المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 77-78 فهرس المحتويات 1- النقص من النص حقيقته وحكمه وأثر ذلك - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٣٤

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌العدد 77-78 فهرس المحتويات 1- النقص من النص حقيقته وحكمه وأثر ذلك

‌العدد 77-78

فهرس المحتويات

1-

النقص من النص حقيقته وحكمه وأثر ذلك في الاحتجاج بالسنة الَاحادية: دكتور: عمر بن عبد العزيز

2-

طَرَسوس صفحة من جهاد المسلمين في الثغور: بقلم الدكتور/ جميل عبد الله المصري

3-

الكشف عن صاحب "البسيط " في النحو: للدكتور حسن موسى الشاعر

4-

همزية بشار بن برد في مدى عقبة بن سلم دراسة تحليلية مفارنة: د/ أحمد مختار البزرة

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 95

النقص من النص حقيقته وحكمه

وأثر ذلك في الاحتجاج بالسنة الَاحادية

دكتور: عمر بن عبد العزيز

بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية

بالمدينة المنورة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا مباركا فيه.

وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تمسك بسنته، واهتدى بهديه.

أما بعد: فإن الحرص على السنة المطهرة، وإعمالها في شتى مجالات الحياة، والعمل بما تأتي به من الأحكام الدنيوية والأخروية، وعدم ترك العمل بأي نوع من أنواعها مادام صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما ينبغي أن يتحلى به كل مسلم، ولاسيما العلماء الذين يستنبطون منها الأحكام باعتبارها ثانية المصادر التي تستقي منها الشريعة السمحة أحكامها، وتأخذ الأمة منها نظامها، وتؤسس بها كيانها.

وقد تحلى بذلك العلماء من السلف الصالح من هذه الأمة رضي الله عنهم حرصوا على السنة المطهرة أشد الحرص، وتمسكوا بها بجميع أنواعها وعملوا بمقتضاها في شتى الميادين.

ومن الحرص على السنة، إزالة أي عقبة تعترض طريق تطبيق أي نوع من أنواع السنة، وإذابة أي عثرة تعوق العمل بها في أي زاوية من زواياها وإتاحة المكنة لسلوك المداخل المؤدية إلى إعمالها والأخذ بموجبها.

وهناك بعض القواعد قد يكون مدخلا إلى مس العمل بالسنة في نوع من أنواعها، وقد قال بها علماء لا نعلم أن الحرص على السنة ينقصهم، أو أن التمسك بها يعوزهم.

ومن هذه القواعد، قاعدة:"النقص من النص نسخ ".

فإني رأيت أن القول بها مطلقا يؤثر في العمل بالسنة الآحادية في بعض حالاتها مع الكتاب الكريم أو السنة المتواترة.

فأحببت أن أدرس هذه القاعدة، وأبحث عن مكامن أثرها في الاحتجاج بالسنة الآحادية.

وقد خططت أن يقع البحث في ثلاثة فصول على النحو التالي:

الفصل الأول: النقص من النص. ويتضمن مبحثين:

ص: 96

المبحث الأول: تمهيد يتضمن: تعريفه، ولشرحه، وتمثيله.

المبحث الثاني: أنواعه. ويتضمن ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: نقص الشرط.

المطلب الثاني: نقص الجزء.

المطلب الثالث: نقص الجزئي.

الفصل الثاني: حكم النقص من النص. ويتضمن مبحثين:

المبحث الأول: حكم نقص الشرط والجزء.

المبحث الثاني: حكم نقص الجزئي. وفيه مطلبان:

المطلب الأول: التخصيص.

المطلب الثاني: التقييد.

الفصل الثالث: أثر النقص من النص في الاحتجاج بالسنة الآحادية. وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف السنة الآحادية.

المبحث الثاني: تأثير نقص الشرط والجزء.

المبحث الثالث: تأثير نقص الجزئي. وفيه مطلبان:

المطلب الأول: بالنسبة للتخصيص.

المطلب الثاني: بالنسبة للتقييد.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يوفقنا للعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويرشدنا إلى الصواب.

14 رمضان 1409 هـ

عمر بن عبد العزيز المدينة المنورة

الفصل الأول

النقص من النص

المبحث الأول: تعريفه، وشرحه، وتمثيله.

النقص: مصدر نقص ينقص بفتح القاف في الماضي، وضمها في المضارع من باب نصر.

وهو في اللغة بمعناه المصدري: القلة، والخسة، والضعف.

يقال: "نقص الشيء نقصا ونقصانا"أي خسر، وقَلَّ. و: "نقص عقله لما أي ضعف. والنقص أيضا: الخسران، وذهاب شيء من الشيء بعد تمامه.

وذكر: أن الذهاب بعد التمام يطلق عليه النقصان فقط، وأن الضعف يطلق عليه النقص فقط. فيقال:"دخل عليه نقص في عقله، ولا يقال: نقصان "ويطلق النقص والنقصان اسما للقدر الذاهب من المنقوص. من إطلاق المصدر على اسم المفعول.

والنقص قد يكون لازما لا يتوقف فهم فعله على فهم أمر غير الفاعل. قال الله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ....} الآية"

ص: 97

والنقص المتضمن في الفعل {تَنْقُصُ} المسند إلى الأرض بطريق الصدور والقيام لم يتوقف فهمه على شيء آخر يتعلق به الفعل تعلق الوقوع عليه بحيث لا يمكن تعقل الفعل، وتصوره إلا بعد تعقل ذلك الشيء وتصوره. بل يجوز فهمه مادام الفاعل المسند إليه الفعل قد فهم مع عدم خطو رأي متعلق غيره بالبال.

وقد يكون النقص متعديا يتوقف فهم فعله على فهم أمر غير الفاعل. قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} (1) .

والنقص كما يكون في معاني مدلولات الألفاظ، كذلك يكون في الألفاظ الدالة على المعاني بأقسامها الثلاثة: الاسم والفعل والحرف.

ففي الاسم مثل: الفاعل للفعل المبني للمفعول. حيث ينقص بحذفه، وإقامة المفعول به مقامه. مثل:"نيل خبر نائل "فأصل الكلام (نال زيد خبر نائل) فحذف الفاعل وهو (زيد) وأقيم المفعول به وهو (خبر نائل) مقامه، فأخذ حكم المفاعل من الرفع، والتأخر عن الفعل الرافع له. والفاعل اسم.

وفي الفعل مثل: الفعل الذي يدل دليل عليه وإن لم يذكر. فإنه يجوز حذفه مثل (زيد) مقولا في جواب قول القائل: من قرأ؟ فإن تقدير الجواب (قرأ زيد) لكن الفعل (قرأ) حذف لدلالة الاستفهام عليه.

وفي الحرف مثل: الهمزة في (يكرم) مضارع أكرم. فإن أصله (يؤكرم) حذفت منه الهمزة. والهمزة حرف.

والنقص بالحذف لابد أن ينطوي على فائدة تعود إما إلى اللفظ بالطلاوة والحسن والرقة والخفة. وإما إلى المعنى كتوقير المحذوف أو تحقيره أو غيرهما.

والنقص بالحذف يشترط العلماء فيه - بالإِضافة إلى كونه مفيدا - أن لا ينقص من بلاغة الكلام، ولا يخل بالمعنى لأنه أحد قسمي الإيجاز. والإيجاز فن من فنون البلاغة. ففي الأمثلة التي مرت نرى أن النقص أتى بفوائد كانت تنتفي لو قدر للنقص أن ينتفي.

ص: 98

ففي قول القائل: (نيل خير نائل) تتزاحم احتمالات الفوائد من التوقير بعدم استرذاله، أو التحقير بصون اللسان عنه، أو ادعاء تعينه، أو غير ذلك من كونه معروفا لا يحتاج إلى الذكر، أو مجهولا لا يمكن ذكره.

وفي قول القائل: "زيد"جوابا للمستفهم بـ (من قرأ؟) يتضمن نقص الفعل وحذفه فائدة الاختصار لأن الفعل (قرأ) قد دلت الجملة المستفهم بها عليه فعرف، وعندئذ يكون ذكره لمعرفته قد وجدت فائدته دونه فاقتضى فائدة الاختصار حذفه.

وفي (يكرم) حذفت الهمزة للتخفيف. لأن من حروف المضارعة الهمزة، فعندما يعبر المتكلم وحده عن إكرامه في الحال أو المستقبل يقول

لو لم تحذف الهمزة: "أؤكرم فتجتمع همزتان، إحداهما حرف المضارعة والثانية من صيغة الفعل، فيثقل على اللسان النطق به. فحذفت الهمزة الثانية وحذفت تلك الهمزة مع بقية حروف المضارعة طردا للباب - كما يقولون - ولتتحد صيغة المضارع في باب الأفعال في المتكلم والمخاطب والغائب

وفي موضوع النقص من النص يقصد بالنقص: النقص الذي يكون في المعاني مدلولات الألفاظ.

النص: مصدر نص ينص من باب نصر.

وقد جاء بمعناه المصدري في اللغة بعدة معان يرجع معظمها إلى الرفع والإظهار

وقد ورد في حديث رفعه صلى الله عليه وسلم من عرفات: "فإذا وجد فجوة نص"(1) أي رفع ناقته في السير وأسرع كما ذكره شراح الحديث.

ويقال: "نص الشيء نصا"أي أظهره.

وأما في الاصطلاح: فقد تناولته اصطلاحات متعددة بالإطلاق اختلف ما يقصد به حسب اختلاف تلك الاصطلاحات.

والذي يعنينا منها هو الاصطلاح الشرعي العام.

لقد أريد بالنص في هذا الاصطلاح: الكتاب والسنة.

يقال: (هذا ثبت بالنص) أي بالكتاب والسنة.

ص: 99

وهذا الاصطلاح عندما نقل النص إلى هذا المعنى لم يبعد به عن معناه اللغوي. إذ أن ثبوت الكتاب عن الله عز وجل، ورفع السنة الشريفة بإسنادها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإظهار ألفاظهما لمعانيها وإظهارها للأحكام ودلالتها عليها تبرز المناسبة القوية بين هذا المعنى الاصطلاحي وبن المعنى اللغوي للنص.

ويعني علماء الأصول بالنقص من النص: "أن يوجد نص شرعي ويتناول ذا شرط أو جزء أو جزئيات ثم يأتي نص آخر أو ما في حكمه ويزيل الشرط أو يخرج بعض أجزاء أو جزئيات ما تناوله النص الأول من حكمه ".

المبحث الثاني: أنواع النقص من النص.

وفيه ثلاثة مطالب:

يتنوع النقص من النص إلى ثلاثة أنواع:

المطلب الأول: نقص الشرط.

والشرط بفتح الشين وسكون الراء لغة: الإِلزام والالتزام، ويطلق على ما يوضع ليلتزم به في العقود ونحوها.

والشرط يطلق بمعنيين: أحدهما مصدري والآخر اسمي.

ويكون المراد منه باعتبار المعنى الأول: التعليق الذي يعني به ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى. مثل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (1) .

فالآية الكريمة علّقت حصول مضمون جملة هي: {فَاطَّهَّرُوا} ومضمونها وجوب التطهر الذي يقتضيه الأمر به، بحصول مضمون جملة أخرى هي:{كُنْتُمْ جُنُباً} بأداة تدل على هذا الربط بين المضمون وهي: "إن الشرطية. فالجملة الأولى الشرط والثانية الجزاء.

وبناء على هذا المعنى وهو التعليق، يكون الشرط مصدرا ووصفا للمتكلم وباعتبار المعنى الثاني يطلق على مضمون الجملة الأولى التي ربط حصول مضمون الأخرى بحصول مضمونها.

وبناء على هذا يكون اسما للكلام وهو الجملة الأولى.

ص: 100

وإذا كان النحاة قد اصطلحوا على أن الشرط هو: "ما دخل عليه أحد الحرفين (إن) أو (إذا) أو ما يقوم مقامهما مما يدل على سببية الأول ومسببية الثاني "وهذا هو الشرط اللغوي – فإن للأصوليين اصطلاحا آخر. حيث إنهم يعنون به: "ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون داخلا في ماهيته ولا مؤثرا فيه " والشرط الذي نحن الآن بصدده، هو الذي اصطلح عليه الأصوليون.

المطلب الثاني: نقص الجزء

والجزء: بضم الجيم وسكون الزاي لغة: البعض والقسم.

ووفي الاصطلاح "مايتركب الشيء منه ومن غيره" مثل: (اليد) للإنسان. حيث إن الإنسان يتركب منها ومن غيرها كالعين والأنف وغيرهما من أعضاء الإنسان.

ومن حكم الجزء أنه لا يحمل عليه كله بحمل هوهو، فلا يصح أن يجعل الجزء مبتدءاً ويجعل كله خبراً له، فلا يقال مثلا:"يد زيد زيد".

المطلب الثالث: نقص الجزئي.

والجزئي نسبة إلى الجزء. وقد مر معناه اللغوي.

وهو في الاصطلاح: "ما يمنع نفس تصور مفهومه عن وقوع الشركة فيه". مثل: (محمد) فإنه يدل على ذات واحدة هي المسماة بهذا الاسم وهي مفهومه ويمتنع أن يشترك مع محمد غيره في هذا المفهوم. واشتراك غيره معه في اسمه لا يقدح في جزئيته، لأن الاشتراك في الاسم لا يستلزم الاشتراك في المعنى الخاص والمفهوم المعين الذي به صار محمد جزئيا. والاشتراك في الاسم لم يأت نتيجة صفة مشتركة جعلتهم يشتركون في هذا الاسم بل جاء نتيجة اتفاق ومصادفة.

هذا هو الجزئي الحقيقي.

وهناك نوع آخر من الجزئي يسمى بالجزئي الإِضافي. ويقصدون به: "كل أخص تحت أعم "مثل: (الرجل) بالنسبة إلى الإنسان، فإن (الرجل) في الحقيقة وواقع الأمر كلي لأنه لا يمنع نفس تصوره عن اشتراك كثيرين فيه، ولكن جزئيته بالإضافة إلى الإنسان المشتمل عليه وعلى غيره الذي هو المرأة. والمقصود في النقص هو الجزئي الإضافي.

الفصل الثاني

حكم النقص من النص

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: نقص الشرط والجزء. وفيه مطلبان:

ص: 101

المطلب الأول: المذاهب وأدلتها.

بالنسبة للنوعين الأولين نقص الشرط والجزء.

اتفق العلماء على أن ذلك النقص نسخ لذلك الشرط والجزء. لأن النسخ هو: الرفع والإزالة وقد تناول الشرط والجزء الذي نقص واختلفوا في كون النقص نسخا لجميع المنقوص منه إلى ثلاثة مذاهب:

الأول: أنه ليس بنسخ للمنقوص منه مطلقا. وإليه ذهب معظم الحنفية والمالكية والجمهور من الشافعية والحنابلة على الصحيح في المذهب.

الثاني: أنه نسخ مطلقا. وإليه ذهب بعض الحنفية وبعض الشافعية.

الثالث: أن نقص الجزء نسخ دون نقص الشرط.

الأدلة:

أولا: أدلة المذهب الأول:

استدل القائلون بأن نقص الجزء والشرط ليس نسخا للمنقوص عنه بما يلي:

1 -

لو كان نقص الجزء والشرط نسخا للمنقوص منه لاحتاج إلى دليل آخر يثبت حكمه وهذا الاحتياج باطل.

وجه الملازمة: أن كون النقص نسخا يقتضي ارتفاع الدليل الدال على حكم المنقوص منه جريا على مقتضى النسخ من كونه رفعا وإزالة، وعندئذ: إما أن يكون حكم المنقوص منه ثابت بلا دليل بناء على عدم احتياجه إلى دليل آخر، وإما أن يحتاج إلى دليل آخر، وكونه ثابتا بلا دليل متفق على بطلانه، فتعين حاجته إلى دليل آخر.

ووجه بطلان اللازم الذي هو الاحتياج هو: أن الاتفاق مع الأطراف المختلفة حاصل على أن حكم المنقوص منه ثابت بعد النقص دون حاجة إلى دليل غير الدليل المثبت له قبل النقص.

وأجيب عن هذا الدليل بما يلي:

أ - بمنع الملازمة وعدم التسليم بإفضاء كون النقص نسخا للمنقوص منه إلى الاحتياج إلى دليل آخر لإثْبات حكمه.

لأن دليل التنقيص هو نفسه يدل على بقاء الباقي. فالنص الدال على النقص مزدوج الدلالة، فقي الوقت الذي يدل على زوال المنقوص، يدلى على بقاء المنقوص منه أيضا، وازدواجية الدلالة هذه شأن كل دال أن على النقصان وأمثاله، ومن هنا ينتفي الاحتياج إلى دليل غير الأول، وبالطبع ينتفي ثبوت الحكم بلا دليل.

ص: 102

ب - النقض بلزوم الحاجة إلى دليل آخر على تقدير التسليم بعدم النسخ أيضا لأن النص الدال على المجموع (المنقوص، والمنقوص منه) قد ارتفع بورود الدال على النقص الذي اتفق على كونه نسخا للمنقوص.

لأن الدليل الأول إنما كان يدل على حكم المنقوص منه في ضمن حكم المجموع ولم يكن دالا على حكم المنقوص منه فقط استقلالا. وقد ارتفعت دلالته على المجموع بورود النقص فلم يبق دليلا، فيحتاج الباقي المنقوص منه إلى دليل آخر يثبت حكمه.

فإذا لم تكن الحاجة إلى دليل آخر مانعة من نسخ المنقوص، لا تكون تلك الحاجة مانعة من نسخ الباقي المنقوص منه أيضا.

2 -

لو كان النقص نسخا للجميع للزم أن يكون التخصيص موجبا لسقوط جميع ما تضمنه العام المخصوص. واللازم باطل، فيبطل ما يستلزمه، وهو كون النقص ناسخا للجميع.

وجه الملازمة.

أن النقص والتخصيص صنوان في أن كلا منهما إخراج لبعض ما تناوله اللفظ. ولا فرق بينهما من حيث ذات الإِخراج، فيؤدي كون النقض نسخا للجميع إلى كون التخصيص إسقاطا للجميع، وإلا لزم التحكم والتفريق بين المتماثلين. وكل ذلك لا يجوز.

ووجه بطلان اللازم هو:

أن الاتفاق حاصل بين جميع الأطراف المختلفة على أن التخصيص لا يؤدي إطلاقا إلى سقوط جميع ما تناوله النص العام المخصوص.

ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بمنع الملازمة ووجود الفرق بينهما، النقص والتخصيص لأن النقص أعم من التخصيص حيث يشمل رفع ما أريد رفعه أيضا.

أما التخصيص فهو دفع فقط. والأعم لا يستلزم أن يكون حكمه حكم الأخص لجواز أن يكون حكم الأعم بالنسبة لما لا يلتقي فيه مع الأخص.

3 -

أنّ النّسخ إزالة وهي تنافي البقاء. والمنقوص منه باق ثابت والإِزالة إنما تتعلق ببعض مدلول النص الدال عليه، وهذا لا يستلزم تعلقها بجميع المدلول لأن الناقص والمنقوص منه أمران لكل منهما حكمه، ونسخ أحد الحكمين لا يستلزم نسخ الحكم الآخر.

وقد أجيب عن هذا الدليل:

ص: 103

بأن الإزالة والبقاء إنما يتنافيان إذا كانا من جهة واحدة. أما إذا اختلفت جهتهما فإن أحدهما لا يستلزم نفي الآخر.

وبقاء المنقوص منه بعد النقص من جهة حكمه السابق من وجوب وغيره ونسخه من جهة أخرى وهي الإِجزاء وعدم الإجزاء وحده. فقد يكون باقيا من الجهة الأولى زائلا من الجهة الثانية.

وإذا كان نسخ أحد الأمرين لا يستلزم نسخ الأمر الآخر، فإن نسخه لا يمنع أيضا من نسخ الآخر.

أدلة المذهب الثاني:

استدل القائلون بأن نقص الجزء والشرط نسخ للمنقوص منه مطلقا بما يلي:

ا - أن المنقوص منه عندما يكون واجبا تكون حرمته ثابتة بلا جزء أو شرط قبل ورود ما أنقص الجزء أو الشرط، فما كان الإتيان به جائزا بدونهما وبورود النقص قد ارتفعت هذه الحرمة، فأصبح الإتيان بالمنقوص منه بدون الجزء أو الشرط الذي نقص جائزا.

وكل من الحرمة والجواز حكم شرعي، فيكون رفع أحدهما بالآخر نسخا، لأن النسخ ما هو إلا رفع لحكم شرعي بحكم شرعي متراخ عنه.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن حرمة المنقوص منه بدون الجزء أو الشرط معناها وجوبهما فيه، وجوازه بدونهما معناه عدم وجوبهما فيه.

فالذي ارتفع إذًا إنما هو وجوب الجزء أو الشرط، وهو حكم لهما لا له، فيستلزم ارتفاعه نسخهما لا نسخه.

وكون إنقاصهما نسخا لهما مما لا خلاف فيه، والكلام إنما هو في نسخ المنقوص منه والدليل لم ينهض لإثباته.

دفع هذا الجواب:

لم يعتبر المستدلون هذا الجواب هازا لدليلهم، واعتبروا أن تقرير الدليل هو الذي شق له الطريق، فسعوا إلى سد المنفذ الذي نفذ منه الجواب بتقرير الدليل على وجه آخر يتلخص فيما يلي:

إن إجزاء المنقوص منه قبل النقص كان مقيدا باقترانه بالجزء أو الشرط. وبعد النقص أصبح مطلقا في إجزائه، وزال عنه التقيد بحال الاقتران. وبهذا يكون حكم المنقوص منه قد تغير من التقييد إلى الإطلاق وأن النقص أزال قيد الاقتران.

والنسخ هو الإزالة. فيكون النقص نسخا للمنقوص منه.

ص: 104

وبهذا التقرير للدليل اطمئنوا إلى أنه لا ينخدش بتصبيب التغير جراء النقص على حكم الجزء أو الشرط وإبعاد المنقوص منه عن ساحته، لأن التغير قد انصب على حكم المنقوص منه بناء على هذا التقرير.

ولم يروا التلازم بين تقيد إجزاء المنقوص منه قبل النقص بحال مقارنته للجزء أو الشرط وبين كون كل منهما واجبا فيه يقضِ مضجع الدليل. لأنهم رأوا في هذا التلازم مسعفا للتغاير بينهما. إذ كون المنقوص منه مجزءاً حال المقارنة بالجزء أو الشرط ملازما لكونهما واجبين فيه، يدل على أن ذلك الإجزاء غير ذلك الوجوب، لأنه من المسلم به، أن اللازم غير الملزوم لا أنه عينه، لأن اللازم لا يكون عين الملزوم.

فالإِجزاء صفة للمنقوص منه، والوجوب صفة للجزء أو الشرط فلا يكون أحدهما الآخر.

2 -

أن المنقوص منه قبل النقص كان مطلوبا ضمن الكل وهو المجموع المكون من المنقوص منه والجزء أو الشرط، ولم يكن وحده مقصودًا بالطلب، مستقلا فيه عن جزئه أو شرطه. وبعد النقص أصبح وحده مقصودا بالطلب مستقلا.

وبهذا يكون الحكم قد تغير بالنسبة له، حيث استجد له حكم - وهو استقلاله في كونه مطلوبا - لم يكن ثابتا له قبل النقص، وزال عنه حكم - وهو عدم كونه مطلوبا بالاستقلال بل ضمن الجميع - كان ثابتا له قبل النقص، وهذا هو االنسخ. فيكون النقص نسخا للمنقوص منه.

وقد أجيب عن هذا الدليل:

بأن الذي زال إنما هو طلب الجزء أو الشرط. وأما المنقوص منه فإنه باق على الطلب الأصلي الثابت له قبل النقص، ولم يتجدد بالنسبة له شيء فلم يزل عنه حكم، ولم يثبت له آخر، فلم يتأت بالنسبة له النسخ.

3 -

أن الشيء المطلوب إذا نقص منه واقتصر على بعضه، فإن ذلك النقص ينسخ أصل المطلوب. لأن حقيقة النسخ، الرفع والتبديل. وقد كان حكم الكل أنه مطلوب جميعه وبالنقص نسخ ذلك بالكلية، لأن البعض الباقي المقتصر عليه مطلوب آخر استؤنف طلبه لا أنه بعض من المطلوب الأول.

ص: 105

فمثلا: لو أنقص الشارع من الصلاة الرباعية ركعتين واقتصر عليهما، فإن الركعتين عبادة أخرى غير الرباعية لا أنهما بعض منها.

ويدل على نفي هذه البعضية أن من صلى الصبح أربعا لا يعتبر أنه أتى بالواجب وزيادة. فلو كانت الركعتان بعضا من الأربع للزم أن يكون آتيا بالواجب وزيادة لأن الدرهم الواحد لما كان بعضا من الدرهمين، كان الذي وجب عليه درهم فتصدق بدرهمين آتيا بالواجب وزيادة.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن كون البعض الباقي مستأنف الطلب في حيز المنع، لأن الطلب الأول بالنسبة له ما زال باقيا، وأن عدم اعتبار صلاة ممن صلى الصبح أربعا لا ينفي هذه البعضية لأن عدم الاعتبار هذا لا دخل له بالبعضية، أوعدمها، وإنما هو ناشئ من تحريم الزيادة في الصلاة.

ولذا فإن الزيادات عندما لا تكون محرمة، أو محرمة لكن لا لذاتها، يكون الآتي بالمزيد عليه مع الزيادة آتيا بالمطلوب حيث يكون المزيد عليه مجزئا فلا يشكل عليه التصدق بدرهمين رغم كون المطلوب واحدا، لأن الضم والزيادة ليست محرمة ولا بالزيادة في الجلدات، حيث تكون الجلدات المقررة مع الزيادة مجزئة. لأن الزيادة وإن كانت محرمة إلا أن تحريمها ليس لذاتها، بل لكونها إضرارا بالمجلود.

فإذا علمنا أن الزيادة في الصلاة محرمة لذات الزيادة ظهر لنا الفرق بينها وبين التصدق والجلد.

دليل المذهب الثالث

استدل الذاهبون إلى أن نقص الجزء نسخ دون الشرط بما يلي:

إن نقص الجزء رفع لنفي إجزاء الكل من دون ذلك الجزء. حيث كان الكل لا يجزئ بل النقص من دون ذلك الجزء، لأن ذلك الجزء"كان داخلا في ماهية الكل محققا مع الأجزاء الأخرى لحقيقته. وبالنقص أصبح مجزئا بدونه فارتفع عدم الإِجزاء. وهو حكم شرعي إن كان الكل مطلوبا شرعا فيكون رفعه نسخا.

وأما الشرط فإنه تابع للمشروط خارج عن ماهيته.

ص: 106

ونسخ التابع لا يكون نسخا للمتبوع لأنهما كيانان. فإذا ارتفع أحدهما لمقتض اقتصر عليه، لا يقتضي ذلك ارتفاع الآخر لأن رابطة الشرطية مهما قويت لا تنفي التغاير بين الشرط والمشروط.

قد أجيب عن هذا الدليل:

بأن نسخ الباقي لو تصور فإنما يتصور بالنسبة لإِجزائه أو عدم إِجزائه، ولا فرق بين الجزء والشرط في توقف هذا الإجزاء عليهما واعتداده بهما. كما أنه لا فرق بينهما في زوال اعتباره شرعا بفقدانهما.

ولو أنعم النظر فإنه يصل إلى أن مآل الجزء فيما ذكر من الإجزاء وعدمه إلى الشرط، لأن الجزء قبل النقص كان شرطا أيضا بالنسبة للباقي، حيث إنه خارج عنه، واعتداده موقوف عليه وما الشرط إلا هذا.

هذا الجواب بناء على تسليم كون الإِجزاء أو عدمه حكما شرعيا. وهناك من لم يسلم ذلك فأجاب عن الدليل بجواب ثان مفاده:

أن الإِجزاء عبارة عن موافقة الأمر وعدم القضاء وموافقة الأمر نسبة عدمية بين الفعل والأمر لأنهما عبارة عن عدم المطالبة به، وعدم القضاء عبارة عن عدم ورود نص بطلبه، فانتفى عن الإِجزاء وعدمه أن يكونا حكمين شرعيين لأمرين:

أحدهما: عدميتهما. والحكم الشرعي إنما هو حكم الله تعالى الوجودي المتعلق على وجه خاص.

ثانيهما: أنهما عبارتان عن النسبة وعدمها، والنسب أو عدمها ليست أحكاما شرعية، فلا يكون رفعها نسخا.

دليل المذهب الرابع

استدل القائلون بأن نقص الجزء والشرط نسخ إن غير حكم المنقوص وإلا فلا بما يلي:

إن النسخ عبارة عن إزالة الحكم الثابت بالشرع المتقدم بدليل شرعي متأخر عنه والمنقوص منه الباقي بعد النقص قد كان تقدم ورود الخطاب بأنه بانفراده ليس مطلوبا واستقر ذلك وثبت. فإذا ورد بعد ذلك خطاب بأنه مطلوب تام بانفراده فإن ذلك يكون نسخا له.

ومثلوا له بما لو نقصت ركعتان من أربع ركعات فإن هذا النقص يغير حكم الركعتين الباقيتين من عدم كونهما عبادة بانفرادهما إلى كونهما عبادة تامة.

ص: 107

أما النقص الذي لا يغير حكم المنقوص منه فإنه لا يتأتى فيه معنى النسخ من الإزالة والرفع، فلا يكون نسخا.

وقد مثلوا له بما لو نقص الشارع ستر العورة من الصلاة أو وقوف المأموم عن يمين الإمام.

المطلب الثاني: الموارنة والترجيح

بالرجوع إلى الأدلة التي احتجت المذاهب بها يظهر ما يلي:

1 -

أن المذهب الأول القائل بأن النقص من النص ليس بنسخ مطلقا قد ساق ثلاثة أدلة قدحت الإجابة في نهوض اثنين منها للحجية وهما الأول والثالث ولم أطلع على إجابة عن الثاني المتمثل في قياس نقص الجزء والشرط على التخصيص، واستلزام ناسخيه النقص للمنقوص منه لكون التخصيص ناسخا للباقي بعده.

وبإنعام النظر يتبين للناظر أن هذا القياس قياس مع الفارق وأن التلازم في حيز المنع.

ووجه الفرق أن النقص أعم والتخصيص أخص.

تكمن أعمية النقص في شموله لرفع ما أريد من النص بعد ثبوته، ودفع ما تناوله النص من أن يثبت قبل ثبوته. وتكمن أخصية التخصيص في انحصاره في دفع ما تناوله النص من أن يثبت. والأعم لا يستلزم أن يكون حكمه حكم الأخص، لجواز أن يكون حكم الأعم بالنسبة لأفراده التي لا يلتقي فيها مع الأخص، فلا يلزم من كون النقص نسخا، كون التخصيص نسخا مثله فامتنعت الملازمة وخرجت الإجابة عن هذا الدليل أيضا.

2 -

وأما المذهب الثاني فإنه قد أتى بثلاثة أدلة أيضا. وقد تصدوا لها بالإجابة عنها. غير أن الأول منها المتضمن ثبوت حرمة المنقوص منه - إن كان واجبا - بدون الجزء والشرط قبل النقص وارتفاع تلك الحرمة بالنقص قد دفع الجواب عنه بما يظهر أنه أعاد القوة إليه للنهوض للحجية.

3 -

أما المذهب الثالث فقد أجيب عن دليله الوحيد.

ص: 108

4 -

وأما المذهب الرابع فإنه قد سبك دليله الوحيد سبكا أتقن إحكامه بحيث سد المنافذ التي يمكن أن ينفذ منه الغبار المثار عن الاعتراضات. ويرجع ذلك إلى انتزاع دليله من واقع النسخ، وحقيقته التي يقرها الجميع، فعلق كون النقص نسخا على تأتي هذه الحقيقة ونفى نسخيته على انتفائها، فأصبح الدليل بمنجاة عن الإجابة عنه والاعتراض عليه.

صحيح أن المذهب نفسه قد ترك المجال أمام الاعتراض بأنه علق النسخ على التغيير وهما شيء واحد، لأن دليله أنبأ أن مراده من التغيير الرفعِ والإزالة بخصوصهما وليس التغيير بمعناه الأعم الشامل للرفع والدفع والتقييد، فيكون مآل المذهب أن النقص نسخ إن كان نسخا. وتعليق الشيء على نفسه خال عن التحصيل ممتنع.

لكن بيان المراد من المذهب بأن أمر النقص من حيث كونه نسخا أو ليس بنسخ لا ينضبط كليا لا إثباتا ولا نفيا، فلا يحكم على كل نقص بأنه نسخ ولا يحكم عليه كله بأنه ليس بنسخ، بل في بعض الأحكام يكون مغيرا لحكم شرعي فيكون نسخا وفي بعض الأحكام لا يكون مغيرا فلا يكون نسخا.

هذا البيان يسد ذلك المجال لهذا الاعتراض فيعيد المذهب إلى نطاق المذاهب المفيدة الحاوية للتحصيل.

بقي النظر في تمثيله، ففي الوقت الذي لا تختلف وجهات النظر - في نظري - في كون الأول (نقص ركعتين من أربع) مغيرا نجد تلك الوجهات مختلفة في عدم كون الثاني (نقص ستر العورة أو وقوف المأموم على يمين الإمام) مغيرا.

فإن هناك من يجعل نقص الشرط مغيرا وبين وجه تغييره للمنقوص منه.

ص: 109

وعلى كل فإن اختلاف وجهات النظر في المثال لا يقدح في الممثل له. ومن جهة أخرى، فإن التمثيل للمغير وغير المغير بهذين المثالين قد يدخل في الروع رجوع هذا المذهب إلى المذهب القائل بكون نقص الجزء نسخا دون الشرط، ولكن إذا لوحظ أن المغير أعم من الركن والشرط وكذلك غير المغير إذا غض النظر عما يلازمهما، يتلاشى وهم هذا الرجوع، إذ الشرط إذا ثبت تغيير نقصه للمنقوص منه يكون نسخا عند هذا المذهب دون المذهب الآخر.

وقبل أن نغادر هذا الموطن لابد من العودة إلى الدليل الأول من أدلة المذهب الثاني

القائل بالنسخ مطلقا والذي تمثل دليله في أن المنقوص منه إذا كان واجبا، فإن نقص الجزء أو الشرط يرفع حرمته بدونهما قبل النقص.

وسبب العودة إليه هو أن هذا الدليل وإن أجيب عنه غير أن الجواب عنه قد دفع مما يجعل الدليل ناهضا، ومعنى نهوض الدليل قيام المذهب، وربما ترجيحه، وبإنعامِ النظر في دفع الجواب يتبين أنه يعود إلى جعل النقص مغيرا لإِثبات النسخ له، مما يجعل مآله راجعا إلى هذا المذهب.

وبهذا يظهر لي رجحان هذا المذهب القائل بالنسخ عند التغيير وعدمه عند عدمه. والله أعلم.

المبحث الثاني: نقص الجزئي

وبالنسبة للنوع الثالث: نقص الجزئي: فإنه يتفرع إلى فرعين هما: التخصيص والتقييد. ويتم دراسة ذلك في مطلبين:

المطلب الأول: التخصيص

وفيه فروع.

الفرع الأول: تعريفه

التخصيص: مصدر خصص. والتكثير الذي تفيد صيغة التفعيل غير مراد هنا فخصص بمعنى خص.

ص: 110

والتخصيص في اللغة: الإِفراد. ومنه يقال: خصني فلان بكذا أي أفردني به. ويقال: اختص فلان بملك كذا، إذا انفرد بملكيته ولم يشترك معه غيره. وفي اصطلاح الأصوليين:"قصر العام على بعض أفراده " والعام: الشامل. وهو: "كلمة تستغرق الصالح لها بلا حصر"مثل: الإِنسان. فإنه يتناول دفعة واحدة كل ما يصلح أن يكون فردا من أفراده، مندرجا تحته. مثل زيد وعمرو وبكر وغيرهم، ولا ينبئ عن انحصار هذه الأفراد في عدد معين.

ويقصد بقصره على بعض أفراده بيان أنه عند وروده أريد به بعض من تلك الأفراد الصالحة للانضواء تحته. مثل قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) . فإن (من) في {فَمَنْ شَهِدَ} من ألفاظ العموم يتناول جميع الشاهدين للشهر المقيمين منهم والمسافرين، الأصحاء منهم والمرضى. فجاء قوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وأخرج المرضى والمسافرين من حكم من شهد الشهر وهو وجوب الصوم المستفاد من الأمر به بـ {فَلْيَصُمْهُ} وقصر ذلك على المقيمين الأصحاء الذين هم بعض أفراد (من) في {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وبيَّن أنهم هم المقصودون بهذا الحكم وأن غيرهم من المرضى والمسافرين لهم أن يفطروا في شهر رمضان حال مرضهم وسفرهم، ويصوموا مكان الأيام التي أفطروا فيها عدة من أيام أخر.

الفرع الثاني: العلاقة بين التخصيص والنسخ:

بيان العلاقة بين التخصيص والنسخ يتطلب ذكر أنواع النسخ باعتبار الأفراد المرفوع عنها الحكم لتعيين النوع الذي يعقد التشابه رابطة تربطه بالتخصيص فتميزه أوجه الفرق عنه.

فالنسخ بهذا الاعتبار نوعان:

ص: 111

الأول: نسخ الحكم بالنسبة لجميع أفراد العام، ومثلوا له بقوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} .

ذكروا أن هذه الآية نسخها قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (1) .

فالآية الكريمة الأولى عامة شملت جميع المؤمنين، فعمهم الأمر بتقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وشملهم وجوبه. ومما دل على هذا العموم، اسم الموصول {الَّذِينَ} إذ هو من ألفاظ العموم.

والآية الكريمة الثانية أيضا عامة، لأنها خوطب بها من خوطب بالأولى. فرفعت عن الجميع وجوب التقديم.

وهذا النوع لا يربطه بالتخصيص تشابه، ولا يلتبس به لأن الحكم كان متعلقا بجميع الأفراد عند نزوله ثم انتهى عنها جميعا بعد ذلك.

والتخصيص لا ينهي الحكم عن جميع أفراد العام، بل لا بد من بقاء بعض من الأفراد ينتهي إليه التخصيص.

النوع الثاني: نسخ الحكم عن بعض أفراد العام:

وقد مثلوا له بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} (2) وذكروا أنه نسخ من هذه الآية الكريمة حكم الحامل بقوله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (3) .

فالآية الكريمة الأولى عامه تتناول جميع المطلقات، فتوجب عليهن أن يعتدن ثلاثة قروء، ودل على هذا العموم لفظ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} حيث إنه جمع معرف ب (أل) وهي من صيغ العموم.

ص: 112

والآية الكريمة الثانية خاصة بالحاملات جعلت عدتهن وضع الحمل، فذكروا أنها نسخت بالنسبة لهن العدة بتربص ثلاثة قروء.

وبهذا تكون الثانية ناسخة للأولى نسخا جزئيا، لأنها رفعت حكم الأولى بالنسبة لبعض أفرادها وهو الحوامل، دون البعض الآخر وهو غير الحوامل، وقد كانت المطلقات عامة شاملة للصنفين.

وهذا النوع يربطه بالتخصيص علاقة اشتراكهما في اختصاص الحكم ببعض ما يتناوله

العام، ونظراً لهذا الاشتراك والتشابه، قد يلتبس التخصيص بالنسخ عند البعض إلى درجة الاعتقاد باندراج النسخ في تعريف التخصيص لأنه يصدق عليه أنه: قصر العام على بعض أفراده.

ومن هنا اعترضوا على تعريف التخصيص بأنه غير مانع لأنه صدق على النسخ مع أنه ليس من المعرف ودخل في التخصيص مع أنه ليس منه.

غير أن هذا الاعتراض قد دفع بأن العام الذي نسخ حكمه بالنسبة لبعض أفراده لم يكن مقصورا على بعض أفراده عند الإطلاق بل أريد به جميع الأفراد ثم رفع البعض بالنسخ. أما العام الذي خصص بعض أفراده فإنه لم يرد به عند الإطلاق إلا البعض، فلا يتناول تعريفه النسخ، فيكون مانعا منه.

وتوخي بيان العلاقة بين التخصيص والنسخ يحدونا إلى ذكر أهم ما بينه العلماء من أوجه الاختلاف بينهما. من هذه الأوجه:

ا - أن التخصيص دفع، ويقصدون به أن التخصيص بيان أن حكم العام لم يتعلق إلا ببعض أفراده حين وروده دون البعض الآخر فخرج من حكمه من وقت الورود. بخلاف النسخ فإنه رفع. ويقصدون به أن حكم العام كان متعلقا بكل الأفراد ثم بعد ذلك تغير الحكم بالنسبة لبعض أفراد العام، فرفع الحكم عنها بعد ثبوته لها.

2 -

أن التخصيص يجوز فيه اقتران المخصص بالعام، بل عند من لا يجوز تأخير البيان، يجبَ اقترانه به، كما يجوز عند الجمهور أن يكون مقدما عليه.

ص: 113

وجواز الاقتران هذا ينبعث من طبيعة التخصيص وحقيقته وهي أنه بيان لما أريد من العام، واقتران البيان لما اكتنفه نوع من الإبهام لا يفضي إلى محظور، بل هو من سائغ الأمور، بل ربما ارتقى إلى درجة الأولوية، بل الوجوب فيما إذا حان وقت تطبيق العام.

وهذه الحقيقة نفسها جوزت تقدم المخصص على العام، إذ لا مانع من تقدم المبين على المبين ذاتاً مادام يتأخر عنه صفة وهي كونه بيانا، حيث إن البيانية لا تتأتى إلا بعد ورود العام لأنه محل لها. بخلاف النسخ حيث إنه لا يجوز فيه اقتران الناسخ بالمنسوخ، بل يشترط تراخيه عنه وبطريق أولى لا يجوز تقدمه عليه.

وعدم الجواز هذا نابع من حقيقة النسخ التي هي الرفع، إذ أن الرفع فرع الثبوت، فلا يتأتى إلا لما ثبت، فلا بد للشيء أن يثبت أولا حتى يطرأ عليه الرفع، والطروء يستلزم تراخي الطارئ عن المطروء عليه. والاقتران ينفي الطرءان ثم إن الرفع - وهو نفي - لا يمكن اقترانه بالإثبات - وهما يعرضان على شيء واحد - لأنه يفضي إلى التناقض. والشريعة منزهة عنه.

3 -

أن التخصيص لا يتطرق إلا إلى الحكم الذي ظاهره التعلق بأفراد كثيرة، أما الذي يتعلق بحق شخص واحد فإنه لا يتطرق إليه.

ص: 114

ونعود إلى حقيقة التخصيص مرة أخرى لنأخذ منها عدد التطرق هذا، إذ أن هذه الحقيقة إذا كانت عبارة عن بيان ما أريد بالنص عند وروده بإخراج ما لم يرد به فإن الحكم الثابت في حق شخص واحد يأبى هذا الإخراج، إذ أنه لا يبقي شيئا يتناوله النص، ويبين أن النص عندما ورد لم يرد به شيء، فيفضي إلى كون الكلام المخرج منه لغوا من الكلام. ونصوص الشريعة منزهة عن اللغو. بخلاف النسخ، فإنه يتطرق إلى الحكم الثابت في حق شخص واحد وحقيقة النسخ أيضا هي التي تسيغ هذا التطرق، لأنها عبارة عن رفع الحكم الثابت بالنص. وهذا يقتضي أن النص عندما ورد أريد به هذا الشخص الواحد، والإرادة تنفي اللغوية عن النص ولا تؤثر في هذا النفي قلة ما أريد به أو كثرته، إنما المؤثر حصوله أو عدمه فلم يفض تطرقه هذا إلى محظور فتطرق كما يتطرق إلى الحكم الثابت في حق أفراد كثيرة.

4 -

أن التخصيص لا يفقد العام صلاحية الاحتجاج مطلقا في مستقبل الزمان، بل يعمل به في غير صورة التخصيص، لأنه لا بد من بقاء بعض أفراد العام بعد تخصيصه، ولا يمكن أن يتناول التخصيص كل أفراده نأيا للعام عن اللغو كما ذكر ودلالة العام على أفراده الباقية تحته بعد التخصيص باقية، والتخصيص لا يبطلها بل يبقيها، فيبقى الاحتجاج به المبني عليها. بخلاف النسخ. فإن الدليل الذي نسخ حكمه قد يخرجه النسخ عن أن يعمل به ويفقده صلاحية الاحتجاج به حينما يكون الحكم ثابتا في حق شخص واحد، أو في حق كثيرين ويكون النسخ كليا لأن دلالة المنسوخ في هاتين الحالتين تبطل بالنسخ في مستقبل الزمان بالكلية، فلا يبقى النسخ دلالة المنسوخ مطلقا، فلا يبقى الاحتجاج به المبني عليها.

وبهذه الفروق الثلاثة المرتبطة وثيق الارتباط بحقيقة التخصيص والنسخ وماهيتهما، يظهر بوضوح تميز كل منهما عن الآخر تميزا يجعل السر في القادم من الكلام على بينة. وهذا ما توخيناه من بيانها.

تحقق التخصيص

ص: 115

يتحقق التخصيص عند اختلاف حكم العام والخاص الذي هو: "لفظ وضع لمعنى واحد على سبيل الانفراد، أو لكثير محصور". مثل: زيد وأسماء الأعداد مثل: عشرة، فالأول خاص لانفراده والثاني لانحصاره.

ويقصد باختلاف حكم العام والخاص: أن يرد نص عام ويقتضي حكماً، ثم يرد نص خاص يقتضي حكماً لأفراده خلاف ما يقتضيه النص العام بالنسبة لهذه الأفراد. مثل ما ذكرنا في قوله تعالى:{َمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} وقوله تعالى: {َمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} .

والاختلاف بينهما إنما يتأتى في أفراد الخاص، إذ هي التي تناولها النصان العام والخاص.

وهذا الاختلاف يتأتى في حالات متعددة هي ما يلي:

الحالة الأولى: مقارنة الخاص بالعام وتأخر الخاص عنه

وتعني المقارنة نزول أو ورود العام والخاص معا في وقت واحد من الزمن. ويعني التأخر: أن يذكر الخاص بعد ذكر العام مثل آية الصيام بالنسبة لمن شهد الشهر وبالنسبة للمريض والمسافر.

وهذه الحالة متفق على حكمها بين جميع المجيزين للتخصيص. وهو أن الخاص يخصص العام. لأن التخصيص حينئذ يحتمه إعمال الدليلين، الخاص في كل أفراده، والعام فيما عدا أفراد الخاص من أفراده. ويحتمه أيضا تعيين الخاص بيانا لما أريد من العام عند وروده بانقطاع سبل الجمع بينهما غيره.

الحالة الثانية: تراخي الخاص عن العام

ص: 116

ويتأتى ذلك بورود الخاص بعد العام بفترة زمنية. ومثلوا له بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . مع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} . فالآية الكريمة الأولى عامة تشمل كل من يرمي محصنة، الأزواج وغيرهم، والآية الكريمة الثانية خاصة بالأزواج.

وقد اختلف حكمهما بالنسبة للأزواج، حيث اقتضى ظاهر الأولى أنهم إذا رموا المحصنات ولم يأتوا بأربعة شهداء يجلدون ثمانين جلدة واقتضت الثانية عدم جلدهم عند الرمي وعدم إحضار الشهود، وأن شهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. وقد نزلت الآية الكريمة الثانية الخاصة بالأزواج بعد الآية الكريمة الأولى العامة في الأزواج وفي غيرهم.

وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى أن الخاص يخصص العام. وذهب الحنفية إلى عدم التخصيص، بل إن الخاص ينسخ العام بقدره.

الأدلة: أولا: أدلة الجمهور

استدل الجمهور على أن الخاص المتراخي عن العام يخصصه بما يلي:

ا - قوله تعالى: {ِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (1)

وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (2) .

فالآية الكريمة الأولى عامة تعم كل معبود ولم يقترن بها تخصيص، والآية الكريمة الثانية خاصة بالذين سبقت لهم من الله الحسنى كعيسى ابن مريم والملائكة عليهم السلام، وأخرجتهم من عموم الأولى فخصصتها، وقد نزلت الثانية بعد الأولى متراخية عنها.

ص: 117

فلو لم يكن التخصيص بالمتراخي جائزاً لما وقع لكنه وقع في هذه الآية الكريمة، والوقوع يستلزم الجواز، فدل هذا على أن تأخير المخصص جائز.

وأجيب عن هذا الدليل:

أ - بأن قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} لا يعم المعبودين كلهم، وإنما يعم معبود المخاطبين وهم أهل مكة فقط، وهو الأصنام. لأن الأصنام هي الموصوفة بعبادة المخاطبين لها، والموصول إنما يعم الموصوفين بالصلة، فلا تعم الآية الذين

سبقت لهم من الله الحسنى، فلا تتناول مثل عيسى والملائكة عليهم السلام، ولا يدخلون في عمومها، فلا يتحقق الإخراج بالنسبة لهم لأنهم لم يدخلوا والإخراج فرع الدخول. ولهذا لا يكون قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى

} الآية إخراجاً لهم وتخصيصاً لعموم الآية الأولى. وإنما هو تأكيد لعدم دخولهم الذي علم سابقاً أو تأسيس لإِظهار بعدهم عنها فضلاً عن دخولهم فيها، لقطع تعنت المتعنتين.

ب - على فرض تسليم تناول الآية بعمومها لغير معبود المخاطبين أيضاً، فإنها لا تتناولهم أيضاً لأنهم عقلاء، و (ما) لغير العقلاء فلا تتناول من يعقل ويعلم وإذا لم تكن الآية متناولة لهم، فلا داعي إلى إخراجهم لعدم الحاجة إلى إخراج مالا دخول له.

وأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى

} الآية فهو إما للتأكيد أو لبيان بعدهم عنها على النحو الذي ذكر.

ص: 118

ج - على فرض تسليم أن الآية تتناولهم فإن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} لا يكون تخصيصا أيضاً لأنهم خصوا بالعقل، ذلك أن العقل يقضي بأن الجريمة إذا صدرت عن الغير لا تكون سبباً في تعذيب من لم يقترفها ولم يدع إليها ولم يرض بها. والمسيح والملائكة طبعاً لم يدعوا إلى عبادتهم لهم ولم يرضوا بها، فالعقل يخرجهم من عموم الآية الأولى فيكون هو المخصص، لا الآية الثانية. وإنما هي تأكيد لما حضر في عقولهم عند الخطاب بالآية الأولى. فالمخصص إذاً كان مقارنا للآية، ودعوى تأخره في خير المنع (1) .

2 -

قال الله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين} (2) فهذه الآية الكريمة عامة تعم من في القرية، المؤمنين وغيرهم، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام للملائكة الذين قالوا له هذا الكلام الكريم:{إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ، فبينوا بعد ذلك تخصيص عموم هذه الآية، وإخراج لوط ومن معه من المؤمنين بالقول الكريم:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَه} (3) ولم يكن هذا التخصيص إلا بعد سؤال إبراهيم عليه السلام فلو لم يكن التخصيص بالمتراخي جائزاً لما أخروه

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن التخصيص لم يتأخر عن هذه الآية بل اقترن بها، ويدل على ذلك قول الملائكة:{إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين} فإن هذا تعليل للهلاك دل على تخصيص الهلاك بالظالمين، وأن من لم يكن ظالماً لا يدخلِ ضمن من يلحقهم الهلاك، ولم يكن لوط ومن معه ظالمين.

ص: 119

ثم إن بين قول الملائكة: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} وبين قولهم: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَه} لم يتخلل إلا سؤال إبراهيم بقوله: {إِنَّ فِيهَا لُوطا} والتخلل بمثل هذا لا يعد - تأخيرا، لأن مثل هذا يجري فيما بين المبين والبيان كالتخلل بانقطاع نفس، أو سعال - مثلاً - مع أنة يعتبر مقارناً.

فسؤال إبراهيم عليه السلام ينزل منزلة ذلك، فلا يجعل التخصيص متأخراً، ولأنه لو لم يكن لبادر بالّسؤال لبادر الملائكة بالبيان والتخصيص. فلا دليل في الآية على جواز تأخير التخصيص.

3 -

قال الله تعالى لنوح عليه السلام: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ

} الآية فالأهل بعمومه كان شاملاً للابن ثم خرج ابنه بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ} (1) وكان هذا الإخراج متراخياً بعد أن نادى نوح ربه فقال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} (2) فقال تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح} (3) .

فتأخير تخصيص الأهل في هذه الآية الكريمة يدل على جواز التخصيص بالمتراخي.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن قوله تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ليس تخصيصا تراخي عن العام وإنما هو أحد أمرين:

الأمر الأول: أنه بيان للمجهول؛ لأن الأهل شاع في مفهومين: النسب كالابن والزوجة وغيرهما والأتباع الموافقون، وإذا كان المفهوم الأول معروفاً غنياً عن الاستدلال فإن المفهوم الثاني يدل عليه قوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} (4)، فبين الله تعالى بقوله:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} أنه أراد بالأهل أحد المفهومين وهو الثاني الذي هو الأتباع.

ص: 120

الأمر الثاني: أن الأهل عام. وقد استثنى منه غير معين وهو قوله تعالى: {إِلَاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل} وهذا الاستثناء مجمل عند البعض، أو تخصيص إجمالي عند البعض الآخر. فلقوله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} بيان مجمل عند البعض، أو تفصيل لتخصيص إجمالي عند البعض الآخر وكل منهما يجوز تأخيره بالاتفاق بين الأطراف المختلفة.

إذاً لا دلالة في هذه الآية على جواز تأخير المخصص.

وقول نوح عليه السلام: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} إما لظنه أن الله تعالى أراد بالأهل النسب أو إنه ظن أن ابنه آمن عند مشاهدة الآية، أو ظن إيمانه مطلقاً لأنه كما قيل كان من المنافقين مستور الحال. ويناسب هذا المعنى قوله تعالى:{فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (1) .

4 -

قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (2) فهذه الآية الكريمة بعمومها تقتضي إيجاب الخمس من السلب كما أن ذي القربى يعم بني هاشم وبني المطلب وبني أمية وبني نوفل. ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له السلب للقاتل وبين أن السلب لا يجب فيه الخمس بل هو للقاتل وقال: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه"(3) كما بين أن ذي القربى ليس على عمومه وإنما المراد منه بنو هاشم وبنو المطلب، حيث منع بني أمية وبني نوفل من الخمس.

وكلا التخصيصين كان متأخراً عن نزول الآية، فدل ذلك على جواز التخصيص بالمتراخي.

وقد أجيب عن هذا الدليل بقولهم: لا نسلم أن جعل السلب للقاتل تخصيص، بل هو نسخ لأنهٍ متراخ وكل متراخ يخرج البعض من عموم سابق يكون ناسخاً لذلك البعض لا مخصصا.

ص: 121

5 -

لو امتنع التخصيص بالمتراخي فامتناعه إما أن يكون لذاته أو لأمر خارج عنه، فالأول منتف لأنه لا يلزم على فرض وقوعه محال لذاته. والثاني ينحصر فيما يقترن به من جهل المكلف بما أريد منه. لأن التخصيص بالمقارن جائز بالاتفاق. والفرق بينه وبين تراخيه هو علم المكلف بالمراد في الأول وجهله في الثاني. فلما كان الأول جائزا يبقى الذي يتصور أنه يمنع من الثاني، هو جهل المكلف لا غيره. ولو كان جهل المكلف بالمراد مانعا من تراخي التخصيص لكان مانعا أيضا من تراخي الناسخ، لأنه يلزم منه أيضا عدم علم المكلف بالمراد من الكلام - على حد قولهم - الذي يدل وضعاً على دوام العمل وتكرره. وامتناع تأخير الناسخ باطل لأنه جائز بالاتفاق، فامتناع تأخير المخصص باطل أيضا وإذا بطل امتناعه ثبت جوازه.

وبهذا ظهر أن تراخي المخصص ليس ممتنعاً لا لذاته ولا لأمر خارج عنه، فيكون جائزاً.

وأجيب عن هذا الدليل: بالتفريق بين التخصيص والنسخ بوجهين:

الأول: قول المانعين من التخصيص بالتراخي: إن الجهل الذي يلزم بناء على تراخي التخصيص جهل مركب، لأنهم يجهلون المطلوب الذي هو الخصوص ويعتقدون العموم وهو خلاف ما في نفس الأمر، والجهل المركب مذموم مطلقاً. أما الجهل اللازم لتأخير الناسخ فهو جهل بسيط منحصر في اعتقاد المكلفين دوام واستمرار الحكم، وهو غير مذموم على الإطلاق.

الوجه الثاني: إنه في تأخير الناسخ يتمكن من العمل بالمنسوخ عملاً يطابق ما يراد بالمنسوخ في نفس الأمر. أما في تأخير المخصص فإن العمل بما يطابق ما يراد بالعام في نفس الأمر غير متمكن منه لفقدان العلم بالمراد منه.

وبهذين الوجهين يتبين الفرق بين تأخير النسخ وتأخير التخصيص. فلا يستلزم جواز الأول جواز الثاني، ولا يلزم القائل بالأول القول بالثاني.

ثانياً: أدلة الحنفية ومن معهم

استدل الحنفية ومن معهم على منع التخصيص بالمتراخي بما يلي:

ص: 122

أ - إن العام إذا أطلق دون اقتران المخصص به يفيد إرادة جميع الأفراد لأن الكل هو الموضوع له العام، وقد استعمل فيه بلا أن يقترن به ما يفيد غيره، واللفظ إذا استعمل مجرداً عن القرينة ينصرف إلى الموضوع له ويتبادر هو منه. فلو لم تكن هذه الإرادة مرادة منه مع إفادته لها، يلزم في الخبر الإخبار بما ليس بمطابق للواقع، لأنه إخبار بأن جميع الأفراد مراد من اللفظ مع أن المفروض أن المراد بعضه فكان ما يفيده العام، لا يطابق ما هو الواقع من إرادة البعض. ونصوص الشريعة منزهة عن ذلك.

ويلزم في الإنشاء إفادته تثبيت ما ليس بثابت في نفس الأمر. وذلك إيقاع للمكلفين في الجهل المركب. ذلك: أن المكلفين يعتقدون ما كلفوا به ويعملون به، وهو هنا العموم حسب ما يفيده اللفظ. من حيث إن حكم الشارع متعلق به. مع أن العموم لم يقع في نفس الأمر، وهو غير مراد للشارع، ومن غير أن يكون قد حكم به، فيكون في هذا إظهار أن المراد هنا خلاف ما يظهر، ويفيده أنه المراد، فالمكلفون لعدم علمهم بما يطلبه الشارع في نفس الأمر يقعون في الجهل بهذا الاعتبار. وجهلهم هذا يتصف بالتركيب لأنهم مع عدم علمهم بالمطلوب يعتقدون أيضًا خلاف ما هو في نفس الأمر، لأنهم يعتقدون العموم حسب ظاهر اللفظ، وهو خلاف ما في نفس الأمر وهو الخصوص. وبهذا يكون جهلهم جهلاً مركباً.

وإفادة نصوص الشريعة ما ليس بثابت منتفية، لأنها منزهة عن ذلك فما يستلزمها وهو التخصيص بالمتراخي يكون باطلا.

وأجيب عن هذا الدليل:

ص: 123

بأن ما ذكر من التجهيل وعدم التفهيم إنما يلزم لو كان العام نصا في الاستغراق. وليس كذلك، بل هو ظاهر في الاستغراق مع احتمال الخصوص فينبغي على المكلف أن يعتقد أن العام ظاهر في العموم، محتمل للخصوص كما هو مفاده، وعليه أن يحكم بالعموم وينتظر أن ينبه على الخصوص، فبعد ذلك إذا اعتقد العموم قطعاً فإنما ذلك لجهله، وأنه هو الذي أوقع نفسه في الجهل لا الشارع ولا استحالة في ذلك، وعلى هذا فلزوم الإخبار بما ليس بواقع وإفادة ما ليس بثابت بناء على تراخي التخصيص باطل.

2 -

أن تأخير المخصص إما أن يكون إلى مدة معينة أو بلا نهاية، فإن كان إلى مدة معينة يلزم التحكم، لأن الوحدات الزمانية متساوية، فإيقاع التخصيص في إحداها ترجيح لها على الوحدات الأخرى بلا مرجح، وإن كان إلى غير نهاية يلزم إبقاء المكلف في الجهل، حيت يظل معتقدًا العموم عاملاً به مع كونه غير مراد، حيث الخصوص هو المراد وهذا تجهيل له. وكل من التحكم والتجهيل باطل، فما يستلزمهما وهو تراخي المخصص يكون باطلاً أيضاً.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن تأخير المخصص إنما يجوز إلى وقت الحاجة إلى البيان. وهذا الوقت معين عند الله سبحانه وتعالى يجوز أن يعلمه للرسول صلى الله عليه وسلم ولا تحكم في ذلك، لأن الحاجة هي المرجحة لوقوع بيان التخصيص في هذا الوقت، ووقت الحاجة هو الوقت الذي يتحتم فيه على المكلف أن يعمل بمدلول العام. وقبل هذا الوقت وهو وقت وجوب العمل، لا عمل للمكلف فلا يكون عاملاً بعموم أريد به الخصوص، كل ما هنالك أن المكلف يعتقد العموم ولا امتناع في ذلك. نظيره لو أمر بعبادة تتكرر كل يوم فإنه لو اعتقد عمومها في جميع الأيام لا يمتنع ذلك مع جواز أن تنسخ هذا المستقبل وإن لم يرد بذلك بيان.

ص: 124

3 -

أستدل لهم بأنه إذا ورد خطاب من الشارع، فإنه يكون مخاطباً للمكلفين في الحال. ومقتضى وروده أن يكون قاصداً تفهيمهم حالاً بهذا الخطاب كما أن هذا هو مقتضى كون الشارع مخاطباً في الحال. لأن حقيقة الخطاب توجيه الكلام إلى المخاطب بغية تفهيمه.

ولهذا لما كان الفهم منتفياً في الجماد لم يصح خطابه لانتفاء حقيقته معه، كما لا يصح خطاب الشخص بلغة لا يفهمها. والتفهيم إما أن يكون لما هو الظاهر من الكلام، وهو هنا العموم، أو لما هو المراد في نفس الأمر، وهو الخصوص. فعلى الأول يلزم التجهيل لأنه تفهيم خلاف المراد، وعلى الثاني يلزم تفهيم مالا سبيل للمكلفين إلى فهمه، لعدم اقترانه بالبيان وهو التخصيص.

وكلٍ منهما لا يليق بالشارع فيكون باطلا، فما يستلزمهما وهو تراخي التخصيص يكون باطلا أيضا.

وأجيب عن هذا الدليل بوجهين:

الوجه الأول:

إن استلزام كون الشارع مخاطباً للتفهيم في الحال لا يستلزم تفهيم ما هو الظاهر من كلامه فقط ولا تفهيم ما يريده في نفس الأمر فقط، بل إنه يفهم ما هو الظاهر من كلامه مع تجويز تخصيصه. وهذا لا يستلزم التجهيل كما أن فهم الظاهر مع جواز التخصيص في استطاعة المخاطب، فلا يلزم تفهيمه ما لا سبيل له إلى فهمه.

