النفع ودفع الضرر.

فمن جلب المنافع إباحة جميع ما في الأرض، وتسخير كل القوى لخدمة الإنسان قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} .

والقاعدة في ذلك عند فقهاء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي الخطر.

أما دفع المضار فإن الإسلام قد شرع من الأحكام ما يهدف به إلى الحماية والمحافظة على ما يعرف بالضروريات لكل مجتمع من المجتمعات. وهذه الضروريات جاءت جميع الشرائع السماوية بحمايتها والمحافظة عليها، لأنه لا حياة للناس بدونها. ولا استقرار ولا أمن ولا طمأنينة إلا بصونها عن عبث العابثين والضروريات هي:(1) الأديان (2) الأنفس (3) العقول (4) الأنساب (5) الأعراض (6) الأموال.

أما الأديان فضرورة اجتماعية. وليست هناك أمة بدون تدّين سواء كان دينها صحيحا أو فاسداً. وللمحافظة على الدين فرض الإسلام القيام بالدعوة إليه. والدفاع عنه قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [1] .

وقال سبحانه {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [2] .

وللمحافظة على النفوس شرع الإسلام القصاص. قال تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [3] .

ص: 267

وحرم الاعتداء على الأنفس بالإتلاف أو الإيذاء.

وللمحافظة على الأنساب حرم الإسلام الزنا ووضع له العقوبة الرادعة جلداً أو رجماً. قال تعالى {الزَّ انِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [4] وجاءت السنة برجم الزاني المحصن [5] .

وللمحافظة على الأعراض حرم الإسلام القذف. وشرع لذلك عقوبة رادعة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [6] .

وللمحافظة على الأموال نهى الإسلام عن أكل أموال الناس بالباطل وشرع لذلك حد السرقة. قال سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

حفظ العقل:

العقل نعمة من نعم الله الجليلة فهو الذي يميز به المرء بين الهدى والضلال. والخير والشر. والطيب والخبيث.

والعقل هو مناط التكليف وبه فضل الله الإنسان على بقية أنواع الحيوان لذا حرصت الشريعة الإسلامية على تحريم كل ما يضر بالعقل. فحرمت الخمر وكل مسكر. ولم تكتف بجعل الجزاء أخرويا فحسب. لأنه جزاء آجل وبعض النفوس لا يثنيها عن غيها ولا يردعها عن طغيانها آجل الجزاء بل يردعها التأديب الجسماني العاجل فشرعت لذلك عقوبة على من يتناول المسكرات أو يسعى في إزالة عقل شخص بالضرب ونحوه.

تحريم الخمر:

الخمر يقال لكل مسكر خامر العقل أي غطاه. وقيل هو: اسم للمتخذ من ماء العنب أو للمتخذ من ماء العنب والتمر. ورجح غير واحد من أئمة اللغة كالجوهري والدينوري أنه لكل شيء ستر العقل [7] .

ص: 268

وقد حرمت الشريعة الإسلامية الخمر وعاقبت على شربها منذ أربعة عشر قرنا وانفردت بتحريمها والعقاب عليها طيلة هذه المدة حتى جاء العالم في القرن العشرين يشهد للإسلام بأنه كان على الحق في موقفه من الخمر. وذلك بعد أن أثبت العلم أن فيها من الأضرار ما لا يحصى فهي تفسد العقل. والصحة وتؤدي إلى ضياع المال والكرامة [8] .

التدرج التشريعي في تحريم الخمر:

جاء الإسلام والعرب كانوا في إباحة واسعة يكرهون كل ما يقيد حريتهم أو يحد من شهواتهم. وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة لا يستطيعون التحول عنها دفعة فاقتضت الحكمة الإلهية ألا يفاجئوا بالأحكام جملة فتثقل بها كواهلهم وتنفر منها نفوسهم. ولذلك وردت الأحكام التكليفية شيئا فشيئا ليكون السابق من الأحكام معداً للنفوس ومهيئاً لها لقبول اللاحق. وبذلك تكون أوقع في النفس وأقرب للانقياد.

من ذلك تحريم الخمر فإنها كانت متمكنة من نفوس العرب تمكنا اقتضت معه الحكمة الإلهية أن يتدرج القرآن في تشريع أحكامها. فلم يصرح لهم بتحريمها من أول الأمر بل قال في جواب عنها وعن الميسر {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [9] .

ولا يفهم طلب الكف عنهما من هذه الآية إلا من عرف سرَّ التشريع لأن ما كثر إثمه ينبغي تركه إذ لا يوجد في الأفعال شر محض فالعبرة في الحل والحرمة بغلبة جهة المصلحة أو المفسدة.

وبعد أن أشار القرآن الكريم إلى أنه ينبغي تركها لغلبة إثمها نهى الناس عن الصلاة في حالة السكر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [10] .

ص: 269

ثم صرح بالنهي عنها نهيا عاماً مؤكداً فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [11] .

والمتأمل في الآيات الكريمة التي نزلت في تحريم الخمر يرى أنه أشارت في إيجاز محكم إلى المفاسد الرئيسية للخمر. فآية النساء التي منعت من اقتراب الصلاة في حالة السكر بينت علة المنع وهي ألا يعلم المصلي ما يقول وفي هذا إشارة إلى أن الخمر تخرج الإنسان عن وعيه. وتفقده إدراكه. حتى يبلغ مرتبة الهذيان. وفي ذلك امتهان للعقل الذي كرم الله به الإنسان وفضله على سائر المخلوقات فالخمر مفسدة للفرد في عقله وآدميته.

كما أوضحت آية المائدة التي جاء فيها التحريم النهائي للخمر. سبب هذا التحريم وهو أن الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين المسلمين وتصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة. أي أنها مفسدة خلقية واجتماعية. ودينية. وأقل ما تحدثه الخمر بالإنسان هو أنها تشيع في نفسه روح الاستهتار وعدم المبالاة بالقيم. وأنها تبعد شاربها عن دينه وإيمانه.

روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن"[12] .

ص: 270

هذا وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة مخاطر إدمان شرب الخمر على أجهزة الجسم المختلفة. وأثبتت أيضا أن شرب الخمر قد يفضي إلى الوفاة بالتسمم الكحولي وأن الإدمان يفضي إلى الجنون. ولهذا نرى الأطباء يوصون المريض بعدم تناول المشروبات الكحولية وإلا عرض نفسه للخطر. وكل هذه الأضرار التي في الخمر أصبحت الآن حقائق علمية مؤكدة تدرس لطلبة الطب في أنحاء العالم [13] .

السنة النبوية والخمر:

جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة مؤكدة لتحريم الخمر. وجاء فيها بيان الأنواع التي تصنع منها الخمر على ما كان معروفاً في بلاد العرب وبيان عقوبة شارب الخمر. وبينت السنة أن الخمر ليست بدواء كما كان يظن بعض الناس وإنما هي داء.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام "[14] .

وعن عمر رضي الله عنه قال: نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر والعسل، والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل. متفق عليه [15] .

وعن جابر رضي الله عنه أن رجلا من جيشان. وجيشان من اليمن سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المِزْرُ. فقال: أمسكر هو؟ قال: نعم فقال: كل مسكر حرام.

إن الله عهد عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار رواه أحمد ومسلم والنسائي [16] .

حد الشارب:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال - أنس - وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر. متفق عليه [17] .

ولمسلم في قصة الوليد بن عقبة. جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين. وجلد عمر ثمانين وكل سنة [18] .

ص: 271

الخمر داء:

عن وائل بن حجر الحضرمي أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يصنعها للدواء. فقال: إنها ليست بدواء ولكنها داء. أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما.

وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ". أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان [19] .

فهذان الحديثان يدلان على أنه يحرم التداوي بالخمر وأنها داء.

يقول العلامة ابن القيم في الطب النبوي: المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا أما الشرع فما ورد في الأحاديث النبوية.

وأما العقل فهو أن الله سبحانه وتعالى حرمه لخبثه فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [20] .

وإنما حرم الله على هذه الأمة ما حرم حمية لهم. وصيانة عن تناوله. فلا يتناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل. فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه. فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب. وأيضا فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق. وباتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته. وهذا ضد مقصود الشارع. وأيضا فإن الخمر داء كما نص عليه صاحب الشريعة فلا يجوز أن يتخذ دواء [21] .

التداوي بالنجس والخمر:

أجاز بعض الفقهاء استعمال النجس في حال الضرورة والاضطرار. ومنع ذلك جماعة من الفقهاء.

استدل المجوزون بما روى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه أن ناسا من عُرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وقال اشربوا من ألبانها وأبوالها. الحديث [22] .

ص: 272

واستدل المانعون بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم "[23] . والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء.

قال الحافظ ابن حجر: "إن قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. محمول على حالة الاختيار. وأما في حال الضرورة فلا يكون حراماً كالميتة للضرورة. ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر "إنها ليست بدواء إنها داء " في جواب من سأله عن التداوي بها. فإن ذلك خاص بالخمر ويلحق بها غيرها من المسكر والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعمال المسكر في حال الاختيار دون غيره ولأن استعمال المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة. ولأنهم في الجاهلية كانوا يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم.

وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا أن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم - والذرب فساد المعدة - فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه قال: وبهذا الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها [24] .

ويقول ابن رشد في بداية المجتهد: استعمال المحرمات في حالة الاضطرار الأصل فيه قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [25] .

ثم بين أن استعمال المحرم إن كان لطلب البرء فهو محل خلاف بين الفقهاء. فمن أجازه منهم احتج بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم الحرير لعبد الرحمن بن عوف لمكان حكة كانت به. ومن منع ذلك احتج بقوله عليه الصلاة والسلام: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم "[26] .

المنافع التي في الخمر:

وإذا قال قائل: إذا ثبت أن الخمر فيها من المضار ما ذكرتم. فكيف وصفها القرآن بأن فيها منافع للناس.

ص: 273

والجواب عن ذلك أن المقصود بالمنافع في الآية المنافع المادية التي كانوا يستفيدونها من تجارة الخمر يربحون منها الربح الفاحش كما يربحون من وراء الميسر. ومما يدل على أن النفع مادي أن الله تعالى قرنها بالميسر. ولا شك أن النفع في الميسر مادي بحيث يكون الربح لبعض المقامرين فكذلك الخمر.

قال القرطبي: فأما المنافع في الخمر فربح التجارة. فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص فيبيعونها في الحجاز بربح وكانوا لا يرون المماكسة فيها فيشتري طالب الخمر، الخمر بالثمن الغالي. هذا أصح ما قيل في منافعها [27] .

ومن لطيف ما ذكره القرطبي في ذم الخمر. قال: إن شارب الخمر يصير ضُحكة للعقلاء فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح بها وجهه. حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين [28] .

هذا وفي عصرنا الحاضر وبعد أن ظهر للناس أضرار الخمر من الناحية الطبية. والاجتماعية سارعت بعض الدول إلى سن التشريعات التي تحرم الخمر. "فأمريكا " كانت أصدرت قانونا يحرم الخمر تحريما تاماً وكذلك الهند أصدرت قانونا مماثلاً. وبعض الدول حرمت تقديم الخمر أو تناولها في المحلات العامة كما حرمت بيعها لمن لم يبلغوا سنا معينة. ولكن هذه التشريعات لم تنجح في محاربة الخمر لأن العقوبات التي فرضت لم تكن رادعة. وخير علاج يقي الناس شر هذا الوباء هو علاج الإسلام.

المخدرات:

حرمت الشريعة الإسلامية المخدرات والمفترات لما فيهما من الأضرار والمفاسد، وورد النهي في السنة عن كل مسكر ومفتر.

أخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر [29] .

قال الإمام الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخور في الأعضاء [30] .

ص: 274

وبالنظر في كتب اللغة نجد أن التفتير والتخدير معناهما متقارب، ففي لسان العرب: الفتر الضعف وفتر فتورا لانت مفاصله وضعف. وفي المصباح المنير ومعجم متن اللغة: خدر العضو استرخى فلا يطيق الحركة وخدرت عينه ثقلت من قذى أو غيره، والخدرة: الضعف والفتور يصيب الأعضاء والبدن [31] .

الفرق بين المسكر وغيره:

ذكر الإمام القرافي في كتاب "الفروق "التفرقة بين المسكر، والمرقد، والمفسد.

فالمسكر هو: الذي يغطي العقل ولا تغيب معه الحواس، ويتخيل صاحبه كأنه نشوان مسرور قوي النفس شجاع كريم، ولذلك قال الشاعر:

ونشربها فتتركنا ملوكا

وأسداً ما ينهنبهها اللقاء

والمرقد هو: الذي يغيب الحواس كالسمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس كالبنج.

أما المفسد فهو: المشوش للعقل كالحشيش والأفيون وسائر المخدرات والمفترات التي تثير الخلط الكامن في الجسد، ولذلك تختلف أوصاف مستعمليها فتحدث حدة لمن كان مزاجه صفراويا، وتحدث سباتا وصمتا لمن كان مزاجه بلغميا، وتحدث بكاء وجزعاً لمن كان مزاجه سوداويا، وتحدث سرورا لمن كان مزاجه دمويا فتجد من متناوليها من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته ومنهم من يعظم سروره وانبساطه.

فشرّاب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح. ويهجمون على بعض الأعمال التي لا يطيقونها في حال الصحو كما أشار الشاعر، أما أهل الحشيش والأفيون فيصيرون همدة ساكتين انتزعت منهم قوة البطش بل هم أشبه شيء بالبهائم ولذلك تكثر حوادث القتل مع شراب الخمر ولا تكاد توجد مع أصحاب المخدرات إذ هذه المخدرات تحدث خنوثة الطبع وفساده، وقد تجر صاحبها إلى الدياثة على زوجته وأهله فضلا عن الأجانب.

والمسكرات محرمة إجماعا وفيها الحد، والمخدرات محرمة كذلك، وفيها الحد أو التعزير الزاجر عنها.

ص: 275

والمرقدات يجوز استعمالها للعمليات الجراحية. قال ابن فرحون المالكي: والظاهر جواز ما يسقى من المرقد لقطع عضو ونحوه، لأن ضرر المرقد مأمون، وضرر العضو غير مأمون. وبهذا تنفرد المرقدات عن المخدرات [32] .

وقال صاحب القواعد السنية في الأسرار الفقهية: اعلم أن النبات المعروف بالحشيشة لم يتكلم عليه الأئمة المجتهدون ولا غيرهم من علماء السلف، لأنه لم يكن في زمنهم وإنما ظهر في أواخر المائة السادسة وانتشر في دولة التتار.

قال العلقمي في شرح الجامع: حكى أن رجلا من العجم قدم القاهرة وطلب دليلا على تحريم الحشيشة وعقد لذلك مجلساً حضره علماء العصر، فاستدل الحافظ زين الدين العراقي بحديث أم سلمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. فأعجب الحاضرين قال: ونبه السيوطي على صحته، واحتج به ابن حجر على حرمة المفتر ولو لم يكن شرابا ولا مسكرا ذكره في باب الخمر والعسل من شرح البخاري.

وكون الحشيشة من المفتر مما أطبق عليه مستعملوها ممن يعتد بهم. وبخبرهم يعتد في مثل هذا الأمر. والقاعدة عند الأصوليين والمحدثين أنه إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نص على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أعطي الآخر ذلك الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي. وفي الحديث المذكور ذكر المفتر مقرونا بالمسكر. وتقرر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع فيجب أن يعطى المفتر حكمه بقرينة النهي عنها مقترنين. وفسر غير واحد التفتير باسترخاء الأطراف وتخدرها وصيرورتها إلى وهن وانكسار [33] .

ص: 276

وقال ابن حجر الهيتمي: واعلم أن الحشيشة المعروفة حرام كالخمر. يحد آكلها على قول قال به جماعة من أهل العلم كما يحد شارب الخمر. وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج. إفساداً عجيباً حتى يصير في متعاطيها تخنث قبيح ودياثة عجيبة وغير ذلك من المفاسد. فلا يصير له من المروءة شيء البتة، ويشاهد من أحواله خنوثة الطبع وفساده وانقلابه إلى أشر من طبع النساء.. وكذا متعاطي نحو البنج والأفيون. قال:

والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى الصيال على الغير وإلى المخاصمة والمقاتلة والبطش. ثم قال: وسبب اختلاف العلماء في الحد فيها وفي نجاستها كونها جامدة مطعومة ليست شرابا. فقيل هي نجسة كالخمر وهو الصحيح عند الشافعية. وقيل: المائعة نجسة. والجامدة طاهرة. قال: وعلى كل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر لفظا ومعنى [34] .

قال ابن البيطار: إن الحشيشة وتسمى القنب توجد في مصر مسكرة جداً إذا تناول الإنسان منها قدر درهم أو درهمين، وقبائح خصالها كثيرة. وعد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية [35] .

وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى عن الحشيشة وعن تاريخ ظهورها ورأى أهل العلم فيها حديثا قيما مفصلاً.

من ذلك قوله: وكذا الحشيشة المسكرة يجب فيها الحد وهي نجسة في أصح الوجوه وقد قيل: إنها طاهرة. وقيل: يفرق بين مائعها ويابسها والأول الصحيح، لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النئ، بخلاف ما لا يسكر بل يغيب العقل كالبنج أو يسكر بعد الاستحالة كجوزة الطيب فإن ذلك ليس بنجس. ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها [36] .

ص: 277

قال: الحمد لله هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر. والسكر منها حرام باتفاق المسلمين. ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب. فإن تاب وإلا قتل مرتداً لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين [37] .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة وإنما يتناولها الفجار لما فيها من النشوة والطرب فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك والخمر توجب الحركة والخصومة. وهذه توجب الفتور والذلة، وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل وفتح باب الشهوة وما توجبه من الدياثة مما هي من شر الشراب المسكر وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار [38] .

ويقول الدكتور نجيب الكيلاني عن المخدرات:

تطلق كلمة المخدرات على كثير من المواد الطبيعية والكيماوية التي تؤدي إلى خدر الجسم والعقل والمواد المخدرة تختلف في آثارها ومضاعفاتها واستجابة الجسم والعقل لها وكثير من هذه المواد قد يؤدي إلى الإدمان بحيث لا يستطيع متعاطيه أن يستغنى عنها وإلا أصيب بأضرار مختلفة قد تصل إلى الموت.

وبعض هذه المواد قد يؤدي إلى السكر أو غياب العقل أو يؤدي إلى لون من التخيل وتصور أمور لا وجود لها. فإذا انتهى أثر المخدر شعر المدمن بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار والكآبة والتوتر ويظل في تدهور وتوتر. بل إن أجهزة الجسم تتأثر على اختلاف أنواعها.

قال: ولقد انتشرت الأدوية المخدرة في كل أنحاء العالم انتشاراً رهيباً وتفشت المخدرات بين الشباب وخاصة في أوروبا وأمريكا. وتسببت هذه المخدرات في كثير من الانحرافات والكوارث الاجتماعية. والاقتصادية. والأخلاقية [39] .

ص: 278

وأكتفي بهذا القدر ولولا ضيق الزمن لتوسعت في بعض موضوعات هذا البحث المتشعب النواحي. وحسبنا أن نعلم أن الشريعة الإسلامية سبقت كل النظم والقوانين في محاربة المسكرات والمخدرات وبيان ما فيها من أضرار ومفاسد. وكلما تقدم العلم أثبت صدق الشريعة وأنه لا خلاص للناس من مخاطر الشقاء والهلاك والدمار إلا في الأخذ والعمل بما جاءت به هذه الشريعة الغراء.

وفق الله المسلمين للتمسك بتعاليم دينهم والعمل بما في شريعتهم حتى يعزهم الله ويكتب لهم الخلاص مما فيهم.

والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى أقوم طريق..

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه..

مراجع البحث:

1 -

روائع البيان تفسير آيات الأحكام ج1 للشيخ محمد علي الصابوني ط مكتبة الغزالي.

2 -

صحيح الإمام البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر ج12 المطبعة السلفية (كتاب الحدود) .

3 -

نيل الأوطار مع شرحه منتقى الأخبار للإمام محمد بن علي الشوكاني ج 8 ط مكتبة الدعوة الإسلامية القاهرة (كتاب الأشربة) .

4 -

بلوغ المرام لابن حجر مع شرحه سبل السلام للصنعاني ج4 باب حد الشارب وبيان المسكر ط الحلبي.

5 -

بداية المجتهد لابن رشد ج 8 كتاب (الأطعمة والأشربة) ط مطبعة حسان بالقاهرة تقديم "سيد سابق"وتصحيح عبد الحليم محمد. وعبد الرحمن حسن.

6 -

كتاب الفروق للإمام القرافي ج1 ط دار إحياء الكتب العربية عيسى الحلبي / مصر.

7 -

القواعد السنية في الأسرار الفقهية هامش ج 1 من الفروق / للشيخ محمد علي حسين مفتي المالكية.

8 -

الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي ج 2 ط دار إحياء الكتب العربية.

9 -

كتاب: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 34 ط الأولى.

10 -

التشريع الجنائي الإسلامي المقارن بالقانون للأستاذ عبد القادر عودة ج 1 ط ثانية مطبعة دار العروبة.

ص: 279

11 -

لسان العرب: لابن منظور.

12 -

المصباح المنير لأحمد بن علي المقري الفيومي.

13 -

في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ط الأولى: مؤسسة الرسالة.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

سورة آل عمران الآية:104.

[2]

سورة الأنفال الآية: 60.

[3]

سورة البقرة الآية: 179.

[4]

سورة النور الآية: 3.

[5]

انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 4_ 5 ط الحلبي.

[6]

سورة النور الآية: 4.

[7]

انظر ج1 من المصباح المنير للقيومي ص 348ط بولاق السادسة وج8 من نيل الأوطار للشوكاني ص 176 ط مكتبة الدعوة.

[8]

انظر ج1 من التشريع الجنائي المقارن لعبد القادر عودة ص 650 / 51/ ط دار العروبة الثانية.

[9]

سورة البقرة الآية: 219.

[10]

سورة النساء الآية: 43.

[11]

سورة المائدة الآيتان: 90 _91.

[12]

انظر: ج من صحيح البخاري مع فتح الباري ص 58 الطبعة السلفية.

[13]

انظر: كتاب في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ص 59ط مؤسسة الرسالة بيروت.

[14]

الحديث أخرجه مسلم انظر: ج8 من نيل الأوطار للشوكاني ص 173 ط مكتبة الدعوة.

[15]

انظر: ج 4 من سبل السلام للصنعاني ص 33 ط الحلبي.

[16]

انظر: ج 8 من نيل الأوطار للشوكاني ص 174 ط مكتبة الدعوة الإسلامية لشباب الأزهر.

[17]

انظر: ج 4 من بلوغ المرام وشرحه سبل السلام للصنعاني ص 28 ط الحلبي.

[18]

المصدر السابق ص 30.

[19]

المصدر السابق ص 36.

[20]

سورة النساء الآية: 160.

[21]

انظر: كتاب في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ص59 ط مؤسسة الرسالة.

[22]

انظر: ج1 من جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ص 242 مطبعة المدني بالقاهرة.

ص: 280

[23]

الحديث أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 36 ط الحلبي.

[24]

انظر: كتاب تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ص 243/ 245 مطبعة المدني ج1.

[25]

الأنعام الآية: 119 وانظر: ج1 من بداية المجتهد لابن رشد ص 585 ط حسان.

[26]

الحديث أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان انظر: ج4 من سبل السلام ص 36 ط الحلبي.

[27]

انظر: ج1 من تفسير آيات الأحكام للصابوني ج1 مكتبة الغزالي ص 274.

[28]

المصدر السابق ص 275.

[29]

انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 35 ط الحلبي.

[30]

المصدر السابق.

[31]

انظر: لسان العرب لابن منصور والمصباح المنير للفيومي. ومعجم متن اللغة لأحمد رضا مادة: خدر وفتر.

[32]

انظر: ج1 من كتاب الفروق للقرافي ص 215/ 216 ط عيسى الحلبي.

[33]

نفس المصدر السابق للقرافي ص.

[34]

انظر: ج2 من كتاب الزوجر لابن حجر الهيثمي ص 138 ط عيس الحلبي.

[35]

انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 35/ 36 ط مصطفى الحلبي.

[36]

انظر: ج 34 من مجموع الفتاوى لابن تيمية ص 189 ط الأولى.

[37]

المصدر السابق لابن تيمية ص 210/ 214.

[38]

انظر: ج 36 من مجموع الفتاوى لابن تيمية ص 189 ط الأولى.

[39]

انظر: كتاب في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ص 13/ 14 ط مؤسسة الرسالة.

ص: 281

الخمر جماعُ الإثمِ

للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

وبعد فيسرني أن أرحب بالجامعة الإسلامية _ في المدينة المنورة _ فيما تعتزمه من عقد مؤتمر في صدد مكافحة المخدرات والمسكرات، وهي دائمة معينة بقضايا المسلمين، وما يجدّ من المشاكل في حياتهم، فهي أجدر بأن تقوم بإصلاحات جذرية وتقدم جهوداً وخطوات نافعة في إزالة الأمراض والمفاسد التي تغزو المجتمع الإنساني عامة والمجتمع الإسلامي خاصة، وإن معالجة قضايا المسلمين ووصف أمراضهم وتقديم العلاج الناجح لها من واجبات المسلمين ومسئولياتهم، إذن فإن عقد هذا المؤتمر جاء في موضعه وأوانه.

