الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 79-80
فهرس المحتويات
1-
كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة ما عني به الشيخ الإمام العالم العلامة: صلاح الدين العلائي (694- 761هـ) ؛ دراسة وتحقيق: الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
2-
خطَّاب المارديّ ومنهجه في النحو: للدكتور حسن موسى الشاعر
3-
التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين: د/ سليمان بن إبراهيم العايد
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م
كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة
ما عني به الشيخ الإمام العالم العلامة
صلاح الدين العلائي (694- 761هـ)
دراسة وتحقيق
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ المساعد بقسم الدراسات العليا
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
تمهيد
الحمد لله حمداً كثيرا لا يحصى عدده، ولا يدرك منتهاه، وأشهد أن الله إله فرد صمد، تنزه عن مشابهة خلقه، واستوى على عرشه، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وسع كرسيه السموات والأرض، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، أرسله بالهدى ودين الحق، ولهداية البشرية اجتباه.
أما بعد: فإن المتتبع لجهود علماء الأمة الإسلامية منذ عهد الصحابة- رضي الله عنهم إلى يومنا هذا يجد من صبرهم على البحث والتتبع لفرائد العلم وفوائده، والغوص في بحور العلم والمعرفة، ما يشيب له الولدان، وتحار العقول في الموازنة بين ذلك الإنتاج الهائل - الذي تجلى في أدق صفاته، من حيث الكيف والكثرة- وبين الوقت المنجز فيه، إنها أزمنة قياسية لن تحطم، تقف العقول مشدوهة أمام تلك الصلابة الحسية المتمثلة في الصبر على عناء البحث، ومشقة التتبع العلميين، والمعنوية المتمثلة في ذلك السد المنيع الواقف أمام التيارات المعادية لشريعة الإسلام بقضها وقضيضها، تلك العداوة المستمرة التي لا تفتأ ترسل حملاتها الشعواء على السنة وأهلها الحملة تلو الحملة، ولكنها تبوء بالفشل، وإن كانت تثير بعض الجدل، لكن سرعان ما يظهر الحق ويعود الكيد إلى نحور أهله.
ولو أخذنا مثلا على هذا، جهود العلماء لخدمة السنة النبوية، لرأينا العجب العجاب من أولئك الجهابذة الذين جندوا أفكارهم، وجردوا أقلامهم لصيد كل فائدة من كنوز هذا الدين، فكان من جهودهم، حفظ النصوص، وشرح الألفاظ، وتذليل كل ما يحول دون الفهم، من أجل بيان الحق لطالبيه، والذود عن حرم السنة المقدسة، كي تبقى سيدة الموقف في كل زمان ومكان، ولا غرابة، فالسنة مصدر التشريع الثاني، وهي موضحة لما في كتاب الله من الإجمال، ومفصلة له بأوضح المعاني، فكان الإعداد لحملتها منحة من الله عز وجل لهذه الأمة، فهيأهم لحمل هذا المنصب الجليل، وأمدهم بكل المقومات، النفسية، والفكرية، والعقلية، فكان من ذكائهم ما لا يوصف، ومن حفظهم ما يشبه الخيال، ومن صبرهم ما يثقل الجبال، ومن إيمانهم بشريعة الله وصفاء عقيدتهم، ما يجعلهم يدفعون النفس والنفيس في سبيل إظهار الحق، وقمع الباطل، وهذا ما يلمسه المتتبع لأخبارهم العارف بصفاتهم وأحوالهم، أفكارهم تجوب ميادين العلم والمعرفة دون كلل أو ملل، فكانت الثمرة إثراء المكتبة الإسلامية بالنفائس في مختلف الموضوعات، الجمع الشامل، التصنيف النوعي، أو الجزئي، أو تتبع النكت، والبحث عن المضايق العلمية، وإيجاد الحلول المناسبة لكل إشكال.