الوجه الثاني:

إن ما ذكر من التجهيل وتفهيم ما لا سبيل إلى فهمه لو لزم بناء على تأخير المخصص فإنه يلزم أيضاً بناء على تأخير الناسخ لاتحادهما فيما ذكر. ولزومه في تأخير الناسخ باطل لجواز تأخيره بالاتفاق، فيبطل لزومه أيضا بناء على تأخير المخصص لعدم الفرق بينهما في ذلك.

ص: 125

4 -

أستدل لهم بأنه: لو جاز أن يراد الخصوص من الخطاب الوارد بلفظ العام مع عدم اقتران المخصص به، لتعذر أن يعرف المخاطب ما يريده الشارع من المخصص أيضا لجواز أن يراد منه غير ما يفيده في الظاهر ولو لم يبين بل يتعذر معرفة كلام الشارع مطلقا لأن كل لفظ حتى الذي يبين المراد يجوز أن يكون الشارع قد أراد به غير ما يفيده في الظاهر ولم يبينه. وفي هذا إخلال بما يقصد من الخطاب مطلقا. وذلك باطل فما يستلزمه وهو جواز تأخير المخصص باطل أيضا.

وأجيب عن هذا الدليل بوجهين:

الوجه الأول:

إن البيان المقترن بما يحتاج إليه إما أن يكون بقطعي لا احتمال للتأويل فيه أو بمحتمل مقترن بقرائن تفيد العلم بمدلول الكلام. والعام اقترن به احتمال التخصيص. وهذا الاحتمال اقترنت به قرائن تفيده وهي كثرة وقوع التخصيص. وبهذا يندفع الإِخلال بالمقصود من الخطاب ولا يتعذر معرفة ما يراد منه.

الوجه الثاني:

لو لزم من تأخير المخصص الإخلال بالمقصود من الخطاب وتعذر معرفة ما يراد منه للزم ذلك أيضاً في تأخير الناسخ عن الخطاب الذي علم الله تعالى نسخ حكمه مع أن تأخير الناسخ جائز بالاتفاق.

5 -

أستدل لهم: بأن العموم للاستغراق وضعا، والخصوص إنما يراد منه إذا كانت هناك قرينة اتصلت به بينت أن المراد منه الخصوص. فلو جاز إرادة الخصوص من العام بلا قرينة مقترنة به، للزم تغيير الوضع. وذلك باطل، فما يستلزمه وهو تراخي المخصص يكون باطلاً أيضاً.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن تأخير المخصص إنما يكون تغييراً لوضع العام لو كان العام نصا في الاستغراق لكن العام ليس نصا فيه، وإنما هو ظاهر فيه مع احتمال التخصيص - كما ذكر في الجواب عن الدليل الأول - وإذا كان كذلك فإن ورود المخصص متراخيا لا يكون تغيير الوضع العام.

ص: 126

6 -

أستدل لهم: بأن الغرض من الخطاب التكليف. ولا بد له أن يحقق هذا الغرض، فلو جاز تراخي التخصيص عن العام لانتفى هذا الغرض، لأنه يوجب الشك في كل فرد من أفراد العام فلا يعلم هل أراده المتكلم بخطابه أولا؟ وبهذا يتعذر أن يعلم من الخطاب تكليف أحد بعينه، وبالتالي ينتفي التكليف الذي هو الغرض من الخطاب وانتفاء التكليف باطل، فما يستلزمه وهو جواز تراخي المخصص يكون باطلا أيضًا.

وقد أجيب عن هذا الدليل:

بأن جواز تراخي المخصص يوجب الشك في كل فرد على سبيل البدل، بينما تأخير النسخ يوجب الشك في الجميعِ: هل يبقى الحكم بالنسبة لهم أو ينسخ؟ فكان تأخير النسخ أحق بالمنع - لو كان هذا مانعا من تأخير التخصيص. فلما جاز تأخير الناسخ بالاتفاق لزم أن يجوز تأخير المخصص أيضاً.

الموازنة والترجيح

ينبغي - ونحن في صدد الموازنة والترجيح - أن نقف وقفات تأمل عند الأمور الآتية:

أولا: إن ما ذكره المانعون من تراخي التخصيص من استلزام تراخيه لتلك اللوازم الباطلة التي ذكروها في أدلتهم كالتجهيل والتحكم والبيان بالملبس وغيرها لا يختلف موقف المخصص الأول عن المخصصِ الثاني منها. لأن المهمة المناطة بالمخصص الأول هي التي نيطت بالمخصص الثاني أيضاً وقد انعقد الاتفاق بين المانعين من تراخي التخصيص والمجيزين له، على جواز تراخي المخصص الثاني. وما تجويز ذلك إلا اعتراف بأن تلك اللوازم غير لازمة لتراخي المخصص الأول أيضا نظراً لاتحاد مهمتهما. وعندئذ يكون تجويز التراخي في أحدهما دون الآخر تحكماً لا يجوز المصير إليه.

حاول المانعون التخلص من هذا التحكم فقالوا: إن مرادهم بتأخير المخصص الثاني تأخير المخصص التفصيلي عن المخصص الإجمالي. ومادام الإجمالي قد اقترن بالعام فلا مانع من تراخي التفصيلي لأن الواجب هو اقتران أحدهما بالعام. ولأن تأخير البيان التفصيلي عن الإجمالي إلى وقت الحاجة جائز.

ص: 127

وقالوا: إن المخصص الثاني ليس مخصصاً حقيقة، وإنما المراد منه هو الكلام الذي ورد لبيان المخصص المجمل وإطلاق المخصص عليه تسامح، والذي سوغ هذا الإطلاق ما يربط بينهما من علاقة البيان في كل منهما. والذي يظهر أن هذه المحاولة لا تجدي نفعاً ولا يورِث تخلصاَ. لأن المخصص الثاني لا ينحصر في التفصيلي بعد الإِجمالي، بل قد يكون مستقلَا عن الأول، يخرج عن العام أفراداً غير التي أخرجها المخصص الأول.

ثانياً: إن قصر (ما تعبدون) على الأصنام فقط باعتبارها معبود أهل مكة، وهم المخاطبون في حيز المنع، لأن العبرة بعموم اللفظ وهو (ما) لا بخصوص السبب، ثم إن انحصار المخاطبين في أهل مكة يحتاج إلى دليل ولم يأتوا به. بل المخاطب كل من يمكن أن تبلغه الآية سواء كان في مكة أو في غيرها، ولا نسلم أن كل ما عبدوه هو الأصنام فقط، فلم تكن الأصنام فقط هي الموصوفة بعبادة المخاطبين لها.

ثم إن دعوى كون (ما) في هذه الآية لغير العاقل فقط غير مسلمة، بل (إن) ما تطلق على من يعقل ويعلم أيضا، يدلّ على ذلك عدة أدلة منها ما يدل على إطلاقه على العاقل عامة ومنها ما يدل على إطلاقه على من يعقل في هذه الآية.

أما الأول: فمنه قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} (1) وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} (2) وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} (3)"فإن (ما) في هذه الآيات لمن يعلم. ومن جهة أخرى فإن (ما) قد تطلق بمعنى "الذي"باتفاق أهل اللغة، ويصح إطلاق (الذي) على العاقل.

وأما الثاني: فهو أن الإتيان بقيد (من دون الله) يدل على الحاجة إليه، وهذه الحاجة تنبعث من تناول (ما) لمن يعقل ويعلم، فأتى بهذا القيد لإخراج الله سبحانه وتعالى حيث كانت (ما) متناولة له عز وجل بعمومها.

ص: 128

فلو كانت مختصة بما لا يعقل لما احتيج إليه، ولما كان لها فائدة سوى التأكيد أما بناء على أن (ما) متناولة لما يعقل، تكون فائدة هذا القيد التأسيس، والتأسيس أولى من التأكيد، لأنه الأصل فحمل الكلام عليه أولى.

ومن جهة ثانية فإن ابن الزبعري فهم تناول (ما) في هذه الآية لمن يعقل ولهذا بادر بسؤاله عن مصير عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام، وهو من فصحاء العرب عارف

بلغاتها ملم بمراميها وأسرارها. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه سؤاله بل انتظر البيان بالتخصيص. فسؤال ابن الزبعري وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لسؤاله يدلان على أن (ما) في هذه الآية تعم من يعقل.

بقي بعد ذلك، قول المانعين عن تراخي المخصص، إن المخصص في هذه الآية هو العقل بناء على فرض تسليم تناول (ما) لمن يعقل، ويجاب عنه بأن قيام المخصص العقلي عند نزول هذه الآية غير مسلم، لأن عدم رضا المسيح والملائكة بعبادة الناس لهم إنما يعرف بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الآية، لا بالعقل إذ لا مجال له في إدراكه، فإذاً تكون الآية هي المخصصة لا العقل.

ص: 129

ثالثاً: إن دعوى اقتران التخصيص بقوله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} بدليل قول الملائكة: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} ، غير مسلمة لأن تعليل الملائكة الإهلاك بكونهم ظالمين، لا يدل على اختصاص الهلاك بالظالمين فقط حتى يخرج لوط ومن معه من لحوق الهلاك بهم، لأن الهلاك قد يلحق بمن لم يصدر منه الظلم بسبب ظلم الآخرين. يدل على ذلك قوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (1) ولو كان لوط ومن معه خارجين عن الأهل لما احتيج إلى إخراجهم بقول الملائكة: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ} الآية، لأن الإِخراج فرع الدخول، ولم يكن لهذا القول فائدة إلا التأكيد وحمل الكلام على التأسيس هو الأصل والأولى.

وكذلك لو لم يكن لوط ومن معه دخلوا في عموم الأهل، لما كان هناك إلى سؤال إبراهيم بقوله إن فيها لوطا داعٍ، فسؤاله هذا يدل على دخلوهم وإفادة الكلام لذلك.

ثم إن اعتبار تخلل السؤال بين القولين بمثابة سعال أو انقطاع نفس وعدم اعتباره تأخيراً للتخصيص فيه نظر، فإن سؤال إبراهيم يدل على أن الملائكة أكملوا كلامهم بحيث عدوا معرضين عن كلامهم الأول فاستفسر منهم بهذا السؤال.

رابعاً: إن قولهم إن المراد من الأهل الأتباع، يأبى عنه عطف جملة {وَمَنْ آمَن} على {وَأَهْلَكَ} لأن العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه. فإذا أريد من الأهل

الأتباع يكون المعطوف هو نفس المعطوف عليه، وتنتفي المغايرة بينهما، بل المراد من الأهل والله أعلم الأتباع الذين بينهم وبين نوح علاقة القرابة أيضاً، ويكون المراد من (من آمن) الأتباع الذين لا تربطهم بنوح علاقة القرابة فيكون المعطوف مغايراً للمعطوف عليه.

ص: 130

ثم إن جعل {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} بيان مجمل سواء كان المجمل الأهل أو الاستثناء المجهول، يلزمه تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأن وقت الحاجة هنا هو وقت الامتثال بالأمر بالإركاب، وقبل غرق الابن وقوله:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} كان بعد الغرق، وتأخير البيان من وقت الحاجة ممتنع بالاتفاق، فدعوى كونه بيان مجمل في حيز المنع.

ورغم دفع الاعتراض عن هذا الدليل، فإن هذا الدفع لا يبرر ضعف الدليلِ ولا يثبت صلاحيته لإِثبات كون (أنه ليس من أهلك) تخصيصاً، لأنه على كونه تخصيصًا يلزم تأخير بيان التخصيص عن وقت الحاجة وهذا ممتنع اتفاقاً.

فإذاً لا يخلو هذا الدليل من ضعف ولا ينهض حجة للمستدلين به على جواز تراخي التخصيص.

والذي يظهر أن الأصوب أن يكون {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} بيان تقرير لما أراده الله من الأهل وهو الأتباع مع القرابة، وأمره عليه السلام ابنه بالركوب لظن إيمانه حيث كان مستور الحال كما ذكرنا، والله أعلم.

ص: 131

خامساً: إنه بناء على جعل السلب للقاتل ناسخاً لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه} الآية، يلزم المانعين من تراخي التخصيص القول بنسخ المحتمل، وهو خبر الواحد للقاطع وهو العام الكتابي، ولا يمكنهم القول به لأنه إبطال القاطع بالمحتمل، فيبطل دعوى النسخ، ولما أدركوا ورود هذا عليهم أرادوا أن يتلافوه بالجواب عنه وذلك بالتسوية بين النسخ والتخصيص وجعل الفرق بينهما تحكماً، حيث قالوا إن نسخ البعض بيان من وجه لأن المنسوخ لا يبطل به بالكلية وإنما يبقى معمولا في البعض فلا بد أن يجوز النسخ كالتخصيص تجنبا من التحكم، ولكن جوابهم هذا يمكن أن يدفع بأنه إن كان التحكم يلزم بناء على القول بالتخصيص فإنه يلزم أيضا بناء على القول بالنسخ، لأنهم ماداموا سووا بين النسخ والتخصيص هنا في جوازهما، فالقول بالنسخ دون التخصيص ترجيح بلا مرجح، على أنه مادام الأمر تردد بين النسخ والتخصيص فإن التخصيص هو الراجح والأولى؛ لأن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته، والتخصيص منع من إثبات الحكم ودفع له، والدفع أسبل من الرفع، فيكون أولى.

وأما عن تخصيص العام الثاني في الآية وهو (ذي القربى) فقد أجابوا عنه بجوابين لم يسلما لهم.

أما الجواب الأول: فقالوا: إن ذي القربى وإن كان عاماً إلا أن المراد به القرابة القريبة، وهي لا تشمل بني نوفل وبني أمية فلا يدخلون فيه، وماداما لم يدخلا فلا إخراج بالنسبة لهما. وهذا الجواب مردود لأن بني أمية وبني نوفل وبني المطلب كلهم في درجة واحدة من القرابة. فهم جميعاً داخلون في ذي القربى وهو بعمومه يتناولهم لكن منع الرسول صلى الله عليه وسلم لبني نوفل وبني أمية من الخمس خصص هذا العموم.

الجواب الثاني: هو أن المراد بالقرابة قرابة النصرة والنسب. ويرد هذا الجواب بأنه تحميل للفظ ذي القربى معنى لا يفيده اللفظ وإنما هو تأويل واضح البعد.

ص: 132

سادساً: إن التفريق بين النسخ والتخصيص من حيث جواز تأخير بيان الأول دون الثاني تحكم، لأن الخطاب المنسوخ كان ظاهراً في تناوله لجميع أوقات الحياة، كما أن العام ظاهر في تناوله لجميع الأفراد، فالأوقات في المنسوخ بمثابة الأفراد في العام، فإذا كان المخاطب يعتقد في العام إرادة جميع الأفراد فإنه في الخطاب الذي يراد نسخه يعتقد أيضاً إرادة جميع الأوقات. فإذا جاز رفع حكم الخطاب الظاهر في تناول جميع الأوقات بدليل متأخر جاز أيضاً تخصيص ما يتناوله اللفظ في تناوله لجميع الأفراد.

ثمَّ إن المكلف كما يتمكن من العمل بما يطابق ما يراد من المنسوخ في نفس الأمر، فإنه أيضا يتمكن من العمل بما يطابق ما يراد من العام في نفس الأمر لأن التخصيص لا يتأخر عن وقت العمل، وقبله لا عمل للمكلف كما ذكرنا إنما العمل يبدأ بعد التخصيص وبعده يكون المكلف قد علم ما يراد من العام في نفس الأمر، فيكون عمله مطابقاً له.

هذا ومن نظر في عمومات القرآن الكريم والسنة الشريفة يرى كثيراً منها خصصت بأدلة متأخرة عنها مثل قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (1) فهذا عام ثم ورد بعده قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} (2) مخصصاً لعمومه متأخراً وكذلك بقية الأعذار، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس في الخضروات صدقة"(3)، ثم قال بعد ذلك:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"(4)، ومثلٍ قوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} (5)، ثم ورد قوله صلى الله عليه وسلم:"في أربعين شاة شاة"(6) بعد ذلك متأخرا.

الحالة الثالثة: تقدم الخاص على العام

ومثلوا له بما روي عن أنس قال: "قدم أناس من عكل - أو عرينة - فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها

الحديث ".

ص: 133

وبما روي عن ابن عباس (1) رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول "(2) .

فالحديث الأول خاص في الأمر بالشرب من أبوال الإبل. والحديث الثاني عام يشمل الأمر بالاستنْزاه من كل بول، أبوال الإبل وغيرها. وقد اختلف حكمهما بالنسبة لأبوال الإبل فاقتضى الأول جواز شربها للتداوي واقتضى الثاني عدم جواز شربها ضمن دلالته على.

وجوب الاستنْزاه والابتعاد عن كل بول المستلزم لعدم الشرب. وذكروا أن الحديث الثاني ورد بعد الأول.

وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى أن الخاص يخصص العام. وذهب الحنفية إلى أن العام ينسخ الخاص.

أدلة الجمهور:

استدل الجمهور بأدلة منها ما يلي:

أ - أن الخاص المتقدم على العام كالمعهود بين المتكلم والمخاطب. فإذا أطلق العام انصرف إلى الخاص. كما هو جار في انصراف الخطاب عند الإطلاق إلى المعهود. ومعنى انصراف العام إلى الخاص، أن الخاص لما سبق وعرف حكمه أصبح عالقاً بالذهن معهودًا فيه، فعندما يأتي العام - وهو متناول للخاص المتقدم - ويخالف حكمه حكمه يتبين أن المراد من العام غير الخاص فيختص حكم العام بأفراده التي تبقى بعد خروج أفراد الخاص من حكمه، فيكون الخاص المتقدم مخصصاً للعام المتأخر عنه.

وقد اعترض على هذا الدليل: بأن هذا رجوع إلى محل الخلاف، لأن معنى كون الخاص كالمعهود أن المتكلم بين بما تقدم من الخاص أنه أراد بالعام سوى ما يتناوله الخاص. وكذلك السامع إنما يفهم منه ذلك. وهذا عين محل الخلاف فلا احتجاج به. إذ لا يحتج بمحل الخلاف لإثبات أحد طرفيه.

2 -

لو لم يخص العام بالخاص المتقدم عليه للزم إما إلغاء الخاص بناء على جعله منسوخاً بالعام أو إهمالهما معاً بناء على التوقف. وكلا الأمرين لا يجوز المصير إليه.

ص: 134

أما الأول فلأنه يلزم منه إبطال القاطع بالمحتمل. لأن دلالة الخاص على مدلوله قطعية ودلالة العام على العموم محتملة، لاحتمال أن يراد به بعض أفراده التي هي غير ما دل عليه الخاص وتناوله من الأفراد، ودلالته على العموم تتوقف على تناوله لأفراد الخاص أيضاً وهذا الاحتمال يهزها. وإبطال القاطع بالمحتمل لا يجوز.

وأما الثاني فبطلانه واضح من كون الدليل ورد ليعمل به، فإهماله بلا مقتض من نسخ وغيره نقض لما وضع عليه وهو باطل. وإذا امتنع الأمران، تعين الثالث الذي هو كون الخاص المتقدم مخصصًا للعام حيث انحصرت احتمالات الحالة فيها.

وأجيب عن هذا الدليل:

أ - أن كون دلالة العام على مدلوله محتملة غير مسلم، بل دلت الأدلة على أنها قطعية، فالعام يتساوى مع الخاص من هذه الجهة، فلا بأس بانتساخ كل منهما بالآخر.

ب - على فرض تسليم كون دلالة العام محتملة، فإنها لا تمنع من نسخه الخاص، لأنه عام أيضاً مثل الناسخ وكونه خاصاً إنما هو بالإضافة إلى العام الذي يخصصه وليس خاصاً حقيقياً، إذ لا تخصيص في الشرع إلا بالعام. حسب ما دل على ذلك الاستقراء، وحينئذ يكون كل من العام والخاص محتملاً، فيجوز انتساخ كل منهما بالآخر.

أدلة الحنفية ومن معهم:

استدل الحنفية ومن معهم على نسخ الخاص المتقدم بالعام المتأخر وعدم تخصيصه به بما يلي:

1 -

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره"، ولا شك أن العام المتأخر أحدث من الخاص المتقدم فيؤخذ بالعام، ومعنى الأخذ به انتساخ الخاص فيكون منسوخًا.

وقد أجيب عن هذا الدليل:

بأن اتباع الأحدث فالأحدث والأخذ به يحمل على ما لا يقبل التخصيص كالخاص الذي ورد بعده خاص يعارضه، فيؤخذ ويتبع الثاني الأحدث وينسخ الأول، وبهذا الحمل يجمع بين هذا الدليل وبين الأدلة الدالة على جواز التخصيص مطلقا.

ص: 135

2 -

أستدل لهم - بأن الخاص يمكن أن ينسخه العام المتأخر فيكون ناسخاً له.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن إمكان نسخ الخاص المتقدم لا يستلزم نسخه فعلاً، لأن الامكان أعم من الفعلِ والأعم لا يستلزم الأخص. ثم إنه كما يمكن نسخه، كذلك يمكن أن يكون مخصصًا للعام. والعام كما يمكن أن يرفع الخاص المتقدم، كذلك يمكن أن يكون مخصوصاً بالخاصِ المتقدم فلو كان الامكان مستلزماً للوقوع، للزم أن يكون الخاص المتقدم منسوخاً ومخصصًا لناسخه في آن واحد، وهو محال. وتأتي الاستحالة من استلزام ذلك كون الخاص المتقدم مرتفعاً باعتباره منسوخاً وثابتاً باعتباره مخصصاً، والارتفاع عدم لا يجتمع مع الثبوت.

3 -

استدل لهم بأنه: لو كان الخاص المتقدم مخصصاً لزم البيان بالملبس لأن الخاص متردد بين أن يكون منسوخاً بالعام المتأخر عنه وبين أن يكون مخصصاً له، وهذا التردد يؤدي إلى أن يكون الخاص ملبساً، فلا يخصص لأن التخصيص بيان، فلا يجوز بالملبس وأجيب عن هذا الدليل:

بأن تردد الخاص المتقدم بين كونه منسوخاً ومخصصاً غير مسلم، بل إنه مخصص لثبوت أولوية ذلك، ولو سلم أنه متردد فإن هذا التردد إن منع من كونه بياناً للتخصيص فإنه يمنع أيضاً من كونه بياناً للنسخ. لأن المنع الأول ليس بأولى من المنع الثاني، فالمصير إلى الأول تحكم.

4 -

أستدل لهم: بأن التخصيص بيان، فلا يجوز أن يكون الخاص المتقدم مخصصاً، لأن المبين لا يجوز أن يتقدم على المبين، بل يجب أن يتأخر البيات عن المبين لاستدعاء كونه بياناً لذلك.

وأجيب عن هذا الدليل:

ص: 136

بأن الواجب هو تأخر البيان عن المبين بوصف كونه بيانا بغض النظر عن تقدم ذاته أو تأخرها، لأنه لا يمتنع أن يرد كلام ليبين المراد بكلام آخر متأخر عنه، لأنه حينئذ يكون وصف كونه بياناً قد تأخر عن المبين وإن تقدمت ذاته عليه، فتقدم ذات الخاص لا امتناع منه، وإنما الممتنع تقدمه بصفة كونه مخصصاً، ولا يلزم هذا التقدم الممتنع بناء على التخصيص بالخاص المتقدم، لأنه وإن كان متقدماً ذاتا إلا أن وصف التخصيص إنما يعرض له بعد ورود العام، أما قبله فهو مجرد عن هذا الوصف.

الموازنة والترجيح

بالرجوع إلى ما ساقه الطرفان من الأدلة وما قوبلت به من الإجابات نطلع على أن الجمهور أتوا بدليلين لإثبات جواز التخصيص بالخاص المتقدم على العام أجيب عنهما. وإنعام النظر فيهما يقودني إلى ما يلي:

بالنسبة لدليلهم الأول المتمثل في جعل الخاص المتقدم كالمعهود، نرى أن الإِجابة عنه بأنه رجوع إلى محل النزاع قد أقعدته عن النهوض لإثبات ما سبق لإثباته لأن القواعد المنظمة للأدلة تأبى صلاحية ما هو محل النزاع أن يكون حلاً لأحد طرفيه، مثبتاً لأحد شقيه، ومعهودية الخاص المتقدم واضح كونها متنازعاً عليها.

وأما بالنسبة لدليلهم الثاني المتمثل في استلزام نسخه بالعام وعدم تخصيصه له إبطال القاطع بالمحتمل، فإن الجواب بالتسوية بين الخاص والعام بقطعية دلالتهما تارة، واحتمالها تارة أخرى، يلاحظ عليه ما يلي:

أولاً: أن التسوية بين الخاص والعام في القطعية لا تصلح جواباً عن الدليل لأمرين:

أولهما: أنه عود إلى متنازع فيه بين المستدلين والمجيبين، ومن مسلمات قواعد البحث أن مثله لا ينهض جوابا يهز الدليل.

ص: 137

ثانيا: أن التساوي في أصل القطعية لا يستلزم التساوي في قوة الدلالة التي تتفاوت درجاتها صعوداً ونزولا رغم استقرارها عند قاعدة واحدة هي أصل القطعية. صحيح أن دلالة العام قوية ولتكن قطعيتها أيضاً، ولكن عندما تكون أفراد الخاص هي المدلولة، تكون دلالة الخاصِ عليها أكثر قوة وأقوى قطعية من دلالة العام عليها، إذ أن الخاص يدل عليها وحدها منفردًا بها مصرحًا باسمها، في حين يدل العام عليها مع غيرها غير خاص عليها. فلا يتأتى التساوي الذي يشترطه العلماء بين الدليلين كي يتم النسخ بينهما.

ثانياً: أن التسوية بين الخاص والعام في الاحتمالية المبنية على عدم ورود تخصيص إلا بالعام الذي هو الخاص الإضافي لا الحقيقي، يلاحظ عليه: أنه وقع التخصيص بالخاص الحقيقي. مثل قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (1)، فإنه خصص قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (2) ، ولا شك أن إباحة الأكثر من الأربع كانت خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم خاص حقيقي.

وكذلك خص قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم} (3) بما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم من كفاية شهادة خزيمة رضي الله عنه لمن شهد له دون الحاجة إلى شاهد آخر.

وخزيمة خاص حقيقي. وبهذا انتقض دعوى عدم التخصيص إلا بالعام.

هذا، وأن الحنفية ومن معهم قد ساقوا دليلاً، وسيق لهم ثلاثة أجيب عنها كلها والذي يظهر لي - والله أعلم - أن تلك الإجابات قد أقعدت تلك الأدلة عن أن تنهض حججًا تثبت ما سيقت له. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن الراجح هو التخصيص بالخاص المتقدم على العام.

الحالة الرابعة: عدم معرفة التاريخ بين الخاص والعام

ص: 138

يتحقق ذلك بأن لا يعلم تقدم أحدهما على الآخر. وقد مثلوا لها بحديث: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر"(1) . وحديث: "ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة"(2) .

فالحديث الأول عام إذ أنه يتناول ما بلغ خمسة أوسق وما لم يبلغها، ويقتضي ظاهره وجوب الزكاة في الجميع. والحديث الثاني خاص إذ أنه لا يتناول إلا ما لم يبلغ خمسة أوسق، ويقتضي ظاهره عدم وجوب الزكاة فيه. فاختلف حكم الحديثين فيما دون خمسة أوسق، حيث اقتضى الأول وجوب الزكاة فيه والثاني عدمه. وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى تخصيص العام بالخاص. وذهب الحنفية إلى التوقف بقدر الخاص إلى ظهور دليل يرجح أحدهما على الآخر ويؤخر المحرم.

الأدلة:

استدل الجمهور على التخصيص في هذه الحالة بالدليل الآتي: إذا ورد خبران وجهل التاريخ بينهما، وجب حملهما على أنهما وردا معاً. كما إذا جهل الاقتران في الغريقين، حيث يحمل أمرهما على أنهما غرقا معاً ولا يقدم أحدهما على الآخر.

وقد أجيب عن هذا الدليل:

بأن اعتبار الغريقين أنهما غرقا معاً ليس متفقاً عليه حتى يقاس عليهما الخبران اللذان جهل تأريخهما. لأن من الصحابة رضي الله عنهم من جعل كل واحد منهما كأنه لم يوجد أبدا فقضى بعدم التوارث بينهما وما ذلك إلا لاشتباه حالهما.

فإذا كان الخبران مجهولا التأريخ يقاسان على الغريقين اللذين لم يعرف اقتران غرقهما من جهة اعتبارهما غرقا معًا نظراً إلِى أن بعض الصحابة رضي الله عنهم ورثا كلا منهما من الآخر فإن الخبرين يقاسان أيضًا على الغريقين من جهة اشتباه حالهما والتوقف في أمرهما نظراً إلى أن بعض الصحابة رضي الله عنهم لم يورث أحدهما من الآخر.

فيتوقف في أمر الخبرين أيضاً ولا يبنى أحدهما على الآخر، بل يصار إلى أمر آخر للترجيح، لأن القياس الأول ليس بأولى من الثاني.

دليل الحنفية ومن معهم:

ص: 139

استدل الحنفية على التوقف وتأخير المحرم في هذه الحالة بما يلي: إن الخاص عند الجهل بالتأريخِ يحتمل أن يكون متقدما على العام، وحينئذ يترجح عليه العام فيكون منسوخاً بالعام مرجوحا.

ويحتمل أن يكون متأخراً عن العام، وحينئذ يترجح على العام فيخصصه ويكون راجحاً وهذان الاحتمالان متعارضان، فتعارضهما يوجب التوقف ويؤخر المحرم احتياطًا، لأنه لا بأس بترك المباح الذي يترتب على تقديم المبيح وتأخير المحرم، ولكن البأس في فعل الحرام الذي يترتب على تقديم المحرم وتأخير المبيح.

الموازنة والترجيح

إن قياس الخبرين مجهولي التأريخ على الغريقين في الاقتران للوصول إلى التخصيص قد أجيب عنه. وفي نظري قدحت الإجابة في الدليل وحالت دون نهوضه حجة لأن الدليل ركز على توريث الصحابة رضي الله عنهم في مثلهما، أحدهما عن الآخر، وقد جاءت الإجابة بما يمكن أن يكون قياساً معارضاً لذلك الذي أتى به الدليل وهو عدم توريث بعض الصحابة لمثل الغريقين أحدهما عن الآخر فتعادل القياسان من جهتين:

الأولى: أن كلاً منهما اعتمد على عمل بعض الصحابة فتساويا من هذه الجهة.

الثانية: أن كلا العملين لبعض الصحابة ثبت بدرجة متساوية للآخر حيث كان إسناد كل واحد منهما صحيحاً حسبما بينه المحدثون.

وهذا التعادل يجعل الأخذ بقياس الخبرين على أحدهما دون الآخر ترجيحاً بلا مرجح فلا يجوز المصير إليه إلا بمرجح خارجي، ولم يثبته المستدلون.

والذي يظهر لي أن الخبرين لا يشبهان الغريقين إلا في الجهل بالتأريخ وأقصى ما يؤدي إليه هذا الشبه هو الحكم بالاقتران والاقتران ليس العنصر الوحيد الموصل إلى التخصيص بل إذا اعتبر عنصراً فإنه لابد أن تتحقق النسبة وهي الخصوص والعموم مطلقًا.

أو من وجه، وأعتقد أن هذه النسبة لم تتحقق في الغريقين، لأنهما شخصان متساويان في العموم والخصوص، فهما بمثابة عامين أو خاصين.

ص: 140

ومن هنا جاء توريث كل منهما من الآخر، وهذا بمثابة إعمال كل من الخبرين في كل الآخر، بينما التخصيص إعمال الخاص في بعض أفراد العام، وإعمال العام في غير أفراد الخاص. إلا أن يقال إن الغرض ثبوت الإعمال، أما كيفيته فبحسب نسبة الخبرين بعضهما من بعض.

يبقى بعد ذلك النظر فيما تمسك به الحنفية من تعارض الاحتمالين، وأدائه إلى التوقف. وتجاه هذا الدليل وجواباً عنه ينبغي أن يقرر أن التوقف ليس من السهولة بحيث يصار إليه لأدنى تردد بين أمرين يتصور التساوي في النسبة إليهما.

وتكمن خطورة التوقف في أن فيه تعطيلاً للنصوص الواردة لتطبيقها والعمل بها بإعمالها. ولهذا لا يصار إليه إلا عند التعذر التام بالنسبة للعمل بها، وعند انتفاء إمكان الجمع بينها، وهذا وذاك لم يتأتيا بالنسبة للخبرين الخاص والعام مجهولي التاريخ. إذ يمكن إعمالهما والجمع بينهما على النحو الذي مر غير مرة من إعمال الخاص في أفراده والعام في غير أفراد الخاص من أفراده والجمع بينهما بجعل الخاص مبينا للمراد منه.

ولما تقدم فإن الذي يظهر لي - والله أعلم - أن الراجح هو التخصيص في هذه الحالة. حالة الجهل بالتاريخ بين الخاص والعام.

خاتمة المطاف

فيما عدا الحالة الأولى التي اتفق على التخصيص فيها وحالة الجهل بالتاريخ كان الخلاف يدور حول الأخذ بأحد الأمرين - النسخ والتخصيص. وقد تركز ترجيح أحدهما على النقاط التالية:

الأولى: قوة دلالة العام.

الثانية: فرض حالات لا تصلح إلا لأحدهما.

الثالثة: كثرة الورود.

الرابعة: إعمال الأدلة.

ص: 141

بالنسبة للنقطة الأولى: اتخذ المرجحون للنسخ قوة دلالة العام مؤهلة له للنسخ في الحالات التي يمكن أن يكون فيها ناسخاً. وأوصلوا هذه القوة إلى درجة قوة الخاص الحقيقي، فقالوا: إن اللفظ العام في تناوله لأفراده بمثابة ألفاظ خاصة، كل لفظ منها يتناول واحدا فقط من تلك الأفراد فهو يجري مجرى هذه الألفاظ. فمثلاً قوله:"اقتلوا المشركين"يجري مجرى: "اقتلوا زيدا المشرك، اقتلوا عمروا المشرك، اقتلوا خلفا المشرك "إلى أن يأتي على أفراد العام واحدا بعد واحد حتى ينتهي، فقوله:"اقتلوا المشركين"إجمال لهذا المفصل. ولو قال هذا المفصل بعد ما قال: "لا تقتلوا زيدًا"لكان الثاني نسخاً للأول، فكذا ما هو بمثابة هذا المفصل. فيكون "اقتلوا المشركين"نسخاً لـ "لا تقتلوا زيداً المشرك ".

ولكن المرجحين للتخصيص وإن سلموا لهم أن هذا الإجمال بمثابة ذلك المفصل، غير أنهم حددوا ما هو بمثابته فيه بما لا يسد باب التخصيص في الإجمال فبينوا: أن كون اللفظ بمثابة ألفاظ خاصة إنما هو في تناوله لما تتناوله هذه الألفاظ فقط، وأما في امتناع دخول التخصيص على هذه الألفاظ الخاصة، فإن العام لا يجري مجراها.

ففي المثال المذكور لو ذكر بدل "المشركين "في "اقتلوا المشركين "خصوصية زيد وعمرو وخلف، يصار إلى النسخ نظراً لعدم إمكان التخصيص، لأن التخصيص إخراج البعض، وذلك إنما يتصور فيما يندرج تحته أشياء ويكون ذا بعض، وزيد لا يتصور فيه ذلك، لأن اللفظ الخاص لشيء واحد لم يدخل تحته أشياء حتى يخرج منه بعضها، بخلاف ما لو كان المذكور لفظ "المشركين "حيث يمكن تخصيصه لأن اللفظ تناول أشياء يمكن إخراج بعضها ويراد به بعضها.

ص: 142

وإذا أمكن التخصيص صير إليه، ولا يصار إلى النسخ لكون التخصيص أولى منه1. هذا، ومما لا شك فيه أن إلقاء نظرة فاقهة في بيان الجانحين إلى التخصيص لهذه المثابتية تفصح عن وجاهته وكونه أدعى إلى القبول لأن المثابتية تبقي شيئاً من المغايرة بين الأمرين اللذين جعل أحدهما بمثابة الآخر، ولا تنفى هذه المغايرة لأن نفيها يجعل أحدهما هو الآخر وهذا ما يعارضه مقتضى كلمة "المثابة".

ومما يدل على أن هذا الإجمال لا يماثل المفصل في كل حكمه أن المائلين إلى النسخ أنفسهم لا يجعلون الإجمال مثل المفصل عند المقارنة في الورود حيث يمنعون ورود المفصل مع الخاص عند اختلاف حكمهما، بينما يجيزون ذلك في المجمل، لأنهم يجعلون الأول مفضياً إلى التناقض الذي ينزه عنه نصوص الشارع، ويجعلون الثاني تخصيصا يؤخذ به فيها.

فدلالة العام قوية بلا شك، ولكن كون دلالة الخاص على أفراده أقوى من دلالة العام عليها مما جنح إليه الأكثرون إن لم يكن الجميع.

وبالنسبة للنقطة الثانية: فرض الناسخون حالات لا يصلح فيها إلا النسخ، وطرءان التخصيص فيها يفضي إلى اللغو من الكلام، ذلك اللغو المحذور في نصوص الشريعة، لأنها منزهة عنه بل يصان منه حتى كلام العقلاء.

ص: 143

من هذه الحالات قالوا: إذا قيل في شهر "لا تكرم الجهال"ثم قيل في شهر آخر: "أكرم الناس"ثم قيل في شهر ثالث: "لا تكرم العلماء"فقد اتفق على أن قوله "أكرِم الناس"لا يعد لغوا، وعدم اعتباره لغواً إنما يتأتى بناء على عدد القول بالتخصيص مطلقا، لأنه لو قيل بالتخصيص مطلقاً سواء كان الخاص متقدما على العام أو متأخراً عنه لزم لغوه، لأن كلاًّ من (لا تكرم الجهال) و (لا تكرم العلماء) يجعل مخصصاً ومبينا أن المراد من (أكرم الناس) حين وروده كان غير الجهال والعلماء، وحينئذ لا يبقى شيء من الناس لأن الناس ينقسم إلى قسمين الجهال والعلماء، فإذا خص منه الجهال بـ (لا تكرم الجهال) يبقى العلماء فقط، وإذا خص العلماء منه أيضاً بـ (لا تكرم العلماء) لا يبقى منه شيء فيكون لغوًا وقد اتفق على عدم كونه لغواً.

فلو كان الخاص مخصصاً للعام مطلقاً، لزم لغو ما اتفق على عدم لغوه.

ولكن المخصصين لم يعتبروا هذه الحالة من الحالات التي يتردد الأمر فيها بين النسخ

والتخصيص حتى يكون تحتم النسخ فيها مرجحاً للنسخ على التخصيص فقالوا: إن التخصيص إنما يقال به عند تعارض العام والخاص.

أما إذا تعارض الخاص مع الخاص فإن الثاني ينسخ الأول. وما ذكروه من المثال من قبيل الثاني دون الأول. لأن الناس إذا خص منه الجهال يبقى العلماء فقط وهم المأمور بإكرامهم. فإذا قيل: لا تكرم العلماء يكون نهياً عن إكرامهم. والنهي عن إكرام من أمر بإكرامهم يكون نسخاً لا تخصيصاً، لأن الأمر بالإكرام والنهي عنه وردا على شيء واحد، وهو العلماء.

والممعن للنظر في هذه الحالة المفروضة يدرك أنها في غير محل البحث إذ البحث يجري فيما يمكن فيه التخصيص والنسخ، لا الحالة المتعينة لأحدهما ففي فرضها غض للنظر عما يجري فيه الخلاف فلا تصلح مثبتة للدعوى ولا ملزمة للمخالفين، لأنها مما اتفق الطرفان على تعينه للنسخ، فلا تصلح مرجحة للنسخ عندما يكون التخصيص ممكناً.

ص: 144

وبالنسبة للنقطة الثالثة: ركز المخصصون على كثرة التخصيص وجعلوها مرجحة للتخصيص عند تردد الأمر بينه وبين النسخ واحتماله لهما.

وقالوا: التخصيص أولى من النسخ، لأنه من جهة الوقوع أغلب من النسخ والحمل على الأغلب وقوعاً أولى.

ولم يقف الأمر عند بعضهم في حدِّ اعتقاد كثرة التخصيص وأغلبيته، بل جاوزوا هذا الحد وقالوا:"ما من عام إلا وخص"وحتى هذا القول قد خص بقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) . ولكن الناسخين رفضوا هذه الكثرة ولم يسلموا بتلك الأغلبية، بل إنهم قالوا:"إن التخصيص أقل القليل "وعللوا أقليته بكونه لا يتم إلا بكلام مستقل مقارن وهذا قل أن يحدث ويوجد.

وبتفحيص النظر وتدقيق الفكر فيما ذهب إليه الطرفان وما قالاه، نجد أن كلا القولين جاوز حد الاعتدال وتخطى رقاب ما هو واقع، ومن هنا جاء رفض استقراء النصوص الشرعية للقولين معاً. فإذا سلم بكثرة التخصيص فإنه لا يقرّ القول بأنه (ما من عام إلا وخص) فلم تصل الكثرة إلى هذا الحد الذي ذهب إليه المخصصون.

والمتتبع لنصوص الشريعة يجد كثرة كاثرة من عموماتها غير مخصوصة فالقارئ لكتاب الله الكريم يفتتح فاتحته بعمومات لم تخص: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) فالله سبحانه وتعالى رب كل العالمين وجميعهم بحيث لا يخرج من ذلك شيء فهو عام لم يدخله التخصيص نهائيا. وكذلك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (3) فكل ما في يوم الدين يملكه الله تعالى بأجمعه لا يخرج منه شيء فهو عام لم يدخله التخصيص.

وهكذا من تتبع يجد الكثير والكثير مما يدحض دعوى (ما من عام إلا وخص) وكما لا يقر القول بندرة ما لم يخص، كذلك لا يقر القول بندرة ما خصص فالقول بأنه (أقل القليل) يرفضه استقراء النصوص الشرعية أيضاً ولعل فيما ذكر فيما سبق من البحث غنية عن ضرب الأمثال الذي يطيل بنا المقال.

ص: 145

فالذي يظهر لي - والله أعلم - أن كثرة التخصيص لا تصلح نقطة يرتكز عليها ترجيح التخصيص، لأنها ما وصلت إلى حد ما ادعاه المخصصون، ولا ينبغي أن يغفل جانبها، ويغض النظر عنها لأنها ما انتفت إلى حد ما ادعاه الناسخون، فهي حقيقة قائمة يمكن أن تتعاضد بغيرها فترجح.

وبالنسبة للنقطة الرابعة: ركز المخصصون والناسخون على إعمال الأدلة تركيزاً مكثفاً لأنه نقطة تمس جوهر ما سيق له الأدلة، والقصد الذي من أجله وردت فرأى كل فريق أنه سبيل للوصول إلى بغيته وتحقيق غايته من ترجيح التخصيص أو النسخ عند اختلاف حكم الخاص والعام.

ذهب المخصصون إلى أن التخصيص هو الذي فيه إعمال الدليلين الخاص والعام، الخاص في جميع أفراده، والعام في بعض أفراده، وهو غير ما تناوله الخاص، وإعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إعمال أحدهما وإلغاء الآخر. فيكون أولى من النسخ عند تردد الأمر بينهما.

وذهب الناسخون إلى أن النسخ هو الذي فيه إعمال الدليلين الخاص والعام حيث استعمل كل منهما في تمام مدلوله في زمن، فهما استعملا في مدلولهما في زمانين، لأنه في الزمن الذي سبق نزول الناسخ استعمل المنسوخ في تمام مدلوله. فيكونان قد استعملا في تمام مدلولهما في زمانين، فيكون أولى من التخصيص.

والذي يظهر لي - والله أعلم - أن التخصيص هو الذي يتحقق فيه إعمال الدليلين الخاص والعام على النحو الذي ذكره المخصصون. لأن ما تصوره الناسخون في النسخ إعمالا للدليلين ليس في الحقيقة إعمالاً لهما، لأن إعمالهما إنما يتأتى فيما لو أعملا معًا في وقت واحد. لأن هذا هو المتبادر من إطلاق إعمال الدليلين في موقف كهذا.

ص: 146

وما قيل في النسخ من الإعمال ليس كذلك. لأنه في الوقت الذي يعمل فيه المنسوخ وهو وقت ما قبل ظهور الناسخ، يكون العمل لدليل واحد وهو المنسوخ. أما الناسخ فلا عمل له وفي هذا الوقت نهائياً ثم لمَّا يظهر الناسخ يبدأ هو بالعمل. ففي هذا الوقت وهو وقت ما بعد ظهور الناسخ يكون العمل للناسخ فقط أما المنسوخ فلا عمل له نهائياً. فتبين من هذا أن كلا من الناسخ والمنسوخ عمل في وقت معين على انفراد ولم يجمع وقت واحد بينهما في العمل.

فدعوى إعمال الدليلين في النسخ غير مسلَّمة، لأنه في الوقت الذي يعمل فيه المنسوخ يكون الناسخ غير موجود وبالطبع لا عمل له، وفي الوقت الذي يعمل فيه الناسخ يلغى المنسوخ عن العمل نهائيًا.

أما في التخصيص، ففيه إعمال الدليلين في وقت واحد، الخاص في جميع مدلوله، والعام في بعض مدلوله. وإعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إعمال أحدهما من جميع الوجوه وإلغاء الآخر كذلك.

وهذه النقطة في نظري ينبغي أن يركز عليها في ترجيح أحد الأمرين النسخ والتخصيص عند احتمال الأمر لهما. وأهميتها تنبعث من انصبابها على الحفاظ على النصوص الشرعية وتحقيقها للهدف المقصود من ورودها.

وهنا نختم مطافنا بالقول بأن الذي ظهر رجحانه، هو القول بالتخصيص في جميع حالات اختلاف حكم العام والخاص. والله أعلم.

المطلب الثاني: التقييد

وفيه فروع:

الفرع الأول: تعريفه:

ص: 147

التقييد على وزن التفعيل، مصدر قيد يقيد. وهو في اللغة: جعل القيد وهو الحبل ونحوه في رِجل دابة وغيرها فيمسكها وفي اصطلاح الأصوليين: "اتباع الخاص بلفظ يقلل شيوعه" ويقصد بالخاص هنا المطلق على اعتبار أنه من أنواع الخصوص، والمقصود باللفظ هو القيد، والمقصود بتقليل شيوعه تقليل انتشاره بين أفراد جنسه. مثل: زيادة صفة الإيمان على حقيقة الرقبة فيقال: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فهذه الزيادة تعتبر تقييداً لأنها اتباع للخاص الذي هو الرقبة بلفظ وهو المؤمنة وهذا اللفظ قلل شيوع الرقبة، وحد انتشارها بين الأفراد التي هي الرقاب المشتركة معها في جنسها وهو كونها رقبة. وهذه الزيادة تجعل المطلق مقيداً. وبما أن تصور الكل يتوقف على تصور أجزائه المكونة له، وحيث إن التعريف قد اشتمل على أجزاء وعناصر منها المطلق والمقيد، فإنه ينير تصور التقييد كلاً، التطرق إلى ما يتيح تصور كل من المطلق، والمقيد الركيزتين المهمتين من ركائز التقييد وهو تعريفهما. ففيه نسوق الكلام الآتي:

تعريف المطلق لغة:

المطلق: اسم مفعول مأخوذ من الإطلاق وهو التخلية والإرسال. فالمطلق لغة: المرسل. يقال: أطلقت الأسير إذا خليته.

تعريف المطلق اصطلاحاً:

لعلماء الأصول في تعريف المطلق اتجاهان، حولهما دارت التعاريف المتعددة التي ذكرها العلماء له.

الاتجاه الأول: النظر إلى المطلق من حيث الدلالة على الماهية التي تعد من المفهومات المعتبرة من الأمور العقلية.

ص: 148

الاتجاه الثاني: النظر إليه من حيث الدلالة على الأفراد الموجودة في الخارج. فأصحاب الاتجاه الأول عرّفوا المطلق بأنه: (الدال على الماهية بلا قيد) ومعنى هذا التعريف أن المطلق هو اللفظ الذي يدل على الحقيقة والماهية من حيث هي بلا اعتبار قيد من وحدة أو وصف أو شرط أو زمان أو مكان أو غيرها. مثل: رجل. فإنه لفظ يدل على حقيقة وماهية هي: الإنسان الذكر. ولم يعتبر في اللفظ قيد من القيود التي تقلل من شيوعه وانتشاره حيث لم يوصف الرجل بوصف ما، كما لم يشترط فيه أن يكون في زمان لا أو مكان ما أو غير ذلك من القيود.

ومما ينبغي ملاحظته أن المهم هو عدم اعتبار القيد في لفظ المطلق سواء وجد في الواقع ونفس الأمر ولكنه لم يعتبر في اللفظ أو لم يوجد. فعدم الاعتبار هو الذي يضفي على اللفظ صفة كونه مطلقاً، أما وجوده في نفس الأمر فليس بذي بال ولا ينفي كونه مطلقاً مادام لم يعتبر. ذلك أن الماهية إنما توجد بوجود جزئياتها، والجزئي عندما يوجد تصاحبه القيود، فمثلا عندما يوجد رجل لابد أن يكون في زمان ما ومكان ما ومتصفاً بصفة ما، فإذًا القيد وجد رغم كون اللفظ مطلقًا، ولكن هذه القيود أو واحداً منها مادام لم يعتبر في اللفظ فلا ضير حينئذ على كونه مطلقاً. فالماهية مأخوذة لا بشرط شيء، وبهذا الاعتبار تسمى مطلقاً.

ص: 149

وأصحاب الاتجاه الثاني عرّفوه بأنه: هو المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه. ومعنى هذا التعريف: أن المطلق هو اللفظ الذي يشمل فرداً واحداً غير معين بمعنى أن ذلك الفرد المتناول بالمطلق فرد منتشر شائع في جنسه، وشيوع المدلول في جنسه يعني كونه حصة محتملة لحصص كثيرة على سبيل البدل بمعنى أنها يمكن أن تصدق على كلِ حصة من تلك الحصصِ من غير أن تستغرقها وبلا تعيين. فمثلاً (رجل) لفظ يتناول شخصًا واحداً فليكن زيداً مثلاً، ولكن تناوله له ليس معناه أن ذلك الواحد تعين أن يكون مدلولا له، ولا يحتمل أن يصدق على غيره بل هو فرد منتشر في جنس الرجل، وحصة واحدة شائعة محتملة لحصص كثيرة كعمرو وبكر وسعيد وغيرهم ممن يشملهم جنس الرجل، فرجل يمكن أن يصدق على عمرو بدل زيد، وعلى بكر بدلهما، وعلى سعيد بدلهم، ولكنه عندما تصدق عليهم لا يستغرقهم ولا يشملهم دفعة واحدة، ولا يعين واحداً منهم بالتناول بل يتناول واحدا منهم فقط. فتناوله لهم بدلي وليس استغراقيا ولا تعيينيا، وذلك باعتبار حقيقة وهي: الإنسان الذكر شاملة لجنس الرجل.

وبهذا يخرج من التعريف العام لوجود الاستغراق فيه وكذلك خرج جميع المعارف لوجود التعيين فيه.

وقد ذكر بعض العلماء أن تعريف أصحاب الاتجاه الثاني أقرب إلى أسلوب الأصوليين، لأنه يجعل مدلول المطلق هو الأفراد، أما تعريف أصحاب الاتجاه الأول فإنه يجعل مدلوله الماهية من حيث هي.

ووجه الأقربية أن كلام الأصوليين في قواعد استنباط أحكام أفعال المكلفين والتكليف متعلق بالأفراد لا بالمفهومات الكلية التي هي أمور عقلية، والتي تعتبر الماهية من حيث هي هي منها وإجراء الأحكام على المطلق يكون في ضمن الأفراد لا في ضمن الماهية لأن المقصود وجود ما تعلق به التكليف والحكم، والوجود يتأتى للجزئيات والأفراد أما الماهية من حيث هي هي فلا وجود لها في الخارج.

ص: 150

وقد قال الفريق الأول: إن الماهية وإن كانت لا توجد في الخارج من حيث تجردها إلا أنها توجد ضمن أفرادها وجزئياتها. فهي موجودة في الخارج بوجود جزئياتها لأنها جزء لجزئيه، وجزئيه موجود فتكون موجودة بوجوده؛ لأن جزء الموجود موجود، فمثلاً ماهية الرجل وهي الإنسان الذكر وإن لم تكن موجودة في الخارج مجردة، إلا أنها موجودة ضمن زيد مثلاً، فزيد وهو جزئي للرجل موجود في الخارج وهو مكون من جزئين الأول الإِنسان الذكر والثاني المتشخص، فالجزء الأول وهو الماهية يكون موجوداً بوجود زيد المكون منه ومن الجزء الآخر، لأن هذا المركب إنما يتأتى وجوده بوجود جزئيه، إذ وجود المركب بوجود أجزائه.

وهذا القدر كافٍ في تحصيل الماهية ووجودها وتعلق التكليف والحكم بها.

وقد أجاب الفريق الثاني بأن الماهية لما توقف وجودها على وجود جزئي وفرد من أفرادها كان ذلك الجزئي مطلوباً بالمطلق من حيث إن الماهية يتوقف وجودها عليه، فآل الأمر إلى أن المطلوب بالمطلق جزئي من جزئيات الماهية لا الماهية نفسها.

كما أن موافقة التعريف الثاني لكلام أهل العربية تجعله أقرب إلى القبول منضما إلى ذلك وضوحه في بيان المراد منه، والوضوح من أهم مميزات التعريف.

تعريف المقيد:

لماّ وجد بالنسبة لتعريف المطلق اتجاهان أصبح من الطبيعي أن يوجد هذان الاتجاهان في تعريف المقيد أيضاً، نظراً إلى أن المقيد هو ما يقابل المطلق ولذا عرّفه الفريق الأول بأن المقيد هو:"اللفظ الدال على الماهية الموصوفة بأمر زائد عليها"مثل (رجل كريم) فإنه يدل على الماهية وهي الإنسان الذكر الموصوفة بأمر وهو الكرم زائد على الماهية لأنها لا تتضمنه.

وعرّفه الفريق الثاني بأنه: "اللفظ المتناول لمعين أو غير معين موصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه " مثل: (رجل كريم) فإنه يدل على فرد غير معين موصوف بأمر وهو الكرم زائد على الحقيقة التي هي: الإنسان الذكر إذ هذه الحقيقة لا تتضمنه.

الفرع الثاني

ص: 151

حكم المطلق والمقيد

أ - حكم المطلق:

الأصل أن المطلق على إطلاقه ما لم يوجد دليل يقيده، فانطلاقاً من هذا الأصل إن اللفظ إذا ورد مطلقاً في نص من النصوصِ ولم يرد مقيداً في أي نص آخر فإن الحكم أنه يعمل به على إطلاقه مثل لفظ {أَزْوَاجاً} الوارد في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا} (1) . فقد ورد هذا اللفظ في هذه الآية الكريمة مطلقاً غير مقيد بكونهن مدخولا بهن أو غير مدخول بهن. ولم يرد هذا اللفظ في نص آخر مقيداً بوصف الدخول أو عدمه، ولذا كان الحكم أن تعتد الزوجة المتوفى عنها الزوج هذه المدة المقدرة في الآية الكريمة لعدة الوفاة سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها.

ب - حكم المقيد:

الأصل أن المقيد على تقييده ما لم يوجد دليل على إطلاقه فاللفظ إذا ورد في نص مقيدا بقيد فإنه يعمل به مع قيده ما لم يقم دليل على إطلاقه بأن لم يرد في أي نص آخر مطلقا عن هذا القيد، مثل لفظ {شَهْرَيْنِ} الوارد في قوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (2) .

فقد ورد هذا اللفظ في هذه الآية الكريمة مقيدا بمتتابعين، ولم يرد في نص آخر مطلقا عن هذا القيد ولذا كان الحكم في كفارة الظهار بالنسبة لمن وجب في حقه الصوم فيها أن يصوم شهرين متتابعين، ولا يخرج عن العهدة بصومهما متفرقين، عملا بالقيد الذي هو وصف التتابع الذي قيد به صيام شهرين.

حمل المطلق على المقيد

معنى الحمل:

هو أن يكون المقيد بيانا للمطلق، فيراد بالمطلق الذي ورد في نص المقيد الذي ورد في نص آخر، فيقلل من شيوع وانتشار المطلق.

ص: 152

فمثلا ورد لغة (رقبة) في نص مطلقا، وفي نص آخر مقيداً بالإِيمان (رقبة مؤمنة) فإذا حملنا المطلق على المقيد يكون المقيد بيانا للمطلق بمعنى أن المقيد وهو الرقبة الذي ورد في نص بين أن المراد من المطلق وهو (رقبة) الوارد في النص الآخر رقبة مؤمنة أيضا وورود لفظ مطلقا في نص ومقيدا في نص آخر يحتمل حالات عدة، اتفق العلماء على حمل المطلق على المقيد في بعض منها، كما اتفقوا على عدم الحمل في بعض آخر، واختلفوا في الحمل وعدمه في حالات أخرى.

الحالة الأولى: اتحاد الحكم والسبب:

مثاله قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) . وقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِير} (2) .

فقد ورد لفظ الدّم مطلقا في الآية الكريمة الأولى وورد مقيدا بكونه مسفوحا في الآية الكريمة الثانية والحكم فيهما واحد وهو التحريم كما أن السبب وهو ما في الدم من الإيذاء والمضرة واحد فيهما أيضا. ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء على حمل المطلق على المقيد، ولذا اتفقوا على أن الدم المحرم بموجب الآيتين إنما هو الدم المسفوح.

ص: 153

وقد استدل العلماء لحمل المطلق على المقيّد في هذه الحالة (حالة اتحاد الحكم والسبب) بأن هذا الحمل فيه جمع بين الدليلين المطلق والمقيد؛ لأن العمل بالمقيد يلزم منه العمل بالمطلق، ذلك أن المطلق جزء من المقيد، إذ المقيد مركب من جزئين المطلق جزئه الأول، والمقيد جزئه الثاني، فمثلا ٍ {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة} مقيد قيدت الرقبة بوصف وهو الإيمان وهذا المقيد مكون من جزئين أحدهما رقبه والثاني مؤمنة فلفظ {رَقَبَةٍ} وحده مطلق وهو هنا جزء من المقيد الذي هو الكل، وإذا كان المطلق جزءًا من المقيد والمقيد كلا، فإنه حينئذ يكون الإتيان بالمقيد مستلزما للإتيان بالمطلق؛ لأن الآتي بالكل آت بجزئه، فإذا كان المكلف قد كلف بعتق رقبة مطلقة في نص وكلف بعتقه رقبة مؤمنة في نص آخر، فأعتق رقبة مؤمنة يكون آتيا بموجب النصين، وعاملا بالدليلين لأن المطلق يفيد جواز الإتيان بأي رقبة سواء كانت مؤمنة أو غير مؤمنة.

فإذًا الرقبة المؤمنة وهي المطلوبة في النص المقيد فرد من أفراد المطلق سيكون معتقها منفذا للأمرين معا.

وأما إذا لم يحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة (حالة اتحاد الحكم والسبب) فإن عدم الحمل يكون إعمالا لأحد الدليلين وهو المطلق وإهمالا للآخر وهو المقيد؛ لأن العمل بالمطلق لا يلزم منه العمل بالمقيد لأن المطلق كما ذكرنا يفيد جواز الإتيان بأي فرد ففيما ذكرنا إذا أعتق المكلف رقبة غير مؤمنة فقد عمل بالمطلق فقط وأهمل المقيد. وإهمال الدليل لا يجوز فيجب المصير إلى إعمال الدليلين وذلك بحمل المطلق على المقيد.

ص: 154

ولأن في العمل بالقيد الذي يتحقق بحمل المطلق عليه خروجا عن العهدة بيقين سواء كان المطلوب الإتيان بالمطلوب أو المقيد، لأنه إن كان المطلوب المطلق لكان المقيد مجزئا لكونه فرداً من أفراد المطلق الذي يتحقق في ضمنه، وإن كان المطلوب المقيد يكون المقيد مجزئا أيضا لأنه المطلوب نفسه، وأمَّا العمل بالمطلق الذي يتأتى من عدم حمل المطلق على المقيد فإنه يحتمل عدم الخروج من العهدة، لأن المطلق كما ذكرنا يتحقق بأي فرد كَان سواء كان الفرد المقيد أو غيره، فربما يأتي المكلف بذلك الغير ويكون المطلوب الفرد المقيد فلا يخرج عن العهدة.

ولأنه لو لم يحمل المطلق على المقيد يلزم أن يكون السبب الواحد موجبا للمتنافيين وهو الإطلاق. والتقييد في وقت واحد والسبب الواحد لا يوجبهما كذلك.

وقد ذكرنا أن العلماء اتفقوا على حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة والأمر كذلك فيما إذا تقدم المقيد على المطلق فإن بعض العلماء ينقلون عن بعض العلماء أنهم خالفوا في حمل المطلق على المقيد وأنهم ذهبوا إلى حمل المقيد على المطلق وبينوا المقصود من حمل المقيد على المطلق بأن يراد من المقيد ما أريد بالمطلق ويلغى القيد، فبدل أن يكون المقيد بيانا للمطلق أيضا كما هو مذهب جمهور العلماء يكون المطلق هو البيان للمقيد ولا يعتبر القيد في المقيد أيضا.

واستدلوا على ذلك بأن المقيد جزئي للمطلق وفرد من أفراده، فذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق، فلا يقيده، كما أن ذكر فرد من أفراد العام لا يخصصه، والتقييد مثل التخصيص بجامع أن كلا منهما نقص للشيوع وقطع للحكم عن بعض الأفراد، فما لا يصلح أن يكون مخصصا لا يصلح أن يكون مقيدا أيضا.

ص: 155

وقد أجابوا عن هذا الدليل بأن قياس التقييد على التخصيص قياس مع الفارق وجه الفرق أن المذكور في المقيد قيد ومفهوم القيد حجة عند القائلين بمفهوم المخالفة لأن القيد صفة، ومفهوها حجة عند الجمهور، أما الفرد من أفراد العام فهو لقب غالبا ومفهوم اللقب ليس بحجة، فلا يقاس ما هو حجة على ما ليس بحجة، فلا يلزم من عدم التخصيص بذكر فرد من أفراد العام عدم التقييد بالمقيد.

ومع نقل هذا الخلاف فإن المحققين من العلماء على أنه لا خلاف يعتد به في حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة.

الحالة الثانية: اختلاف الحكم والسبب:

مثاله قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) .

فقد ورد لفظ الأيدي مطلقا في الآية الأولى. ورد مقيدا بكونها إلى المرافق في الثانية والحكم فيهما مختلف إذ هو في الآية الأولى وجوب القطع، وفي الثانية وجوب الغسل، كما أن السبب مختلف فيهما أيضا إذ هو في الأولى السرقة وفي الثانية القيام إلى الصلاة.

ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه ويعمل به كذلك، والمقيد على تقيده، ويعمل به كذلك أيضا.

وقد استدل العلماء لعدم حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحالة بأنه لا منافاة بين المطلق والمقيد حتى يحمل أحدهما على الآخر، فلو حمل يكون حملا بلا دليل موجب وذلك لا يجوز لمخالفة ذلك لما هو الأصل فيهما من بقاء المطلق على إطلاقه ما لم يقيده دليل، وبقاء المقيد على تقيده ما لم يطلقه دليل.