ومن المعلوم أن الدين الإسلامي حريص على بقاء هذه الإنسانية والحفاظ على كرامتها وشرفها، وشرع أحكامه لجلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم، وإن الخمر " جماع الإثم " كما جلاء على لسان النبوة _ على صاحبه الصلاة والسلام _ وجاء التحذير منه في آيات مفصلة من كتاب الله وأحاديث مستفيضة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يتحرق له القلب ألماً ويتندى له الجبين حياءُ، أن هذا الداء الوبيل والمرض العُضال الذي نعى عليه الشرع الإسلامي الحكيم وحرّمه قد تسرب في مجتمعنا اليوم، وشاع إدمان الخمر في كثير من الأقطار والبلاد ومنى به أبناء الإسلام، بل أصبح تناول المسكرات والمخدرات موضة من موضات العصر الحديث يتسلى به الناس ولا يخافون سوء عاقبته، وإذا تفشى هذا الداء فإنه يكاد ينخر المجتمع بأسره، ويخشى به الزوال على جميع القيم الخلقية السامية التي اعترفت بها الديانات وتشبثت بها الأجيال، والحفاظ على العقل من مقاصد الشارع الحكيم، وبالحفاظ عليه يناط صلاح الإنسانية والقيام بمصالحها، فإذا اختل العقل وأصابه فتور وشلل، اختلت الموازين كلها.

ص: 282

أكتفي بهذه الكلمة الموجزة التي أمليتُها على عجل - وأنا على أهبة السفر إلى البلاد- وأكرر الترحيب بهذا المؤتمر وأدعو الله أن يكلله بالنجاح ويحقق الأهداف الإنسانية الإسلامية النبيلة التي يرمي إليها، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

ص: 283

مكافحة المُخدَّراتِ واجبٌ ديني وطني إنساني

للواء جميل محمد الميمان

مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فإن من فضل الله تعالى على عباده أن شرع لهم من الدين ما فيه صلاح دنياهم وأخراهم، ومن رحمته سبحانه أنه لم يفرض عليهم من التكاليف الشرعية إلا ما يطيقون، فأحل الله لعباده الطيبات من الرزق، وحرم عليهم الفواحش والخبائث ونهاهم عن كل ما يفسد دينهم أو يضر بمصلحتهم. فجاءت الشريعة الإسلامية الغرّاء لحفظ كيان الأمة. فأوجبت حماية الضروريات الخمس التي يقوم عليها البناء القوي للمجتمع الصالح وهي حماية النفس والعقل والدين والمال والعرض. وحرمت ما يضر بشيء منها بنصوص محكمة لا تقبل التأويل.

ومن فضل الله تعالى أن رفع الإنسان وفضله على كثير من خلقه، بأن أنعم عليه بالعقل ليكون مسئولا عن تأدية التكاليف الشرعية التي فرضها على الإنسان والتي لم يحصرها سبحانه في الصلاة وغيرها من العبادات. بل إن الإسلام يتطلب من المسلم يقظة فكرية دائمة وتحكيم عقله في كل شيء، واستجلاء كل الظواهر المحيطة به سعياً وراء خير الأمة الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية وغاية من غاياتها. لذلك فقد حرم الله سبحانه وتعالى كل ما يضعف العقل أو يذهبه، والمخدرات بمختلف أشكالها وأنواعها محرمة شرعاً لتأثيرها المباشر على العقل، فهي تعطله وتذهب به.

ص: 284

إن تعاطي المواد المخدرة ظاهرة عرفت منذ زمن بعيد، وكانت حتى عام 1940م تنحصر في بعض الدول التي عانت من إساءة استعمال المخدرات الطبيعية ذات الأصل النباتي (الحشيش والأفيون) . وأثناء الحرب العالمية الثانية بدأ الطيارون الألمان يستعملون جرعات من عقار الأمقيتامين المنشط لزيادة عدد طلعات الطيران، ثم تطور الأمر إلى إساءة استخدام العقاقير الأخرى المصنعة سواء المنشطة أو المنومة أو المهلوسة، والتي تنتجها مصانع الأدوية من مواد كيمائية على شكل حبوب أو أقراص أو كبسولات أو حقن أو أشربه، وقد كانت تنتجها أصلاً للأغراض الطبية والعلاجية لبعض الأمراض النفسية أو لتسكين بعض الآلام أو لإذهاب القلق والمساعدة على راحة الإنسان المريض ولكن للأسف، أسيء استعمال تلك العقاقير بشكل رهيب، فشكلت ظاهرة خطيرة أخذت بتلاليب معظم المجتمعات الدولية وأصبحت كظاهرة المخدرات الطبيعية سواء بسواء إذ أنها كلها سموم، بل إن مشكلة العقاقير المخدرة أشد وطأةً وأثراً على المجتمعات الدولية في وقتنا المعاصر، بل وكارثة عظمى تهدد المجتمع الإنساني بسبب سهولة تناولها ووجودها بالصيدليات ومراكز الأدوية، ولتشابهها مع تلك الأدوية التي يستعملها المريض بوصفات طبية مشروعة. وقد نشأت المشكلة بسبب استعمالها بطريق خاطئ يؤدي إلى الإدمان، وتنتج عنه أبلغ الآثار السيئة والأخطار الجسيمة على مستعمليها وعلى المجتمع.

ولقد أحس المجتمع الدولي بخطورة المشكلة.. فهب إلى إبرام اتفاقية المواد النفسية عام 1971م وضع بمقتضاها نظاما للرقابة على العقاقير ذات التأثير على النفس والعقل بهدف قصر استخدامها للأغراض الطبية والعلمية فقط، وبذلت _ وما زالت تبذل _ من كافة الأجهزة المعينة بشئون المخدرات والهيئات العالمية الصحية جهود مضنية في سبيل التصدي لهذه المشكلة ودرء أخطارها الجسيمة.

ص: 285

ولم يسلم مجتمعنا العربي السعودي من هذه الظاهرة (استعمال الحبوب المخدرة) ولكن _ والحمد لله _ ما زالت لا تعدو أن تكون دقاً لناقوس الخطر الذي بدأ في الآونة الأخيرة يقرع أسماعنا. والمشكلة إن كانت قائمة، فالوقاية منها والاحتياط لها _ قبل أن تستفحل _ واجب. وهناك دول وقعت فريسة لهذا الداء الوبيل ولم تدرك خطره إلا بعد أن عانت الكثير منه. فعلينا أن نأخذ درساً مما عانته تلك الدول، فالتقى من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه. ومن واجبنا الديني والوطني والإنساني أن نتصدى لهذه الآفة بكل إيمان وجدية لندرأ عن شبابنا أخطارها. وعن مجتمعنا آثارها، فالوقاية خير من العلاج.

والكارثة التي تحل بالفرد وبالمجتمع نتيجة استعماله للمخدرات. تبدأ من مستصغر الشرر. فيبدأ الفرد في تعاطيها لهدف أو لظرف خاص، مثل الطالب الذي يستعمل حبوب الأمفيتامين بهدف اليقظة والسهر للاستذكار وقت الامتحانات، والمرآة التي تأخذ الحبوب لمعالجة البدانة التي تفقدها الشهية لتزيد من نشاطها وقدرتها على القيام بمسئولية بيتها. والعامل الذي يبغي الحفاظ على قواه وزيادة نشاطه وقدراته على العمل والإنتاج، والسائق الذي يتناول الحبوب المنبهة لتساعده على السهر لمواصلة السفر بسيارته، والشارب الذي يجاري صديقه فيستعمل الحبوب المخدرة مجاملة أو تقليدا في ميوعة يريد بها إنعاش نفسه، أو إزالة همومه، أو الهروب من مشاكله العائلية، أو النفسية التي تنتابه نتيجة بعض الظروف التي تحيط به اجتماعياً أو أسرياً، وذلك الذي يتناول الحبوب لأسباب صحية دون استشارة الطبيب. كل هؤلاء واهمون، مخطئون.. إذ أنهم بعد وقت قصير يتأكدون من ذلك. ويشعرون أن كل ما سعوا إليه من استعمالهم للمخدر أثره وقتي، وسريعاً ما يزول، فيدفعهم ذلك بلا شك إلى زيادة الجرعة التي يتعاطونها أملا في تحقيق ما يريدون فيعتادونها، ثم يدمنونها، وهنا تقع الكارثة.

ص: 286

إن إدمان المواد المخدرة يعود بأسوأ النتائج على الفرد في صحته الشخصية وإرادته وعمله وإنتاجه ووضعه الاجتماعي، فيعاني من الأمراض وضعف البنية والشخصية، وينتابه الخمول والوهن، ويفقد السيطرة على تحركاته وأعماله وأقواله، ويتحول إلى شخص يفتقر إلى الطاقة المهنية والحماس والإرادة اللازمة لتحقيق واجباته العادية المألوفة، ويصبح شخصاً كسولاً. سطحياً. متواكلاً. غير موثوق فيه، مهملاً، منحرف المزاج، فينعكس أثره على عمله، وعلى تعامله مع الناس، وغالباً ما يفشل في دراسته، أو يطرد من عمله، أو يقل إيراده، وينعكس كل ذلك على أسرته، فلا تكون له القدرة على رعاية أبنائه وتربيتهم التربية السوية، فهو شخص مهموم مرتبك التفكير، لا همّ له إلا أين، ومتى، وكيف يتعاطى الجرعة التي اعتادها، فيحطم بذلك ذاته وعلاقاته مع أسرته ومعارفه وجماعته، وتصبح أهداف الحياة لديه ثانوية.

ص: 287

ولا شك أن المجتمع يتأثر تأثراً مباشراً من هذه الظاهرة، اقتصاديا، واجتماعيا، وأمنيا. فضعف إنتاج الفرد يؤثر على إنتاج المجتمع. بالإضافة إلى أن دخول العديدين ممن يتعاملون في المواد المخدرة السجن يشكلون عبئاً على اقتصاديات الدولة لما تتكبده من مصاريف باهظة لإعاشتهم ورعايتهم وعلاجهم وهم أيدٍ عاطلة لا يؤدون عملاً، فضلا عما تنفقه الدولة من أموال طائلة على قوات الأمن، وقوات المكافحة، والقضاء، وكان من الأجدى أن تتجه تلك الأموال إلى دعم اقتصاديات المجتمع. ثم إنه يجب أن لا نغفل تلك المبالغ الهائلة التي تضيع سدى خارج البلاد أثماناً للمواد المخدرة. ويا ليتها كانت ثمناً لآلات ومعدات تدعم الاقتصاد الوطني وتنشد الرخاء للمجتمع. كما يجب أن لا نغفل مدى القلق والفزع الذي يلحق أفراد المجتمع من جرائم متعاطي المسكرات والمخدرات، فلقد أكدت الدراسات والإحصائيات ارتباط تعاطي المخدرات بالجريمة، فكلما زادت ظاهرة التعاطي زادت معها معدلات الجرائم المختلفة من قتل وسرقة واعتداء على النفس والعرض، فضلا عن حوادث السيارات والحريق وإصابات العمل. فالمخدرات في حد ذاتها جريمة يعاقب عليها النظام، ومن يرتكبها يمكن أن يستمرئ لنفسه ارتكاب غيرها من الجرائم، فهي تشجعه على مخالفة الأنظمة الأخرى وارتكابه أفعالا ضارة وتصرفات طائشة، وتزين له نفسه غير الواعية _ تحت تأثير المخدر _ أن يرتكب الفواحش والجرائم فتعرضه لعقوبة السلطة، وتؤدي به إلى السجن. فيفصل من عمله إذا كان موظفا، ويضيع مستقبله، ويضر بأسرته التي يتركها دون عائل. فيتشرد أبناؤه ويسيرون في طريق مظلم دون هادٍ أو راعٍ لهم، ويضلون السبيل وتتفكك الأسرة التي هي عماد المجتمع.

ص: 288

وإن كان عاملا على آلة أو ماكينة، فإنه يتسبب بفعل المخدر وعدم وعيه إلى إتلافها أو إلى إحداث حريق مدمر للمؤسسة التي يعمل بها، أو أن يصاب بإصابة تعجزه عن العمل. أو تودي بحياته. فيخسر نفسه وتخسر أسرته. ولو أن المجال هنا يتسع لسردت الكثير مما صادفني أثناء ممارستي لعملي من مآسي لحقت بأسر انهارت وتشردت بسبب تعاطي عائلها للمخدرات ودخوله السجن، وفصله من عمله وطرده من الخدمة العسكرية، أو موته أو إصابته. وكم من سائقين راحوا ضحية حوادث سيارات وراح معهم ضحايا أبرياء بسبب عدم وعيهم نتيجة استعمالهم للمخدرات. وتشير الإحصائيات والدراسات أن 10% من حوادث السيارات كانت نتيجة استعمال السائقين للمخدر. وقد ازدادت النسبة إلى 25% حتى أصبحت الآن تشكل السواد الأعظم من أسباب حوادث السيارات والشاحنات خاصة على الطرق.

ص: 289

وإن الشباب _ عدة الأمة ومناط آمالها ورجال الغد والدعامة الأساسية التي يرتكز عليها المجتمع في التنمية ونهضة البلاد _ مُستهدف من أعدائنا لتقويض عزيمته، والفت في عضده لإبعاده عن المشاركة بفاعلية والإسهام بجدية في تقدم الأمة ورقيها وتحقيق آمالها الطموحة في التنمية والازدهار _ فتتجه مشكلة المخدرات اليوم للنيل من شبابنا _ وقد فطنت حكومتنا الرشيدة وبتوجيهات من جلالة مولاي الملك المعظم وسمو ولي عهده الأمين وسمو وزير الداخلية وسمو نائبه إلى الاهتمام بالتصدي لهذه المشكلة، وحماية شباب هذه الأمة من أخطارها، ووقايته من كل ما يعوقه عن المشاركة الإيجابية في عمليات التنمية، وهبت كافة الجهات المعينة ذات العلاقة بالمملكة للمساهمة في المكافحة وحل المشكلة من كافة جوانبها الاجتماعية والصحية والنفسية، كما أن سعادة الفريق أول / عبد الله عبد الرحمن آل الشيخ مدير الأمن العام قد والى عنايته بأعمال المكافحة، بمدها بكل عون ومساعدة في سبيل الضرب على أيدي كل من يتعامل في المواد المخدرة تهريباً، أو تجارةً، أو ترويجاً، أو استعمالاً. وأسأل الله عز وجل أن يهدي شبابنا إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه، وأن يلهمه الصواب والهدى والتقى، وأن يجنبه سوء الأخلاق ما ظهر منها وما بطن إخلاصا لدينه ومليكه ووطنه.

وأختم كلمتي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله _ الشباب الذي نشأ في عبادة الله _ وفق الله شبابنا المسلم إلى تحقيق ذلك، والله الموفق وهو من وراء القصد.

القات والوقت والأموال الضائعة

ص: 290

إن الجمهورية العربية اليمنية تخسر سنويا ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون ساعة عمل هو الوقت الهائل الذي يضيع على أبناء اليمن بسبب مضغ أوراق القات وتخزينه وهو وقت تتبين قيمته في التنمية المطلوبة لهذا البلد الإسلامي فيصيب اقتصادها بخسائر فادحة فضلاً عن ألف مليون ريال ثمناً للقات الذي يستهلكه المواطنون.

(من تقرير المكتب العربي لشئون المخدرات)

ص: 291

المخدَّرات أخطرُ مُعوَّقاتِ التنمِيةِ

للدكتور إبراهيم إمام

رئيس قسم الإعلام بكلية الدعوة وأصول الدين

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وفضله على غيره من الأكوان بما ركّب فيه من قوى أعلاها العقل وأغلاها الإدراك والفهم، والمعرفة من أهم خصائص الإنسان {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} يشير إلى ما أودع الله سبحانه في آدم من قوى الإدراك والاستنباط والقياس، وتداعي المعاني وتوالدها. ومن هنا كانت القدرة على إنماء قاموسه اللغوي، وإضافة جديد إليه كل يوم، إذ كلما جدَّ جديد في الحياة من المخترعات والمصنوعات التي تفتق عنها عقل الإنسان، وضع لهذا الجديد اسما يعرف به، ويستدل منه عليه، ففي عقل الإنسان تتولد المدركات، وتتشكل الصور، وتتداعى المعاني، ومن عقل الإنسان تخرج الأسماء لكل مدرك، ولكل متصور في عالم الواقع أو الخيال.

يقول الله تعالى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} . وفيه بيان لموقف الملائكة في هذا الامتحان، وعجزهم عن وضع أسماء لتلك المخلوقات التي عرضها الله تعالى عليهم، لأنهم ليس لهم على ذاتي، عن طريق الاستنباط والقياس، كما الشأن في الإنسان، وإنما علمهم محصور فيما يعلمهم الله فيه، لا يزيدون فيه أو ينقصون، فلا ابتكار ولا اختراع، على خلاف الإنسان الذي يبتكر ويخترع، ويجمع بين الأشياء ويفرقها، ويولد منها ويختصر.

ص: 292

وإذا كان الحيوان مخلوقاً ذا طبيعة واحدة. جسمه مصدر طاقته وغرائزه توجهه، يأكل ويشرب ويتناسل بدافع جسدي بحت لا إدراك فيه لهدف، ولا اختيار لوسيلة، وإذا كان الملَكُ مخلوقا يعيش في نطاق روحه، ويطيع الله تعالى بفطرته، لأنه مفطور على الطاعة المطلقة {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} .

فإن الإنسان له طبيعته الفريدة التي تتميز بكونه قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله، {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} فالشهوات كلها أو الدوافع الفطرية أو الغرائز الإنسانية أو القوة الحيوية هي نشاط جثماني، ولكنها فطرة قابلة للكبح والضبط بالعقل والإدراك، وقابلة للسمو الروحي بالإيمان بالله والمثل العليا والعمل على تحقيقها إيجابياً في واقع الحياة.

الإسلام والتنمية:

وفي قوله تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} كشف عن فضل آدم في هذا الموقف وأنه قادر على مالا تقدر عليه الملائكة، من إحداث هذا التغيير في وجه الأرض، بما أدخله عليها من إضافات في صورها وأشكالها، وذلك ما لا تستطيعه الملائكة من ذات أنفسها، ولهذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، سجود إجلال وتعظيم لقدرة الخالق سبحانه، الذي أخرج من تراب الأرض كائناً يعلم الملائكة ما لم يكونوا يعلمون.

ص: 293

وقد غير آدم الأرض فأخرج المخبوء من أسرارها، وسخرها لخدمته، فعمر جديبها، وأحيا مواتها، واستأنس متوحشها، وألان حديدها، حتى أقام تلك المدنيات وهذه الحضارات، فركب البحار وسبح في الفضاء، ووصل إلى الكواكب والأقمار، حتى أخيراً قدميه على القمر.

ثم إن الإنسان لا يقف عند هذا الذي أخرجه من معطيات مدركاته فإن أمام الإنسان مجالاً فسيحاً للبحث في أسرار هذا الكون الذي أودع به الخالق سبحانه مالا ينفذ من آيات علمه، وحكمته وقدرته، فإذا عجز جيل من أجيال الناس عن اكتشاف سر من أسرار الكون جاء الجيل الذي بعده، فحاول أن يكشف عن مكنون هذا السر، وهكذا تتوالى أجيال الإنسانية، كل جيل يبني على ما أقامه الجيل السابق حتى يعلو صرح البناء، وينمو نموا مطردا، ما دام للناس وجود على الكوكب الأرضي [1] .

والمعرفة من أهم خصائص الإنسان، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} والإنسان خليفة الله الخالق المبدع المسيطر على كل قوى الكون، وهو مخلوق تحتفل به السماوات والأرض، ويتولى الله سبحانه وتعالى إعلان مقدمه على الملأ الأعلى. فالخلافة عن الله فيها معاني الإنشاء والابتكار والتعمير والتغيير والتبديل، وكلها معاني دقيقة لاصطلاح التنمية.

التنمية تكليف إسلامي:

ص: 294

والحواس نعمة من الله أنعم بها على عباده، وهي التي تصل بين البيئة الخارجية وعقل الإنسان، فكل ما يراه الإنسان ويسمعه ويلاحظه ويشمه ويختبره ينتقل إلى العقل الذي يزنه ويميزه، فتنشأ عمليات التعقل والتذكر والتفكر والتدبر. يقول الله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . ويقول سبحانه: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} . ويقول جل شأنه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} .

وهكذا نجد أن الإسلام يوجه الإنسان إلى البحث والدراسة والملاحظة والتجريب، ويحثه على استخدام عقله وفكره ليتدبر الكون من حوله، وينال نتيجة جهده وكدحه بقدر ما ينفق من رصيد العلم والمعرفة، الذي جمعه من النظر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض، وما أودع الخالق سبحانه في مستكنات الأسرار في هذا الوجود. وهكذا يتحقق إعمار الأرض وتنمية الحضارة.

ص: 296

فأهم ما يميز الإنسان قدراته العقلية وإمكانياته اللغوية والرمزية، وما جبل عليه من اختيار وإرادة، ومحاولته حل المشكلات والتعلم والتدرب، فضلا عن نشاطه الفكري وتحليقه في التصور الإيجابي والتخيل البناء، فهو يرسم في ذهنه صورة للواقع ويرسم صورة أخرى لواقع جديد يريد أن يحققه بفضل ما أفاءه الله عليه من نعمة العقل والإدراك، بحيث يكون تحركه من الواقع الملموس والصورة المأمولة تحرك إنجاز وفاعلية.

ولا حرج في الإسلام من بلوغ الإنسان شأواً بعيدا في مجال التنمية طالما يتقي الله ويعمل لمرضاته، وفي تلك الحدود الربانية لا قيود على حريته في البحث والعلم والتنمية، بل إنه مطالب بذلك، ومكلف بإعمار الأرض وتحسين أحوال معيشته، والحصول على طيبات الرزق، والعمل المتواصل من أجل رقيه وسعادته.

موقف الإسلام من الخمر والمخدرات:

والنشاط الفكري للأفراد والجماعات البشرية وكذلك قدراتها على التنظيم والبحث العلمي والعمل الاقتصادي والإنتاج الصناعي والزراعي وغيره، كله مرهون بسلامة العقل الإنساني من أي قصور أو فتور أو تخدير، فالإقبال على الحياة، والاحتكاك بالواقع لتغييره إلى الأفضل شيمة الإنسان المسلم السوي، فهو يعالج الواقع أو يتحاور معه بالعمل الجاد والخيال الإيجابي القائم على التصور الفعلي، أما الشخص السلبي فإنه يركن إلى الوهم والخيال، ويظن أن المخدر هو منقذه من مرارة الواقع مع أنه يسلمه إلى الخيال المريض.

ص: 297

والإسلام الذي يؤكد قيمة الإنسان الذي كرمه الله واستخلفه في الأرض، لا يتضمن مفهوماً غريباً كمفهوم التخليص المسيحي اليهودي، لأن الإسلام يعتبر حياة الإنسان على الأرض شيئاً إيجابياً، وينظر إلى الأمام من أجل تحقيق الإرادة الإلهية في المستقبل، والسعادة الحقيقية، وإن أقرب تعبير إسلامي عن العمل الناجح والتنمية السليمة هو الفلاح، فالإسلام يتحدث عن الأمة الإسلامية النشطة البناءة المسئولة الفعالة في التاريخ والتي هي بحق خير أمة أخرجت للناس في سعيها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.

ولقد عد الإسلام إذهاب العقل والتحذير من الكبائر التي يعاقب عليها بالحد الشرعي وذلك حفاظاً على كيان المجتمع البشري ونشاطه الفعال في خدمة التنمية والأهداف السامية للإنسان، وقد قصد الشارع الإسلامي بتعاليمه وتكاليفه وأحكامه المحافظة على الأمور الضرورية الخمسة للناس وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسل أو العرض، فكل ما يحفظ هذه الأمور الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأمور أو بعضها فهو مفسدة. لذا فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم المسكرات والمخدرات، لما فيها من الأضرار الفادحة والمفاسد الكثيرة التي تتولد منها وتنشأ عنها بالنسبة للفرد والمجتمع.

ويستوي في نظر الإسلام كل مسكر، لآن المسكر في اللغة الخمر وكل ما يسكر ويذهب بالعقل من الخمرة وما فيها معناها كالحشيش والأفيون والمواد النفسية من العقاقير التي قذفت بها الحضارة الغريبة. وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل مسكر خمر وكل خمر حرام " رواه أحمد، وأبو داود، ومادة خمر - عند العرب - تدور في الأصل حول السّتر ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها ورأسها، ومنه خمروا آنيتكم أي غطوها [2] .

ص: 298

فكل مسكر خمر مهما تعددت أشكاله وألوانه، ومهما وضع له الناس من مسميات وألقاب، فيدخل في ذلك كل ما ثبت إسكاره من أي مادة حتى ولو كانت خبزا وماء، كما روى عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت "لا أحل مسكرا وإن كان خبزا وماء ". وسواء كان نيئاً أو مطبوخاً، مأكولاً أو مشروباً، جامداً أو مائعاً، موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو لا. ويدخل في ذلك - بطبيعة الحال - الحشيش، والأفيون، والبيرة، والبوظة، والمواد المنومة barbiturates)) والمواد المنشطة (amphitamines) وكل ما يتعاطى لأغراض الكيف وتحقيق الشعور بالنشوة والراحة الموهوبة لأنها تضر الفرد والمجتمع على السواء، وذلك لأن تعاطيه يؤدي إلى أضرار مختلفة تتعلق بصحة الفرد البدنية والنفسية وقدراته وإمكاناته الإنتاجية، مما يؤثر على التنمية والرقي، ويعطل قوى الإعمار والإنشاء والبناء، ويتناقض مع كرامة الإنسان ومكانته السامية.

نظريات التنمية والتخلف:

والتنمية لغوياً معناها الزيادة أو الكثرة أو الارتفاع. نما المال بمعنى زاد وكثر، وتنمية الشيء تعني ارتفاعه من موضعه إلى موضع آخر ونمى ينمي ونمياً ونماء وينميه المال وغيره، زاد وكثر، ونمى الخضاب في الشعر أو اليد: ازداد سوادا، وأنمى إنماء الشيء: زاده فأنمى أي زاد، وأنمى الحديث: أذاعه ونشره، وأنماها الكلأ للإبل بمعنى سمنها، وانتمى البازي: ارتفع موضعه إلى موضع آخر.

ولقد أصبح اصطلاح "التنمية"من أكثر المصطلحات شيوعاً في مجالات الاقتصاد والاجتماع والتربية والثقافة والإعلام. والمقصود به رفع مستوى المجتمعات المتخلفة، ومساعدتها للتخلص مما تعانيه من أمية ومرض وفقر. وكرست هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة معظم جهودها للعناية بالتنمية، ودعم الجهود المحلية والدولية لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والحضارية في المجتمعات المتخلفة، والانتقال بها إلى مستويات أفضل وأرفع.