ولقد كان العلائي رحمه الله أحد العلماء النابهين الأفذاذ، متمتعا بقدر كبير من الحذق والذكاء، استغل هذه المواهب في خدمة العلم الشرعي في مجالاته الواسعة، وأعطى كل جانب علمي عناية خاصة، وصفة من البحث محددة، مقدما بذلك عصارة أفكاره خدمة للشريعة الإسلامية وكانت جهوده ثمرة لا تقدر بثمن، ومن تلك الجهود المشكورة كتابه الذي نقدمه اليوم إسهاما في تزويد المكتبة الإسلامية بالنافع المفيد، وهو عمل لم تظهر ضخامته في الكم، لكنها برزت من حيث الكيف، فتتبع تلك المواضع المشكلة، وإيجاد الحلول العلمية لها، ليس بالأمر السهل، وطرق مثل هذه المضايق لا يقدم عليه إلا الفحول من العلماء فقد تتبع العلائي رحمه الله مواضع أشكلت على العلماء في الصحيحين، والسنن الأربعة ولا أراه إلا أجاد وأفاد، وأنبأ عمله عن حذق وقوة ملاحظته، ورأيت من المناسب عدم تحديد تلك المواضع في المقدمة، خشية الإطالة، ورغبة في كون الإبهام دافعاً للقارئ الكريم إلى قراءة هذا المؤلف النفيس، والوقوف على مواطن الإشكال لتمام الفائدة، وليسعد بالمزيد من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قراءة المؤلف، وهذا في حد ذاته فضل عظيم، يندب إليه القارئ الكريم.
وتجدر الإشارة إلى أنني جعلت العمل بعد هذا التمهيد على النحو التالي:
ثلاثة أقسام، وخاتمة، وفهارس.
القسم الأول: وفيه فصلان:
الفصل الأول: ترجمة العلائي. في مباحث.
الفصل الثاني: معلومات موجزة عن الكتب التي أورد عليقا التنبيهات ومؤلفيها.
القسم الثاني: وفيه فصلان:
الفصل الأول: بيان عملي في الكتاب.
الفصل الثاني: تسمية الكتاب ووصف نسخته الخطية.
القسم الثالث: تحقيق نصوص الكتاب.
ثم الخاتمة، والفهارس.
القسم الأول
(الفصل الأول)
ترجمة العلائي
لم يطل المتقدمون البحث في نسب العلائي، فأوائل المترجمين له من أمثال الذهبي [1] والحافظ ابن حجر، والسبكي [2] ، لم يزيدوا على أن ذكروا اسمه، واسم أبيه، والنسبة، وزاد ابن العماد [3] اسم الجد.
اسمه ونسبه:
هو صلاح الدين، أبو سعيد، خليل بن كيكَلدي بن عبد الله، العلائي [4] ، الشافعي [5] .
ولادته:
ولد سنة أربع وتسعين وستمائة (694هـ) من الهجرة في دمشق [6] .
نشأته:
نشأ في مدينة دمشق، وتلقى العلم على علمائها وخطبائها، فختم القرآن العظيم، وسمع الحديث الشريف، وابتدأ قراءة العربية، وغيرها من العلوم [7] .
أسرته:
لم تفصح المصادر بشيء عن أسرة العلائي، وكل ما تيسر الوقوف عليه في هذا الشّأن، هو أن العلائي تركي الأصل، وأن أباه كان جنديا [8] وقد نسبه الدكتور زهير الناصر، فقال:"ابن الأمير سيف الدين كيكلدي "[9] "وهذا يعني أن العلائي من أسرة ذات شأن، لكن يعكر على هذه المعلومة أمران:
الأول: عدم الوقوف على المصدر الذي أورد هذه المعلومة.
الثاني: أن الأسنوي قال عن العلائي: "منسوبا إلى بعض الأمراء"[10] .
وهذا يعني عكس ما تقدم. لكن ثبت أن جده لأمه كان عالماً [11] ، أسهم في تعليم حفيده العلائي [12] .