واستثنى العلماء من حكم هذه الحالة صورة يحمل فيها المطلق على المقيد رغم اختلاف حكمهما. وهذه الصورة تتمثل في أن يتوقف أحد الحكمين على الآخر ويتلازم المطلق والمقيد.

ص: 156

وقد مثلوا له بـ (اعتق رقبة) و (لا تملك رقبة كافرة) فالرقبة مطلقة في الكلام الأول مقيدة في الثاني، والحكم فيهما مختلف فهو في الأول الإعتاق وفي الثاني عدم الملك، والسبب أيضا مختلف إذ هو في الأول قد يكون الظهار مثلا، وفي الثاني سبب آخر.

ورغم اختلاف الحكم والسبب فيهما، فإن المطلق يحمل على المقيد في هذه الصورة، فيقيد المطلق بنفي الكفر، ويكون المأمور بعتقها رقبة مؤمنة، لتوقف أحد الحكمين وهو الإِعتاق على الآخر وهو الملك، إذ الملك لازم للإعتاق والملزوم لا يوجد بدون لازمه، فلا يوجد الإعتاق بدون الملك، وقد نهى عن ملك الرقبة الكافرة فيكون عتقها منهيا عنه أيضا بمقتضى هذا الكلام، فيكون الأمر بالعتق إذًا أمرا بعتق الرقبة المؤمنة.

الحالة الثالثة: اختلاف الحكم واتحاد السبب:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1) .

فقد ورد لفظ الأيدي مقيدا في الآية الأولى بكونها إلى المرافق، وورد في الآية الثانية مطلقا عن هذا القيد والحكم فيهما مختلف، إذ هو في الآية الأولى وجوب الغسل وفي الثانية وجوب المسح، وأما السبب فهو متحد فيهما، إذ هو في الآيتين القيام إلى الصلاة وإرادتها.

ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء دون خلاف يعتد به على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه إلا إذا قيده دليل آخر غير هذا المقيد ويبقى المقيد على تقيده ما لم يطلقه دليل آخر غير هذا المطلق.

ص: 157

ولعل دليل العلماء على عدم الحمل في هذه الحالة هو نفس ما استدلوا به على عدم الحمل في الحالة السابقة من نفي المنافاة بين المطلق والمقيد نظرا لاختلاف حكمهما، وكون الحمل حينئذ حملا بلَا دليل. ونظرا إلى أن السبب وهو القيام إلى الصلاة وإرادتها يوجب الغسل في حالة وجدان الماء والقدرة على استعماله، وأنه يوجب المسح في حالة عدم وجدان الماء، أو عدم القدرة على استعماله، والحالتان مختلفتان، فإنه لا مجال للقول بأن عدم الحمل يؤدى إلى إيجاب السبب الواحد للمتنافيين وهو الإطلاق والتقييد، لأن امتناع إيجاب السبب للمتنافيين مقيد بكونه في وقت واحد وحالة واحدة أما عند اختلاف الحالات كما هنا فلا امتناع من ذلك. نظرا إلى أن السبب وإن اتحد في حد ذاته إلا أنه يختلف باعتبار حالته. هذا وإذا كانت هذه القاعدة تقتضي بقاء الأيدي في آية التيمم على إطلاقها فإن ذلك إنما هو بالنسبة إلى آية الوضع نظرا لاختلاف حكمهما، أما تقييدها بأدلة أخرى غير آية الوضوء فإنه لا مانع من ذلك، ولهذا فإن المذاهب المتفقة على عدم تقييد آية التيمم بآية الوضوء قد قيد بعض منهم الأيدي في آية التيمم بالكفين بما صح عندهم من السنة وهو: ما رواه عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "تمعكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يكفيك الوجه والكفان " (1) .

وقيدها البعض الآخر بالمرفقين وذلك بما صح عندهم من السنة وهو: "فضرب الحائط بيده ضربة فمسح بها وجهه، ثم ضرب أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين ".

فكل من الفريقين قيد إطلاق آية التيمم بالسنة التي صحت عنه لا بآية الوضوء ذلك أن وضع آية التيمم مع السُنّة الشريفة المذكورة يختلف عن وضعها مع آية الوضوء الكريمة،

ص: 158

فهي مع آية الوضوء تدخل ضمن حالة اختلاف الحكم واتحاد السبب المتفق لدى العلماء على عدم حمل المطلق على المقيد في مثلها، وأما هي مع السُنّة الشريفة المذكورة فهي تدخل ضمن حالة اتحاد الحكم والسبب المتفق لدى العلماء على حمل المطلق على المقيد في مثلها ذلك أن آية التيمم الكريمة وحديث عمار أوٍ حديث المرفقين اتحد فيهما السبب وهو القيام إلى الصلاة وإرادتها واتحد فيهما الحكم أيضا وهو وجوب المسح.

الحالة الرابعة: اتحاد الحكم واختلاف السبب:

مثاله قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة} (1) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (2) . فقد ورد لفظ الرقبة مقيدا في الآية الأولى بكونها مؤمنة، وورد في الآية الثانية مطلقا عن هذا القيد، والحكم في الآيتين متحد وهو تحرير الرقبة، والسبب مختلف فيهما، إذ هو في الآية الأولى القتل الخطأ، وفي الثانية إرادة العودة إلى الاستمتاع بالزوجة.

ففي مثل هذه الحالة اختلف العلماء في حمل المطلق على المقيد أو عدم حمله عليه إلى المذاهب التالية:

الأول: حمل المطلق على المقيد مطلقا. وإليه ذهب جمهور الشافعية، وبعض المالكية، والحنابلة.

الثاني: عدم الحمل مطلقا. وإليه ذهب جمهور الحنفية، وبعض المالكية والحنابلة (3) .

الثالث: الحمل إذا اشترك المطلق والمقيد في العلة وعدم الحمل عند عدم اشتراكهما فيها. وإليه ذهب بعض علماء المالكية والشافعية والحنابلة.

الأدلة:

أولا: أدلة المذهب الأول: استدل القائلون بحمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة بأدلة أهمها ما يلي:

ص: 159

ا - أن القرآن كالكلمة الواحدة فلا يختلف بالإِطلاق والتقييد، بل يفسر بعضه بعضا فيجب حمل المطلق على المقيد لتحقيق وحدة الكلمة، إذ إبقاء المطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده يؤدي إلى اختلافه وإخراجه عن كونه كلاما واحدا. ولهذا فإن الشهادة لما قيدت بالعدالة مرة واحدة. وأطلقت في سائر الصور حمل المطلق على المقيد، وأصبحت العدالة شرطا في الشهادة.

فإذا نص على تقييد شيء بقيد في صورة ما كان منصوصا على تقييده به في سائر الصور.

وقد اعترض على هذا الدليل بأن كون القرآن الكريم كالكلمة الواحدة لا يستلزم حمل المطلق على المقيد مطلقا؛ لأن معنى كونه كلاما واحدا يفسر بعضه بعضا أنه لا يتناقض فلا يناقض بعضه بعضا، وإلا فلو أريدت الوحدة في كل شيء لزم أن يتقيد كل مطلق بكل مقيد، وليس الأمر كذلك، فإن من جملة ذلك المطلق والمقيد اللذين اختلف حكمهما وسببهما وقد بينا فيما سبق اتفاق العلماء ومنهم المستدلون بهذا الدليل - على عدم حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحالة ثم إن الاختلاف بالإطلاق والتقييد لا ينافي وحدة الكلام.

لأن ذلك حسب اختلاف تعلقاته، واختلاف التعلقات لابد منه نظرا لاختلاف المتعلقات، وهذا الاختلاف لا يؤدي إلى التناقض الذي يقدح في وحدة الكلام.

ثم إن هذا الدليل - لو تم - ينفي النسخ مطلقا لأن الناسخ يختلف عن المنسوخ، ونفي الاختلاف عموما يؤدي إلى نفي النسخ في ضمنه ونفي النسخ مطلقا باطل، لأن وجوده من المسلمات. فيكون الدليل على عمومه غير مسلم.

أضف إلى ذلك أن الكلام إذا كان عبارة عن العبارات والألفاظ الدالة على المعاني فإنها لا خفاء في تكثرها وتعددها، ولاشك في اختلافها وكذلك القرآن فيه الأحكام المختلفة، ففيه المنفى والإثبات والأمر والنهى، وغيرها فمع العلم بهذا لا يقبل تنزيل جهات الخطاب على حكم واحد.

ص: 160

وأما بالنسبة لتقييد الشهادة بالعدالة في سائر الصور التي أطلقت فيها فإن ذلك التقييد كان لدليل قام عليه وهو قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (1) حيث استنبط العلماء منه اشتراط العدالة الذي يستلزمه رد شهادة الفاسق. كما أن الإجماع انعقد على اشتراط العدالة والبحث بصدد الحمل لمجرد الورود، فما كان لدليل فهو خارج عن محل البحث.

ثم إن هناك من الصور ما قيد في صورة وأطلق في سائر الصور ولم يحمل المطلق فيها على المقيد في تلك الصورة.

مثل الوضوء والتيمم حيثما قيدت الأيدي في الأول بالمرافق، وأطلقت في الثاني عنها، ولم يحمل المطلق في الثاني على المقيد في الأول.

وهذا يدل على أن مجرد التقييد في صورة لا يستوجب التقييد في سائر الصور.

2 -

أن سنن العرب في كلامها هو حمل المطلق على المقيد، حيث تطلق الحكم في مكان وتحرره في آخر، وتقصد بالمطلق المقيد. والقرآن الكريم الذي نزل بلغة العرب جرى على هذا السنن.

قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} (2) .

فالحافظات وإن كانت مطلقة إلا أنها قيدت بالفروج نظرًا لتقيدها بها في جانب الذكور. والذكر مطلق في جانب الإناث لكنه لما كان مقيدا بكونه لله تعالى وبالكثرة في جانب الذكور قيد بذلك في جانب الإناث. ليكون التقدير: والحافظات فروجهن، والذاكرات الله كثيرا.

وقال الله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} (3) فاليمين وإن كانت مطلقة، إلا أنها قيدت بالقعيد لما كان الشمال مقيدا به. وقد جرى على هذا الأسلوب الشعر العربي. قال الشاعر:

نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف.

فما عند المتكلمين لما قيد بالرضا، قيد ما عند المخاطب به أيضا. ليكون التقدير (نحن بما عندنا راضون) .

ص: 161

فدلت اللغة العربية على أن ما قيد في موضع وأطلق في آخر يراد بذلك المطلق ذلك المقيد، وهذا هو حمل المطلق على المقيد، فيكون عدم الحمل مخالفة للغة.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن البحث يدور في حمل المطلق على المقيد لمجرد ورودهما دون أن يقوم دليل على التقييد، ودون أن تنتصب قرينة تعين القيد.

وما ذكر قد قام فيه دليل التقييد، وانتصبت قرينة التعين، فنأى بذلك عن محل البحث.

ففي الآيتين الكريمتين دل العطف فيهما على التقييد وتعين القيد بما يقتضيه من المشاركة في الحكم المتمثل فيهما بالتقييد بما تقيد به المعطوف عليه. الحافظين والذاكرين في الآية الكريمة الأولى، واليمن في الآية الكريمة الثانية.

وكذلك في البيت المذكور حيث عطف المخاطب المقيد بالرضا على المتكلمين المطلقين عنه، فدل على تقيد الأول بما تقيد به الثاني.

ثم إن البحث يدور حول مطلق ومقيد وردا في نصين مستقلين. وما ذكر لا يستقل فيه المطلق عن المقيد، بل وردا في كلام واحد وبهذا أيضا يكون الدليل بمنأى عن محل البحث.

3 -

أن المطلق ساكت عن القيد فيحتمل أن يكون مرادا والسكوت عدم، فلا يدل على إثبات القيد ولا ينفيه. والمقيد ناطق بالقيد فلا يحتمل عدم إرادته وإذا تقابل السكوت والنطق كان الناطق حريا أن يجعل أصلا يبنى عليه الساكت، إذ يكون كالمفسر له. فكان المقيد حريا أن يبنى عليه المطلق ويكون مبينا للمراد منه.

وقد أجيب عن هذا الدليل:

ص: 162

بأن حمل أحد الدليلين على الآخر إنما يصار إليه عند التنافي بين مدلوليهما وذلك إنما يتأتى عند اتحاد مفادهما. ونظرا لعدم الاتحاد في هذا المفاد بين المطلق والمقيد لجواز إفادة المقيد استحباب الإتيان بالقيد الذي لا يتنافى مع إفادة المطلق جواز عدم الإتيان به، أو جواز إفادة المقيد أن الإتيان بالقيد عزيمة، وإفادة المطلق أن الانفصال عنه رخصة، وإحداهما لا تنافي الأخرى. وقد دل على الجوازين النص على المقيد بعد دخوله تحت الاسم المطلق مما يدل على أهميته وشرفه، لا أنه لا يجزى غيره.

فنظرا لكل ما ذكر لا يتحتم المصير إلى حمل المطلق على المقيد كما أفاده الدليل.

4 -

أن الخبرين إذا كان أحدهما عاما والآخر خاصا يصار إلى التخصيص الذي هو حمل العام على الخاص. فينبغي أن يصار إلى التقييد الذي هو حمل المطلق على المقيد إذا كان أحد الخبرين مطلقا والآخر مقيدا. نظرا إلى تماثل نسبة المقيد إلى المطلق لنسبة الخاص إلى العام، وتشابه التقييد للتخصيص في كون كل منهما بيانا.

وأجيب عن هذا الدليل:

بأن قياس التقييد على التخصيص قياس مع الفارق. ووجه الفرق: أن التخصيص إنما يتم إذا ورد الخاص والعام في حكم واحد بالشخص. أو النوع أما في التقييد، فإن المقيد والمطلق في حكمين مختلفين شخصا، أو نوعا وما يذكر فيهما من اتحاد الحكم فإنما هو في الجنس فقط. فافترقا.

5 -

أن الحكيم إنما يزيد في الكلام لزيادة البيان، والقيد في المقيد زيادة على المطلق فيجعل بيانا له، وذلك يحمل المطلق على المقيد، فلو لم يجعل بيانا له يحمله عليه لزم إلغاء تلك الزيادة بالنسبة للمطلق فلا يحسن ذلك ولا ينبغي المصير إليه.

6 -

أن موجب المقيد متيقن لاندراجه في المطلق والمقيد، وموجب المطلق محتمل لاحتماله ما انتفى عنه القيد وما وجد فيه، والمصير إلى المتيقن أولى لأن فيه الخروج عن العهدة بيقين، وذلك إنما يتحقق بحمل المطلق على المقيد.

دليل المذهب الثاني:

ص: 163

استدل القائلون بعدم حمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة بما يلي:

أ - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (1) .

وبينوا وجه الاستدلال: بأن الآية الكريمة نهت عن السؤال عن الأشياء غير البادية والقيد بالنسبة للمطلق يعتبر منها لسكوت المطلق عنه، وحمل المطلق على المقيد رجوع إلى المقيد ليعرف منه حكم المطلق، وهذا الرجوع بمثابة سؤال عن شيء لم يبد، فيكون ارتكابا لما نهت عنه الآية فلا يجوز.

وبينوا أن مما يؤيد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم "(2) .

وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن الأشياء المنهي عن السؤال عنها لا تنتظم القيد في سلكها، والنهى الوارد فيها لا يمس الرجوع إلى المقيد بالمنع، لأنه في السؤال عن تقييد الحكم ابتداء من غير أن يكون هناك مقيد، يدل على ذلك ما ذكر في سبب نزول الآية الكريمة، وورود الحديث الشريف من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال:"يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا"قال رجل: "أكل عام يا رسول الله؟ "فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله لا: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم". ثم قال: الحديث المذكور"وقد ذكرت هذه الحادثة سببا لنزول الآية.

وأما الرجوع إلى المقيد ليعرف منه حكم المطلق، فقالوا: إنه من التفقه في الدين المندرج ضمن ما أمر به في قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (3) .

2 -

قالوا: لو حمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة لزم التضييق من غير أمر الشارع، والعدول عن التزام ما جاء عن الشارع، وكل منهما لا يجوز.

ص: 164

بيان ذلك - أن المطلق فيه توسعة على المكلف إذ يقتضي خروجه عن العهدة بالإتيان بالفرد الذي توفر فيه القيد المذكور في المقيد، وبالإتيان بالفرد الذي انتفى عنه ذلك القيد، إذ المطلق يتأتى بكل واحد منهما، فإلزامه بالفرد المقيد وذلك بحمل المطلق على المقيد يكون تضييقا.

إن كلا من المطلق والمقيد حجة قائمة بذاتها والأصل التزام ما جاء عن الشارع في دلالات ألفاظه على الأحكام كما هو إذا لم يدل دليل على العدول عنه وهذا الالتزام يقتضي بقاء المطلق على إطلاقه فإذا حمل على المقيد يكون ذلك الحمل عدولا عن هذا الالتزام وحمل المطلق على المقيد إنما يصار إليه إذا لم يمكن العمل بكل منهما مستقلا بأن يكون بينهما تناف، ويؤدي العمل بكل على حدة إلى التناقض، وهذه الصورة بمأمن من ذلك، إذ يمكن العمل بكل منهما مستقلا دون أي تناف بينهما مادام سببهما مختلفا.

والجمهور يجيبون عن هذا الدليل بأن ما يقتضي حمل المطلق على المقيد من وجود النافي بينهما متحقق في هذه الصورة لأن المطلق والمقيد وردا في حكم واحد، والحكم الواحد لا يكون مطلقا ومقيدا في آن واحد، وهذا يستدعي جعل المقيد أصلا يبني عليه المطلق ويبين به، لسكوت المطلق عن المقيد ونطق المقيد به، وهذا ما يجعل القيد ذا فائدة متوخاة منه.

وما دام المقيد دليلا شرعيا اقتضى تقييد المطلق واستدعى العدول عن إطلاقه فلا يكون في حمل المطلق على المقيد تضييق من غير أمر الشارع ولا عدول عن التزام ما جاء عن الشارع في دلالات ألفاظه على الأحكام.

أضف إلى ذلك أن اتحاد الحكم بين المطلق والمقيد يقتضي حصول التناسب بينهما بجهة حمل المطلق على المقيد.

أدلة المذهب الثالث:

استدل القائلون بالحمل عند اشتراك المطلق والمقيد في العلة وعدم الحمل عند عدم اشتراكهما فيها بما يلي:

ص: 165

أن المطلق والمقيد إذا اشتركا في علة التقييد فإن في حمل المطلق على المقيد حينئذ جمعا بين الأدلة وعملا بها، وفي عدم الحمل إعمال لدليل وترك لدليلين، ذلك أن القياس إذا اقتضى حمل المطلق على المقيد وحمل عليه يكون ذلك عملا بالمطلق والمقيد والقياس، وعدم الحمل يكون تركا لأحد من المطلق والمقيد وتركا للقياس وإعمال الأدلة جميعا أولى من إعمال بعضها وترك البعض الآخر.

وقد اعترض على هذا الدليل باعتراضين:

أحدهما: أن من شرط القياس أن لا يعارضه نص، وقياس المطلق على المقيد بحمله عليه عن طريقه يعارضه النص المطلق في الفرد الذي انتفى عنه القيد؛ ذلك أن المطلق عام، بدلي يدل بالتساوي على الفرد الذي وجد فيه القيد، والفرد الذي انتفى عنه ذلك القيد، فإن كان دالا على الإجزاء يدل على إجزاء كل منهما، فإذا قيس على المقيد، دل ذلك القياس على عدم إجزاء الفرد المنتفي عنه القيد، فيتعارض النص والقياس في الفرد الذي انتفى عنه القيد، حيث يدل النص المطلق على إجزائه، ويدل القياس على عدم إجزائه وعند تعارض النص والقياس يعمل بالنص ويترك القياس، فلا يصلح إذا مقتضيا لحمل المطلق على المقيد.

ففي كفارة الظهار أطلقت الآية الكريمة الرقبة، وهذا الإطلاق يفيد إجزاء الرقبة سواء كانت مؤمنة أو غير مؤمنة، فإذا قيس على كفارة القتل الخطأ، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء - لاشتراكهما في العلة - وهي: حرمة سببهما، أو كونهما من الكفارات أو زيادة القربة، أو خلاص الرقبة المؤمنة من قيد الرق فإن هذا القياس يفيد عدم إجزاء الرقبة غير المؤمنة في كفارة الظهار فعندئذ يتعارض النص المطلق والقياس في الفرد الذي انتفى عنه القيد وهو الرقبة غير المؤمنة، حيث يدل النص على إجزائها ويدل القياس على عدم إجزائها وحينئذ يقدم النص ويعمل به ويترك القياس.

ص: 166

ثانيهما: أن من شرط اعتبار القياس أن يكون حكم المقيس عليه حكما شرعيا، والذي يقاس عليه المطلق وهو عدم إجزاء غير المقيد ليس حكما شرعيا لأن ما يفيده النص المقيد هو أن الفرد المقيد يجزئ، أما عدم إجزاء غير المقيد فهذا ما لا يدل عليه النص المقيد، وإنما جاء بناء على الأصل وما كان كذلك لا يكون حكما شرعيا، لأنه لم يثبت بدليل وارد من الشرع، والشق الذي هو عدم إجزاء غير المقيد هو الذي يقاس عليه المطلق، فما دام هذا الشق غير حكم شرعي لا يصلح أن يكون أصلا يقاس عليه. ويحمل المطلق على المقيد عن طريقه.

وقد أجيب عن هذا الاعتراض:

بأن المقيس عليه هو المقيد وحكمه (وهو إجزاء الفرد الثابت فيه القيد) حكم شرعي لأنه ثبت بدليل شرعي وهو النص المقيد، وهذا الحكم هو الذي يعدى إلى المطلق، ويحمل على المقيد عن طريقه، فالاعتراض غير وارد من هذه الجهة (1) .

وهناك اعتراض ثالث يمكن أن يرد على هذا الدليل وهو:

أن هذا الدليل - لو تم - فإنما يدل على جزء المدعى ذلك أن دعوى المستدلين ذات شقين:

الأول: حمل المطلق المقيد إن اقتضى القياس ذلك.

الثاني: عدم الحمل إذا لم يقتض القياس ذلك والدليل لو سلم فإنما يدل على الشق الأول دون الثاني لعدم تطرقه إليه بتاتا.

2 -

أن تقييد المطلق كتخصيص العام في أن كلا منهما تقليل لبعض الشيوع، ومنع الحكم عن بعض الأفراد وتخصيص العام بالقياس جائز فكذا تقييد المطلق.

وقد أجابوا عن هذا الدليل بمثل ما أجابوه عن الدليل الأول.

3 -

أن القياس دليل شرعي ينبغي العمل بموجبه، وهذه الحالة للمطلق والمقيد إحدى الصور التي يكون القياس فيها دليلا، فإذا اقتضى القياس حمل المطلق على المقيد ينبغي المصير إلى هذا الحمل عملا بالدليل المقتضي للتسوية في الحكم بين المطلق والمقيد.

الموازنة والترجيح

ص: 167

بالرجوع إلى الأدلة التي استدل بها الأطراف المختلفة نرى أن الأجوبة عنها كانت تلاحقها لتهبط بها عن مستوى الحجية، ماعدا دليلين للقائلين بالحمل مطلقا، سكت عنهما المجيبون، أو هكذا وصلا إلينا مسلمين، وهما الدليلان الأخيران المتضمن أولهما أن زيادة الحكيم في الكلام لزيادة البيان، والمتضمن ثانيهما أن موجب المقيد متيقن.

وتدقيق الفكر فيهما يقول إلى ما يلي:

1 -

بالنسبة للأول كون زيادة الحكيم في الكلام لزيادة البيان، قضية لا يمتنع من التسليم بها أحد فيما اعتقد، ولكن مساسها بموضوع الحمل مطلقا وإفضاءها إليه للنظر فيه مجال واسع، لأن التسليم بالنسبة لكلام واحد اتحد فيه الحكم والسبب، أما إلباس هذا الثوب لكلامين اختلف فيهما سبب الحكم، فإنه بمنأى عن هذا التسليم، لأن الزيادة من الحكيم إذا كانت لحكمة، فإن السكوت عنه أيضا يكون لحكمة، وما دام الجمع بين الحكمتين ممكنا فإنه ينبغي المصير إليه، واختلاف السبب يجعل التصادم بينهما منتفيا، لأنه يجعل إبقاء المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده ممكنا.

2 -

وأما بالنسبة للثاني، فإن القضايا الشرعية تحكمها نصوصها وما يقررها الشرع ولا يلغيها كون الشيء متيقنا، فإذا كان الشرع قد قرر إجزاء ما انتفى عنه قيد المقيد من أفراد المطلق فإن تيقن الموجب لا يلغي هذا التقرير.

والخروج عن العهدة يقرره الشرع، وحسب تقريره يتأتى، وتيقنه في نص، لا يقضى على ما في نص آخر بالإلغاء مادام اختلاف السبب فيهما قد حال دون ذلك.

وبعد الركون إلى وجاهة الأجوبة عن أدلة المانعين من الحمل مطلقا نعود إلى الجواب عن أدلة الحاملين بالقياس المتركز على اصطدام قياس المطلق على المقيد بالنص.

ص: 168

والدي يظهر - والله أعلم - أن توهم هذا الاصطدام يتلاشى إذا علمنا أن القياس المقتضي للحمل بمثابة بيان لأحد محتملات لحمل المطلق، وليس إلغاء له والاصطدام إنما يتأتى بناء على الثاني لا الأولى، والثاني إنما يتحقق بناء على نفي النص المطلوب، لقيد المقيد وهو لم يتعرض له بالنفي حتى يكون إثبات القياس له مفضيا إلى التصادم.

فإذا نأى القياس عن هذا التصادم بجانبه، ينبغي النظر إليه من حيث كونه دليلا أقره الشرع، وأعطاه هذا الإقرار صلاحية البيان.

هذا وينبغي أن لا يغض الطرف عن ماهية السبب وتماميته. فإذا كانت ذاته معرفة للحكم، أو مفضية إليه، فإن تماميته تقتضي أن يستقل به، ويميزه عن غيره، فقد يكون السبب يناسبه التغليظ في الحكم ويتحقق هذا التغليظ بالتقييد فيقيد الحكم، وقد يكون السبب يناسبه التخفيف، ويتحقق هذا التخفيف في الإطلاق فيطلق الحكم.

مثل: القتل. فإنه وإن كان خطأ إلا أن فيه إزهاق روح ربما يفقد المجتمع به عضوا نافعا يرتجى منه فوائد كثيرة، كان المجتمع ينتفع بها. فناسبه التغليظ - والله أعلم - بتقييد الرقبة بالإيمان.

ومثل الظهار، فإنه لما لم يكن في ضرره بمثابة القتل الخطأ ناسبه - والله أعلم - التخفيف، بإطلاق الرقبة من كل قيد ومنه قيد الإيمان.

أضف إلى ذلك أن الإطلاق والتقييد مادام قد وردا على الحكم فإنهما يجعلان الحكمين مختلفين شخصا أو نوعا المركز عليهما في ثبوت الاختلاف أو انتفائه بين الحكمين فنبقى أمام حكمين مختلفين بسببين مختلفين، والاتحاد في الجنس لا يؤثر على هذا الاختلاف بالإزالة.

ولما سبق فإن النفس تميل إلى الحمل عند وجود العلة الجامعة بين المطلق والمقيد، وعدم الحمل عند انتفائها، ويطمئن القلب إلى ترجيح ذلك في هذه الحالة. والله أعلم بالصواب.

الحالة الخامسة: اتحاد الموضوع والحكم ويكون الإِطلاق والتقييد في سبب الحكم:

ص: 169

مثاله: ما ورد: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة "(1) .

وورد في رواية أخرى: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير وقال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير"(2) .

فقد ورد لفظ العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير ممن يمونه المزكي مقيدا بكونه من المسلمين في الرواية الأولى وورد مطلقا عن هذا القيد في الرواية الثانية، ومن يمونه المزكي سبب الحكم، والموضوع في النصين واحد وهو زكاة الفطر كما أن الحكم فيهما واحد وهو وجوب زكاة الفطر، ففي مثل هذه الحالة اختلف العلماء في حمل المطلق على المقيد أو عدم حمله عليه إلى المذاهب التالية:

الأول: حمل المطلق على المقيد. وإليه ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.

الثاني: عدم حمله عليه. وإليه ذهب جمهور الأحناف.

الثالث: حمل المقيد على المطلق.

حجة المذهب الأول:

استدل القائلون بحمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة بنفس الأدلة التي استدلوا بها في الحالة السابقة من كون القرآن كالكلمة الواحدة، وكون المطلق ساكتا والمقيد ناطقا. وأن الحكيم إنما يزيد في الكلام لزيادة البيان، وأن موجب المقيد متيقن وموجب المطلق محتمل على التفصيل الذي مر ذكره سابقا.

أدلة المذهب الثاني:

استدل القائلون بعدم الحمل مطلقا بما يلي:

ص: 170

1 -

أن في إبقاء المطلق على إطلاقه وعدم حمله على المقيد احتياطا، وينبغي مراعاة الاحتياط في الأحكام الشرعية، وجه الاحتياط أنه عند إبقاء المطلق على إطلاقه يجب الواجب مع السبب المطلق والسبب المقيد، وأما عند الحمل فإن الواجب يجب مع السبب المقيد فقط، ووجوب الواجب في الحالتين أقرب إلى الاحتياط من وجوبه في حالة واحدة.

ويجاب عن هذا الدليل بأنه إنما يتم لو لم يكن هناك دليل على التقييد أما عند وجود دليل التقييد من قبل الشارع فإن الذي ينبغي هو المصير إلى الدليل.

2 -

أنه لا توجد منافاة بين سببية المطلق والمقيد إذ أن الشيء الواحد قد يكون له أسباب متعددة وما دامت المنافاة منعدمة فلا مقتضى للحمل، لأن المقتضى له هو المنافاة بين المطلق والمقيد.

وقد اعترض على هذا الدليل بأن المنافاة بين سببية المطلق والمقيد متصورة لأن معنى كون كل منهما سببا أن كل واحد منهما سبب تام له، وتمامية السببية تقتضي عدم الحاجة إلى الآخر، فلو كان المطلق سببا تاما لمنع الاحتياج إلى القيد ولكنه لم يمنع من ذلك، ومن هنا ظهرت المنافاة بين تمامية سببية المطلق مع تمامية سببية المقيد ولدفع تلك المنافاة ينبغي حمل المطلق على المقيد (1) .

حقيقة المذهب الثالث واستدلاله:

أن أصحاب المذهب الثالث عندما يقولون إن المقيد هو الذي يحمل على المطلق لا يقصدون بذلك آن المقيد يراد منه المطلق، إذ لو عنوا ذلك لأدى قولهم إلى إلغاء القيد وذلك ممتنع، بل يريدون بذلك أن سببية المقيد تتأتى من سببية المطلق ذلك أن المطلق سبب حقيقة والمقيد مشتمل عليه؛ لكون المطلق جزءاً للمقيد كما سبق ذلك والكل مشتمل على الجزء، فسببية المقيد لاشتماله على السبب حقيقة وهو المطلق وإطلاق السبب على ما هو مشتمل على السبب الحقيقي شائع.

وهذا المذهب يلتقي في النتيجة مع المذهب الثاني، وهي إبقاء المطلق على إطلاقه وعدم حمله على المقيد، وإن اختلف عنه في التعبير والتعليل..

ص: 171

الموازنة والترجيح

بالنسبة لأدلة القائلين بالحمل مطلقا، فإنه يظهر لي أن الدليلين الأخيرين لهم زيادة الحكيم، وتيقن الموجب، لم يظهر شيء يخدش انتهاضهما حجة، فهما قضيتان مسلمتان بالنسبة لكلام اتحد فيه الحكم والسبب وإن تعدد نصه، ونحن في هذه الحالة أمام مثل هذا الكلام، لان السبب مادام قد اتحد ذاتا أو نوعا فإن الاختلاف بالإطلاق والتقييد لا يظهر له أثر على هذا الاتحاد بالسلب.

والمتتبع لنصوص الشريعة يجد أن السائد فيها في مثل هذه الحالة هو حمل المطلق على المقيد من هذه النصوص:

ا - قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِير

} وقوله سبحانه: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ

} .

فإنا واجدون أن الدم أطلق في الآية الكريمة الأولى، وقيد بكونه منسوخا في الآية الثانية، والدم سبب الحكم فيكون الإِطلاق والتقييد قد دخل على سبب الحكم، وقد اتفق العلماء على أن المراد بالدم المطلق في الآية الأولى هو الدم المقيد بالسفح في الآية الثانية.

فقد انعقد الإِجماع على حمل المطلق على المقيد هنا.

2 -

قوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (1) وقوله سبحانه: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين} (2) . فأولو الأرحام أطلق في الآية الأولى وقيد في الثانية بالإِيمان، وهو سبب الحكم الذي هو الأولوية المقتضية للميراث، فيكون الإِطلاق والتقييد قد دخل على سبب الحكم، وقد حمل المطلق في الأولى على المقيد في الثانية، فقال العلماء أن أولو الأرحام في الأولى هم أولو الأرحام من المؤمنين.

ص: 172

3 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "في خمس من الإِبل شاة "(1) وقوله عليه الصلاة والسلام: "في كل سائمة إبل في أربعين، بنت لبون"(2) .

فموضوع الحديثين واحد وهو زكاة الإِبل، وكذلك الحكم وهو الوجوب والسبب وهو العدد الخاص من الإِبل قد أطلق في الحديث الأول، وقيد بالسوم في الثاني. فيكون الإِطلاق.

والتقييد قد دخل في السبب. وقد حمل المطلق في الحديث الأول على المقيد في الثاني، فأريد من الإبل في الأول، السائمة أيضا.

فالذي يظهر لي بوضوح في هذه الحالة أن الراجح هو حمل المطلق على المقيد. والله أعلم.

الحالة السادسة: أن يطلق في موضع ويقيد في موضعين بقيدين متضادين:

مثاله: قوله تعالى في قضاء صيام رمضان: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} (3) وقوله عز وجل في صوم التمتع: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (4) وقوله تعالى في صوم كفارة الظهار: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (5) .

فقد ورد الصيام مطلقا في الآية الكريمة الأولى ومقيدا بالتفريق في الثانية ومقيدا بالتتابع في الثالثة والقيدان وهما التفريق والتتابع متضادان لا يجتمعان.

ففي مثل هذه الحالة ذهب العلماء القائلون بأن المطلق يحمل على المقيد وبتقييده به لفظا إلى أن المطلق يبقى على إطلاقه، ولا يحمل على أي واحد من المقيدين، لأنه لا يمكن حمله عليهما معا لما بينهما من المنافاة فلو حمل عليهما معا لزم اجتماع القيدين وهو ممتنع ولا يمكن حمله على أحدهما دون الآخر لأن نسبة المطلق إلى كل واحد منهما سواء لنسبته إلى الآخر، فترجيح أحدهما بحمل المطلق عليه على الآخر يكون ترجيحا بلا مرجح، وذلك تحكم وهو باطل فتعين أن لا يحمل المطلق على أي واحد منهما، بل يبقى على إطلاقه، ويعمل بالإطلاق في محله ويعمل بكل قيد في محله.

ص: 173

وذهب العلماء القائلون بالحمل قياسا إلى أن المطلق يحمل على المقيد الذي يشترك معه في العلة ويكون القياس عليه أولى، لأن الجامع بينهما حينئذ يكون مرجحا، فلا يلزم التحكم عندئذ ومثاله: قوله تعالى في كفارة اليمن: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} (1) مع آيتي كفارة الظهار وصوم التمتع السابقين.

فقد ورد الصوم في كفارة اليمين مطلقا بينما ورد في كفارة الظهار مقيدا بالتتابع، وفى صوم التمتع مقيدا بالتفريق كما ذكرنا، فقالوا: يحمل المطلق في كفارة اليمين على المقيد في كفارة الظهار، قياسا عليه، لاتحادهما في الجامع بينهما وهو النهي عن اليمن والظهار.

وأما المطلق الذي لا يشترك مع أي من المقيدين في العلة فإنه لا يحمل على أي واحد منهما بالاتفاق، لانعدام المرجح الذي يرجح أحد المقيدين لحمل المطلق عليه دون الآخر، فيكون الحمل على أحدهما تحكما وهو باطل، وكذلك اجتماع الضدين وهو ممتنع.

ومثاله: ما روى من حديث: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب "(2) .

فقوله "إحداهن" مطلق، وقد قيد في روايات أخرى بقيدين متضادين. حيث ورد "أولاهن بالتراب" كما ورد "أخراهن بالتراب" ويتعذر الجمع بين القيدين ولا توجد علة تجمع بين المطلق وأحد القيدين، فلا يحمل المطلق على المقيد، فلا يتعين أن يكون الغسل بالتراب، أولا أو آخرا، بل يبقى المطلق "إحداهن" على إطلاقه.

والذي يظهر أن مجال الاختيار ينحصر في حمل المطلق على المقيد قياسا عندما يجمع بين المطلق وأحد القيدين جامع.

أما من ناحية اللغة، فواضح أن نسبة المطلق إلى كل من المقيدين واحدة ووحدة النسبة وتساويها تسد باب الحمل تفاديا للتحكم المحظور. كما أنه في حالة عدم وجود الجامع يسد باب الحمل تنافي القيدين.

والذي يظهر رجحانه عند وجود الجامع هو الحمل قياسا، اعتبارا للقياس المعتبر شرعا، عند وجود مقتضيه وهو الجامع وانتفاء المانع منه.

ص: 174

وقد ذكرنا عدم وجود محل لتوهم اصطدام هذا القياس بالنص. والله أعلم.

الفصل الثالث

أثر النقص من النص في الاحتجاج بالسنة الآحادية

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف السنة الآحادية:

السنة بضم السين، وفتح النون المشددة على وزن فعلة.

وهي في اللغة: الطريقة مطلقا، ممدوحة كانت أو مذمومة، حسنة كانت أو سيئة.

قال الله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (1) .

وبينّ المتمرسون قي لغة القرآن الكريم أن السنة في الآية الكريمة: الطريقة. وهي طريقة حكمته.

وأتى بهذا المعنى، وأكد على مطلقيته، قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء "(2) .

ففي الوقت الذي جاءت السنة في الحديث الشريف بمعنى الطريقة - كما بينه المحدثون - أكد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم إيَّاها بالحسن تارة وبالسوء أخرى مطلقيتها، لأن الوصف تقييد، والتقييد إنما يعتري الحقيقة المطلقة للتأكيد على نوع منها تتناوله، ولا يضير مطلقيتها وضعا بيان بعض اللغويين أنها: الطريقة المحمودة، وأنها إذا أطلقت انصرفت إليها، وفي السيئة منها لابد من تقييدها بها. وعدم الضير هذا ينبعث من أن هذا الذي بينوه، حقيقة عرفية، تعارفوا على استعمال السنة فيها، والحقائق العرفية معروفة بتخصيصها المعنى الوضعي لغة في معنى أخص منه يتخصص بالتقييد دون تقييد، يتعارف عليه، ويشتهر اللفظ فيه بحيث لا يتبادر عند الإطلاق إلى الذهن غيره، وعندئذ يحتاج فهم النوع.

ص: 175

الآخر الذي لم يتعارف عليه، إلى التقييد لفظا، لأنه لم يشتهر اشتهارا يغني عن التقييد لفظا. ولقد جاءت السنة بمعان أخرى غير الطريقة كالدوام، والأمة، والمثال المتبع، والإمام، والطبيعة، والوجه، والخطاب، والتمر.

وقد يكون بعض هذه وضعية، وبعضها الآخر استعمالية لمناسبات ربطتها بالمعنى الوضعي.

وتظل الطريقة هي المشهورة من معاني السنة اللغوية، والمشهود بها من الكتاب والسنة، فكان تحقيقها حقيقا بالتفصيل بالقدر الذي تسمح به ظروف البحث.

السنة في الاصطلاح:

تناولت السنة اصطلاحات متعددة، فاختلف تعريفها حسب كل اصطلاح.

السنة في اصطلاح المحدثين:

عرف المحدثون السنة بأنها: "ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل، أو تقرير، أو صفة خُلقية أو خَلقية، أو سيرة سواء كان ذلك قبل البعثة، أو بعدها".

السنة في اصطلاح الأصوليين:

عرف الأصوليين السنة بأنها: "ما صدر عن النبي الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير".

وبملاحظة التعريفين يتباين أنهما التقيا على أمور ثلاثة ركزا عليها هي: القول، والفعل، والتقرير، غير أن الأول منهما زاد عليها الصفة، والسيرة، وعمها فيما قبل البعثة، وفيما بعدها، وهنا تدخلت النسبة بينهما لتكون العموم والخصوص المطلق، الأعمية المطلقة في جانب تعريف المحدثين، والأخصية المطلقة في جانب تعريف الأصوليين، فأصبح كل سنة عند الأصوليين، سنة عند المحدثين، دون العكس.

والنسبة هذه انبعثت من انطلاق كل من الفريقين من منطلق نظرته إلى الرسول.

المحدثون ينظرون إليه على أن فيه أسوة حسنة، والتأسي يتأتى بكل ما يتصل به صلى الله عليه وسلم من سيرة وصفات بالإضافة إلى الأقوال والأفعال، والتقريرات.

والأصوليون ينظرون إليه على أنه المشرع عن الله، والتشريع يتأتى بالقول والفعل والتقرير.

وليس معنى هذا أن كل فريق اقتصر نظره على ما ذكر بالنسبة له، ولكن التركيز لكل كان على ذلك عند تعريف السنة.

ص: 176

فالمحدثون ما غضوا الطرف عن كون الرسول مشرعا عن الله، بل عرفوه هكذا أيضا كما أن الأصوليين لم يغضوا النظر عن كون الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أسوة حسنة، بل عرفوه هكذا أيضا.

السنة عند الفقهاء:

عرفها بعض الفقهاء بأنها: "الطريقة الدينية التي يطالب المكلف بإقامتها من غير افتراض ولا وجوب "وهي ما يعبر عنها عند البعض الآخر: "ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه "ويلتقي مع ما ذكره البعض من أنها: "ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مع ترك ما بلا عذر"ومع "الفعل المطلوب طلبا غير جازم ".

والذي يدور البحث حوله هو اصطلاح الأصوليين.

الآحادية:

نسبة إلى الآحاد، والآحاد جمع أحد بمعنى واحد. وهو: المنفرد.

والسنة الآحادية في اصطلاح المحدثين:

هي: "التي لم تبلغ نقلتها مبلغ المتواتر" وضم الحنفية إلى التعريف "أو المشهور".

وخلو تعريف الآحاد عن المشهور عند الجمهور، واشتماله عليه عند الحنفية تقتضيها طبيعة قسمة السنة عند كل فريق.

فالقسمة عند الجمهور ثنائية تقتصر على المتواترة، والآحادية دون أن تتخللهما واسطة، وهي عند الحنفية ثلاثية، تتخلل المتواترة والآحادية واسطة هي المشهورة.

بالنسبة لنقص الشرط، أو الجزء، يقتصر أثره في الاحتجاج بالنسبة الآحادية على ما إذا كان المنقوص منه ثابتا بالكتاب أو السنة المتواترة، عندئذ يرى جمهور العلماء أن السنة الآحادية لا تنقص الجزء أو الشرط، لأن إنقاصهما أو أحدهما نسخ لهما والنسخ يشترط فيه التكافؤ بين الناسخ والمنسوخ على الأقل، ولا يرون هذا التكافؤ متأتيا بين الكتاب والسنة المتواترة من جهة، وبين السنة الآحادية من جهة أخرى.

ففي هذه الحالة يتأتى تأثر الاحتجاج بالسنة الآحادية. هذا بالنسبة للمنقوص.

أما بالنسبة للمنقوص منه، فإن اعتبار نقص الجزء أو الشرط نسخا له، أو عدم اعتباره كذلك لا يؤثر في الاحتجاج بالسنة الآحادية، لا من جهة المنقص ولا من جهة المنقوص منه.

ص: 177

أما من جهة المنقص، فإن الاحتجاج به في نسخ الجزء أو الشرط يظهر إمكانية الاحتجاج به في نسخ المنقوص منه الباقي بعد خروج الجزء أو الشرط منه أيضا، لأنه بالنسخ الأول ثبت التكافؤ بين المنقص والمنقوص منه وهذا التكافؤ هو المطلوب في النسخ الثاني أيضا بالقدر الذي كان مطلوبا في الأول.

أما من جهة المنقوص منه، فإن الذي يتصور تأثره هو الاحتجاج به في الباقي منه بعد الجزء أو الشرط، وعلى القول بأن نقص الجزء أو الشرط نسخ له في هذا الباقي. ولكن هذا التأثر يتلاشى إذا عرف أنه لا يمس الجانب العملي لأن المنقوص منه يظل محتجا به في الباقي، ويعمل بمقتضاه فيه، والنسخ يتجه نحو جانب آخر غير العمل تماما.

فمثلا: فيما مثلوا به من نقص ركعتين من أربع واعتبار النص المثبت للأربع منسوخا حتى في الركعتين الباقيتين، تظل الباقيتان عبادة يقام بها، فالعمل بالنص فيهما قائم لم يتأثر، وإنما النسخ اتجه إلى تغيرهما من عدم كونهما عبادة بانفرادهما إلى كونهما عبادة تامة، فاعتبر النقص نسخا للنص فيهما من جهة هذا التغير فقط، وهذا كما يرى لم يؤثر في الاحتجاج بالنص، المتمثل في العمل بمقتضاه، وتنفيذ موجبه.

وأما بالنسبة لنقص الجزئي المتمثل في التخصيص والتقييد فالكلام فيه على النحو التالي:

مبحث الثالث: تأثير نقص الجزئى:

المطلب الأول: بالنسبة للتخصيص:

ص: 178

بناء على القول بالتخصيص مطلقا عند اختلاف حكم العام والخاص لا يتأثر الاحتجاج بالسنة الآحادية سلبا، بل تظل محتجا بها معمولا بمقتضاها لأنها عندما تكون خاصة تكون مخصصة للعام الذي يخالف حكمها حكمه في جميع الحالات، والتخصيص بيان، والبيان لا يشترط فيه التكافؤ والتساوي بين المبيِّن والمبيَّن، فكما يجوز بيان الشيء بما يساويه أو أقوى منه كذلك يجوز بيانه بما هو أدنى منه رتبة وأضعف منه ثم إن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، أجمعوا على تخصيص القرآن الكريم بالسنة الآحادية حيث إنهم قاموا بهذا التخصيص ولم يتعرض لإنكاره أحد فكان إجماعا، ومن أمثلة ذلك: تخصيص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (1) بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها"(2) .

ذلك: أن (ما) في الآية الكريمة تقيد العموم، فتفيد حل كل ماعدا المذكورات في الآيات من المحرمات والمرأة على عمتها أو خالتها من جملة ذلك ولكن الحديث الشريف أخرجهما من هذا العموم، وبين حرمتهما.

أضف إلى ذلك أن كلا من عموم الكتاب أو السنة المتواترة مع السنة الآحادية دليلان قد اختلف حكمهما، فوجب أن يجمع بينهما بقدر الإمكان، وهذا الجمع يقتضينا أن نعمل بكل واحد منهما من وجه، والذي يحقق هذا هو إعمال العام في غير مورد الخاص، وإعمال الخاص في مورده فيتعين ذلك، وهذا هو التخصيص وبهذا بحفظ الدليلان من الإلغاء المطلق.

ومن هنا فإن القول بالتخصيص في جميع حالات اختلاف الحكم بين العام والخاص فيه الحفاظ على السنة الآحادية والاحتجاج بها.

ص: 179

وأما القول بالتخصيص حالة اقتران الخاص بالعام وتأخره عنه، وبالنسخ في الحالات الأخرى فإنه يشكل خطورة كبيرة على الاحتجاج بالسنة الآحادية. ذلك: أن حالات اختلاف حكم العام والخاص أربع، والنسخ يشترط العلماء فيه التساوي على الأقل بين الناسخ والمنسوخ في القوة، ويعتبرون أن السنة الآحادية لا تساوي قوته قوة الكتاب والسنة المتواترة، فمعنى هذا أن السنة الآحادية تتأثر في الاحتجاج بها سلبيا في ثلاث حالات من أربع وهذه الحالات الثلاث تشكل معظم اختلاف حكم الخاص والعام.

فإذا علمنا أن اختلاف حكم العام والخاص يشغل مساحة واسعة من الأدلة الشرعية، وأن الكثير من الأدلة الخاصة من السنة الآحادية علمنا أن استبدال النسخ بالتخصيص في تلك الحالات الثلاث يفضي إلى تعطيل كثير من الأدلة الممثلة في السنة الآحادية بعدم الأخذ بما تأتى به من الأحكام الناتج من عدم التخصيص بها.

ومن هنا جاء ترجيح التخصيص فيما مضى في هذه الحالات الثلاث دفعا لهذا التعطيل، وإعمالا للأدلة، وحفاظا عليها، وتمسكا بالسنة الآحادية بقدر الإمكان كما ينبغي.

المطلب الثاني: بالنسبة للتقييد:

يتأثر الاحتجاج بالسنة الآحادية سلبا تأثرا كبيرا بناء على القول بعدم تقييد السنة الآحادية لمطلق الكتاب والسنة المتواترة، ودائرة السنة الآحادية المقيدة لمطلق الكتاب والسنة المتواترة واسعة غاية السعة.

وكل هذا يدعوا إلى دراسة مبنى هذا القول ومستنده.

أما مبناه: فهو أن التقييد عند أصحاب هذا القول بطريق المعارضة (1) ، والكتاب والسنة المتواترة قطعيان والسنة الآحادية في ثبوتها احتمال، والمحتمل لا يقوى على معارضة القطعي، فلا يقيده. لأن من شرطها التساوي في القوة بين الدليلين.

ولكنا إذا نظرنا إلى حقيقة التقييد وأنه البيان للمطلق لا المعارض له، وأنه يتوجه نحو شيوع المطلق المحتمل، لا أصل حكمه المقطوع به، يهتز هذا المبنى.

ص: 180

وأما مستنده، فهو جعل التقييد بمثابة التخصيص وقياسه عليه بجامع أن كلا منهما تنقيص وتقليل، ثم الاستدلال على عدم تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية على النحو التالي:

قالوا: أجمع الصحابة رضي الله عنهم على عدم تخصيص الكتاب بالسنة الآحادية يدل على ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه رد ما روته فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة" لما كان مخصصا لعموم قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (1) وقال: "كيف نترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندرى أحفظت أم نسيت". ولم ينكر ذلك أحد فصار إجماعا.

ولا معتصم لهم في هذا الذي ذكروه على أنه إجماع على عدم التخصيص بالسنة الآحادية لأمور ثلاثة:

أولها: أن انعقاد الإجماع على ذلك غير مسلم سواء كان إجماعا تصريحيا أم سكوتيا. لأنه لو كان وافق عليه الكل صراحة لنقل لكنه لم ينقل، فانتفى انعقاد الإجماع التصريحي على ذلك.

ولم يكن الكل حاضرين عند رد عمر لحديث فاطمة، فلا يكون هناك إجماع سكوتي أيضا.

وبهذا يكون الإجماع بنوعيه غير منعقد على ما ذكروه.

ثانيا: على فرض تسليم صحة ثبوت ما ادعوه من الإجماع، فإنه لا يكون مثبتا لمنع تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية. لأن المجوزين لتخصيصهما بها لم يدعو تخصيصهما بكل ما كان من السنة الآحادية مطلقا سواء كان راويها متهما بالنسيان أم لا، بل يجوزون التخصيص بما لا يكون راويه متهما بالنسيان والحديث المردود من قبل عمر رضي الله عنه صريح بتهمة راويه بالنسيان.

ثالثها: أن رد عمر لحديث فاطمة يصلح حجة للمجوزين لتخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية، لأن عمر رضي الله عنه علل رده لحديثها بكونها غير مأمونة.

ص: 181

وهذا التعليل ينبئ عن عدم رد التخصيص للكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية كيف ما كانت - لأنه لو كان كذلك لما كان معنى لهذا التعليل، ولكان علله بكونه خبر واحد.

ومما استندوا إليه أيضا قياس التقييد على النسخ فقالوا: لو جاز تقييد الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية لجاز نسخهما بها أيضا لأن النسخ تخصيص في الأزمان، والتقييد تخصيص في الأعيان والمعنى الذي من أجله يصار إلى التقييد وهو أولويته على إلغاء المقيد متحقق أيضا في النسخ. لكن نسخهما بها لا يجوز، فلا يجوز تقييدهما بها أيضا.

وبهذا القياس لا يتم لهم الاستدلال، لأنه قياس مع الفارق يكمن وجه الفرق في أن النسخ رفع للحكم، والتقييد بيان، والرفع أصعب من البيان فيحتاط في الرفع مالا يحتاط في البيان، فلا يلزم من امتناع النسخ بالسنة الآحادية امتناع التقييد بها.

ويرجح تقييد الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية بالإضافة إلى وهي ما استدل به المانعون منه ما يلي:

1 -

أن كلا من مطلق الكتاب والسنة المتواترة ومقيد السنة الآحادية دليل يجب اتباعه، والعمل به، والذي يحقق هذا العمل وذلك الاتباع هو حمل المطلق على المقيد. لأن الفرد الذي فيه القيد يتناوله المطلق بإطلاقه وهو بطبيعة الحال يوجب المقيد الإتيان به. وبهذا يجمع بين الأدلة في الإعمال.

2 -

التقييد صنو التخصيص، وقد ذكرنا إجماع الصحابة على جوازه بالسنة الآحادية.

هذا وقد دلت الأدلة القاطعة على وجوب العمل بالسنة الآحادية والتقييد بها عمل بها فتكون تلك الأدلة دالة على صحة التقييد بها ضمن دلالتها على وجوب العمل بها. والله أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكان الفراغ منه في شهر رمضان المبارك

سنة 1409 هجرية. في المدينة المنورة

فهرس المصادر

أولاً: القرآن الكريم وتفسيره

1 -

أسباب النزول. لعلي بن أحمد الواحدي المتوفي 468 هـ ط مصر 1315 هـ.

ص: 182

2 -

أسباب النزول. لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطى المتوفي 911 هـ. المطبوع بهامش تفسير الجلالين. ط بيروت دار الفكر.

3 -

التسهيل لعلوم التنزيل. لمحمد بن أحمد بن جزى المتوفى 741 ط مصطفى محمد مصر 1355 هـ.

4 -

تفسير البحر المحيط. لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي المتوفى 754 هـ. ط دار الفكر – بيروت - 1403 هـ.

5 -

تفسير القرآن العظيم. للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى 774 هـ ط دار الفكر – بيروت - 1400 هـ.

6 -

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ط - مؤسسة مكة المكرمة للطباعة والإعلام. مكة المكرمة 1398 هـ.

7 -

جامع البيان في تفسير القرآن. لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 هـ - ط دار المعرفة. بيروت 1398 هـ.

8 -

الدر المنثور في التفسير بالمأثور. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي ط - مصر 1306 هـ.

9 -

عناية القاضي وكفاية الراضي. للشيخ الشهاب الخفاجي ط. دار صادر.

10 -

المفردات في غريب القرآن. لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني المتوفى 502 هـ. تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني ط - دار المعرفة - بيروت.

11 -

نواسخ القرآن. لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي. المتوفي 597 هـ تحقيق د. محمد أشرف عك المليبارى. ط الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة 1404 هـ.

ثانيا: الحديث الشريف وما يتعلق به

12 -

تهذيب السنن. للحافظ المحقق شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية المتوفي 751 هـ. تحقيق محمد حامد الفقي، ط مكتبة السنة المحمدية - القاهرة.

13 -

جامع الترمذي - للحافظ أبي عيسى، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفي 279 هـ المطبوع مع تحفة الأحوذي ط دار الفكر بيروت 1399 هـ.

ص: 183

14 -

سنن ابن ماجة. لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزوينى المتوفي 273 هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. ط عيسى البابى الحلبى 1313 هـ.

15 ـ سنن أبي داود. للحافظ أبي داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني المتوفي 275 هـ المطبوع مع شرحه عون المعبود. تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. ط دار الفكر بيروت 1399 هـ.

16ـ سنن الدارقطني. للحافظ علي بن عمر الدارقطني المتوفي 385 هـ. تحقيق عبد الله هاشم المدني ط. دار المعرفة. بيروت 1386 هـ.

17ـ شرح صحيح مسلم. للحافظ الفقيه أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفي 676 هـ ط. دار إحياء التراث العربي بيروت 1349 هـ.

18 ـ صحيح البخاري. للحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفي 256 هـ. المطبوع مع فتح الباري. تحقيق وتصحيح وإشراف سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. إخراج وتصحيح محب الدين الخطيب.

19 ـ صحيح مسلم. للحافظ أبي الحسين مسلم بن حجاج القشيري النيسابوري المتوفي 261 هـ المطبوع مع شرح النووي ط دار إحياء التراث العربي بيروت 1392 هـ.

20ـ غريب الحديث. لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفي 224 هـ. ط - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان 1396 هـ.

21 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري. للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي 852 هـ المطبعة السلفية. القاهرة.

22 ـ قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث. للشيخ محمد جمال الدين القاسمي المتوفى 1332 هـ ط. دار الكتب العلمية - بيروت - 1399 هـ

23ـ مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخيار. للشيخ محمد طاهر الصديقي الهندي الفتني المتوفي 986 هـ. ط - مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن الهند - 1391 هـ.

24ـ المستدرك على الصحيحين. للحافظ محمد بن عبد الله النيسابوري الحاكم المتوفى 405 هـ - ط المطبوعات الإسلامية - حلب.

ص: 184

25ـ المصنف في الأحاديث والآثار. للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى 235 هـ تحقيق عامر العمري الأعظمي. ط الدار السلفية - الهند.

26ـ معالم السنن. للحافظ أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي المتوفي 388 هـ تحقيق محمد حامد الفقي – ط مكتبة السنة المحمدية. مصر.

27ـ النهاية في غريب الحديث والأثر. لمجد الدين المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير المتوفي 606 هـ. تحقيق طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحي - ط دار الفكر بيروت.

3 -

أصول الفقه

28 -

ابن قدامة وآثاره الأصولية. للدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد. ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1458 هـ.

29 -

إجابة السائل شرح بغية الأمل لمحمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى 1182 هـ تحقيق السياغي والأهدل. ط مؤسسة الرسالة بيروت 1406 هـ.

35 -

الإِحكام في أصول الأحكام. لسيف الدين أبي الحسن على بن أبي علي بن محمد الآمدي، المتوفى 631 هـ. ط - دار الكتب العلمية، بيروت 1400 هـ.

31 -

إحكام الفصول في أحكام الأصول. لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي. المتوفى 474 هـ تحقيق عبد المجيد التركي ط - دار الفكر 401 اهـ.

32 -

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. للشيخ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المتوفى 1255 هـ، ط - دار المعرفة - بيروت 1399 هـ.

33 -

الإشارات إلى مفاتيح الأحكام. للكرباسي ط. حجر 1245 هـ.

34 -

أصول البزدوى. للشيخ علي بن محمد بن الحسين البزدوي، المتوفى 482 هـ. ط - دار الكتاب العربي - بيروت 1394 هـ.

35 -

أصول السرخسي، للشيخ أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، المتوفى 490 هـ. ط - دار المعرفة، بيروت 1393 هـ.

36 -

التحرير - لكمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد المجيد السيواسي، الشهير بابن الهمام، المتوفى 861 هـ. ط - مصطفى البابي الحلبي بمصر، مع تيسير التحرير سنة 350 أهـ.

ص: 185

37 -

التقرير والتحبير. للشيخ محمد بن محمد بن الحسن المعروف بابن أمير الحاج المتوفى 879 هـ. ط - دار الكتب العلمية 1402 هـ.

38 -

التلويح على التوضيح. للشيخ سعد بن عمر بن عبد الله التفتازاني، المتوفى 792 هـ. ط - كراجي 1400

39 -

التمهيد في أصول الفقه. للشيخ محفوظ بن أحمد بن الحسن أبي الخطاب الكلوذاني، الحنبلي، المتوفى 510 هـ. تحقيق: الدكتورين مفيد محمد أبو عمشة - ومحمد بن علي بن إبراهيم، ط - دار المدني، جدة، المملكة العربية السعودية. سنة 1456 هـ.

40 -

التوضيح لمتن التنقيح. للشيح عبيد بن مسعود البخاري، الشهير بصدر الشريعة، المتوفى 747 هـ، ط - كراجي 1400 هـ.

41 -

تيسير التحرير. للشيخ محمد أمين المعروف بأمير بادشاه، المتوفى 978 هـ. ط - مصطفى البابي الحلبي، مصر 1350 هـ.

42 -

جمع الجوامع. لعبد الوهاب بن علي السبكي، الشهير بتاج الدين، المتوفى 771 هـ المطبوع مع حاشية العطار، ط - المطبعة العلمية 1316 هـ.

43 ـ السبب عند الأصوليين. للدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن علي الربيعة ط. مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1399 هـ.

44 ـ شرح تنقيح الفصول. لشهاب الدين أبو العباس، أحمد بن إدريس القرافي، المتوفى 684 هـ، ط - شركة الطباعة الفنية المتحدة، مصر 1393 هـ.

45 ـ شرح الكوكب المنير. للشيخ محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار المتوفى 972 هـ. تحقيق: الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد، ط: دار الفكر دمشق سنة 1400هـ.

46 ـ شرح المحلي على جمع الجوامع. للشيخ جلال الدين محمد أحمد المحلي، المطبوع مع حاشية العطار، ط - المطبعة العلمية بمصر 316 أهـ.

47 ـ شرح مختصر المنتهي. للشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار عضد الدين الإِيجي المتوفى 756 هـ. مراجعة وتصحيح: شعبان محمد إسماعيل. ط الفجالة الجديدة 1393 هـ.

ص: 186

48 ـ العدة في أصول الفقه. للقاضي أبي يعلي، محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي، المتوفى 458 هـ. تحقيق: الدكتور أحمد بن على سير المباركي. ط: مؤسسة الرسالة بيروت سنة 1400 هـ.

49 ـ العقد المنظوم في الخصوص والعموم. للقرافي. مخطوط الجامعة الإِسلامية مصور برقم 1791.

50 ـ فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت. للشيخ عبد العلي محمد بن نظام الدين محمد اللكنوي الأنصاري، المتوفى 1180 مصر. ط - المطبعة الأميرية بمصر 1322 هـ.

51 ـ كشف الأسرار. للشيخ علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري، المتوفى 735 هـ ط - دار الكتاب العربي، بيروت، 1394 هـ.

52 ـ مجموع، فتاوى شيخ الإِسلام أحد بن تيمية، لشيخ الإِسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية. جمع وترتيب: الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي. توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد 1404 هـ.

53 ـ المحصول في علم أصول الفقه. لمحمد بن عمر بن الحسن الشهير بفخر الدين الرازي، المتوفى 606 هـ تحقيق د/ طه جابر. ط - جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية.

54 ـ مختصر المنتهى. للشيخ جمال الدين عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب، المتوفى 646 هـ، ط - الفجالة الجديدة بمصر 1393 هـ.

55 ـ المستصفى من علم الأصول. لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المتوفى 505 هـ، المطبوع مع مسلم الثبوت. ط - المطبعة الأميرية بمصر 1322 هـ.