ص: 299

وقد قدمت عدة تفسيرات لأسباب التخلف، منها مثلاً التفسير الجغرافي الذي يؤكد أنصاره تفسيرهم للتخلف بأن عدداً كبيراً من الدول النامية يقع في المناطق المدارية والاستوائية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بينما تقع معظم الدول المتقدمة في المناطق المعتدلة، ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن بيئة الأراضي الاستوائية والمدارية ودرجة خصوبتها، وانتشار الأوبئة فيها، وأمطارها الغزيرة، وحشائشها الضارة تعوق التنمية الزراعية، كما أن حيواناتها هزيلة بسبب انخفاض القيمة الغذائية للمراعي، إذا قورنت بالثروة الحيوانية في البلاد الأوروبية والأمريكية.

غير أن الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية لا يمكن أن تكون وحدها بسبب التخلف بدليل أن بعض الدول النامية تقع في المناطق المعتدلة كدول البحر المتوسط وغيرها، وتحتكر هذه المناطق بعض المحصولات الهامة، وكم من دولة استطاعت أن تتقدم رغم ظروفها الجغرافية الصعبة.

وثمة نظرية أخرى تؤكد أن التخلف له أسباب اجتماعية تتمثل في ضعف قوى الإنتاج وتدهور المستوى العلمي، واكتناز الذهب، والاهتمام بالمظاهر الكاذبة كارتفاع المهور وإقامة الحفلات الباذخة حبا في المباهاة، وقد تتفتت الثقافة بفعل التعليم الأجنبي الذي يختلف عن التعليم الوطني في البلد الواحد، وتنقسم التربية إلى قسمين متنافرين أحدهما ديني والآخر علماني.

ص: 300

وهناك من يعزو التخلف إلى الجنس والعقيدة، ولكن ثبت مثلا أن اليابان وهي تضم سكانا من الجنس الأصفر قد حققت تقدماً هائلاً ذعرت له دول الجنس الأبيض، كما سجل التاريخ للصين والهند وغيرهما حضارات زاهرة. وكثيراً ما يتبجح المفترون بزعم أن الإسلام سبب تخلف الدول المؤمنة به، وهو تعصب أعمى يكشف عن الحقد الدفين منذ مئات السنين، فالإسلام هو الذي عالج قضايا الدنيا والدين، وهو الذي حدد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية تحديداً ينهض دليلاً على الرقي والتقدم، ووضع للعمل والإنتاج قيمة كبرى. وإذا كان المسلمون متخلفين في بعض مجتمعاتهم، فإن ذلك لا يرجع إلى الإسلام، بل إنه على العكس من ذلك يرجع إلى إهمال الدين وعدم التمسك بتعاليمه السمحة البناءة.

وهناك نظرية حديثة ترجع أسباب التخلف إلى الاستعمار. فالدول الاستعمارية استطاعت خلال عشرات السنين أن تحدث تنميتها وتقدمها على حساب المواد الأولية من البلدان التي استعمرتها، وبسيطرتها على التجارة الخارجية للمستعمرات، وجعلها سوقا لمنتجاتها، وبحرمان شعوب المستعمرات من فرض التقدم.

يقول القائد الهولندي "كوين"الذي غزا جاكرتا: "ألا يستطيع أي رجل في أوربا أن يفعل بماشيته ما يشاء؟ هكذا يفعل السيد هنا برجاله الذين يعتبرون بكل ما يملكون ملكاً خاصاً للسيد شأنهم في ذلك شأن البهائم في الأراضي المنخفضة - أي هولندا!! ".

ص: 301

وقام الأسبان في أمريكا اللاتينية بما قام به الفرنسيون في شمال أفريقيا. لقد أهملت الطرق التي شيدها الوطنيون عن عمد لأن أسبانيا كانت تريد تقسيم المستعمرات وحكمها على أساس المبدأ الاستعماري المعروف: فرق تسد. ولهذا جعلت المواصلات والطرق تمتد من الداخل إلى الساحل، ومن الساحل إلى الوطن الأم، إنه نفس الأسلوب الفرنسي في شمال أفريقيا، والأسلوب الإنجليزي في الدول الإسلامية. لقد كان المسافر من القاهرة إلى الجزائر لابد أن يطير إلى باريس أولا، وكان قصد المستعمر دائما هو تفتيت الوحدة بين أصحاب العقيدة الواحدة، وخلق منازعات على الحدود عندما يرحل.

الاستعمار والمخدرات:

وأخطر ما لجأ إليه الاستعمار هو استخدام المسكرات والمخدرات ليفت في عضد الشعوب، وقتل مواهبها، والقضاء على نشاطها، لقد أغرقت بريطانيا الصين بالأفيون، والأسبان هم الذين أدخلوا المخدرات في أمريكا اللاتينية في القرن السادس عشر. وكان الهولنديون سببا في دخول المخدرات إلى جنوب أفريقيا في القرن السابع عشر مع الخمور الرخيصة المهلكة لصحة الشعب الزنجي، وبذلك يكون الحشيش والأفيون والخمور قد انتقلت مع الغزو الاستعماري والهجرات البشرية المصاحبة للمستعمرين والغزاة الذين عملوا على نشره بين الأهالي الأصليين كوسيلة للقضاء عليهم، ولتعطيل التنمية في بلادهم، أو على الأقل لامتصاص قواهم الذهنية.

ص: 302

ولقد عرفت إسرائيل هذه الحقيقة، فأخذت تروج هذه السموم بين العرب، وخاصة إبان نكسة 1967 وما بعدها، وعلى سبيل المثال فقد ضبط في القضية رقم 29 جنايات غارب سنة 1968 ما مقداره 498 كيلوجراما من الحشيش و53 كيلوجراما من الأفيون، وضبط في القضية رقم 57 جنايات غارب سنة 1968 ما مقداره 484 كيلوجراما من الحشيش، وضبط في القضية رقم 92 جنايات غارب سنة 1969 ما مقداره 508 كيلوجراما من الحشيش و172 كيلوجراما من الأفيون، وضبط في القضية رقم 10 جنايات الغردقة سنة 1970 ما مقداره 971 كيلوجراما من الحشيش، وضبط في القضية رقم 69 جنايات الغردقة سنة 1970 ما مقداره 894 كيلوجراما من الحشيش و589 كيلوجراما من الأفيون، وضبط في القضية رقم 121 جنايات الغردقة سنة 1970 ما مقداره 798 كيلوجراما من الحشيش و294 كيلوجراما من الأفيون.

وثبت أن هذه الكميات كلها قد هربت عن طريق خليج السويس. أما عن طريق قناة السويس فإن الكميات المهربة لا تقل خطراً، ففي القضية رقم 258 جنايات عتاقة سنة 1967، كان المضبوط 986 كيلوجراما من الحشيش و326 كيلوجراما من الأفيون، وفي القضية رقم 153 جنايات عتاقة سنة 1968، كان المضبوط 812 كيلوجراما من الحشيش و414 كيلوجراما من الأفيون، وفي القضية رقم 441 جنايات السويس سنة 1967، كان المضبوط 245 كيلوجراما من الحشيش و93 كيلوجراما من الأفيون، وفي القضية رقم 19 جنايات عسكرية الإسماعيلية سنة 1968 كان المضبوط 220 كيلوجراما من الأفيون [3] .

ص: 303

وقد كشفت التحقيقات أن بعض تلك المخدرات كانت مخلوطة بسموم قاتلة، وملوثة بجراثيم أوبئة فتاكة، فاجتاحت المناطق التي وزعت فيها أمراض خطيرة، فالمخدرات وسيلة مدمرة في يد العدو أكثر فتكا من الأسلحة، لأن سمومها تنتشر في أبدان الشعب ببطء، ودون صخب أو انفجار أو دوي، بل الأدهى من ذلك أن أبناء الشعب يحملونها إلى إخوانهم وأبنائهم، كما أن خطرها باق في الأجيال اللاحقة لأن تأثير المخدرات على الأجنة في بطون أمهاتهم أمر ثابت ومعروف نتيجة التعاطي.

أخطار المخدرات:

إن الدول الاستعمارية وإسرائيل تعمل على تعويق التنمية، وتعطيل قوى العمال والفلاحين والطلاب والموظفين، فقد اتضح من الأبحاث التي أجراها العلماء وقام بها الأطباء أن الآثار المباشرة للتخدير تعمل على تخفيض الإنتاج كما ونوعا، سواء عقلياً أو آلياً، كما تبين أن نقص الإنتاج وانخفاض مستواه، يزدادان بزيادة كمية المخدر المتعاطاة، وهذه النتائج تؤيدها المظاهر النفسية التي لوحظت على الأشخاص موضع التجربة والتي تدل على التعويق الذي يمر به الفرد أثناء العمل وتحت تأثير المخدر.

وتدل نتائج البحوث التي أجريت على الأفيون ومشتقاته أن آثار هذه المخدرات الصحية والنفسية تصيب الوظيفة الإنتاجية للأفراد بضرر شديد. ومن أهم آثار الأفيون على الشخصية: العصبية والحساسية الشديدة والتوتر الانفعالي، وسوء الخلق وعدم الاكتراث والإهمال وانخفاض مستوى الإنتاج، وضعف القدرة على التكيف والتوافق الاجتماعي، والتدهور الخلقي، والتخلف الاقتصادي، وكل ذلك يفضي إلى التعطيل والبطالة والطفيلية، ويدفع المدمنين إلى الانزلاق في مهاوى الجريمة كالنصب والاحتيال وخيانة الأمانة والدعارة والسرقة، والانزلاق في تجارة المخدرات وترويجها.

ص: 304

ويكفي لكي تدرك خطورة المخدرات أنه في أوائل الخمسينات من هذا القرن قدرت الأمم المتحدة عدد المتعاطين للحشيش في العالم بحوالي 300 مليون نسمة، مع أن هذا التقرير تقريبي وغير دقيق لصعوبة الوصول إلى أعداد من يمارسون هذه العادة الذميمة، والتي تحرمها معظم المجتمعات، وعلى الرغم من أن هذا الرقم قديم مضى عليه أكثر من ثلاثين عاما، إلا أن له دلالته الخاصة على مدى شيوع المخدرات وانتشارها. وتشير الإحصاءات أن معظم المتعاطين في العالم الإسلامي، كما أن الدول المنتجة أيضا تقع معظمها في العالم الإسلامي، مع أنها دول نامية في أمس الحاجة إلى يقظة أبنائها وجهودهم المخلصة من أجل التنمية والتقدم وتحسين الأحوال المعيشية.

المخدرات في العالم الإسلامي:

فقد كانت زراعة الأفيون بتركيا هي المصدر الرئيسي الذي تغذي حركة الاتجار غير المشروع في الشرق الأوسط، وكان بعض الإنتاج التركي يصنع إلى باز مورفين على الحدود السورية التركية داخل مصانع بدائية، توطئة لنقلها إلى أوروبا لتحويله إلى مورفين وهوريين.

إلا أن بعض الأفيون الناتج في إيران وأفغانستان وباكستان أخذ يتزايد تهريبه يوماً بعد يوم إلى منطقة الخليج العربي مع العمالة المتزايدة المتجهة إلى هذه البلاد للقيام بأعمال العمران والتنمية.

ص: 305

وقد صرحت إيران بأنها قررت منع زراعة خشخاش الأفيون سنة 1955 ثم عادت سنة 1969 وصرحت بزراعته، مما أثار قلق الدول الأخرى، وكان المجتمع الدولي يطالب دائماً بالحد من زراعة الحشيش والأفيون. ففي تركيا مثلا كان الأفيون يزرع في 42 ولاية قبل سنة 1967، تناقص إلى 11 ولاية سنة 1969، ثم تسع ولايات 1970، لتصل إلى سبع ولايات سنة 1971، وكان مقرراً أن تنخفض إلى خمس ولايات سنة 1972، مع إدخال نظام التراخيص إلى أن وصلنا إلى الدورة الرابعة والعشرين للجنة المخدرات الدولية التي عقدت بجنيف (من 27 /9- 21/ 10/ 1971) وإذا بممثل تركيا يعلن قرار حكومته التاريخي الصادر في 29 يونية 1971 الذي يقضي بمنع زراعة الخشخاش وإنتاج الأفيون نهائياً داخل حدود تركيا اعتباراً من محصول خريف 1972.

إلا أن الإلغاء التركي إذا حقق في الإقلال من الأفيون التركي أو انعدامه في الأسواق، إلا أنه يخشى من ارتفاع الأسعار واتساع الزراعات في الدول الثلاث المجاورة لسد الفراغ، مما دفعها إلى المطالبة بالمساعدات الفنية والمادية لمواجهة الموقف وإحلال زراعات بديلة وتدعيم أجهزة الشرطة مع عقد الاتفاقيات فيما بينها للتصدي لمحاولات التهريب عبر الحدود المشتركة.

أما بالنسبة لإيران فلم يتحسن الموقف بالنسبة للاتجار غير المشروع: فالأفيون يتدفق من الحدود الشرقية والمورفين من الحدود الشمالية الغربية مع عصابات مسلحة مستخدمة كافة وسائل النقل، وشكلت الضبطيتان الرئيسيتان على الحدود الشرقية والتي بلغت إحداهما 12282 كيلوجراما والثانية 4224 كيلوجراما من الأفيون نسبة 80 % من مضبوطات عام 1973 كما ضبط ستة معامل لصنع الهيروين في أذربيجان وطهران، وتزداد هذه الكميات في السنوات الأخيرة [4] .

المخدرات والتنمية في لبنان:

ص: 306

وتتضح مشكلة التنمية وعلاقتها بالمخدرات بأوضح صورة في لبنان: فهو المصدر الرئيسي لتغذية العالم العربي والإسلامي بالحشيش، الذي يزرع بقضائي بعلبك والهرمل من محافظة البقاع، وتأتي المغرب في المرتبة الثانية لتغذية شمال أفريقيا وأوروبا الغربية. وقد بلغت الزراعات بالمغرب سنة 1968 ثلاثة آلاف هكتار، كما ضبط خمسون طناً من الحشيش وتم إتلاف 38 مليون شجرة.

ويتسرب إنتاج إيران وأفغانستان وباكستان والهند من الحشيش إلى دول الخليج العربي بكميات متزايدة مع العمالة الوافدة إلى تلك البلاد، أما السودان فيكتفي ذاتيا بإنتاجه في الجنوب.

وقد قام المشروع الأخضر اللبناني سنة 1966 بهدف إحلال زراعات بديلة عن زراعات القنب الهندي وأوردت مذكرة رسمية لهذا المشروع بأن قضية إحلال الزراعات المفيدة محل الزراعات غير المشروعة باتت بالنسبة للبنان قضية حيوية لأنها مرتبطة برسالته التاريخية وسمعته الإقليمية والعالمية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

ولكن اتضح أن المشروع يحتاج إلى رصف الطرق وتربية المواشي وإقامة مصانع الألبان وإنشاء المناحل وتربية الدواجن وزرع دوار الشمس والسمسم والفاكهة والذرة والبرسيم وفول الصويا والنباتات العطرية، وتوفير الميكنة الزراعية.

وقد استجابت جميع المنظمات الدولية لمد يد العون إلى لبنان، إلا أنه اتضح أن منطقتي الهرمل وبعلبك تعتبران الحشيش مصدراً رئيسياً للدخل، وأن توفير الماء ضروري للإنتاج الزراعي، كما اتضح أن رقعة زراعة الحشيش في ازدياد مستمر، ولما كان مردود دوار الشمس لا يقارن بمردود الحشيش، كما أن للمهربين وسائلهم الشيطانية في إغراء المزارعين، فقد أصبحت هذه المشكلة تهدد التنمية في لبنان وفي الشرق الأوسط بوجه عام [5] .

ص: 307

ولذلك يجب على العالم العربي أن يتعاون بسرعة لإيقاف زراعة الحشيش في لبنان، ومساعدة البلاد على التنمية الزراعية، ودعم الزراعات المفيدة، وتطبيق قوانين إتلاف الزراعات المحظورة.

مشاكل القات والتنمية:

لقد حظيت مشكلة القات باهتمام اللجنة الاستشارية بعصبة الأمم سنة 1935 ونوقشت بدوراتها المختلفة ثم أحيلت إلى منطقة الصحة العالمية حيث أصدرت لجنة من خبرائها تقريرها الثالث عشر الذي نشر سنة 1964 وتضمن "أن القات يشبه المواد من فضيلة الأمفيتامينات وأن الأعراض التسممية الناجمة عن الإسراف في المضغ تشبه تلك التي يسببها سوء استعمال الأمفيتامينات ".

وقد خرج ممثل الأمم المتحدة من الدراسات الميدانية التي أجراها بكل من صنعاء وعدن وزيارته لبعض الأراضي المزروعة بالقات وتفقده للأسواق التي يباع فيها والتي يقبل عليها المواطنون إقبالاً منقطع النظير، أن زراعة القات قد عادت على اليمن الشمالية بأضرار صحية واقتصادية ينبغي أن تكون موضع الاعتبار عند النظر في معالجة المشكلة المتعمقة الجذور.

وتتمثل بعض الأضرار الصحية لنبات القات في فقدان الشهية وسوء التغذية والتعرض للأمراض المعدية كالسل وإضعاف القدرة الجنسية لدى الرجال والتفكك الأسري وغير ذلك.

غير أن ما يسترعى النظر ما أبلغت به جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سكرتارية الأمم المتحدة من أنها لاحظت أن القات يستهلك مخلوطاً بمواد مخدرة أو منشطة أخرى - وأنها ضبطت ثلاث حالات كان القات فيها مخلوطاً بالمورفين، واثنتي عشرة حالة مخلوطا بالأفيون، وإحدى وعشرين حالة مخلوطاً بالموباريتال، وثلاث حالات بالمسكرات، وهذه ظاهرة جديدة لاستهلاك القات مخلوطاً بمواد مخدرة أكثر خطورة.

ص: 308

وتتضح خطورة المخدرات على التنمية إذا ما عرفنا أن اليمن كانت من أشهر مصدري البن الممتاز في العالم، ولكن طغت شجرة القات على شجرة البن بسبب إقبال المواطنين على "تخزين " أوراق القات ومضغها.

وشجرة القات تعمر عشرين عاماً، ولا تحتاج إلى أرض خصبة، وتصمد للآفات وفضلاً عن ذلك فهي تدر ألف ريال في العام، وتصدر أوراقها من صنعاء إلى عدن بما قيمته ثمانون ألف جنيه إسترليني شهرياً. إنه إغراء الشيطان الذي يلعب بالعقول! فشجرة البن موسمية لا تدر على صاحبها سوى ستين ريالاً سنوياً، ولا تنبت إلا في أرض خصبة، ولا تقاوم الآفات، واستيلاء الحكومة على جزء من المحصول كضريبة، يقابله إعراض اليمنيين عن تعاطي البن واستهلاك قشرته، مما أدى إلى انخفاض صادرات اليمن من البن إلى ثلاثة آلاف طن بعد أن كانت تصدر ستة عشر ألف طن سنوياً.

والنتيجة أن الجمهورية العربية اليمنية تخسر سنوياً ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون ساعة هو الوقت الهائل الذي يضيع على أبناء اليمن بسبب مضغ أوراق القات وتخزينه وهو وقت تتبين قيمته في التنمية المطلوبة لهذا البلد الإسلامي، فيصيب اقتصادها بخسائر فادحة، فضلاً عن ألف مليون ريال ثمناً للقات الذي يستهلكه المواطنون [6] .

والعجيب أن تأتي قوائم الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961، وقوائم اتفاقية المواد النفسية لعام 1971 خالية من إدراج القات الذي ثبتت أضراره الصحية والاقتصادية والاجتماعية على شعوب بأكملها. ولعل السبب في ذلك أن الهيئات الدولية تعتبر القات مشكلة إقليمية مقصورة على جنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقيا، وأن القات تمضغ أوراقه طازجة ولا يتحمل التصدير إلى مناطق أخرى بعيدة عن مناطق إنتاجه خشية ذبوله وضياع تأثيره الفعال.

ص: 309

ولقد وافق المشتركون في ندوة القادة الإداريين التي عقدت بصنعاء من 15 - 21 مايو 1972 على قرار ينص: "على اعتبار القات كارثة وطنية وتحريم القات بين كافة العاملين في الدولة واقتلاع أشجاره من أراضي الحكومة والأوقاف وامتناع وزارتي المواصلات والزراعة عن تقديم أي مساعدة لزراع القات ".

كما تقدم المكتب الدولي العربي لشئون المخدرات بمقترحات أهمها دراسة حجم المشكلة وأبعادها، وتشجيع وسائل الإعلام على معالجة المشكلة على كافة المستويات مستعينة بمنظمة اليونسكو وخبرتها في هذا المجال لبيان أضرار القات الصحية والاجتماعية.

كما اقترح دراسة إحلال زراعات بديلة يكون مردودها مجزياً وموازياً لمردود شجرة القات، وعلى رأسها شجرة البن التي اشتهرت بها اليمن منذ أقدم العصور، وإعفاء شجرة البن من الضريبة وتقديم دعم حكومي ودولي للزارعين، على أن تدخل اليمن منظمة البن الدولية لتستطيع الحصول على حصة تمكنها من تصدير محصولها للأسواق العالمية.

هذا بالإضافة لضرورة تنشيط البرامج الرياضية والثقافية وشغل أوقات الفراغ بالعمل الإيجابي البناء الذي يتناسب مع البيئة والظروف الاجتماعية، وأن يعني بخطة التنمية وتنفيذ برامجها بعزم لا يلين علاجاً لمشكلة القات، ودفعاً لخطرها الداهم على المواطنين الذين ينهضون بعبء التنمية.

الجهود الدينية والإعلامية:

وقد تكون آمال التنمية عريضة ضخمة، وإيقاع سريعاً لدرجة لا تتمشى مع قدرة بعض الناس، وهنا ينبغي أن نحذر عند تطبيق خطة التنمية، حتى لا يكون لها ضحايا من الذين تسول لهم نفوسهم المريضة، ونزغات الشيطان، وبطانة السوء التردي في هوة المخدرات لعدم إمكانهم ملاحقة التنمية في سرعتها أو في اختلافها الشديد عما عهدوه من عادات وأساليب في الحياة.

ص: 310

لذلك تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في التوعية، وتوفير مناخ عام مواتٍ للتغيير المنشود مع بيان أبعاده ونتائجه المرجوة. كما تعني التربية الدينية بخلق روح معنوية عالية في نفوس النشء لتحصينهم ضد التورط في الوقوع في التهلكة.

ولا شك أن تقوية الشعور الديني، وتربية الضمير الإسلامي، وتنشيط الضوابط الدينية والأخلاقية عن طريق تبيان موقف هذه من كل ما من شأنه التأثير الضار على العقل الذي هو عنوان قيمة الإنسان، خير سبيل لإعداد الشباب لمرحلة التنمية. والمخاطب دائما هو العقل الواعي الذي منحه الله تعالى للإنسان لاستئناس البيئة المادية والسيطرة عليها، كما سخرها الله له، ولكن هذه الطاقات الذهنية بحاجة دائمة إلى التوجيه والتدريب.

غير أن للإنسان خصيصة أخرى أساسية هي الاجتماع والتعاون مع الآخرين، وشخصية الإنسان تنمي عن طريق الأسرة والجماعة على أسس سليمة الشريعة الإسلامية الغراء، وبذلك تتحقق التنمية الإنسانية التي تكفل الاستقرار والطمأنينة والقدرة على التفكير الهادئ والارتقاء، وكسب الثقة بالناس بعد الثقة بالله سبحانه وتعالى، وكذلك الثقة بالنفس، لأن فقدان الثقة يؤدي إلى الانسحاب، والاستغراق في أنشطة سلبية وشاذة. لعلها أهمها وأخطرها تعاطي المخدرات.

ويقوم الإعلام بوسائله المتعددة من صحافة وإذاعة مسموعة وإذاعة مرئية بواجب تثبيت المثل والقيم والتشكيك في الأمور المنبوذة حتى تهتز وتنهار، وهو أسلوب فعال يمكن أن تكون له فعالية كبيرة مع انتشار وسائل الإعلام في العصر الحديث. ولابد من وضع برامج هادفة من أجل حماية المجتمع من شرور المخدرات، كهدف أصيل يتوجه إلى كافة المستويات الاجتماعية والفكرية.

ص: 311

ولما كان الفراغ يجر إلى الملل والسآمة، فلا بد من تمضية وقت فراغ الشباب بكل ما هو نافع لهم ومفيد لتربيتهم. وخاصة أثناء العطلات المدرسية، والإجازات الطويلة، مع العناية بالساحات الرياضية والأنشطة الثقافية.

المخدرات والأسرة:

ولا تنجح جهود التنمية في دولة ما دون أن ترتكز على دعم الأسرة، باعتبارها الخلية الرئيسية في البناء الاجتماعي ومن الثابت أن الشخصية الإنسانية تتكون جذورها في أحضان الأسرة، وتتأثر بالعلاقات الاجتماعية في نطاقها، وإن أي خلل فيها ينعكس بالضرورة على أفرادها، ويصيبهم بالأمراض النفسية والاجتماعية التي تعطل مسيرة التنمية.

ولا شك أن تعاطي المخدرات يشكل عبئاً ثقيلاً على اقتصاديات الأسرة وميزانيتها. حيث ينفق الوالد جل دخله، بل قد يقترض أحياناً إذا ما سقط فريسة للإدمان وخاصة الأفيون، للحصول على المخدر ومستلزماته، مما يؤثر بالطبع تأثيراً خطراً على الحالة المعيشية العامة للأسرة من النواحي السكنية والغذائية والصحية والتعليمية والأخلاقية، فلا يستطيع أفراد الأسرة الحصول على احتياجاتهم الأساسية اللازمة للمعيشة الكريمة.

وقد تضطر الأم للعمل، بل إنها قد تتعرض للتشرد والانحراف، وقد تصاب بأمراض خبيثة جسمية ونفسية، وقد ينحرف الأبناء ويتورطون في ارتكاب الجرائم، أو يقومون بأعمال غير مشروعة أو غير أخلاقية، وهكذا تأكل المخدرات ميزانية الأسرة، وتهلك روحها المعنوية، وتقضي على أخلاقها، وتعطل إنتاجها، وتشل نشاطها، فتصبح الأسرة عبئاً على التنمية وبدلاً من كونها عاملاً من عوامل تنشيطها ودعمها.