سعيه في طلب العلم:
الذي أراه أن العلائي توجه إلى العلم بعناية جده لأمه، وكان الجد عالماً يحفظ متوناً ويذاكر بفوائد، وما من شك في أنه دفع حفيده لأخذ الرواية والسماع، حتى أصبح على قدر من الوعي والعلم، واستيعاب المعلقات، وسنه لم يجاوز التاسعة، أي أنه بلغ هذه الرتبة العلمية وهو في عمر طالب في السنة الثالثة الابتدائية في زماننا هذا، ولا عجب، فالفارق كبير، فإن الذاكرة غير الذاكرة، والهمة غير الهمة، والتربية غير التربية.
إن العلائي في هذا السن كان يتعامل مع صحيح البخاري، وصحيح مسلم، ففي سنة ثلاث وسبعمائة (703هـ) سمع صحيح مسلم على شرف الدين الفزاري، وعمره يومذاك تسع سنوات، وفي سنة أربع وسبعمائة (704هـ) سمع صحيح البخاري على علي بن مشرف [13] ، وفيها ابتدأ بقراءة العربية وغيرها على الشيخ نجم الدين القحفازي، والفقه والفرائض على الشيخ زكي الدين زكوي [14] كل هذا ولم يجاوز عشر سنوات، وهو يحظى برعاية جده لأمه، وبعد هذا بدأ العلائي استقلاله العلمي في سنة إحدى عشرة وسبعمائة (711هـ) . أي: في السابعة عشرة من عمره، فاشتغل بالفقه والعربية، وطلب الحديث بنفسه، وقرأ فأكثر [15] .
رحلاته:
سبق القول أن العلائي- رحمه الله ولد بدمشق [16] ، وبها تأهل لطلب العلم، والرحلة في سبيله، ومنها تأهب للرحلة، إذ خرج في سنة سبع عشرة وسبعمائة بصحبة شيخه ابن الزملكاني [17] ، في طريقهما إلى القدس ولازم شيخه المذكور، وتخرج به، وعلق عنه كثيراً، ولازم البرهان الفزاري وخرج له مشيخة [18] ، ورحل إلى الحجاز- مكة- سنة (720 هـ) بصحبة شيخه ابن الزملكاني، حيث سمع من الشيخ رضي الدين الطبري [19] ، ثم رحل إلى مصر وأقام بها مدة، وسمع، وعاد إلى مكة مرات للحج، وأقام مجاورا، رحل إلى القدس واستوطنها [20] .
وهكذا قضى العلائي- رحمه الله قدراً من عمره في الرحلة بين الشام والحجاز ومصر [21] والقدس، بحثا عن الخير والعطاء، نال بذلك شرفا، وأعطى عطاء العلماء الصالحين الشرفاء.
شيوخه:
لم تكن همة العلائي رحمه الله قاصرة في البحث عن العلم وأهله بل كان يفتش عن مصادره، ويرتوي من منابعه، بدأ حياته بتحصيله، وختمها بجمعه وتصنيفه، ذكر أنه أخذ عن سبعمائة من الشيوخ في مختلف العلوم [22] منهم:
1 -
شرف الدين الفزاري، أحمد بن إبراهيم بن سباع، كان فصيحاً لا يكاد يلحن، مع طيب النغمة، ولين الكلمة، وحسن التودد والدين والأمانة، متوسط المعرفة بالرجال [23] ، تلا بالقراءات السبع، وحدّث بالصحيح، والسنن الكبير، وولي مشيخة الحديث بالظاهرية [24] . وقد سمع عليه العلائي صحيح مسلم في سنة ثلاث وسبعمائة، وفيه كمل عليه ختم القرآن الكريم [25] .
2-
ابن مشرف الفزارى، محمد بن أبي العز، كان فصيحا، مناظرا متدينا، مرضي الأحكام [26] ، وقد سمع عليه العلائي صحيح البخاري.
3-
ابن الزملكاني، محمد بن علي بن عبد الواحد، كان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء أهل زمانه، درس وأفتى وصنف، وتخرج به الأصحاب [27] ، ومنهم العلائي، فقد لازمه وتأثّر به، وقرأ عليه الحافظ الذهبي أربعين حديثاً، وكان لا يقرّب إلا المهرة من تلاميذه [28] .