56 ـ مسلم الثبوت. للشيخ محب الله بن عبد الشكور، المتوفى 1119 هـ. ط: المطبعة الأميرية بمصر 1322 هـ.

ص: 187

57 -

المسودة في أصول الفقه. لثلاثة علماء من آل تيمية، وهم: مجد الدين، أبو البركات عبد السلام ابن عبد الله بن الخضر، المتوفى 632 هـ، وشهاب الدين أبو المحاسن عبد الحليم بن عبد السلام، المتوفى 682 هـ. وتقي الدين أبو العباس شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، المتوفى 682 هـ.

جمع وتبييض: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الحراني، المتوفى 745 هـ، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط: دار الكتاب العربي: بيروت.

58 -

المعتمد في أصول الفقه. لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري، المتوفى 436 هـ - تحقيق: محمد حميد الله، ط: دمشق 1384 هـ.

59 -

مناهج العقول. للشيخ محمد بن حسن البدخشي، المتوفى 922 هـ. ط: محمد علي صبيح بمصر.

65 -

منهاج الوصول إلى علم الأصول. للقاضي عبد الله بن عمر البيضاوي، المتوفى 685 هـ ط: محمد على صبيح بمصر.

61 -

ميزان الأصول في نتائج العقول. لعلاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي، المتوفى 539 هـ تحقيق: الدكتور خمد زكي عبد البر، ط: مطابع الدوحة الحديثة بقطر 1454 هـ.

62 -

نشر البنود على مراقي السعود. للشيخ عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي، المتوفى 1233 هـ. ط: مطبعة فضالة، المغرب.

63 -

نفائس الأصول شرح المحصول. لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المتوفى 684 هـ مخطوط في الجامعة الإسلامية بميكروفيلم رقم 2442.

الفقه

الفقه الحنفي

64 -

البناية في شرح الهداية. لأبي محمد، محمود بن أحمد العيني، المتوفى 855 هـ. تصحيح: محمد عمر الرامفوري، ط: دار الفكر بيروت 1400 هـ.

65 -

الهداية شرح بداية المبتدي. للشيخ علي بن بكر المرغيناني، المتوفى 593 هـ. المطبوعة مع البناية. ط: دار الفكر بيروت 1400 هـ.

الفقه المالكي

66 -

بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المتوفى 595 هـ، ط: دار المعرفة بيروت 1403 هـ.

ص: 188

67ـ كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني للشيخ علي أبو الحسن المالكي المتوفى 939 هـ، ط: دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت لبنان.

الفقه الشافعي

68 ـ المجموع شرح المهذب. لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى 676 هـ. ط: دار الفكر.

69 ـ المهذب في فقه الإمام الشافعي. لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، المتوفي 476 هـ، ط: دار المعرفة، بيروت 1379 هـ.

70 ـ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. لشمس الدين محمد بن أحمد الرملي، المتوفى 1004 هـ، ط: المكتبة الإسلامية بحلب.

الفقه الحنبلي

71 ـ المغني، لأبي محمد بن قدامة المقدسي، ط: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض المملكة العربية السعودية، سنة 1401 هـ.

72 ـ الروض المربع شرح زاد المقنع، للشيخ منصور بن يونس البهوتى. ط: مكتبة الرياض الحديثة 1390 هـ.

المعاجم اللغوية والاصطلاحية

73 ـ أساس البلاغة. لمحمود بن عمر الزمخشري، المتوفى 538 هـ. تحقيق: عبد الحليم محمود، ط: دار المعرفة بيروت 1399 هـ.

74 ـ تاج العروش من جواهر القاموس. لمحمد مرتضي الحسيني الزبيدي، المتوفى 1205 هـ. تحقيق: عبد العليم الطحاوي، ط: مطبعة حكومة الكويت 1400 هـ.

75 ـ التعريفات. لأبي الحسن علي بن محمد، الشهير: بالشريف الجرجاني، المتوفى 816 هـ، ط: دار الكتب العلمية بيروت 1403هـ.

76 ـ الصحاح. لإسماعيل بن حماد الجوهري، المتوفى 393 هـ أو 396 هـ. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطارد ط: مطابع الكتاب العربي، القاهرة 1402 هـ.

77 ـ القاموس المحيط. لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، المتوفى 817 هـ. ط: مصطفى البابي الحلبي بمصر 1371 هـ.

78 ـ الكليات. لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، المتوفى 1094 هـ. تحقيق: د/ عدنان درويش، ومحمد المصري. ط: مطابع وزارة الثقافة دمشق 1981 هـ.

79 ـ لسان العرب. لمحمد بن مكرم بن منظور، المتوفى 711 هـ. ط: دار صادر، بيروت 1376 هـ.

ص: 189

80 -

مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، المتوفي 666 هـ. ط: دار الكتاب العربي بيروت 1967 م.

81 -

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي. لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المتوفي 770 هـ، ط: المكتبة العلمية بيروت 1398 هـ.

82 -

المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية. ط: مطابع قطر الوطنية - الدوحة 1985م.

83 -

معجم البلاغة العربية. للدكتور بدوي طبانه، ط: دار العلوم للطباعة والنشر الرياض.

الطبقات والتراجم

84 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب. لابن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، المتوفى 463 هـ. تحقيق محمد على البيجاوي. ط مصر.

85 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير. تعليق محمد البنا ومحمد عاشور ط: دار الشعب. القاهرة.

86 ـ الإصابة في تمييز الصحابة. للحافظ ابن حجر العسقلاني ط. مطبعة السعادة، القاهرة 1328 هـ.

87 ـ تقريب التهذيب. للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف. ط: دار المعرفة، بيروت: 1395 هـ.

88 ـ تهذيب الأسماء واللغات. لأبي زكريا النووي. ط: إدارة الطباعة المنيرية.

علوم متنوعة

89 ـ بدائع الفوائد. للإِمام محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية المتوفى 751 هـ، ط: مطبعة الفجالة بمصر 1392 هـ.

90 ـ التهذيب. للسعد التفتازاني. ط: عيسى البابي الحلبي، المطبوع مع التذهيب.

91 ـ شرح ابن عقيل. للقاضي بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي، المتوفي 769 هـ. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد ط. مطبعة السعادة بمصر 1384 هـ.

92 ـ شرح الشافية. لفخر الدين أحمد بن الحسن فخر الدين الجاربردى، المتوفي 746 هـ، ط: دار الطباعة العامرة سنة 315 هـ.

93 ـ الفوائد الضيائية، لنور الدين عبد الرحمن الجامى، المتوفي 798 هـ، دراسة وتحقيق: الدكتور أسامة طه الرفاعي، ط: مطبعة وزارة الأوقاف والشئون الدينية، بغداد، العراق.

ص: 190

94 ـ المرشد السليم. للدكتور عوض الله جاد حجازي، ط: دار الطباعة المحمدية، بالقاهرة، مصر، سنة 1383 هـ.

---

(1)

انظر: الصحاح (3/1059) ولسان العرب (7/100) وتاج العروس (18/187ـ188) .

(2)

الفعل في اللغة: العمل. والمقصود هنا ما هو في اصطلاح النحاة وهو: "ما دل على معنى في نفسه، مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة"مثل (نصر) للماضي، و (ينصُر) للحاضر أو المستقبل. انظر: لسان العرب (3/528) وشرح ابن عقيل (1/ 264) .

(3)

الفاعل: اسم فاعل من فعل يفعل. على وزن منيع يمنع وهو في اللغة: العامل. والمقصود هنا ما هو في اصطلاح النحاة وهو: "ما أسند إليه الفعل، أو شبهه وقدم عليه "مثل (زيد) في (خرج زيد) فإن زيدا أسند ونسب إليه (خرج) باعتبار صدوره منه وقيامه به. وقد قدم عليه. ومثل: (أخارج عمرو) فإن (عمرا) أسند إليه (خارج) وهو شبه الفعل، لأنه اسم فاعل. وهو يشبه الفعل في العمل حيث يعمل عمله في رفع الفاعل بشروط مبسوطة في كتب النحو.

انظر: الفوائد الضيائية (1/253،254) وانظر لمعنى اللزوم: شرح الكافية للرضى (2/272-273) والفوائد الضيائية (2/253-254)

(4)

ق:4.

وللمعنى الذي يكون النقص بناء عليه لازما في هذه الآية الكريمة انظر جامع البيان (26/ 94) والبحر المحيط لأبي حبان (8/121) .

(5)

راجع: شرح الكافية للمرضى (2/ 272) والفوائد الضيائية (2/ 274) .

الرعد: ا 4. وانظر: إعراب القرآن للنحاس (2/ 174-175) والبحر المحيط (5/ 0 40) .

(6)

الاسم في اللغة: أصله سمو بكسر السين وضمها وسكون الميم على وزن حمل أو قفل. حذفت الواو وعوض عنها بالهمزة في أول الكلمة. وهو من السمو وهو العلو، لأن الاسم فيه تنويه با المسمى.

وفي الاصطلاح: "ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة". انظر: نحتار الصحاح (316) والكافية لابن الحاجب مع شرح الرضى (9/1) وشرح ابن عقيل (1/15) .

ص: 191

(1)

الحرف بفتح الحاء وسكون الراء في اللغة: الطرف والجانب، وبه سمى الحرف من حروف الهجاء. وفي الاصطلاح:"كلمة لا تدل على معنى في نفسها، بل تحتاج إلى انضمام كلمة أخرى إليها". مثل (من) فلا وحدها لا تدل على معنى، ولكنها تدل على الابتداء إذا انضم إليها كلمة أخرى مثل (البصرة) مثلا قولك:"سرت من البصرة"فهي تدل على الابتداء الثابت في البصرة) . انظر لسان العرب (9/ 41) وشرح الكافية للرضى (1/9) والفوائد الضيائية (1/ 171) .

(2)

راجع: شرح ابن عقيل (1/ 499) .

(3)

المرجع السابق (473/1-474) .

(4)

المرجع السابق (4/ 345) .

(5)

البلاغة لغة: التمام والوصول والانتهاء. واصطلاحا: المطابقة لمقتضى الحال. والمناسبة بت المعنيين أن المطابقة تفضي إلى الوصول إلى المطلوب عند البلغاء فبلاغة الكلام هو: "مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته"وتتأتى هذه المطابقة بأن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به المراد خصوصية ما، كالتأكيد مثلا عندما يكون المخاطب منكِرا لمقتضى الكلام الذي يوجه إليه، إذ حاله عندئذ يستدعى التأكيد، فيكون اعتباره مطابقة لمقتضى هذا الحال، على عكس الخالي عن الإنكار لخلو ذهنه عن مضمون الكلام الموجه إليه حيث يكون بلاغة الكلام معه بخلوه من التأكيد. انظر: مختار الصحاح (63) ومختصر المعاني (11 وا 2-22) وشرح عقود الجمان (6) .

(6)

الإيجاز: مصدر أوجز يوجز، وهو لغة: الإِقصار، من الوجازة وهي القصر. وفي الاصطلاح:"أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط ". وأبرز ما مثل به البلاغيون قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} حيث تضمن هذا اللفظ الوجيز معاني كثيرة يحتاج أداؤها في متعارف الأوساط إلى عبارات كثيرة انظر: المصباح المنير (2/648) ومفتاح العلوم (493) وحلية اللب المصون (100) .

(7)

راجع: منحة الجليل (1/ 499) ومعجم البلاغة (1/ 190) .

(8)

انظر: شرح الشافية للجاربردي (1/58) .

ص: 192

(1)

ذكرت المعاني التي جاء بها النص في اللغة في كتاب "الزيادة على النص "(ص 8 ا- ا 2) راجع لتفصيلات هذه المعاني: أساس البلاغة (459) ولسان العرب (7/97) ضاج العروس (18/ 179) .

(2)

متفق عليه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (3/518) وصحيح مسلم مع شرح النووي (9/34) .

(3)

راجع: غريب الحديث لأبي عبيد (13/178) والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 64) وشرح النووي على مسلم (9/ 34) وفتح الباري شرح صحيح البخاري (13/518) .

(4)

انظر: لسان العرب (7/98) وتاج العروس (18/ 180) .

(5)

بينت تفاضل تلك الاصطلاحات في كتاب "الزيادة على النص"(ص/ 21-2) .

(6)

راجع كليات أبي البقاء (4/ 366) .

(7)

الحكم لا اللغة: المنع، والقضاء.

وفي العرف: "إثبات أمر لآخر، أو نفيه عنه ".

وفي اصطلاح الأصليين: "خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل الاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع.

وعند الفقهاء: "ما ثبت بالخطاب "كالوجوب، ونحوه، والمعنى الأخير هو المراد هنا راجع: مختار الصحاح (ص/148) والأحكام للآمدي (1/135) .

(8)

المائدة: 6.

(9)

راجع: تاج العروس (/404) والمعجم الوسيط (1/478) ، والتلويح على التوضيح (1/143) والسبب عند الأصوليين (31/2-32) .

(10)

راجع: تاج العروس (1/171) والتعريفات (ص/75) ، والتهذيب للتفتازاني (ص 78/ 79) .

(11)

انظر: التعريفات (ص/75) ، والمرشد السليم (ص/ 54) .

(12)

أنظر: التعريفات (ص/ 75) ، والمرشد السليم (ص/ 34) .

(13)

النسخ في اللغة: الإزالة. وفي الاصطلاح: "رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ عه ".

انظر: مفردات القرآن (ص/512) وشرح الكوكب المنير (3/525) .

(14)

راجع: إحكام الفصول (ص/ 409) وشرح المحلى على جمع الجوامع (2/114) وشرح الكوكب المنير (3/584) .

(15)

راجع: التمهيد قي أصول الفقه (2/ 8 0 4) وفواتح الرحموت (2/ 94) .

ص: 193

(1)

راجع: تيسير التحرير (3/ 220) وأحكام الفصول (ص/ 409) وشرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 114) والعدة في أصول الفقه (3/837) .

(2)

منهم: الكرخي، وعبد العزيز البخاريَ، وعبد العلي الأنصاري.

انظر: ميزان الأصول (ص/ 729) وكشف الأسرار (3/ 1679) وفواتح الرحموت (2/ 94) .

(3)

منهم الغزالي. انظر: المستصفى (1/ 116) .

(4)

وإليه ذهب عبد الجبار المعتزلي. انظر: المعتمد (1/ 447) والتمهيد (2/ 408) والمسودة (ص/ 213) .

(5)

راجع. التحرير مع التيسير (3/ 220) والمختصر مع العضد (2/203) وشرح الكوكب المنير (3/ 383) .

(6)

راجع. فواتح الرحموت 2/94-95)

(7)

راجع: 1لعدة3/ 838، والتمهيد (2/408) .

(8)

انظر: إحكام الفصول (ص/ 410) والأحكام للآمدي 3/554) .

(9)

راجع. إحكام الفصول (ص 410) .

(10)

راجع: مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت (2/ 93) .

(11)

المرجع السابق.

(12)

راجع: فواتح الرحموت (2/ 95) .

انظر: المرجع السابق

(13)

المرجع السابق.

(14)

المرجع السابق.

(15)

المرجع السابق.

(16)

راجع: المستصفى (1/ 116) .

انظر النفائس (2/ 286) .

راجع: المعتمد (1/ 148) والمستصفى (1/116) والمحصول (3/559) .

أنظر: فواتح الرحموت (2/ 94) .

(17)

راجع النفائس (2/285) .

راجع: إحكام الفصول (ص/ 410) .

(18)

راجع: تاج العروس (4/388) ولسان العرب (8/290) .

(19)

راجع: جمع الجوامع مع العطار (2/28) والسبب عند الأصوليين (3/98)

البقرة: 185.

(20)

المجادلة 120.

(21)

المجادلة: 13.

(22)

راجع: جامع البيان (28/ 5 ا-16) ونواسخ القرآن (ص/ 478- ا 48) .

(23)

البقرة: 228.

(24)

الطلاق: 4.

(25)

انظر: جامع البيان (2/ 264) ونواسخ القرآن (ص/ 206) والدر المنثور (1/ 274) .

(26)

راجع: تيسير التحرير (1/ 272) .

(27)

لمعرفة مزيد من الفروق بينهما راجع: الأحكام للآمدي (3/165 وتنقيح الفصول (2/72) وإرشاد الفحول (ص/125-926) .

ص: 194

(1)

راجع: صحيح البخاريَ (6/ 4) وجامع البيان (17/ 64-67) ومرآة الأصول (1/ 334) .

(2)

انظر: الأحكام للآمديَ (2/ 463) والمختصر مع شرح العضد (1/147-148) . وابن قدامة وآثاره الأصولية (1/251) .

(3)

راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/345،349) .

الأنبياء: 98.

الأنبياء: 101.

(4)

راجع: أسباب النزول للواحدي (ص/ 229و- 230) وتفسير ابن جزي (3/33) وتفسير ابن كثير (3/ 199) وأسباب النزول للسيوطي بهامش تفسير الجلالين (ص/508،510) .

(5)

راجع: الأحكام للآمدي (2/ 465) والأسنوي على المنهاج (2/110) ، والبد خشي على المنهاج (2/ 186) .

(6)

راجع: تيسير التحرير (1/278) ومسلم الثبوت مع شرحه (1/ 301) .

(7)

1لعنكبوت:31.

(8)

1لعنكبوت: 32.

(9)

راجع: تفسير ابن كثير (3/413) وحاشية الشهاب على البيضاوي (7/ 99-100)

والأحكام للآمدي (3/ 52) .

(10)

المرجع السابق (3/52-53)

(11)

هود ة 40.

(12)

هود 46.

(13)

هود. 46

(14)

راجع: تفسير ابن كثير (2/448،449) والشهاب على البيضاوي (5/ 97-103) .

(15)

راجع المستصفى (1/ 371-372) .

(16)

القصص:29.

(17)

المجمل لغة: المبهم. واصطلاحا. "ما خفي المراد منه بحيث لا يدرك إلَاّ ببيات ممن صدر منه"، "انظر: لسان العرب والمجموع (11/ 127) والقاموس المحيط (ص/ 1266) والمرقاة (ص/195) .

(18)

راجع: تيسير التحرير (1/278) ، ومسلم الثبوت مع شرحه (1/ 4 0 3-3.3) .

(19)

الأنفال: 41.

(20)

رواه البخاري وغيره. انظر: صحيحه مع الفتح (6/247) .

(21)

تقسيم الني صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بنىِ هاشم وبني المطلب وعدم إعطاء غيرهم رواه البخاري وغيره. أنظر: صحيحه (6/244) .

(22)

راجع: المستصفى (1/ 371) والمختصر مع العضد (2/ 164) وفتح الباري (6/ 244، 247، 248) .

(23)

راجع: تيسرت التحرير (1/277) ومسلم الثبوت مع فواتح الرحموت (1/ 4 30) .

ص: 195

(1)

راجع: المستصفى (1/ 373) والأحكام للآمدىِ (3/ 9 5) .

(2)

الجهل البسيط هو: "عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالما"سمى به لكونه شيئا واحدا هو: عدم العلم فقط، فاستحق وصف البساطة التي هي عدم العلم فقط من أجزاء متعددة.

وأما الجهل المركب فهو: الاعتقاد الجازم غير المطابق للواقع "سمى به، لأنه اعتقاد الشيء على حلاف ما هو به، فاجتمع فيه جهلان عدم العلم، وعدم العلم بعدم العلم. وكون هذا مركبا من جزئين واضح؛ ومن هنا اشتهر أن الجاهل جهلا بسيطا هو: أنه لا يدري، ولكنه يدري أنه لا يدري. وأما الجاهل جهلا مركبا هو. أنه لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري. انظر التعريفات (ص/ 80) وكليات أبي البقاء (67/162) .

(3)

راجع: مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت (1/303) .

(4)

راجع: تيسير التحرير (1/175 ـ176) والتقرير والتحبير (1/ 245) ومسلم الثبوت مع شرحه (1/303) .

(5)

راجع: المستصفى (1/378،180) .

(6)

انظر: تيسير التحرير (1/175-176) ومسلم الثبوت مح شرحه (1/303) .

(7)

راجع: الأحكام للآمدي (3/ 64) والعضد على المختصر (2/ 166) .

(8)

انظر: المرجعين السابقين

(9)

راجع: الأحكام (3/ 63- 64) .

(10)

المرجع السابق، وشرح المختصر للعضد (2/166) .

(11)

راجع: الأحكام للآمدي (3/ 63) .

(12)

راجع: المرجع السابق.

(13)

راجع: المستصفى (1/ 378) .

(14)

راجع: شرح المختصر للعضد (2/166-167) .

(15)

راجع: المرجع السابق.

(16)

راجع: مسلم الثبوت وشرحه (1/303) .

(17)

الليل الآية 3.

(18)

الشمس الآية5.

(19)

الكافرون الآية 3.

(20)

4 راجع جامع البيات (30/32 ا-133، 0 4 1، 13 2) وبدائع الفوائد (1/132-133) وتفسير ابن كثير (4/ 516،519، 561) وتيسير الكريم الرحمن (8/245، 247، 268) وشرح البدخشي على المنهاج (2/187) وشرح المنهاج للآسنوى (2 /19) .

(21)

راجع: مغنى اللبيب (2/328) .

ص: 196

(1)

انظر الأحكام للآمدي (3/ 50- ا 5) .

(2)

هو: عبد الله بن الزبعرى بن قيس الساعدي، كان شاعرا مشهورا، وكان من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونفسه قبل إسلامه، ثم أسلم وحسن إسلامه واعتذر عن زلاته حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم.

انظر: تهذيب الأسماء واللغات (ص/ 266) .

(3)

راجع: جامع البيان (17/ 76) وتفسير ابن كثير (3/ 199) وتيسير الكريم الرحمن (3/ 131) .

(4)

راجع الأحكام للآمدي (3/ 50) وشرح المنهاج للأسنوي (2/ 191) .

(5)

الأنفال: 25.وراجع: الشهاب على البيضاوى. (4/ 265- 226) .

(6)

راجع تفسير ابن كثير (2/ 446) .

(7)

راجع: فواتح الرحموت (1/ 305) .

(8)

راجع مسلم الثبوت مع فواتح الرحموت (1/304) .

(9)

فواتح الرحموت (1/ 306) .

(10)

راجع الأم للإمام الشافعي (4/ 71) .

(11)

راجع فواتح الرحموت (1/ 304) .

(12)

التوبة: الآية 41.

(13)

النور: الآية 61.

(14)

رواه الدارقطني. وذكر صاحب المعنى أن في إسناده ضعيفين انظر: سنن الدارقطني، والتعليق المغني (2/ 94-95) .

(15)

رواه البخاري. أنظر: صحيحه مع الفتح (3/ 350) .

(16)

البقرة: 43.

(17)

رواه ابن ماجة بهذا اللفظ. ورواه البخاري بلفظ: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة".

راجع: صحيح البخاري مع الفتح (7/317) وسنن ابن ماجه (1/577) .

(18)

هو: أبو حمزة، أنس بن مالك بن النضر، الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. خدمه عشر سنين مدة إقامته بالمدينة، روى عنه حديثا كثيرا، توفى رضي عنه بعد أن جاوز عمره مائة سنة، عام 93 هـ وقيل غير ذلك. انظر: تهذيب الأسماء واللغات (ص/ 137) .

(19)

أي كرهوا المقام فيها وإن كانوا في نعمة إذْ تضرروا بالإقامة، حيث لم يوافقهم هواؤها، والكلمة مأخوذة من الجوى. وهو المرض، وداء الجوف. أنظر: النهاية لابن الأثير (1/ 262) وفتح الباري (1/337) .

ص: 197

(1)

اللقاح جمع لقحة بكسر اللام. وهي الناقة ذات اللبن وغزيرته. انظر: النهاية (4/318) وفتح الباري (1/338) .

(2)

متفق عليه. واللفظ للبخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (1/ 335) .

(3)

هو: أبو العباس، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، الصحابي ابن الصحابي المكي ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لقب بحبر الأمة وترجمان القرآن دعا له النبي بها بالعلم. وهو أحد الستة من الصحابة الذين هم أكثرهم رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. توفى رضي الله عنه سنة 68 هـ. انظر: تهذيب الأسماء (ص/ 274) .

(4)

رواه الدارقطني، وقال: لا بأس به. انظر: سننه (1/128) .

(5)

راجع: شرح المنار لابن ملك (ص/ 74) .

(6)

راجع. المنهاج مع شرحي الأسنوي والبدخشي (2/115،118) والمختصر مع شرح العضد (2/147-148) . وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/251) .

(7)

راجع. مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت (1/ 345 -3499) .

(8)

راجع: المعتمد في أصول الفقه (1/278) .

(9)

المرجع السابق.

(10)

انظر: المنهاج مع شرحي الأسنوي والبدخشي (2/117) ، والمختصر مع العضد (2/148) والتمهيد لأبي الخطاب (2/151) .

(11)

الاستقراء في اللغة: طلب الجمع، والتتبع من القرء وهو الجمع، وفي الاصطلاح:"هو: الحكم على كلي لوجوده في أكثر جزئياته "، مثل الحكم هنا على الكلي الذي هو التخصيص بأنه لا يتم إلا بالعام. لأن أكثر أفراد وجزئيات التخصيص تتبع، فوجد أنه تم بالعام. انظر: مختار الصحاح (ص/ 36) والتعريفات (ص/ 18) .

(12)

راجع: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/347) .

(13)

رواه مسلم. انظر: صحيحه مع شرح النووى (7/ 230) .

(14)

راجع: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/348) .

(15)

راجع: المختصر مع شرح العضد (2/148) .

(16)

انظر المعتمد (1/278) "والأحكام للآمدي (2/468) .

(17)

راجع: المعتمد (11/ 278- 279) .

(18)

المرجع السابق، والأحكام للآمدي (2/ 468) .

ص: 198

(1)

راجع. المعتمد (1/ 278- 279) .

(2)

انظر: حاشية السعد على شرح العضد (2/147-148) والبدخشي على المنهاج (2/117) .

(3)

أنظر: المرجعين السابقين.

(4)

الأحزاب: 50.

(5)

1لنساء: 3.

(6)

الطلاق: 2.

(7)

هو: خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الأوسي، من السابقين الأولين شهد بدرا، وما بعدها من المشاهد توفى رضي الله عنه في صفين سنة سبع وثلاثين هجرية. انظر: الإصابة (ا/ 424) .

(8)

جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة رضي الله عنه شهادة رجلين، رواه البخاري، وغيره، أنظر: صحيحه مع الفتح (6/21-22) .

(9)

العثرى بفتح الأول والثاني وكسر الثالث وتشديد الأخير: نسبة إلى العثر. وهو: الاطلاع والوقوف على الشيء. والعثرى: هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي. سمي به، لأنه لا يحتاج في سقيه إلى تعب. فكأن صاحبه عثر على الماء بلا عمل منه. انظر: القاموس مع تاج العروس (12/ 526) ، وفتح الباري (3/ 349) ومجمع البحار (3/ 519) .

(10)

النضح: بالفتح فالسكون: الرش، وما سقي بالنضح: هو الذي سقى بالساقية. راجع: القاموس المحيط (ص/313) وفتح الباري (3/ 349) .

(11)

رواه البخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (3/347) .

(12)

رواه البخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (3/ 351) .

(13)

راجع. المنهاج مع شرحي الأسنوي والبدخشي (2/115-117) وشرح المختصر للعضد (2/147-148) وابن قدامة وآثاره االأصولية (2/251) .

(14)

راجع مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت (1/ 345-349)

ومعنى تأخير المحرم: إن الخاص والعام إذا كان أحدهما مبيحا والآخر محرما، يجعل المحرم متأخرا عن المبيح واردا بعده في الزمن ليصبح ناسخا للمبيح المعتبر متقدما عليه زمنًا.

(15)

راجع المعتمد (1/ 279-280) .

(16)

عدم توريث بعض الصحابة من ماتوا معا ولم يعرف المتقدم موتا عن المتأخر رواه الحاكم في المستدرك، وقال عنه. وهذا حديث إسناد صحيح". انظر: المستدرك للحاكم (4/ 345) .

ص: 199

(1)

توريث – الصحابة رضي الله عنهم، الذين ماتوا معا، ود يعرف المتقدم موتا عن المتأخر، بعضهم من بعض، رواه أبن أبي شيبة، والدارقطني، وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني:"إسناده صحيح ".

انظر: مصنف ابن أبي شبة (11/ 346) وسنن الدارقطني والتعليق المغني (4/ 74) .

(2)

راجع: المعتمد (1/ 280) .

(3)

راجع: مسلم الثبوت وفواتح الرحموت (1/ 346) .

(4)

راجع: مسلم الثبوت وشرحه (1/348) .

(5)

قارن: المعتمد (1/ 278) والأحكام للآمدي (2/ 469) وشرح المختصر (2/148) .

(6)

راجع: مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت (1/348) .

(7)

المرجع السابق.

(8)

1لبقرة: 282.

راجح: المنهاج وشرحه للأسنوي (2/117) والمختصر مع شرح العضد (2/148) والتلويح للتفتازاني (1/ 41) .

(9)

راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/348) .

(10)

الفاتحة: 2.

(11)

الفاتحة: 4.

(12)

لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كلام نفيس ومفيد في كثرة التخصيص وذكر رحمه الله أمثلة كثيرة من الكتاب الكريم للعمومات التي لم يدخلها التخصيص راجع لذلك: مجموع الفتاوى (6/ 441-445) .

(13)

راجع: المنهاج وشرح الأسنوي (2/117) وشرح المختصر للعضد (2/148) .

(14)

مسلم الثبوت وشرحه (1/348) .

(15)

راجعْ الصحاح (2/529) والمعجم الوسيط (2/769) .

(16)

راجع: النسخ في القرآن الكريم (1/ 145) .

(17)

انظر: الصحاح (4/1518) ولسان العرب (10/226 - 229) .

(18)

راجع جمع الجوامع لابن السبكي (2/ 71) .

(19)

أنظر حاشية السعد على مختصر المنتهى (2/155) والعطار على جمع الجوامع (2/ 71) .

(20)

انظر. ابن قدامة وآثاره الأصولية (2/259) .

(21)

أنظر: ابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 259) .

(22)

البقرة ة 234.

(23)

المحادلة: 4.

(24)

راجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/283) وإرشاد الفحول للشوكاني (ص/154) .

ص: 200

(1)

السبب لغة: ما يتوصل به إلى مقصود ما. واصطلاحا: "الوصف الظاهر المنضبط الذي دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي ". انظر: مختار الصحاح (ص/ 281) ، والسبب عند الأصوليين (1/188) .

(2)

1لما ئد ة: 3.

(3)

1لأنعام: 145.

(4)

راجع: جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري (12/193) .

(5)

مختصر المنتهى مع شرح العضد، وحاشية السعد (2/156) والمنهاج مع شرحه (2/139، 140) وشرح المحلى على جمع الجوامع وحاشية العطار (2/76) وشرح مسلم الثبوت (1/362) .

(6)

راجع:شرح المختصر وحاشية السعد (2/156) وشرح المحلى وحاشية العطار على جمع الجوامع (2/76) وإرشاد الفحول (ص/154) .

(7)

المائدة: 38.

(8)

المائدة: 6.

(9)

راجع: شرح المختصر للعضد (2/ 156) والمنهاج مع شرح الآسنوي والبدخشي (2/ 40 ا-142) وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 262) .

(10)

المراجع السابقة.

(11)

1لمائد ة: 6.

(12)

هو: عمار بن ياسر بن عامر العنسي، الصحابي، كان من السابقين إلى الإِسلام عذب في الله تعالى على إسلامه، فيه وفي أبيه وأمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وشهد معه بدرا وأحدا، وجميع المشاهد. راجع: تهذيب الأسماء واللغات (2/37) .متفق عليه، واللفظ للبخاري.

انظر صحيح البخاري مع الفتح (1/ 445) وصحيح مسلم مع النووي (4/ 61) .

(13)

متفق عليه، واللفظ للبخاري.

انظر صحيح البخاري مع الفتح (1/ 445) وصحيح مسلم مع النووي (4/ 61) .

(14)

رواه الدارقطني. وبين المحدثون أن إسناده ضعيف.

راجع: سنن الدارقطني (1/77) ونيل الأوطار (1/ 332-333) .

(15)

جامع البيان (8/ 414) والمبسوط للسرخسي (1/107) وبداية المجتهد (1/68) المغني (1/ 244) .

(16)

النساء: 92.

(17)

المجادلة: 3.

(18)

راجع: أحكام الفصول (ص/ 281) والتبصرة (ص/ 2 21) والتمهيد في أصول الفقه (2/ 280) .

ص: 201

(1)

انظر: أصول السرخسي (1/267،268) ونشر البنود (1/268) والعدة لأبي يعلي (2/638) .

(2)

راجع: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد (2/ 156) والأحكام للآمدي (3/ 4) وشرح الكوكب المنير (3/ 402) .

(3)

انظر: شرح المختصر للعضد (2/157) والمنهاج مع شرح الأسنوي والبدخشي (2/ 129) وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/261)

(4)

راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/266) وحاشية سعد على مختصر ابن الحاجب (2/157) .

(5)

1لحجرات: 6.

(6)

انظر: التمهيد في أصول الفقه (2/ 185) .

(7)

الأحزاب: 25. وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 489) .

(8)

ق: 17. وانظر: تفسير ابن كثير (4/ 225) .

(9)

البيت لعمرو بن امرئ القيس. انظر: خزانة الأدب (4/283) .

(10)

انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 231) وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (ص: 228) والعدة في أصول الفقه (2/640-641) وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/261) .

(11)

انظر: المعتمد في أصول الفقه (1/ 4 31) والتمهيد لأبي الخطاب (2/182) .

(12)

راجع: الأحكام للآمدي (2/ 112) والتوضيح مع التلويح (1/ 64) .

(13)

انظر: الأحكام للآمدي (3/4) والعدة في أصول الفقه (2/ 647) .

(14)

راجع: التمهيد في أصول الفقه (2/ 186) .

(15)

راجع: التمهيد في أصول الفقه (2/ 186) .

(16)

راجع: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (ص/ 134) .

(17)

راجع: إرشاد الفحول للشوكاني (ص/ 155) .

(18)

1لمائد ة: 101.

(19)

رواه مسلم. انظر: صحيحه مع النووي (9/ 100- ا10) وانظر: لهذا الاستدلال أصول السرخسي (1/268) .

(20)

راجع: تفسير ابن كثير (2/ 105) .

(21)

1لنحل/ 43.

(22)

راجع: البزدوي مع شرحه للبخاري (2/608) والتوضيح مع التلويح (1/ 64) .

(23)

انظر: الأحكام للآمدى (2/ 112) والتوضيح مع التلويح (1/ 64) وإرشاد الفحول للشوكاني (ص/ 155) .

(24)

انظر: شرح المنهاج للآسنوي (2/ 139) .

(25)

أنظر: مسلم الثبوت مع شرحه (1/ 365) .

ص: 202

(1)

راجع: أصول البزدوى مع كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري (2/608) ، والتحرير مع التقرير والتحبير (1/ 296) ، والمحلى على جمع الجامع (2/77) والبدخشي على المنهاج (2/ 139) .

(2)

انظر: شرح مسلم الثبوت (1/ 365) .

(3)

راجع: شرح المختصر للعضد (57/2 1) والبدخشي على المنهاج (2/ 139) 4 وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 261) .

(4)

انظر: نهاية الوصول (1/ 279) وإجابة السائل (ص/ 349) .

(5)

متفق عليه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (3/376) وصحيح مسلم مع النووي (7/ 1 6) .

(6)

رواه مسلم. انظر: صحيحه مع شرح النووي (7/ 59-. 6) .

(7)

تبين مذهبهم هذا من أنهم لا يرون زكاة الفطر على الكافر لوجود قيد المسلمين. انظر: بداية المجتهد (1/ 280) ونهاية المحتاج (3/112) والمغنى لابن قدامة (3/ 56) .

(8)

انظر: كشف الأسرار للبخاري (2/ 287) والتوضيح (1/ 63) والتقرير والتحبير (1/ 296) .

(9)

راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/366-367) .

(10)

راجع: المرجع السابق.

(11)

راجع: جامع البيان (12/ 193) .

(12)

لأنفال: 75.

(13)

لأحزاب: 6.

(14)

انظر: الجامع لأحكام القرآن (8/58) ومجموع الفتاوى (15/442-443) .

(15)

رواه أبو داود الترمذي وقال: "حديث حس".

انظر: سنن أبى داود (438/4) وجامع الترمذي مع التحفة (2/252،255) .

(16)

رواه أبو داود الترمذي، وقال المنذري في راوي الحديث:"وبهز بن حكيم وثقه بعضهم، وتكلم فيه بعضهم قال العلامة ابن القيم "وقد قال على ابن المديني. حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح. وقال الإمام أحمد "بهز بر حكيم عن أبيه عن جده صحيح ".

انظر: سنن أبي داود (4/453) وجامع الترمذي (2/252) ومختصر سنن أبي داود (2/194) وتهذيب السنن (2/194) .

(17)

راجع: الهداية مع البناية (3/ 39) وبداية المجتهد (1/ 2 25) والمهذب مع المجموع (5/355) والمغني لابن قدامة

(2/576) .

(18)

لبقرة/185.

(19)

البقرة/ 196.

ص: 203

(1)

النساء/ 92.

(2)

المائد ة/ 89.

(3)

راجع: جمع الجوامع مع شرح المحلى (2/78) ونهاية السول (2/ 181) . وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 1 26-262) و (إرشاد الفحول (ص/ 156) .

(4)

حديث غسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب، متفق عليه.

انظر: صحيح البخاري مع الفتح (1/ 274) وصحيح مسلم بشرح النووي (3/182-183) .

(5)

انظر: الروايات المختلفة للحديث: فتح الباري (1/ 274-27) . وراجع: الفروق للقرافي (1/193) .

(6)

1لفتح/ 23.

(7)

انظر: مفردات الراغب (ص/ 245) .

(8)

رواه مسلم. انظر: صحيحه مع شرح النووي (7/ 104) .

(9)

انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 409) .

(10)

انظر: لسان العرب (13/224-226) والقاموس المحيط (ص/1558) . ولشيخنا عبد الغني عبد الخالق رحمه الله كلام نفيس حول المعنى اللغوي للسنة أنظره في كتابه حجية السنة (ص/45 ـ 49) .

(11)

راجع: قواعد التحديث (ص/ 38،35) وتوجيه النظر (ص/2) .

(12)

راجع: تيسير التحرير (3/ 9 ا- 20) وشرح المختصر للعضد (2/ 22) ، الأحكام للآمدي (1/ 241) والمختصر لابن اللحام الحنبلي (ص/ 74) .

(13)

راجع: الهداية وشرحه فتح القدير (1/423) وشرح الرسالة لأبي الحسن (1/ 21) وشرح المنهج (1/246) والروض المربع (1/ 35) وحجية السنة (ص/ 51-67) .

(14)

راجع: تاج العروس (9/ 264- 265) .

(15)

المتواتر في اللغة: المتتابع، وفي اصطلاح المحدثين:"ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن مثلهم من أوله إلى آخره، ومستند روايتهم الحس، وأفاد خبرهم العلم لسامعه ".

انظر: نزهة النظر (ص/ 21) .

(16)

المشهور في اللغة. الذائع المنتشر، وفي الاصطلاح:"ما كان من الآحاد في الأصل، ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب. وهم القرن الثاني فمن بعدهم، وأولئك قوم ثقات أئمة لا يتهمون، فصار بشهادتهم وتصديقهم بمنزلة المتواتر". انظر: المغني للخبازي (ص/ 192-193) .

(17)

النساء/ 24.

ص: 204

(1)

متفق عليه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (9/ 160) وصحيح مسلم مع النووي (9/ 190) .

(2)

راجع العدة في أصول الفقه (2/552) .

(3)

انظر: الإشارات إلى مفاتيح الأحكام (1/ 180) .

(4)

التعارض في اللغة: التمانع، وفي الاصطلاح:"التمانع بين الأدلة مطلقا بحيث يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر". انظر: المصباح المنير (2/403) والتعارض والترجيح (1/ 31) .

(5)

راجع: أصول السرخسي (1/ 142) ، وكشف الأسرار للبخاري (1/ 294) والتيسير (3/ 12) .

(6)

هو: عمر بن الخطاب بن نفيل العدوى. أمير المؤمنين، ثاني الخلفاء الراشدين المشهور بالعدل. جم الفضائل، وفير المناقب، كثير المزايا ولد سنة 40 قبل الهجرة، وتوفى رضي الله عنه سنة 23 هـ.

انظر: تقريب التهذيب (ص/253) وأسد الغابة (4/52،78) .

(7)

هي: فاطمة بنت قيس بن خالد الفهري صحابية مشهورة. كانت من المهاجرات الأوائل، روت أحاديث عدة. انظر: الاستيعاب (4/ 1901) .

(8)

رواه مسلم وغيره. انظر: صحيحه (2/1114، 1117 رقم 1480) .

(9)

الطلاق: 6.

(10)

أخرجه مسلم. انظر: صحيح مسلم (2/1118 ـ 1119رقم 1480) .

(11)

راجع: العقد المنظوم (ص/237) وشرح المختصر للعضد (2/ 150) .

(12)

راجع: المحصول للرازى (1-3/ 143) .

(13)

انظر: المرجع السابق، والعقد المنظوم (ص/238) .

(14)

راجع: جمع الجوامع مع شرح المحلى (2/27-28) والأسنوي على المنهاج (2/ 20 ا-123) .

ص: 205

طَرَسوس

صفحة من جهاد المسلمين في الثغور

بقلم الدكتور/ جميل عبد الله المصري

الأستاذ المشارك

في كلية الدعوة وأصول الدين

الحمد لله، بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودينا لحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بصحابة كرام، اختارهم على علم، وخصّهم بصحبته، فحملوا الأمانة، وسّلموها إلى من بعدهم من التابعين، الذين سلّموها إلى من بعدهم، وهكذا إلى أن وصلتنا نقية.

وبعد:

فقد سار الفتح الإسلامي وفق خطة راشدة مستنيرة، اتضحت معالمها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائد هذه الأمة، وسار عليها الخلفاء الراشدون، وخلفاء بني أمية، وبني العباس. هذه الخطة تهدف إلى تثبيت الدعوة في الداخل، وتبليغها، ومدّها في أقطار الأرض، وتعتمد المحافظة على شخصية الفرد المسلم ودمه، فلا مجازفة، ولا امتداد بالفتح، إلا بعد إقامة قواعد ثابتة للمسلمين، تتولّى إقامة حياة إسلامية، فتنطلق منها الدعوة إلى غيرها. وتبعا لذلك، فقد كانت بلاد الإسلام كلّها ثغور، وكلّ أهلها مثاغرون، فكل مسلم على ثغرة من ثغور الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم:"أنت على ثغرة من ثُغَر الإسلام، فلا يؤتين من قبلك".

وأهم طرق تبليغ الدعوة: الجهاد في سبيل الله، وهو فرض على المسلمين، وكانت كل مدينة من مدن المسلمين مركزا من مراكز نشر الدعوة، ومعسكرا لمواصلة الفتوح، هذا دور المدن التي مصّرها المسلمون في العراق، والشام، وفارس، ومصر، وشمال إفريقيا، وتركستان، والهند، وآسيا الصغرى.

ص: 206

ومنذ العهد الأموي انتقلت مراكز الجهاد إلى الحدود، وتكفل جند الدولة بالجهاد-ذلك الجند المرصود في العاصمة دمشق، أو المقيم في الأمصار الإسلامية (كالبصرة، والكوفة، والفسطاط، والقيروان....) أو على الأطراف في الثغور. ولم يتغيّر هذا الوضع في عهد الدولة العباسية الأولى. واستمر أهل الإِيمان يخرجون للرباط في نواحي الحدود، ويشتركون في الجهاد، حسبة لله وتطوعا، ولم تخل بلاد الإسلام أبداً من أفذاد يتطوعون للرباط، أو الجهاد، ويخفّون إلى مناطق الثغور والسواحل، للاشتراك في ذلك العمل الجليل مع الجند، أو الانفراد به. وطَرَسوس من المدن التي مصّرها المسلمون في العهد العباسي في آسيا الصغرى، وقامت بدور جهادي بطولي هو موضوع بحثنا هذا بإذن الله.

وطرسوس: بفتح الطاء والراء [1] ، من مدن آسيا الصغرى، على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشمال الغربي من أنطاكيا، من ثغور الشام المشهورة، مع المصيصة [2] ويبعد عنها مضيق البوسفور أكثر من 450 ميلا في خط مستقيم قاطعا هضبة آسيا الصغرى الجبلية [3] وكانت قاعدة للهجوم الإسلامي على القسطنطينية [4] ، منذ تمصيرها، براً أو بحرا، إذ تشرف على المدخل الجنوبي للدرب المشهور عبر جبال طوروس المعروف بأبواب قليقية [5] . فكان بينها وبين حدّ الروم جبال منيعة متشعبة من اللكام [6] . كما كان يشقها نهر البردان (نهر كودنس)[7] ومنبعه من جبل في شمال طرسوس يعرف بالأقرع، ويصب في بحر الروم، (البحر الأبيض المتوسط) غير بعيد عن المصبّ الحديث لنهر سيحان.

وفي ناحية الغرب وعلى مرحلة من طرسوس نهر اللامس، الذي شهد أحداث الفداء بين المسلمين والروم [8] مرات كثيرة.

طرسوس في عهد الخلافة الراشدة والدولة الأموية 11-132 هـ:

ص: 207

تمكن المسلمون في عهد عمر بن الخطاب (13-23 هـ) من تحرير بلاد الشام من الحكم الروماني الييزنطي، وبلغ أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه قائد الجبهة الشامية أقصى شمال الشام عندما فتح قنسرين ثم أنطاكيا، وأسلم بعض أهلها، ورابط فيها المسلمون من أهل النيات والحسبة. وأصبحت أنطاكيا قاعدة التحرك الإسلامي إلى آسيا الصغرى قبل تمصير طرسوس [9] .

وكان فيما بين الاسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح للروم [10] ، وعندما غادر هرقل الشام إلى غير رجعة عام 16هـ أخذ هرقل أهل هذه المدن والحصون معه [11] ، وشعث الحصون [12] ، في خطة تعرقل سير المسلمين إلى آسيا الصغرى. بحيث لا يسيرون في عمارة متصلة ما بين أنطاكيا وبلاد الروم [13] . فكان المسلمون إذا توغلوا في بلاد الروم لا يجدون أحدا، وربما كمن عندها الروم فأصابوا غرة المتخلفين، فاحتاط المسلمون لذلك [14] .

وكان أول القادة المسلمين وصولا إلى طرسوس أبو عبيدة رضي الله عنه، غزا الصائفة فمرّ بالمصيصة، وطرسوس، وقد جلا أهلهما، وأهل الحصون التي تليها، فأدرب وبلغ في غزاته زندة، وقيل إنما وجه ميسرة بن مسروق العبسي [15] .

وفي عام 25 هـ غزا معاوية والي الشام الروم، فبلغ عمورية، ووجد الحصون التي بين أنطاكيا وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة كثيرة من أهل الشام والجزيرة وقنسرين، حتى انصرف من غزاته [16] . ولما أغزى يزيد بن الحرّ العبسي الصائفة أمره بمثل ذلك. ولما خرج هدم الحصون إلى أنطاكيا [17] ، وأَتمّ معاوية عملية الهدم هذه في غزوته من ناحية المصيصة عام 31 هـ[18] .

وفتح جنادة بن أبي أمية الازدي طرسوس عام 53 هـ في غزو المسلمين القسطنطينية زمن معاوية رضي الله عنه [19] .

ص: 208

وبقيت طرسوسِ قاعدة لانطلاق القوات الإسلامية إلى بلاد الروم، وقاعدة لانطلاق القوات البيزنطية إلى بلاد الإسلام، طيلة عهد بنى أمية، فكانت تنطلق منها قوات الجهاد الإسلامي إلى القسطنطينية، وإلى بلاد الروم سنويا على نظام الصوائف والشواتي التي استنها معاوية في حرب الروم. وعندما كان الروم يغتنمون غرّه من المسلمين أو ضعفا كانوا ينطلقون من طرسوس كما فعلوا عندما هاجموا أنطاكيا عام 79 هـ[20] .

وتقدم الأمويون خطوة بعد انطاكيا، حينما مصّروا مدينة المصيصة عام 74 هـ في عهد عبد الملك بن مروان، ومصّرها ابنه عبد الله وبنى مسجَدها، وشحنت بالجند عام 85 هـ[21] . وقام الوليد بن عبد الملك (86 96هـ) بتعمير ما بين أنطاكيا والمصيصة [22] ، فأصبحت من ديار الإسلام. وفي عام 93 هـ غزا العباس بن الوليد الروم ففتح سبسطية، والمرزبانين وطرسوس [23] .

وعلى العموم فإن المسلمين في عهد بني أمية كانوا يغزون الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام والجزيرة، وتقيم الدولة للراكب الغزو، وترتب الحفظة في السواحل [24] ، دون أن تجعل من هذه الأماكن المتقدمة قاعدة دائمة من القواعد الإسلامية، وهي خطة تقوم على التريث، وعدم الاندفاع في مغامرات غير مضمونة النتائج، وعندما كانت الدولة تحسّ بالوقت الملائم للتقدم، تتقدم كما فعلت في تمصير أنطاكيا وقنسرين، والمصيصة. ويظهر أن الأوضاع المناسبة لم تظهر لتمصير طرسوس في العهد الأموي. واحتاج الأمر لسنين طويلة من العهد العباسي حتى تمّ تمصيرها. وبقيت خلال هذه الفترة تقوم بالدور المناط بها كقاعدة لانطلاق القوات فقط.

طرسوس في عهد قوة الدولة العباسية 33 1- 248 هـ:

ظهرت الدولة العباسية عام 132 هـ، على أنقاض الدولة الأموية، وقامت بدورها في تثبيت الإِسلام، ومدِّه في البلاد التي فتحها المسلمون في عهد الأمويين [25] .

ص: 209

وكان الروم بقيادة الإمبراطور قسطنطين الخامس (741- 775 م) قد انتهزوا فرصة انشغال الدولة العباسية بالتمكن لنفسها، فأغاروا على الحدود الإِسلامية، وآتوا على جهود المسلمين في التحصين، ودمروا خطوط حصون الفرات، ثم الخط الممتد بين الفرات إلى البحر. وهددوا النظام الثغري كله تهديداً خطيراً [26] .

فأمر أبو العباس السفاح (132- 136 هـ) بإعادة تمصير المصيصة، وتم ذلك في عام 139 هـ في عهد أبي جعفر المنصور (136158هـ) . ولما رغب امبراطور الروم في فداء الأسرى، وأبى المنصور، كتب إليه الإِمام الأوزاعي رسالة شديدة اللهجة بالمبادرة إلى الفداء [27] . فنزل المنصور عند كتاب الأوزاعي وجرى الفداء واستحق الأوزاعي منذ ذلك الوقت لقب "عالم الأمة"[28] .

ولما تجدد تهديد البيزنطيين للنظام الثغري وسقطت اللاذقية بأيديهم عام 40 اهـ، انبرى الأوزاعي لإنذار الخليفة بخطورة الأمر، وطلب منه أن يأمر بتخصيص أعطيات سنوية لأهل الساحل حتى يَقْووا على المرابطة، وحراسة الأبراج والحصون الساحلية.

فتتبع المنصور حصون السواحل ومدنها فمصّرها، وحصّنها، وبنى ما احتاج البناء منها [29] . وجدّد الصوائف والشواتي، فقام العباس بن محمد بن علي عام 139 هـ بالغزو على الصائفة، ومعه صالح بن علي الذي بنى ما هدمه البيزنطيون من ملطية [30] .

واستعمل المنصور وسائل إغراء كثيرة لحث الجند والناس على العمل في الثغور واستيطانها منها: زيادة العطاء لكل مقاتل عشرة دنانير إضافية وتخصيص معونة قدرها مائة دينار لكل واحدا منهم، وبناء بيوت خاصة لإِقامتهم مع عوائلهم. فاستكمل المنصور مرحلة الدفاع والتحصينات.

ولإدراك المنصور لأهمية الجهاد في الثغور، لم ينس وهو على فراش الموت أن يوصي ابنه المهدي بشحن الثغور، وضبط الأطراف، إذ قال له [31] :

ص: 210

"وليكن أهم أمورك إليك أن تحفظ أطرافك، وتسدّ ثغور.. وارغب إلى الله في الجهاد، والمحاماة عن دينك، وإهلاك عدوك، بما يفتح الله على المسلمين، ويمكّن لهم في الدين، وابذل في ذلك مهجتك، ونجدتك ومالك، وتفقّد جيوشك ليلك، ونهارك، واعرف مراكز خيلك، ومواطن رحلك، وبالله فليكن عصمتك، وحولك، وقوتك ".

وسار المهدي (1581- 169 هـ) على هذه السياسة الرشيدة بالفعل، فاستتمّ ما كان بقي من المدن والحصون وزاد في شحنها [32] . فتقدمت مراكز المسلمين الثّغْريّة واقتربت من طرسوس.

وأخذ المهدي يوجه الحملات لجهاد الروم، فغزا الحسن بن قحطبة الطائي بلاد الروم عام 162 هـ، في أهل خراسان، وأهل الموصل والشام، وإمداد اليمن، ومتطوعة العراق والحجاز، ومعه مندل العنزي محدث الكوفة، ومعتمر بن سليمان البصري. ولما رجع من بلاد الروم مما يلي طرسوس، نزل في مرجها، وركب إلى مدينتها وهي خراب، فنظر إليها، وأطاف بها من جميع جهاتها، وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مائة ألف.

ولما قدم الحسن على المهدي وصف له أمر طرسوس وما في بنائها وشحنها من غيظ العدو وكبته، وعزّ الإسلام وأهله، كما أخبره بأهمية بناء مدينة الحدث في الثغور الجزرية. فاستجاب المهدي وأمر بتمصير الحدث أولا، وأوصى ببناء طرطوس. فمصّر علي بن سليمان بن علي والي الجزيرة وقنسرين مدينة الحدث [33] . قبل مدينة طرسوس.

ص: 211

وأما الرشيد [170- 193 هـ] ، الذي تمرس على غزو الروم في عهد أبيه، شاباً، فقد اجتهد في الغزو وأمام من الصناعة ما لم يقم بمثله، وقسم الأموال في الثغور والسواحل، وأشجى الروم [34] . وعندما بلغه عام 171 هـ ائتمار الروم بالخروج إلى طرسوس لتحصينها، وترتيب المقاتلة فيها، أغزى الصائفة هرثمة بن أعين، وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها، وأجرى أمرها على يدي فرج بن سليم الخادم التركي [35] . فقام فرج ببنائها، وأحكمه، وجعل على نهرها الذي يشقها في وسطها القناطر المعقودة، وجُعل لها سور من حجارة، وستة أبواب، وخندق واسع. كما أقام حولها سبعة وثمانين برجاً. ومسح ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة، كل خطة عشرون ذراعاً في مثلها، ثم انتدب إليها الناس، فكانت الندبة الأولى من أهل خراسان، وهم ثلاثة آلاف رجل، ثم كانت الندبة الثانية وهم ألف رجل من أهل المصيص، وألف رجل من أهل انطاكيا على زيادة عشرة دنانير من أصل العطاء. وعسكرت الندبتان على باب الجهاد في مستهل عام 172 هـ. إلى أن تم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها الجامع، فأقطع فرج أهل طرسوس الخطط، وسكنتها الندبتان في شهر ربيع الأول عام 172 هـ.

ص: 212

أصبحت طرسوس قاعدة الإسلام المتقدمة في بلاد الروم، فتدافع إليها المجاهدون من بقاع العالم الإسلامي، وأصبحت بلدة في غاية العمارة والخصب، تمتد قراها على مساحات واسعة. وأصبح فيها زهاء مائة ألف فارس فيما يزعم أهلها، وليس من مدينة عظيمة من سجستان، إلى كرمان، وفارس، والجبال، وخوزستان، وسائر العراق، والحجاز، واليمن، والشامات، ومصر، إلاّ ولها لأهلها دار أو أكثر ينزلها أهلها إذا وردوها [36] للتجارة أو الجهاد أو العلم، كما أصبح لها وقوفات في سائر بلاد الإسلام، وخاصة في حلب، تمدّها بالأموال لصرفها في حركة الجهاد. وتردها الجرايات والصلات، وتدرّ على أهلها الأنزال والحملان العظيمة الجسيمة، إلى ما كان السلاطين يتكلفونه وينفذونه متطوعين وأصبحت موئلا للصالحين والمجاهدين. وزخرف المدينة بالمساجد الجامعة، والمساجد والمدارس، والربط، والمشاهد والأسواق، وكانت لها شوارع رئيسية تتفرع من أبواب الإمارة كان عرض كل منها ثمانين ذراعاً (40 مترا) وكانت تؤدي إلى أبواب المدينة، وتفرعت من هذه الشوارع دروب وسكك كما هي العادة في المدن الإسلامية.

ص: 213

واتخذت أهميتها كموقع جهادي متقدم لاهتمام الرشيد بالثغور إجمالا، فقد عزلها عن ولاية الجزيرة وقنسرين، وجعلها حيزاَ واحداً، وأقام منطقة منفصلة أطلق عليها اسم منطقه العواصم [37] . ورتب لها جيشاً دائماً يرابط على طول الحدود، وقام بتحصين وبناء زبطرة وعين زربة، والهارٍونية، واهتم بعمارة الحدث بعد أن شعّثها الروم. بل وأراد أن يسكن أنطاكيا ليكون قريبا من الروم، في خطة للقضاء على الإمبراطورية البيزنطية، ولكنه عدل عن سكناها [38] . ونزل عام180 هـ الرقة واتخذها وطنا [39] ، ليشرف إشرافاً تاماً على الثغور، وعلى الشام التي اتسمت في تلك الفترة بحوادث العصبية [40] . وبذلك كله أصبحت طرسوس الثغر الإسلامي المتقدم في بلاد الروم، يقوم بواجبه في الجهاد. إلى جانب أنه القاعدة الرئيسية لانطلاق الجيش الإسلامي إلى جهاد الروم، فأصبحت شجىً في حلق الروم [41] .

ففي عام 181هـ حد قام الرشيد بالغزو بنفسه، وتوجه بعد ذلك بالحج بالناس، وترك ابنه القاسم ليقوم بعملية الفداء باللامس على جانب البحر بينه وبن طرسوس اثنا عشر فرسخاً. وبالفعل قام أبو سليمان الخادم متولي طرسوس بعملية الفداء، ومعه ثلاثون ألفاَ من المرتزقة، وخلق كثير من أهل الثغور وغيرهم من الأعيان والعلماء، وفودي بكل أسير في بلاد الروم. وكان عدة الأسرى 3700 نفس، وقيل أكثر من ذلك [42] .

ص: 214

وأغزى الرشيد عام 191 هـ يزيد بن مخلد الهبيرى بلاد الروم في عشره آلاف، فأخذت عليه الروم المضيق فقتلوه في خمسين من أصحابه على مرحلتين من طرسوس، وانهزم الباقون. فولى الرشيد الصائفة الهرثمة بن أعين، وقام هو بنفسه فافتتح هرقلة [43] . وأرسل محمد بن يزيد بن مزيد الشيباتي أشهر قادته إلى طرسوس مرابطاً [44] . فكانت جهود الرشيد قد تركت جرحاً عميقاً في جسد الدولة البيزنطية، وكانت مرابطة طرسوس وأهلها شجىً في حلوق الروم، فلم تستطع بيزنطة أن تفيق منها في سهولة ويسر، يدل على هذا أنها لم تحاول استغلال أَوضاع الدولة العباسية أثناء الفتة بين الأمين والمأمون [45](193-194هـ) . فمكن طرسوس وبقية الثغور من أن تحتفظ بمركزها، بل أن تقوم بدور فعال في الجهاد بنفسها. وظهر إلى جانب المجاهدين من أهلها المتطوعة الذين كان لهم أثر محمود في الجهاد إجمالا، وخاصة في الثغور، وكانوا يُجعلون في جناحي الجيش النظامي، فتكون وظيفتهم الإِحاطة بجناحي العدو، دون أن يختلطوا بالجند النظامي المدرب، أو أن يوكل إليهم أن يغيروا على العدو، قبل نشوب الحرب لإزعاجه في قواعده، وعرقلة تجمعاته، وتخريب مدخراته، وقطع مواصلاته، كما قد يوُكل إليهم مهمة مطاردة العدو عند تقهقره.

وقد ظهر دور المتطوعة في الثغور جلياً إبّان ضعف الدولة الإِسلامية، الداخلي، وعدم قدرة الخلفاء على تسيير الجيوش أثناء الفتن الداخلية. وكانت أعمالهم كما عبر عنها الذهبي: تسر قلب المسلم [46] .

ص: 215

واستتمت طرسوس أهميتها في عهد المأمون (198، 218هـ) . لما اعتلى "تيوفيل"العرش سأل المأمون الصلح عام 210 هـ، فلم يجب المأمون إذ كانت الدولة البيزنطية تقف إلى جانب البابكية في أذربيجان، فكتب المأمون إلى عمال الثغور ومنها طرسوس فساحوا في بلاد الروم، فأكثروا من القتل فدوّخوها وظفروا ظفرا حسناً إلا أن يقظان بن عبد الأعلى السلميِ أصيب [47] . وفي عام 215 هـ أخذ المأمون ينفذ خطته في ضرب الدولة البيزنطية مستعيدا خطة الرشيد، فدخل طرسوس في جمادي الأولى في جحافل كثيرة، واتخذها قاعدة للهجوم على الروم، فدخل بلاد الروم وفتح حصن قرة، وخرشنة، وصملة، ثم رجع إلى دمشق [48] ، لمواجهة بعض المشكلات فعدا"تيوفيل"امبراطور الروم على جماعة من المسلمين في أرضِ طرسوس عام 216 هـ، وقتل نحوا من ألف وستمائة مسلم. وكتب من هناك إلى المأمون كتابا بدأ بنفسه. فعاد المأمون مسرعاً، وانطلق من طرسوس إلى بلاد الروم، وفتح هرقلة في عام 216 هـ[49] واعتمد المأمون خطة الفتح المنظم فحاول أن يتقدم بالثغور إلى ما وراء طرسوس في بلاد الروم، وأن ينقل مركز ثقل الجهاد من طرسوس إلى الأمام في محاولة لمد الإِسلام في آسّيا الصغرى، فاستولى على ممرات طوروس ذات الأهمية الاستراتيجية [50] ، واهتم بتمصير وبناء طوانة عام 218 هـ، وراء طرسوس [51] ولكنه توفي بالبندرون خارج طرسوس وعلى بعد أربعة مراحل، قبل أن تتم مشروعاته. فحمله ابنه العباس ونقله إلى طرسوس ودفن بها [52] .

ص: 216

وقام المعتصم (218-227 هـ) بتخريب ما أمر المأمون ببنائه من طوانة، وحمل ما كان فيها من آلة وسلاح [53] . كما أمر بانسحاب الجيوش الإسلامية إلى طرسوس، وأخلت البلاد التي فتحها المأمون وراء جبال طوروس [54] . إذ رأى المعتصم أن الظروف غير مناسبة للامتداد المنظم داخل آسيا الصغرى، ونقل المدن الممصّرة إلى داخلها، وخاصة بعد اشتداد حركة بابك الخرمي والتنسيق مع الامبراطورية البيزنطيه [55] . فبقيت طرسوس هي الثغر المتقدم الذي يقوم بعبء الجهاد، وقاعدة انطلاق الجهاد الإسلامي في آسيا الصغرى وسواحلها.