وإذا عرفنا أن تعاطي المخدرات أكثر انتشاراً بين الطبقات العاملة من العمال والفلاحين والصناع والحرفيين، لأدركنا مدى حجم الخسارة على مشروعات التنمية في العالم الإسلامي، وهي خسارة فادحة تصيب الأفراد والأموال والمجتمعات، وتهدد بتوقف عمليات التنمية وشللها.

ص: 312

ولما كان الإنفاق الكبير على المخدرات يعطل توفير الحاجات الضرورية لأفراد الأسرة، فإنه فضلاً عن ضعف الأطفال وهزالهم، وتعريضهم لأمراض سوء التغذية، وغيرها من الأمراض الخطيرة، فإن إشاعة روح عدم الاكتراث، وعدم تقدير المسئولية من جانب المتعاطي، مع إهمال الواجب، يعطي نموذجاً سيئاً لأفراد الأسرة، ويقدم لهم قدوة شريرة وغير أخلاقية، فلا ينشأ لدى الأبناء إحساس بأداء الواجب، ولا شعور بالمسئولية، فيشبون عالة على غيرهم، وطفيليين على مجتمعاتهم.

المخدرات والجريمة:

ويزيد الطين بلة تعاطي الأفيون، لأنه يؤدي إلى أمراض نفسية وخيمة، وعلل جسمية فتاكة، وتشجر الخلافات بين أفراد الأسرة، ويزداد الصخب بين الزوج وزوجته وأولاده، وقد يلجأ إلى العنف والضرب والسب والمقاطعة والمطاردة، ويمتد تأثير هذه الحالة الشاذة إلى خارج نطاق الأسرة ثم الجيران، فضلا عن الفضائح في نطاق العمل، فيتعطل الإنتاج، ويعم الخراب داخل الأسرة وخارجها.

وبالإضافة إلى هذه الآثار الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، تصاب الأسرة بحالات مختلفة من القلق والتوتر وعدم الاستقرار لوجود المخدرات - وهي محظورة بحكم الأنظمة - كما يسهر المتعاطون سهرات حمراء في البيوت ويحولونها إلى مواخير للفساد، وبؤر للشرور.

وقد ذكرت الغالبية العظمى من متعاطي المخدرات أنهم ليسوا على وفاق مع زوجاتهم، وفي هذا الجو المفعم بالانحراف، لا ينشأ شباب يعول الوطن عليه، بل تصدر هذه الأسر أشقياء صغاراً، ومجرمين ينخرون في عظام المجتمع كالسوس المهلك، ولا يمكن الاعتماد عليهم في تنفيذ خطط التنمية، لأنهم أنفسهم مشكلات تنتظر الحل، وتزيد المشكلات المتراكمة تعقيداً.

ص: 313

وحتى إذا أودع الأطفال دور الإصلاح أو رعاية الأحداث، ودخل الكبار السجون بعد ضبطهم يتعاطون المخدرات، فإن مصيبتهم تصبح أدهى وأمر داخل جدران السجون، حيث يتأثرون بمخالطيهم من السجناء، ويصبح السجن مرتعاً خصباً لتبادل الخبرات الشريرة وحافزاً لارتكاب جرائم جديدة بأساليب ماكرة خبيثة.

وكثيراً ما تلجأ العصابات الإجرامية إلى تجنيد أعضاء جدد من بين السجناء، فإذا أضفنا إلى ذلك ما يلقاه متعاطي المخدرات من معاملة شاذة بعد خروجه من السجن، إذ أنه يفقد عمله، ويتعرض لاحتقار زملائه، وازدراء أصدقائه، وتحفظ أقاربه إزاءه، لأدركنا مدى استعداده للسقوط في السلوك الإجرامي، فقد يلجأ إلى السرقة، أو الاختلاس أو التورط في عصابات الدعارة من أجل الحصول على المخدر - وهذه كلها تعطل مسيرة التنمية، وتشل حركة التقدم.

وكثيراً ما تكون عصابات المخدرات التي تقوم بالتهريب والاتجار غير المشروع والتوزيع متورطة في أنواع أخرى من الأنشطة الإجرامية، مثل المافيا، وهي عصابات ذات شهرة دولية تمارس نشاطها الإجرامي في إيطاليا وأمريكا اللاتينية وغيرها من الدول، وهي تستغل عبودية المتعاطي للمخدر، وعدم قدرته على شرائه، لإجباره على المشاركة في أعمالها الإجرامية وتدريبه عليها، كأن تجبر النساء على ممارسة البغاء أو الرجال على التهريب أو السرقة أو الاختلاس أو إخفاء المسروقات أو التجسس على أسرار بلادهم.

ضحايا التنمية:

إن التنمية تقوم على أكتاف الرجال الذين يعملون بجد ونشاط لبناء الحضارة، وهي تقوم على أساس من التفكير العلمي السليم والتخطيط المحكم الدقيق، والتدريب المستمر لكشف القدرات، وكسب المهارات، لأن الإنسان بطبيعته في حالة تطور دائم، ونمو لا يتوقف.

ص: 314

غير أن التجديد في ممارسة الحياة، كالانتقال من الحياة الرعوية إلى الصناعة، أو من الزراعة إلى الحياة الحضرية، أو تطوير المدن من الحارات الضيقة إلى الأحياء الفسيحة بشوارعها العريضة، ومواصلاتها المتقدمة، والانتقال من عصر الدواب إلى عصر البخار ثم الكهرباء فالذرة والطاقة الشمسية، كل ذلك لا يتم بسهولة ويسر، وإنما يتطلب تعليماً وتدريباً وتوافقاً، فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية تنطوي على أعباء ومسئوليات، وتتطلب واجبات واكتساب عادات جديدة ومهارات شتى.

وقد تقصر بعض الهمم دون بلوغ غاياتها المرموقة، فتؤثر السلبية والهروب إلى عالم الأحلام، أو التردي في الفكر الهدام، أو أخطر من ذلك تعاطي المخدرات.

ولا قيمة لتنمية يكون ثمنها ضياع الشباب وهلاك الإنسان، وأي تنمية لا تؤدي إلى خدمة الإنسان واستقراره ورقيه لا جدوى منها، لأن النهضة الناجحة تؤدي إلى سعادة الفرد والمجتمع. فإذا كان التصنيع يحمل في طياته خطر التحول من القيم المتكافلة المترابطة المتماسكة إلى حياة فردية متنافسة متدابرة، يحل فيها الصراع الطبقي محل التواد والتعاون والتآزر، فإن شره خطير ومستطير، ولا شك أن إهمال تعاليم الدين من أهم العوامل المؤدية إلى حالات الاكتئاب النفسي والضياع وفقدان الثقة، مما يؤدي إلى الارتماء في أحضان المخدرات.

ومن معوقات التنمية تلك الهوة السحيقة الفاصلة بين التطور التكنولوجي الصناعي الاقتصادي، والتطور الاجتماعي والنفسي، إذ أنه من السهل إقامة مصنع من المصانع المتطورة، أو استيراد آلة الكترونية معقدة، ولكن من الصعب توفير العمال والفنيين اللازمين لإدارة المصنع وتشغيل الآلات الدقيقة، مع المحافظة على استقرارهم وتكامل شخصياتهم.

ص: 315

ففي أثناء عملية التحول، يجد الناس مشقة في التوافق مع الحياة الجديدة، وأمام عجزه عن تمثل السمات الضرورية للعمل الحديث، واكتساب المهارات اللازمة له، قد يشعر بالإحباط، ويحس بالفشل، وعدم القدرة على التعامل مع الواقع الجديد، فيلجأ إلى استجابات تعويضية سلبية عاجزة، فينغمس في شرب الخمر، أو يسقط في هوة تعاطي المخدرات، التماساً لسعادة موهومة، وهروباً إلى هلوسة. تصوره عملاقاً عبقرياً، والآخرين أقزاماً عاجزين، فيضر بذلك نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته.

المخدرات والفئات العاملة:

لقد ثبت من الإحصاءات أن المخدرات تنتشر بين الفئات العاملة، وتجتاح الشباب والطلاب، ومن هنا ندرك خطورة المخدرات على التنمية، ومدى فداحة الضرر الذي يصيب الإنتاج نتيجة تعاطي المسكرات والمخدرات.

فبدلا من تدريب العمال وتعليم الشباب القدرة على الانضباط، ومراعاة الدقة المتناهية في العمل الصناعي والبحث العلمي، وتعويدهم على الإدراك الواعي السليم، يتعرضون لأذى المخدرات التي تورث تخلفاً في الإنتاج، واضطراباً في إدراك الزمن. واهتزازاً في إدراك الأصوات، وغموضاً في وضوح الرؤية، واختلالاً في إدراك الأحجام والألوان. فضلاً عن اضطراب في الذاكرة، وانخفاض كفاءة التفكير، وكل ذلك يطيح بجهود التنمية ويبدد آمال التصنيع والتقدم، ويشتت برامج التقدم ويعطلها.

وتدل الأبحاث التي أجريت على المدمنين في تونس على أنهم متدهورون في عملهم وتقل صلاحيتهم تدريجياً وثمة ارتباط وثيق بين حالات التدهور في القدرات العقلية وبين إدمان الحشيش في الحالات الخطيرة. أما الموظفون الذين عرفوا بالنشاط ورجال الأعمال الذين كانوا موضع ثقة، فإنهم يتأثرون في أخلاقهم وكفاءتهم الإنتاجية، ويتحولون بفعل المخدر إلى أشخاص يفتقرون إلى الطاقة المهنية والحماس والإرادة اللازمة لتحقيق واجباتهم العادية المألوفة.

ص: 316

والحشيش يجعل من الذين يتعاطونه أشخاصاً كسالى سطحيين غير موثوق بهم، ذوي اتجاهات خشنة، وكلها صفات لم تكن معروفة عنهم قبل التعاطي، وبالإضافة إلى ذلك يظهر الإهمال واضحاً في سلوكهم كما تنحرف مشاعرهم العادية ومداركهم العقلية ومعاييرهم الأخلاقية.

وفي دراسة أخرى حول متعاطي الحشيش بين أفراد الجيش الأمريكي، وجد أن الجنود المتعاطين كانوا يتركون معسكراتهم دون اكتراث ويذهبون لتعاطي الحشيش بالرغم من علمهم أن ذلك يعرضهم للمحاكمة العسكرية، مما يدل على الإهمال وعدم المبالاة.

المخدرات والشباب والجاسوسية:

ومما يؤسف له أن كثيرا من شباب الدول النامية يترددون في أوحال المخدرات، فيتأخرون ويؤخرون تنمية بلادهم، فبدلاً من العمل على إنجاز خطط التنمية وتنفيذ برامجها الإصلاحية، نجد أنهم يتعرضون لمخاطر الجهل والجوع والمرض، ويفسدون عقولهم ويخربون نفوسهم، ويعرضون حياتهم لأشد المخاطر، وينزلقون في مهاوي الجريمة، وبدلاً من الانخراط في العمل الإيجابي البناء، نجدهم يلوذون بالهروب والانسحاب باستخدام المسكرات والمخدرات.

وتكمن المأساة الحقيقية في أن الدول الإسلامية في مسيس الحاجة إلى طاقات أبنائها، وعقول شبابها، وسواعد رجالها من أجل البناء والتعمير والتشييد على نحو ما أمرهم الله تعالى به، بيد أن المخدرات تبدد الطاقات، وتعطل النشاط، وتعوق التنمية، وتصرف الناس عن الواقع، وتنأى بهم إلى عالم الأوهام والأحلام المريضة.

ولعل أخطر ما ألم بالشباب من مصائب تقليدهم لفئات تسمى (الهيبيز) في أوروبا وأمريكا، وفئات الاشتراكية الجديدة - وهؤلاء وأولئك يتخذون من تعاطي المخدرات تعبيراً عن التمرد، وأسلوباً للرفض والاحتجاج. فكأن تعاطي المخدرات أصبح مذهباً فكرياً يعتنقه الشباب الساخط في العالم الغربي والعالم الشيوعي، ثم يأتي شبابنا فيقع فريسة التقليد الأعمى ويسير على نهج هؤلاء الأشقياء.

ص: 317

ولقد استغل مهربو المخدرات إقبال الشباب على اعتناق هذه المبادئ الهدامة، فأوقعهم في حبائلهم واستغلوهم في تهريب المخدرات، وبذلك سقطوا بهم من جرائم الاستهلاك إلى جرائم الاتجار بالمخدرات، ولعنة الله على أولئك الذين يجعلون من تعاطي المخدرات من تعاطي المخدرات مذهباً له طقوسه التي تشبه الطقوس الوثنية، وتعرض تلك الطقوس على أشرطة الفيديو التي تهرب التي تهرب إلى العالم الإسلامي، فيقلدها شبابنا تقليداً أعمى.

وأنها حقا لكارثة مفجعة أفضت إلى كوارث أفظع. فلقد تحول أولئك الناس من دينهم ووطنهم إلى مذاهب غيرهم وأوطان أعدائهم، وبالتالي أضحى التأثير فيهم، وجرهم إلى خيانة أوطانهم أمراً ميسوراً، وذلك تحت تأثير المذاهب الوافدة، والأفكار المستوردة، والاتجاهات الرقيعة الهدامة.

وقد يؤدي الاتجار بالمخدرات وتعاطيها إلى إفساد إدارة الدولة، لأن إدخال المواد المخدرة ينطوي على إعداد وتخطيط من قبل العصابات السرية القوية التي قد تستعين في ذلك بما تملكه من مال وفير فيسقط في براثنها كبار الموظفين المكلفين حماية زمام الدولة. وعندما ينتقل الولاء للذين إلى مذاهب أخرى تحت إغراء المال الذي يجرف بعض الرجال ويهوي بهم إلى التفريط في الأمانة، ويتورط المسئولون في المشاركة الفعلية في تهريب المخدرات، فإنه يصبح فساداً ضاراً بكيان الدولة، ومهدداً لأمنها ومستقبلها.

وقد يتورط المسئولون في أعمال التجسس على أسرار بلادهم من خلال الترويح للمخدرات وتيسيرها وتهيئة مجالسها، وبذلك يتاح الجمع بين أفراد عديدين من فئات شتى وبلاد متعددة واتجاهات متنافرة، فيستطيع العدو أن يجند من الضعاف أمام المخدرات عملاء له في ظل سحائب الدخان القاتل المتصاعد من المخدرات المحترقة أو تحت تأثير المشروبات والأطعمة المحشوة بها، وذلك للحصول على أسرار تعرض الدول لأشد الأخطار.

ص: 318

وكثيراً ما تتطور صفقات تهريب المخدرات إلى صفقات تهريب الأسرار الأمنية والعسكرية إلى الأعداء، فإذا ما أثمر الإغراء بالمال ثمرته انتقلت الصفقات بعد ذلك إلى أهدافها الحقيقة: ألا وهي التجسس على الأوطان وخيانتها.

المخدرات أخطر معوقات التنمية:

يؤدي تعاطي المخدرات إلى إشاعة الجرائم في المجتمعات مثل البغاء والرشوة والاختلاس والفساد والتجسس، كما تنتشر في المجتمع الذي يستهدف التنمية أعمال غير إنتاجية كرعاية المدمنين في المستشفيات وحراستهم في السجون، ومكافحة المهربين وتجار المخدرات وكان الأولى بكل هؤلاء أن ينفذوا خطط التنمية العاجلة، لتلحق مجتمعاتهم النامية بركب الحضارة المتقدمة، ولكن المخدرات معوق هائل في طريق التنمية لأنها تتطلب تضخم عدد أفراد الشرطة وموظفي السجون والمحاكم، وكان من الممكن أن يتوجه هؤلاء لأعمال إنتاجية أو صحية أو توجيهية إيجابية.

ومعنى ذلك أن تعاطي المخدرات لا يشل قدرة الأفراد المدنين فحسب، وإنما يصيب بالشلل قطاعات كبيرة من المجتمع، كما يؤدي إلى إنفاق الأموال الكثيرة على العلاج والمكافحة، وكان من الممكن تغطية تكاليف التنمية، تلك الأموال من أجل الرقى والنهوض والتصنيع وإقامة المدارس وبناء المستشفيات وغيرها من الخدمات، وشق الترع والمصارف.

وإذا كانت هذه المخدرات تزرع في المجتمع الذي تستهلك فيه، فإن معنى ذلك إضافة جزء من الثروة القومية في الأرض التي كان من الممكن استغلالها في زراعة ما هو أنفع للمجتمع من المخدرات، ولكن المهربين وتجار المخدرات يقفون للتنمية بالمرصاد، ولا يريدون تحقيقها لأنها تضيع عليهم فرص الاتجار والزراعة المحرمة.

كلمة ختامية:

ص: 319

إن الوقاية خير من العلاج، ومن واجب العلماء أن يدركوا خطورة المخدرات على عقول الناس ونفوسهم، وأن يؤكدوا لهم دائماً أضرارها فشأنها في ذلك شأن الخمر، فالخمر كل ما خامر العقل وغطاه وغشاه، فهي كلها مسكرة، فما جاء في الوعيد على الخمر ينسحب على المخدرات أيضا لاشتراكها جميعا في إزالة العقل.

وقد رأينا أن الإنسان لا يستحق هذا الوصف إلا بالعقل والإدراك وبدونهما تستحيل التنمية ويتعذر التقدم. فالإنسان يعرف بعقله الخير من الشر، والنافع من الضار، والهدى من الضلال، وبه رفع الله شأن الإنسان وكرمه وفضله على كثير من خلقه، وخاطبه واستخلفه في الأرض ليعمرها وينميها، ولا تنمية بلا عقل، وكل ما يخمر العقل ويغطيه حرام شرعاً، فكل مسكر خمر، وكل خمر حرام. وقد اتفق علماء منظمة الصحة العالمية على إدراج الخمور والأفيون والعقاقير المؤثرة على النفس والعقل في قائمة واحدة، واعتبروها شروراً على الأفراد والمجتمعات، وهي نفس النظرة التي ينظر إليها علماء المسلمين إلى تلك المواد، والله ولي التوفيق.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

عبد الكريم الخطيب _ الإنسان في القرآن الكريم. دار الفكر العربي ص 27.

[2]

نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات _ رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة بالمملكة العربية السعودية.

[3]

لواء دكتور محمد نيازي حتاتة _ الاتجار بالمخدرات وأثره على الأمن القومي _ ص 170 _ 171.

[4]

تقرير المكتب العربي لشئون المخدرات الفصل الأول _ ص10 _ 11.

[5]

التقرير السابق _ ص17.

[6]

نفس التقرير _ ص _ 29 _ 30.

ص: 320

عِتَابٌ من الكبدْ

للشيخ عبد الله إبراهيم الأنصاري والدكتور أحمد مصطفى زهرة

مدير الشئون الدينية - وزارة التربية والتعليم بقطر - قسم الكيمياء بجامعة قطر

أخي الإنسان المكرم تعال معي بكل جوارحك لتسمع محاورة واقعية بين اثنين تكون سعادة أحدهما سعادة للثاني والعكس للعكس تعال واسمع.

إن تلك القطعة الحمراء الداكنة من اللحم الإسفنجي، والتي تزن حوالي كيلوجرام ونصف، وتحملها بين جنباتك، أينما ذهبت وحيثما حللت، والتي يطلق عليها العلماءُ اسم "الكبد"، هي الرفيق المخلص، وهي أكبر أعضاء جسمك من الداخل، وأكثر أعضاء جسمك وفاء وولاء لك.

ولو تخيلنا أن كبدك يتخاطب معك ويتعاتب فإنه ولاشك قائل لك:

* "أنا كبدك، أكبر أجهزتك الداخلية، تجدني دائماً في الجانب الأيمن من جوفك، تحميني ضلوعك اليمنى، ويمكنك أن تتحسسني في نهاية هذه الضلوع ".

* لقد أثبت العلم حديثاً وقديماً أني أقدم لك خدمات جليلة، وبانتهاء خدماتي تنتهي حياتك.

ألا تذكر يا صاحبي أن لغة الغزل هي جملة "يا بعد كبدي "؟

* لقد قال العلماء إني مختبر كيماويات وإني مخزن كبير ومصنع لتصنيع الأطعمة وحفظها، وكذلك لإنتاج ما تحتاجه من أغذية، وأنا حارس يقظ لكل أجهزتك، ولمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم.

* لقد قام الأطباء والعلماء بحصر شامل وإحصاء عام لوظائفي الحيوية فوجدوا أنها تزيد على خمسمائة وظيفة، ومازالوا يكتشفون الكثير.

فإذا كنت يا صاحبي تتقي الله في كبدك فأنا كبدك، أخفف عنك ما يتكبده كل جسمك من متاعب.

* فإذا ما تناولت طعاماً أو شراباً به نسبة من المواد الضارة أو السامة بطريق الخطأ، فإني أحاول جهد طاقتي أن أحتجزها فلا تذهب لباقي أجزاء جسمك، ثم أخلصك منها بعد ذلك بطرقي العجيبة، إن تركتني سليماً وحافظت على علاقات الصداقة بيني وبينك.

ص: 321

* أما إذا كنت ممن يتعاطون السموم متعمداً، خمراً كانت أم مخدرات! فإنك تسبب لي متاعب لا قبل لك بها.

ولا شك يا صاحبي أنك سمعت عمن ماتوا بسبب تليُّف الكبد!، لقد كان سبب ذلك إرادة ربك أن تتغلب علي الكحولات والمخدرات فأتوقف عن عملي ويموت صاحبي.

* ماذا تفعل بي الخمر؟. لقد أثبت البحث العلمي يا صديقي أن الخمور تزيد من طاقتي على اختزان الدهون بكثرة، بينما واجبي أن أختزنها بحساب دقيق: فأحرق منها جزءاً يمدك بالطاقة عندما تقوم بعمل شاق، ولكن زيادة الدهون عن طاقتي تسبب لي بداية مرض تليف الكبد.

* ولعلك لاحظت أن من يتعاطى الخمرة بانتظام، ولعدة أسابيع قد زادت شهيته للطعام، أو أصبح يأكل أكثر من المعتاد! وقد يبدو هنا تشجيعاً لك على تعاطيها!! ولكن دعني أهمس في أذنك شارحاً السبب لهذا التغير المؤقت.

في الواقع يا صاحبي، كما قلت لك، أنا أقوم بدور وزارة التموين وأيضا وزارة الصحة بالنسبة لك.

وفيما يختص بالتموين: فإني أقسم بعض أجزائي إلى مخازن أو مستودعات، ويمر علي الطعام المهضوم، بعد امتصاصه في الأمعاء فأختزن منه ما يزيد على حاجتك، كل شيء في مكانه المخصص له، فهنا مكان للسكريات وآخر للدهون وآخر للبروتينات وآخر للفيتامينات و

و.... الخ.

وإذا احتاج جسمك إلى أي مادة فسوف يرسل مخك إشارة إلى كبدك، يحدد فيها المكان ونوع المادة المطلوبة وكمياتها، فأقوم في الحال بإرسالها عن طريق قلبك، أما إذا حدث لك نقص عام في أي مادة فإني أنبهك إلى ذلك عن طريق معدتك، فتأكل كالمعتاد.

ص: 322

أما إذا كنت تشرب الخمر، أو ما يحتوي على كحول، فإني أصاب بحالة من اللخبطة، ولا أقدر على تمييز بعض المواد في طعامك وتزداد قدرتي على اختزان دهون أكثر فتملئ الأماكن المخصصة لهذه الدهون وكذلك أماكن أخرى كانت مجهزة ومخصصة لمواد غذائية وكيميائية أخرى، تمتلئ بدورها بالدهون الزائدة. وأصبح عاجزاً عن التوفيق بين متطلبات جسمك من مواد وغذاء وبين الزائد من الدهون. فأرسل إليك إشارات خاطئة، وأخطر معدتك لتتقلص وتدعوك لتناول مزيد من الطعام المتنوع، ولكن يا صديقي ما إن يتم هضم طعامك حتى أرفض اختزان كل ما تحتاجه منه لأني كما قلت لك أعاني من ضيق المكان فيذهب معظم ما تناولت من طعام إلى نفايات لا فائدة لك منها، وهكذا تتسبب الخمرة في فتح شهيتك، فتأكل كثيراً وتستفيد بأقل القليل مما تتناول. تماماً كسيارة تحرق البترول بكثرة ولا تمشي إلا بضعة كيلومترات قبل أن تتزود مرة أخرى بالوقود. فهل فهمت السبب؟ وهلا توقفت عن تناول الكحولات حتى تعطيني فرصة لأحرق لك معظم الدهون المختزنة وأمدك بالطاقة، اللازمة لنشاطك وحيويتك؟ وهل تمنحني الفرصة لأعمل من جديد أميناً على خزائن غذائك؟

* إنك يا صاحبي إن توقفت عن تناول الخمور والمسكرات، وكذلك أنقصت كمية الدهون في طعامك، فإني سأقوم بتنظيم العلاقة بين ما تتناوله وما تحتاجه من طعام، ولن أسمح للدهون بالزيادة في جسمك، وسأخلصك منها حتى لا تتسبب في انسداد شرايينك لا قدر الله، ويكون في ذلك مالا يحمد عقباه.

ص: 323

* دعني يا صاحبي أحكي لك قصة طريفة تحدث لي كل يوم ولا تشعر بها. بالطبع أنت تتناول من الحمضيات الكثير، وقد تتناول طعاماً أو دواء، وربما أعددت أدوية متعددة، بعضها قبل الأكل وبعضها أثناءه وبعضها بعد الأكل. لا بأس بذلك يا عزيزي ما دام الأمر يدعو إلى ذلك، ولكن قد يتسبب كل ما سبق في انفكاك ذرات الهدروجين وتتسرب إلى خلاياي وأغشيتي وفي هذا هلاكي، ولكن ربك منحني القدرة على استدعاء بعض الدهون المحتجزة في أماكنها لتقوم بأخطر عملية ذرية لم تستطع أنت ولا إخوانك العلماء محاكاتها في المختبرات، إنني أقوم بتصنيع مواد كيماوية أخرى تدخل في تركيبها الدهون مع ذرات الهدروجين مع مواد أخرى، وأحولها إلى مواد فيها سلام وشفاء لك من كل سوء، أقول لك إني أقوم بذلك عن طيب خاطر، طالما أنك لم ترسل إلي من الكحولات ما يعطلني عن أداء مهمتي وأعمالي.