4-
برهان الدين الفزاري، إبراهيم بن عبد الرحمن بن سباع، الإمام الفقيه، شيخ الإسلام، برهان الدين أبو إسحاق ابن الفقيه الإمام شيخ الإسلام تاج الدين، انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه ووجوهه مع علم بمتون الأحكام، وعلم بالأصول والعربية [29] . وقد لازمه العلائي واستفاد منه، وخرّج له مشيخة.
5-
رضي الدين الطبري، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الإمام القدوة، العابد، له علم وفهم وديانة [30] ، وكان إمام المقام الشافعي، وأتقن المذهب، قال العلائي:"هو أجلّ شيوخي"[31] .
6-
نجم الدين القحفازي، علي بن داود بن يحيى، ساق الحافظ نسبه إلى عبد الله بن الزبير، سمع عدة أجزاء، وسمع الموطأ وغيره، ولم يحدث، وقرأ القراءات بالروايات، وكان بقية أعيان الشاميين في العربية [32] وكان من أذكياء وقته، مع الديانة والورع [33] .
7-
ابن تيمية: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن تيمية، كان شيخاً إماماً، عالماً، علامة فقيها، حافظا، زاهدا، عابدا، مجاهدا، قدوة، لقبه العلماء بـ "شيخ الإسلام "[34] ، كان ذكيا، كثير المحفوظ، قلّ أن سمع شيئا إلا حفظه، حتى قيل: إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها [35] ، فخالف الأئمة الأربعة في عدة مسائل، صنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة [36] ، وما قوطع في مجلس، ولا تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه، وكان حاملا راية الحديث، حفظا ونقدا وتمييزا، ناظر واستدل، وهو دون البلوغ، وأفتى ودرّس، وهو دون العشرين، "صنف وصار من كبار العلماء في حياة شيوخه [37] ، اجتمعت فيه شروط الاجتهاد [38] ، وحاز ثناء العلماء وعمره ثلاثون سنة [39] ، صنف أكثر من أربعة آلاف كراسة [40] ، رحمه الله رحمة واسعة.
8-
المزي: يوسف بن عبد الرحمن، أبو الحجاج، المزي، حامل لواء معرفة الرجال، والقائم بأعبائها، لم تر العيون مثله، ولم تعرف له صبوة، ترافق هو وابن تيمية كثيرا، وكان يقرر طريقة السلف في السنة، ويعضد ذلك بمباحث نظرية، وقواعد كلامية [41] ، أثنى عليه الإمام ابن تيمية، وأخرجه من السجن، وكان سبب سجنه قراءته لكتاب خلق أفعال العباد [42] . وبعد موته جمع تلميذه الحافظ العلائي جزءا سماه "سلوان التعزي عن الحافظ المزي"[43] .
حالته الاجتماعية:
إن المسلم يرقى إلى الفضائل، ويأخذ بأسباب الكمال، لا سيما في مجال الدين والأخلاق، وقد اعتنى الدين الإسلامي بهذا الجانب، وحث على التعامل مع أسبابه المعنوية والمادية، ومنها الزواج الذي شرعه الله عز وجل وبناه على أسس متينة، تشكل الحقوق والواجبات للطرفين.
وقد أخذ العلائي رحمه الله بأسباب الفضل والكمال، معنوية ومادية فكما أوضحت المصادر إقدامه على طلب العلم، وكسبه الوفير لفنونه وصنوفه بيّنت أنه لم يبلغ الثلاثين من عمره إلا وهو رب أسرة لها حقوقها، وعليه التزامات الرعاية والتوجيه، فابنته أسماء، ولدت في سنة خمس وعشرين وسبعمائة [44] ، والذي نستجليه من المصادر، أنه تزوج بعد عودته من الرحلة مع شيخه الزملكاني إلى بيت المقدس، وخلال إقامته بدمشق [45] أنجب أبناءه أحمد، وأسماء، وأمة الرحيم، الذين تجلت محبته لهم في الرعاية الفكرية إذ أفادهم من علمه الوافر، وعرضهم على حفاظ دمشق والقاهرة [46] .