ص: 217

واستغل تيوفيل (215-228هـ- 829 هـ 842 م) امبراطور الروم وفاة المأمون، واشتداد حركة بابك الخرمي، فنسق معه، وهاجم زبطرة، وأوقع بها، وأسر من المسلمات ألف امرأة، ومثل بمن وقع في أسره من المسلمين فقطع آذانهم، وسمل أعينهم [56] . فهب أهل الثغور من الشام والجزيرة، إلا من لم يكنِ له دابة ولا سلاح، وبلغ ذلك المعتصم، فصاح في قصره النفير!، النفير!، ووجه عجيفاً وطائفة من الأمراء لإعانة الثغور، وتحرك بجحافل إسلامية أمثال الجبال، فقد عُبّئ جيشه تعبئة لم يسمع بمثلها، وقدم بين يديه الأمراء المعروفين بالحرب، وسار على رأسهم، فانتهى في سيره إلى نهر اللامس القريب من طرسوس في رجب عام 223 هـ. وقسم جيشه إلى ثلاث فرق، سيّر إشناس من درب 155، طرسوس، وأمره بانتظاره في الصفصاف، وانطلق هو على أثره، واستولى المسلمون على أنقرة، ثم تقدموا إلى عمورية (مسقط رأس الأسرة العمورية الحاكمة في بيزنطة (802هـ 867 م) وعلى مسافة سبعة مراحل من أنقرة، وحاصر المعتصم عمورية، واستولى عليها، وأمر بهدمها، وأحرقت. وكان نزوله عليها لسِتٍ خلون من رمضان، وأقام عليها -خمسة وخمسين يوما. ولم يستغل المعتصم انتصاره الكبير هذا، بل رجع إلى طرسوس [57] ، ليصفي حسابه مع المتآمرين في جيشه، ففوت الفرصة على المسلمين في التقدم إلى القسطنطنية، ولكنه أمر بتحصين قالياقلا، وأمر ببناء زبطرة ورمّها وشحنها [58] فعادتا كما كانتا قبل مهاجمة تيوفيل لهما. وكان تيوفيل استنجد بملوك أوربا وأمرائها.. وهذا أيضا من الأسباب التي منعت المعتصم من استثمار ذلك النصر الكبير.

ص: 218

وفي عهد الواثق (228- 232 هـ) تم تبادل الأسرى في المحرم من عام 231 هـ على يدي الأمير خاقان الخادم، على ضفاف نهر اللامس، واشترى الواثق من ببغداد وغيرها من أسرى الروم، وعقد لأحمد بن سعد بن مسلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم، وأمره بحضور الفداء مع خاقان. فحضرت مفاوضات الفداء فرقة عباسية عددها سبعون ألفا من حملة الرماح، فكانت فرصة لإظهار قوة المسلمين.

وفي العاشر من محرم اجتمع المسلمون ومن معهم من أسرى الروم على النهرِ، وأتت إلى الروم ومن معهم من أسرى المسلمين، والنهر بين الجانبين، وأقام كل منهما جسرا. فكان المسلمون إذا أطلقوا أسيرا، أطلقوا الروم أسيراً مثله، فيلتقيان وسط الجسر، فإذا وصل المسلم كبر المسلمين، وإذا وصل الرومي إلى أصحابه صاحوا صيحة الفرح. وكان عدد من افتدي من المسلمين4460 نفساً، النساء وأزواجهن وأولادهن ثمانمائة، ومن أهل الذمة مائة، كانت الدولة تعطي الطليق فرساً وألف درهم [59] وممن أطلق من أسرى المسلمين مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وكان من مشاهير أهل الثغور، وعلى معرفة بأهل الروم وأرضهم، وله مصنفات في أخبارهم، وملوكهم، وذوي المراتب منهم [60] .

ص: 219

واستمرت طرسوس تقوم بدورها عى رأس الثغور الشامية في تثبيت الإِسلام على حدود الروم، والدفاع عنه طيلة عهد المتوكل (232- 248 هـ) ، وتم فداء عام 240 عند نهر اللامس، بالقرب من طرسوس، وقام به خاقان الخادم، واستمر تبادل الأسرى مدة أربعة أيام، بدل كل نفس نفس، ثم بقي مع خاقان الخادم جماعة من الروم الأسارى، فأطلقهم للروم، حتى يكون له الفضل عليهم [61] . وتم فداء آخر عام 241 في بلاد طرسوس، حضره قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد عن إذن الخليفة المتوكل، واستنابة ابن أبي الشوارب. وكانت عدة الأسرى من المسلمين 785 رجلاً ومن النساء 125 امرأة، فقد كانت أم الملك تدورهٍ (تيودوره) قد عرضت النصرانية على من كان في يدها من أسرى المسلمين، وعددهم نحوا من عشرين أيضا، فمن أجابها إلى النصرانية وإلا قتلته. فقتلت اثني عشر ألفاً، وتنصر بعضهم، وبقي منهم هؤلاء الذين فودوا [62] .

وفي عام 245 هـ أصيبت ثغور الشام ومنها طرسوس بزلازل شديدة [63] ، فأثر ذلك على قدرتها، ولكن امكانيات الأمة كانت كبيرة فتجاوزت الأزمة.

وتمّ الفداء الثالث في عهد المتوكل عام 246 هـ ففودي نحو أربعة آلاف أسير من المسلمين [64] . وأمر المتوكل على الله بترتيب المراكب في جميع السواحل، وأن تشحن بالمقاتلة [65] فنالت طرسوس خيرا كثيراً بسبب ذلك، وأصبحت قدرتها البحرية كبيرة إلى جانب قدرتها البرية، وتستطيع الاعتماد على نفسها، وأخذ المبادرة في حركة الجهاد بنفسها.

طرسوس في أوج قوتها- عهد النفوذ المكي 248- 334 هـ:

ص: 220

استكملت طرسوس قوتها البرية والبحرية في عهد المتوكل على الله، ولمّا قتله القادة الأتراك عام 248 هـ تنافسوا على السلطة، والتسلط على الخلفاء، فدبت الفوضى في مركز الخلافة في الفترة (248-256 هـ) ففقدت الثغور الإمدادات العسكرية، وقامت بعبء الجهاد معتمدة على نفسها، وتعرّضت لكارثة كبيرة عام 249 هـ، باستشهاد أمير المسلمين في الثغور المجاهد عمر بن الأقطع، ومعه ألف رجل، واستشهاد علي بن يحي الأرمني أمير طائفة أخرى من المجاهدين في الثغور.

ووصلت أخبار الكارثة إلى بغداد، فجمع أهل اليسار أموالا كثيرة من أهل بغداد، لتصرف إلى من ينهض إلى ثغور المسلمين لقتال العدو، عوضاً عن من استشهد من المسلمين هناك. فأقبل الناس من نواحي الجبال، وأهواز، وفارس لغزو الروم، ذلك لأن الخليفة والجيش لم ينهضوا لقتال الروم [66] فورد طرسوس عدد من المجاهدين رابطوا فيها ومنهم أحمد بن طولون ومعه الخاقاني وكان خصيصاً عنده، وَرَدَها عام 251 هـ[67] ورابط بها، وأدمن على الغزو والجهاد. فحصلت نقطة تحول تاريخي، إذ ظهر دور المتطوعة وأهالي الثغور بوضوح في التصدي للروم، وأصبحت طرسوس تظهر بقوة عظيمة، منها تخرج النجدات لأهالي الثغور، ولا يجرؤ الروم على مهاجمتها.

ص: 221

وانتعشت الخلافة في عهد المعتمد (256- 279 هـ) على يدي أخيه أبي أحمد الموفق، الذي واجه حركة الزنج بقوة وجرأة. وولي أحمد بن طولون مصر، وكان يؤثر أن يلي طرسوس ليغزو منها أميراً. فكتب إلى أبي أحمد الموفق يطلب ولايتها، فلم يجبه، واستعمل عليها محمد بن هرون التغلبي، فقتل قبل وصوله. فاستعمل عوضه محمد بن علي الأرمني، وأضيف إليه انطاكيا، فوثب به أهل طرسوسِ فقتلوه. فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي، فسار إليها، وكان غرّاً جاهلَا فأساء السيرة، وأخذ عن أهل لؤلؤة أرزاقهم، وميرتهم، فضجوا من ذلك، وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكونه ويقولون:"إن لم ترسلوا إلينا أرزاقنا وميرتنا، وإلا سلمنا القلعة إلى الروم ". فأعظم ذلك أهل طرسوس، وجمعوا من بينهم خمسة عشر ألف دينار، ليحملوها إليهم. فأخذها أرخوز، ليحملها إلى لؤلؤة، فأخذها لنفسه. فسلّموا القلعة إلى الروم. فقامت على أهل طرسوس القيامة، لأنها كانت شجاً في حلق الروم، فلم يكن يحرج الروم في برّ أو بحر إلا ردّوه وأنذروا به.

واتصل الخبر بالمعتمد، فقلد أحمد بن طولون طرسوس والثغور، واستعمل عليها من يقوم بغزو الروم ويحفظ ذلك الثغر عام 263 هـ[68] .

ص: 222

وقام عبد الله بن رشيد بن كاوس عام 264 هـ في أربعة آلاف من أهل الثغور الشامية بدخول بلاد الروم، فلما عاد عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية، وبطريق قرة كوكب، وخرشنة، فأحدقوا بالمسلمين، وقتلوهم إلا خمسمائة فإنهم حملوا حملة رجل واحد، ونجوا على دوابهم. وأسر عبد الله بن رشيد بعد ضربات أصابته، وحمل إلى ملك الروم أسيراً [69] . فدخل أحمد بن طولون طرسوس بجيشه، وعزم على المقام بها، وملازمه الغزاة، فغلا فيها السعر، وضاقت عنه وعن عساكره، فركب إليه أهلها، وقالوا له:"ضيقت بلدنا، وأغليت أسعارنا، فإما أقمت في عدد يسير، وإمّا ارتحلت عناية"وأغلظوا له في القول، وشغبوا عليه. وأقنع أحمد أصحابه بالانهزام من الطرسوسيين، والرحيل عن البلد، ليظهر للناس وخاصة العدو أن ابن طولون على بعد صيته، وكثرة عساكره، لم يقدر على أهل طرسوس [70] . ونجحت خطة ابن طولون، فقد زادت هيبة طرسولس في قلب العدو، وأصبحت تظهر بقوة عظيمة، وتخرج منها النجدات إلى الثغور الشامية والجزرية، تهاجم الروم، ولا يجرؤ الروم على مهاجمتها. وظهر فيها عدد من القادة المسلمين الأفذاذ الذين قادوا حركة الجهاد في الثغور، دون أن يتخلصوا من التنافس، والاختلاف، وتأرجح الولاء لأحمد بن طولون أو للموفق أبي أحمد، ومن هؤلاء القادة: سيما الخادم خليفة أحمد بن طولون على الثغور الشامية، وخلف صاحب أحمد بن طولون، ويازمان الخادم مولى الفتح بن خاقان، وأحمد العجيفي، وراغب مولى الموفق، ومحمد بن موسى بن طولون.

ففي عام 266 هـ غزا سيما في ثلاثمائة رجل من أهل طرسوس ووصلوا في غارتهم إلى بلاد هرقلة [71] .

ص: 223

وفي عام 269 هـ وثب خلف صاحب أحمد بن طولون بالثغور الشامية على يازمان الخادم [72] مولى الفتح بن خاقان، وحبسه. فوثب به جماعة من أهل طرسوس، واستنقذوا يا زمان، وهرب خلف، وتركوا الدعاء لابن طولون، فسار ابن طولون إِليهم ونزل إذنة، واعتصم أهل طرسوس ومعهم يازمان، ورجع عنهم [73] ابن طولون وفقا لخطته الحكيمة، وأرسل إلى يا زمان:"إنني لم أرحل إلا خوفا أن تخترق حرمة هذا الثغر، فيطمع فيه العدو"[74] فزادت ثقة أهل طرسوس في أنفسهم، ففي عام 270 هـ خرجت الروم في مائة ألف، ونزلوا على قلمية، وهي على ستة أميال من طرسوس فخرج إليهم يا زمان في أهل طرسوس، وبيّتهم ليلا في ربيع الأول، فقتل فيما قيل سبعين ألفا، وعدداً من البطارقة، وأخذ لهم سبع صلبان

من ذهب وفضة، وصليبهم الأعظم من ذهب (صليب الصلبوت)[75] مكلل بالجوهر، وأخذ كثيرا من الغنائم الأخرى [76] .

ولجأ المعتضد بن أبي أحمد الموفق إلى طرطوس عام 271 هـ، بعد معركة الطواحين التي دارت بينه وبين خمارويه بن أحمد بن طالون [77] . فاشتد الصراع بين الموالين للطولونيين، والموالين لأبي العباس المعضتد، والموالين ليازمان الذين كانوا يريدون بقاء طرسوس على الحياد بين القوى الإسلامية المتصارعة، وملجأ لمن يريد الرباط، والجهاد في سبيل الله.

واشتد الخلاف عام272 هـ، بين أبي العباس ويازمان صاحب طرسوس، فثار أهل طرسوس بأبي العباس وأخرجوه منها، فعاد إلى والده ببغداد [78] .

وقام يازمان بالغزو، فوغل في أرض الروم براً، وبحراً، وغنم عدة مراكب [79] وجدّد الغزو بأهل طرسوس عام 274 هـ، واستعرض قوة طرسوس، وعاد سالماً غانمًا [80] . كما شاركت طرسوس في أحداث الفتن التي تجددت عامي 274، و 5 27 هـ بين أبي الساج، وخمارويه، وتأثرت بها [81] ، ولكنها لم تمنع يازمان عن الجهاد، فغزا الروم بحراً عام 275 هـ، ودمّر لهم عدة مراكب [82] .

ص: 224

وسار خمارويه على سياسة والده في تقوية طرسوس، فأمدّ يازمان عام 277 هـ بالسلاح والمال، والذهب الكثير، فمال يازمان إليه [83] . ودخل عام 278 هـ أحمد العجيفي طرسوس، وغزا مع يازمان الصائفة، فبلغوا سلند. فأصابت يازمان شظية حجر منجنيق في أضلاعه، فارتحل عنها بعد أن أشرف على أخذها، فتوفي في الطريق، وحمل إلى طرسوس فدفن بها. وفقدت مجاهداً كبيراً. فخلفه أحمد العجيفي وكتب إلى خمارويه يخبره بموته، فأقره على ولاية طرسوس، وأمدّه بالخيل والسلاح، والذخائر وغيرها. ثم عزله واستعمل عليها ابن عمه محمد بن موسى بن طولون.

وتوفي أبو أحمد الموفق في العام نفسه (278 هـ) ، وكان له خادم من خواصه يقال له راغب، فاختار الجهاد، وسار إلى طرسوس، على عزم المقام بها. فلما وصل إلى الشام، سير ما معه من دواب، وآلات، وخيام، وغير ذلك إلى طرسوس مع غلامه مكنون، وسار هو جريدة إلى خمارية ليزوره، ويعرفه عزمه. فلما لاقيه بدمشق أكرمه خمارويه وأحبه، وأُسر به، واستحيا راغب أن يطلب منه المسير إلى طرسوس، فطال مقمه عنده: وظن أصحابه أن خمارويه قبض عليه، فأذاعوا ذلك، فاستعظمه أهل طرسوس، وقالوا: يعمد إلى رجل قصد الجهاد معه في سبيل الله فيقبض عليه؟ فثاروا على محمد بن موسى، وقبضوا عليه، ونهبوا داره، وقالوا: لا يزال في الحبس إلى أن يطلق ابن عمك راغبا.

وبلغ الخبر خماروية، فأطلع راغباً عليه، وأذن له في المسير إلى طرسوس، فلما وصلها، أطلق أهلها أميرهم. فتركهم وسار عنهم إلى بيت المقدس فأقام بها وعاد العجيفي إلى ولايتها [84] وأخذ راغب يلعب دورا في أحداث هذا الثغر الهام، وقام بدور في الجهاد.

ص: 225

وتوفي المعتمد عام 279هـ، وولي الخلافة المعتضد (279-289 هـ) حيث واصلت الخلافة العباسية انتعاشها على يديه، وتم الوفاق مع خمارويه حين تزوج المعتضد قطر الندى ابنة خمارويه عام 279 من، فاشتد ساعد طرسوس، إذ أخذت الإمدادات ترد من الجانبين، فدخل أحمد بن أبا طرسوس للغزاة من قبل خمارويه عام 280 هـ، ودخل بعده بدر الحمامي، فغزوا جميعاً مع أحمد العجيفي أمير طرسوس، حتى بلغوا البلقسون (البوسفو)[85] ودخل طغج بن جف طرسوس عام 281 هـ، لغزو الصائفة من قبل خمارويه، فبلغ طرابزون، وفتح بلودية (ملوريا)[86] .

ص: 226

وقام أحمد بن طغان بالفداء عام 283 هـ على نهر اللامس، ومعه راغب ومواليه، ووجوه طرسوس، والمطوعة، والقواد بأحسن زي. وبعد الفداء انصرف الأمير ومن معه، وخر ج أحمد بن طغان إلى البحر وخلف دميانة على عمله في طرسوس. ثم وجه بعد يوسف بن الباغمردي على طرسوس ولم يرجع هو إليها [87] . وكان راغب قد ترك الدعاء لهرون بن خمارية ودعا لبدر مولى المعتضد، فأمد أحمد بن طوغان دميانة وقوي أمره وأنكر ما كان يفعله راغب، فوقعت الفتنة في طرسوس بين راغب ودميانة، وظفر راغب عام 284 هـ، فحمل دميانة إلى بغداد [88] . فوفد أهل طرسوس على المعتضد، وطلبوا أن يولي عليهم والٍ، فأرسل ابن الإخشيد أميراً على طرسوس من بغداد [89] ، فقاد عملية الجهاد، وغزا بأهلها عام 285 هـ، وفتح الله على يديه [90] . وقام راغب الخادم بالغزو في البحر [91] ولم تدم إمارة ابن الإخشيد طويلا، إذ توفي عام 286 هـ، واستخلف أبا ثابت عليها. ولما خرج المعتضد إلى الرقة، استدعى راغباً من طرسوس، فقدم عليه، فحبسه وأخذ جميع أمواله، ومات بعد أيام من حبسه، وقبض على مكنون غلام راغب وأخذ ماله بطرسوس [92] فحنق أهل طرسوس على المعتضد، وكانت حركة القرامطة أيضاً قد اشتدت بهجر عام 287 هـ، فطمعت الروم في ناحية طرسوس، واجتمعت، وحشدت العساكر، ووافت باب قلمية من طرسوس، فنفر أبو ثابت أميرها، فلم يقدر على مقاومتهم، وأسروه، وقتلوا من أصحابه جماعة، وأسروا من أسروا. وكان ابن كلوب غازياً في درب السلامة، فلما عاد جمع مشايخ الثغر، ليتراضوا على أمير، فأجمعوا رأيهم على ابن الأعرابي، فولوه أمرهم [93] .

ص: 227

وتحرك وصيف ضد المعتضد في الثغور، ولحنق أهل طرسوس على المعتضد كاتبوا وصيفاً، فتوجه المعتضد بنفسه إلى الثغور، وهزم وصيفاً، ثم رحل إلى المصيصة، وهناك أحضر رؤساء طرسوس فقبض عليهم، وأمر بإحراق مراكب طرسوس التي كانوا يغزون فيها، وجميع آلاتها، وكان من جملتها نحو خمسين مركباً قديمة قد أنفق عليها من الأموال ما لا يُحصى، ولا يمكن عمل مثلها، فأضر ذلك بالمسلمين، وفتّ في أعضادهم، وأمن الروم أن يُغزوا في البحر. وكان إحراقها بإشارة دميانة غلام يازمان، لشئ كان في نفسه على طرسوس. واستعمل المعتضد على أهل الثغور الحسن بن كوره، وبماد إلى بغداد [94] ، وقد أضرّت سياسته هذه بطرسوس كثيراً وأصبحت تعتمد على جند الخلافة، بدلا من اعتمادها على نفسها في الجهاد، واحتاجت عملية البناء من جديد جهداً ووقتاً وأموالا، وزاد الأمر سوءاً انشغال الخلافة بعد ذلك بحركة القرامطة، وبفتنها الداخلية، فتوجه غلام زرافة إلى طرسوس، بعد تدمير اسطولها، وكان أحد البحارة المسلمين، والمجاهدين الكبار، فجمع أمهر البحارة، وأشدهم بأساً، وأخذ يبني أسطولا جديداً، ويستعد للقيام بغزوات بحرية تعيد لطرسوس هيبتها. كما قام نزار بن محمد عامل الحسن بن علي كوره بغزو الصائفة عام 288 هـ، وأسر عددا من الروم، أدخلهم طرسوس، ثم وجههم إلى بغداد [95] .

وتوفي المعتضد عام 289 هـ، وبويع للمكتفي بالله 2891-295 هـ، وفي عهده اشتد أذى القرامطة، والأعراب، وامتد من هجر إلى الشام [96] ، فأثر ذلك على عملية الجهاد في طرسوس، واتجه أهلها إلى المكتفي بالشكوى من واليهم مظفر بن جناح، فعزله المكتفي عام 290 هـ، وولّى عليهم أبا العشائر أحمد بن نصر [97] ، الذي خرج مع جماعة من المطوعة للغزو، كما حمل الهدايا من المكتفي إلى ملك الروم [98] .

ص: 228

وخرج المكتفي إلى الرقة عام 291 هـ، وأخذ يسرح الجيوش إلى القرمطي، جيشاً بعد جيش، وورده هناك رسول من ملك الروم يسأله الفداء بمن في يده من المسلمين أسرى، ومعهما هدايا، وأسارى من المسلمين، بعث بهم إليه، فأجابه إلى طلبه. وقام أبو العشائر أمير طرسوس بالفداء [99] .

ويظهر أن مهمة رسل الروم كانت للتجسس في الدرجة الأولى، فبعد عودتهم وإتمام عملية الفداء، نهض الروم في عشرة صلبان، مع كل صليب عشرة آلاف، وتوجهوا إلى الثغور، وأغاروا عليها، وخرّبوا، وقتلوا خلقاً، وسبوا نساء وذرية من المسلمين [100] .

وكان غلام زرافة قد أتم استعداداته البحرية، فهاجم بعسكر طرسوس بلاد الروم من الساحل، وفتح مدينة أنطاكية. وهي أتاليا أو انطاليا- من أعظم مدن الروم على ساحل البحر المتوسط، وخلّص من أسارى المسلمين خمسة آلاف أسير، وأخذ للروم ستين مركبا، وغنم شيئا كثيراً، فبلغ نصيب كل واحد من الغزاة ألف دينار [101] .

وعندما أغار "اندرونقس"الرومي على مرعش ونواحيها، نفر أهل المصيصة، وأهل طرسوس عام 292 هـ، فأصيب أبو الرجال بن أبي بكار، في جماعة من المسلمين، فعزل الخليفة أبو العشائر عن الثّغُور، واستعمل رستم بن بردو والياً على طرسوس، وتم على يديه فداء آخر للأسرى، وكان جملة من فودي من المسلمين 1200 نفس [102] . وفي عام 294 هـ، قام نائب دمشق أحمد بن كيلغلغ، بغزو بلاد الروم، ومعه رستم بن بردو بأهل طرسوس، فقتل نحواً من أربعة آلاف، وأسر نحواً من خمسين ألفاً، وأسلم بطريق من بطارقة الروم الكبار، وأطلق نحو مائتي أسير من المسلمين كانوا معه، وقد حاول الروم تتبعه، وفشلوا، ودخل بلاد المسلمين وقدم إلى الخليفة، فأكرمه وأحسن إليه، وقد وصل المسلمون في تلك الحملة إلى قونية، ثم عادوا إلى طرسوس [103] قاعدة غزوهم.

ص: 229

ومن نتائج هذا الغزو الرائع، أرسل إمبراطور الروم إلى المكتفي يطلب الفداء، وقد ضم الوفد الذي أرسله خال ولده اليون، وبسيل الخادم، ومعهم جماعة، وكتاب إلى المكتفي يسأله الفداء، وأن يوجه المكتفي رسولاً إلى بلاد الروم، ليجمع أسرى المسلمين فِى بلاده، وليجتمع هو معه على أمر يتفقان عليه، وتخلف بسيل الخادم بطرسوس، ليجمع الأسرى من الروم في الثغور ليصيرهم مع صاحب السلطان إلى موضع الفداء. وأجيب صاحب الروم إلى ما سأل [104] . وتم الفداء بالفعل في ذي القعدة من عام 295 حد قبلَ وفاة المكتفي بقليل، وقام به مؤنس الخادم، واستنقذ المسلمون نحواً من ثلاثة آلاف من أسراهم [105] .

وبوفاة المكتفي عام 295 هـ، انتكست الخلافة مرة أخرى، زمن المقتدر [295-320] ، وكان صغير السن، ووقع بين تنافس قادة الأتراك، وألاعيب النساء، ورغم ذلك فقد اهتم المقتدر بالثغور، ففي شعبان من عام 296 هـ خلع على مؤنس الخادم، وأمره بالمسير إلى طرسوس لغزو الصائفة، فخرج في عسكر كثيف، ومعه جماعة من القواد، وغلمان الحجر [106] ، وقام عام 297 هـ بغزو الروم عن طريق ثغر ملطية، ومعه أبو الأغر السلمي، وظفر بالروم، وأسر منهم [107] ، فطلب الروم المفاداة، ففادى مؤنس الأسارى عام 297 هـ[108] .

وفي عام 298 هـ، غزا القاسم بن سيما بلاد الروم، ورجع إلى بغداد بأسارى، بأيديهم أعلام عليها صلبان، وحاول الروم أن يقصدوا اللاذقية بحرا [109] ، فردّ رستم أمير الثغور بأن غزا الصائفة ومعه دميانة (غلام زرافة) من ناحية طرسوس، وحصر حصن مليح الأرمني، ثم دخل بلده، وأحرقه [110] .

ص: 230

وفي عام 300 هـ قلّد المقتدر مؤنس الخادم الحرمين والثغور، وولىّ بشر بن أبي الساج الأفشيني طرسوس [111] ، وقام مؤنس بغزو الروم مع بشر، وأوقع بهم بأساً شديداً، وأسر 150 بطريقا- أي أميرا- عام 301 هـ، وفي عام 302 هـ، وصلت الأخبار إلى بغداد بانتصارات مؤنس وبشر، ففرح المسلمون بذلك [112] ، ونال مؤنس لقب المظفر، وأمر المقتدر وزيره علي بن عيسى بالمسير إلى طرسوس، لغزو الصائفة، فسار في ألفي فارس معونة لبشر والي طرسوس، فلم يتيسر لهم غزو الصائفة فغزوا شاتية، وفي برد شديد وثلج [113] .

وانشغل جند المسلمين والثغور بأمر الحسين بن حمدان عام 303 هـ، فاغتنم الروم الفرصة، وسار الغثيط على رأس جيش كبير، وأوقع بغزاة من أهل طرسوس والغزاة، وقتلوا نحو ستمائة فارس. ولم يكن للمسلمين صائفة. وسبي من المسلمين في الثغور حوالي 50 ألفاً. فعظم الأمر على المسلمين، فوجه المقتدر بمال ورجال إلى طرسوس. وارتحل الروم بعد وقعات كثيرة [114] . وقام مؤنس المظفر بغزو الصائفة عام 304 هـ من ملطية، وكتب إلى أبي القاسم علي بن أحمد بن بسطام أن يغزو من طرسوس في أهلها، ففعل. وأنكى مؤنس الروم، وفتح حصوناً كثيرة، وأثر آثاراً جميلة، وعتب عليه أهل الثغور وقالوا:"لو شاء لفعل أكثر من هذا"، ولكنه عاد إلى بغداد، فأكرمه الخليفة، وخلع عليه [115] . فوصل وفد من ملك الروم عام 305 هـ إلى بغداد، ومعهم الهدايا، فأكرم المقتدر الوفد، وأدرك مهمة الوفد التجسسية كعادة رسل الروم، فعرض الجيش الإسلامي، عرضا مهيباً رائعاً، وكان يوماً مشهوداً [116] ، وسير مؤنس ومعه 120 ألفاً ليحضر الفداء عام305 هـ[117] .

ص: 231

وزاد المسلمون من حدة غزواتهم بين عامي 306 و312 هـ، من طرسوس، براً وبحراً. فغزا بشر الإِفشيني عام 306 هـ براً، فافتتح عدة حصون، وغزا ثمال بحرا فغنم وسبى وعاد، ودخل جني الصفواني بلاد الروم، فنهب، وأحرق، وفتح وعاد، وقرئت أخبار الانتصارات على المنابر ببغداد [118] .

وأسهم أهل طرسوس بقيادة ثمل الخادم في انقاذ الإسكندرية من البربر عندما هاجموها، واستغاث المسلمون عام 308 هـ[119] . ودخلوا بلاد الروم من جهة ملطية عام 310 هـ فظفروا [120] ، وقرئت أخبارهم على منابر بغداد [121] .

وهنا يجب ملاحظة أن معظم أعمال الجهاد هذه، كانت استعراضية، وهدفها الدعاية، ولم تحقق شيئاً من تثبيت الإسلام في آسيا الصغرى، أو مدّه. وكان القادة ينالون التكريم العظيم من الخليفة، ومن الأمة، فكان مؤنس الخادم مثلاً يدخل بغداد قادماً من الجهاد، دخول الفاتحين العظام. كما حدث عام 311 هـ[122] .

ص: 232

وانقلبت الأوضاع في الثغور عام 313 هـ. فقد تأكد للروم ضعف المسلمين وانشغالهم بحركة القرامطة، وقد عاد مؤنس لحربهم. فكتب ملك الروم إلى أهل السواحل والثغور يأمرهم بحمل الخراج إليه، وإلا قصدهم، فقتل الرجال، وسبى الذرية، وقال:"إنني صح عندي ضعف ولاتكم ". ولما لم يفعلوا، هاجمهم الدمستق، ودخل ملطية عام 314 هـ، ومعه مليح الأرمني صاحب الدروب، وعاثوا فساداً، في بلاد الإِسلام، وطلبت ملطية الغوث من بغداد، فلم يغاثوا [123] . ولكن أهل طرسوس تحركوا للانتقام، فغزوا الصائفة، فغنموا وعادوا [124] ، وأخذت الأنظار تتجه إلى طرسوس لإغاثة الثغور. وعندما هاجم الروم سميساط عام 315 هـ، ودخلوها، واستباحوها، وضربوا الناقوس في الجامع، وأخذوا جميع ما فيها [125] ، هب أهل طرسوس للجهاد، وخرجت سرية منهم إلى بلاد الروم، ولكن الروم استظهروا عليها، وأسروا من المسلمين أربعمائة رجل قتلوهم صبراً. فغزا شمال الصائفة، وانتقم من الروم وعاد سالماً إلى طرسوس [126] . كما أمر المقتدر مؤنس أن يخرج لقتال الروم، وكان خروجه يوماً مشهوداً إلى بلاد الثغور [127] ، ولكن مؤنساً عاد إلى بغداد قبل أن يصل الثغور، لاشتداد أذى القرامطة، حيث هاجموا بيت الله الحرام، وانتزعوا الحجر الأسود من مكانه عام 317 هـ[128] وهكذا بقيت الثغور بدون غوث من الخلافة، فضغط الروم على المسلمين ودخلوا ملطية، وعاشوا فساداً في ثغور أرمينيه [129] ، فعزمت الثغور الجزرية على طاعة ملك الروم، ولكن مفلح الساجي أعاد الثقة إلى النفوس حين التقى مع الدمستق وهزمه عام 317 هـ، ودخل وراءه إلى بلاد الروم [130] ، كما قام ثمل والي طرسوس في ربيع الأول عام 319 هـ، بغزو الروم، فعبر نهراً، ونزل عليهم ثلج إلى صدور الخيل، ولم يثنهم ذلك عن الجهاد، وانتصروا على جمع للروم، فقتلوا ستمائة، وأسروا نحواً من ثلاثة آلاف. وفي رجب من السنة نفسها عاد ثمال إلى طرسوس، ودخل بلاد الروم صائفة في

ص: 233

جمع كثير من الفارس والراجل، فبلغوا عمورية، ودخولها وقد انسحب منها الروم، وأوغلوا حتى وصلوا إلى أنقرة، وعادوا إلى طرسوس في رمضان [131] . فشاع صيت ثمل في بلاد الروم، ورهبوه، ولكنهم تمكنوا من دخول ملطية بعد حصارها وإعطائها الأمان عام 322 هـ. فتمكن الروم من أهلها، وقتلوا خلقاً كثيراً، وأسروا ما لا يحصون كثرة [132] . في حين استمرت طرسوس تقوم بدورها، وأصبحت زعيمة الثغور جميعاً بحق، وخاصة بعد انشغال الخلافة بمشكلاتها، وقتل الخليفة المقتدر عام 320 هـ. وازداد انتكاس الخلفاء العباسيين.

وفي عام 324 هـ تخلّى الخليفة الراضي بالله (322-329) عن كل صلاحياته تقريباً، وسلم مقاليد الدولة لمحمد بن رائق أمير الأمراء [133] ، وأصبح التنافس على هذا المنصب الخطير بين القادة. وضعف أمر الخلافة جداً عام 325 هـ، وصارت البلاد بين خارجي قد تغلب عليها، أو عامل لا يحمل مالا إلى الخلافة، وصارت أشبه بملوك الطوِائف [134] ، وتمتع أهل الثغور عامة، وطرسوس خاصة باحترام جميع المسلمين، حيث وقفوا سدا في وجه أطماع الدولة البيزنطية، تحطمت على صخرتها موجات الصليبية المرة تلو المرة. وخسرت عام 326 هـ والياً من أشهر رجالها المجاهدين وهو ثمل والي طرسوس. وقد وصف بالشجاعة، وكان شجاعاً، بطلاً عظيم الهيبة، في قلوب النصرانية، كثير الإقدام عليهم، لا يهوله أن يحمل على خمسة آلاف بخمسمائة من المسلمين، وكانت له غزوات مشهورة، فولي الثغر بشرى غلام ثمل [135] ، وتم فداء بين المسلمين والروم في ذي القعدة عام 326 حد قام به ابن ورقاء الشيباني، وكان عدة من فودي من المسلمين 6300 بين ذكر وأنثى على نهر البدندون [136] .

ص: 234

وفي عام 330 هـ قاد الروم هجوماً على الثغور، ونهبوا البلاد، وخربوا، ووصلوا إلى قريب من حلب، وسبوا نحو خمسة عشر ألف إنسان، فدخل بشرى الثملي من ناحية طرسوس إلى بلاد الروم، فقتل وسبى، وعاد سالماً، وقد أسر عدة من بطارقتهم االمشهورين [137] .

وعاد الروم بقوة فهاجموا الثغور الجزرية عام 331 هـ، وأعطى ملك الروم صفة الحرب الصليبية لحروبه، فافتعل قضية المنديل، زعم أن المسيح مسح به وجهه، فارتسمت صورته فيه، وأن هذا المنديل في بيعة الرها، وأرسل إلى المتقي بالله، يطلب هذا المنديل، مقابل جميع من سبى من المسلمين. فأحضر المتقي القضاة، والفقهاء، واستفتاهم، فاختلفوا تسليمه. ثم وافق الخليفة على رأي الوزير علي بن عيسى عندما قال:"إن خلاص المسلمين من الأسر، والضر، والضنك الذي هم فيه، أولى من حفظ هذا المنديل"فأمر بتسليمه إليهم [138] . فشُحن الصليبيون شحنة دينية حماسية، وجههم بها ملك الروم لمهاجمة الثغور.

طرسوس ومأساتها 334- 355 هـ:

في عام 334 هـ في عهد الخليفة المستكفي بالله 329- 334 هـ، خضعت الخلافة العباسية لسيطرة البويهين، الذين اهتموا في تثبيت نفوذهم في العراق، وفارس، ولم يلعبوا دوراً في الجهاد الإسلامي، وأحداث العالم الإسلامي. فيروى أنه كان في اصطبلات معز الدولة أحمد بن بويه: "اثنا عشر ألف فرس، أغلاها ثمنا بمائة ألف درهم، وأدناها ثمنا بعشرد آلاف درهم، لم يطرح قط على فرس منها بسرج في سبيل الله

" [139]

ص: 235

وظهرت الدولة الحمدانية، في الجزيرة الفراتية، والإمارة الإخشيدية في مصر، والشام. وتبعت الثغور الجزرية الدولة الحمدانية منذ البداية، في حين أن الثغور الشامية وأهمها طرسوس، تبعت الدولة الإخشيدية أولاً، ثم الحمدانية، وتأثرت بصراع الدولتين. وفي الواقع وقع عبء الجهاد في الثغور على أهلها، وعلى الدولة الحمدانية. وأقامت طرسوس الدعوة لسيف الدولة بن حمدان عام 335 هـ، فأنفذ إليها الخلع والذهب، وأنفذ إليهم آلاف الدنانير للفداء [140] . وقام نصر الثملي أمير الثغور لسيف الدولة، بالفداء، وكان عدة الأسرى 2480 أسيراً، من ذكر وأنثى، وفضل الروم على المسلمين 23 أسيرا لكثرة من معهم من الأسرى، فوفاهم سيف الدولة [141] .

ووقع الخلاف بين أهل طرسوس، وتأرجحوا في الولاء بين الدولة الحمدانية، والإخشيدية، والبويهية. فأثر ذلك على قوتها، وعندما دخل سيف الدولة بلاد الروم عام 337 هـ، انهزم، وأخذت الروم مرعش، وأوقعوا بأهل طرسوس بأساً شديداً [142] .

ودخل سيف الدولة عام 338 هـ بلاد الروم بنحو ثلاثين. ألفاً، ومعه عسكر طرسوس في أربعة آلاف، وعليهم القاضي أبو حصين [143] . فوغل في بلاد الروم، وعاد الطرسوسيون والعربان إلى بلادهم. وكانت الروم قد أخذوا على سيف الدولة الدروب والمضايق، فقتلوا عامة من معه، وأسروا بقيتهم، واستردوا ما كان أخذه، ونجا سيف الدولة في عدد يسير [144] . وحاول الطرسوسيون الانتقام لهزيمته، فغزوا في البر والبحر [145] .

وحاول سيف الدولة الغزو عام 0 34 هـ فحدث له ما حدث عام 338 هـ[146] . وزاد الأمر سوءاً أن ضربت الزلازل الثغور، فأثر ذلك على طرسوس. وتمكن الروم من انتزاع زمام المبادرة، وسقطت سروج بأيديهم، فسبوا أهلها، وغنموا أموالهم، وأخربوا المساجد [147] في الوقت الذي اتصلوا فيه بالدولة الفاطمية العبيدية المغرب لمفاوضتها [148] .

ص: 236

وحاول سيف الدولة استعادة هيبته فَكَرَّ على الروم عام 342 هـ[149] وعام 343 هـ، وحقق بعض الانتصارات، وقتل خلقا من أصحاب الدمستق، وأسر قسطنطين بن الدمستق ملك الروم، وآخرين من رؤساء البطارقة [150] .

وفي عام 345 هـ، هاجم الروم ميافارقين، وركبوا في البحر إلى طرسوس، فقتلوا من أهلها 1800، وحرقوا قرى كثيرة حولها، وسبوا كثيرًا، في الوقت الذي كان رئيس طرسوس فيه في زيارة لسيف الدولة وهو في طريقه إلى حلب [151] .

وساءت الأحوال الداخلية في العالم الإسلامي، وامتلأ رفضاً، وسباً للصحابة، من بني بويه، وبني حمدان، والفاطميين، والقرامطة، فاشتد ساعد الروم، فأغاروا عام 347 هـ على الثغور الإسلامية، ووصلوا حلب. وهزموا سيف الدولة هزائم متلاحقة [152] . وغزوا طرسوس والرها عام 348 هـ، وسبوا، وأخذوا الأموال [153] ، فاشتد ضغط المسلمين على ولاتهم، ودعوهم للجهاد، وعمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرّض الإسلام على الغزاة [154] ، وكان خطيباً لسيف الدولة [155] . وقام العالم عبد الرحمن بن محمد اللخمي العسقلاني بحثّ سيف الدولة على الجهاد [156] . وتحركت العامة في بغداد، وجمعوا الأموال للجهاد، فأخذها معز الدولة البويهي، وأنفقها على لهوه، ولما غضبت العامة عليه، قام بتسكينها، بأن أرسل جيشاً ادّعى أنه تمكن من إحراز بعض الانتصارات. وتحرك سيف الدولة عام 349 هـ، ومعه أهل طرسوس، فغزوا الروم من ناحية طرسوس [157] ، واحرزوا انتصارات، وانتهوا إلى خرشنة. ولما أرادوا العودة، نصح أهل طرسوس سيف الدولة بالعودة معهم، لأنه بلغهم أن الروم ملكوا الدرب خلفه، فرفض وكان معجباً بنفسه، وبرأيه، فرفض النصيحة فأتى عليه الروم قتلاً، وأسراً، وتخلص هو في ثلاثمائة رجل من رجاله وغلمانه، بعد جهد ومشقة [158] . وسلم أهل طرسوس وقتل من وجوه قادته حامد بن النمس، وموسى بن سياكان، والقاضي أبو حصين- قاضي طرسوس-.

ص: 237

وأخذت قوة طرسوس تسير إلى انحدار سريع، وقطع الروم عن أهلها إمدادات المسلمين، ففي عام 350 هـ سار قفل عظيم من أنطاكيا إلى طرسوس، ومعهم صاحب أنطاكيا، فخرج عليهم كمين للروم، فأخذ من كان فيها من المسلمين، وقتل كثيراً منهم، وأفلت صاحب أنطاكيا، وبه جراحات [159] .

واتسعت هجمات الروم، وسقطت جزيرة اقريطش (كريت) بأيديهم وقتل ارمانوس بن قسطنطين كثيرا من أهلها، وسبى من بقي، وأخذ الأموال، وأحرق المصاحف، وهدم المساجد [160] . فاستنجد أهلها بالمعز الفاطمي فأرسل إليهم جيشاً فانتصروا على الفرنج [161] . وهاجموا منبج في الثغور، وأسروا أبا فراس الحمداني وكان متقلداً لها [162] . وسقطت بأيديهم عين زربى [163] .

وقد أمن الروم قوة طرسوس التي غرقت في الفوضى من داخلها، إذ تنكرت لسيف الدولة، بسبب ظلمه، وقبضه لوقوف أهل طرسوس، في بلاد حلب، وولاياتها، وكانت مورداً هاماً لأهل الثغر. فقطعوا الدعوة له، وأعلنوها لأنوجور وكافور الإخشيديين، وتزعم ذلك رشيق النسيمي، وضمن لها عمارة الثغر نيابة عنهما.

ص: 238

واتفق أهل المدينة، وعلى رأسهم أبو أحمد الهاشمي، ومحمد بن الزيات، على أن يكون الهاشمي وابن الزيات أميري الثغر، وأن يخطب لهما معا. وأرسلوا رسولا إلى مصر ليعلم أنوجور وكافور بالأمر، ولجلب الميرة والمال، لانفاقهما في الثغر. وكان الخليفة المطيع لله (234-263 هـ) قد كتب لأنوجور بن الإخشيد على مصر، والاسكندرية، والشام، وقبرص، على أن يحمل إلى حضرته كل سنة مائة ألف دينار، وولاه أمورها سوى الخطابة والحكومة، على أن يحمل إلى طرسوس في كل سنة خمسة وعشرين ألف دينار، وتفرق في المستحقين ببلاده مائتي ألف دينار [164] . ولكن أنوجورِ وكافور لم يرسلا شيئاً إلى طرسوس، فقام سيف الدولة بمراسلة الهاشمي وابن الزيات سرا عن رشيق النسيمي، وتم الاتفاق على إعادة الدعوة لسيف الدولة مقابل رد الوقوف المقبوضة، وإرسال مال إليهما لينفقاه بالثغر.

واختلف الهاشمي وابن الزيات، فاعتقل الأول، وسجن مع جماعة من أتباعه ولكنه تمكن من الهرب، ولجأ إلى سيف الدولة، ثم عاد إلى طرسوس في غياب ابن الزيات للجهاد، وحاول أن يخلص أصحابه، فهاجمه عامة الناس، وقبضوا عليه، وسلّمه لابن الزيات عندما عاد، فسجنه. ويقال أن صاحب البحر في طرسوس الذي تولى نقله إلى سجنه، قتله.

ص: 239

استغل الروم أحداث طرسوس هذه، ولجأ ملكهم نقفور إلى المكر والخديعة وأظهر لسيف الدولة مقاربته، وراسله لتقرير شروط الهدنة، فركن سيف إلى قوله وراسل أهل طرسوس طالباً منهم الدخول فيما سيعقد مع الروم من شروط. وكان نقفور يصلح أموره، ويجمع رجاله. وأتت عيون ابن الزيات بأخبار مكر الروم، وأن نقفور يجمع بطارقته ومن أمكنه من نصارى أوربا [165] ، وما تأخره في الهجوم إلا انتظارا لتفرّق من قصد طرسوس من الغزاة، وخروج من كان يريد الحج من أهل الثغور. فجمع ابن الزيات أهل طرسوس وأخبرهم، فاختلفت الآراء في خروجه لمقابلة الروم في عين زربة، وخرج من طرسوس بمن تبعه، وهم ألف فارس، ونفر معه أهل المصيصة وكان عددهم قليلاً، حيث كان فرسانهم استشهدوا مع هرون الثملي في فتح الهارونية. وعند المصيصة وردته أخبار تحرك جيش الروم باتجاهه، فأمر من معه أن يخلفوا أثقالهم، وبغالهم بالمصيصة، وتقدم بعدد قليل من رجاله ومن أهل المصيصة (نحو خمسمائة فارس وثلاثمائة وثمانين راجل) . فتوجه لهم الدمستق بأمر نقفور في جيش كبير، وأشار جماعة على ابن الزيات بعدم مواجهة القوات الرومية الكثيرة، والاعتصام منها ببعض الجبال القريبة، لكنه رفض، وأظهر ومن معه من المسلمين بطولة عظيمة، وسقط من الشهداء خمسمائة بين فارس وراجل، بينهم أخو ابن الزيات. وتراجع الباقون إلى مدن الثغور. في حين تقدم الروم وحاصروا عين زربة التي استسلمت للروم، وكان استسلامها كارثة بالفعل وصفها ابن مسكويه [166] ، وصاحب العيون والحدائق [167] ، فقد أطلق نقفور لأصحابه نهب المدينة، ودخل ببطارقته إلى الجامع بخيلهم، ورجاهم، وصعد نقفور على منبرها، وبدل الآذان بضرب الناقوس، ووضعت المصاحف تحت الأقدام، ورفعت فيه الصلبان. وطلب نقفور خمرا في عين زربة، فلم يجد فيها جرعة، لطهارة من حلان يسكنها على حدّ تعبير صاحب العيون والحدائق.

ص: 240

وعاد ابن الزيات إلى طرسوس، وأخبر أهلها بما حدث. فخاطبه ابن بلوطة وكان يتعصب لسيف الدولة قائلاً:"هذا أمر لا يقوم به إلا ملك، مثل الملك الذي قصدنا، فلو كُفينا أمرك، صار إلى بلدنا من يحميه ". ولم يردّ أحد عليه، ولا أنكر. فقام ابن الزيات مغيظاً، وقد طوى يومين لم يطعم فيها طعاما ولا شراباً، وقال:"أنا أكفيكم نفسي، حتى يجيء ملك يقوم بالأمر لكم". واعتزل، وكتب وصية بما خلفه من مال المسلمين، وفرق دوابه على غلمانه، وأخيه، وأعطى لكل غلام نفقة، وتقدم إلى أخيه، وإلي أبي الحسن بن رشيق النسيمي، أن يطوفوا ليلتهم بالبلد، ودخل بيتاً على نهر بردان، وقد أدركه الليل، وأغلقه عليه، وتهيأ للصلاة، وتطيّب، وقام يصلي ليله، ويدعو، ويستغفر، ولما هدأت العيون، نزل إلى النهر، فرمى نفسه فيه، وعليه سلاحه، فغاص في الماء، ولم يقف أحد على ما فعله، إلى أن رأت امرأة عمامته على رأس الماء، فأنذرت بذلك، فغاصوا، فأخرجوه، وانقلبت طرسوس، ووجدوه على حاله لم يتغير منه شيء، ولا انفتح له جوف، ولا أثر السمك شيء منه، وكثر البكاء والعويل عليه، من الرجال والنساء، وصلي عليه، ودفن في مقابر المسلمي [168] .

وجاء رسل المصيصة يدعون ابن الزيات إليهم فوجدوه قد مات. واجتمع أهل طرسوس على تعيين أبي الحسن بن رشيق النسيمي، فأقام الدعوة لسيف الدولة، واستمر في ولاية طرسوس والثغور الشامية إلى أن استسلمت طرسوس للروم [169] .

ص: 241

وفي أثناء هذه الأحداث انشغل البويهيون بحرب الحمدانين في الجزيرة الفراتية، وبالخارجين عليهم، وابتعد سيف الدولة إلى ميافارقين هرباً من حلب التي تعرضت لهجمات الروم، واتهم كافور الإخشيدي بالتهاون في أمر الثغور [170] . وأرسل أهل طرسوس الوفود إلى مصر، والعراق، وبقية بلدان العالم الإسلامي، يحملون الاستغاثة، وعاد اغلب الرسل دون الحصول على مساعدة تذكر من الجهات الرسمية. وتنادى الناس للجهاد، ووصل المطوعة إلى طرسوس. ولكن الأمر زاد سوءاً بانتشار الوباء والغلاء في طرسوس وبقية الثغور الشامية، حتى اضطر الناس إلى أكل دوابهم، وأكل الميتة [171] وراسل أهل بغراس الدمستق، وبذلوا له الأموال، فأقرهم، وتركهم [172] . وتوجه الروم في مائتي ألف إلى حلب. وفيهم ثلاثون ألفاً بالجواشن، وثلاثون ألفاً للهدم، وإصلاح الطرق من الثلج، وتمكن الروم من دخولها، وفر سيف الدولة إلى ميافارقين فقد كان قليل الصبر [173] . ولم ينجُ إلا قلعه حلب، وبقي فيها الروم تسعة أيام، عاثوا فيها فساداً، وقتلوا حتى كلّوا، وملّوا، وأحرقوا المساجد، وقتلوا جميع أسرى المسلمين، وقدر عدد القتلى بمائة وخمسين ألفاً بحلب [174] واستنجد سيف بأهل الشام، فسار إليه جيش من دمشق على رأسه ظالم بن السلال العقيلي واليها من جهة الدولة الإخشيدية [175] ، كما وصل إلى طرسوس كثير من المجاهدين. فانسحب الروم من حلب. وسيّر سيف حاجبه في جيش من أهل طرسوس إلى بلاد الروم، فحققوا بعض لانتصارات [176] .

وضعف أمر سيف الدولة بعد كائنة حلب، وأصيب بفالج عام 352 هـ في يده، ورجله [177] . ولكن أهل طرسوس تابعوا الجهاد، فدخلوا بلاد الروم غازين مرة أخرى، كما دخلها نجا غلام سيف الدولة من درب آخر، وأوغل أهل طرسوس في غزوهم حتى وصلوا إلى قونية، وعادوا [178] .

ص: 242

واضطرب أمر بني حمدان، بسبب خلافات هبة الله بن ناصر الدولة بن حمدان مع عمه سيف الدولة [179] . وكان الروم يرقبون ذلك فرحين، وهدفهم إضعاف طرسوس واستنزافها، فقاموا بحملات مكثفة على ما تبقى من الثغور الشامية، على رأسهم نقفور نفسه، الذي عسكر على مقربة من إذنة. فخرج أهلِ طرسوس لمساعدة أهلها عام 353 هـ، وكانت كارثة فقد قتل من المسلمين خمسة عشر ألفا، وأقام نقفور خمسة عشر يوماً في بلاد الإسلام، لم يقصده أحد لقتاله. وعاد لغلاء الأسعار، وقلة الأقوات. بعد أن أرسل الدمستق إلى أهل المصيصة، وإذنة، وطرسوس قائلا:"إني منصرف عنكم، لا لعجز ولكن لضيق العلوفة، وشدة الغلاء، وأنا عائد إليكم، فمن انتقل منكم نجا، ومن وجدته بعد عودي قتلته". ففرّ من أذنة أكثر من خمسين ألفاً من المسلمين، في حين أظهر أهل طرسوس من الشجاعة وشدة البلاء الشيء الكثير، وأسروا بطريقاً كبيراً من بطارقة الروم [180] .

وبني نقفور مدينة قيسارية، وعسكر فيها، ليقرب من بلاد الإسلام [181] ، وقد عزم على أن يستحوذ على البلاد الإسلامية بعد أن طمع فيها لفساد حكامها، وفساد عقائدهم في الصحابة [182] .

وأدرك أهل المصيصة وطرسوس عجز البلاد الإسلامية، عن نجدتهم. فأرسلوا إلى نقفور، يبذلون له أتاوة، ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه، يقيم عندهم، ولكنه أدرك عجزهم، واشتداد الغلاء، وقد أكلوا السباع والميتة، وفتك فيهم الوباء، فكان يموت في طرسوس كل يوم نحو ثلاثمائة نفس، فأحضر نقفور الرسول، وأحرق الكتاب على رأسه، واحترقت لحيته، وقال لهم:"أنتم كالحية في الشتاء تخدر، وتذبل، حتى تكاد تموت، فإن أخذها إنسان، وأحسن إليها، وأدفأها، انقضّت ونهشته"[183] .

ص: 243

وفي ظل هذه الأوضاع المحزنة توجه نقفور بجيوشه الجرارة عام 353 هـ، فاحتل إذنة بسهولة، وكان قد هجرها أهلها. ودخل المصيصة عنوة في 13 رجب بعد حصار طويل، ووضع السيف في أهلها، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم رفع السيف ونقل كل من بها إلى بلد الروم، وكانوا نحو مائتي ألف إنسان [184] . واستولى بعد ذلك على كَفَرْبَيّا، وأسر كثيرا من المسلمين. وكَفَرْبَيّا مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان [185] .

وجاء دور طرسوس آخر معقل من معاقل الثغور الشامية، وقد نهكتها الحروب، وملاحم الجهاد، وتوجه إليها نقفور بقواته الهائلة، ولما وصل إلى أسوارها، أمر بأن يُساق من أسر من أهل المصيصة وكفربيا أمام أهل طرسوس الذين كانوا ينظرون من فوق الأسوار، وأمر بضرب أعناق مائة من أعيان المدينتن، بهدف إضعاف معنويات أهل طرسوس فكان أن أخرج أهل طرسوس أسرى الروم الذين عندهم، وضربوا أعناقهم على باب المدينة [186] .

واشتد حصار الروم لطرسوس، ولم يتحرك أحد من المسلمين لإنقاذها، وكانت تعاني من قلة الأقوات، ومن الغلاء، وانتشار الوباء، فأسقط في أيدي أهلها، وطلبوا من نقفور الأمان، وعرضوا رفع الحصار، مقابل ثلاثمائة ألف دينار، وإطلاق ما عندهم من الأسرى. وأبى نقفور، وخّيرهم بين الخروج من المدينة بالأمان، أو البقاء فيها مع الدخول في طاعة الروم، وتخريب أسوار المدينة [187] . واستمرت المفاوضات إلى أن تم الاتفاق على تسليم المدينة للروم بالأمان لأهلها، على أن من أراد أن يخرج من المدينة فله أن يحمل من ماله، ورحله، ما يطيق حمله. وأن من أراد البقاء على الذمة، أو الجزية، أو النصرانية، فله ذلك أيضاً. واشترط نقفور تخريب الجامع والمساجد.

ص: 244

ودخل نقفور وعامة عسكره طرسوس في منتصف شهر شعبان عام 354 هـ، فأخذ كل واحد من الروم دار رجل من المسلمين بما فيها، ثم يتوكل ببابها، ولا يطلق لصاحبها إلا حمل الخفّ، فإن رآه قد تجاوز منعه، حتى إذا خرج منها صاحبها دخلها النصراني، فاحتوى على ما فيها. ونصب نقفور علمين، علم يشير إلى الإسلام، وعلم يشير إلى النصرانية، وطلب من أهل المدينة أن من أراد الخروج إلى بلاد الإسلام، فليقف تحت العلم الأول، ومن اختار البقاء تحت حكم الروم فليقف تحت الثاني. وقد قدر عدد الذين خرجوا بمائة ألف ما بين رجل وامرأة وصبي. وحدث أثناء الخروج من المواقف المحزنة الكثير. فقد تقاعد بالمسلمين أمهات أولادهم لما رأين أهاليهن، وقالت: أنا الآن حرّة، لا حاجة لي في صحبتك، فمنهن من رمت بولدها على أبيه، ومنهن من منعت الأب من ولده، فنشأ نصرانيا. فكان الإنسان يجيء إلى عسكر الروم، فيودع ولده، ويبكي، ويصرخ، وينصرف على أقبح صورة [188] .

وقام نقفور بإحراق المصاحف، وتخريب المساجد، وأخذ من خزائن السلاح ما لم يسمع بمثله، مما كان جُمع من أيام بني أمية إلى هذه الغاية. وصعد نقفور منبر المدينة وخاطب من حوله:"أين أنا؟ "فقالوا: "على منبر طرسوس". فقال: "لا، ولكنني على منبر بيت المقدس، وهذه كانت تمنعكم من تلك"[189] . وأمر بنقل أبواب مدينة طرسوس إلى القسطنطينية، كما أمر بنبش قبر المأمون، فأخذ سلاحه، وأعاد القبر كما كان. وجعل المسجد الجامع اصطبلا لدوابه، ثم أحرق البلد.

كل ذلك يُشير إلى الروح الصليبية التي كانت تحرّك نقفور، وهذا وسيف الدولة حي يرزق بميافارقين، والملوك من المسلمين كل واحد مشغول بمحاربة جاره من المسلمين، وعطّلوا فرض الجهاد كما قال ياقوت [190] وابن كثير [191] .

ص: 245

ولم تغب أهمية طرسوس عن نقفور، فعزم على المقام بها وعمرها، ليكون أقرب إلى بلاد المسلمين ثم بدا له فعاد إلى عاصمته القسطنطينية [192] . وبقيت طرسوس قاعدة للروم للغارة على بلاد الإسلام براً وبحراً.

ولما سقطت طرسوس اضطربت بلاد الشام، وقام أهل أنطاكيا بطرد نائب سيف الدولة، وعينوا مكانه رشيقا النسيمي الذي خرج من طرسوس. وأعلنوا أنه لا مقام لهم بعد طرسوس. فقام الأمير رشيق بمكاتبة الروم، ودفع لهم 400 ألف دينار في السنة. واستمرت أنطاكيا تعاني المأساة إلى أن سقطت أيضا في كارثة إسلامية أخرى عام 359 هـ بيد الروم [193] . وكذلك سقطت في العام نفسه ملازكرد في آسيا الصغرى. وخاف المسلمون الروم في أقطار البلاد، وأصبحت كلها سائبة، لا تمتنع عليهم يقصدون أيها شاءوا [194] .

ومن أثر سقوط طرسوس أيضا أن قوي أمر أبي عبد الله بن الداعي ببلاد الديلم.

وكتب إلى الآفاق حتى إلى بغداد، يدعو إلى الجهاد في سبيل الله لمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [195] . فوجدت دعوته صدىً.

وبسقوط طرسوس انطوت صفحة رائعة من صفحات الجهاد الإسلامي في آسيا الصغرى، وبقيت طرسوس بيد الروم، إلى أن عادت إلى تبعية البلاد الإسلامية علي يد مليح بن ليون الأرمني عام 568 هـ الذي خدم نور الدين زنكي [196] . ثم أخذت وضعها الإسلامي الصحيح علي يد العثمانيين، الذين أعادوا المدّ الإسلامي إلى بلاد الأناضول. وأصبحت آسيا الصغرى على أيديهم من أهم بلاد الإسلام.

طرسوس بلد العلم والرباط:

ص: 246

كانت طرسوس كسائر الأمصار الإسلامية تعج بدور العلم التي لها صلة قوية بالجهاد، حيث اتخذ بعض العلماء داره الخاصة مكاناً للتعليم، وقدم إليها عدد من التابعين، واستوطنوها منذ تأسيسها، وحدّثوا فيها، وشاركوا في الرباط، والجهاد، وسمع عليهم عدد من أهل طرسوس، ورووا عنهم، ثم تناقلته الأجيال. ورحل إليها عدد من العلماء وطلاب الحديث من شتى أنحاء العالم الإسلامي لسماع الحديث من مشايخها، أو نقله إلى طلابها. وانتقل بعض علمائها إلى بغداد، أو دمشق أو غيرهما من أمصار العالم الإسلامي.

وكان الإمام أحمد بن حنبل يخرج ماشياً إلى طرسوس، وشارك في الرباط والجهاد [197] . ومشى إليها أبو حاتم الرازي الحنظلي الغطفاني في طلب الحديث [198] . وكان يحدث بها محمد بن سعيد- أبو بكر البغدادي [199] ، ومحمد بن عبد الله القطان رحل من بغداد، كان أحمد بن حنبل يكرمه، ومات بطرسوس [200] . ومحمد بن عبد الله أبو بكر المقرئ البغدادي، سكن طرسوس، ثم قدم إلى دمشق عام 340 هـ، وحدث بها [201] . ووردها النسائي أحمد بن شعيب الخراساني صاحب السنن وعبد الله بن أحمد بن حنبل وكيلجة وهو محمد بن صالح البغدادي أبو بكر الأنماطي [202] .

وانتقل زهير بن محمد بن قمير- أبو محمد المروزى- من بغداد إلى طرسوس فرابط بها إلى أن مات عام 258 هـ[203] . ووردها الأصم- محمد بن يعقوب بن يوسف، وسمع بها الحديث من أبي أمية الطرسوسي [204] . وسكنها المحدث محمد بن إبراهيم بن أمية الطرسوسي [205] ونسب إليها. وابن الخشاب- أبو الفرج أحمد بن القاسم البغدادي، وكان قد حدث بدمشق وغيرها [206] وسكنها محمد بن العباس أحد المحدثين، وقد حدّث ببغداد [207] .

ص: 247

وأبو ثوبة- الربيع بن نافع الحلبي نزيلها [208] . وأبو معاوية الأسود وقد حج من طرسوس [209] . ومن علمائها المشاهر: إبراهيم بن محمد بن الصباح الطرسوسي الذي سمع أبا عبد الله الصيدلاني البغدادي [210] . كما توفي فيها عباد بن موسى الختلي [211] ، ونزلها أبو القاسم بن محمد الكرماني [212] وقدمها عمر بن محمد بن أبي خيثمة للغزاة، وحدث بها [213] ، وأبو الآذان عمر بن إبراهيم [214] وقدمها يحي بن عبد الباقي الثغري- أبو القاسم- من أهل أذنة. وكان قد قدم بغداد وحدث بها. وتوفي بطرسوس عام 293 هـ[215] . ونزلها إبراهيم بن الحارث من نسل عبادة بن الصامت رضي الله عنه أبو اسحق العبادي- وكتب عنه تلاميذه بها، وبأنطاكيا [216] . وحدث بها أحمد بن محمد ين الحجاج المروزي [217] ومحمد بن مصعب القرقساني [218] ، وعلي بن إسماعيل الذي امتدح قمع المتوكل لفتنة خلق القرآن [219] ، وسعيد بن مسلم [220] .