* وتعال معي أحكي لك أيضا عن قصة الحلوى والسكريات بل والنشويات التي تتناولها.

ما من شك أن جسمك يحتاج دائماً إلى المواد السكرية، في كل دقيقة بل في كل ثانية، ولكنك لا تعرف بالضبط الكمية التي تحتاجها، والكمية التي يجب أن تظل في دمك ولا تقل أو تزيد عنها!. أنا كبدك أقوم في صمت شديد بمراقبة ما تتناول من السكريات والنشويات، وحينما يصلني فإني أتولى بنفسي تحويلها إلى مادة أخرى اسمها "الجليكوجين"، وأختزنها في مكانها المخصص لها عندي.

فإذا كنت في عجلة من أمرك، أو كنت تجري، أو تصعد السلم في منزلك فإنك ولا شك تحتاج إلى طاقة. فأقوم في الحال بتحويل الجليكوجين إلى سكريات أحادية أرسلها إلى دمك بحساب دقيق، ويقوم أخي البنكرياس بإفراز مادة الأنسولين وهذه تتسبب في حرق السكريات وتحويلها إلى طاقة تحتاجها أنت. كل هذا يتم في ثوان قليلة وكما قلت لك بحساب دقيق وبتعاون تام بين أجزاء جسمك المختلفة، لو كانت كلها دون خلل.

ص: 324

فإذا تناولت يا صاحبي المسكرات أو المخدرات فماذا يحدث في هذا المختبر الذي ينظمه خالقك وخالقي؟ إن الأمور تختلط علي، ويضيع جزء من مجهوداتي في محاولاتي احتجاز أكبر قدر من هذه السموم حتى لا تصل إلى دمك، ولكن هذه المسكرات، يصل جزء كبير منها إلى الدم قبل أن تمر على كبدك، ويصلني جزء كبير يمنعني عن تنظيم كمية السكريات في دمك، فلا أقوى على تحويل أو اختزان الزائد منها، وبذلك تزداد فرصة إصابتك بمرض السكري، وخصوصاً إذا لم يستطع أخي البنكرياس بدوره أن يساهم في حرق السكريات الزائدة.

* ومما لاشك فيه أن صاحبي ينمو جسمه كل يوم، فتتجدد خلاياه وتتغير تلك الخلايا التي تتلف، ودوري هنا أني أقوم بتصنيع ما تتناوله من بروتينات وتحويلها إلى مواد تدخل في بناء خلايا جسمك فأساعدك على تجديد حيويتك ونشاطك بإذن الله.

* هل تعلم يا صاحبي أني أختزن مركبات الحديد والنحاس وغيرها بين ثنايا كبدك؟

إنني أستخدم هذه المواد في صنع كريات الدم الحمراء عندما تحتاج لمزيد من الدم بعد عملية جراحية أو بعد نزيف. نعم يا صاحبي: أنا أزودك في دقائق بما فقدته من دماء إذا كنت تحافظ علي وتتركني أعمل دون كحولات. فأنا أرد لك الجميل وأنا مرتاح البال.

* أنا يا صديقي لا أمُن عليك، فأنا منك وبك، ولكني أود أن أذكر لك أن من أهم وظائفي التي ألزمني الله بها، أني أنتج لك كل يوم ما يزيد على لتر ونصف من مادة الصفراء، وأرسلها إلى جهازك الهضمي لتساعده على هضم الدهون وكذلك الفيتامينات الذائبة فيها. ومن حسن حظي أن الطب قد اعترف أخيرا بأني لست مسئولا عن مرض الصفراء، ولكنها مسئوليتك أنت إذا لم تحافظ علي.

ص: 325

* والآن يا عزيزي، هل تعلم أنه إذا جرح أحيانا موضع بجسمك، فإن الأوامر تصدر إلي فوراً من المخ تقول لي، "يا كبد فلان، هناك نزيف في المكان الفلاني يتدفق منه الدم". وسرعان ما أفرز مادة خاصة من مئات المواد التي أصنعها واسمها "الفيبرينوجين"وأرسل بها عبر أوعيتك الدموية إلى مكان النزيف، بالإضافة إلى كيماويات أخرى، تتحدد مع بعضها ويساعدها الهواء، فتقوم بعملية سد الجرح في الحال وتمنع عنك الميكروبات أو التلوث أو الموت نزفاً.

* هناك يا صاحبي مئات الخدمات أقوم بها وأقدمها لك كل دقيقة إن حفظتني من السموم. ودعني أذكرك ببعضها وأدقَّها جميعا.

لا شك أنك لا تدري أني أقوم بإفراز مضادات حيوية طبيعية. فأرسلها إلى دمك لتهاجم الجراثيم والميكروبات وخلافة لتقضي عليها فوراً، ولا أتركها تتكاثر فتقضي علينا.

وأخيراً يا صديقي فأنت تشرب الشاي، والقهوة وتتناول العقاقير المسكنة أو العقاقير المنبهة أو المنشطة، أو الأدوية دون استشارة طبيب. ولكني أقوم في مختبراتي بمجهود ضخم، وبما منحني الله من قدرة على العمل، أحول دون تراكم هذه السموم في جسمك، وربما أحولها إلى مواد غير سامة وأرسلها فوراً إلى زميلتي، كِلْيتَك، فتقوم هاتان الكليتان بالتخلص من هذه المواد الزائدة أو الضارة.

وبعد يا صاحبي. هذا قليل من كثير مما أقدمه لك. ومازلت أقدم لك الكثير. وحتى لو اقتطع الجراح جزءاً مني، فأنا كبدك أخفف عنك ما تكابد. وسوف أقدم لك خدماتي كاملة لأني أُضاعف من جهدي بما يتبقى سليماً مني.

وتعال يا صاحبي نتفق سوياً، ونعقد معا معاهدة صداقة وعدم اعتداءٍ.

ص: 326

فإذا لم تكن أكذوبة المدنية الحديثة قد أغرتك بتناول الخمور، وإذا لم يكن أقران السوء قد مهدوا لك طريق الانغماس في تعاطي الكحولات، وإذا كنت قوي الإرادة، متمسكاً بفضائل دينك، فإني أشكرك من كل "كبدي"وأعاهدك أن أظل وفياً مخلصاً مادمت قد ابتعدت عن طريق الإثم الكبير، ولكن!.. قد يهمس شرير في أذنك، أن قليلا من الخمر يصلح المعدة، أو أن الكحول يزيل الآلام، وينسيك الهموم، ولكني أقول لك بأمانة أن الكحول مخدر وقتي أي أن مفعوله مؤقت وقد يسكن الألم إلى حين، ولكنه يعاودك أشد ألماً، بالإضافة إلى ما تتركه المسكرات من آثار تتراكم على مر السنين وتسبب لي التليّف والتوقف.

ورجائي لك إن كنت ممن يتعاطون المسكرات أو المخدرات، أن تتوقف قبل ف5وات الأوان، ولا تيأس من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، وأعدك، رغم ما سببته لي من تعطيل وآلام، أن أضاعف جهدي، وأبذل أقصى طاقتي لخدمتك، وأن أستخدم ما تبقى مني دون تليَّف. بفعل الخير. أستخدمه بأقصى كفاءة لأعوضك ما فاتك من خدمات جسمانية. وأن أحاول بعون الله أن أخلصك من آثار أم الخبائث مادمت على عهدك محافظاً، وعن الخمور والمحرمات مبتعداً.

بارك الله لك في عقلك، حتى تقرأ وتصدق وتتعظ، وجعلك الله "ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه".

صديقك المخلص كبدك

السم المرخص بتداوله في العالم..!

إن الكحول هو السم الوحيد بتداوله على نطاق واسع في العالم كله، ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله ولذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية، ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية، ومرضها. أما الجرعة الواحدة من الكحول قد تسبب التسمم وتؤدي: إما إلى الهيجان. وقد تؤدي إلى الغيبوبة. أما شاربو الخمر المزمنون فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون.

رئيس قسم الأمراض النفسية بجامعة لندن

ص: 327

سبيلُ الدَّعوة الإسلاميَّةِ للوقايةِ من المسكِراَت والمخدّرات

للدكتور جمعة الخولي

رئيس قسم الدعوة بكلية الدعوة وأصول الدين

وضع الإسلام جملة من الوسائل التي تعمل على تنقية الفطرة من الأوشاب والأوضار التي تعكر صفاءها، أو تطمس معالم الحق فيها، وتحرص على حماية الإنسان من كل ألوان الخبائث التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

وقد سلكت الدعوة في تحقيق هذه الوسائل وفي تربية النفس البشرية على حب الطيبات من المطاعم والمشارب والأعمال، والإقبال عليها، وعلى بغض الخبائث من هذه الأنواع والبعد عنها، سلكت منهجا قويماً جديراً بالتأمل والاعتبار.

وقبل أن نبين الطريق الذي سلكته الدعوة قديما وتسلكه حديثا لتجنيب أتباعها خطر المسكرات والمخدرات وكل ما من شأنه أن يضر بالإنسان ويورث غضب الله.

قبل ذلك نعرف بالمسكرات والمخدرات..

أولا: المسكرات:

المسكرات جمع مسكر، وهي تطلق في اللغة على كل ما يغطي العقل ويخرجه عن طبيعته المميزة الواعية، قال صاحب القاموس المحيط: سكر كفرح.. نقيض صحا.. والسكر محركة: الخمر، وكل ما يسكر [1] وقال الجوهري: السكران خلاف الصاحي [2] .

أما في اصطلاح الشريعة فالمسكر كل ما من شأنه الإسكار بلا تفريق بين شكل المسكر أو مظهره، ودون نظر إلى المادة التي أخذ منها سواء كان عنبا أو حنطة أو شعيرا أو غير ذلك، سائلا كان أو جامدا، وآياً كانت طريقة تناوله شربا أو أكلا.. بذلك جاءت الأحاديث والآثار..

في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"[3] ، ولفظ مسلم"كل مسكر حرام"دون تفريق بين نوع ونوع.

وقال:" كل شراب أسكر فهو حرام"[4]"دون تفريق أيضا"

كما قال عليه الصلاة والسلام"وإني أنهاكم عن كل مسكر"[5] .

ص: 328

ولما نزل تحريم الخمر في القرآن الكريم فهم الصحابة رضوان الله عليهم من ذلك تحريم كل ما يسكر نوع دون اعتبار للمادة التي أخذت منه، فما كان مسكرا من أي نوع من الأنواع اعتبروه خمرا ويأخذ حكمه، سواء كان ذلك موجودا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم أو ظهر بعده، وسواء وجد في عصرنا أو يظهر في المستقبل، وسواء سمي باسمه حقيقة، أو بغير اسمه.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:"إن تحريم الخمر نزل وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير"ثم قال: والخمر ما خامر العقل [6] .

فكأنه قال: الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل في أي زمان ومكان، أي غطاه وخالطه ولم يتركه على حاله.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سأل النبي عن شراب من العسل يقال له النبيذ: وشراب من الشعير يقال له المزر، وكانت تصنع باليمن فقال عليه الصلاة والسلام:"كل مسكر حرام"[7] .

أي: بأي اسم، أو من أي مادة وماهية، ولا عبرة بالأسماء فالأسماء لا تغير الحقائق، وكل ما كان فيه إسكار فهو حرام.

كما روي عن السيدة عائشة قولها:"لا أحل مسكرا وإن كان خبزا أو ماء"[8] .

وقال ابن رجب الحنبلي:"قالت طائفة من العلماء وسواء كان هذا المسكر جامدا أو مائعا، وسواء كان مطعوما أو مشروبا، وسواء كان من حب أو تمر أو لبن أو غير ذلك"[9] .

وقبل أن يذكر ابن رجب ذلك يقول:"إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"كل مسكر حرام"على تحريم جميع أنواع المسكرات"ما كان موجودا منها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما حدث بعده" [10] .

كما سئل ابن عباس عن الباذق فقال: سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، فما أسكر فهو حرام، يشير إلى أنه إن كان مسكرا فقد دخل في هذه الكلمة الجامعة العامة" [11]

ص: 329

والباذق: شراب كان معروفا عندهم وهو معرب من الفارسية، قال ابن الأثير: هو بفتح الذال، تعريب باذه، وهو اسم الخمر بالفارسية [12] .

ومعنى سبق محمد الباذق، أي سبق حكمه أو سبق قوله فيها وفي غيرها من جنسها، وبهذه الاعتبارات السابقة في معنى المسكرات فإن اسم الخمر يطلق على كل المسكرات، لأن الاشتراك في الصفة يقتضي الاشتراك في الاسم أيضا، وإلى ذلك الإشارة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق:"كل مسكر خمر"كما روى عن النعمان بن بشير أنه عليه الصلاة والسلام قال:"إن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن التمر خمرا، ومن العسل خمرا، وأنا أنهاكم عن كل مسكر مسكر"[13] .

هذا.. وإذا كان البعض ذهب إلى تخصيص الخمر بعصير مواد معينة كالتمر والعنب مثلا، وما عداهما فلا يحرم إلا القدر المسكر، فإن ما سبق من أدلة ونصوص يكفي بعضهم في الرد عليهم.

ولعل مما استدل به هؤلاء حديث"الخمر من هاتين الشجرتين، النخلة والعنبة"[14] لكن الحديث ليس على إطلاقه، وإنما هو مبنى على الغالب الموجود، أو الأهم الأكبر، كما في حديث"الحج عرفة"أي أهمه ومعظمه.

فليس في الحديث ما يشير إلى نفي الخمر من غيرهما قال القرطبي: "ثبت بالنقل الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه _ وحسبك به عالما باللسان والشرع _ خطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس: ألا إنه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، ثم قال: والخمر ما خامر العقل"وهذا بين ما يكون في معنى الخمر، يخطب به عمر بالمدينة على المنبر بمحضر جماعة من الصحابة، وهم أهل اللسان، ولم يفهموا من الخمر إلا ما ذكرناه، وإذا ثبت هذا بطل مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وإنما يسمى نبيذا [15] .

ص: 330

وساق ابن رجب حديث"كل شراب مسكر فهو حرام"عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال:"نقل ابن عبد البر إجماع أهل العلم بالحديث على صحته وأنه أثبت شيء يروي عن رسول صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر ثم قال:"وأما ما نقله بعض فقهاء الحنفية عن ابن معين من طعنه فيه فلا يثبت ذلك عنه، وخرج مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مسكر حرام"وإلى هذا القول ذهب جمهور من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمطار وهو مذهب مالك والشافعي والليث والأوزاعي وأحمد وإسحق ومحمد بن الحسن وغيرهم، وهو ما أجمع على القول به أهل المدينة كلهم وخالف فيه طوائف من علماء أهل الكوفة وقالوا: إن الخمر إنما هو خمر العنب خاصة، وما عداها فإنما محرم منه القدر الذي يسكر ولا يحرم ما دونه، وما زال علماء الأمصار ينكرون ذلك عليهم" [16] .

ونعود فنقرر _ ما قرره جمهور الفقهاء وهو الصحيح _ أن كل ما من شأنه أن يسكر يعتبر خمرا ولا عبرة بالمادة التي أخذت منه، فما كان مسكرا من أي نوع من الأنواع فهو خمر شرعا ويأخذ حكمه، يستوي في ذلك ما كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو العسل، أو ما كان من غير هذه الأشياء [17] .

يقول الإمام ابن تيمية:"إن الله حرم الخمر لأنها توقع بيننا العداوة والبغضاء وتصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، كما دل القرآن على هذا المعنى، وهذا المعنى موجود في جميع الأشربة المسكرة لا فرق في ذلك بين شراب وشراب، فالفرق بين الأنواع المشتركة من هذا الجنس تفريق بين المتماثلين، وخروج عن موجب القياس الصحيح كما هو خروج عن موجب النصوص"[18] .

ما أسكر كثيره فقليله حرام:

وإذا كانت الشريعة قد اعتبرت كل مسكر حراماً دون اعتبار للمادة التي أخذت منه فقد اعتبرت أيضا أن القليل منه كالكثير..

قال صلى الله عليه وسلم:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"[19] .

ص: 331

وقال:"ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام"[20] وفي رواية"الحسوة منه حرام".

أي ما أسكر الكثير منه فالجرعة منه حرام، والفرق _ بفتح الفاء وسكون الراء أو فتحها إناء _ يسع ستة عشر رطلاً [21] إن قليل الخمر يدعو إلى كثيرها، والكأس منه تنادي على أختها، وتغري بغيرها وهكذا حتى الإدمان.

وروى ابن عجلان عن عمرو بن شعيب حدثني أبو وهيب الجيشاني عن وفد أهل اليمن أنهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن أشربة تكون باليمن فسموا له البتع من العسل والمزر من الشعير قال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسكرون منها؟ قالوا: إن أكثرنا منها سكرنا، قال: فحرام قليله ما أسكر كثيره" [22] .

ثانيا: المخدرات:

الخدر _ بالكسر _ ستر يمد للجارية في ناحية البيت، وخدر الجارية أهلها إذا ستروها وخدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة، والخدر الكسل والفتور [23] .

ويجمع هذه المعاني اللغوية كلها أن المخدر يطلق على كل ما يورث الكسل والضعف أو الفتور والاسترخاء ومن معانيه أيضا الستر والتغطية. وبذلك يلتقي المعنى اللغوي مع المعنى الشرعي للمخدرات.. إذ أن الفقهاء يذهبون إلى أن المخدر هو تلك المادة التي يترتب على تناولها كسل وفتور، أو تغطية العقل من غير شدة مطربة، ذلك أن من شأن الإسكار بنحو الخمر أنه يتولد عنه النشاط والطرب والعربدة والحمية، ومن شأن السكر بنحو الحشيشة أن يتولد عنه أضداد ذلك من تخدير البدن وفتوره ومن طول السكوت والنوم وعدم الحمية [24] .

أنواع المخدرات:

تنقسم المخدرات إلى قسمين:

أ _ مخدرات طبيعية.

ب _ مخدرات صناعية أو كيماوية.

فالمخدرات الطبيعية هي المواد الخام التي تستخلص من النباتات المخدرة مثل:

1 _

الأفيون ومشتقاته، ويستخرج من ثمار نبات يسمى"أبو النوم".

2 _

الكوكايين، الذي ستخرج من شجرة الكوكا.

ص: 332

3 _

الماريجوانا، الذي يستخرج من نبات الخشخاش والقنب الهندي.

4 _

البنج، نبات يسمى في العربية شيكران، أو سيكران.

5 _

الحشيشة، من ورق القنب الهندي.

6 _

القات، وتنتشر زراعته في اليمن، والبنقو وينتشر في السودان.

وهناك أنواع أخرى ذكرها العلماء مثل جوزة الطيب والجنزفوري والداتورة وغيرها [25] .

والمخدرات الصناعية هي التي تصنع في المعامل وتقدم في شكل حبوب أو كبسولات أو حقن.. وأخطرها عقاقير الهلوسة المسماة بعقار إل، سي، دي الذي يؤثر تأثيراً كبيرا على الذاكرة والسلوك، ويؤدي إلى اختلال الشخصية وعدم توازنها.. ويلجأ المتعاطون إلى المخدرات الصناعية كبديل للمواد المخدرة الممنوعة إشباعا لرغباتهم في هذه المواد، وتهربا من عقوبة إحراز المخدرات، أو عجزا عن الحصول على المخدرات الطبيعية كالأفيون والحشيش لارتفاع سعره، أو ندرة وجوده أو صعوبة الحصول عليه.

وهكذا لم يعد تعاطي المخدرات مقصورا على المخدرات التقليدية، وإنما تجاوزتها لتشمل العقاقير المصنعة منها للاعتبارات السابقة أو غيرها.

حكم المخدرات:

يعرف السكر بأنه"غيبة العقل من تناول خمر أو ما يشبه ذلك [26] ولما كانت المخدرات تحدث نفس الأثر الذي تحدثه المسكرات فإنها تدخل تحت هذا التعريف وتأخذ حكمها، وما جاء في الوعيد على الخمر يأتي في المخدرات كذلك لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشرع حفظه وسلامته. ولذلك يدخل تحت التعريف السابق للمسكرات كل أنواع المخدرات إلا ما استعمل منه في التطبيب والعلاج كما سيأتي بيانه ونسوق الآن الأدلة على حرمة المسكرات من جوانب ثلاث.

الأول: من السنة النبوية الشريفة:

روى أبو داود في سننه من حديث شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" [27] .

ص: 333

والمفتر: هو المخدر الذي يورث الفتور والخدر في أعضاء الجسم، وإن لم ينته إلى حد الإسكار [28] .

والفتور هو الأثر البارز لتناول المخدرات.

وعليه فإن كل مادة يثبت إسكارها أو تخديرها أو تفتر الجسم أو العقل ينطبق عليها الحكم بالتحريم آيا كانت مادتها أو اسمها، طالما أن جوهرها مسكر أو مفتر بناء على ما ثبت عن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر.

فالنهي عن تناول شيء يدل على تحريمه، وقد نهى عن المسكر ثم عطف عليه المفتر وصيغة العطف تقتضي اشتراك المعطوف على المعطوف عليه في الحكم لأن القاعدة عند المحدثين والأصوليين أن النهي إذا ورد عن شيئين مقترنين ثم جاء النص على النهي عن أحدهما حرمة أو غيرها أعطى الآخر ذلك الحكم، وقد ذكر المفتر مقرونا بالمسكر في الحديث، وبما أنه قد تقرر حرمة المسكر استنادا إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين فيجب أن يعطى المفتر حكمه.

قال العلقمي في شرح الجامع حكى أن رجلا من العجم قدم القاهرة وطلب دليلا على تحريم الحشيشة وعقد لذلك مجلساً حضره علماء العصر، فاستدل الحافظ زين الدين العراقي بحديث أم سلمة "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" فأعجب الحاضرين قال: ونبه السيوطي على صحته، واحتج به ابن حجر على حرمة المفتر ولو لم يكن شرابا ولا مسكرا [29] .

قال ابن رجب:"واعلم أن المسكر المزيل للعقل نوعان، أحدهما ما كان فيه لذة وطرب فهذا هو الخمر المحرم شربه،

ثم قال: وادخلوا في ذلك الحشيشة التي تعمل من ورق العنب وغيرها مما يؤكل لأجل لذته وسكره، ثم ساق حديث أم سلمة السابق.

ص: 334

الثاني: ما يزيل العقل ويسكره لا للذة فيه ولا طرب كالبنج ونحوه، فقال أصحابنا إن تناوله لحاجة التداوي به وكان الغالب منه السلامة جاز.. وإن تناول ذلك لغير حاجة التداوي فقال أكثر أصحابنا كالقاضي وابن عقيل وصاحب المغني إنه محرم لأنه سبب إلى إزالة العقل لغير حاجة فحرم شرب المسكر، وروى حبيش الرحبي _ وفيه ضعف عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا"من شرب شرابا يذهب بعقله فقد أتى بابا من أبواب الكبائر"[30] .

وقال ابن تيمية في فتاويه:"من العلماء من حرم كل مسكر بطريق القياس إما في الاسم وإما في الحكم، وهذه الطريقة التي سلكها طائفة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، يظنون أن تحريم كل مسكر إنما كان بالقياس في الأسماء أو القياس في الحكم، والصواب الذي عليه الأئمة الكبار أن الخمر المذكورة في القرآن تناولت كل مسكر، فصار تحريم كل مسكر بالنص العام والكلمة الجامعة لا بالقياس وحده، وإن كان القياس دليلا آخر يوافق النص، وثبتت أيضا نصوص صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم كل مسكر، وبعد أن ساق ابن تيمية بعضا من الأحاديث التي سبق أن ذكرناها قال: وعلى هذا فتحريم ما يسكر من الأشربة والأطعمة كالحشيشة المسكرة ثابت بالنص وكان هذا النص متناولاً لشرب الأنواع المسكرة من أي مادة كانت من الحبوب أو الثمار، أو من لبن الخيل أو من غير ذلك"[31] .

ويقول في مكان آخر:"كل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل نشوة ولا طرب فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين [32] .

الثاني: من القواعد العامة في الشريعة:

من القواعد المقررة في الإسلام أن كل ما أضر الجسم أو العقل فهو حرام.

وقد ثبت أن المخدرات تحمل من الأخطار والمفاسد الدينية والدنيوية الكثير..

ص: 335

يتحدث الإمام ابن تيمية عن بعضها فيقول:"كفى بالرجل شرا أنها تصده عن ذكر الله وعن الصلاة إذا سكر منها، وقليلها وإن لم يسكر فهو بمنزلة قليل الخمر، ثم أنها تورث من مهانة آكلها ودناءة نفسه وانفتاح شهوته ما لا يورثه الخمر.. فهي بالتحريم أولى من الخمر لأن ضرر آكل الحشيشة على نفسه أشد من ضرر الخمر، وضرر شارب الخمر على الناس أشد"كما ذكر أنها تورث قلة الغيرة وزوال الحمية حتى يصير آكلها إما ديوثا، وإما مأبونا، وإما كلاهما، وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلقا كثيراً مجانين، ومن لم يجن منها فقد أعطته نقص العقل، ولو صحا منها فإنه لابد أن يكون في عقله خبل" [33] .

كما يسوق ابن حجر الهيثمي بعض هذه الأضرار التي ذكر أنها تبلغ مائة وعشرين مفسدة دينية ودنيوية منها"تعرض البدن لحدوث الأمراض، تصدع الرأس تورث النسيان تورث اختلال العقل وفساده وتذهب الحياء والغيرة وإتلاف الأموال والوقوع في المحرمات تورث الرعشة، ولها آثار ضارة على الكبد

الخ ما ذكره" [34] .