الآخذون عنه:
لا يساور الشك أحدا اطلع على ترجمة العلائي، وعرف مباشرته التدريس في العديد من دور العلم، مع وجود أفاضل العلماء، في كثرة الآخذين عنه، بل يجزم بأنهم من الكثرة بمكان، ولولا الرغبة في عدم الإطالة، لتتبعت الأمر وقدمت ما يؤيد هذا الميول، غير أنه لابد من تعريف القارئ الكريم بأن في مقدمة الآخذين عنه: ابنه، وبنتيه، وهم:
1-
أبو الخير، أحمد بن خليل العلائي، اعتنى به والده، فأسمعه من حفاظ دمشق، ورحل به إلى القاهرة، وسمع من حفاظها، سكن بيت المقدس، وصار من أعيانها، شدت إليه الرحال للسماع منه، وممن رحل إليه الحافظ ابن حجر، لكنه لم يدركه، بلغه موته وهو بالرملة فعرج عن القدس إلى الشام [47] ، مات سنة 802هـ، لكن الحافظ أخذ عنه بالإجازة [48] .
2-
أم محمد، أسماء بنت خليل العلائي، اعتنى بها والدها وأسمعها من حفاظ دمشق، والقاهرة، ولعلها زوجة شيخ الفقهاء الشافعية: إسماعيل بن علي القلقشندي [49] . توفيت ببيت المقدس سنة 975هـ[50] .
3-
أمة الرحيم، زينب بنت خليل العلائى، سمعت وحدثت، وتوفيت قبل أختها بأيام [51] .
4-
الحافظ الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، التركماني، طلب الحديث وله ثمان عشرة سنة، وتعب فيه وخدمه، إلى أن رسخت فيه قدمه [52] ، ومهر فيه، وفي غيره من العلوم، حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفاً، وكان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم [53] ، والقائم بأعباء صناعة الحديث [54] ، عرف العلائي، وأثنى عليه، وأخذ عنه، قال:"وثنا في درسه عن جماعة"[55] . (673-774 هـ) وهو من شيوخه.
5-
ابن كثير: إسماعيل بن عمر، فقيه متفنن، ومحدث متقن، مفسر نقال، وله تصانيف مفيدة [56] ، كان من محدثي الفقهاء، ولم يكن على طريقة المحدثين في تحصيل العوالي، وتمييز العالي من النازل [57]، قال السيوطي:"العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه، وعلله واختلاف طرقه، ورجاله جرحا وتعديلا،، وأما العالي والنازل ونحو ذلك، فهو من الفضلات، لا من الأصول المهمة"[58] . قلت: وما ذكره السيوطي- رحمه الله متحقق لدى الحافظ الإمام ابن كثير وتفسيره وغيره ينبئ بذلك. (700-774 هـ) . أخذ عن العلائي [59] .
6-
زين الدين العراقي: أبو الفضل، عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، اشتغل بالعلوم، وأحب الحديث فأكثر من السماع، وتقدم في فن الحديث، كان حافظ العصر [60]، أخذ عن العلائي. وقال:"مات حافظ المشرق والمغرب صلاح الدين العلائي"[61] . (725-806 هـ) .
7-
القلقشندي: أبو الفداء، إسماعيل بن علي بن الحسن، حفظ القرآن، ومختصرات في العلوم، وتفقه فدرس وأفتى، وبرع وتصدر لنشر العلم، حتى صار أوحد عصره، مرجعا في المذهب، مستحضرا للروضة، صاهر العلائي على ابنته [62] . (702-778هـ) .
8-
السبكي: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، صاحب الطبقات كان عارفا بالأمور، جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاضي قبله، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله [63] . أخذ عن العلائي قال:"حدثنا الفقيه أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائي من لفظه بالمسجد الأقصى، وذكر سنده إلى أبي داود بحديث قدر الدية"[64] .