وسكنها حامد بن أحمد الزيدي [أبو أحمد المروزي] ورابط بها وكان له عناية بحديث زيد بن أبي أنيسة، وجمعه، وطلبه، فنسب إليه. ثم قدم بغداد وحدّث بها [221] . وعاش فيها محمد بن أحمد بن موسى [أبو بكر العصفري] ، وهو بغدادي سكن طرسوس وحدّث بها [222] . ونزلها محمد بن مسعود بن يوسف أبو جعفر النيسابوري [ابن العجمي] ورابط في طرسوس، وتوفي بها [223] ، وأحمد بن الصقر [أبو سعيد البصري] كان أصله من طرسوس، وسكن بغداد، وحدّث بها [224] . وقدمها المحدّث أحمد بن محمد أبو بكر الدرهمي، وقدم منها إلى بغداد [225] .

وتوفي بها مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وكان ممن حدّث ببغداد [226] ، ومحمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري المحدث. وكان غزاءً من شجعان الناس [227] .

ص: 248

واشتهرت طرسوس كسائر أمصار الإسلام بالربط، وكانت تتخذ ملجأ للفقراء، والزهاد، ومنازل للعلماء، والطلاب الراحلين لطلب العلم أو نشره، ومكاناً لتعليم القرآن الكريم، والحديث، والوعظ. وتخرج الدعاة والمجاهدين. وقد عجّت المدينة بالمرابطين الغزاة والصالحين، الذين وردوها محتسبين لله، وتحملوا عبء الجهاد، وحملوا شرفه إلى جانب أهل طرسوس المرابطين. اذكر منهم إلى جانب من ذكرنا:

ابن القاصّ الطبري- أبو العباس أحمد بن أبي أحمد، فقيه طبرستان، صنف كتباً كثيرة صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة. وكان يعظ الناس، وضرب بنفسه المثل، فسافر إلى طرسوس، وأصبح فقيهها، وتوفي مرابطاً بها. وكان يملي الحديث على تلاميذه، بالمسجد الجامع [228] .

ووردها إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف [229] . وعبد الله بن المبارك الذي كان كثير الاختلاف إلى طرسوس [230] وأظهر فيها من ضروب الشجاعة في الجهاد، وأملى عام 177 هـ قصيدته المشهورة بطرسوس على محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، وأنفذها معه إلى الفضيل بن عياض وفيها:

ياعابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضّب

أو كان يتعب خيله في باطل

فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا

رهج السنابك والغبار الأطيب

والقرآن أتانا من مقال نبيّنا

قول صحيح صادق لا يكذب

لا يستوي وغبار خيل الله في أنف

امرئ ودخان نار تلهب [231]

هذا كتاب الله ينطق بيننا

ليس الشهيد بميت لا يكذب

ولما وصل كتابه إلى الفضيل في الحرم المكي، قرأه وبكى، ثمّ قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح. والأبيات تصور حياة طرسوس المجاهدة أجمل تصوير. وسمع بعضهم ابن المبارك وهوينشد على سورطرسوس [232] :

ومن البلاء وللبلاء علامة

ص: 249

أن لا يرى لك عن هواك نزوع

العبد عبد النفس في شهواتها

والحرّ يشبع مرة ويجوع

وقدم طرسوس علي بن عثام العامري الكوفي نزيل نيسابور، وخرج من نيسابور عام 225 هـ، وحج، وذهب إلى طرسوس، فأقام بها وتوفى بها مرابطاً [233] .

وقدمها وكيع بن الجراح- أبو سفيان الرؤاسي الكوفي، وحسن أخو زيدان [234] . ومحمد بن أحمد بن الريحاني البغدادي، وسكن طرسوس [235] . وسماك بن عبد الصمد الأنصاري في عام 282 هـ[236] .

ونزلها للغزو أحمد بن سعيد أبو الحسن الصولي ومات بها [237] . وأحمد بن محمد الضراب الدينوري [238] ، والمحدث أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي، خرج إليها غازيا ومات بها [239] وأبو الخير التيناتي الأقطع- ويقال اسمه حماد، سكن تينات من أعمال حلب، وسكن جبل لبنان مدة، ثم سكن ثغر طرسوس وجاهد هناك [240] . وابن الحيري الحافظ أبوسعيد أحمد بن أبي بكر النيسابوري الشهيد، استشهد بطرسوس عام 353 هـ، وله خمس وستون سنة [241] .

وأحمد بن محمد بن ثابت بن النعمان الخزاعي المروزي- ابن شبويه- توفي بطرسوس [242] وأبو حمزة البغدادي- محمد بن إبراهيم، وكان كثير الرباط والغزو [243] . وأبو بكر محمد بن الإمام ابن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل النيسابوري الحيري. وكان من كبار الغزاة في سبيل الله، ورابط بطرسوس [244] .

وكان الذي يذهب في الجهاد في الثغور يحظى باحترام الناس، ويكون موضع تقديرهم، وعطفهم، فاستغل بعض ضعاف النفوس ذلك، وقد سجل لنا التاريخ قصة أحد أعوان الحلاج، الذي تظاهر بالعمى، ثم أبرأه الحلاج، فضرب للناس على وتر الجهاد بالخروج إلى طرسوس، وكان ببلاد الجبل. فقال للناس:

ص: 250

"إن من حق الله عندي، ورده جوارحي علي، أن أنفرد بالعبادة انفراداً أكثر من هذا، وأن يكون مقامي في الغزو، وقد عملت على الخروج إلى طرسوس، فمن كانت له حاجة تحمّلتها". فأخرج هذا ألف درهم. وقال: "أغز بهذه عني"، وأخرج هذا مائة دينار وقال:"أخرج بها غزاة من هناك". وأعطاه كل أحد شيئا، فاجتمع له ألوف دنانير، ودراهم. فلحق بالحلاج، وقاسمه عليها [245] .

وقد أوردت هذا الخبر ليعرف القارئ مقدار ما كان الجهاد في طرسوس من أهمية كبيرة في قلوب المسلمين، باعتبارها الثغر المتقدم للإسلام في مواجهة الروم.

وقد ذكرنا كثيراً من قادة المسلمين ومشاهيرهم وخلفائهم ممن وردها، وأضيف هنا: عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول الكاتب- أبو الفضل- أحد وزراء المأمون. وورد إذنة وتوفي بها عام 217 هـ[246] . والقاضي جعفر بن عبد الواحد- أبو عبد الله- وتوفي بطرسوس عام 258 هـ[247] . والقاضي أبو عبيد القاسم بن سلام، الذي كان فاضلاً في دينه، وعلمه، متفنناً في أصناف علوم الإسلام، من القراءات، والفقه، والعربية، والأخبار، وأشهر من فسّر غريب الحديث، ولي قضاء طرسوس ثماني عشرة سنة [248] أثناء ولاية ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي الذي ولي طرسوس ثماني عشرة سنة [249] . وولي قضاءها صالح بن أحمد بن حنبل [250] ، وموسى بن داود الضبي الخلقاني، وتوفي بها عام 216 هـ. وكان يوصف بأنه قاضي طرسوس وعالمها [251] .

من هذا العرض تظهر صلة طرسوس القوية بأمصار الإسلام، وتتبنّ مظاهر الاحترام والتقدير، الذي حظيت به طرسوس في قلوب المسلمين، من مختلف طبقاتهم، الحكام والوزراء، والأمراء، والعلماء، وقادة الجيوش، وأرباب الجهاد، والعامة. فكانت تظهر فيها عظمة الإسلام والمسلمين، فكان يقال:

ص: 251

"من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد، وصلاة التراويح بمكة، ويوم العيد بطرسوس"[252] إذ كانت تظهر في طرسوس الأبهة الإسلامية بأجلى معانيها، لغيظ الكفار، وإلقاء الرعب في قلويهم في العيدين، فكانت تسطع فيها الأنوار، في ليالي العيد، وتتجاوب أصوات المسلمين بالتهليل، والتكبير، وتزدحم الأنهار بالزوارق المزينة بأبهى الزينات، وتسطع من جوانبها أنوار القناديل، ويخرج الناس بأسلحتهم ودراعاتهم بدل دروعهم، وعليها يكتب:"فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم".

وسقطت طرسوس، وبقيت مسيرة الإسلام بين مدّ وجزر، وفتحت صفحات أخرى من الجهاد وفي ثغور أخرى. وتبقى المسيرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويبقى التزام المسلمين بإسلامهم هو سبب عزتهم. وبدونه تكون لهم المذلة.

المصادر والمراجع

1-

ابن الأثير- الكامل في التاريخ- دار الكتاب العربي- بيروت ط 4/ 1403 هـ-983 1 م.

2-

أحمد عبد القادر اليوسف- الأمبراطورية البيزنطية- صيدا- ببيروت 1966 م.

3-

البلاذري- فتوح البلدان- دار الكتب العلمية- بيروت- 1403هـ- 1983م.

4-

ابن تغري بردي- أبو المحاسن- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة- المؤسسة المصرية القاهرة/1383 هـ/1963 م.

5-

حسن إبراهيم حسن- تاريخ الإسلام- مكتبة النهضة المصرية- ط/ 1964 م.

6-

حسن أحمد محمود، وأحمد إبراهيم الشريف- العالم الإسلامي في العصر العباسي - دار الفكر العربي- القاهرة ط 4/ 1980 م.

7-

أبو حنيفة الدينوري- الأخبار الطوال- تحقيق عبد المنعم عامر- دار إحياء الكتب القاهرة ط 1/160م.

8-

ابن حوقل- مسالك الممالك- ليدن 1899.

9 -

الحياري- مصطفى- نهاية الثغور الشامية- بحث في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني العدد 11/ 12.

10-

ابن خرداذبة- المسالك والممالك، تحقيق دي خويه- طبع الأوفست- مكتبة المثنى ببغداد ط إبريل 1889 م.

ص: 252

11-

الخطيب البغدادي- تاريخ بغداد- دار الكتب العلمية- بيروت- مغفل السنة.

12-

ابن خلكان- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- دار صادر- بيروت مغفل السنة

13-

الذهبي- سير أعلام النبلاء- مؤسسة الرسالة ط 2 / 1402هـ- 1982 م.

14-

الذهبي- العبر في خبر من غبر- دار الكتب العلمية- بيروت ط1. 1405هـ/1985م.

15-

الأزدي- الشيخ أبو زكريا يزيد بن محمد- تاريخ الموصل- تحقيق دي خويه.

إحياء التراث الإسلامي. القاهرة 1383 هـ/1967م.

16-

الأزدي- أخبار الدول المنقطعة- تاريخ الدولة العباسية- مكتبة الدار بالمدينة المنورة 1408هـ/ 1988 م.

17-

السيوطي- تاريخ الخلفاء- المكتبة التجارية- مصر. ط 1389. هـ/1969م.

18-

ابن الشحنة- الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب- بيروت. ط2. 19580م.

19-

الطبري- تاريخ الأمم والملوك- دار المعارف بمصر. ط2. 1971م. والطبعة التجارية.

20-

ابن العبري- مختصر تاريخ الدول- المطبعة الكاثوليكية. بيروت.

21-

ابن عبد ربه- العقد الفريد- دار الكتب العلمية- بيروت. ط1. 1404هـ/1983 م.

22-

قدامة بن جعفر- الخراج وصناعة الكتابة- دار الرشيد- العراق 1981 م.

23-

القزويني- آثار البلاد وأخبار العباد- دار صادر- بيروت. مهمل السنة.

24-

ابن كثير- البداية والنهاية- دار الفكر العربي- الجيزة. مهمل السنة.

25-

كي لسترنج- بلدان الخلافة الشرقية- ترجمة بشيرفرنسيس، وكوركيس عواد، مؤسسة الرسالة. ط2. 1405 هـ/ 1985م.

26-

مجهول- العيون والحدائق في أخبار الحقائق- تحقيق نبيلة عبد المنعم داود، مطبعة الإرشاد. بغداد 1973 م.

27-

المسعودي- مروج الذهب ومعادن الجوهر- دار الأندلس- بيروت ط 1. 1385هـ/1965 م.

28-

المسعودي- التنبيه والإِشراف- دار التراث- بيروت 388 1 هـ/ 1968م.

ص: 253

29-

موريس لومبارد- الجغرافيا التاريخية للعالم الإسلامي- ترجمة عبد الرحمن حميدة- دار الفكر دمشق. 1399 هـ/1979م.

30-

ياقوت الحموي- معجم البلدان- دار صادر- بيروت- 1404هـ/1984م.

31-

يحي بن سعيد- تاريخ- مطبعة الأباء اليسوعيين- بيروت 1905 م.

32-

اليعقوبي- تاريخ- دار صادر- بيروت- 1965 م.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

ياقوت- معجم البلدان- 28/4، ابن حوقل 64.

[2]

ياقوت 28/4، القزويني ص 219، قدامة بن جعفر ص 186 ابن خرداذبة- المسالك والمالك ص 253. وذكر ابن عبد العقد الفريد 7/279 أنها من الشام الخامسة، حيث قسم الشامات إلى خمس وهي غير ما نتعارف عليه اليوم:

الأولى: فلسطين، ومن مدنها غزة والرملة، وعسقلان، وبيت المقدس

الثانية: الأردن ومن مدنها طبرية، وبيسان..

الثالثة: الغوطة ومن مدنها دمشق وطرابلس الشام.

الرابعة: حمص. ومدينتها العظمى حمص.

الخامسة: قنسرين، ومن مدنها حلب وانطاكية، وطرسوس.

[3]

بلدان الخلافة الشرقية ص 169.

[4]

نفسه ص 169، انظر ابن خلكان 4/62، 5/350.

[5]

بلدان الخلافة الشرقية ص 164.

[6]

ابن حوقل ص 122.

[7]

ياقوت 4/28، بلدان الخلافة الشرقية165.

[8]

بلدان الخلافة 165

[9]

البلاذري- فتوح البلدان ص 150- 153.

[10]

فتوح البلدان ص 168، قدامة بن جعفر- الخراج ص 307.

[11]

فتوح البلدان ص 168. الكامل في التاريخ 2/ 344.

[12]

الكامل في التاريخ 2/ 344.

[13]

فتوح البلدان ص 169.

[14]

الكامل في التاريخ 2/344.

[15]

فتوح البلدان ص168.

[16]

فتوح البلدان ص 169، قدامة ص 307.

[17]

الكامل في التاريخ 3/ 44.

[18]

قدامة بن جعفر ص 307.

ص: 254

[19]

اليعقوبي: تاريخ 2/ 240.

[20]

ابن كثير- البداية والنهاية 9/ 30.

[21]

فتوح البلدان ص 169، قدامة بن جعفر ص 307.

[22]

فتوح البلدان ص 172.

[23]

الكامل في التاريخ 4/ 129.

[24]

فتوح البلدان ص 167، ووردت تقيم بدلا من تقيم. وهو خطأ.

[25]

ذكر بعض المؤرخين أن وجهة الحرب بين المسلمين والبيزنطيين قد تغيرت زمن العباسيين عما كانت عليه زمن الأمويين. وأصبحت عبارة عن غارات الغرض منها الهدم، والتخريب وإتلاف النفس والمال. وهذا يخالف ما كانت عليه الحال في أيام الأمويين الذين كانت لهم سياسة مرسومة لمحاربة البيزنطيين ابتغاء امتلاك القسطنطينية. (انظر حسن إبراهيم حسن- تاريخ الإسلام 2/242) .

وقمت ببحث هذه النقطة، ووجدت أن سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسيةلم يقلل من شأن الجهاد مع الروم البيزنطيين، وليس هناك فاصل بين سياسة الأمويين والعباسيين. والعهد العباسي امتداد للعهد الأموي، ولم تتغير سياسة الفتح، فقد فشل المسلمون زمن الأمويين في فتح القسطنطينية فاعتمدوا خطة التريث، واعتمدوا على القوى العسكرية وبناء الحصون، والأمصار الإسلامية على حدود آسيا الصغرى وفي داخلها، تمهيداً للامتداد. وقام العباسيون بمتابعة هذه الجهود، فقاموا بتثبيت الإسلام في منطقة العواصم والثغور، ومنها مدوا الإسلام إلى داخل آسيا الصغرى ومصرّوا فيها الأمصار.

وتوقف المدّ الإسلامي يعود إلى انتهاء حدة موجة الفتح الإسلامي، لأسباب ليس هنا موضعها، وبدأ المسلمون يفقدون أقاليمهم في آسيا الصغرى في العهد العباسي الثاني (248-332 هـ) ، وفي عهد التسلط البويهي على الخلفاء (334-447 هـ) ، ففقدوا معظمها، ليعود المد الإسلامي من جديد في العهد السلجوقي ليغطي آسيا الصغري كلها بعد معركة ملاذكرد (مانزكرت) عام 463 هـ/1071.

ص: 255

[26]

اليعقوبي- تاريخ 2/ 99، فتوح البلدان ص 190، قدامة ص 308، العالم الإسلامي ص 156، الإمبراطورية البيزنطية

[27]

حلية الأولياء 6/ 135.

[28]

البسوي- المعرفة والتاريخ 2/ 408.

[29]

فتوح البلدان ص 167.

[30]

الطبري 7/497، الكامل في التاريخ 5/ 486.

[31]

الطبري 92/ 321، اليعقوبي 2/ 394، الكامل في التاريخ 5/ 44.

[32]

فتوح البلدان ص 167.

[33]

فتوح البلدان ص 173، قدامة بن جعفر ص 0 32.

[34]

فتوح البلدان 167.

[35]

فتوح البلدان ص 74 ا، قدامة ص 311، الأزدي ص 262، خليفة بن الخياط ص 448، مسالك الممالك ص 64، وجعلها ياقوت بعد سنة 190هـ. (4/28) وابن الأثير جعلها سنة 170هـ الكامل 5/83، ثم عاد وذكر ذلك عام 190، 191هـ الكامل 5/127، وهذا يعني أن الروم قامت بمهاجمتها بعد تمصيرها، فأعاد الرشيد تمصيرها.

[36]

مسالك الممالك 64، العيون والحدائق 4/ 502، القزويني ص 219. فتوح البلدان ص 174.

[37]

الطبري 10/ 5، فتوح البلدان ص 194، الكامل في التاريخ 5/83.

[38]

الروض المعطار ص 38.

[39]

1لطبري 6/ 469 1لتجارية.

[40]

انظر الطبري 6/ 466 فقد كان الرشيد كثير الغزو والحج (السيوطي ص 283) يحج سنة ويغزو سنة (الخطيب البغدادي6/14) إلا سنين قليلة (الفخري صر 173) فقال الشاعر يمدحه:

فبالحرمين أو أقصى الثغور

فمن يطلب لقاءك أو يرده

طمرّ وفي أرضا البنية فوق طور

ففي أرض العدو على

[السيوطي 283، الطبري 0 1/ 99 0 ابن كثير 10/203] .

[41]

الكامل: 5/ 127.

[42]

نفسه

[43]

البداية والنهاية 10/ 206.

[44]

ابن تغري- النجوم الزاهرة- 2/ 136

[45]

سير أعلام النبلاء 13/40.

[46]

العالم الإسلامي ص 165.

[47]

فتوح البلدان ص 165/196.

ص: 256

[48]

الكامل في التاريخ 5/ 219، البداية والنهاية 10/ 269، المعارف ص ا 17.

[49]

الكامل 5/ 220، البداية والنهاية 10/ 270.

[50]

الأمبراطورية البيزنطية ص 124، وانظر خطة الفتح واضحة الطبري 8/ 645 اليعقوبي 2/ 465.

[51]

الذهبي- سير أعلام النبلاء 10/287، المعارف 171 الطبري 8/ 625، اليعقوبي 1/ 496.

[52]

سير أعلام النبلاء10 / 289، الطبري 8/ 650، الكامل 5/ 227، البداية 10/ 280، القزويني 220، الدول المنقطعة 155، تاريخ بغداد 1/68.

[53]

الكامل في التاريخ 5/ 231، الأزدي ص 415.

[54]

الأخبار الطوال ص 401.

[55]

انظر فتحى عثمان 2/ 195.

[56]

الفخري في الآداب السلطانية 204- 205.

[57]

أنظر الكامل في التاريخ 5/247-249، الأزدي ص 427، اليعقوبي 2/ 475 مروج الذهب4/ 60، الروض المعطار 32، خليفة بق خياط 477، ابن تغري 2/238 زيني دحلان 1/ 286، وذكر ابن كثير أن تيوفيل هاجم ملطية وهذا خطأ فإنه ذكر بعد ذلك بقليل "زبطرة "[البداية والنهاية 10/ 285-287] .

[58]

فتوح البلدان 176.

[59]

الطبري 11/ 19- 12، البداية 10/303، الكامل في التاريخ 5/ 275، اليعقوبي 2/217، التنبيه والإشراف ص 162.

[60]

الطبري 10/ 20.

[61]

البداية والنهاية 10/307.

[62]

نفسه 10/ 324.

[63]

الكامل 5/ 299، البداية والنهاية 10/ 346.

[64]

البداية والنهاية 1/347.

[65]

فتوح البلدان ص 167.

[66]

البداية والنهاية 11/3.

[67]

ابن تغري 3/5.

[68]

الكامل في التاريخ 6/ 15.

[69]

نفسه 6/16.

[70]

نفسه 6/18.

[71]

الكامل 6/ 25.

[72]

في الطبري يازمان، وفي الكامل بازمان.

[73]

الكامل 6/ 50.

[74]

نفسه 6/56.

[75]

الذهبي ـ سير أعلام النبلاء 12/550.

ص: 257

[76]

الكامل 6/55، البداية 11/45، وفي هذه السنة قضى على حركة خبيث الزنج.

[77]

انظر: الكامل 6/58

[78]

الكامل 6/59، البداية والنهاية11/50، ابن تغري 3/67، الطبري8/149

[79]

الذهبي ـ سير أعلام النبلاء 12/551

[80]

الكامل 6/ 62، البداية والنهاية 11/ 52 ابن تغري 3/ 71

[81]

انظر الكامل 6/78.

[82]

الطبري 8/ 153 التجارية، ابن تغري 3/ 72.

[83]

الطبري 8/ 55 1، ابن تغري 3/ 76، الكامل 6/67، البداية والنهاية 11/571.

[84]

/71، وانظر الطبري الذي ومنها بلمحة طرسوس عام 279 هـ 8/163 ـ 164

[85]

الطبري 8/ 67 1، الكامل 6 / 77،

[86]

الطبري 8/ 69 1، الكامل 6 / 78، ابن تغري 3/ 86.

[87]

الطبري 8/ 176.

[88]

الكامل في التاريخ 6/ 85.

[89]

الطبري 8/ 181، 193.

[90]

الكامل 6/ 91، البداية والنهاية 11/ 79.

[91]

الطبري 8/ 194، ابن تغري 3/ 116.

[92]

الطبري 8/ 196، ابن تغري 3/118، الكامل 6/93 (في الكامل بكنون) .

[93]

الطبري 8/ 199، الكامل 6/ 94، البداية والنهاية 11/ 83.

[94]

الطبري 8/203، الكامل 6/ 94، العبر 1/413، سير أعلام النبلاء13/ 466.

[95]

الطبري 8/ 206، الكامل في التاريخ 6/ 99.

[96]

الطبري 8/213-215، ابن تغري 3/ 29 1- 130.

[97]

الطبري 8/16، البداية والنهاية 11/ 96.

[98]

1لطبري 8/217.

[99]

1لطبري 8/ 225.

[100]

الطبري 8/232، ابن تغري 3/123، البداية 11/8، العبر 1/419، دول الإسلام 1/176، ابن العبرى ص 154.

[101]

الطبري 8/ 233، ابن تغري 3/ 13، الكامل 6/ 109، البداية 11/ 98، العبر 1/ 419، التنبيه والإشراف ص 153، سير أعلام النبلاء 13/483.

[102]

الطبري 8/ 235، الكامل 6/ 11.

ص: 258

[103]

الطبري 8/243، الكامل 6/117، البداية 11/ 102.

[104]

الطبري 8/ 248، 1لكا مل 6/ 117.

[105]

الطبري 8/ 250، الكامل 6/ 120، البداية 11/103، ابن تغري 3/ 162.

[106]

الطبري 8/ 252، الكامل 6/ 135، البداية 11/108

[107]

الطبري 8/ 253، 1لكا مل 6/ 135.

[108]

يذكر ابن كثير أن اسمه (يونس الخادم) وهذا خطأ [البداية 11/ 110] .

[109]

البداية والنهاية 11/112

[110]

الطبري 8/ 254، الكامل 6/ 140.

[111]

الكامل في التاريخ 6/143

[112]

الطبري 8/257، الكامل6/150، البداية والنهاية 11/ 122.

[113]

الطبري 8/ 248، الكامل 6/ 148.

[114]

الكامل 6/ 152ابن عريب ص39.

[115]

الكامل 6/157.

[116]

ابن عريب 45، الكامل 6/158، ابن تغري 3/192، البداية 11/127، حول الإسلام 1/ 185

[117]

الكامل 6/ 158.

[118]

نفسه 6/161

[119]

سير أعلام النبلاء 15/50.

[120]

الكامل 6/ 172.

[121]

البداية والنهاية 11/ 145.

[122]

البداية والنهاية 11/ 145.

[123]

ابن تغري 3/215، دول الإسلام 1/190، دحلان 1/330، البداية والنهاية 11/531، العبر 1/468.

[124]

الكامل 6/ 185، البداية 11/153.

[125]

البداية 11/ 155، العبر 1/ 469، دول الإسلام 1/ 190.

[126]

الكامل 6/ 189.

[127]

البداية 11/155.

[128]

نفسه 11/ 160، السيوطي 384

[129]

الكامل 6/ 199.

[130]

الكامل 6/207، البداية 11/163.

[131]

الكامل 6/316-317، البداية 11/166، في حين ذكر الذهبي أن والي طرسوس هزم الروم، ثم هزموه عام 319 هـ سير أعلام النبلاء 15/54.

[132]

البداية والنهاية 11/177.

[133]

تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 392.

[134]

السيوطي- تاريخ الخلفاء392.

ص: 259

[135]

العيون والحدائق 4 ق 2/ 68.

[136]

الكامل 6/268، ابن تغري 3/ 262- 263،

[137]

الكامل 6/ 288، البداية 11/203

[138]

الكامل 6/ 294، السيوطي- تاريخ الخلفاء 395.

[139]

الحياري- نهاية الثغور الشامية- مجلة مجمع اللغة العربية الأردني العدد اا-12 ص 23.

[140]

ابن تغري 3/ 294.

[141]

الكامل في التاريخ 6/ 324.

[142]

الكامل 6/341، البداية 11/ 250، ابن تغري 3/297، دول الإسلام 1/210، العبر 1/51

[143]

ابن تغري 3/303.

[144]

الكامل 6/ 334، البداية 11/223.

[145]

الذهبي دول الإسلام 1/210.

[146]

ابن تغري 3/ 305.

[147]

الكامل 6/ 342، البداية 11/ 225، أبو الفداء 3/ 125، حول الإسلام 1/ 212.

[148]

العيون والحدائق 4 ق 2/ 195، العبر 2/ 262.

[149]

البداية 11/227

[150]

الكامل 6/ 346، ابن تغري 3/ 311، البداية 11/ 227، 228.

[151]

الكامل 6/ 350، دول الإسلام 1/213، العبر 2/ 69، البداية 11/ 230.

[152]

ابن تغري 3/ 319، العبر 2/ 75.

[153]

ابن تغري 3/322، دول الإسلام 1/ 215، البداية 11/ 234.

[154]

1لعبر 2/78.

[155]

العبر 2/143، البداية 11/303.

[156]

الموجز في تاريخ الدول العربية وعهودها في بلادنا فلسطين ص 298.

[157]

ابن تغري 3/ 324.

[158]

الكامل 6/ 358.

[159]

نفسه 6/ 360.

[160]

العيون والحدائق 4 ق 2/ 24، ابن تغري 3/ 327.

[161]

البداية والنهاية 11/ 241، الكامل 7/5.

[162]

الكامل 7/ 5، ابن تغري 3/333، البداية 11/241.

[163]

العيون والحدائق 2 ق 2/218، حول الإسلام 1/217، في حين ذكر ابن الأثير سقوطها عام 351 هـ/ الكامل 7/ 2.

[164]

أخبار الدول المنقطعة ص 248.

ص: 260

[165]

العيون والحدائق 4 ق 2/ 218، ابن تغري 3/ 332.

[166]

تجارب الأمم وانظر دول الإسلام 1/217، ابن تغري 3/ 132.

[167]

ج 4 ق 218/2-233.

[168]

هذا الوصف لصعب العيون والحدائق ج 4 ق 2/218-223. وانظر تجارب الأمم 2/191، والكامل 7/ 2-3.

[169]

العيون والحدائق ص 223.

[170]

الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب ص 183.

[171]

زبدة الحلب 1/ 142، تاريخ يحي بن سعيد ص 121- 122، البداية والنهاية 11/ 255، الكامل في التاريخ 7/13.

[172]

الكامل 7/3.

[173]

البداية والنهاية 11/ 239، ابن تغري 3/ 332.

[174]

ابن تغري 3/332، دول الإسلام 1/217، العبر 2/87.

[175]

زبدة الحلب 391.

[176]

الكامل 7/ 705، البداية 11/ 241، ابن تغري 3/ 335- 336.

[177]

ابن تغري 3/ 335.

[178]

الكامل 7/ 7، المنتظم لابن الجوزي حوادث 352 هـ.

[179]

الكامل 7/ 7.

[180]

الكامل 7/9-11، البداية 11/253، زبدة الحلب 1/ 141 ابن تغري 3/337، تاريخ يحي بن سعيد ص 122.

[181]

مسكويه- تجارب الأمم 2/ 210، السيوطي- تاريخ الخلفاء ص ا 40.

[182]

البداية 11/253.

[183]

البداية 11/ 255، الكامل 7/13.

[184]

البداية 11/ 255، الكامل 7/ 14، تجارب الأمم 208- 210.

[185]

ياقوت- معجم البلدان 4/468.

[186]

تجارب الأمم 2/ 211، تاريخ يحي بن سعيد 123.

[187]

تجارب الأمم 2/ 213.

[188]

ياقوت- معجم البلدان 4/ 28، الكامل 7/ 13- 4 1.

[189]

زبدة الحلب ص 133.

[190]

معجم البلدان 4/ 29.

[191]

البداية والنهاية 11/ 255.

[192]

الكامل 7/13-14، البداية 11/ 255.

[193]

الكامل 7/ 36، 0 2. تجارب الأمم 2/212.

[194]

الكامل 7/ 37.

[195]

البداية 11/ 260.

[196]

الكامل 9/ 119.

ص: 261

[197]

سير أعلام النبلاء 11/210، 211، 311

[198]

نفسه 13/255.

[199]

تاريخ بغداد 5/ 311.

[200]

نفسه 5/416.

[201]

نفسه 5/452

[202]

سير أعلام النبلاء 14/ 130.

[203]

سير أعلام النبلاء 12/ 361 تاريخ بغداد 8/ 485، 486.

[204]

نفسه 15/456.

[205]

نفسه 17/ 415، 13/ 91، 92، 1/ 395، 396، ياقوت- معجم البلدان 4/ 29

[206]

نفسه 16/151، 156

[207]

تاريخ بغداد 12/ 590.

[208]

سير أعلام النبلاء10/653، 654.

[209]

نفسحه 9/ 79.

[210]

تاريخ بغداد 3/ 26.

[211]

نفسه 11/108

[212]

سير أعلام النبلاء 13/ 245.

[213]

تاريخ بغداد 11/235.

[214]

نفسه 11/215

[215]

نفسه 4 1/228.

[216]

نفسه 6/55.

[217]

نفسه 6/214، 7/319.

[218]

نفسه 7/170.

[219]

تاريخ بغداد 7/ 170.

[220]

نفسه 9/165.

[221]

تاريخ بغداد 8/ 171، سير أعلام النبلاء5 1/369.

[222]

نفسه 1/375.

[223]

نفسه 3/310، العبر 1/354.

[224]

تاريخ بغداد 4/206

[225]

نفسه 4/426

[226]

نفسه 13/100

[227]

نفسه 2/ 4، سير أعلام النبلاء10/ 694.

[228]

سير أعلام النبلاء 15/372، تاريخ بغداد 1/353، ابن خلكان ا/ 68، 8/7 30.

[229]

سير أعلام النبلاء 7/ 389

[230]

سير أعلام النبلاء 8/ 386،408، 412، تاريخ بغداد 4/ 6 1 4.

[231]

يشر إلى الحديث الذي أخرجه أحمد 2/ 256، 242، 441، والنسائي، والحاكم، والبيهقي "لا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في جوف عبد أبداً ""ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً"سير أعلام النبلاء- الحاشية 8/ 412.

[232]

سير أعلام النبلاء 8/417.

[233]

نفسه 10/571، العبر 1/317.

[234]

نفسه 9/145.

ص: 262

[235]

تاريخ بغداد 1/320.

[236]

تاريخ بغداد 9/217.

[237]

نفسه 4/172.

[238]

نفسه 4/427.

[239]

نفسه 5/23.

[240]

سير أعلام النبلاء 16/23.

[241]

نفسه 16/296.

[242]

نفسه 11/8

[243]

نفسه 13/166.

[244]

نفسه 15/251.

[245]

ابن خلكان 2/143، تاريخ بغداد 8/ 122- 123.

[246]

ابن خلكان 3/ 476.

[247]

نفسه 6/165.

[248]

ابن خلكان 4/ 61، 62، سير أعلام النبلاء10/ 492، 501، تاريخ بغداد 412/413.

[249]

تاريخ بغداد 12/ 415.

[250]

نفسه 9/318

[251]

نفسه 1/33، سير أعلام النبلاء0 1/ 36 1.

[252]

انظر تاريخ بغداد 1/ 47، المدور- حضارة الإسلام في دار السلام ص 22، حسن إبراهيم- تاريخ الإسلام 2/ 435، المسالك والممالك

ص: 263

الكشف عن

صاحب "البسيط "في النحو

للدكتور حسن موسى الشاعر

أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية

يتردد كثيراً في مصنفات أبي حيان الأندلسي، ومن جاء بعده من النحاة ذكر "صاحب البسيط" في النحو، والنقل عن كتاب "البسيط". فتراهم يقولون:"قال صاحب البسيط" أو "وفي البسيط"، من غير أن يبينّ كثير من هؤلاء المصنفين من هو صاحب البسيط، أو يكشف النقاب عن مؤلف كتاب البسيط هذا، مما أوقع عدداً من المحققين المعاصرين في الوهم والخطأ.

فرأيت أن أعدّ بحثاً مفصّلاً عن صاحب البسيط، لعلّي بذلك أميط اللثام عن هذا الغموض الذي اكتنفه.

الكتب المصنفة في النحو بعنوان "البسيط":

1-

البسيط في شرح جمل الزجاجي، تأليف: ابن أبي الرّبيع عُبيد الله بن أحمد بن عبيد الله القرشي الإِشبيلي (599- 688 هـ) . وقد قام بتحقيق السفر الأول منه الأخ الدكتور عياد الثبيتي، ونال به درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى عام 1402 هـ.

وليس هذا الكتاب هو كتاب البسيط المراد بهذا البحث، فالآراء فيه تختلف عن النقول الواردة في كتاب البسيط مجال البحث، بل لم يذكر أحد من المحققين أنه هو المقصود بكتاب البسيط، أو أن مؤلفه هو صاحب البسيط.

2-

البسيط في شرح الكافية لابن الحاجب: قال حاجي خليفة في كشف الظنون [1] : وصنف السيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي الحسيني ثلاثة شروح على الكافية؛ كبير وهو المسمىّ بالبسيط، ومتوسط وهو المسمى بالوافيه وهو المتداولة، وصغير. توفي سنة 717 هـ.

ص: 264

وهذا الكتاب هو الذي وهم فيه كثير من المحققين المعاصرين، فظنوا- خطأ- كتاب البسيط المشار إليه آنفا، وجعلوا مصنفه وهو ركن الدين الاستراباذي، صاحب البسيط في النحو. ومما يدفع هذا الوهم أن كتاب البسيط لركن الدين الاستراباذي معروف، والحصول عليه متيسّر، وقد سجّل رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر [2] .

ومن هذا الشرح نسخ خطية في عدد من المكتبات، ومنه نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة في مجلد كتب عليه: الشرح الكبير على الكافية لصاحب الوافية السيد ركن الدين. برقم 134/ 415 كتبت عام 718 هـ.

ومن الشرح نشخ خطية في عدد من المكتبات، ومنه نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة في مجلد كُتبَ عليه:(الشرح الكبير على الكافية لصاحب الوافية السيد ركن الدين) ، برقم 134/415، كتبت عام 718هـ.

فكتاب البسيط في شرح الكافية، أو الشرح الكبير للكافية للاستراباذي يختلف ما فيه عمّا نقل عن كتاب البسيط، أو عن صاحب البسيط في النحو، فهو غيره قطعاً.

3-

البسيط في النحو، تأليف: ضياء الدين بن العِلْج. وقد ذكر المحققون القدامى أنه هو صاحب البسيط المذكور. وسيأتي له مزيد من التفصيل.

أوهام المحققين المعاصرين في نسبة "البسيط "إلى ركن الدين الاستراباذي:

ا- أوّل من رأيته وقع في هذا الوهم الأستاذ الفاضل محمد أبو الفضل إبراهيم في تحقيقه لكتاب "البرهان في علوم القرآن"للإمام الزركشي المتوفى سنة 794 هـ.

فقد نقل الإمام الزركشي عن كتاب البسيط في سبعة مواضع من كتابه [3] . ولم يبينّ من صاحب البسيط!؟.

قال الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم معرّفاً بصاحب البسيط [4] : هو السيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي المتوفى سنة 717 هـ، والبسيط أحد شروحه الثلاثة على كتاب الكافية في النحو للشيخ جمال الدين عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب، والمتوفى سنة 646 هـ.

ص: 265

وأحال الأستاذ المحقق في ذلك على كشف الظنون، وكرّر هذا الكلام مختصراً في موضعين آخرين من التحقيق [5] .

2-

الدكتور عبد العال سالم مكرّم في تحقيقه لكتاب "همع الهوامع"للسيوطي (المتوفى سنة 911 هـ) . والإمام السيوطي ينقل عن كتاب البسيط في أكثر من خمسين موضعاً من كتابه "همع الهوامع"[6] ، ولم يذكر من هو صاحب البسيط.

وقد وهم الدكتور عبد العال سالم في تحقيقه إذ قال [7] : البسيط لركن الدين حسن ابن محمد الاستراباذي (المتوفى سنة 717 هـ) .

3-

الأستاذ عبد السلام هارون في تحقيقه لكتاب "خزانة الأدب"لعبد القادر البغدادي المتوفى سنة (1093 هـ) . والبغدادي نقل عن البسيط في ثلاثة مواضع من الخزانة [8] .

وقد سكت الأستاذ عبد السلام هارون عن بيان الموضع الأوّل ولم يعلّق عليه بشيء، ولكنه في الموضعين الآخرين نسب الكتاب إلى ركن الدين الاستراباذي، فقال [9] : البسيط هو الشرح الكبير للكافية، لركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي الحسني المتوفى سنة 717 هـ.

4 -

الأستاذ عبد العزيز رباح وزميله الأستاذ أحمد يوسف دقّاق محّققا كتاب "شرح أبيات مغني اللبيب"لعبد القادر البغدادي. وقد ورد ذكر صاحب البسيط في موضع واحد من هذا الكتاب [10] ، ولم يعلق عليه المحققان. ولكنهما أشارا في الفهارس، في فهرس أسماء الكتب التي ذكرها المصنف، عند ذكر شروح الكافية [11] : البسيط لركن الدين حسن ابن محمد الاسزاباذي، كما في الكشف.

5-

الدكتور عباس مصطفى الصالحي محقق كتاب "تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد"لابن هشام الأنصاري (المتوفى سنة 761 هـ) . وقد ورد ذكر البسيط مرة واحدة في الكتاب، فعلّق عليه المحقق في الحاشية بقوله [12] : لعل المقصود بالبسيط أحد شروح الكافية، فقد ورد في كشف الظنون (2/ 1370) ما نصّه: وصنّف السيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي ثلاثة شروح على الكافية، كبير وهو المسمى بالبسيط.

ص: 266

6-

الدكتور عبد العال سالم مكرّم في تحقيقه لكتاب "الأشباه والنظائر"للسيوطي، وقف موقفاً عجيبا في نسبة كتاب البسيط، ففي فهرس المصادر التي اعتمد عليها السيوطي جعل المحقق كتاب البسيط كتابين [13]، فقال: البسيط لركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي، وأحال إليه في أكثر من ثمانين موضعاً، وذلك في الأجزاء الثلاثة الأولى من التحقيق. ثم قال: البسيط لضياء الدين بن العلج، وأحال إليه في نحو خمسة وعشرين موضعاً، وذلك في الجزء الرابع من الكتاب.

والصحيح أن كتاب "البسيط"المذكور في الأشباه والنظائر كتاب واحد، ولكن سبب هذا الخلط، أن الأستاذ المحقق كان يظن كما ظن في تحقيقه لكتاب همع الهوامع، أن صاحب البسيط هو ركن الدين الاستراباذي، واستمر لديه هذا الظن في الأجزاء الثلاثة الأولى من تحقيقه لكتاب الأشباه والنظائر، حتى فوجئ في بداية الجزء الرابع بقول السيوطي [14] : وممّن ذهب إلى الترادف ضياء الدين بن العلج، صاحب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.

فماذا يصنع الأستاذ المحقق أمام هذا النصّ؟ لعله رأى أن من الأسلم له أن يجعل كتاب البسيط كتابين، والمصنّف مصنّفين، دفعاً للتعارض القائم في نظره!! وإن كان الأوْلى به أن يصحح معلوماته، ويرجع إلى الحق، ويلتزم بما قاله السيوطي.

هذا.. وهناك كتاب كبير في التفسير اسمه "البسيط"للإمام عليّ بن أحمد الواحدي (المتوفى سنة 468 هـ) . قال في ترجمته القفطي [15] : وصنّف التفسير الكبير وسماه "البسيط"وأكثر فيه من الإعراب والشواهد واللغة، ومن رآه علم مقدار مَا عنده من علم العربية.

ص: 267

ولم أجد أحداً خلط بين كتاب "البسيط"في النحو، وكتاب "البسيط"في التفسير للواحدي، خلافاً لما ذكره الدكتور النماس محقق كتاب الارتشاف، إذ قال [16] : والكثير يخلط بين كتاب البسيط في النحو السابق الذكر، وكتاب البسيط في التفسير لعليّ بن أحمد الواحدي. ولم يُقدّم لنا الأستاذ المحقق مثالاً واحداً على هذا الخلط.

صاحب "البسيط"في النحو:

لا تسعفنا المصادر التي بين أيدينا إلا بنتف يسيرة، أو شذرات متناثرة عن صاحب البسيط في النحو، على الرغم من الآراء الكثيرة التي، نقلت عنه. وهذا من الأسباب التي أدت بعدد من المحققين المعاصرين إلى الخلط في الكشف عن شخصيته.

ولعل أبا حيان النحوي هو المصدر الأساسي للتعريف بصاحب البسيط وآرائه النحوية، فلا نكاد نجد أثراً لصاحب البسيط فيما قبل مصنفات أبي حيان.

وقد ظفرت بنصّ مهم يعدّ أوفى ما وجدته في التعريف بصاحب البسيط، وذلك في تفسير البحر المحيط لأبي حيان، عند قوله تعالى:{سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [17] .

قال أبو حيان [18] : وقال بعض أصحابنا، وهو الإِمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عليّ الإشبيلي، ويعرف بابن العلْج، وكان ممنّ أقام باليمن، وصنّف بها، قال في كتابه البسيط في النحو

وتبينّ من كلام هذا الإمام أنه لا يجوز أن تكون الجملة بدلا من المفرد.

كما وجدت ترجمة موجزة لصاحب البسيط في طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة (المتوفى سنة 851 هـ) إذ قال [19] : "محمد أبو عبد الله ضياء الدين بن العلْج، بكسر العين المهملة وسكون اللام، ثم جيم، مؤلف كتاب البسيط في النحو، ذكره الشيخ أثير الدين أبو حيان في شرح التسهيل، ونقل عنه في كتاب البسيط كثيراً. قال: كان قد سكن اليمن، وصنّفَ بها. ومما حكى عنه منع إبدال الجملة من المفرد، وقد جوّزه ابن جنى وأجازه ابن مالك رحمه الله".

ص: 268

ويبدو أن الإمام السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ) لم يطَّلع على النصّ السابق من البحر المحيط، أو على هذه الترجمة لصاحب البسيط، وقد صرّح بذلك في بغية الوعاة إذ قال [20] : صاحب البسيط ضياء الدين بن العلج، أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه، ولم أقف له على ترجمة.

وأشار إليه السيوطي أيضاً في الأشباه والنظائر بقوله [21] : وممنّ ذهب إلى الترادف ضياء الدين بن العلج، صاحب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.

موطن صاحب البسيط وعصره:

عرفنا أن صاحب البسيط هو محمد بن عليّ الإشبيلي، المعروف بابن العلْج. ويفهم من ذلك أن موطنه الأصلى مدينة إشبيلية في الأندلس، وأنه ولد ونشأ بها، وتلقى فيها العلم على علماء عصره..

وقد وصف ياقوت مدينة إشبيلية بأنها مدينة كبيرة عظيمة، تقع غربي قرطبة، بينهما ثلاثون فرسخاً، يطلّ عليها جبل الشرف، وهو جبل كثير الشجر والزيتون وسائر الفواكه.. وهي على شاطىء نهر عظيم، قريب في العظم من دجلة أو النيل، تسير فيه المراكب المثقلة، يقال له وادي الكبير، وينسب إليها خلق كثير من أهل العلم [22] .

وقد سقطت مدينة إشبيلية بيد النصارى عام 646 هـ بعد أعمال حربية لعدة سنوات، وحصار طويل، استمر نحو سنة ونصف، فاضطرت المدينة إلى التسليم بالشروط ورحيل المسلمين عنها، فغادرها من أهلها ما يقدّر بأربعمائة ألف، قصدوا مدن الأندلس الأخرى والمغرب.. [23] .

ص: 269

هذا عن موطنه الأصلي، ولكن ما العصر الذي عاش فيه صاحب البسيط؟ لم أجد إشارة ممنّ كتب عن صاحب البسيط تذكر سنة ولادته أو وفاته، إلا خبراً مهمّا ينصّ على أن صاحب البسيط كان من تلاميذ الأستاذ أبي عليّ الشلوبين (المتوفى سنة 645 هـ) . قال ابن مكتوم [24] (المتوفى سنة 749 هـ) : "وقد تخرج بالأستاذ أبي عليّ الشلوبين رحمه الله، ومهر بين يديه نحو أربعين رجلاً كأبي الحسن بن عصفور، وأبي الحسن بن أبي الربيع، وأبي عبيد الله بن أبي الفضل، وأبي عبد الله بن العلج، وأبي الحسن بن الضَّائع، وأبي الحسن الأبذي، وأبي عليّ بن أبي الأحوص، وأبي جعفر اللبلي، وابن يللجنت، وأبي القاسم الصفار، وأبي العباس بن الحاج، وغيرهم. وكلّهم أئمة كبار مصنفون في علم العربية وغيره، قد طبقوا بعلمه الآفاق، وملأوا بفوائده وفرائده الأوراق

"

فهذا النصّ إشارة واضحة إلى أن ابن العلْج كان من طبقة بن عصفور (المتوفى سنة 669 هـ) وغيره من تلامذة الأستاذ أبي عليّ الشلوبين.

قال الغبريني [25] : كان الشلوبين أستاذاً بارعاً تخرَّج على يديه جماعة كثيرة من أهل العلم، قيل: وكل من قرأ على أبي عليّ الشلوبين ببلده نجب.

وقد توفى الشلوبين ببلده إشبيلية في سنة 646 هـ، قبل استيلاء العدوّ عليها بقليل [26] .

فابن العلج إذاً من نحاة الأندلسي في القرن السابع الهجري، ولكن يبدو أنه غادر موطنه بسبب حملات النصارى على الأندلس، ولا ندري متى غادر الأندلس، ولا المدن التي مرّ بها، حتى وصل اليمن وسكن بها، وصنف.

وأقدّر أن صاحب البسيط توفى باليمن في الثلث الأخير من القرن السابع الهجري، وهو الزمن الذي توفى فيه كثير من تلامذة الشلوبين.

تعريف موجز بصاحب البسيط:

ومما سبق يمكن استخلاص المعلومات التالية عن صاحب البسيط في النحو:

اسمه: محمد بن عليّ الإِشبيلي، ويعرف بابن العِلْج.

كنيته: أبو عبد الله.

ص: 270

لقبه: ضياء الدين.

موطنه: مدينة إشبيلية في الأندلس، ولد ونشأ بها، وتلقى العلم على أبي عليّ الشلوبين. لكنه غادر الأندلس متوجهاً إلى المشرق حتى وصل اليمن، وسكن بها وصنّف.

عصره: هو من نحاة القرن السابع الهجري، لأنه من طبقة ابن عصفور وغيره من تلاميذ الشلوبين.

أشهر مصنفاته: كتاب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.

شهرته:

لماذا عرُف صاحب البسيط بابن العِلجْ؟ لم أجد أحداً ذكر سبباً لذلك. فما معنى العِلجْ؟

قال في القاموس مادة علج: العِلْج بالكسر العيَرْ، وحمار الوحش السمين القوي، والرغيف الغليظ الحرف، والرجل من كفار العجم.

وفي المصباح المنير: العِلجْ: "حمار الوحش الغليظ، ورجل عِلْج شديد والرجل الضخم من كفار العجم

"قال أبو زيد: "يقال استعلج الرجل إذا خرجت لحيته، وكل ذي لحية عِلْج، ولا يقال للأمرد عِلْج".

أقول: ولعلّه عرف بابن العِلْج لأن والده كان غليظاً شديداً.

وهم في كنية صاحب البسيط:

عرفنا أن صاحب البسيط يكنى أبا عبد الله، وقد عجبت للدكتور النماس كيف جعل كنية صاحب البسيط أبا البقاء، وذلك في تحقيقه "ارتشاف الضرَّب"لأبي حيان، عند قول أبي حيان: "وقال أبو البقاء وصاحب البسيط

"فجعل المحقق النصّ هكذا "وقال أبو البقاء صاحب البسيط" [27] ثم أكدّ ذلك في الحاشية معرّفا بصاحب البسيط فقال: "هو أبو البقاء ضياء الدين بن العلج". فوقع الشكّ في نفسي، وفزعت إلى النسخة المخطوطة التي لدي من ارتشاف الضرَّب، وهي النسخة التي جعلها المحقق أصلاً في تحقيقه للكتاب فوجدت النصّ واضحاً في المخطوطة، والتحريف بيّناً في التحقيق، وذلك أن الناسخ كتب النص هكذا "وقال أبو البقا وصاحب البسيط"، فجاء الأستاذ المحقق وجعل الواو همزة، ثم أكدّ هذا الخطأ في التعليق عليه في الحاشية.

ص: 271

والحق أن الأستاذ المحقّق عاد وصحّح هذه الكنية في قسم الفهارس آخر الكتاب، حيث قال [28] : ابن العلج أبو عبد الله محمد ضياء الدين بن العلج. ولكنه لم ينبّه على التحريف المذكور.

منزلته العلمية:

صاحب البسيط في النحو عالم كبير، وإمام متبحّر في علم النحو، وهذه النقول الكثيرة عن كتابه "البسيط"تدل على علوّ كعبه في هذا الفن، وشدّة تمكنه من هذا العلم. ويكفى للدلالة على ذلك أنه من تلاميذ الأستاذ أبي عليّ الشلوبين، وقد قيل: كل من قرأ على أبي الشلوبين ببلده نجب [29]

وقال ابن مكتوم القيسى: "وقد تخرج بالأستاذ أبي عليّ الشلوبين رحمه الله، ومهر بين يديه نحو أربعين رجلاً كأبي الحسن بن عصفور وأبي الحسين بن أبي الربيع وأبي عبد الله بن العلج

وغيرهم".

ثم قال: "وكلهم أئمة كبار مصنفون في علم العربية وغيره، قد طبقوا بعلمه الآفاق، وملأوا بفوائده وفرائده الأوراق

" [30] .

وقد وصفه أبو حيان بالإمامة والعلم فقال: "وقال بعض أصحابنا، وهو الإمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عليّ الأشبيلي ويعرف بابن العلج

" [31]

وهذه شهادة تقدير واعتراف من أبي حيان لهذا العالم الكبير. ووصف السيوطي كتاب "البسيط"في النحو بأنه كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات [32] .

وقد أشار إلى كتاب البسيط هذا، ونقل عنه عدد كبير من العلماء بدءاً بأبي حيان، حتى قال السيوطي عن صاحب البسيط:"أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه"[33] .

أشهر المصنفين الذين نقلوا عن صاحب البسيط:

1-

أبو حيان النحوي الأندلسي (المتوفى سنة 745 هـ) :

تعدّ مصنفات أبي حيان المصادر الأساسية للتعريف بصاحب البسيط وآرائه النحوية.

قال السيوطي [34] : صاحب البسيط ضياء الدين بن العلْج، أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه.

ص: 272

ويبدو لي أن صاحب البسيط لم يكن من شيوخ أبي حيان، إذ لم يذكر ضمن شيوخه فضلاً عن أن أبا حيان كان كثيراً ما ينصّ على شيوخه في مصنفاته، ومن ذلك قوله:"وزعم ابن عصفور وشيخنا أبو الحسن الأبذي"[35]، وقوله:"وقال شيخنا الأستاذ أبو الحسن بن الضائع"[36] . وانظر إليه كيف يميز بين شيوخه وغيرهم إذ يقول: "هكذا قال أصحابنا ابن عصفور وشيخانا الأبذي وابن الضائع"[37] .

وقد لاحظت أن أبا حيان عندما يقول "وقال أصحابنا" فإنما يقصد بهم الأندلسيين، وقد تكرّر ذلك في مصنفاته، وهذا منه دقة في التعبير.

ومن ذلك قوله: "ولم ينازع في هذا من متأخري أصحابنا إلا أبو العباس بن الحاج، وهو من تلاميذ الأستاذ أبي عليّ الشلوبين ونبهائهم

" [38] .

وقو له: "ذهب ابن عصفور وابن مالك من أصحابنا

" [39] .

وقا ل في البحر المحيط عن صاحب البسيط: "وقال بعض أصحابنا، وهو الإمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عليّ الأشبيلي، ويعرف بابن العلج

" [40] .

وفي شرح التسهيل المسمى التذييل والتكميل ينقل أبو حيان كثيراً عن صاحب البسيط، فيقول: وفي البسيط [41]

وأحيانا يذكر اسم مصنفه، كقوله: وقال ضياء الدين أبو عبد الله ابن العلج

[42] .

وفي ارتشاف الضرَّب نقل أبو حيان عن صاحب البسيط في أكثر من تسعين موضعاً بأشكال مختلفة: فالأكثر أن يقول: "وفي البسيط

" [43] .

وكثيراً ما يذكره بقوله: "صاحب البسيط

" [44] .

ويقرنه أحياناً بغيره من العلماء، كقوله:"ابن عصفور وصاحب البسيط "[45] . أو "قال ابن مالك وصاحب البسيط"[46] . أو "ووهم ابن مالك وصاحب البسيط "[47] . أو "وهو اختيار صاحب البسيط وابن مالك"[48] . أو قوله: "وهو قول الأستاذ أبي عليّ الشلوبين وتبعه صاحب البسيط"[49] .

ومن ذلك أيضاً قوله: "وذهب الأعلم وابن خروف وصاحب البسيط"[50] .

ص: 273

وقوله: "وزعم الأستاذ أبو عليّ وابن عصفور وصاحب البسيط وابن مالك"[51] .

ولم أجد أبا حيان في الارتشاف ذكر "ابن العلْج" باللفظ إلا مرة واحدة، بقوله "نصّ على ذلك الفارسي والزجاجي وابن خروف وابن العلْج وابن مالك وابن أبي الربيع وابن عصفور"[52] .

وقد لاحظت أن أبا حيّان ينقل كلام صاحب البسيط بنصّه غالباً، ثم يتبعه بقوله "انتهى".

ولكن كان أبو حيان يذكر أحياناً كلام صاحب البسيط باختصار، كقوله:"وهذا مختصر من البسيط"[53] . وقوله: "وفي البسيط ما ملخصه.."[54] . أو قوله: "وفي البسيط

"انتهى ملخّصاً [55] .

وأبو حيان في الغالب ينقل كلام صاحب البسيط من غير أن يعلّق عليه، ولكنه أحياناً يصفه بالوهم كقوله:"ووهم صاحب البسيط"[56]، وقوله:"ووهم ابن مالك وصاحب البسيط"[57] .

بل قد يخطئه ويردّ عليه، ومن ذلك قوله: "وفي البسيط: إن توسعت في الظرف لم تجز إضافته، لأنه اسم حينئذٍ، والأسماء لا تضاف إلى الجمل. انتهى. وليس بصحيح، بل قد اتسع فيها، وأضيفت

" [58] .

2-

ابن أُم قاسم المرادي المتوفى سنة 749 هـ:

أشار المرادي إلى صاحب البسيط خمس مرات في كتابه الجنى الداني: من غير أن يذكر اسمه. فأحياناً يقول: "ذكر في البسيط"[59] . أو "حكاه في البسيط"[60] . وأحياناً أخرى يقول: "صاحب البسيط"[61] .

قال في مبحث رُبّ [62] : اختلف النحويون في معنى ربّ على أقوال: الأول أنها للتقليل، وهو مذهب أكثر النحويين، ونسبه صاحب البسيط إلى سيبويه.

وفي شرح الألفية المسمى "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك"ذكر المرادي صاحب البسيط في نحو عشرة مواضع [63] ، ولم يعرّف به ولا مرة، وكذلك سكت المحقق عن التعريف به.

وقد ذكر المرادي ابن العلْج غير مقرون بكتابه البسيط حيث قال [64] : "قال ابن العلج: وأما الرفع بعد "كذا"فخطأ لأَنه لم يسمع".

ص: 274

3-

ابن هشام الأنصاري المتوفى سنة 761 هـ:

ذكر ابن هشام صاحب البسيط مرة في المغني في مبحث "لكنّ "[65] ، ومرّة في كتابه تخليص الشواهد [66] . من غير أن يعرّف به.

4-

ابن عقيل المتوفى سنة 769 هـ:

صرّح ابن عقيل في شرح الألفية مرتين بذكر البسيط وصاحبه ضياء الدين بن العلج، في المرّة الأولى عند قول الناظم:

وفعل أمرٍ ومضيٍّ بُنيا

قال ابن عقيل [67] : ونقل ضياء الدين بن العلج في البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الإعراب أصل في الأفعال فرع في الأسماء.

وفي المرة الثانية في باب إعمال المصدر [68] .

أما في كتابه المساعد على تسهيل الفوائد فقد أكثر ابن عقيل من النقل عن البسيط وصاحبه في أكثر من ستين موضعاً بأشكال مختلفة.

فأحياناً يقول [69] : "في البسيط"وأحياناً يقول [70] : "ونقل ابن العلج". أو "وحكى ابن العلج".

وأحياناً يقول [71] : "ابن العلج في البسيط"أو "الضياء في البسيط".

5-

جمال الدين الأسنوي (المتوفى سنة 773 هـ) :

الإمام الأسنوي في كتابه "الكوكب الدرّي"قال [72] : "ونقل صاحب البسيط عن سيبويه أن "ما"في قول القائل: كلما تأتيني أكرمتك، مصدرية ظرفية.."

6-

بدر الدين الزركشي (المتوفى سنة 794 هـ) :

الإمام الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن"نقل عن صاحب البسيط في ثمانية مواضع [73] ، من غير أن يذكر اسمه.

7 -

الشيخ خالد الأزهري (المتوفى سنة 905 هـ) :

الشيخ خالد الأزهري في كتابه "التصريح على التوضيح"نقل في عدد من المواضع عن صاحب البسيط، أحيانًا يقول "وفي البسيط "[74] ، وأحيانًا يذكر "ابن العلج"[75] أو "ابن العلج في البسيط"[76] .

8 جلال الدين السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ) :

أكثر الإِمام السيوطِي من النقل عن صاحب البسيط. ففي كتابه "همع الهوامع"نقل عنه في نحو ستين موضعا [77] ، من غير أن يعرّف به.

ص: 275

وفي "الأشباه والنظائر"نقل السيوطي عن البسيط في أكثر من مائة موضع [78] . وعرّف بصاحبه مرة واحدة بقوله [79] : وممنّ ذهب إلى الترادف ضياء الدين بن العلج، صاحب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.

9-

عبد القادر البغدادي (المتوفى سنة 1093 هـ) :

نقل البغدادي عن صاحب البسيط في ثلاثة مواضع من خزانة الأدب [80] ، وفي موضع واحد من كتابه شرح أبيات مغني اللبيب [81] . ولم يبين البغدادي من صاحب البسيط!؟.

10 الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة المتوفى (سنة 1404 هـ) :

ذكر أستاذنا المرحوم الشيخ عضيمة في ثلاثة مواضع من كتابه دراسات لأسلوب القرآن الكريم [82] عن ضياء الدين بن العلج أنه لا يجوز أن تكون الجملة بدلا من المفرد، وذلك نقلاً عن البحر المحيط لأبي حيان. وقد تقدمت المسألة.

المنهج النحوي لصاحب البسيط:

إن الباحث المدقق في هذه النقول الكثيرة عن صاحب البسيط يجد نفسه أمام عِلْم ناضج وفكِر عميق، استوعب أراء السابقين من النحاة، ووازن بينها، ثم أخذ يرجّح ويختار، ويقوّي رأياَ ويردّ آخر، من غير تعصب لمذهب أو لعالم.

وليس صاحب البسيط بدْعاً في ذلك، بل هذه هي سمة النحو في الأندلس بعامة، وهذا منهج طبقه ابن عصفور وابن الحاج وابن أبي الربيع من تلاميذ الشلوبين بخاصة.

وصاحب البسيط ينقل عن البصريين والكوفيين ومن جاء بعدهم، وينسب الآراء إلى أصحابها في الغالب، يفصل ويرجّح ويجتهد.

ففي معنى "ربّ"نقل في البسيط عن كبار البصريين والكوفيين أنها للتقليل [83] .

وصاحب البسيط له عناية واضحة بآراء سيبويه، ففي حديثه عن "عسى"من أفعال المقاربة، إذا قلت: عسى أن يذهب زيد، قال في البسيط: ظاهر كلام سيبويه أنها هاهنا تامة لا خبر لها، وفاعلها ما بعدها على تقدير المصدر، ومعناها دنا وقرب ولا يجوز صريح المصدر [84] .