كما يذكر فريد وجدي في دائرة معارفه أن الحشيش الذي يستعمله الناس للتخدير هو عصارة القنب الهندي وهو مخدر مفقد للإحساس مضر بالمجموع العصبي ضررا بليغا جدا ونتيجته الطبيعية الجنون بأشد حالاته وتدخينه عادة مرن عليها بعضهم واستناموا لها استنامة لا فواق منها، وهم في الحقيقة جانون على أنفسهم وعائلاتهم جناية ليس وراءها" [35] .

وإذا كان هذا ما ذكره بعض علماء المسلمين منذ سنوات طويلة، فإن التقارير العلمية الحديثة والأبحاث الطبية تؤكد هذه الأضرار للمخدرات وتزيد عليها. يذكر تقرير صادر عن لجنة المخدرات بالولايات المتحدة الأمريكية أن الآثار المباشر للتخدير تتخلص في الآتي:

ص: 336

ارتعاشات عضلية _ زيادة في ضربات القلب _ سرعة في النبض _ شعور بسخونة في الرأس _ دوار _ برودة في الأطراف _ شعور بضغط وانقباض في الصدر _ اتساع في العيون _ تقلص عضلي _ قيء في بعض الحالات _.

ويضيف التقرير بأن هذه الاستجابات قد تزيد في شدتها تبعا للحالة التي تنتهي بالنوم [36] ويزيد بعض الباحثين الأمريكيين آثارا أخرى مثل: جفاف بالفم مع التهاب بالحلق _ عدم توازن حركي في الجلوس والمشي _ دوار ودوري بالأذن _ انخفاض ضغط الدم _ إحساسات جسمية خاطئة أو وهمية كشعور بطول الأطراف [37] .

كما ذكر الدكتور عبد العزيز شرف تحليلا علميا لما تحدثه المخدرات في الجهاز العصبي للإنسان فكان مما قال:"إن المخ يحوي سلسلة من المراكز العصبية الهامة التي تتحكم في الشخص وحركاته وسكناته وتفكيراته، وتتخلص هذه في:

1 _

مراكز عليا ويتميز بها الإنسان عن الحيوان، وهي مراكز تتعلق بالخجل والإحراج التي لولاها لفعل الإنسان ما يفعله الحيوان، وكذا هناك مراكز للخوف والهموم والتقدير السليم للوقت والمسافات والأشكال وغيره.

2 _

مراكز الوعي والانتباه وهذه تحكم في اليقظة والنوم ولها علاقة قوية بالحواس الخمس التي بإخمادها وضعفها يتم النوم أما تنبيهها فيحدث اليقظة والوعي.

3 _

مراكز الحركة ومنها الكلام، وهذه إن اختلت اختل معها المشي والكلام.

4 _

مراكز الحواس الخمس، وهي مراكز السمع والبصر والحس والذوق والشم، ولها علاقة متينة بمراكز الوعي والانتباه التي تعتمد عليها تماماً.

هذا ويعتمد المخ كذلك في وظائفه على مراكز الوعي والانتباه والحواس الخمس فإذا اختلت هذه اختل المخيخ وجاء الجسم بحركات غير متزنة.

ص: 337

فإذا ما أخذ الإنسان مخدرا أو مسكرا تتأثر به هذه المراكز وتلك الوظائف المخية بترتيب رقمها كما هو مذكور بدرجة تتوقف على كمية المسكر أو المخدر، وأول المراكز تأثيراً هي المراكز العليا للخجل والإحراج والتقدير وخلافها، وهذه إذا ما خمدت بالمخدرات مثلا فلا خجل ولا خوف ولا إحراج ولا تقدير للأشياء، وبهذا قد تنمي الفوارق الإنسانية وتظهر الجرأة في الحركات والغلظة في الأقوال، ويسود اعتقاد القوة والبطش.. فتنقلب إنسانية المتعاطين إلى حيوانية باطشة لا تقدير للعواقب ولا للوقت والمسافات والأشياء، فيظن الثواني ساعات، والأمتار أميالاً، والنمل أفيالا وضعفه قوة، وغباءه ذكاء، ومهاراته نكات فينساق وراء تلك المظاهر الخداعة الكاذبة بدون مخ يسيطر عليها ولا حكمة توقفه عنها حيث المراكز العليا المتحكمة في ذلك قد خمد سلطانها عليه.

أما الدور الثاني في تأثير المخدرات والمسكرات فيظهر أثره بعد تعاطي كميات منها أكبر مما يؤثر على المراكز المخية الثابتة، وهي ما تتحكم في وعي الإنسان وحواسه وانتباهه، وهذه إذا ما تأثرت وخمدت بالمخدرات صارت خاملة غير قادرة على استيعاب التنبيه الخارجي، ومن هنا يبتدئ النظر والسمع وغيرهما من الحواس في الاضطراب مما يسبب خمولا وكسلا في وعي الإنسان وانتباهه ويميل إلى الوحدة والخمول غير قادر على الحركة والاتزان والكلام فيثقل لسانه غير مبال بما حوله (مسطول) وهذه تدفعه إلى نوم عميق قد يفيق منه بعد مدد تتوقف على الكمية المأخوذة.

ص: 338

وإذا ما زادت الكمية زادت الأعراض السابقة وتأثرت الدورة الدموية، وكذا التنفسية، واضطراب القلب، مما قد يؤثر على المدمن ويقضي عليه إذا لم يسعف في الوقت المناسب، وهذا هو أخطر أدوار السكر والتخدير، وكثير من المدمنين يصلون إلى هذه الدرجة، وذلك لأن التعود على المخدر قد يجعل المدمن يتناول كميات أكثر ثم أكثر إلى أن يصل إلى الحد الذي يتأثر به الجسم تأثيرا قد يقتله" [38] .

هذه بعض الأضرار المترتبة على تعاطي المخدرات، ولما كانت قواعد التشريع في الإسلام تؤكد على حرمة كل ذي ضرر كما جاء في الحديث"لا ضرر ولا ضرار"فقد حرم الإسلام المسكرات لما فيها من ضرر مؤكد.. ولما حرمت الشريعة الخمر لم تحرمها لذاتها، بحيث لا يقاس عليها، ولم تحرمها لأنها عصير لنوع معين من المشروبات أو المأكولات، وإنما للأضرار الكثيرة المترتبة على تناولها وخاصة فيما يتعلق بضررها على العقل _ آلة التمييز الإنساني _ ولذلك حرمت كل ما في حكمها فحرمت المخدرات لضررها الذريع بجسم الإنسان وعقله وماله وبيئته كلها وبهذا أجمع فقهاء الإسلام الذين ظهرت في عهدهم كما سيتضح في النقطة التالية.

ثالثا: إجماع المتأخرين من الفقهاء:

قرر فقهاء الإسلام الذين ظهرت في عهدهم المواد المخدرة على حرمتها وحرمة الاتجار بها وعقوبة من تناولها، وذلك بعد أن تبين لهم أضرارها السيئة على الإنسان وظهر ذلك في كلامهم..

يقول صاحب الدر المختار:"ويحرم آكل البنج والحشيشة والأفيون لأنه مفسد للعقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وزاد في رد المحتار نقلا عن ابن البيطار وإن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم"[39] .

ص: 339

وقال الصنعاني:"إنه يحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروبا كالحشيشة"[40]، كما أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الرابع والثلاثين من فتاويه في بيان حكم الحشيشة فكان مما قال: هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر، والسكر منها حرام باتفاق المسلمين، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب، ثم قال: ومن كان يستحل ذلك جاهلا فإنه ما يعرف الله ورسوله وأنها محرمة، والسكر منها حرام بالإجماع.. وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين

وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة، وإنما يتناولها الفجار لما فيها من النشوة والطرب، فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك، والخمر توجب الحركة والخصومة، وهذه توجب الفتور والذلة، وفيها مع ذلك فساد المزاج والعقل، وفتح باب الشهوة، وما توجبه من الدياثة مما هي من شر الشراب المسكر [41] .

ويقول العلامة الحطاب: "وأما ما يغطي العقل فلا خلاف في تحريم القدر المغطى من كل شيء وما لا يغطي من السكر [42] وقال في مكان آخر

إذا تقرر ذلك فللمتأخرين في الحشيشة قولان: هل هي من المسكرات أو هي من المفسدات مع اتفاقهم على المنع من آكلها، فاختار القرافي أنها من المخدرات، قال: لأني لم أرهم يميلون إلى القتال وإلى النصرة، بل عليهم الذلة والمسكنة، وكان شيخنا الشهير بعبد الله المنوفي يختار أنها من المسكرات لأنا رأينا أن من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها ولولا أن لهم طربا لما فعلوا ذلك" [43] .

ص: 340

ثم وهذا ابن حجر الهيثمي _ وهو فقيه شافعي _ من علماء القرن العاشر الهجري يؤكد حرمة الحشيش بقوله"عد ما ذكر _ يقصد الحشيشة والأفيون وجوزة الطيب _ ونحوها من الكبائر ظاهرة، وبه صرح أبو زرعة وغيره كالخمر بل بالغ الذهبي فجعلها كالخمر في النجاسة والحد ومال في ذلك إلى ما قدمته عن الحنابلة وغيرهم قال: وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة، وكلاهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة إلى أن قال وبكل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر لفظا ومعنى"[44] .

وهكذا نجد اتفاق الفقهاء وإجماعهم على تحريم كل مخدر ومغيب للعقل، ويحكي هذا الإجماع ابن حجر بقوله:"وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة، قال ومن استحلها فقد كفر [45] "وإنما لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة لأنها لم تكن في زمانهم كما قال ابن حجر وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول السابعة حين ظهور دولة التتار [46] .

ولا يعترض بأن هذا إجماع المتأخرين من الفقهاء، لأن هذه المخدرات لم يظهر تناولها في زمن الصدر الأول من فقهاء الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة، ولو ظهرت في عهدهم لما ترددوا في القول بحرمتها استنادا إلى ما في الشرع من أدلة ونصوص تحرم المسكرات والمضرات، وشمول تلك النصوص الواردة في تحريم الخمر والمسكرات للمخدرات أيضا على أساس أنها مخدرة أو مسكرة، أو بالقياس على الخمر بعلة الإسكار، واستنادا إلى ما هو ثابت بقاعدة مقررة في الشريعة الإسلامية وهي تحريم كل ما يسبب ضررا للإنسان في جسمه أو عقله أو خلقه، وقد ثبت مما قرره الفقهاء وأيدته الدراسات الطبية والعلمية الحديثة ضرر المخدرات وخطرها الذريع على الأفراد والجماعات فيكون تعاطيها محرماً لما يترتب عليها من أضرار.

التداوي بالمسكرات والمخدرات:

ص: 341

أفاد الفقهاء بأنه لا يجوز التداوي بالمسكرات استنادا إلى ما ورد في السنة من نصوص صحيحة تحرم التداوي بالخمر والمسكرات وتصفها بأنها داء لا دواء كما سيأتي بيانه في طرق الوقاية من أضرار المسكرات والمخدرات.

وأما التداوي بالمخدرات فهذا ما نعرض لآراء الفقهاء فيه، ثم نسوق نتيجتها في النهاية..

قال المالكية والأحناف والشافعية بجواز التداوي بالمخدرات وهذه مواطن أقوالهم:

في الشرح الصغير"يجوز التداوي بالحشيش والأفيون والسيكرن في ظاهر الجسد"[47] وفي حاشية الدسوقي"قال ابن فرحون: والظاهر جواز أكل المرقد لأجل قطع عضو أو نحوه، لأن ضرر المرقد مأمون، وضرر العضو غير مأمون"[48] وفي المبسوط للسرخسي"البنج لا بأس بأن يتداوى به الإنسان"[49] . وفي حاشية ابن عابدين"أكل قليل السقمونيا والبنج مباح للتداوي [50] وفي المجموع"استعمال النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة يحرم أكله ويجوز استعماله في الدواء وإن أفضى إلى السكر ما لم يكن منه بد [51] .

كما يرى ابن حزم جواز التداوي بالمخدرات أيضا لأن التداوي بالمحرم بمنزلة الضرورة عنده وقد قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} [52] .

أما الحنابلة فقد سئل الإمام ابن تيمية عن التداوي بالخمر ولحم الخنزير وغير ذلك من المحرمات هل يباح للضرورة أم لا؟ وهل الآية {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} في إباحة ما ذكر أم لا..

ص: 342

فأجاب: لا يجوز التداوي بذلك بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر يتداوى بها فقال أنها داء وليست بدواء، وفي السنن أنه نهى عن الدواء بالخبيث، وقال:"إن ال له لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها.." ثم قال: وليس ذلك بضرورة فإنه لا يتيقن الشفاء بها كما يتقين الشبع باللحم المحرم، ولأن الشفاء لا يتعين له طريق من الأدوية وبغير ذلك، بخلاف المخمصة فإنها لا تزول إلا بالأكل" [53] ومعروف أن ابن تيمية يذهب إلى أن"هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات، وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر" [54] .

والنتيجة التي يمكن التوصل إليها أنه لا يجوز التداوي بالمحرم وكل خبيث إلا أن التخدير الآن بات أمرا أساسيا في إجراء العمليات الجراحية، وعليه فلا مانع من القول بإباحة استعمال البنج المخدر المعروف الآن في المستشفيات والمستخدم في شئون العلاج والتطيب، ولا يسوغ أن نقول بمنعه الآن لأن في استعماله واستخدامه مصلحة محققة وغرضا شرعيا صحيحا، ثم إن كثيرا من الفقهاء كما رأيت من أقوالهم لا يمنعون من التداوي بالمخدرات عموما.

أما تعاطي المخدرات وتناولها أكلا أو شربا فنحن مع ابن تيمية في القول بمنعه، وهناك بدائل كثيرة يمكن استخدامها في مجال العلاج، وقد قيل من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلا على مرض قلبه [55] .

الحكمة في تحريم المسكرات والمخدرات:

ص: 343

لم يضيق الله على عباده واسعاً، ولم يحرمهم طيباً.. وإنما أباح لهم من طيبات الحياة وخيراتها ما يزيد عن حاجتهم ورغائبهم.. وكم في الأرض من خيرات وكنوز وزروع. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (البقرة آية 168){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة آية 172){فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (النحل آية 114) .

ومن رحمة الله بعبده أنه يصونه مما يضره ويحميه مما يتلفه ولذا حرم عليه ما يعود بالضرر على بدنه أو نفسه أو عقله أو ماله، كالخمر وسائر المسكرات والمخدرات..

ولقد كشف البحث الإنساني أضرارا بالغة من وراء تعاطي شيئا من هذه الأشياء المحرمة جعلت محمد فريد وجدي يقول:"لو عمل إحصاء عام عمن في مستشفيات العالم من المصابين بالجنون والأمراض العضالة بسبب الخمر، وعمن انتحر أو قتل غيره بسبب الخمر، وعمن يشكو في العالم من آلام عصبية ومعدية بسبب الخمر، وعمن أورد نفسه موارد الإفلاس بسبب الخمر، وعمن تجرد من أملاكه بيعا أو غشا بسبب الخمر.. لو عمل إحصاء بذلك أو ببعضه لبلغ حدا هائلا تجد كل نصح بإزائه صغيرا"[56] .

وحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول:"اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر"[57] .

و"لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر"[58] و"الخمر أم الخبائث"[59] .

وتأمل كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم الجامعة العامة"مفتاح كل شر"وقوله"أم الخبائث"لتدرك أن شرب الخمر مفتاح لمصائب فادحة وكرب جسام.

وكذلك كل مادة يثبت إسكارها أو تخديرها للعقل ينطبق عليها نفس الحكم الذي تقرر للخمر..

ص: 344

ومن حق الله تعالى وهو المنعم المتفضل بالخلق والرزق أن يتعبد عباده بما يشاء من التكاليف دون أن يسأل عما يفعل، فذلك حق ربوبيته جل وعلا، لكن من رحمة الله بخلقه ولطفه بهم أنه جعل التحريم يتبع الخبث والضرر فما يعود علينا بالمصلحة والفائدة أحله، وما يعود بالخبث أو الضرر حرمه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة آية 220) .

{يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَات} (المائدة آية 4) .

فالله لم يحل إلا الطيب النافع ولم يحرم إلا الخبيث الضار، ولهذا كان من أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم عند أهل الكتاب أنه {أْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف آية 157) .

ثم إنه من لطف الله ورحمته أيضا بخلقه أنه ما حرم عليهم شيئا إلا أعطاهم البديل الواسع والعوض الطيب الذي يسد مسد الحرام ويغني عنه.

ص: 345

قال الإمام ابن القيم:"ما حرم الله على عباده شيئا إلا عوضهم خيرا منه، كما حرم عليهم الاستقسام بالأزلام وعوضهم منه دعاء الاستخارة، وحرم عليهم الربا وعوضهم منه التجارة الرابحة، وحرم عليهم القمار وأعوضهم منه أكل المال بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام، وحرم عليهم الحرير وأعوضهم منه أنواع الملابس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن، وحرم عليهم الزنا واللواط وأعوضهم منها النكاح الحلال بصنوف النساء الحسان، وحرم عليهم شرب المسكر وأعوضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن، وحرم عليهم سماع آلات اللهو ومن المعازف والمثاني، وأعوضهم عنها بسماع القرآن والسبع المثاني، وحرم عليهم الخبائث من المطعومات وأعوضهم عنها بالمطعومات الطيبات.. ومن تلمح هذا وتأمله هان عليه ترك ما حرمه الله ونهى عنه، وعرف حكمة الله ورحمته وتمام نعمته على عباده فيما أمرهم به ونهاهم عنه، وفيما أباحه لهم، وأنه لم يأمرهم به حاجة منه إليهم، ولا نهاهم عنه بخلا منه تعالى عنهم، بل أمرهم بما أمرهم ‘حسانا منه ورحمة، ونهاهم عما نهاهم عنه صيانة لهم وحمية [60] فلك الحمد ربنا على ما أنعمت وأوليت {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة آية 6) .

كيف قضى الإسلام على الخمر وسائر المسكرات:

نلقي نظرة سريعة على المنهج الذي سلكته الدعوة في البداية للقضاء على الخمر في المجتمع الإسلامي، وكل مسكر من شأنه أن يضر بالمسلمين.

ص: 346

نظرا لأن السكر والإدمان كانا من العادات المتأصلة في المجتمع الجاهلي فإن الإسلام لم يفاجئ المسلمين بتحريم الخمر، وإنما أخذ بأيديهم خطوة، خطوة في الطريق الذي أراده الله لهم، وصار يحرمها عليهم بالتدريج، فبدأ أولا بتحريك الوجدان الديني في نفوس المسلمين نحو هجر الخمر والابتعاد عنها، وذلك حين أشار إشارة خفيفة مضمونها أن الخمر والميسر {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} وفي ذلك إيماء للعاقل بترك هذا المشروب الذي إثمه أكبر من نفعه.. لذلك تركها قوم لما فيها من الإثم الكبير وشربها آخرون حيث لم تمنع الآية.

وقال عليه الصلاة والسلام عقبها"إن ربكم يقدم في تحريم الخمر".

ثم حدث أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ودعا إليه عددا من الصحابة فأكلوا وشربوا وسكروا، فلما حضرت الصلاة صلى بهم عبد الرحمن بن عوف - وفي رواية أخرى علي بن أبي طالب - فقرأ قل يا أيها الكافرون، فخلط فيها فنزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [61] .

ومعلوم أن أوقات الصلاة متقاربة، لا تكفي الأوقات التي بين كثير منها للسكر والأفاقة، ولا شك أن في ذلك تضييقاً لفرص التعاطي وكسراً لعادة الإدمان التي مرنوا عليها.

ومدمن الشراب إذا اجتاز الوقت الذي اعتاد الشراب فيه وتكرر ذلك منه فترت حدة العادة عنده وسهل عليه التغافل عن الشراب وتركه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام بعدها أن ربكم يقرب في تحريم الخمر [62] .

ص: 347

ولما وصل المسلمون إلى هذه الدرجة كانت نفوسهم قد تهيأت لقبول النهي الجازم عن شربها حتى قال عمر رضي الله عنه"اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"فنزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة آية 90، 91) . فقال الصحابة: انتهينا يا رب.. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهتف: ألا إن الخمر قد حرمت فلا تبيعوها ولا تبتاعوها فمن كان عنده منه شيء فليهرقه، فلبث المسلمون زمانا يجدون ريحها في طرق المدينة من كثرة ما أهرقوا منها.

وقد جاء النهي بصيغة"فاجتنبوه"وهو لفظ أبلغ في التحريم من غيره، إذ أنه ينهي حتى عن مجرد الاقتراب من الشراب ومجالسه.. ولذلك جاء في الحديث"لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه"[63] .

أما الوسائل التي يمكن اتخاذها الآن لوقاية المجتمع الإسلامي من خطر المسكرات والمخدرات فيمكن إيجازها في الآتي:

أولا: تعميق الاحترام لأمر الله ونهيه:

ص: 348

ذلك أن الإنسان إذا اعتقد بكمال رحمة الله، وحكمته فيما خلق وقدر، وفيما أمر ونهى رضي بكل تعاليم هذا الإله وأحكامه، وتقبلها بقبول حسن، وسارع إلى تنفيذها دون ضجر أو حرج ودون تحايل على القانون أو هرب منه، لأنه يدرك تماما أن الله"حكيم خبير""رحمن رحيم"وأنه أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأن رحمته سبقت غضبه، وأن دينه {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَة} وأن أحكامه {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وفيها {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} إذا اعتقد الإنسان بكل ذلك سارع إلى مرضاة الله بكل قناعة ورضا وأقبل على ربه بكل وجدانه وجوارحه، تماما كما جاء في وصف المؤمنين {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} .

وبذلك يكتمل إيمانه ويسلم دينه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .

إن إشاعة هذا الاحترام لله ولكتابه وسنة نبيه وتعميقه له الأثر الكبير في المسارعة إلى تنفيذ ما أمر الله، واجتناب ما نهى، ظاهرا وباطنا سرا وعلنا.. ولو مع القدرة على المخالفة، وإليك الأمثلة:

سبق أن رأيت أن شرب الخمر كان عادة متأصلة في المجتمع الجاهلي إلى حد الإدمان، ولما جاء الإسلام أخذ يتدرج معهم في تحريمها، فلما كانت الخطوة النهائية ونزلت آية التحريم وفيها {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} سارع المسلمون دون تلكؤ أو تكاسل إلى كسر دنان الخمر، وإراقة زقاقها، وكانت ما أكثرها في بيوتهم حتى ذكر أنهم استمروا أياما يشمون رائحتها في الشوارع من كثرة ما أريق..

لكن بكلمة واحدة من ربهم الواحد.. قالوا انتهينا يا رب.. وذلك لاحترامهم الزائد للوحي الإلهي، وتقديسهم لأحكامه.

ص: 349

قارن بين هذا الموقف وبين ما أرادته الولايات المتحدة من تخليص مواطنيها من شرب الخمر، فأصدرت قانون تحريم الخمر سنة 1930م وأنفقت في سبيل الدعاية له من الأموال والجهود ما يفوق الوصف، واستعانت بكل وسائل الإعلام حتى قدر ما أنفق على الدعاية لهذا القانون خمسة وستون مليونا من الدولارات.. وكتبت آلاف الصفحات في مضار الخمر وعواقبه..

ومع ذلك لم ينجح المشروع وقام المواطنون بمخالفته مما اضطر الحكومة أخيرا إلى إلغائه لأنه لم يكن للقانون سلطان على النفوس يحملها على احترامه وطاعته..

أما الشعور بأن هذا الشيء من عند الله الذي يعلم السر وأخفى، سواء كان أمراً أو نهيا، فإن ذلك يكسبه الهيبة والاحترام، ويجعل الإنسان يستجيب له طواعية واختيارا مهما كان مركزه ومهما كان وضعه في المجتمع.. ولو كان ذلك بعيدا عن أعين الرقباء لأن الطاعة تنبعث من داخل النفس وتقوم على الإيمان بالله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ص: 350

ومثال آخر.. لما نزل قول الله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ

} الخ الآية (النور آية31) . سارعت النساء المؤمنات بالاستجابة لأمر الله عز وجل في الحشمة والستر كما أشادت بذلك السيدة عائشة رضي الله عنها: يذكر ابن كثير عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة قالت فذكرنا نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة: إن لنساء قريش لفضلا وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل

لقد أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها [64] المرحل فاعتجرت [65] به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات [66] كأن على رؤوسهن الغربان [67] .

فانظر كيف تكون المسارعة والاستجابة لطاعة الله وأمره من قبل نساء المهاجرين والأنصار دون انتظار لشراء أو خياطة أو تفصيل.

لا.. إنهن تغطين بأي غطاء موجود، دون نظر إلى حسنه أو جماله، ولو ظهرن في شكل غير مقبول.. كالغربان _ كما تقول الراوية.. المهم أن يرضي الله.

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شكل مشوه

إن تعميق هذه المعاني في النفوس وسيلة هامة من أهم الوسائل لوقاية المجتمع الإسلامي من الوقوع في آفات المخدرات والمسكرات، إذ أنه يجعل الناس ينصرفون تلقائيا عنها، وانظر لما حرمت الخمر بالأمر الإلهي فطم المسلمون نفوسهم عنها حتى غدوا وكأنهم لا يعرفونها ولا تعرفهم.

ص: 351

والآن ما أكثر ما تنتج المصانع من دنان الخمر والمسكرات وأنواع البيرة والمخدرات فلو احترم الناس شرع الله لهربوا منها فإذا عرضها أعوان الشيطان لم يجدوا من يقبل عليها أو يأخذها منهم، فتبور تجارتها، وتختفي عن الأنظار.

روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ، إني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيتنا إذ جاءه رجل، فقال: هل بلغكم الخبر؟ فقلنا: لا فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال: يا أنس أرق هذه القلال قال: فما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرجل.

وهكذا يفعل الإيمان بأهله.

ثانيا: غرس الشعور بقبحها وأضرارها حتى تعافها النفوس:

كل عاقل يحب حياة الصحة والعافية، ويبتعد عن كل ما يتعب بدنه أو يشقى نفسه.

وقد أثبت المختصون من أضرار المسكرات والمخدرات ما ينفر من مجرد رؤية شيء منها إذ من الذي يحب أن يجلب على نفسه أسباب الهلاك والأمراض إنه لا يفعل ذلك إلا مخبول العقل مأفون.