ص: 276

وفي باب البدل، قال صاحب البسيط:"وأما بدل الغلط فجوّزه سيبويه وجماعة، والقياس يقتضيه"[85] .

وفي حرف التعريف قال في البسيط: "ذهب سيبويه إلى أن حرف التعريف اللام وحده"[86] .

وقد يختار رأي سيبويه، كما في الوصف بإلاّ، قال السيوطي:"وجوّز سيبويه أن يوصف بها كل نكرة ولو مفرداً، ومثل بـ "لو كان معنا رجلٌ إلا زيدٌ "واختاره صاحب البسيط"[87] .

وقد يعترض على سيبويه، كما في الفرق بين الحال والصفة الجامدة، قال فيِ البسيط:

"لم يستضعف سيبويه: مررت برجل أسداً، بنصب "أسداً"على الحال، أي جريئاً أو شديداً قوياً. واستضعف: مررت برجلٍ أسدٍ، على الوصف. والفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أن الوصف أدخل في الاشتقاق من الحال.

والثاني: أن الحال تجرى مجرى الخبر، وقد يكون خبراً ما لا يكون صفة.

قال: والقياس التسوية بينهما، لأنه يرجع بالتأويل إلى معنى الوصف، أو بحذف مضاف، أي مثل أسد" [88] .

وينقل صاحب البسيط عن الأخفش أن حتى العاطفة، تعطف الفعل إذا كانت سبباً كالفاء نحو: ما تأتينا حتى تحدثُنا [89] .

وينقل عن المبرد، قال في البسيط:"ذكر المبرّد في كتابه المسمى بالشافي: إن حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها، وضمّ إليها اللام لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام"[90] .

وينقل عن السيرافي، ومن ذلك أنهم اختلفوا في "لات"هل لها عمل أولا، على أقوال:

أحدها: وهو مذهب سيبويه والجمهور أنها تعمل عمل ليس، ولكن في لفظ الحين خاصة.

والثاني: أنها لا تعمل شيئاً، بل الاسم الذي بعدها إن كان مرفوعاً فمبتدأ أو منصوباً

فعلى إضمار فعل، أي ولات أرى حين مناص، نقله ابن عصفور عن الأخفش، وصاحب البسيط عن السيرافي [91] .

ص: 277

وينقل عن الفارسي، ويصحح مذهبه في مسألة العدد المضاف من ثلاثة إلى عشرة، هل يجوز إضافته إلى اسم الجمع نحو: ثلاثة القوم، أو اسم الجنس نحو ثلاث نحل؟ أقوال:

أحدها: نعم ويقاس إن كان قليلا، وعليه الفارسي وصححّه صاحب البسيط لشبهه بالجمع، ولو روده [92]، قال:

ثلاثة أنفسً وثلاث ذودٍ [93] .

وقال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍٍ} [94] .

ويصرّح صاحب البسيط أحياناً بصحّة مذهب البصريين، ومن ذلك قول البصريين إن "هلم"مركبة من "ها"التنبيه، ومن "لُمّ"التي هي فعل أمر من قولهم: لم الله شعثه، أي جمعه.

قال في البسيط: "ويدل على صحة مذهب البصريين أنهم نطقوا به فقالوا: ها لُمّ"[95] .

وذكر صاحب البسيط أنه لا يجوز الفصل بين الموصوف وصفته بإلا، فلا يقال: جاءني رجل إلا راكب، لأنهما كشيء واحد.

ورد على الزمخشري حيث جوّز ذلك في المفرد، نحو: ما مررت برجل إلا صالحٍ. وفي الجملة نحو: ما مررتُ بأحدٍ إلا زيدٌ خيرٌ منه، {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَاّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [96] بأنه مذهب لا يعرف، لا بصري ولا كوفي. وقال:"الصواب أن الجملة في الآية والمثال حالية"[97] .

وينقل صاحب البسيط عن الكوفيين، فالخبر الجامد لا يتحمّل ضميراً نحو: زيدٌ أسدٌ. وزعم الكسائي أنه يتحمّله، ونسبه صاحب البسيط وغيره إلى الكوفيين والرماني [98] . ومن ذلك أن (لعلّ) بسيطة، ولامها أصل، حكاه في البسيط عن الكوفيين وأكثر النحويين [99] .

وفِي "سِوى" ذهب جماعة منهم الرماني والعكبري إلى أنها ظرف متمكن، أي يستعمل ظرفاً كثيرا وغير ظرف قليلا، قال ابن هشام في التوضيح [100] : وإليه أذهب. ونقله في البسيط عن الكوفيين [101] .

ونقل في البسيط عن الفرَّاء أنه جوّز إضافة اسم الفاعل المعرّف بـ"أل"إذا كان للحال أو الاستقبال، نحو: الضارب زيد الآن أو غدا [102] .

ص: 278

وصاحب البسيط ممَّن يهتم بالقياس ويعدّه من أصول النحو، فيقبل حكماً لموافقة القياس، ويردّ آخر لبعده عن القياس. فيقول مثلاً. في بدل الغلط: جوّزه سيبويه وجماعة، والقياس يقتضيه [103] .

ويقول في حروف المعاني: القياس يقتضي عدم حذف حروف المعاني وعدم زيادتها [104] .

وفي باب "سنين"من الملحق بجمع المذكر السالم، قال السيوطي:"ومن العرب من يلزمه الواو وفتح النون، ومن العرب من يلزمه الواو ويعربه على النون كزيتون". قال في البسيط: "وهو بعيد من جهة القياس"[105] .

وصرّح صاحب البسيط بأن الضرورة لا يقاس عليها [106] .

وفي "لا" العاملة عمل ليس، قال في البسيط:"القياس عند بني تميم عدم إعمالها، ويحتمل أن يكونوا وافقوا أهل الحجاز على إعمالها"[107] .

وفي بحث "لات "العاملة عمل ليس، قال في البسيط:"يحتمل أن تكون التاء بدلا من "سين"ليس، كما في ست، وانقلبت الياء ألفاً على القياس"[108] .

ولكن صاحب البسيط يصرّح بتقديم السّماع على القياس. ومن ذلك: ذهب الكوفيون إلى أن أمثلة المبالغة لا تعمل، لأن اسم الفاعل إنما عمل لجريانه على الفعل في

حركاته وسكناته، وهذه غير جارية، فوجب امتناع عملها، والمنصوب بعدها محمول على فعل تفسّره الصفة.

قال صاحب البسيط: "وهذا ضعيف لأن النصّ مقدّم على القياس

" [109] .

وقال "في البسيط: باب فَعْلان فَعْلى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى وعطشان وعطشى إنما يعرف بالسمّاع دون القياس"[110] .

ويهتم صاحب البسيط في كتابه بالتعليل، ففي باب مالا ينصرف اختلف في "رحمن"هل يصرف لأنه ليس له فَعْلى، أو لا؛ لأنه ليس له فعلانة؟ على قولين:

أحدهما: نعم لأن الأصل في الأسماء الصرّف، ولم يتحقق شرط المنع وهو وجود فَعْلى.

ص: 279

والثاني: لا، قال في البسيط: وعليه الأكثرون، لأن الغالب في باب فَعْلان عدم الصرف، فالحمل عليه أولى من الحمل على الأقلّ [111] .

وفي البسيط في عِلَّة بناء "أمس"أقوال: قول الجمهور أنه بني لتضمنه لام التعريف لوجهين:

أحدهما: أنه معرفة في المعنى لدلالته على وقت مخصوص، وليس هو أحد المعارف، فدلّ ذلك على تضمنه لام التعريف.

والثاني: أنه يوصف به بما فيه اللام، كقولهم: لقيته أمس الأحدث، وأمس الدابر، ولولا أنه معرفة بتقدير اللام لما وصف بالمعرفة، لأنه ليس أحد المعارف، وهذا مما وقعت معرفته قبل نكرته [112] .

وفي سبب تسمية عطف البيان، قال أبو حيان: وسميّ به لأنه تكرار الأول لزيادة بيان فكأنك رددته على نفسه، بخلاف النعت والتأكيد والبدل.

وقيل: لأن أصله العطف، فأصل جاء أخوك زيد: وهو زيدٌ، حذف الحرف والضمير وأقيم زيد مقامه، ولذلك لا يكون في غير الأسماء الظاهرة، ذكره صاحب البسيط [113] .

ومن ذلك أيضاً، قوله في البسيط:"فتحت همزة الوصل في أداة التعريف لكثرة الاستعمال، وفرقاً بينها وبين الداخلة على الاسم والفعل، فإنها مع الاسم مكسورة، ومع الفعل مكسورة ومضمومة"[114] .

ويبدو لي أن صاحب البسيط كان ملماً بعلوم الشريعة أيضاً، بدليل أنه يستعين بالمصطلحات الشرعية في توضيح القواعد النحوية. ومن ذلك، قال السيوطي: الأصل في الأسماء الصرف ولذا لم يمنع السبب الواحد اتفاقاً، ما لم يعتضد بآخر يجذبه عن الأصالة إلى الفرعية.

قال في البسيط: "ونظيره في الشرعيات أن الأصل براعة الذمة، فلا يقوى الشاهد على شغل الذمة ما لم يعتضد بآخر"[115] .

وقال في البسيط أيضاً: "التنوين زيادة على الكلمة، كما أن النّفل زيادة عن الفرض"[116] .

وقد لاحظت أن صاحب البسيط استشهد بالحديث "أو مُخرجىَّ هُم"[117] . ولكن يبدو أن ذلك قليل.

من الآراء النحوية لصاحب البسيط:

ص: 280

1-

قال أبو حيان في ارتشاف الضرَّب [118] : وفي البسيط: قَدَم (اسم امرأة) ، وسَقَر ممنوعا الصرف باتفاق للتأنيث المعنوي والعلمية.

2-

وقال أبو حيان في ارتشاف الضرَّب في باب المفعول المطلق، عند ذكر المصادر المثناة، مثل لبيك وحنانيك وسعديك، قال [119] :"وعدّ في البسيط في هذه المصادر المثناة حواليك، قال بمعنى الإقامة والقرب كأنه أراد الإحاطة من كل جهة، لأنه يقال: أحوالك، ويحتمل أن يريد إطافة بك بعد إطافة، وليس له فعل من لفظه، ويجوز نصبه على الظرف وعلى الحال". انتهى.

3-

وقال أبو حيان في الارتشاف أيضاً، في باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر [120] :"جعل"بمعنى (صيّر)، قال تعالى:{فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [121]، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [122] .

وفي البسيط: وهذه إما تصيير لما له نسبة إليه أو إلى ما يكون له ذاتاً أو كالذات.

فالأول لابدّ فيه من أحد حروف النسبة كقوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [123] .

والثاني تصيير في الفعل بالذات نحو: جعلت الطن خزفاً. وقد تدخل فيه "من"كقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير} [124] . أو بالصفة: جعلته عالماً. وإما في الاعتقاد: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} [125] . وإما في النيابة عن الشيء: جعلت البصرة بغداد، والكتّان خزًّا. وإما في الشبه: جعلت حسنًا قبيحاً. وهي إذا كانت بهذه المعاني لم تؤثر إلا في المفعول الأول، لأنه وقع به ذلك، ولا يستغني عن الثاني، لأنه كالمبتدأ والخبر في الأصل، أو ما هو منزل منزلته. انتهى ملخصاً.

4-

وقال المرادي [126] في شرح بيت الألفية:

ويُبدَلُ الفعلُ مِن الفعل كمنْ

يَصِلْ إلينا يستعنْ بنا يُعَنْ

ص: 281

يجوز إبدال الفعل من الفعل بدل كل. قال في البسيط: باتفاق. ومنه:

متى تأْتِنا تُلْمِمْ بنا في ديارن [127]

وبدل الاشتمال نحو: {يَلْقَ أَثَاماً، يُضاعَفْ} [128] . و: مَنْ يَصلْ إلينا يستعن بنا يُعن. وحكى في البسيط فيه خلافاً.

ولا يبدل بدل بعض. وأما بدل الغلط، فقال في البسيط:"جوّزه سيبويه وجماعة من النحويين، والقياس يقتضيه".

5-

قال ابن هشام في المغني [129] : لكنّ (مشددة النون) وفي معناها ثلاثة أقوال.

أحدها: وهو المشهور أنه واحد، وهو الاستدراك

والثاني: أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد. قاله جماعة منهم صاحب البسيط.

6-

قال ابن عقيل في شرح الألفية [130] : وإعمال اسم المصدر قليل، ومن ادَّعى الإجماع على جواز إعماله فقد وهم. وقال ضياء الدين بن العلج في البسيط:"ولا يبعد أن ما قام مقام المصدر يعمل عمله. ونقل عن بعضهم أنه أجاز ذلك قياساً".

7-

وقال ابن عقيل في المساعد [131] في قول الشاعر:

تراه كالثغام يُعلُّ مِسْكاً

يسوء الفالياتِ إذا فليني [132]

في قوله "فليني"المحذوف منه عند سيبويه ومن وافقه نون الإِناث، والباقية نون الوقاية، كما بقيت في {تَأْمُرُونِّي} [133] واختاره ابن مالك. وذهب المبرد ومن وافقه إلى أن المحذوف نون الوقاية والباقية نون الإِناث، لأنها ضمير الفاعل. وهو الموافق لما قرّره البصريون من أن الفاعل لا يحذف. قال في البسيط في "فليني"إنه لا خلاف أن نون الوقاية هي المحذوفة.

8-

قال الزركشي في البرهان [134] : "أيّانَ"

وهي في الأزمان بمنزلة "متى"إلَاّ أن "متى"أشهر منها. وفي أيّان تعظيم. ولا تستعمل إلَاّ في موضع التفخيم، بخلاف متى

وقال صاحب البسيط: إنها تستعمل في الاستفهام عن الشيء المعظَّم أمره.

ص: 282

9-

قال الشيخ خالد الأزهري في باب التنازع [135] : وأجاز ابن العلجِ التنازع بين الحرفين مستدلا بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [136] . ورُدّ بأن "إنْ"تطلب مثبتا، و"لم"تطلب منفيا، وشرط التنازع الاتحاد في المعنى.

10-

قال السيوطي في الهمع [137] في باب الظرف: أما "وسَط" المتحرك السين فاسم.

قال في البسيط: "جعلوا الساكن ظرفاً، والمتحرك اسم ظرف نحو: زيدٌ وسْط الدار، والثاني نحو: ضربت وسَطه".

11-

وقال السيوطي في الأشباه والنظائر [138] : وقال صاحب البسيط: "القياس يقتضي عدم حذف حروف المعاني وعدم زيادتها، لأن وضعها للدلالة على المعاني، فإذا حذفت أخل حذفها بالمعنى الذي وضعت له، وإذا حكم بزيادتها نافى ذلك وضعها للدلالة على المعنى، ولأنهم جاءوا بالحرف اختصاراً عن الجمل التي تدل معانيها عليها، وما وضع للاختصار لا يسوغ حذفه ولا الحكم بزيادته، فلهذا مذهب البصريين المصير إلى التأويل ما أمكن صيانة عن الحكم بالزيادة أو الحذف".

12-

وقال السيوطي في الأشباه والنظائر [139] : "قال صاحب البسيط: إنما اختصّت "غدوة "بالنصب بعد "لدن "دون "بكرة"وغيرها لكثرة استعمال غدوة معها. وكثرة الاستعمال يجوز معه مالا يجوز مع غيره".

13-

وقال السيوطي في الهمع [140] في باب الحال: "وجوّز بعض البصريين وصاحب البسيط مجيء الحال من المضاف إليه مطلقاً، وخرجوا عليه:{أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [141] . وقوله:

حَلَقُ الحديد مُضاعفاً يتلهّبُ" [142]

14-

وقال السيوطي في الهمع [143]، في تمييز العدد:

"إذا جيء بنعتٍ مفرد أو جمع تكسير جاز الحمل فيه على التمييز وعلى العدد، نحو: عندي عشرون رجلا صالحاً أو صالحٌ، وعشرون رجلا كراماً أو كرامٌ. فإن كان جمع سلامة تعينّ الحمل على العدد نحو: عشرون رجلا صالحون". ذكره في البسيط.

ص: 283

وفي الأشباه والنظائر للسيوطي نقول طويلة عن صاحب البسيط، وانظر من ذلك ما افترق فيه كم الاستفهامية وكم الخبرية [144] .

المراجع

(1)

- اختصار القدح المعلّى: لابن سعيد. تحقيق إبراهيم الأبياري، القاهرة 1959 م.

(2)

- ارتشاف الضرَّب: أبو حيان الأندلسي، تحقيق د. مصطفى النماس، الطبعة الأولى- القاهرة.

(3)

- الأشباه والنظائر: السيوطي. تحقيق د. عبد العال سالم مكرم- مؤسسة الرسالة.

(4)

- إعراب الحديث النبوي: أبو البقاء العكبرى، تحقيق د. حسن موسى الشاعر. الطبعة الثانية 1408هـ- 987 1 م عن دار المنارة بجدة.

(5)

- إنباه الرواة: القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى.

(6)

- أوضح المسالك: ابن هشام، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة. بيروت.

(7)

- البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي، مصر 1328 هـ.

(8)

- البرهان في علوم القرآن: الزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية. بيروت.

(9)

- بغية الوعاة: السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. الطبعة الأولى. مطبعة عيسى الحلبي. القاهرة.

(10)

- التاريخ الأندلسي: د. عبد الرحمن الحجي، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية.

(11)

- تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد: ابن هشام الأنصاري، تحقيق د. عباس مصطفى الصالحي. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ- 1986 م.

(12)

- التذييل والتكميل: أبو حيان، الجزء الثالث، مصور بقسم المخطوطات في الجامعة الإسلامية برقم (1416) .

(13)

- التصريح على التوضيح: الشيخ خالد الأزهري، دار إحياء الكتب العربية.

(14)

- توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: المرادي، تحقيق د. عبد الرحمن سليمان، الطبعة الثانية، مكتبة الكليات الأزهريه.

(15)

- الجنى الداني في حروف المعاني: المرادي، تحقيق طه محسن، بغداد 1396 هـ- 976 م.

ص: 284

16-

خزانة الأدب: البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي.

17-

دراسات لأسلوب القرآن الكريم: الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، مطبعة حسان.

18-

السبعة في القراءات: ابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف. الطبعة الثانية.

19-

شرح أبيات سيبويه: السيرافي، تحقيق د. محمد على سلطاني، دار المأمون للتراث، دمشق 1979م.

20-

شرح أبيات مغني اللبيب: البغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وزميله، دار المأمون، دمشق.

21-

شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

22-

شرح الأشموني مع الصبان، ومعه شرح الشواهد للعينى: دار إحياء الكتب العربية.

23-

طبقات النحاة واللغويين: ابن قاضى شهبة، تحقيق د. محسن غياض، بغداد 1974 م.

24-

عنوان الدراية: الغبريني، تحقيق عادل نويهض، بيروت 1969 م.

25-

الكافية في النحو: لابن الحاجب، تحقيق د. طارق نجم، مكتبة الوفاء، الطبعة الأولى 1407 هـ- 1986 م.

26-

الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة.

27-

كشف الظنون: حاجى خليفة، المطبعة الإسلامية بطهران.

28-

الكوكب الدّري: جمال الدين الإسنوي، تحقيق د. محمد حسن عواد، دار عمار، عمان 405 اهـ- 1985م.

29-

المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات، منشورات جامعة أم القرى.

30-

معجم البلدان: ياقوت الحموي، طبعة دار صادر. بيروت.

31-

مغنى اللبيب: ابن هشام الأنصاري. تحقيق د. مازن المبارك وزميله، دمشق، الطبعة الأولى 1384 هـ- 1964 م.

32-

همع الهوامع: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة 4060 اهـ-1985م.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

كشف الظنون 2/ 1375.

ص: 285

[2]

الكافية في النحو: د طارق نجم ص 35.

[3]

البرهان للزركشي 2/ 364، 4/119، 211، 251، 259، 296، 443.

[4]

البرهان للرزكشي 2/ 364 (الحاشية) .

[5]

البرهان للزركشي 4/ 119، 211 (الحاشية) .

[6]

همع الهوامع للسيوطي- الجزء الخاص بالفهارس 7/343.

[7]

همع الهوامع 1/82 (الحاشية) .

[8]

خزانة الأدب للبغدادي، تحقيق هارون 2/ 22، 9/ 416، 10/ 198.

[9]

خزانة الأدب 9/ 416، 10/198 الحاشية.

[10]

شرح أبيات مغني اللبيب ا/394.

[11]

شرح أبيات مغني اللبيب 8/432.

[12]

تخليص الشواهد ص 75.

[13]

الأشباه والنظائر- الفهارس 9/ 183.

[14]

الأشباه والنظائر بتحقيق د عبد العال سالم 4/7.

[15]

إنباء الرواة 2/ 223.

[16]

رتشاف الضرب3/ 686.

[17]

سورة الجاثية: آية 21.

[18]

البحر المحيط 8/47.

[19]

طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة298.

[20]

الأشباه والنظائر 4/ 7.

[21]

بغية الوعاة 2/ 370.

[22]

معجم البلدان 1/195.

[23]

التاريخ الأندلسي. د. عبد الرحمنِ الحجي 482.

[24]

إنباه الرواة 2/ 334 الحاشية نقلَا عن كتاب تلخيص أخبار النحويين واللغويين لابن مكتوم/ مخطوط.

[25]

عنوان الدراية 318.

[26]

اختصار القدح المعلّى 154.

[27]

ارتشاف الضرب 2/ 239.

[28]

ارتشاف الضرب 3/ 671.

[29]

عنوان الدراية 318.

[30]

إنباء الرواة 2/ 334 الحاشية.

[31]

الأشباه والنظائر 4/ 7.

[32]

بغية الوعاة 2/37.

[33]

ارتشاف الضرب 2/13، 14، 661.

[34]

البحر المحيط 8/47.

[35]

بغية الوعاة 2/ 370.

[36]

ارتشاف الضرب 2/ 14، 565.

[37]

ارتشاف الضرب 2/ 14.

[38]

البحر المحيط 6/ 301.

ص: 286

[39]

ارتشاف الضرب 2/378، 455، 495.

[40]

البحر المحيط 8/ 47.

[41]

التذييل والتكميل ج3 لوحة 153 مصور بالجامعة الإسلامية برقم 1416.

[42]

التذييل والتكميل ج 3 لوحة 154.

[43]

ارتشاف الضرب ا/225، 255، 269، 366، 420، 440 ومواضع كثيرة.

[44]

ارتشاف الضرب 1/ 380، 387، 416، 2/ 46، 138، 157، 566.

[45]

ارتشاف الضرب 1/ 377.

[46]

ارتشاف الضرب 2/ 320.

[47]

ارتشاف الضرب 3/ 51.

[48]

ارتشاف الضرب 3/ 85.

[49]

ارتشاف الضرب 3/85.

[50]

ارتشاف الضرب 3/ 80.

[51]

ارتشاف الضرب 3/149.

[52]

ارتشاف الضرب 1/ 390.

[53]

ارتشاف الضرب 2/232.

[54]

ارتشاف الضرب 3/70،116.

[55]

ارتشاف الضرب 3/61.

[56]

ارتشاف الضرب 2 /138.

[57]

ارتشاف الضرب 3/51.

[58]

ارتشاف الضرب 2/520-521.

[59]

الجني الداني 25 4. بتحقيق طه محسن.

[60]

الجني الداني 506

[61]

الجني الداني 417، 436،454.

[62]

الجني الداني. تحقيق طه محسن ص 417.

[63]

توضيح المقاصد 1/ 210، 301، 2/118، 265، 279، 3/6، 262، 4/8، 338.

[64]

توضيح المقاصد 4/ 336.

[65]

مغني اللبيب 322.

[66]

تخليص الشواهد 75.

[67]

شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك 1/37. وانظر شرح التسهيل لابن عقيل 1/ 20.

[68]

شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك 2/ 101.

[69]

المساعد على تسهيل الفوائد 1/ 20، 98، 171، 320، 430، 492، 2/42، 43، 73، 106، وغيرها.

[70]

المساعد 1/227، 305، 418، 465، 2/131 وغيرها.

[71]

المساعد 1/ 405، 569، 2/ 144، 286 وغيرها.

[72]

الكوكب الدري 417

[73]

البرهان في علوم القرآن 2/364، 4/119، 211، 251، 259، 296، 390، 443.

ص: 287

[74]

التصريح 1/ 244، 264، 274، 2/ 169، 195، 201.

[75]

التصريح 1/313، 317، 2/ 100، 179، 327.

[76]

التصريح 1/ 320، 2/95.

[77]

همع الهوامع. بتحقيق د. عبد العال سالم 1/82، 160، 176، 226، وأنظر الجزء الخاص بالفهارس 7/343 وقد نسبه المحقق خطأ لركن الدين الاستراباذي.

[78]

الأشباه والنظائر- قسم الفهارس 9/183.

[79]

الأشباه والنظائر 4/ 7.

[80]

خزانة الأدب بتحقيق هارون 2/ 22، 9/ 416، 10/198.

[81]

شرح أبيات مغني اللبيب 1/394.

[82]

دراسات لأسلوب القرآن الكريم/ القسم الثالث 4/ 76، 77، 164.

[83]

ارتشاف الضرب 2/ 455. همع الهوامع 4/ 174.

[84]

ارتشاف الضرب 2/ 221.

[85]

همع الهوامع 5/ 221.

[86]

الأشباه والنظائر 2/117.

[87]

همع الهوامع 3/272.

[88]

الأشباه والنظائر 4/ 148-149.

[89]

همع الهوامع 5/ 259.

[90]

الأشباه والنظائر 5/ 9.

[91]

همع الهوامع 2/122-123.

[92]

همع الهوامع 4/75.

[93]

صدر بيت من الشعر للحطيئة، وهو من شواهد سيبويه 3/565 وعجزه (لقد جار الزمان على عيالي) .

[94]

سورة النمل: آية 48.

[95]

همع الهوامع 5/126.

[96]

سورة الحجر: آية/4.

[97]

همع الهوامع 2/153.

[98]

همع الهوامع 2/10، ارتشاف الضرب 2/46.

[99]

همع الهوامع 2/153.

[100]

أوضح المسالك لابن هشام 2/ 2820.

[101]

همع الهوامع 3/ 161.

[102]

الأشباه والنظائر 2/ 438.

[103]

همع الهوامع 5/ 221.

[104]

الأشباه والنظائر 1/ 80.

[105]

همع الهوامع 1/ 160.

[106]

همع الهوامع 1/226.

[107]

همع الهوامع 2/ 120.

[108]

همع الهوامع 2/ 122.

[109]

الأشباه والنظائر 2/ 256- 257.

ص: 288

[110]

الأشباه والنظائر 3/ 64.

[111]

الأشباه والنظائر 1/ 256، 2/951.

[112]

الأشباه والنظائر 1/ 252.

[113]

همع الهوامع 5/ 190.

[114]

الأشباه والنظائر 2/ 285.

[115]

الأشباه والنظائر3/ 62.

[116]

الأشباه والنظائر 3/ 239.

[117]

ارتشاف الضرب 3/ 181.

[118]

ارتشاف الضرب 1/ 440.

[119]

ارتشاف الضرب 2/ 210.

[120]

ارتشاف الضرب 3/ 60.

[121]

سورة الفرقان آية 23.

[122]

سورة الصافات آية 77.

[123]

سورة النحل آية 62.

[124]

سورة المائدة آية 60.

[125]

سورة الأحزاب آية 19.

[126]

توضيح المقاصد والمسالك 3/ 261- 262.

[127]

صدر بيت لعبيد الله بن الحُر وعجزه: تجد حطباً جزلاً وناراً تأجّجا.

والبيت من شواهد سيبويه 3/86، الأشموني مع الصبان 3/131. قال البغدادي في الخزانة 9/98: البيت من قصيدة تزيد على ثلاثين بيتا لعبيد الله بن الحر، قالها وهو في حبس مصعب بن الزبير في الكوفة.

[128]

سورة الفرقان من الآيتين 68- 69.

[129]

مغني اللبيب 322.

[130]

شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك 2/ 101.

[131]

المساعد على تسهيل الفوائد 1/98. وانظر همع الهوامع 1/226، الأشباه والنظائر ا/ 85.

[132]

البيت قائله عمرو بن معد يكرب يصف شعره أن الشيب قد شمله. والثغام: نبت له نور أبيض. يعل مسكاً: يطيب به مرة بعد مرة. والفاليات جمع فاليه وهي التي تخرج القمل من الشعر. والشاهد فيه: حذف إحدى النونين في "فليني".

والبيت من شواهد سيبويه 3/520، شرح أبيات سيبويه 2/304، خزانة الأدب 5/371. إعراب الحديث النبوي للعكبرى 234 وفيه شواهد متعددة لحذف النون.

ص: 289

[133]

سورة الزمر آية 64. قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} . قرأ نافع وابن عامر {تَأْمُرُونِّي} بتخفيف النون، وقرأ الباقون بتشديد النون. انظر السبعة في القراءات 563.

[134]

البرهان في علوم القرآن 4/251.

[135]

التصريح على التوضيح 1/317.

[136]

سورة البقرة آية 24.

[137]

همع الهوامع 3/157.

[138]

الأشباه والنظائر 1/ 80.

[139]

الأشباه والنظائر 2/ 304.

[140]

همع الهوامع 4/23.

[141]

سورة الحجر آية 66.

[142]

من أبيات لزيد الفوارس وصدره: عَوْد وبُهْثَةُ حاشدون عليهم. والبيت في خزانة الأدب 3/173، وذكر أنه استدل به الرضي وأبو علي في المسائل الشيرازيات على مجيء الحال من المضاف إليه.

[143]

همع الهوامع 4/77.

[144]

الأشباه والنظائر 4/121- 123.

ص: 290

همزية بشار بن برد في مدى عقبة بن سلم

دراسة تحليلية مفارنة

د/ أحمد مختار البزرة

أستاذ الأدب المشارك بكلية اللغة العربية

دواعي الدراسة:

دراسة الآثار الأدبية دراسة منهجية تحليلية هي الصرح لتاريخ الأدب، في عصر أو عدة عصور، أو لتاريخ جامع لأدب الأمة. وهي الميدان الموثوق لكثير من فروع علم اللغة ولاسيما:

- نشوء المفردات وتطور معانيها ما بين أجيالا الأدباء عبر العصور.

- وابتكار التراكيب ذات الدلالات الطارئة والفريدة.

- وجهود العبقريات في إغناء اللغة بالمضامين الفكرية والعاطفية التي يمرّ بها العصر.

وإذا كانت هي الأرضية للنقد الأدبي فهي أيضا الرصيد العملي الثري لعلم البلاغة ولعلم الأسلوب اللذين يعنيان بأسس التعبير الجدلي ودقائقه وأسراره، وبالعطاء المتبادل ما بين اللغة والأديب في عمليات التوليد والإبدال.

ولن تلقى مؤرخاً كبيراً في عالم الأدب أو ناقداً فذاً لم يحصّل خبرته وعلمه من التعامل الصابر مع النصوص: يفحص مبانيها، ويستكنه إيحاءاتها، ويكتشف إشاراتها ورموزها الخافية حتى ينتهي إلى نظرات وأحكام أُنفٍ مدعومة بالدليل المادي.

وهي في الدراسة الجامعية وسيلة ومنهج لازم للطلبة المتخصصين ليتعمقوا النصوص فهماً يبلغ الغور ويستخرج الدر الخبيء، وُيبصّرهم بمكونات النص الأدبي لتتمايز لهم مراكز القوة من الضعف، والتعبير الجاف المبدع من الآخر الساكن المحافظ.

ص: 291

ولن تكون لهم ملكة الذوق المصقول والتقويمٍ السديد والاستجابة الفنية التلقائية إلا بعد مرانٍ مدمن على تحليل النصوص شعرا أو نثرا، فهي في نهاية المطاف العدة والأداة لتكوين موقف موضوعي من الأحكام السياسية والفكرية والاجتماعية والفنية التي اكتنفت تاريخنا الأدبي بتعميمات مرتجلة أو مسرفة في الشطط أحياناً لم تعتمد الاستقصاء والبحث التحليلي.

وأدنى ثمار الدراسة التحليلية للنصوص أن يُكوِّن الطالب الدراسي تكويناً أدبياً شخصيًا يوظف فيه إمكاناته وذوقه.

ولعل من واجب الدارسين في الجامعة الإسلامية أن يقدّموا نماذج تَهْدي أبناءنا إلى إحراز هذا الغرض. وعسى أن يُوَفّق الله إلى تقديم عدد منها بادئين - بعون من الله - بقصيدة في المدح كانت تلاقي عند أهل الأدب حظاً من الاستحسان، لشاعر كان رائد الشعر والشعراء في العصر العباسي الأول هو بشّار بن برد.

القصيدة [1]

"وهي من مختار صنعة بشار، وصدورها ومما تشبَّه به بالقدماء في مذاهبهم "

أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني: 3/ 198

واحذرا طرفَ عينها الحوراءِ

1.

حاحبيَّ أمَّ العلا [2]

لُملمّ [3] ، والداءُ قبل الدواء

2.

إنّ في عينها دواءً وداء

م إزاءٍ [4] ، لا طابَ عيشُ إزاء

3.

رب مَمْش منها إلينا على رغ

وتَصدَّت في السبت لي لشقائي

4.

أسقمت ليلةُ الثلاثاء قلبي

ثم راحت في الحلة الخضراء

5.

وغداة الخميس قد موتتني

م خيالاً أَصبْتَ عيني بداء [5]

6.

يوم قالت: إذا رأيتك في النو

بك حتى كأنني في الهواء

7.

واستُخِفَّ الفؤادُ شوقاً إلى قر

يا لَقومي دمي على حمّاء

8.

ثم صدَّت لقولِ حمّاءَ [6] فينا

ص: 292

مُشرفاتٍ [7] يَطْرفن طَرْفَ الظباء

9.

لا تلوما فإنها من نساء

وأمسى من الهوى في عناء

10.

وأعينا امْرأً جفا ودَّه الحيُّ

أنسيتِ السّرار تحت الرداء

11.

اِِعْرضا حاجتي عليها وقولا

بر أبكي عليك جهد البكاء

12.

ومقامي بذهن المصلّى إلىالمن

ما التجنّي من شيمة الحلماء

13.

ومقالَ الفتاة عودي بحلم

وقولُ العدى وطول الجفاء

14.

فاتقي الله في فتىً شفَّه الحبُ

ق صريعاً كأنه في الفضاء

15.

أنت با عدته فأمسى من الشو

حسبُك الوأْيُ [8] قادحاً في السخاء

16.

فاذكري وَأْيهَ عليك وجودي

دَ فأَوْفي ما قلتِ في الرَّوْحاء [9]

17.

قد يسيء الفتي ولا يُخْلف الوع

فاقض واظفر به على الغرماء

18.

إنَّ وعدَ الكريم دينٌ عليه

كانَ ما بيننا كظل السَّراء

19.

فاستهلت بعبرةٍ [10] ثم قالت

أنت سُرْسُورتي [11] من الخُلطاء

20.

يا سُليمي قومي فروحي إليه

كلُّ شيءٍ مصيرهُ لفناء

21.

بلّغيه السلام منيّ وقولي:

وتعزّى قلبي وما من عزاء

22.

فتسَّليتُ بالمعازف عنها

ونَ رفاضاً يمشين مشي النساء

23.

وفلاةٍ زوراءَ [12] تلقىِ بها العي

كب فضاءً موصولةً بفضاء

24.

من بلاد الخافي [13] تَغوَّلُ بالر

ن نداء في الصبح أو كالنداء

25.

قد تجشَّمتها [14] وللجندب الجو

ل بريعانه ارتكاض النهاء

26.

حين قال [15] اليعفور وارتكض الآ

ل مروح تغلو من الغلواء

27.

بسبوح [16] اليدين عاملة الرج

ص: 293

ك فتروى من بحره بدلاء [17]

28.

همها أن تزور عقبة في المل

ب كما إنشقت الدجى عن ضياء

29.

مي [18] تنشق عن وجهه الح

دة والبأس والندى والوفاء

30.

أيها السائلي عن الحزم والنج

ومزيدا من مثلها في الغناء

31.

إن تلك الخلال [19] عند ابن سلم

لقريب ونازح الدار ناء

32.

كخراج السماء [20] سيب يديه

عقبة الخير مطعم الفقراء

33.

حرم الله أن ترى كابن سلم

وتغشما منازل الكرماء

34.

يسقط الطير حيث ينتثر الحب

ف ولكن يكذ طعم العطاء

35.

ليس يعطيك للرجاء ولا الخو

في عطاء ومركب للقاء

36.

إنما لذة الجواد ابن سلم

ل ولكن يُهينه للثناء

37.

لا يهاب الوغى ولا يعبد الما

ل وأخرى سم على الأعداء

38.

أريحي [21] له يد تمطر

ر وخلا بنيتي في الحلاء

39.

قد كساني خزا [22] وأخد مني الح

ع صلت الخدين غض الفتاء

40.

وحباني به [23] أغر طويل البا

ت بنونا وسالف الآباء

41.

فقضى الله أن يموت كما

بة أشكو فقال غير نجاء [24]

42.

راح في نعشه ورحت إلى عق

عاجل مثله من الوصفاء

43.

إن يكن منصف [25] أصبت فعندي

ث غاداك خارجا من ضراء

44.

فتنجزته [26] أشم كجرو اللي

حين قلّ المعروف خير الجزاء

45.

فجزى الله عن أخيك ابن سلم

ذو ثراء من سر [27] أهل الثراء

46.

صنعتني يداه حتى كأني

ري دموعي على الخؤون الصفاء

47.

لا أبالي صفح اللئيم ولا تج

ل بكف محمودة بيضاء

ص: 294

48.

وكفاني أمرا على البخ

مَّ فظيعا كالحية الرقشاء [28]

49.

يشترى الحمد بالثناء ويرى الذ

ل ويسقي الدماء يوم الدماء

50.

ملك يفرع المنابر [29] بالفض

وأياد بيض على الأكفاء

51.

كم له من يد علينا وفينا

ت فغيث أجش ثر السماء [30]

52.

أسد يقضم الرجال وإن شئ

ت رجالا عن حرمة الخلفاء

53.

قائم باللواء يدفع بالمو

وإذا سار تحت ظل اللواء

54.

فعلى عقبة السلام مقيما

الشاعر والقصيدة

كان عقبة بن سلم والي البصرة لأبي جعفر المنصور، منتجعاً خصباً ومورداً ثريا لبشار بن برد، وجد عنده رواجاً لمديحه، فأكب على تجويده لما يلقى منه من جزالة الجائزة والعطاء المغداق، ولم ينكر بشار بن برد أن الرغبة المادية كانت الباعث الملحاح على كثير مديحه في عقبة، وعلى التفوق فيه، إذ قال له قائل:"إن مديحك عقبة بن سلم فوق مدائحك كلَّ أحد؟ فقال: إن عطاياه إياي كانت فوق عطاء كل أحد"[31] . وكان الشعر لبشار وسيلة من ليس له وسيلة كسب غيرها إذ لم تكن له موارد إضافية من إرث أو مزاولة مهنة، وكان العصر يتفجّر بالغنى، ولا يسد مطالب عيش رفةٍ رغدٍ إلا مالٌ وفر، فكان الحافز للمدح حيوياً، ولم يكن للشاعر مندوحة عن استنباط ملكة الإبداع ليبلغ موضع الرضا الفني من ممدوحه فيصيب من المال ما ينهض به من شظف الفاقة والحاجة إلى لين الاغتناء، ولعله بلغ ما أمّل في مضماري الفن والثواب، ولم يكن ما قاله في هذه القصيدة:

ذو ثراء من سرِّ أهل الثراء

صنعتني يداه حتى كأني

ص: 295

غير تقرير حقيقة. ودراسة قصيدة أنشأها حافز وباعث مادي مَحْضٌ جديرة أن تكشف للنقد عن فعاليّة الرغبة الحاشدة في صناعة قصيدة المديح وفي تحبيرها إذا كان ثمة تفاعل إيجابي وتبادلٌ موضوعي ما بين المنتج والمستورد، ما بين الشاعر والممدوح.

بناء القصيدة

تَعدُّ هذه الهمزية في مدح عقبة بن سلم أربعة وخمسين بيتاً، فهي أجنح إلى الطول. ولا تنحو قصائد المدح في العصر الأموي والإسلامي والجاهلي، في الغالب، غير هذا المنحى: فالإطالة في هذا الفن مطلوبة، وبشار بن برد يسير فيها على منهج مطروق. وعلى هذا فالذين يستصدرون المدح من الشعراء، باعتبارهم نقاداً عمليين، أصحاب حق في التقويم وإصدار الأحكام وتكييف القصيدة وفاق مطالبهم، لما لهم من إسهام مادي في ابتعاث هذا الشعر واستصداره، هؤلاء الممدَّحون كانوا يرون أن قصيدة المدح في العصر العباسي الأول لا ينبغي لها أن تقلّ كمّاً عما كانت عليه من قبل.

فهل كان هذا العُرْف الأدبي قاصراً على الحجم والكم أو أنه ينسحب على الهيكل التخطيطي للقصيدة؟

من اليسير أن نلمح أن بشاراً بنى قصيدته من قسمين متساويين عِدَّةَ أبيات: المقدمة فالمديح، كل منهما سبعة وعشرون بيتًا.

هذا التوازن الدقيق لا نكاد نقع عليه فيما نظم من قبل، فهل كانت المقدمة تعدِلُ "الغرض"أهمية وقيمة فنية عند بشار؟ إن اعتراضاً كميّاً ما على هذه المقدمة ونظائرها لا نعثر عليه في معرض من معارض النقد العابر أو المقصود، وإن موافقة ضمنية على هذا التناظر متحققة ما بين المادح والممدوح والجمهور. فما الدوافع الفنية أو الذاتية فيما وراء هذا التعادل؟

إن دراسة المقدمة قد تخرج لنا مفاتيح تعليلية مقبولة.

المقدمة

والمقدمة قسمان يتفاوتان عدد أبيات تفاوتاً ملحوظاً، والقسم الأول في الغزل، وعدد أبياته اثنان وعشرون بيتاً والقسم الثاني في وصف الصحراء، والرحلة والناقة، وهو خمسة أبيات.

ص: 296

(أ) الغزل: من نافلة القول أن المطالع أو المقدمات الذاتية الوجدانية تقليد عريق في القصيدة العربية القديمة، ولاشك أن المكانة الجليلة التي كانت تحتله تلك القصيدة جعل منها مثالا يحتذى على جانب من الاحترام والالتزام كبير، وخاصة قصيدة المناسبات في المواقف الرسمية. إن عرفاً مشتركاً، غير معلن عنه تصريحاً، إلا في وقت متأخر، ما بين الشعراء ورجال اللغة والأدب وأرباب القصور، هو أنه ينبغي لقصيدة المدح المحدثة أن تبلغ شأو قصائد المدح الممتازة في العصور السابقة، ومن ثم لابد من العمل على مثال أو أنموذج متعارف عليه.

وليست المطالع الغزلية وقفاً على قصائد المدح في أدبنا القديم، فهي في المفاخرات والنقائض وغير ذلك من الأغراض تتراوح بين الإسهاب والاقتضاب. وإذا كانت القصيدة ذاتية المضمون في مجموعها تتركز حول شخص الشاعر مثل معلقة امرئ القيس اللامية، فإن حظ النسيب والغزل والنساء يغطي على نصف القصيدة أو يزيد. ولكنه يتراجع إلى نسبة قليلة إذا كان موضوع القصيدة غير ذاتي، مدحاً أو فخراً قبلياً، أو ذاتيًا متمركزًا على الجانب العملي من الحياة كمعلقة عنترة التي رفع بها من شأنه من خلال مواقف البطولة وحسن البلاء.

ولكن قصائد المدح والفخر التي تُعدّ نماذج تامة في الجاهلية والإسلام تتوافق على الابتداء بمقدمة ذاتية أكثر ما تنطلق من الوقوف على الديار، وأحيانا من الغزل الصرف بالنساء. ولا يسعنا أن نرفض تعليلاً نقديا استقرأه ابن قتيبة في القرن الثالث إذ رأى في هذه الخطوة مَقْصداً ذاتياً فَنِيًّا معًا، فالشاعر ينبعث في النظم من أقرب الدواعي إليه، وهي قادرة على استمالة الآخرين لما في هذه الدواعي الذاتية من مشاركة وجدانية أو شجاً إنساني عام [32] .

ص: 297

واستقراء تام ومسح كامل لأمثال هذه المقدمات يهب لنا فائدة لا يستغني عنها النقد والتقويم، وهي أن هذه المقدمات إن تكن تقليداً متبعاً فإن فيما بينها تفاوتاً ذاتياً وفنياً ملحوظاً تُرَّدُ أسبابه إمَّا إلى النموذج النفسي، أو الوضع النفسي للشاعر وتركيب ميوله واتجاهاته، وإما إلى طابع العصر واتجاهه الفني الغالب، وإن يكن من الصعب الفصل ما بين العاملين بخطوط قاطعة تُرجح تغليب أحدهما على الآخر في إيثار إحدى الصورتين، الغزلية أو الطللية، على الأخرى، فإن هذه المقدمات في نهاية التحليل هي نتاج هذين العاملين معا. ويقودنا الاستقراء إلى تقرير حقيقة تشفع لها موضوعية أكيدة هي أن الصبغة الفنية الغالبة كانت تجنح في أواخر العصر الجاهلي إلى مزج متكافئ ما بين المرأة والطلل أو اقتران متين يكشف عن ترجيح العنصر الإنساني أو الذاتي على الجوامد المادية. وفي معلقة زهير بن أبي سلمى مثال موافق يقرن أسماء الأمكنة باسم المرأة قرانا يدل على ارتباط لا يقبل الانفصام وأن الدار إنما تذكر بصاحبتها:

بحومانة الدراج فالمتثلم

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم

مراجع وشم في نواشر معصم [33]

فدار لها بالرقمتين كأنها

حتى إن صورة هذه الدار تنعكس لعينيه في مرآة من معصم موشوم، ومن ثم يرفع بصره وشيكًا باحثاً عن الحياة والأحياء من العين والآرام والظعائن.

ويظهر هذا التأليف المنسق بين الطلل والمرأة وشظف الصحراء معاً في لامية الأعشى:

وسؤالي وما ترد سؤالي [34]

ما بكاء الكبير في الأطلال

فللأطلال بيتان وللمحبوبة وما يفصل بينهما من نائي المكان خمسة عشر بيتاً.

ص: 298

ويتردد الاقتران في معلقة عنترة في كل بيت تذكر فيها الدار بل لا تذكر الدار إلا بالمرأة. ولولا اضطراب المعلقة ترتيباً لكانت الأبيات التي تصلح أن تكون مجموعة متوالية من مقدمة نسيب مثالاً حسناً لضآلة العنصر المكاني بجانب العنصر الإنساني أو العاطفي. فإذا قورنت هذه النماذج بمطلع معلقة امرئ القيس وببعض قصائده رأينا المكانية تنساح في بيتين أو ثلاثةٍ متواليات انسياحاً يغمر النبض الوجداني أو الإشعاع بالحياة.

وفي مطلع العصر الإسلامي نجد شاعراً مخضرماً، أعرق نظماً في الجاهلية منه في الإسلام، يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقصيدة مدح ظلت تتمتع بنموذجية فذة على مدى العصور، هو كعب بن زهير صاحب البردة، وفيها نجد الشاعر أحلَّ مقدمة غزلية خالصة مكان المقدمة الطللية أو المزيجة، شغلت (14) بيتاً من (58) بيتاً.

فلمَ أقدم على هذا التعديل وهو يُعِدُّ قصيدة يود لو تفوق كل شعر ليظفر بالصفح والحياة؟ لا شك أنّ بعض الشعراء - كعلقمة الفحل - لهم مطالع غزلية خالصة، ولكن قصيدة المدح لها صباغ رسمي - دعك عن المناسبة الحساسة - كما أن كعبًا هو عماد في مدرسة الصنعة والتحكيك التي لا تهمل المراسم المفضَّلة؟.

هل وجد كعب الغزل الصرف أحسن وقعاً عند من يحيا متحضراً؟ وهل أحسَّ أنَّ الأطلال ظل من الصحراء لا يستهوي الأنفس ولا تقبل عليه الأسماع إقبالها على الغزل؟

لا نستطيع أن نجزم قاطعين، ولكن الغزل يشهد - إذا قورن بأقسام القصيدة - لصاحبه أن قد توخى فيه الرقة والقرب، وجاهد أعرابيته على ذلك.

فإن كان في هذا دليل مرجِّح جاز لنا أن نلاحظ أن مراعاة ميول الجمهور وأذواقهم، للتأثير فيهم، بدأ يؤثر في مضمون المقدمة مادامت مادة المقدمة تسمح بالتعديل أما إذا كانت المادة صحراوية طبيعةً وجبلّةً - مثل وصف الناقة - فلا سبيل للمواءمة والتعديل [35] .

ص: 299

ولكن الاستقراء الدقيق، ولاسيما قصائد العصر الأموي، لا تأذن بإصدار حكم له صفة الشمول، وكثيراً ما نجد أنفسنا لدى نماذج متفاوتة وفي بعضها لا يفارق الشاعر التصميم الجاهلي لقصيدة المدح من الوقوف على الأطلال ومساءلتها، واجتياب الفلاة على الناقة الوجناء، والتغزل بالمرأة، حتى ليخيل إلينا في بعض القصائد أن هذه المقدمة التقليدية أولى من الغرض الأول فيها، وهو المدح، ومن أمثلتها قصيدة القطامي اللامية:

وإن بليت وإن طالت بك الطول

إنا محيوك فاسلم أيها الطلل

إذ هي "43"بيتاً لا يشغل المدح غير العشرة الأخيرة منها [36] .

ولكن المقدمة في قصيدة بشار هذه ليس فيها من حديث الديار أثارة، فهي تنتمي إلى بردة كعب بن زهير. والشاعر ينصرف عن الوصف المادي الذي كان لا يفوت السابقين، من تعدادٍ لمفاتن حسيَّة كانت تُعدّ في ذلك اليوم المثلَ الجمالي الأعلى، ينصرف إلا قليلاً في المطلع إذ يذكر حور عينيها ولكنه يُعوّل على الأثر متجاوزًا في تصويره عن المؤثِّر:

واحذرا طرف عينها الحوراء

1 -

حيّيا صاحبيّ أمّ العلاء

لملمّ والداء قبل الدواء

2 -

إن في عينها دواء وداء

إنه الإِغراء متنكر في هيئة تحذير، إن ينجح بإثارة الفضول لدينا فلن يُعْقِبَ قناعةً لأنه فضول غير مدعوم بدليل مادي يجعل النظر مخشيًا حقاً مثل الدليل المادي في قول امرئ القيس:

بسهميك في أعشار قلب مُقتَّل [37]

وما ذرفت عيناك إلا لتضربي

وما ذاك إلا لأن بشاراً تنقصه خبرة امرئ القيس بخفايا المقاصد وبواعث السلوك، فغزله غزل الفن، غزل الحقائق المتقابلة في الفكر لا غزل الوقائع والصراع.

وكان النابغة أقدر على الإِيحاء بالأثر من خلال الصورة المادية للمؤثر:

أحوى أحم المقلتين مقلدّ

نظرت بمقلة شادن متربّبٍ

نظر السقيم إلى وجو العوّد [38]

نظرت إليك بحاجة لم تقضها

ص: 300

وإن الصيغة المنطقية المحكمة "والداء قبل الدواء"لم تطلع علينا بسبرٍ لمدى التأثير كما يبدو مداه في شعر لجرير:

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا [39]

إن العيون التي في طرفها حور

وهن أضعف خلق الله إنسانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وعلى ما في تقرير بشار "والداء قبل الدواء"من المعقولية المنطقية فإن المبالغة في قول جرير تبعث على استمتاع مريح، واسترسال وجداني مستعذب، نفتقد مثله في بيتي بشار. أهي العاهة التي تعوق الشاعر الأعمى عن الصورة الخارجية؟

ما ذاك ببعيد إذ نفتقد - لفقدانه الرؤية - الصور البصرية التي تنم عن تأثر حق. وكان يغطي على تصويره للمرئيات بصور ذات عموم غير محدود أو إجمال لا تفصيل له، كما يغطي على ذلك تصويره للمسموعات كقوله:

كأن حديثها ثمر الجنان [40]

ودعجاء المحاجر من معدّ

وقوله في صوت مغنية:

محاسنها من روضة ويفاع [41]

كأنهم في جنة قد تلاحقت

وكان يركب عناصر الصورة المادية تركيباً ذهنياً خيالياً من غير انطباع حسي:

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه [42]

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا

وعبثا نحاول استخراج صورة لأم العلاء من (22) بيتاً أو أن نجمعها من جزئيات متفرقة. فقد غابت الجزئيات أيضاً. وما كان الغزل إلا دعوى وله معروضة في مواقف قصصية متلاحقة هي:

1 -

أيام الوصال والوفاق (3 - 7) .

2 -

الوشاية والجفوة (8) .

3 -

الاعتذار والوساطة (9 - 18) .

4 -

مؤايستها له من الوصال (19 - 21) .

5 -

تسليه عنها بالطرب (22) .

أليس الغزل في مجموع مواقفه قصة مكرورة تبدأ بالحنين إلى الماضي ومحاولة استعادة الوصال، فالإخفاق، فاليأس والانصراف؟

ص: 301

ونجد خطوط هذه القصة في غزليات العصر الأموي ولاسيما أحاديث عمر بن أبي ربيعة. واقتباس القصة الغزلية، مقدمةً لقصيدة المدح، دليلٌ على سيرورة هذا الغزل مطلباً لفريق من الناس من العابثين والسطحيين. يدل على ذلك سطحية المعالجة الغزلية موقفاً ومعنىً وعاطفة، سطحية تهش لها السذاجة، وتترضّى العبث المُسْتخَفّ. وماذا في البيتن (4 - هـ) إلا معنى ضحل مُمدّد في سِمْطين من القوالب اللفظية:

وتصدت في السبت لي لشقائي

4 -

أسقمت ليلة الثلاثاء قلبي

ثم راحت في الحلة الخضراء

5 -

وغداة الخميس قد موّتتني

وسائر المعاني الغزلية لا تبرأ من السذاجة والسطحية، والمعاني الشائعة بذهن العامة تتبّدى بقوة في البيتين (6 - 7) .

ولاشك أن فقدان المعاناة أو التجربة الحية، وجدانياً أو عملياً، كانت من وراء تلك السطحية، إننا نستطيع أن نصوغ قصة تطرف البسطاء من الناس، وتمتع مشاعرهم وأذواقهم عَرَضاً، ولكن ليس من اليسير إقناعُ الكثير بأن وراء هذه القصة ضحيةً على وجه الحقيقة، وعذاباً إنسانيًا. ولقد احتاج الشاعر إلى معونة الوسطاء - الجمهور - في استرجاع قلب المحبوبة فلم يجدْ ما يستعين به على قضيته، شواهدَ من غرامه وجواه، وغايةُ ما اعتد به التزامٌ أخلاقي - كما يزعم - بينه وبن محبوبته. هذا الالتزام كان وسيلة الجمهور إليها وحجتهم أو حجة الشاعر عليها، ولقد عوّل على هذا الالتزام تعويلا كأنما يتعامل مع شخصية مثالية تخشى مخالفة المبدأ الخلقي، واتكأ عليه إتكاءَ من لم يجد من أجيج مشاعره ما يحمل الطرف الآخر على التفكر به والاهتمام بأمره، حتى استوفى فيها أبياتاً ستة - ما بين البيت (13) إلى البيت (18) - تحوّل فيها المسعى والرجاء إلى حكمة خلقية محضة في البيتين (17 18) :

فأوفي ما قلت بالروحاء

17-

قد يسيء الفتى ولا يخلف الوعد

فاقض واظفر به على الغرماء

18-

إن وعد الكريم دين عليه

ص: 302

وأي تناقض بين الدعوة إلى الأخلاقية المثالية في موقف هو في جوهره غير أخلاقي؟ أليس انسحاب الفضائل على أرضية الرذائل تلويثاً أو إتلافاً تاماً للفضيلة؟ أفليس من حقنا أن نشك في سلامة نظرة الشاعر إلى القيم إذ يوظفها في موقف يخرج بصاحبه عن القيم؟ .

وفي خاتمة هذا الموقف الذي أعقب إخفاقاً كلياً قد يعنّ لمتسائل سؤال: ألم يكن في عملية الإقناع تخليط سافر بين أخلاق النساء وأخلاق الرجال؟.

أليست الفروق بين الجنسين متعارفة، أن المنطق النسوى عاطفي ذاتي لا تحكمه المبادئ والكلمة المثالية إلى تحكم الرجولة؟ إن قوة الحجة لا تفتح قلب المرأة، ولذلك كان بكاؤها في البيت (19) مستغرباً:

كان ما بيننا كظل السراء

19 -

فاستهلت بعبرة ثم

أرقّت فرثت له؟ بم استثار فيها التحنّن والتعاطف؟ أي امرأة تذري الدموع من فرط الصبابة بعد ثلاثة أبيات على الأقل، من الحكمة التوجيهية الجافة لا تبض بقطرة من استعطاف؟.

إن القصة تلفيق شاعر قصاص يروي عن غير تجربة، ولا هدف له إلا امتاع الآذان. ونحن لا نزعم أن بشارا كان مطالباً بقصة حب واقعية ولكنا نؤكد أن اثنين وعشرين بيتاً في الغزل هي خالية من كل رسيس وجداني صادق، مما يؤكد أن الشاعر كان غريباً عن ميدان العاشقين، والمحبين الصادقين، غريباً عن استشعار الحنّو الدافئ البريء إلى المرأة، ولا يُظن إلا أن الجانب الحسيّ غلب على مطالب نفسه فما أبقى للانفعال المتسامي موضعاً في حناياه.

ولا نزعم أيضاً أن ذاك الغزل السطحي كان منطلياً على ممدوحه، وما كان أمير البصرة ليزن مقدمته الغزلية بمعيار الصدق والواقعية أو الرصيد الإنساني الحق.

فلماذا، إذن، أعجب بالقصيدة حتى أعطاه عليها ثلاثة آلاف دينار؟ إن حجم الجائزة يشير إلى الإعجاب أو الرضا عن مجموع القصيدة لا عن المدح فيها: فهل استهوى الغزل رجل دولة كان يتطلع حقاً إلى بناء الأمجاد؟

ص: 303

لا، وإنما توخّى عقبة أن تذيعَ القصيدة بين الناس على اختلاف طبقاتهم، وهذا الغزل الذي يتقدّم المدح ويستهوى الكثيرين هو مفتاح إغراءٍ لبقٍ للولوج بقصيدة المدح إلى نفوس الخاصة والعامة.

أليس هناك، إذن، اتفاق ضمني ما بين الشاعر والممدوح على ترويج القصيدة على الجمهور؟ وما حاجة الأمير إلى مدح لا يضمن له الذيوع والانتشار؟.

لابد، في الحق، أن يجدّ الشاعر في اكتشاف خير وسائل الدعاية جاذبية. ولم تعترف قصيدة المدح الرسمية في العصر العباسي الأول بوسيلة أفعل من الغزل.

وإذا كان اختيار هذا الضرب من الغزل القصصي مقدمة يكشف عن جانبها النفعي عند الممدوح فإنه يكشف عن جوانب ذاتية وعن مؤشرات اجتماعية.

لم يختر الشاعر القصة الغزلية للجانب الدعائي وحده لولا أن تكون من هوى نفسه.

إن شاعراً محافظاً على القيم الخلقية، من الصون والعفة، لا ينهج منهجًا يتخطى فيه الخلق والآداب. ولكن شاعراً يؤزّه نشوز على المواضعات وعلى كل ما يحاجزه عن رغباته وأهدافه، مثل بشار بن برد، لا يتورع عن الغواية والإغراء بالجرأة السافرة. أليس قوله: "رب ممشى منها إلينا

"في عدة أبيات دعوة سافرة وتيسيراً كبيرا لإخراج الفتاة من الخِدْر والكنّ إلى الريبة والانزلاق، أليس قيام الوسطاء من رجال ونساء ما بين العاشقين إضعافاً لحساسية الجمهور تلقاء الإخلال بآداب الدين والتقاليد؟.

وإذا كان هذا الغزل مطلباً وليداً لفريق من العامة، أفليس هو مؤشراً إلى رغبات مستسرة تود أن تنطلق؟ إن بشاراً يضرب بمعوله - جاداً - في تجمعّات نفسية تريد أن تتفلّت من ضبطة الخلق العفّ.

ص: 304

وبذلك يكون بشار بن برد - في هذه القصيدة على الأقل - قد طلع على الشعراء بمحاولة جديدة استبدل فيها الوقوف على الأطلال أو الغزل التقليدي بقصة غزلية ذات أهداف عملية، واءم فيها ما بين ذات نفسه والنوازع الجامحة في طور اجتماعي طارئ تفاقم فيه الثراء وتمطت البطالة.

وإذا كان بعض النقاد يرفض أن يحاكم بشاراً إلى الأخلاق في شعره هذا، ويجنح في محاكمته إلى الفن وحده فقد رأينا خلو هذا الشعر من الرصيد الإِنساني، وكل أدب مضمونه الإنساني ضحل هو أدب لفظي، كان يتعالى عنه الشاعر الجاهلي في وقفاته على الأطلال. فمن منا لا يستشعر حزناً شاجيا عميقاً في الأبيات الأولى من معلقة امرئ القيس، يهيمن على الشاعر فيها إحساس حاد بمأساة الزوال أو الفناء الإِنساني من خلال مواكب الظاعنين الذين يطويهم الزمان تاركاً من بعدهم منازل مهجورة صوىً لوجودهم العابر، ومن ثم فقد انحدر حزنه عبر دمعة صادقة في قوله:

فهل عند رسم دارس من معول [43]

وإن شفائي عبرة مهراقة

ومن لا يشعر بالسرور الهادئ العميق في لحظة التعرف على الديار وما تسحب وراءها من تاريخ للأحباب والأصدقاء، في التحية الهادئة في بيت زهير:

ألا أنعم صباحاً أيها الربع واسلم [44]

فلما عرفت الدار قلت لربعها

وكذلك تغدو الديار في مقدمة رائية النابغة مثار ذكريات لا تخبت إلا إذا خبا قلب صاحبها الإِنسان، ومن بين الثمام والحجارة السود تهلّ عليه أغلا صور الماضي وأحبها:

والدار لو كلمتنا ذات أخبار

فاستعجمت دار نعم ما تكلمنا

إلا الثمام وإلا موقد النار

فما وجدت بها شيئا ألوذ به

والدهر والعيش لم يهمم بإمرار

وقد أراني ونعماً لاهيين معاً

ما أكتم الناس من حاجي وأسراري [45]

أيام تخبرني نعم وأخبرها

إنه استدعاء للماضي الذي لن يعود بما فيه من سذاجة براءة ونعمة، وإذ زال وانطوى فالمرارة الآن بعد الزوال.

ص: 305

ههنا رصيد إنساني نابع من استكناه الحياة والوجود وعَرِضيّة الأحداث وزواليّه الإنسان، وعلى ما جرت عليه هذه المقدمات من تقليدٍ دهرا طويلاً فما هي بمعارض من ألفاظ وصور، وما هي بخاوية من حسٍ إنساني رصيده الحنين والأسرة الغافي.

وقد يكون مقارنة المقدمة الغزلية في قصيدة بشار بمقدمات النسيب والغزل أولى: هذا حق، وعندها ألا يقال لنا: أليست المفاتن الجسدية التي أبرزها الشعراء في مقدماتهم حتى على مسامع الرسول في مسجده ينبغي أن يوجه إليها شجب قاسٍ على حين لم يستثر بشار بتعداد المفاتن شهواتنا؟

لو استفتينا أولا نسيب علقمة الفحل، وهو جاهلي قديم، وأوله:

بعيد الشباب عصر حان مشيب [46]

طحا بك قلب في الحسان طروب

لوجدنا فيه إطراء لخلال المرأة ذات المنعة والعفاف، للزوجة الحافظة بالغيب لما ينبغي أن يحفظ:

على بابها من أن تزار رقيب

منعمة ما يستطاع كلامها

وترضى غياب البعل حتى يؤوب

إذا غاب عنها البعل لم تفش سره

وهذه الخلقية الشامخة مفقودة في غزل بشار بل هي محطمة تحطيماً عن عمدٍ، كما يبدو من أدنى مقارنة، فإذا شفع علقمة نسيبه بما تحصل لديه من رأي في النساء لم نجد، ولو عممنا النظرة، إلا خبرة مستفادة من واقع العلائق، فإن الميول الفطرية من إيثار النساء لحداثة السن وسعة الحال، لا تثريب عليها، وكل ما في الأمر تحذير للشيوخ أن يطمعوا في مودة صادقة عند الفتيات.

وبمثل هذا الغزل لا يجاوز الشاعر إطراء المرأة الفاضلة ومراعاة التكافؤ ما بين المرأة والرجل سنا، وما يتوجب عليه من كفاية مادية. فالغزل أو النسيب يتردد بين المطالب الثابتة للمرأة والمؤهلات المرغوبة في الرجل، ولاشك أن هذا المضمون لا يخسر واقعيته أبداً.

ص: 306

وأما عرض المحاسن، وخاصة في قصيدة كعب بن زهير، فلا يعدو أن يكون الوصف الخارجي تعدادًا لصفات الجمال الجسدية المطلوبة، فالشاعر يعبر عن الذوق العام في جمال المرأة، ومتى تناءى الحديث عن الخصوص إلى العموم، وصادف ذوقاً أو رأياً مشتركاً، لم يكن غير مداعبة مشاعر فطرية، غير هادف لإثارة ولا إغواء، فهو لا يوجّه اتهاما فاحشًا إلى الشاعر إذ لا يسلط الأضواء على امرأة مخصوصة.

ولاشك أن ثمة شعراء فُتَّاكاً كامرئ القيس والأعشى، يُصرّحون بالكثير من المغامرات العملية والوقائع، وهذا خارج عن غرضنا إذ لا يرد غزلهم في مقدمة لقصيدة المدح، وهو غالباً في أثناء قصيدة يصف فيها الشاعر أحواله في فراغه ساعياً وراء أوطاره كمعلقة امرئ القيس، كما أن قصيدة متخصصة في هذا الغرض - مثل رائية عمر بن ربيعة -[47] لا تدخل في نطاق المقارنة.

ومن ثم نخلص إلى خصيصة هي أن بشار بن برد في قصيدة المدح يترسم إطار القصيدة التقليدية محافظاً على رسم متعارف عليه بين النقاد وأهل البصر بالشعر والممدوحين أنفسهم. فالمدح قصيدة عليها طابع الوقار السياسي والاجتماعي - من جهة المعاني - والوقار الأدبي - من جهة الخطة والبناء - وقد التزم بشار، كما سوف يلتزم كثير من معاصريه ولاحقيه الإطار العمودي شكلاً خارجاً وتصميما، ولكنه أحدث تبديلا جذريا في المضمون، فلا أطلال ولا غزل مادياً، ولكن قصة حب ذات ظاهر تحقيقي، لا تشى بتجربة ولا معاناة، وهي إلى السذاجة أقرب منها إلى التحليل المعمَّق.

ب وصف الرحلة:

ص: 307

ونجد في إتباع الغزل بحديث الصحراء والراحلة والسفر دليلاً آخر على استمساك بشار بالإطار العمودي في قصيدة المدح، وهو قسم اقتحم المقدمة على الشاعر اقتحاماً إذ لم يدخل في صميم العمل الفني من المقدمة، ويبدو الانقطاع بينه وبين الغزل إخلالاً فنيا كان الشاعر القديم يتخطاه كثيرًا بتخلص أو وصل حسن يضعف إحساسنا بالانقطاع وفجأة النقلة. ولعل شاعراً مخضرماً هو كعب بن زهير، كان من الكياسة الفنية بمكان في هذه الصورة اللبقة من الانتقال بعد مقدمته الغزلية المشار إليه سابقاً:

إلا العتاق النجيات لمراسيل

أمست سعاد بأرض لا يبلغها

ولا يبلغها إلا عذافرة

فيها على الأين إرقال وتبغيل [48]

فبهذين البيتن عبر بنا برزخاً إلى القسم الثاني من مقدمته، فهيأنا بسلسلة من الألفاظ الجديدة "عتاق - نجيات - مراسيل - عذافرة - إرقال - تبغيل "على الإيغال في جواء ثمانية.

عشر بيتاً في وصف الناقة. ولم يتهيَّأ لبشار تخلصٌ مرعيٌ على هذا النمط إذ ختم الغزل ببيت أعلن فيه عن يأسه من المحبوب وتسلّيه عنه بحضور مجالس القصف واللهو:

وتعزَّى قلبي وما من عزاء

22-

فتسليت بالمعازف عنها

قد يكون هذا البيت خاتمة أدنى إلى الواقعية إذ يلقي ظلاً حقيقياً لسيرة شاعر مقبل على اللذة والمتاع ولبيئة حضرية آخذة بأسباب من الغناء، ولكن خاتمة من هذا الطراز منعت بشاراً من لطف تخلص ليس عليه بعسير. وهو لم يخطئه في انتقاله إلى القسم الثاني من القصيدة، وهو المدح:

فتروى من بحره بدلاء

28-

همها أن تزور عقبة في الملك

وبذلك تحقق لحديث الرحلة والراحلة وصْلٌ بحرف المدح وهو سائبٌ من قبل الغزل، وبهذا الخلل يمكن إسقاط الغزل من غير أن يطرأ إخلال بنائي على القصيدة لا معنى ولا لفظاً، أو أن تكون المقدمة أشبه بقصيدة مُعدّة مسبقاً رُكّبت أو أضيفت في أول قصيدة المدح.

ص: 308

ولا يكاد يزيد وصف الصحراء والمطية على الرُبْع من مادة الغزل وهي نسبة تغاير المألوف في شعر الأقدمين مغايرة ظاهرة، إذ هو في الغالب أذهب في الوصف والاستقصاء، وأكثرُ عددَ أبيات من الوقوف على الأطلال والنسيب. وتشهد قصائدهم أنهم كانوا يتبارون فنياً في إتقان هذا الحيّز من الوصف بتكثير الجزئيات والمشاهد والأحداث. وليس من غرضنا الدخول في بحث تعليلي لهذه الظاهرة في عملنا هذا، ولكن لا نشك أن بشارًا توخى الاختصار فيه توخياً مقصوداً، واجتزأ بأبيات خمسة استكمالاً لحلقات العمود الشعري، لعله كان يحس إحساساً غير كاذب أن مجتمع البصرة بعيد عن الاستمتاع بالمناخ الصحراوي وبالناقة والأسفار والأخطار، فهو يوجز ويحث الخطا إلى المدح قبل أن يبطل جفاف الوصف ما رقرق الغزل من إمتاع.

والمتأمل في هذا القسم من القصيدة يحكم أن بشاراً بذل جهداً مقصوداً لتأنيسه وتنعيمه وترقيقه بالاكتفاء بأقل قدر من الغريب الذي يستدعيه حديثُ الصحراء، ثم بإضافة ألفاظ مأنوسة تمازج الغريبة في سياق البيت فتعدّل من جفائها كقوله:

ن رفاضاً يمشين مشي النساء

22-

وفلاة زوراء تلقى بها العي

ن نداء في الصبح أو كالنداء

23 -

قد تجشمتها وللجندب الجو

فالألفاظ: "العين - مشي النساء - نداء في الصبح "تضفي ظلا من الرقة على الألفاظ الضخمة الخشنة "فلاة - زوراء - رفاضاً - تجشمتها - الجندب الجون يا يكاد يخفي غرابتها.

غرض القصيدة: المدح

تبدأ القصيدة قسمها الثاني بالبيت الثامن عشر معبرًا للمدح، والحق أن الشاعر ركز فيه وفي البيت التاسع عشر المعنيين الكبيرين اللذين نسج منهما الشاعر مُلاءة المدح كله، فهما نواة هذا القسم، ومن صورتي الكناية في كل منهما نعلم أن الكرم والشجاعة قوام حقيقة ممدوحه:

ك فتروى من بحره بدلاء

28 -

همها أن تزور عقبة في المل

ب كما انشقت الدجى عن ضياء

ص: 309

29 -

مالكي تنشق عن وجهه الحر

وكلا الصورتين - على أنهما إرث متداول - تعطي مضمونها اتساعاً وسطوعاً. ومحاولة العثور على معنى ثالث يضاف إلى سجايا الممدوح لن تخرج بطائلِ. فلنوطّن أنفسنا على أن ننساب مع الشاعر في جدول هاتين السجيتين، ليقدم لنا أولاً بيانًا تحليليًا لمضمون الشجاعة والكرم:

ة والبأس والندى والوفاء

30 -

أيها السائلي عن الحزم والنجد

ومزيداً من مثلها في الغناء

31 -

إن تلك الخلال عند ابن سلم

فمن الشجاعة يتفرع الحزم والنجدة والطاقة القتالية - البأس - ومن الكرم يطلع البذل - الوفاء - وهو الوجه العملي للكرم. وثاني البيتين رديف تقريري لما قبله، والإيهام بالمبالغة في شطره الثاني لا يكسب المعنى ثراء بعد التحليل الدقيق آنفًا.

ويضيف بشار إلى المقياس التحليلي تقديراً كميّاً لكرم ممدوحه، وهو"كمّ "يفوت العدّ أو الحصر متى قورن بالسحاب المنتشر يصوب على القاصي والداني.

لقريب ونازح الدار نائي

32 -

كخراج السماء سيب يديه

وهو تقدير مقصود إذ لم يجد في صورة "البحر" المكرورة وفاءً بغرضه على حين وجد الصورة في البيت (29) تفي بقياس شدة الشجاعة والحمية فلم يدعمها بصورة أخرى. وبعد التحليل والتقدير يأتي الشاعر بالدليل، إن هناك وجهاً أو شاهداً عملياً للكرم، وهو البذل التلقائي للعفاة، لا يستخرجه سؤال سائل، فيتوافد الفقراء إلى موائده كما تهتدي الطير إلى مساقط الرزق.

ص: 310

وماذا بعد الدليل المادي على الكرم؟ لابد من علة جوهرية تبعث على كرم جم عميم. وبالفكر الدقيق والنظر المتعمق الذي حلّل فيه مضامين الشجاعة والكرم ينفذ الشاعر إلى العلة، إلى العمق النفسي لممدوحه: إنه مركب جبلّةً على العطاء فهو لا يجد نفسه إلا إذا أعطى، فإذا حقق ذاته على هذا الوجه كانت راحته ومتعته. ففي البيتن (35 - 36) يرُدّ فضيلتي الممدوح الكُبْريين إلى المنبع النفسي الأصيل، فإذا عرفت حقيقةُ العلة التي لا تتبدل ولا تُعصى لم تكن الشجاعة والكرم، مقداراً وأبعادا، موضع تساؤل أو غرابة.

ولذلك شرع بعد التعليل يوضح الآثار النفسية والسلوكية لهذا الباعث الفطري: وهي آثار لا تستهان عظمتها: لقد انتصر على سلبيتين لابد للكريم والشجاع أن ينتصر عليهما: انتصر على الخوف والجبن، وعلى البخل والشح، وإذ تحرر من عبودية الخوف والحرص فهو سيد في المجالين يهين ماله كما يهين عدوه:

الما ل ولكن يهينه للثناء

37 -

لا يهاب الوغى ولا يعبد

ل وأخرى سم على الأعداء

38 -

أريحى له يدٌ تمطر البذ

وما ثاني البيتين إلا تأكيد لأولهما، لتلك الثنائية المتزامنة بين الخصلتين.

ولما أشبع هاتين السجيتن تحليلاً ودليلاً وبياناً لآثارهما أتبع ذلك بالشواهد المادية المحسوسة على تعدّي كرمه إلى الآخرين. ولم يشأ الشاعر أن يتناول الشواهد المحسوسة من مكان بعيد بل من واقع تعامله مع الممدوح، فقد رفع مستواه المادي إذ لم يكن يلبس الخز فصار الخز له لباساً، ولم يكن له من يخدمه، فأعطاه الفتيان والجواري خدماً، وكانت ابنته لا زينة لها فصارت ترفل في الحلية، ومن صدق كرم ممدوحه أنه لما مات خادم الشاعر وذهب يشكو إليه سوء طالعه عوّضه أفحل منه.

ص: 311

وأما دليل الشجاعة فلم يذكر لنا شاهداً مشهوراً من مواقفه أو وقائعه على أنه يذكر في البيت قبل الختام أن ممدوحه رجل الدولة الأمين وموضع ثقتها وحاميها المقدام، ذكراً عامًا من غير تخصيص:

ت رجالا عن حرمة الخلفاء

53 -

قائم باللواء يدفع بالمو

فهل كان فيما ذكر من شواهد الكرم المتصلة بشخص الشاعر قوة للمدح؟.

لاشك أن الدعوى تقوى بقوة الإثبات، والإثبات يدعم الدعوى إذا كان مكافئاً لنوعيتها ودرجتها ومضمونها حتى لا ينخذل عن تأييدها.

وكنا رأينا كرم الممدوح سحاباً يعم البعيد والقريب، ولكن الشاعر ما أطلعنا من عوائد إحسانه إلا على ما خصه به الممدوح. ومن الواضح أن العطية المحدودة المقيدة لا تصلح برهاناً على كرم مطلق غير محدود. ألم يكن من الخير للشاعر لو سكت عن هذا البرهان؟ لقد

بدا الدليل المادي ضئيلاً باهتاً بين يدي الإدّعاء العريض البعيد في الأبيات المتقدمة عليه. ويزيد في ضعفه نوعيةُ الصلة بين الشعراء والممدوحين عموماً فهي قائمة على تبادل المنافع: أفلا تنسف هذه الشبهة القوية الدليل من قواعده؟

ما كان أجدر بشاراً بأن يلغي هذا الدليل المضعوف وقد أنفق في صياغته عشرة أبيات (39 - 48) ، إنه موضع السقم في القصيدة أساء لما قبله وخاس بما بعده.

أو كان يخفى على بشار تخلُّفُ هذا الموضع في قصيدته وهو أبصر أهل عصره في الشعر؟.

ما نظن ذلك ولكن شغله عن تدبر هذه الأبيات العشرة وموازنتها بطرفي المدح جشعٌ غلب عليه، إذ أقبل على ممدوحه وهو يريد فوق الجائزة المالية أعطيات إضافية كان - على ما يبدو - حريصا عليها: منها حصوله على فتى خادم، فدسَّ هذا الطلب في ثنايا المدح المثالي، فهبط هبوطاً ذريعاً. ولو راعى فنه وضبط رغبته، ووازن بين المثال والمطلب لكانت قصيدته أدنى إلى التجانس والتواؤم ما بين القضية والدليل، ما بين السجايا الشاهقة وشواهدها المتواضعة.

ص: 312

مرةً مدح زهير بن أبي سلمى - في معلقته - زعيمين من غطفان فجعلهما خير العدنانين قاطبة:

رجال بنوه من قريش وجرهم [49]

فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله

على كل حال من سحيل ومبرم

يميناً لنعم السيدان وجدتما

ومن يستبح كنزا في المجد يعظم

عظيمين في عليا معد هديتما

ولكنه ذكر كفاء قسمه وبرهانه بأن هذين السيدين أعادا السلام الذي أضاعته الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة، واشترياه بحُرِّ أموالهما حقناً للدماء، وهي مأثرة لا يحرزها إلا عظيم النفس نبيل المقصد حقاً.

تفانوا ودقوا بينهم عطر منشسم

تداركتما عبساً وذبيان بعدما

بمال ومعروف من الأمر نسلم [50]

وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً

فإذا الوقائع تعطي الثناء مصداقية غير مدافعة.

ويعود بشار بالمدح، بعد تلك الصورة الإثباتية للعطاء، إلى المثل العليا التي لا تزال ثرينة الشجاعة والكرم:

- اكتسابُ حسن الذكر والتباعد عن الذم (البيت 49) ولعل الشاعر يُلوِّح لممدوحه، من وراء هذا البيت، بالقيمة الحيوية لشعره فيه لينفرّه من الوجه المضاد للمدح ألا هو الذم. فإن صح هذا الاستشفاف للمرمى البعيد كان الشاعر يقف من وراء معناه وقفة البائع المُدِلّ ببضاعته أو الكميّ الواثق بسلاحه.

- علو كعب الممدوح في الخطابة وضراوته في الحرب (البيت 50) والخطابة صفة ووسيلة قيادية، والبيت مؤشر على حرص ذوي القيادات على أن يذكروا بهذه الفضيلة البيانية - في القرن الثاني الهجري - وبأنهم يجمعون بين حدّة السنان وبلاغة اللسان.

- نشر العوائد على الشاعر والمسارعة له ولكبار الرجال بالعون (البيت 51) .

- وفي البيت "52"يعود إلى الجمع ما بين الشجاعة والكرم في بيت واحد نظير ما صنع في كل من الأبيات الثلاثة "36 - 38".

ص: 313

- ومن البيت "52 "ينسل البيت "53"صورة ميدانية للشجاعة إحدى السجيتن، فالخلال الفطرية الممتازة في الممدوح يوظفها صاحبها في الحفاظ على الدولة، في الوفاء بالمسؤوليات الكبرى. وتكتسب الشجاعة في هذه الصورة مضموناً فخما ضخماً يوازي عظمة المسؤولية.

– ولعله أرهص بالبيتين "52 - 53" لبيت الختام "54"إذ ألف فيه مرة أخرى ما بين الفضيلتين الأم: الشجاعة والكرم، كل منهما في شطرها صيغة موفقة من التحية الهادئة للمعطاء المقدام:

وإذا سار تحت ظل اللواء

54 -

فعلى عقبة السلام مقيماً

وهو ختام - كما نرى - منحدرٌ من صلب السياق المدحيّ مركز لعُمْدتيه - الكرم والشجاعة - في تقسيم معجب وإخراج متفوق.

ولكن هذه الأبيات الستة الأخيرة من القصيدة يشكو بعضها من قلق ملحوظ في موضعه أو ترتيبه، فالبيت "49 "أولى به أن يلي البيت "37" فهو له كالرديف وبينهما وشيجة معنوية متينه، وخير للبيت "51"أن يلي البيت "48"ليكون تذييلاً جامعاً لعشرة أبيات قبله، وإذا توخينا الدقة في الترتيب ومراعاة الصلة ما بين الأبيات حسن لدينا أن نجعل البيت "53"بعد البيت "50"وبذلك تتلاقي نظائر متشاكلة. ولا يحق لناقدٍ أن يعزو الاضطراب في الترتيب في هذا القسم لشاعر حاذق ثاقب الفكر والنظر مثل بشار بن البرد إذ لا سبيل إلى القطع أن ترتيب القصيدة في ديوانه المطبوع هو الترتيب الذي روي عنه، وليس تجنياً أن تتحمل الرواية شيئاً من مسؤولية الخلل.

التقويم النقدي

(1)

عمود شعري مُعدَّل:

يحق لنا أن نحكم مبدئياً بأن العمل العقلي، والتأهب والاحتشاد للعمل الفني يهيمن على بناء هذه القصيدة في المدح. وهي قصيدة رسمية ذات عمود مرسوم. ويؤيد جانب التهيؤ والإتقان المقصود اتخاذ النقد في عصر بشار من قصيدة المدح معياراً لمكانة الشاعر فلا يعد من شعراء القمة إلا إذا تفوَّق في هذا الغرض تفوقاً ظاهراً [51] .

ص: 314

ولما عرضنا أقسام القصيدة تبين لنا التزام الشاعر بالخطة العامة، والهيكل الأساسي لعمود الشعر، واللمسات التعديلية في الأقسام حجماً ومضموناً، وهو تعديل يساير التطور الاجتماعي الآخذ باللين والدعة، ويواكب أو يلبي اتجاهات الذوق الناشئ. ونبهنا إلى الفصل ما بين قسمي المقدمة، وإلى الوصل بالتخلص الحسن إلى المدح، وإلى التعادل الكمي ما بين المقدمة والمدح وإلى الغاية المتوخاة من الإطالة في القسم الغزلي منها وهي اجتذاب المسامع واكتساب الجمهور وسيرورة القصيدة.

وفي هذا كله يطالعنا عملٌ واع جاد ومواءمة مقصودة تراعي اعتبارات أو معايير قديمة وحديثة معاً.

(2)

صياغة فكرية فنية:

ولا نغالي إذا قلنا: إن هذه القصيدة مدينة إلى فكر الشاعر وعقله لا إلى وجدانه وقلبه، فلا وَجْدَ في الغزل، ولا مشاعر شاغله من إقدام أو خوف أو رجاء في وصف السير حتى أن الرجاء المعلن عنه أسند إلى الناقة لا إلى الشاعر:

ك فتروى من بحره بدلاء

28 -

همها أن تزور عقبة في المل ـ

أما المدح فهل صدر من إعجاب حق بالقائد المثالي أو النموذجي وهل نلمح ظلاً من ولاء مشفوع بدفقة من ودّ؟ إن أعمق بؤرة عاطفية في القصيدة لا تتجاوز الشكر أو الاعتراف بالجميل في الأبيات (45 - 48) يمليه عليه أدب المجاملة، وتستدعيه وقائع المدح المتقدمة عليه.

أفكان الفكر الواعي المدقق واقفاً بالمرصاد للعواطف المستجاشة؟ لو كان في حنايا الشاعر، إذ تغزل، لاعجة من لواعج الحب أو مشاركة ودية غامرة، إذ مدح، تشايع الرغبة

المادية أو توجهها، لتبدّت تلقائيا في معانيه، والشاعر بذلك راضٍ لأن التلازم، أو الاقتران، الفكري والعاطفي وجه من وجوه القوة والتأثير، والسمو الحق في الشعر في لقائهما الموفق بل اتحادهما في عملية النظم والإبداع.

(3)

الترتيب والموالاة:

ص: 315

ولكن علينا أن نرضى بالفكر والبناء العقلي في هذه القصيدة نصيباً، وكذلك امتاز كل قسم من أقسامها بالترتيب والتوالي المحكم ما بين الأبيات - إلا ما نبهنا إليه من اضطراب الترتيب في آخر القصيدة - فالقصة الغزلية تتسلسل مواقفها وفق الترتيب الطبيعي لمجريات الأحداث: تحية المحبوبة (1 - 2) ، تذكار الماضي (3 - 7) فساد ذات البين

(8 - 9) ، الوساطة لإصلاح ذات البين (10 - 18) ، النهاية الحزينة الخائبة (19 - 22) .

وعلى الإيجاز في حديث الصحراء والراحلة فالترتيب على الغاية من الأحكام، وكل بيت يضيف إضافات جزئية أساسية للمشهد العام في البيت:

ين رفاضاً يمشين مشي النساء

23 -

وفلاة زوراء تلقى بها العـ

ويضيف البيت (24) إليه عنصراً نفسياً (خيفة متوجسة من الخلاء) وعناصر مادية من القافلة ومن شيوع الآفاق. أما البيتان (25 - 26) فيبرزان شخص الشاعر في هذا الجو الفسيح بين هوامّ الصحراء وحيوانها وسرا بها فيكثر فيهما توضع الجزئيات في أنحاء المشهد حتى إذا كان البيت (27) نشأت الناقة تحمل الشاعر في ذاك المنطلق الفسيح قريبة من العَيْن ترسم سريرها الناشط بتتابع حركات اليدين والرجلين.

وعلى أن الشاعر لم يبل الصحراء رؤية ومنظراً، وإن عاش فيها يفاعته، فقد ظفرت أبياته بالترتيب المحكم نتيجة جهد عقلي خالص ينتقل من العام إلى الخاص، ومن البسيط إلى المركب، ويوالي ما بين العناصر أو الجزئيات على قاعدة التجانس، ولنقرأ البيت:

كب فضاء موصولة بفضاء

25 -

من بلاد الخافي تغول بالر

لنعلم أن العناصر الثلاثة في البيت يحقق ما بينها التجانس ما يشبه ولادة بعضها من بعض في تسلسل منظم كتوالي جزئيات الزمن.

ص: 316

أما المدح فقد علمنا أن الموالاة يتحكم فيها ترتيب منطقي مُنسَّق: تقرير السجايا نوعاً وكماً - التدليل عليها - علة وجودها أو نشوئها - آثارها الخلقية والسلوكية - شواهد لها وأدلة - تلخيص وخاتمة.

هل تظفر خطة أو مقالة حديثة بترتيب أرصن وموالاة أحكم؟

أليست هذه الموالاة تشهد بفكر منظم يفحص المعاني المتوالدة أو المتتابعة ويلحق كلاً بجنسه وفق نسق المدح الذي فصلناه؟

إن هذه القصيدة مدينة - في الحق - إلى القدرة الفكرية الخلاقة لدى الشاعر، إلى ملكة التحليل المنطقي لطبيعة الحقائق تحليلاً يستوفي الجوانب والخصائص جميعًا. ألا نرى كيف بنى (27) بيتاً يا المدح على معنيين اثنين هما: الكرم والشجاعة، ثم ذهب فكره فيهما كل مذهب حتى استوف له منهما مدح معجب يتقدم به شعراء عصره؟

(4)

توليد المعاني:

وصف بشار نفسه مرة بذكاء القلب، "حسبه شاهداً إبداعه هذه القصيدة، وليس من مظاهر فكره الخلاق الترتيب وحده، فإنه يهتدي إليه بشيء من ترداد النظر، وفحص المعاني لتحقيق المشاكلة فيما بينهما، بل توليدُ المعاني بعضها من بعض أيضاً وتوسيعها وطريقة عرضها.

ويعتمد توليد المعاني في هذه القصيدة على القدرة التحليلية، ألا نرى أن بشاراً كان له أن يكتفي بالمطلع المستطرف:

واحذرا طرف عينها الحوراء

حييا صاحبي أم العلاء

ولكن قوة الفكر المحلل لا ترضى إلا أن تشتق من الشطر الثاني بيتاً آخر يكون للأول رديفاً وظهيرًا:

لملم والداء قبل الدواء

إن في عينها دواء وداء

والاحتراس المنطقي في قوله "والداء قبل الدواء"هو ليدفع عن الشطر الأول ما قد يوهم به العطف من ترتيب يجعل الدواء قبل الداء. فلأيّ مدى يراقب بشار معانيه وهو يفتّقها، وبأية بصيرة؟

ص: 317

إن الرجل الذي وعى علوم عصره وثقافته، وحضر حلقات ومجالس علماء الكلام يمنح شعره ثمرة عقله اللامع القادح، ولعله بهذا التحليل الدقيق تفوق على الأقران، إنه ليس سهلا أن تضع الثقافة العميقة في خدمة الشعر إلا من تمثلها حق تمثلها ودخلت في صميم بنية فكره وفي منهج تفكيره.

والمدح في القصيدة مليء بأمثاله هذه التواليدات المعنوية وكان الترابط [52] ما بينها نتيجة ممن نتائجها، إن قوله:

عقبة الخير مطعم الفقراء

33 -

حرّم الله أن ترى كابن سلم

يحتاج إلى برهان حسي، وكان البرهان:

الحـ ب وتغشى منازل الكرماء

34 -

يسقط الطير حيث ينتثر

ومن البرهان اشتق القاعدة اللازمة عنه "تغشي منازل الكرماء"وهو تتبع لفروع المعاني ناتج عن قوة المنطق التحليلي، وتوضيح الصفة بمثال، واستخلاص قاعدة من المثال.

وبذلك قدّر لبشار أن يوسّع قسم المدح من معنيين اثنين وكأنه في كل بيت منه يهب جديداً، وما هو إلا الفرع الأول أطلع غصنا من نسغه ولحائه.

(5)

الإحكام والربط:

وبشار يتوخى الإحكام في الصنعة المنطقية توخي شاعر يدفع الخلل ولو أسرف في توضيح ما هو واضح قال:

الخو ف ولكن يلذ طعم العطاء

35 -

ليس يعطيك للرجاء ولا

وأراد أن يبين أنَّ الشجاعة هي من لذة الممدوح مثل الكرم، فأراد المعنى في صياغة نظرية خالصة عارية من كل تلوين ليقرن إليها المعنى الثاني وتكون الإعادة وصلة معنوية، ليستوي البيتان في إحداث الأثر:

في عطاء ومركب للقاء

36 -

إنما لذة الجواد ابن سلم

ومن آثار الفكر المنطقي الذي يطلب الوضوح دائباً التكرارُ، وإذا كان التكرار في البيت الآنف يراد به حسن التأليف والربط فهو في مواضع كثيرة لمحض التأكيد مثل قوله:

المال ولكن يهينه للثناء

38 -

لا يهاب الوغى ولا يعبد

الني ل وأخرى سم على الأعداء

ص: 318

39 -

أريحي له يد تمطر

ويتردد هذا الغرض في عدد من أبيات المدح يكون فيها الثاني تثبيتاً للأول كالأبيات (33 - 39) فهي، إذن، ظاهرة مميزة في القصيدة يحرص فيها بشار على استقرار المعنى عند السامع وأن يبلغ الأثر فيه أبعد ماله من مدى.

ولا تنحصر هذه الظاهرة ما بين الأبيات في قسم المدح بل نجد لها نظيراً في المقدمة الغزلية في الأبيات (3 - هـ) ولكن التكرار فيها يطلب التطويل لا التأكيد.

(6)

أشكال التوليد وأسبابه:

فهل كان بشار يجنح لتكثير عدد الأبيات في القصيدة؟ قد لمحنا ذلك في موضعين من المقدمة الغزلية، وفي مواضع متعددة من المدح، ونحن، وإن كنا نرى أن بعض التكرارات لم تفد المعنى شيئاً، وجدنا أن الكثير منها كانت له فائدتان: تأكيد المعنى الذي بيّناه، وإيراد المعنى في لبوس جديد: إما في صورة محسوسة من التشبيه الضمني (انظر البيتين 33 - 34) أو الاستعارة أو الكناية (انظر البيت 38) أو التشبيه البليغ (انظر البيت 52) . وقد يكون التكرار لإصلاح الأسلوب كما بيّنا في البيتين (35 - 36) غير أن العودة إلى المعنى بالصورة الحسية هو الأغلب، وهو حرص من الشاعر متوخىً، لتكرره في غير موضع، وكأنه إذ صاغ المعنى صياغة نظرية أو رده في صورة محسوسة إمتاعاً وتثبيتاً وإظهاراً لجانب الاقتدار على الصور.

فما العلة وراء هذا الصنيع؟.

من الممكن رد هذه الظاهرة إلى علة مزدوجة:

(أ) منها عادة عقلية أو مسلك في التفكير تأصّل لدى الشاعر بتقليب المعنى على وجوهه من شتى أطرافه، أو بالصور الطريفة التي يجد السامع متعة في استعادة المعنى من خلالها، ولعل نقاد عصره أعجبوا بطريقة بشار هذه، فتمكنت من تعبيره، يشهد بهذا قول ابن الأعرابي لما أنشده رجل بيتاً لخالد الكاتب:

وليل المحب بلا آخر

رقدت ولم ترث للساهر

فاستحسنه ثم أنشده رجل لبشار:

وما بال ضوء الصبح لا يتوضح

ص: 319

خليلي ما بال الدجى لا يزحزح

أم الدهر ليل كله ليس يبرح

أضلّ الصباح المستقيم طريقه

ولكن أطال الليل هم مبرّح

أظن الدجى طالت وما طالت الدجى

فقال ابن الأعرابي للذي أنشده بيت خالد: "نحّ بيتك لا تأكله هذه الأبيات فإن بيتك طفل وهذه سباع"[53] .

أكان بشار يهيمن على الشعر والشعراء بهذا الاتساع في المعنى، وبهذه الجزالة في الأداء؟ فلم لا يلحّ على هذه الطريقة ليبقى في مركز القوة؟.

(ب) ومنها العمي، عاهةٌ جعلت فكره تجريدياً، فهو - كما يتضح من القصيدة - يقنص المعنى في صورته المعنوية المجردة من اللبوس المادي ثم يُقويه بالصور الحسية، كما كنا بيّناه، وإنّ تواتر هذا المنحى في قصيدته يومئ إلى عادة فكرية متأصلة تحكم أسلوبه في النظم، وسنبين بعد قليل أثر هذه العادة الذهنية التجريدية في اللفظ إذ هي لا تحكم المعنى وحده. إن تلك العاهة خلقت فيه باعثاً نفسياً على تقليب المعاني واشتقاقها وتفريعها: فهو ضرير، وسائله ومصادره غير بصرية، وهو مفتقر إلى الجانب البصري افتقاراً لا حيلة له فيه. أفلا يتجه، إذن، بدافع من التحدي إلى شكل من أشكال التعويض في تنويع المعنى الواحد في عبارات وصور، كأنما يقول للمبصرين: إذا كنتم ترون المعنى من زاوية فأنا قادر على رؤيته من غير زاوية.

(7)

النزعة التجريدية واللغة:

وأما أثر النزعة التجريدية في الألفاظ فقد تميزت باختيار الألفاظ التي تسع المعنى وتحيط به بدقة. لقد أراد أن يحلل الشجاعة والكرم إلى عناصرهما:

دة والبأس والندى والوفاء

30 -

أيها السائلي عن الحزم والنجـ

ص: 320

فانحلت كل منها إلى غير لفظة من أسماء المعاني في هذا الشريط الذي يروع بما فيه من تجانس - كما أشرنا - ومن دقة في تحديد المضمون. ولو مسحنا ألفاظ هذه القصيدة لوجدنا لأسماء المعاني حظا كبيرًا يقارب أو يكاد يوازي أسماء الذوات، في الغزل أو في المدح وباستطاعتنا أن نصنف طائفة كبيرة من كل من النوعين. ونجتزئ من أسماء المعاني - بالإضافة لما سبق في البيت - بمثل "دواء، داء، شقاء، النوم، ود، الهوى، جهد علم، وعد، مصير، فناء، عزاء، الخلال، الغناء، الرجاء، الخوف، العطاء، الثناء، الصفح، الصفاء، البخل، الحمد، الذم، الفضل "فإذا امتازت هذه الألفاظ بدقة التوظيف - كما هو واقع الحال - علمنا ما كان يملك من هذا النوع من مخزون ثري يقدمه ابتداءً قبل أن يشفعه بمرادف مادي.

(8)

الجزالة والإيقاع:

والحق أن بشار بن برد ملئ لغةً فياض الرصيد، يسكب معانيه في لبوس من الألفاظ قُدت لها قدًا لا أصلح ولا آنق، ولا تخطئ الأذن جرساً يجنح إلى الجزالة يسيطر على القصيدة من المطلع إلى الختام، يتماوج ونوعية المعنى: من جزالة منعمة في الغزل إلى فخامة مضخمة في المدح، في مثل قوله:

ت فغيث أجش ثر السماء

52 -

أسد يقضم الرجال وإن شئـ

وهو يتجافى عن الغريب جهده إلا إذا طلبت مادة الوصف بعض الألفاظ النائية عن الحضرية كما تقتضي طبيعة البيئة الصحراوية.

فهو، إذن، يوائم بين الألفاظ ودلالاتها الصوتية، فينخفض في لسان في مثل قوله:

وتصدت في السبت لي لشقائي

أسقمت ليلة الثلاثاء قلبي

ويرتفع بارتفاع أحرف المد المتواليات من ألف وياء في قوله:

ل ولكن يهينه للثناء

37 -

لا يهاب الوغى ولا يعبد الما

ص: 321

وهذه المشاكلة بين المعاني وألفاظها والقيم الصوتية المتآلفة منها أضفت على شعره جلالة راعت أدباء عصره. وإن الصوت ليتماوج تماوج المعنى، صادرا من التراكيب التي تتوزع البيت بإيقاع منظم، يبعث صدى موحيا بالمعنى أو بانفعال الشاعر أيما إيحاء، شأن الصدى المنبعث من البيت المتقدم، في موجات ثلاث متقاربة متناظرة من تراكيبه الثلاثة المتسقة زمناً وصيغة وإسناداً.

وتراكيبه غنية بالقيم الصوتية عموماً، ولكل بيت إيقاعٌ ينثُّه مضمونهُ، وصورُ تراكيبه نثاً ينشأ عنه تآزر تلقائي، صادر عن حسٍ لغوي فطري، بين تلك الأقطاب الثلاثة: اللفظ ومضمونه وجرسه، وهو يحقق هذا التآزر بمراعاة صيغ التراكيب أو الجمل -

كما بينا في البيت المتقدم - وغالباً ما نلقى في البيت تركيبيين، على الأقل، من صيغة وقيمة موسيقية واحدة طلباً للجرس الموقع، فالبيت (27) صورة صوتية موقعة لإرقال ناقة مسرعة:

ل مروح تغلو من الغلواء

بسبوح اليدين، عاملة الرجـ

إذ يرسم، في الزمن الواحد، الحركة مرئية بسرعتها، ومدركة بما يُولدّها من نشاط واندفاع ذاتي. والتراكيب الثلاثة الأولى ترسم السرعة، وكل من الأول والثاني تركيب إضافي، فهما من قيمة صوتية متقاربة، ومروح "توازن، سبوح "صيغة، وتحكم التراكيب الثلاثة حركة الخفض في خمس كلمات متوالية كالإيقاع المنتظم الذي ترسم أجزاؤه المتساوية

مستقيم بوثبة من الفعل "تغلو"واندفاع ممعن من المصدر "الغلواء"اندفاع من لا يريد أن يقف، يمتد بامتداد حركات ثلاث متعاقبات - في "غلواء"- من ضم بعده فتح بعده مدّ ممدود يبلغ به الانطلاق أقصاه.

ص: 322

والتشاكل الصوتي لا يقف به حسّ الشاعر عند صيغ التراكيب بل يتناول الحروف التي يراعي الانسجام ما بين أصدائها كالتقارب الصوتي في حروف كل من اللفظيين "سبوح - مروح "فهما تشتركان بحرفين متجاورين ليس قبلهما حرف من الحروف الضخمة المستعلية. ولكن إذا ألقت الوحشة ظلالها على البيت، وظهر الحرف القوي الموجس بالخوف إيجاس حرف الخاء في قوله:

ب فضاء موصولة بفضاء

من بلاد الخافي تغول بالرك

تتابعت، في ضربات إيقاعية موقوتة، الغين والضاد في ثلاثة مواضع، لتجانس الخاء في القوة والاستعلاء ولتنشر في أعقاب حروف المد رهبة غير محدودة.

والتجانس الصوتي صفة كل بيت في قصيدة بشار يجيش لحنه حيناً - كما رأينا - ويطمئن حينا اطمئنان البيت الأخير بحروف الهمس واللين:

وإذا سار تحت ظل اللواء

فعلى عقبة السلام مقيماً

على أن التجانس الصوتي، وما ينشأ عنه من إيقاع، يبلغ تمامه بالقافية.

(9)

القوافي:

وتبدو قافية كل بيت كأنها حلقة الختام في سلسلة مقدرة تقديرا، عندها تنتهي الموجة الإيقاعية، وبها تبلغ الذروة، فإذا قافية البيت تنتسب لكل لفظة فيه فيأتي من إحكام القافية بالعجب العجاب، ونظرة في الأبيات الثلاثة الأولى تهدي إلى أنّ كلمة القافية يرهص بها ما يتقدمها من الكلم إرهاصاً لا يقتضي غيرها في نهاية المطاف: أليست الصفة "حوراء"متحدة بموصوفها، والموصوف جزء من "أم العلاء"ثم هي - أي الصفة حوراء - سبب التخدير. و"الدواء" أليس محمولا على الشطر الأول من البيت الثاني، و"إزاء"في إطار الجملة الدعائية ألم يرهص له "على رغم إزاء".

ألا يدل إيراد كلمة وفاء في قافية البيت (3) بعد لفظة "ندى"على التلازم المعنوي بينهما فإنه لا كرم على الحقيقة إلا بالوفاء به؟ والحق أن المصادر - أسماء المعاني الدالة على الفضائل - تتساند في رتل متراص حتى يكون آخرها القافية:

دة والبأس والندى والوفاء

ص: 323

أيها السائلي عن الحزم والنج

والبيت "45 "تنسل قافيته من أول كلمة فيه. وليس من غرضنا التتبع لقوافي الأبيات كلها غير أن قافية البيت الخامس تفاجئ المستمع مفاجأة:

ثم راحت في الحلة الخضراء

5 -

وغداة الخميس قد موتتني

وليس في البيت أو ما قبله ترشيح يقتضي هذا اللون دون غيره، ولعل الشاعر أراد أن يوهم أنه يحبها وهي في حلتها الخضراء إذ تبدو أجمل في عينيه لتعلق نفسه بهذا اللون، وقريب منه البيت السابع عشر:

د فأوفى ما قلت بالروحاء

17 -

قد يسيء الفتى ولا يخلف الوعـ

ولا يطالعنا اسم هذا الموضع من قبل ولا من بعد، ولا يرشح له حديث لقاء صريحٍ. فلماذا هذه المفاجأة بالقافية وما كان لمثل شاعرنا أن يخطئه الضعف فيها لو أحس فيها ضعفا؟ لا تعليل سوى أنْ أراد بذكر اسم المكان إضفاء لون الواقعية على العلاقة، ولكنها لا تنزل محكمة في مستقرها إحكام القوافي الأخر [54] ، واستبدالها بنظير آخر لا يزلزل بناء البيت.

(10)

أصالة الأداء:

كل ما في هذه القصيدة ينبئ عن أصالة مبرأة من الوهن، وكذاك الشاعر الفحل، ألم يقل ابن الأعرابي: إن أبيات بشار سباع تهم أن تأكل بغاث الشعر؟

وهذه الأصالة تجعل العاديّ المستهلك طريفاً، وتخرج المشاع من المعاني في حلة قشيبة، وهل ثمة ذيوع أوسع من ذيوع كلمتي الشجاعة والكرم، ولكن بشاراً، بأسلوب مبدع من أساليب العرض، - يحملنا على الإعجاب بها كما نعجب بمبتكر طارئ أليس في أسلوب السؤال والتقرير في قوله:

دة والبأس والندى والوفاء

30 -

أيها السائلي عن الحزم والنجـ

ومزيداً من مثلها في العطاء

31 -

إن تلك الخلال عند ابن سلم

إحياء لهذين المعنيين: لقد فقدت الفضيلتان وأضلهما الناس ولكن الشاعر يعرف إنساناً واحدا لا يزال وحده يحتفظ بهما، فإذا تعب الباحث عنهما وأخبره الشاعر بمكانهما أفما دَلّه على شيء ثمين؟

ص: 324

وأساليب الشاعر التي تسهم في بحث المعاني الهامدة عديدة: منها الدعاء في قوله:

م إزاءٍ لا طاب عيشى إزاء

3 -

رب ممشى منها إلينا على رغـ

والاستغاثة في قوله:

يا لقومي دمي على حمّاء

8 -

ثم صدّت لقول حمّاء فينا

وفي الدعاء على الرقيب أو الواشي محتوىً نفسي كبير: مكابدة ذاتية أو ضيق يعانيه الشاعر ممن يرقبه ويفسد عليه صفاء وصاله، فاستحق الرقيب أن يُدْعى عليه بمثل ما جنى. وليست الجدّة في تركيب الدعاء الثابت الإطار وحده ولكن في مادة المضمون الموافقة للموقف أيضاً:"لا طاب عيشي إزاء".

ولو أن تركيب الاستغاثة في البيت عراه تعديل طفيف لخبا الإيحاء المعنوي الواسع الطيف: إنه استعدى قومه "يا لقومي دمي على حماء"- وههنا جوهر الفن: فلو استعدى فرداً: صديقاً أو قريبًا، لكان محتوى الاستغاثة غير مليء ولا مشع، ولكن الاستغاثة بقومه جميعاً، يحملّهم عبء دمه المراق أحيت تلك الصورة الجماعية التاريخية الصاخبة، صورة القبيلة قاطبة يستفزها الصريخ على نبأة الثأر، فتهب بالضجيج والعجيج والغضب.

فأي حدث خطير، وأي ضحية بريئة، وأي هول مشتعل ينشره تركيب الاستغاثة بمضمونه هذا

إنها الأساليب التي بها ينفخ الشاعر العبقري روح الحياة والجدّة في المعاني واللغة!

(11)

الخيال:

عدد الصور الخيالية في القصيدة دون عدد نصف أبياتها، أكثرها التشبيه وأقلها الاستعارة، ولا تخلو من الكنايات. والفحص المدقق لمفردات تلك الصور يهدي إلى مصادرها فهي من الموروث الشائع قديمه وحديثه، والاستعارة في قوله:

لملم والداء قبل الدواء

2 -

إن في عينها دواء وداء

ص: 325

مستخلصة، في تآلف مركز، من صورتين يتداولهما حديث الغزل:"النظرة القاتلة"ومر بنا شعر لجرير فيها - و"النظرة الشافية"الشائعة على الألسن. والجهد الفني هو التأليف ما بين المتضادين في اللفظ المتجانس في تركيز يحكمه المنطق الواضح. فالطرافة في السبك والعرض لا في المادة.

ولعل بشاراً كان يستهدف كثيراً الجمع أو المقابلة ما بين الصورتين المتضادين ضرباً من الجهد الإبداعي تعويضاً عن الإبدل في الصورة: كذلك يقف كل من الاستعارة والتشبيه وجهاً لوجه في قوله:

ل وأخرى سم على الأعداء

38 -

أريحي له يد تمطر النيـ

وأسلوب التضاد طريقة من طرق الفكر التوضيحي يُعول عليها بشار أحيانا بين أركان الصورة الواحدة.

كما انشقت الدجى عن ضياء

29 -

مالكي تنشق عن وجهه الحرب

فالنور بارز من الظلمة هيكل للمشبه والمشبه به في هذا التشبيه التمثيلي.

وإذا كان في أسلوب التضاد مَسْحة فنية فإن التقليدية البحتة في غير أسلوب التضاد.

ك فتروى من بحره بدلاء

28 -

همها أن تزور عقبة في الملـ

لقريب ونازح الدار ناء

32 -

كخراج السماء سيب يديه

ولكن الصور التقليدية ينالها رشاش من الفن والحياة إذا أضيف إليها توابع تكميلية من نعوت مفردة أو جملة موحية ومُضخِّمة لمضمونها مثل قوله:

ت فغيث أجشى ثر السماء

52 -

أسد يقضم الرجال وإن شئـ

وفيما غير ذلك لا تكون الصورة من التشبيه أو الاستعارة إلا استبدالا باللفظ الحقيقي، ولا جدوى فيها إلا الإيجاز بنيابة اللفظ المجازي أحياناً عن غير لفظ حقيقي مثل "كخراج السماء سيب يديه"وأقواله:

كان ما بيننا كظل السراء

19 -

فاستهلت بعبرة ثم قالت

مشرفات يطرفن طرف الظباء

9 -

لا تلوما فإنها من نساء

ن رفاضاً يمشين مشي النساء

23 -

وفلاة زوراء تلقي بها العيـ

ص: 326

ولكن بعض الصور تتفوق في "المضمون "وتحقق تجسيداً مادياً للمعنى وصفته معاً يوائم نوعيته ويقوي الأثر الانطباعي المقصود، كما في قوله:

يشترى الحمد والثناء ويرى الـ

ذم فظيعاً كالحية الرقشاء

فالتأليف ما بين "الذم - الحية الرقشاء"يعتمد على حس دقيق في التوافق ما بين المعنوي والنظير والشبيه المادي، إن الذم ينفث السم المميت!

وهذا ما يجعل الصورة، عند بشار، من البيت في الموضع المستقر كأنها الجزء الطبيعي من التعبير ولو استقلت الصورة بالبيت كله، كقوله:

ب وتغشى منازل الكرماء

34 -

يسقط الطير حيث ينتثر الحـ

فهو الرديف البرهاني لما تقدمه:

عقبة الخطير مطعم الفقراء

33 -

حرّم الله أن ترى كابن سلم

ذلك أن التشبيه الضمني يتفتح شاهداً واقعياً، لا يُدْفَع على الكرم العمِّ كما يشهد لبشار بمحرزات ابتكارية تتأتى له في عنفوان النظم، ولكن النظر فيه يدل على أنه صناعة عقلية أكثر منه خطفاً خيالياً، ألا ترى إلى الربط ما بين الفعل "سقوط الطير - وعلته - انتثار الحب "وأعرق صوره إبداعاً تتداعى من عناصر ألّفَ بينها التفكير والتنسيق المنطقي الواعي، ألم يعجب النقاد والبلغاء بقوله:

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه [55]

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا

وهي صورة ركّبها فكره البصير من عناصر يتزامنُ حدوثُها؟

وثمة فرقٌ بين الخيال الخلاق والخيال الفكري، فالأول يلمح الصورة في خطفة برق من الإبدال وتستوي له تامة متكاملة كقول الخنساء:

يتعاوران مُلاءة الحَضْر

جارى أباه فأقبلا وهما

صقران قد حطا على وكر [56]

وهما وقد برزا كأنهما

ص: 327

والثاني يخطط للصورة ويهيئ عناصرهما ثم يخرجها على نسق ونظام ومقارنات محكومة بالفكر. وصور بشار الخيالية من هذا المورد، وثمة صورة في القصيدة جاءت كرتين في المقدمة وبصياغة واحدة وألفاظ مترادفة، وليست من الصور المجنحة إبداعاً، إنها من النوع القريب يعبر بها عن الإحساس بالخفة أو فقدان الثقالة والوزن قال:

بك حتى كأنني في الهواء

7 -

واستخف الفؤاد شوقاً إلى قر

ق صريعا كأنه في الفضاء

15 -

أنت باعدته فأمسى من الشو

وأحسب الصورة بمضمونها هذا مما كان يدور على ألسن العامة من الصور العفوية فنقلها هو إلى الشعر كأنما قد استحدثها، وأظنها ذات صلة وثيقة بذاته، أو بإحدى عقده النفسية إذ كان ضخماً طوالا مُثقَّلا، ومن يدري لعله كان يضيق بالسمن المفرط صدراً

ويشتهي النحول والرشاقة لما فيهما من القبول، وبعض غزله ينم عن هذه الرغبة المكبوتة:

لو توكأت عليه لانهدم [57]

إن في بُرْدَيَّ جسما ناحلاً

فكان يتوق إلى أن يستشعر نفسه خفيفاً كالورقة في مهب الريح، فتوافي هذه الصورة تعبيراً رامزاً إلى التوق المستكن ما وراء الشعور الواعي. ولهذه الصورة أصول في الموروث من التراث الأدبي، في القرآن العظيم وفي غيره.

ص: 328

وهي في كتاب الله يملؤها مضمون آخر هو الخوف وذهاب النفس من الفزع. قال تعالى يذكر ذل الكفار يوم القيامة وقد طارت قلوبهم هولاً {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} [58] . ولها نوع اتصال بعناصر من صورة أخرى من كلام الله {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [59] . كما تلاقي قول العرب: "طارت نفسه شعاعًا"بعنصر ضمني هو الفضاء، وذلك إذا تفرقت هِمَمهُا ورأْيُها ولم تتجه لأمر [60] في الخوف المسيطر، قال قطري بن الفجاعة:

من الأبطال ويحك لن تراعي [61]

أقول لها وقد طارت شعاعاً

واختلاف المضمون لا يمنع قرابة الصور واشتقاق بعض من وحي بعض.

ولكن التعبير الواقعي والمجازي - الخيالي - في هذه القصيدة صنوان في التقنية الفنية ووظيفة الأداء، وبذلك نجد الخيالي تتمة طبيعية لما هو حقيقي، فهو في الموضع الأمكن من البناء الفني، غير أنه لا يُشكّل إبداعاً مميزاً إلا ندوراً، وذلك للاعتداد بالمادة التقليدية وبالجهد الفكري في إخراج الصور الخيالية، على أن التحكم الفكري الواعي في نَوْعيّ الأداء الواقعي والخيالي جعل في الواقعي شاعرية وجاذبية لا تقل عن الخيالي لما امتاز به الشاعر من تدقيق في تحديد الأوضاع والصفات الحقيقية كما قال في صفة الناقة:

ل مروح تغلو من الغلواء

27 -

بسبوح اليدين عاملة الرجـ

وفي الفتى الوصيف:

باع صَلْتَ الخدين غضَّ الفَتاء

40 -

وحباني به أغر طويل إلى الـ

فهذه الصورة المخططة باللفظ الحقيقي ليست، في سياق الأداء، دون الصورة التي رسمها التشبيه للوصيف:

ث غاداك خارجاً من ضراء

44 -

فتنجزته أشم كجرو الليـ

ص: 329

وكنا بيّننا في غير هذا الموضع الآثار السلبية والإِيجابية لعاهة العمى في تناوله معانيه، وهي آثار تنسحب على الملكة الخيالية أيضاً.

(12)

لمسات بديعية:

وأما الصنعة البديعية فهي في بواكير إقبالها من جناس وطباق عفوي لا يكاد يشعرك بموقعه لولا أنك تتحرّى عنه، فهو من اقتضاء المعنى لا من قصد التزيين، ولذلك لا يدخل في جوهر العمل. ومن يدعي على الشاعر أنه يجتلب من بعيد مثل قوله "داء ودواء - الدجى والضياء - الثناء والذم "؟.

استنبطنا من القصيدة كثيرا من أصول الإصدار الفني وخططه لدي الشاعر، فإذا تتابعت الجهود على دراسة عدة قصائد له تمثل مختلف فنون شعره وأغراضه أمكن تكوين صورة موضوعية لبواعث الإبدال ومظاهره وقيمته الفنية عند بشار بن برد.

والحمد الله رب العالمين

مقدمة: دواعي الدراسة.

القصيدة.

الشاعر والقصيدة.

بناء القصيدة.

- المقدمة: (أ) 1لغزل (ب) الرحلة.

- الغرض (المدح) .

التقويم النقدي:

1 -

عمود شعري مُعدل. 7 - النزعة التجريدية واللغة.

2 -

صياغة فكرية فنية. 8 - الجزالة والإيقاع.

3 -

الترتيب والموالاة. 9 - القوافي.

4 -

توليد المعاني. 10 - أصالة الأداء.

5 -

الإحكام والربط. 11 - الخيال.

6 -

أشكال التوليد وأسبابه. 12 لمسات بديعية.

راجع الدراسة

(1)

الأغاني: أبو الفرج الأصبهاني، المجلد الثالث. طبعة دار الكتب.

(2)

أمالي المرتضي، الشريف المرتضي، علي بن الحسن. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب. القاهرة سنة 1954م.

(3)

بروكلمان: 1: 72، الملحق 1: 108 - 110.

ص: 330

(4)

بشار بن برد: طه الحاجري، دار المعارف. بيروت سنة 1950 م.

(5)

بشار بن برد: عبد القادر المازني. دار إحياء الكتب العربية. القاهرة سنة 944 م.

(6)

بشار بن برد: عمر فروخ. بيروت سنة 1949م.

(7)

بشار بن برد: ديوان بشار بن برد. ت: الشيخ محمد طاهر عاشور، الشركة التونسية للتوزيع سنة 1976 م.

(8)

بشار بن برد: محمد النويهي. مكتبة النهضة المصرية. سنة1951 م.

(9)

تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، المجلد السابع.

(10)

جمهرة أشعار العرب، أبو زيد القرشي، تحقيق علي محمد البجاوي. دار نهضة مصر للطبع والنشر.

(11)

دلائل الإعجاز. عبد القادر الجرجاني. ت: محمود محمد شاكر. القاهرة.

(12)

ديوان امرئ القيس. ت: أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف. مصر 1969 م.

(13)

ديوان الخنساء. دار صادر. بيروت.

(14)

ديوان شعر الخوارج، تحقيق وجمع. د إحسان عباس. دار الشروق. بيروت سنة 1982 م.

(15)

ديوان عمر بن أبي ربيعة. دار صادر. بيروت.

(16)

ديوان كعب بن زهير، صنعة السكري. ط دار الكتب سنة1950 م.

(17)

ديوان النابغة الذبياني. ت: عاشور. تونس سنة 1976 م.

(18)

ديوان جرير: تحقيق الصاوي. ط النوري. دمشق.

(19)

شرح ديوان علقمة الفحل. السيد أحمد الصقر. المطبعة المحمدية. القاهرة.

(20)

شرح القصائد السبع الطوال. أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري. تحقيق عبد السلام محمد هارون. ط 2. دار المعارف بمصر.

(21)

الشعر والشعراء ابن قتيبة. ت: أحمد محمد شاكر. ط 3. سنة1977 م.

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

نصاً كاملا من ديوان بشار بن برد: 1/132. ت: عاشور، تونس1976 م.

[2]

أم العلاء: امرأة وهمية، وحوراء صفة من الحور: شدة بياض العين في شدة سوادها (الصحاح)

ص: 331

[3]

مُلم: ألم بالمكان: داناه وبالقوم نزل بهم.

[4]

إزاء: اسم الرجل الرقيب على تلك المرأة.

[5]

أصبت عيني بداء: كناية عن امتناع النوم عليها.

[6]

حماء: اسم امرأة والحماء والأحم السوداء والأسود.

[7]

مشرفات: من نساء ذوات طول أو ذوات شرف ومكانة.

[8]

الوأي: الوعد.

[9]

الروحاء: مكان.

[10]

العبرة: الدمعة، واستهلت: بكت، والسراء: شجر تتخذ منه القسيّ ظله مديد، أرادت عهداً قصيرا لم يدم إلا الظل.

[11]

السُرْسورة: المقربة إليها المؤتمنة على سرها، والخلطاء: الأصحاب الذين تخالطهم ويخالطونك.

[12]

فلاة زوراء: مترامية الأطراف، والعين: بقر الوحش الواحدة عيناء. ورفاضا: متفرقة.

[13]

من بلاد الخافي: بلاد الجن، وتغوّل: مخففة من تتغول، أي يختفي فيها الركب فلا يهتدي إليه لاتساعها.

[14]

تجشمتها: تحملت أخطار السير فيها، والجندب ضرب من الجراد إذا اشتد الحر صوَّت.

[15]

قال: هجع في القيلولة، عند الظهر، واليعفور: حمار الوحش، والآل: السراب وريعانه: شدته، وارتكض: اضصرب. والنهاء: جمع نهى آخر الماء الوادي.

[16]

السبوح: السريعة تسبح في مشيها كأنها الحوت في الماء، مروح: نشيطة تغلو: تزداد حيوية ونشاطاً، والغلواء مصدر تغلو.

[17]

الدلاء: جمع دلو يستقي به الماء.

[18]

مالكي: نسبة إلى جده مالك بن فهم، تنشق عن وجهه الحرب: يتقدم الصفوف ويخرج منها منتصرًا منير الوجه.

[19]

الخلال: السجايا والأخلاق، الغناء: النفع والكفاية.

[20]

خراج السماء: غيثها.

[21]

أريحي: مهتز لفعل الخير والمعروف، والنيل: العطاء.

[22]

الخز: نوع من الحرير، الحور: جمع حوراء أراد المرأة الجميلة خلا: ترك الحلاء: الحلية.

ص: 332

[23]

حباني به: أعطاني مملوكا والضمير في به يعود إلى غير مذكور، صلت: واسع عريض، الفتاء: القوة والشباب.

[24]

النجاء: المناجاة أي قال علنا مصرحاً.

[25]

المنصف: الخادم والوصيف.

[26]

تنجزته: وفى بوعده لي، أي أخذته منه بوعده لي، والضراء: الشجر الكثير.

[27]

السر: الخالص من كل شيء.

[28]

الحية الرقشاء: ذات النقط، وهي شديدة السم.

[29]

يفرع المنابر: يعلوها.

[30]

ثر السماء: كثير السحاب والتهطال.

[31]

الأغاني: 3/194.

[32]

الشعر والشعراء: 1/ 80- 81، ابن قتيبة،: أحمد محمد شاكر، ط3، 1977 م.

[33]

شرح القصائد السبع الطوال: ص 237، الأنباري أبوبكر، ت: عبد السلام محمد هارون، ط 2، دار المعارف بمصر.

[34]

جمهرة أشعار العرب. ص 202، أبو زيد القرشي، ت: علي محمد البجاوي، القاهرة.

[35]

كذاك كان وصف الناقة في شعر كعب صحراوياً بحتاً.

[36]

انظر جمهرة أشعار العرب: ص 643، ت: البجاوي، ط دار نهصة مصر.

[37]

ديوان امرئ القيس: ص 13، ت: أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر 1969 م.

[38]

ديوان النابغة الذبياني: ص 95، 57، ت: عاشور، تونس 1976 م.

[39]

ديوان جرير: ص 594، ط الصاوي.

[40]

الأغاني: 3/ 154.

[41]

أمالي المرتضي: 2/ 139، ت: أبو الفضل إبراهيم. القاهرة.

[42]

دلائل الإِعجاز: ص 411، الجرجاني ت: محمود محمد شاكر، القاهرة.

[43]

ديوان امرئ القيس: ص 9.

[44]

شرح القصائد السبع الطوال: 239.

[45]

ديوان النابغة: ص 142.

[46]

شرح ديوان علقمة الفحل، السيد أحمد صقر، المطبعة المحمودية بالقاهرة.

[47]

ديوان عمر بن أبي ربيعة: ص 120، ط. دار صادر، بيروت.

[48]

ديوان كعب بن زهير: ص 9.

[49]

جمهرة أشعار العرب: 161- 162.

ص: 333

[50]

جمهرة أشعار العرب: 161- 162.

[51]

انظر رأي بلال بن أبي بردة الأشعري في جمهرة أشعار العرب، المقدمة ص 67-68 ورأي أبي عبيدة ص99.

[52]

الترابط: بمعنى الربط، من قولهم ماء مترابط: دائم لا ينزح (الصحاح) .

[53]

تاريخ بغداد: ج7 ص 114، الخطيب البغدادي.

[54]

في قصائد فحول الجاهليين أسماء الأمكنة في القوافي يرشح لها بذكر مواضع قبلها. انظر معلقة امرئ القيس (اللامية) ومعلقة زهير بن أبي سلمي وليد.

[55]

دلائل الإعجاز: 96، الجرجاني، ت: محمود محمد شاكر، القاهرة.

[56]

ديوان الخنساء: ص 76، دار صادر، بيروت. الحضر: عدو الفرس. والملاءة: ريطة تلبسها المرأة.

[57]

الأغاني: 3/ 151.

[58]

سورة إبراهيم الآية (43) . ومعنى هواء في الآية. أفئدتهم ذات فراغ مجوفة، يملها الهواء لا الحكمة ولا الخير.

[59]

سورة الحج الآية (31) .

[60]

الصحاح (شعع) .

[61]

ديوان الخوارج: ص 122 جمع وتحقيق إحسان عباس. دار الشروق بيروت.

ص: 334