لقد جمع عليه الصلاة والسلام ما تجلبه المسكرات على الإنسان من آفات في هذه العبارة الجامعة.."الخمر أم الخبائث".

وعن عبد الله بن عمرو قال: الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر ومن شرب الخمر ترك الصلاة، ووقع على أمه وخالته وعمته.

وروى الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو وابن عباس بلفظ"من شربها وقع على أمه".

ص: 352

وقال الزهري حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال سمعت عثمان بن عفان يقول: "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فدخل معها فطفقت كلما دخل باب أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر وإلا صحت وفضحتك فلما رأى أنه لابد من ذلك قال: اسقني خمرا فسقته كأسا فقال: زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه"ذكره ابن كثير في تفسيره ونسبه إلى البيهقي وقال إسناده صحيح.

وذكره السيوطي في الدر المنثور كما ذكر السيوطي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وأنه لما شربه لم يمتنع من شيء أرادوه منه".

وهكذا تكون الخمر أم البلاء ورأس كل مصيبة.. فإذا أضيف إلى ذلك ما أكده البحث الطبي والتجريبي الحديث من مضار المسكرات والمخدرات على القلب والبدن لنفر منها العقلاء.. وفروا منها فرارهم من كل وباء أو هلاك.

وماذا تقول في مواد تتلف الكبد والبنكرياس، وتضعف القلب وتخل حركته، وتؤثر على خلايا المخ والأعصاب، وتسبب فقر الدم وإضعاف العضلات وتجلب السل ومرض السكر واضطراب الأمعاء.

ما ظنك بمواد تذهب بالعفة والشرف، وتقتل النخوة والمروءة وتشيع الفوضى واللامبالاة، وتضيع الثروة والمال..

إن هذه المساوئ جميعا هي بعض ما تجلبه المسكرات والمخدرات في بيئة بني الإنسان.

ص: 353

ولذا فإنه لو عمقت هذه الآثار ووعي البشر خبث المواد المسكرة والمخدرة بأسلوب علمي يعتمد على الحقائق العلمية والتجارب المعملية بعيدا عن المبالغات والزيادات لأدرك الناس قبحها، ووقفوا على خطرها وضررها فيبتعدوا عنها.. وينفروا منها..

لقد كره الإسلام أتباعه في الخمر وسائر المسكرات حتى ول كانت للتطبيب والعلاج..

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم:"إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بالمحرم"[68] .

وفي السنن عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الداء الخبيث [69] .

وذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم [70] .

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو على من يتداوى بحرام كخمر فيقول:"من تداوى بحرام كخمر لم يجعل الله فيه شفاء"[71] .

إنه في الوقت الذي يعل فيه الجسم ويتمنى الإنسان الخروج من علته بأي سبب أو طريق ينهي الإسلام عن التطلع إلى الشفاء بحرام، سدا لذريعة تناول المحرم بكل وجه، وقفلا لهذا الباب أمام النفس لاسيما وأن النفوس قد تميل إلى الشيء الحرام رغبة في الشفاء مما يجعلها تتناوله بشهوة أو لذة، وهذا ضد مقصود الشرع ثم إنه داء كما نصت عليه الأحاديث فلا يجوز أن يتخذها دواء.

في صحيح مسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال:"إنه ليس بدواء، ولكنه داء"[72] .

وعن طارق بن سويد الحضرمي قال: قلت يا رسول الله إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها، قال: لا، قال: فراجعته قلت: إنا نستشفي للمريض، قال: إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء [73] .

بل لقد ذهبت الشريعة أبعد من هذا.. حين نهت عن مجرد الاستعانة بالمسكر في بعض الأدوية.

ص: 354

ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يجعل في الدواء فقال:"إنها داء وليست بالدواء.."[74] .

أرأيت: إنه في الوقت الذي قد يظن فيه أن النفس قد تميل إلى الاستشفاء بمحرم يقطع الإسلام عليها هذا الطريق، ويبغضها فيه ولو في أوقات الشدة والمرض فكيف بأوقات الصحة والعافية، إن احتقاره والنفرة منه أشد وأولى.

ولقد أشارا ابن القيم إلى معنى دقيق هنا في كون المحرمات لا يستشفى بها، قال:"إن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها.

ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها، وبين حسن ظنه بها، وتلقى طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا كان أكره لها، وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظن والكراهية لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء [75] .

وهكذا يريد الإسلام أن يغرس احتقار المحرمات من مسكرات ومخدرات وغيرهما في النفوس وأن يشاع بغضها وكراهيتها في الشعور الديني لجميع المسلمين حتى تعافها النفوس ولا يقبل عليها أحد وبذلك تبقى واجهة الجماعة المؤمنة نقية طاهرة لا يلوثها السوء ولا يشوه صورتها عبث المفسدين.

ثالثا: رقابة المجتمع على أفراده:

ص: 355

يحمل الإسلام المجتمع قسطاً وفيراً من تبعة التوجيه إلى الخير، والتنفير من الشر، وتبعة حماية الخير وإشاعته، ومحاربة الشر وحصره، ولذلك كانت القاعدة الأساسية التي نبط بها خيرية هذه الأمة هي قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال سبحانه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} ثم ذكر سبحانه مناط هذه الخيرية بقوله:{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .

ولو أن أي انحراف يظهر، أو محرم ينتهك وجد من يقف أمامه منذراً محذراً لانطوت الشرور وماتت في مهدها، ولم تجد لها أعواناً أو أنصاراً، ولا استقامت الفضيلة على عودها، وانطلقت في المجتمع تنشر العفاف وتشيع الطهر.

إن المجتمع الإسلامي مجتمع تكافلي بين أفراده بحكم تعاليم كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. مجتمع يتناصر بالحق والعدل، ويتعاون لنبذ الشر ونقاء المجتمع من الانحرافات والسوءات.

ولقد كان المنحرف في الصدر الأول يشعر كأنه مريض بين إخوانه لا يطيب له مقام بينهم حتى يبرأ من علته، نظراً ليقظة الضمير ويقظة العيون الحارسة لشرع الله ونهجه، ولذا كان لنظام الحسبة في الإسلام دور واسع في نقاء المجتمع ونظافته من الشرور، وعن طريقها أقلع كثير من الناس عن سوءاتهم.

ولو أن شاربي الخمر أحسوا بأنهم منبوذون مطاردون في مجتمع المسلمين لراجعوا أنفسهم، ورجعوا إلى صوابهم.

ولو أن أصحاب محلات الخمور وجدوا من يقف لهم ويعترض عليهم لأغلقوا محلاتهم، أو لحولوها إلى نوع آخر من التجارة حلال شريف.

لو أن هؤلاء شعروا بقطيعة صارمة من مجتمعاتهم، وإنكار المسلمين عليهم لما وقفوا موقف الإعلان والظهور يحادون الله ورسوله.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحقر أحدكم نفسه، قالوا يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه، قال: يرى أمراً لله فيه مقال ثم لا يقول شيئاً".

ص: 356

وعن السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث".

رابعا: الإصلاح والتأديب عن طريق العقوبات بالحدود:

وهذا جانب رعته الشريعة وقررته كسبيل من سبل الإصلاح والتقويم للنفوس المعوجة والفطر المنحرفة.

وينبغي أن يعلم أن الإسلام لا يعتمد على العقوبة في إنشاء الحياة النظيفة بين الناس، ولا يتخذها الوسيلة الوحيدة لذلك، وإنما يعمل على الوقاية من الجريمة ومحاربتها بالضمير الوازع، والنفس المهذبة، والسلوك القويم، وتوفير أسباب الحياة النظيفة لكل الناس، فمن ارتضى هذه الأسباب واتخذها منهج حياته ارتقى وعز بالإسلام وسعد بالمجتمع وسعد به مجتمعه، ومن هجر هذه الأسباب ونفر منها وسعى في الأرض فساداً دون رادع من خلق أو وازع من ضمير فحق للإسلام أن ينزل به عقابه ليحمي الناس من شروره، ويوفر للمجتمع أمنه واستقراره" [76] .

ولقد سلكت الدعوة في سبيل المحافظة على مقاصدها أمرين:

الأول: رعايتها من جانب الوجود، فأداء العبادات والقربات يحفظ على الدين بقاءه ونماءه..

والثاني: رعايتها من جانب العدم وذلك بدفع ما يؤدي إلى اختلالها أو الاستهتار بها والعقوبات تحفظ الشعائر من جانب العدم كالحدود والتعازير وغير ذلك من صور التأديب، وهناك ناس لا يبالون بحل ولا حرمة، ويكرعون من الخمر كيف شاءوا ويعبون من المسكرات كما أرادوا دون رادع من خلق أو وازع من ضمير وهؤلاء لابد أن يلقوا جزاءهم وأن يؤدبوا على سفههم.

وقد أجمعت الأمة على عقوبة شارب الخمر سواء شرب كثيراً أو قليلا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ما أسكر كثيره فقليله حرام".

والعقوبة الواردة هنا هي الحد وإن لم يسكر.

لكن ما مقدار الحد.. هل أربعون أو أكثر..

ص: 357

يبدو أن شارب الخمر كان يعاقب في البداية بأربعين جلدة ونحوها كذا كان الحال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه لكن لما تغيرت أحوال الناس ولأن دينهم زيد الحد إلى ثمانين..

روى البخاري وأحمد عن السائب بن زيد قال: كنا نؤتي بالشارب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إمرة أبي بكر الصديق وصدراً من إمارة عمر فنتقدم إليه فنضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد عمر ثمانين..

وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين، وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقيل: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر فجلد ثمانين.

وجاء في المغني لابن قدامة أن عمر استشار الصحابة في حد الشرب فقال له علي كرم الله وجهه: أنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى فاجلدوه ثمانين _ أي كحد المفترى _ فجلده عمر ثمانين [77] .

وكأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .

ولقد وصل الأمر بالبعض أن يحد من جلس في مجلس الشراب وإن لم يشرب لأنه كالراضي بفعلهم الموافق على إثمهم.. يقول ابن تيمية"رفع إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوم شربوا الخمر فأمر بجلدهم، فقيل له إن فيهم فلاناً وقد كان صائماً، فقال ابدءوا به أما سمعتم الله يقول {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} وزاد في مكان آخر، فجعل القاعد المستمع من غير إنكار بمنزلة الفاعل [78] .

ص: 358

كما قال رحمه الله"أما شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت عليه، وحده أربعون جلدة، أو ثمانون جلدة، فإن جلده ثمانين جاز باتفاق الأئمة وإن اقتصر على الأربعين ففي الأجزاء نزاع مشهور.

فمذهب أبي حنيفة وأحمد الروايتين أنه يجب الثمانون ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه أن الأربعين الثانية تعزير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام فإن احتاج إلى ذلك لكثرة الشرب أو إصرار الشارب ونحو ذلك فعل، وقد كان عمر ابن الخطاب يعزر بأكثر من ذلك، كما روى عنه أنه كان ينفى الشارب عن بلده ويمثل بحلق رأسه ثم قال:"وقد روى من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شربها فاجلدوه، ثم إن شربها فاجلدوه ثم إن شربها الثالثة أو الرابعة فاقتلوه"فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة، وأكثر العلماء لا يوجبون القتل، بل يجعلون هذا الحديث منسوخاً، وهو المشهور من مذاهب الأئمة، وطائفة يقولون، إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك، كما في حديث آخر في السنن أنه نهاهم عن أنواع من الأشربة قال: "فإن لم يدعوا ذلك فاقتلوهم"والحق ما تقدم، وقد ثبت في الصحيح أن رجلا كان يدعى حمارا، وكان يشرب الخمر فكان كلما شرب جلده النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"، وهذا يقتضي أنه جلد مع كثرة شربه [79] .

أما المخدرات فقد ذهب فريق من الفقهاء إلى أنه لم يرد في تناولها حد مقرر، وكل ما كان كذلك وجب فيه التعزير فقط ولعل حجتهم في ذلك أن الحد في المائع المطرب، أما المأكول الذي لا تتحققق فيه خاصية الطرب فلا [80] .

ص: 359

وذهب آخرون ومنهم ابن تيمية وابن حجر الهيثمي وابن حزم إلى أن العقوبة في المخدرات هي حد السكر وقياسها على المسكرات لوجود تغطية العقل في كل منهما قال ابن تيمية:"وأما قليل الحشيشة المسكرة فحرام عند جماهير العلماء كسائر القليل من المسكرات، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام يتناول ما يسكر ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولاً أو مشروباً أو جامداً أو مائعاً فلو اصطبغ كالخمر كان حراماً، ولو أماع الحشيشة وشربها كان حراماً ونبينا صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم فإذا قال كلمة جامعة كانت عامة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه أو مكانه أو لم تكن [81] .

وقال: وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين، وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر ولم يغيب العقل ففيه التعزير.. ثم قال: ومن الناس من يقول: إنها أي الحشيشة تغير العقل فلا تسكر كالبنج وليس كذلك، بل تورث نشوة ولذة وطرباً كالخمر، وهذا هو الداعي إلى تناولها، وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر، فضررها من بعض الوجوه أعظم من الخمر، ولهذا قال الفقهاء إنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر [82] .

وقد سبق أن رأيت أن ابن حجر الهيثمي يؤكد حرمتها وينقل ذلك عن الذهبي وغيره [83] .

وبعد: فهذه خلاصة عن عقوبة متعاطي المسكرات والمخدرات، والعقوبات في الإسلام مع أنها جوابر وكفارات لأهلها من آثامهم هي زواجر أيضا، تزجر الآخرين، وتمنعهم من التردي في حمأة الرذيلة، أو العبث بحدود الله ومحارمه، ولذلك كانت بركتها على المجتمع الذي يقيمها كثيرة وفيرة، وفي الحديث"حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً [84] .. وفي رواية أربعين ليلة..

والله الهادي إلى سواء السبيل

ص: 360

من خصال الإيمان ترك الخمر

أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على فراش الموت ابنه عبد الله فقال له: عليك بخصال الإيمان. قال: وما هن يا أبت؟ قال: الصوم في شدة أيام الصيف، وقتال الأعداء بالسيف، والصبر على المصيبة، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، وتعجيل الصلاة في يوم الغيم، وترك ردغة الخبال، قال عبد الله وما ردغة الخبال؟ قال: شرب الخمر..

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

مختصرا من ترتيب القاموس المحيط 2/585.

[2]

الصحاح للجوهري ج 2/687.

[3]

البخاري ومسلم.

[4]

البخاري ومسلم.

[5]

أبو داود والترمذي وابن ماجة.

[6]

انظر: فتح الباري 10/47.

[7]

جامع العلوم والحكم /394.

[8]

المحلى 4/591 مطبعة الإمام _ القاهرة.

[9]

جامع العلوم والحكم / 397.

[10]

المرجع السابق.

[11]

نفس المرجع.

[12]

النهاية في غريب الحديث 1/111.

[13]

أبو داود والترمذي وابن ماجة.

[14]

مسلم.

[15]

انظر: تفسير القرطبي 6/294.

[16]

جامع بيان العلم وفضله /395.

[17]

المحلى لابن حزم 7/ 562 المغني لابن قدامة 9 /158 _ نيل الأوطار للشوكاني 7/ 315 ط دار الجيل. فلسفة العقوبة لأبي زهرة القسم الأول 179.

[18]

الفتاوى ج19/ 289.

[19]

أحمد وأبو داود والترمذي.

[20]

أحمد وأبو داود والترمذي.

[21]

جامع العلوم والحكم لابن رجب /397.

[22]

ترتيب القاموس المحيط _ حرف الفاء.

[23]

انظر: في ذلك المعاجم اللغوية مثل القاموس المحيط ولسان العرب.

[24]

الزواجر لابن حجر الهيتمي ج1/214 ط الحلبي.

ص: 361

[25]

انظر: المخدرات _ أنواعها، أضرارها أحمد محمود حافظ ص7 وما بعدها ومحاضر جلسات المؤتمر الإقليمي السادس للمخدرات الذي انعقد في المملكة العربية السعودية في شوال سنة 1394هـ والندوة الدولية العربية حول ظاهرة تعاطي المخدرات _ القاهرة سنة 1971.

[26]

التشريع الجنائي _ للأستاذ عبد القادر عودة ج1 /582، وانظر الفتاوى لابن تيمية ج34/204.

[27]

جامع العلوم والحكم 397.

[28]

المرجع السابق.

[29]

تهذيب الفروق والقواعد السنية للشيخ محمد علي حسين مطبوع على هامش الفروق ج1/ 216.

[30]

جامع العلوم والحكم 397.

[31]

الفتاوى ج19/282.

[32]

المرجع السابق 34 /211.

[33]

الفتاوى 34 /223، 224.

[34]

الزواجر عن اقتراف الكبائر ج1 /215.

[35]

دائرة معارف القرن العشرين 3 /447.

[36]

الندوة الدولية العربية حول ظاهرة تعاطي المخدرات 117 /118.

[37]

المرجع السابق.

[38]

المكيفات _ للدكتور عبد العزيز أحمد شرف /142، 143 ط دار المعارف.

[39]

انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج6 /458 ط 1386.

[40]

سبل السلام ج4 /50 ط الاستقامة / مصر سنة 1357.

[41]

الفتاوى 34 /210، 211.

[42]

مواهب الجليل ج2 /232 ط ليبيا.

[43]

مواهب الجليل ج1 /90 ط ليبيا.

[44]

الزواجر ج1 /216 ط الحلبي.

[45]

المرجع السابق.

[46]

المرجع السابق.

[47]

الشرح الصغير بهامش بلغة السالك ج1 /9.

[48]

حاشية الدسوقي ج1 /50.

[49]

المبسوط ج24 /9.

[50]

حاشية ابن عابدين ج5/402.

[51]

المجموع 9/35.

[52]

الفتاوى ج 24/271.

[53]

المرجع السابق.

[54]

المرجع السابق 34 /205، 206.

[55]

المرجع السابق ج24 /275.

[56]

دائرة معارف القرن العشرين 3 / 791.

[57]

الحاكم.

[58]

ابن ماجة والبيهقي عن شهر بن حوشب.

ص: 362

[59]

الطبراني الأوسط _ انظر: الجامع الصغير.

[60]

بتصرف يسير من روضة المحبين / 17 ط حلب.

[61]

انظر: تفسير الدر المنثور للسيوطي 2/318.

[62]

تفسير الدر المنثور للسيوطي 2/318.

[63]

أبو داود واللفظ له، وابن ماجة وزاد وأكل ثمنها.

[64]

المرط.. بالكسر كساء من صوف أو خز.

[65]

الاعتجار: لف العمامة.. ولبسة للمرأة.

[66]

متلفحات: مستترات.

[67]

تفسير ابن كثير ج3 /285.

[68]

أبو داود في الطب.

[69]

أبو داود والترمذي.

[70]

البخاري في الطب.

[71]

انظر: الجامع الصغير للسيوطي ونسبه إلى أبي نعيم في الطب.

[72]

مسلم في الأشربة.

[73]

أحمد وابن ماجة.

[74]

أبو داود والترمذي.

[75]

زاد المعاد ج4 /158 ط سنة 1399هـ.

[76]

من بحث للكاتب بعنوان "الحدود في الإسلام ".

[77]

المغني 10 /326.

[78]

الفتاوى 32 / 254، 30 / 213.

[79]

الفتاوى ج34 / 216، 217.

[80]

هكذا يرى متقدموا الحنفية حاشية ابن عابدين 3/228 ط بولاق 1326 وإن كان المتأخرون أفتوا بوجوب الحد لفشو هذا الفعل وانتشاره بين الناس، انظر تنوير الأبصار مع حاشية ابن عابدين ج 6 / 458 ط سنة 1966 ثانية.

والشافعية لا يرون الحد أيضا إلا إذا أذيبت بحيث تقذف بالزبد وصارت تطرب كالخمر ففيها الحد انظر: نهاية المحتاج 8 /12 ط الحلبي ومغني المحتاج 4 /187.

كما يرى المالكية أن الحد مختص بالمائعات المغيبة للعقل، انظر:"بلغة السالك "198، 323.

وحكى القرافي الخلاف بين فقهاء عصره في حكم تعاطي الحشيشة هل هي الحد أو التعزير، انظر الفروق 1 / 216 أما القرافي فقال لا أوجب فيها الحد بل التعزير الزاجر عن ملابستها 1 /218.

[81]

انظر: في ذلك الفتاوى ج 34، 204، 205.

[82]

المرجع السابق.

[83]

الزواجر ج1 /216.

[84]

ابن ماجة _ باب الحدود.

ص: 363

المُسْكرات مِنَ النَّاحيَةِ النفسيَّة

للدكتور ملك غلام مرتضى

رئيس قسم الترجمة بالجامعة

حقيقة السكر

قال الله سبحانه: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}

قال الفخر الرازي في تفسيره: (التفسير الكبير 6 / 46)

الإثم الكبير فيه أمور:

أحدها: أن عقل الإنسان أشرف صفاته، والخمر عدو العقل، وكل ما كان عدو الشرف فهو أخس، فيلزم أن يكون شرب الخمر أخسَّ الأمور.

وتقريره: أن العقل إنما سمي عقلاً لأنه يجري مجرى عقال الناقة، فإن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل قبيح، كان عقله مانعاً له من الإقدام عليه، فإذا شرب الخمر بقى الطبع الداعي إلى فعل القبائح خالياً من العقل المانع لها، والتقريب بعد ذلك معلوم.

ذكر ابن أبي الدنيا: أنه مر على سكران وهو يبول في كفيه ويمسح به وجهه كهيئة المتوضئ، ويقول: الحمد لله الذي جعل الإسلام نوراً والماء طهوراً.

ثانيها: ما ذكره الله تعالى من إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

ثالثها: إن هذه المعصية من خواصها: أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر ومواظبته عليها أتم: كان الميل إليها أكثر، وقوة النفس عليها أقوى بخلاف سائر المعاصي، مثل الزاني إذا فعل مرة واحدة فترت رغبته في ذلك العمل، وكلما كان فعله لذلك العمل أكثر كان فتوره أكثر ونفوره أتم، بخلاف الشرب، فإنه كلما كان إقدامه عليه أكثر كان نشاطه أكثر ورغبته فيه أتم، فإذا واظب الإنسان عليه صار غرقاً في اللذات البدنية.. حتى يصير من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.

وبالجملة: فالخمر يزيل العقل، وإذا ذهب العقل، انتشرت المفاسد وسادت الرذائل _ قال عليه الصلاة والسلام:"الخمر أم الخبائث ".

ص: 364

وهذا يعني أن جريمة السكر تغري بجميع الجرائم التي تعرض للسكران، وتجرئ عليها ولاسيما الزنا والقتل _ ولهذا اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها "مفتاح لكل شر ".

وقد قيل أن امرأة فاسقة راودت رجلا صالحا عن نفسه، فاستعصم، فسقتهُ الخمر فزنى بها، وأمرته بالقتل فقتل.

قال عليه الصلاة والسلام: "الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، ومن شرب الخمر ترك الصلاة، ووقع على أمه وخالته وعمته ".

هذا لأنه توجد في جبلة الإنسان خاصيتان وهما:

1 _

المَلَكية يعني صفات الملائكة _ وهي امتثال أوامر الله ومقتضيات العقل _.

2 _

البهيمية يعني صفات البهائم _ وهي امتثال أوامر النفس الأمارة بالسوء ولو كانت مخالفة للعقل.

فتأثير الخمر على شخصية الإنسان أن تخامر العقل، وتضعف ملكيته، وتثير بهيميته وتقويها، فالنتيجة أن الإنسان يمسي تابعاً مطلقاً للبهيمية ويسقط من درجة الإنسان إلى درجة البهيمية ويعتبر خاضعاً لسلطان الهوى والشيطان.

كما قال تعالى: {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ} .

السكر ضد الفطرة السليمة:

العقل السليم يشهد بتحريم الخمر والمسكرات، ويدل على ما قلناه: أن بعض عقلاء الجاهلية حرموها على أنفسهم لما لمسُوا من أضرارها، وأعظمها وهن عقل الشارب، منهم عبد الله بن جدعان من قريش، والعباس بن مرداس السلمي، حيث قيل له وهو إذ ذاك في غياهب الجاهلية، لم لا تشرب الخمر؟ فقال: ما كنت لأخذ جهلي بيدي، وأدخله في جوفي ما كنت لأصبح رئيس قوم، وأمسي سفيههم ".

ومنهم جعفر بن أبي طالب، وعدي بن حاتم الطائي، قيل له مالك لا تشرب الخمر؟ قال:"لا أشرب ما يشرب عقلي ".

ومنهم قيس بن عاصم المنقري وأبو بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا، حرموها على أنفسهم قبل تحريمها من الله سبحانه.

ص: 365

وقال عثمان رضي الله عنه: "إني رأيتها تذهب العقل جملة، وما رأيت شيئاً يذهب جملة ويعود جملة ".

والواقع أن شارب الخمر وما شاكله من المسكرات يتنازل عن منزلته وشرفه من حيث هو إنسان كرمه الله وجعله أشرف المخلوقات، ويمسي حيواناً لا عقل له ولا فهم.

لهذا كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتوقعون تحريم الخمر ويدعون الله لتحريمها ومنهم أمير المؤمنين عمر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ونفر من الصحابة الذين قالوا يا رسول الله: " أفتنا في الخمر، فإنها مذهبة للعقل، مسلبة للمال ".

ما هو الإدمان الكحولي؟

" الإدمان هو اعتماد الجسم والتعود المتزايد لأنسجته على الكحول، وظهور أعراض انقطاعه المفاجئ عن أنسجة الجسم، والاشتهاء المرضي لتعاطيه ".

أما المدة اللازمة لحدوث هذا التعود فتتفاوت من أيام إلى شهر، ويتوقف ذلك جزئياً على الاختلافات الفردية، وعلى كميات الكحول المستهلكة.

وهناك أربع مراحل في تطور هذا التعود وهي.

1 _

مرحلة أعراض ما قبل الإدمان، يشرب الناس مجاملة ويشعرون في البدء براحة ونشوة.

2 _

مرحلة الإرهاصات: يصبح السكير أكثر انتظاماً في تعاطي الكحول ويستهلكه كالماء ويشعر بالخجل والذنب وبسبب هذه المشاعر يزداد شرباً ليمحو هذه الأحاسيس المزعجة له ويصبح الأمر حلقة مفرغة، فترتفع نسبة الكحول في دمه لدرجة التسمم.

3 _

المرحلة الحادة: لا يستطيع المدمن استعادة إرادته المفقودة مهما حاول جاهداً.

4 _

مرحلة الإدمان: يعيش المدمن في عالم خاص لا علاقة له بواقعه، ويفقد كثيراً من ملكاته العقلية، ويتدهور أخلاقياً فيسرق، أو يعتدي ويغتصب النساء، ويهاجم القاصرين والقاصرات مع أنه ينهار سريعاً مع عواطفه وفكره وصحته بسبب الإشباع الكامل لأنسجته بمادة الكحول.

ص: 366

وهناك مثل: "في البدء يأخذ الإنسان كأساً من الخمر.. ثم يأخذ بعد الكأس الأولى كأساً ثانية.. ثم تأخذ كأس الخمر الإنسان ".

الأضرار:

1 _

سلب الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زنى أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه " رواه الحاكم. وكما ذكرنا أنفاً فإن ضعف الإيمان هو السبب الأساسي لشرب الخمر. وشرب الخمر بدوره يسلب الإيمان كلما ازداد المرء شرباُ للخمر، كلما ضعف إيمانه.

2 _

سلب العقل: الأمر المسلم عند الناس أن السكر يضعف القوة العاقلة وكثيراً ما ينتهي بالجنون. وتنتج عنه أضرار كثيرة لا حصر لها ومنها

(أ) الجرائم كلها بسبب غلبة بهيمية الإنسان على ملكيته وعقله.

(ب) الحوادث بسبب فقد الوعي.

(ج) إفشاء السر.

(د) العداوة والبغضاء بين الناس.

(هـ) سوء الخلق والقتال.

(و) الخسة والمهانة في أعين الناس.

(ز){وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} .

(ح) التخنث والدياثة وغير ذلك

3 _

ضعف القوى الجسدية والأمراض:

السكر يحطم القوى البشرية إلى أقصى حد فيضعف مقاومة الجسد للأمراض المعدية ويسبب شتى الأمراض فمنها:

1 _

يضعف أعضاء رئيسية لاسيما القلب والكبد.

2 _

يغير اللون بالصفرة ويذهب بماء الوجه.

3 _

يجلب البلغم والسعال والقيء.

4 _

يضعف من قوة الباه.

5 _

يورث السل الرئوي والسرطان الرئوي.

6 _

تخريب كريات الدم والتأثير على القلب والإخلال بانتظام ضرباته والموت بالسكتة القلبية.

4 _

التأثير النفسي:

الإدمان على المخدرات له تأثير نفسي على المدمن يؤدي في الغالب إلى اضطراب الإدراك الحسي واضطراب الشعور واضطراب التفكير، واضطراب الوجدان، والإحساس بالتعب، والجنون.

ص: 367

ومن الخواص العامة الموجودة في شخصية المدمن كما يلي:

أ _ عدم القدرة على احتمال أية مشكلة تعترضه.

ب _ نفاذ الصبر والوقوع في اليأس والقنوط والقلق والصراع النفسي.

ج _ الشعور بالعزلة وفقدان احترام الذات.

د _ فتور العاطفة، وعدم القدرة على قبول أو تقديم الحنان والحب.

هـ _ الإتكالية والاعتماد على الآخرين وعدم القدرة على الاستقلال في حياته.

و_ الأنانية إلى أقصى حد.

أسباب الإدمان:

1 _

المشاركة: يشرب بعضهم لأول مرة مجاملة للزمالة والمرافقة والصحبة مع رفاقهم في حفل اجتماعي.

2 _

يبدأ بعضهم في تناول الكحول للإحساس بالدفء والتمدد والاسترخاء بعد يوم من العمل المرهق.

3 _

ويشرب آخرون الكحول لينسوا _ مؤقتا _ همومهم.

4 _

ويشرب بعضهم ليتهرب من مواجهة واقع الحياة وهمومها بمحاولة تخفيف ضغوطه النفسية وتخفيف مدة الرقابة الصارمة من ضميره وعقله ودماغه عليه.

5 _

ويشرب بعضهم ليسكر.. أي ليتخدر وليتمتع بالنشوة الوقتية.

6 _

والسبب الأساسي في كل هذا هو ضعف الإيمان بالله والآخرة أو انعدامه أساساً.

7 _

إن عدم الشعور بالمسئولية أمام الله سبحانه يترك الإنسان كالحيوان لا يتحرج من اقتراف أبشع الجرائم وأنكرها _ لا يوجد لديه شيء من حصانة الإيمان والعلم الديني، يقيه من التردي في حمأة الرذيلة.

8 _

غزو الأفكار المنحرفة التي يصدرها الغرب إلى الشرق، وفيها توهين الدين الحنيف والتشكيك فيه، ونشر الإباحية والتحلل الخلقي.

9 _

اختلاط المسلمين بأهل الغرب في هذا العصر وتأثرهم بالثقافة الغربية.

10 _

قلة القائمين من علماء الإسلام بنشر الدين الصحيح بين المسلمين وأمام العالم وفقدان التربية الصحيحة التي من شأنها قيام جيل صالح على أساس من الإيمان والعلم النافع.

ص: 368

11 _

عدم الشعور بالواجب عند أكثر حكومات الدول الإسلامية في هذا الصدد إلا ما شاء الله.

12 _

وقد رأيت بعض المدمنين يدّعون الإيمان بالله والآخرة بيد أنهم مصابون بسوء الفهم بالنسبة لبعض صفات الله فسمعت أكثرهم يقولون إن الله غفور رحيم فإنه سيغفر لهم كل ذنوبهم.

ولا شك أن هذه أغلوطة كبيرة فهي تجعل الإنسان يتجاسر على اقتراف الرذائل دون وجل أو خوف من الله تعالى وبلا أدنى شعور بالمسئولية.

إزالة هذه المغالطة:

يجترئ بعض الناس على المعاصي قائلين: "إن الله غفور رحيم ". هذا سوء فهم في شأن صفات الله سبحانه. فهم يطبقون صفات الله دون وعي أو فهم ويحلونها محلا غير لائق بها.

إن الله خلق القوانين الطبيعية والقوانين الخلقية وأودع في هذه القوانين تأثيرات قوية والذي يلتزم بهذه القوانين ينال الجزاء الأوفى والذي يخالف هذه القوانين ينزل به العذاب الشديد إن عاجلاً أو آجلاً.

على سبيل المثال هناك قانون الجاذبية الأرضية، فعلينا أن نحترم هذا القانون، الذي يقتضي ويتطلب منا أن لا نسقط أنفسنا من مكان مرتفع وإلا كانت النتيجة الحتمية الموت والهلاك لأن في هذا مخالفة لقانون الجاذبية الذي هو من الله عز وجل.

كذلك فهناك قانون طبيعي آخر وهو أن السم يقتل _ لذا فعلينا أن نحترم هذا القانون ولا نشرب السم، وفي حالة مخالفة هذا القانون فلا بد أن تكون النتيجة الطبيعية الفناء.

هذا فيما يختص بالقوانين الطبيعية وكذلك الحال بالنسبة للقوانين الأخلاقية. فمثلا من هذه القوانين أن لا نشرك بالله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} هذا في الواقع أشد وأبشع من أن يسقط من فوق السقف.

ص: 369

وثمة قانون أخلاقي آخر يحرم علينا شرب الخمر لأنه رجس من عمل الشيطان. الخمر سم فاقد لحياتنا الروحية. بل أبشع وأخطر من السم المادي لأنه أم الخبائث.

علينا أن نحترم القوانين الخلقية كما علينا أن نحترم القوانين الطبيعية، إن الله سبحانه خلق كل شيء وأبدع كل القوانين وليس من سنة الله أن يعاقب على مخالفة بعض قوانينه وأوامره ويتركنا بدون مؤاخذة على مخالفة البعض الآخر. ومن الممكن أن يعجل بالعذاب على مخالفة بعض القوانين ويؤخر عذابه بالنسبة لمخالفة البعض الآخر في صورة إملاء كما قال تعالى:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} .

فمن المستحيل إذن أن يكون الله سبحانه قاهراً فوق عباده بالنسبة لمخالفة بعض القوانين ويكون غفورا رحيما بالنسبة للبعض الآخر.

فالآن أوجه خطابي إلى الذين يتعاطون الخمر ويقولون إن الله غفور رحيم. فأقول لهم تفضلوا واصعدوا فوق الجبل يا إخواني وألقوا بأنفسكم مع يقينكم بأن الله غفور رحيم وهو يغفر مخالفة قوانينه. إذن توكلوا على الله لتروا ماذا تكون النتيجة. فهل تعتقدون أن الله سيغفر لكم مخالفة قانون الجاذبية الأرضية فلا يعاقبكم على هذه المخالفة ولن يحكم عليكم بالإعدام.. الجواب قطعاً بالنفي.

وهلم يا صاحبي هلم لتتجرع شيئا من السم وأنت يقين من نفسك بأن الله غفور رحيم. جرب مغفرته ورحمته على مخالفة هذا القانون الطبيعي. إن كان الله غفوراً رحيماً بمفهومك أنت فسيغفر لك هذه المخالفة ولن يعاقبك ولن يضرك السم بشيء. وطبعاً هذا ضد طبيعة الأشياء ومنطقها أي ضد قوانين الله.

إنك لا تجترئ على اقتراف هذه المخالفات، إنك لا تلقي بنفسك من فوق الجبل ولا تشرب السم _ لماذا؟

ألست على يقين من نفسك أن الله سيعاقبك على هذه المخالفة وستنال عقابه في صورة الألم أو الموت. إذن فعلى أي أساس بنيت تصورك بأنه لن يعاقبك عندما تخالف قوانينه الخلقية؟

ص: 370

على أي أساس تعتقد أن الله قاهر فوق عباده بالنسبة لمخالفة القوانين الطبيعية بينما هو يكون غفوراً رحيماً في حالة مخالفة القوانين الخلقية؟ أية قاعدة، أية حكمة تدل على ذلك وتجرك إلى هذه الجرأة على مخالفة أوامر الله سبحانه وقوانينه.

إذن لتفهم أيها المجترئ، أيها المخمور! ما معنى "غفور رحيم "على وجهها الصحيح وما هو محل تطبيق هذه الصفات. فقد قال سبحانه:

{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} .

{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

{وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماًً} .

{إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} .

حقاً وصدقاً إن الله غفور رحيم ولكن لمن؟ هل للذين يتمادون في اقتراف المعاصي ويصرون على تعاطي الخمر ولا يندمون ولا يتوبون توبة نصوحا؟ كلا!

كلا {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} .

العلاج:

أنا لا أنكر أهمية طرق العلاج الرائجة والمتداولة بصفة عامة ومنها إنشاء المستشفيات المتخصصة والقرى العلاجية للرعاية اللاحقة والعلاج الإجباري مقابل العلاج الاختياري ومما لاشك فيه أن الطبيب يلعب دوراً هاماً جداً في مساعدة المدمن على التخلص من إدمانه إذا كان المدمن راغباً في الإقلاع عن عادته، ولكنني أريد أن ألفت الأنظار إلى شيء أهم من هذه الطرق كلها وهو إزالة السبب الأساسي لهذا المرض، ألا وهو ضعف الإيمان بالله والآخرة أو انعدامه من قلوب المسلمين.

إن السكر علامة من علامات انهيار المجتمع الإسلامي بأسره ولا يمكن علاجه بدون معالجة المجتمع بأسره على أساس بعث قوة الإيمان والتربية الإسلامية وإزكاء الشعور الديني.

ص: 371

إن أي عمل في هذا الصدد دون الارتكاز على خلفية دينية لن يعود بأية فائدة علينا ويتبين هذا من تجربة عظيمة أجريت في أرقى وأقوى دولة في العالم _ أمريكا في عام 1920م وفيما يلي ألخص ما كتبه الشيخ المودودي بصدد هذه التجربة التاريخية العظيمة.

حرمت الحكومة الأمريكية الخمر في عام 1920م _ كانت هذه أكبر تجربة جربها الإنسان لإصلاح الأخلاق والسلوك الاجتماعي بقوة وسلطة الحكم لا يوجد لها نظير في التاريخ.

فأقيمت في البلاد، قبل إعلان تحريم الخمر، دعاية واسعة النطاق ضد الخمر وبقيت الرابطة المحاربة لوجود حانات بيع الخمر تسعى وتجتهد في ترغيب الأمريكيين عن الخمر وتثبيت مضارها في أذهانهم، بإلقاء الخطب وتأليف الرسائل والكتب وعرض المسرحيات وأفلام السينما.

وأفنت في سبيل هذا التبليغ عشرات وبذلت الأموال الطائلة، حتى قدر أن النشرات المطبوعة والمسموعة بلغت تكاليفها مبلغ خمسة وستين مليون دولار، وأنه بلغ عدد الصفحات التي سود بياضها لبيان مساوئ الخمر والزجر عنها تسعة آلاف مليون صفحة.

ذلك قبل بدء التجربة. وأما ما تحملته الأمة الأمريكية في الأربعة عشر عاماً من 1920م إلى 1933م، عام إلغاء قانون التحريم، من النفقات الباهظة لأجل تنفيذ قانون التحريم فقدر مجموعها بأربعة ملايين ونصف مليون جنيه.

وتدل الإحصاءات التي أذاعها ديوان القضاء الأمريكي لهذه الفترة، أنه قتل في سبيل تنفيذ هذا القانون مائتا نسمة وسجن نصف مليون وغرم الجناة ما يربو على مليون ونصف مليون جنيه، وصودر من الأملاك ما يساوي أربعمائة مليون جنيه.

كل هذا النقص الهائل في الأنفس والأموال كابدته أمريكا لغرض واحد، هو تلقين الأمة الأمريكية "المتحضرة "مفاسد الخمر الجمة وتنبيهها إلى مضارها الروحية والصحية والأخلاقية والاقتصادية ولكن عاد القوم من هذا الجهاد الإصلاحي العظيم بصفقة خاسرة.

ص: 372

فلم تكد تغلق الحانات القانونية العلنية في البلاد بجانب حتى انفتحت فيها بجانب آخر آلاف مؤلفة من الحانات السرية، ثم كثر تردد الصغار من أبناء الأمة وبناتها إلى هذه الحانات وغلت أثمان الخمر غلاء فاحشا _ والذي قدر على أقل التقدير أنه بلغ عدد شاربي الخمر بعد التحريم عشرة أضعاف ما بلغه قبله _ وصارت الخمر المستعملة سراً في كيفيتها أردأ نوعاً وأشد فتكاً بالصحة مما جعل الأطباء يقولون فيها:"إن هذا المشروب أحرى بأن يدعى السم من أن يسمى خمرا "من أمثلة ذلك ما تدل عليه الإحصاءات لمدينة نيويورك من أنه كان عدد المرضى فيها من استعمال الكحول في سنة 1918 قبل التحريم: 3741 وعدد الهالكين من استعماله: 252 نفساً _ ثم بلغ عدد المرضى فيها لسنة 1927 بعد التحريم أحد عشر ألفا وعدد الهالكين سبعة آلاف ونصف الألف.

وحاصل القول أن النتائج التي هرت في أمريكا عقب تحريم الخمر تتلخص في أنه:

_ زالت عن القلوب حرمة القانون ونشأت نزعة للبغي والتمرد عليه في كل طبقه من طبقات المجتمع.

_ لم تتحقق الغاية المقصودة من تحريم الخمر، بل زاد استعمالها بعد التحريم على ما كان عليه قبله.

_ تجشمت الحكومة خسائر لا تحصى في تنفيذ قانون التحريم، ومثلها أيضا أصاب الشعب الأمريكي لشرائه الخمر خفية، فتأثرت بذلك اقتصاديات البلاد.

_ كثرت الأمراض واختلت الصحة وازدادت نسبة الوفيات، وفسدت الأخلاق وشاعت الرذائل وتفشت الجرائم في جميع طبقات المجتمع وعلى الأخص في الجيل الناشئ.

وكانت هذه كلها من ثمرات هذا القانون في ناحية التمدن والأخلاق إلى أن ألغي قانون تحريم الخمر في عام 1933م.

ظهرت هذه النتائج كلها في دولة تعد من أرقى دول الأرض حضارة. إن أبناءها أوفر حظاً من التهذب والحضارة، فهم أحرى أن يعرفوا ما يضرهم وما ينفعهم.

ص: 373

والآن هيا بنا نرسل الطرف في قطر كان يعد أجهل أقطار الأرض في أظلم عصور التاريخ قبل أربعة عشرة قرناً، أهاليه أميون، والعلم والحكمة فيه شيء معدوم، والتمدن والحضارة أمر لا يعرفه أحد، وعدد المتعلمين فيه ربما لا يزيد على واحد في عشرة آلاف. وأما أهاليه فعشاق للخمر متهالكون عليها متفانون فيها، في لغتهم نحو مائتين ونصف مائة علم (اسم) لهذا الشراب وحده مما لا نظير له في أية لغة أخرى. يبدو كأنهم رضعوها مع لبان أمهاتهم وكانوا يعتبرونها لازمة لزوم الماء لحياتهم.

فإذا كانت الحالة السائدة في شبه الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام. وما إن يبزغ نور الرسالة حتى تبدأ الشريعة الإسلامية بتحريم الخمر تدريجيا. حتى حرمت الخمر البتة في مدة قليلة فقال الصحابة "انتهينا يا رب! "وقال أنس رضي الله عنه: حرمت، ولم يكن للعرب يومئذ عيش أعجب منها، وما حرم عليهم شيء أشد من الخمر.

قال: فأخرجنا الحباب إلى الطريق فصببنا ما فيها. فمنا من كسر حبه ومنا من غسله بالماء والطين. ولقد غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حيناً، كلما أمطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت ريحها.

والذي تدل عليه هذه المقارنة بين تحريم الخمر في أمريكا وتحريمها عند العرب، هو أن نجاح أي مشروع إصلاحي إنما يتوقف على مدى قوة الإيمان، فالإيمان بالله والآخرة ينبت منه العمل الصالح والتقوى والإحسان والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

ولا يمكن للإنسان أن يتخلص من العادات السيئة إلا بالتربية الإسلامية والأخذ بمنهاج السنة على صاحبها الصلاة والسلام.

أما الطرق الحديثة لمعالجة شرب الخمر فهي أمور إضافية كما رأيناها آنفاً.

خطة العلاج:

وعلاجاً لهذه العادة الخبيثة المدمرة، ومقاومة لتعاطي المسكرات والمخدرات، أقترح لأربع خطوات، اثنتين منها لحكومات الدول الإسلامية واثنتين للأفراد المدمنين: _

ص: 374

1 _

فواجب على حكومات الدول الإسلامية أن تضع حداً لنظام التعليم غير الإسلامي الرائج في أكثر الدول. فحكوماتنا مسئولة أمام الله والناس عن تنشئة جيل جديد في ضوء القرآن والسنة وتوجيهه وتربيته تربية إسلامية، مع الوقوف على أفكاره بين الحين والآخر تيقنا من النهج القويم.

2 _

وواجب على حكومات الدول الإسلامية أن تمنع بتاتاً استيراد المسكرات أو إنتاجها وأن تحرم عصرها في داخل البلاد أيضا. وليس هذا غير ممكن.

3 _

التوبة المتكررة.

4 _

ذكر الله.

والآن أوضح ما أعني بالتوبة المتكررة وذكر الله.

التوبة المتكررة:

وأعني بالتوبة المتكررة ما يقوم به من يريد التوبة في ضوء السنة على صاحبها الصلاة والسلام. فالذين تعودوا على تعطي المسكرات، عليهم أن يصلوا ركعتين تائبين إلى الله من هذا الذنب العظيم، فالتوبة ندم وعزم واستغفار _ فلا قدر الله حتى وإن سيطر على المدمن إدمانه وهو يشرب الخمر لما بعد توبته فلا موجب ليأسه وعليه أن يتوب مرة أخرى ويندم ويستغفر ويعزم على التخلص من هذا البلاء وأن لا يقنط من رحمة الله. وعليه أن يستمر في تكرار التوبة مباشرة بعد ارتكابه الذنب ولو كان هذا لعدة مرات في اليوم الواحد.

هذا لأنه بعد هذا العمل المستمر للتوبة المتكررة سيصبح المدمن من التوابين لا من المصرين على الذنب وقد ورد الحديث:

"عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصر من استغفر ولو عاد سبعين مرة في يوم واحد ". [مشكاة المصابيح]

وعلي أن أخبركم بتجربتي في هذا الصدد _ جاءني شيخ مدمن وكان يريد التخلص من شرب الخمر _ فنصحت له عمل التوبة المتكررة. فتاب إلى الله ثم رجع إلى ذنبه، ثم تاب ثم شرب الخمر وعمل هكذا عدة مرات حتى جاءني بعد بضعة أيام فقال لي: قد سئمت من هذه اللعبة يا أخي، التي لا طائل من ورائها.

ص: 375

فقلت: منذ متى وأنت تشرب الخمر؟

فقال: منذ عشرين عاماً.

فقلت: عليك أن تجرب هذه اللعبة لعشرين أسبوعاً على الأقل وإن لم تستشعر أية فائدة من هذه التجربة فاتركها.

فقال: لن أطمئن حتى تخبرني عن فائدة عمل "توبة فاشلة ".

فقلت: يا أخي! تصلي ركعتين وتستغفر وتندم وتتوب إلى الله بكامل إخلاصك فإن من سنة الله أن يغفر لعبده جميع ما كان قد ارتكب من ذنوب لاسيما تلك التي هي من قبيل غضب حقوق الله كما ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له ".

فكل مرة عندما تشرب الخمر ثم تصلي ركعتين تائبا إلى الله فإن الله سبحانه يغفر لك ذلك الذنب _ فصلاة ركعتين للتوبة هي ربح لك. فإذا أنت استمررت على عمل التوبة فإن الشيطان لن يرضى لك هذا الربح بسهولة بل سيحاول إغراءك مرة تلو المرة بترك صلاة التوبة وإن لم يمكنه ذلك بسبب استمرارك في عمل التوبة في صورة صلاة الركعتين فليس أمامه إلا أن يكون عوناً لك على ترك الخمر. إنه على الأقل سيخلي طريقك ولن يطاردك بوساوسه في هذا الصدد.

وأحمد الله سبحانه على أن هذه التجربة قد نجحت نجاحا تاماً وتمكن الشيخ من الإقلاع عن الخمر بهذه الطريقة.

ويذكرنا هذا بقصة سيدنا معاوية رضي الله عنه المشهورة مع الشيطان إذ يحكى أن سيدنا معاوية لم يستيقظ في إحدى الليالي للتهجد كعادته، فأسف أسفاً شديدا وبكى أمام الله سبحانه بكاء شديداً. فرأى في الليلة التالية أن الشيطان يوقظه للتهجد فسأله قائلاً: لماذا توقظني للتهجد وأنت عدوي. فقال الشيطان: هذا لأنك اكتسبت البارحة ببكائك أكثر مما تكسب بالتهجد فأبيت عليك ذلك، وجدير بي أن أوقظك للتهجد كي لا تبكي على فواته منك فتكسب أكثر مما تكسب بالتهجد.

ص: 376

فالحقيقة إذا ما جاء المدمن ونوى أن يتوب بالإقلاع عن شرب الخمر فصلى ركعتين بنية التوبة فإن الشيطان الذي يأبى عليه ذلك يعود فيغريه مرة أخرى، فيشرب ثم يتوب مرة أخرى ويصلي ركعتين وهكذا، وفي كل مرة يمحو الله ذنبه بمجرد توبته وإقلاعه عن شرب الخمر، بل وتكتب له حسنة عن أداء ركعتي الصلاة وتوبته في كل مرة. وعندما يرى الشيطان هذا الفضل، يعز عليه أن يكون سبباً في زيادة الخير لهذا الشارب. فلا يسع الشيطان في النهاية إلا أن يقرر أن يترك شارب الخمر لحاله، فلا يعود يغريه بشربها مرة أخرى حتى لا يكون سبباً في كسب المزيد من الحسنات رغم أنفه.

ذكر الله:

وقد ورد في عدد من الأحاديث النبوية أن ذكر الله سبب نزول رحمة الله على العبد ورحمة الله تمنع الإنسان من ارتكاب المعاصي كما أن لعنة الله سبب لكثرة المعاصي. فمن اللازم للمدمن أن يكثر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار وتلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأس كل الصلاة المكتوبة. ولكل هذه الأذكار أثر بالغ أنها تمنع الإنسان عن ارتكاب المعاصي كما ورد في القرآن:

{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} .

وقد ورد نص صريح في الصلاة على النبي فقال عليه الصلاة والسلام:"من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشر مرات ".

وعلينا أن نفهم جيدا ما هو تأثير صلاة الله على العبد فقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} .

وهذا يعني أن الصلاة على النبي تستلزم إخراجه من الظلمات إلى النور.

ص: 377

فهذه النصوص تدل دلالة قاطعة على أن كثرة ذكر الله لاسيما الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ذات ثمرة حلوة ألا وهي صلاة الله ورحمته على العبد وهكذا فهي تخرجه من الظلمات إلى النور ومن ثم فهو يستطيع أن يتخلص من العادات السيئة ومنها شرب الخمر.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

المراجع:

1 _

أحمد محمود حافظ، النقيب، المخدرات، وزارة الداخلية المملكة العربية السعودية _ الرياض 1976.

2 _

بيجيرو، نل، الدكتور _ الإدمان مترجماً باللغة العربية _ دار الثقافة للجميع، دمشق 1978.

3 _

المودودي، أبو علي، الإمام، تنقيحات. إسلامك ببليكشنز لاهور 1980.

4 _

نبيل صبحي الطويل، الدكتور، الخمر، مؤسسة الرسالة بيروت 1980.

5 _

مشكاة المصابيح. بتخريج الألباني. عطها

ص: 378