دراسة عصر العلائي بإيجاز
الناحية السياسية:
تميز عصر العلائي في الجانب السياسي بكثرة الحروب والفتن، فقد كان عهد المماليك ميدانا فسيحا لتلك الأحداث المؤلمة من الداخل والخارج فقد وقعت بين المسلمين مطاحنات جسيمة كلفت الطرفين خسائر مادية ومعنوية وكان ضررها على المسلمين بالغ الأثر لأسباب منها: شتات القيادة الإسلامية، وكثرت النزاعات والخلافات الداخلية، السبب الذي جعل التتر يكلفون المسلمين خسائر فادحة في المجالين العسكري والاقتصادي، وتوالت الملاحم الشرسة بين الطرفين من أمثال ملحمة وادي الخزندار قرب حمص، قتل فيها فوق عشرة آلاف من المسلمين [65] ، وحدث أن دخل التتر دمشق، وكلفوا المسلمين خسائر في الأرواح، ونهبت الأموال وأسر أكثر من أربعة آلاف، وحرقت المدارس، ضربا من أولئك الأعداء للجوانب العسكرية والاقتصادية والتعليمية [66] ، فكان لتلك الهجمات الشرسة أثرها السلبي على مناشط الحياة في البلاد، على أن نفحات من الإصلاح السياسي، وإقامة الحصون والقلاع تخللت هذا العصر، وكان لها الأثر البالغ في انتصارات المسلمين.
الناحية الاجتماعية:
كان الناس في الإطار العام للدولة يعانون من الشتات الاجتماعي مما سهل لكثير من الآفات الاجتماعية أن تنشط في الحياة الاجتماعية، فانتشرت الأمراض، وتوسعت دائرة الفقر، وظهرت المفاسد الخلقية في مواقع من البلاد، وهذا كان منفذا للأعداء، سهل لهم الوصول إلى كثير من الأمصار الإسلامية، وغايتهم إضعاف الدولة الإسلامية، وكسر شوكتها ثم القضاء عليها، على أن هذا العصر لم يخل من ومضات إصلاحية في شتى المجالات، كثيرا ما تعرقلها الخلافات الداخلية، وتهاجمها الحملات الخارجية، وقد أبطلت الفواحش والقمار، والخمور، وقرئت بذلك المراسيم [67] ، وعممت على البلاد في بعض الأحيان. وكان لها الأثر الإيجابي في حياة المسلمين.
الناحية العلمية:
لقد كان للهجمة التترية الشرسة على العالم الإسلامي أثرها السيء، فقد أخرت عجلة التقدم الحضاري في المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية بوجه خاص، وكان المجال العلمي أقل الثلاثة تأثرا، وذلك ليقظة علماء المسلمين الذين كان لهم دور بارز في الإصلاح العلمي، إذ جردوا عن سواعد الجد، ونشطوا في دفع عجلة الحضارة العلمية، وكان لدعم الولاة أثر بارز في بناء المدارس، وتكريم العلماء، حتى ارتفعت ألوية العلم والمعرفة وازدهر التأليف في مختلف العلوم والفنون، فبرز علماء أفذاذ، أثروا المكتبة الإسلامية بذخائر، تجسدت آثارها في الحياة عند المسلمين عبر الأجيال.
الناحية الحضارية بوجه عام:
حاول أعداء الإسلام غير مرة القضاء على الحضارة الإسلامية من خلال ضرب المراكز الثقافية، ومن أعظم ما منيت به الثورة المعرفية الإسلامية إسقاط الدولة العباسية، والاستيلاء على مهد حضارتها ببغداد في عام 656 هـ.
وكانت الهجمة التترية في غاية الحقد والهمجية، انتقاما من الإسلام وأهله، غير أن تلك القسوة لم تكن محققة لأطماع الأعداء من التتر وغيرهم، فقد احتضنت مصر والشام الحضارة الإسلامية، وحاول القطران القيام بأعباء الحضارة في مختلف الأدوار على غرار ما قدمت بغداد، لاسيما في المجال العلمي، وقد كان للمماليك دور بارز في إقامة الجوامع الكبيرة ودور العلم، حتى أضحت القاهرة بديلا عن بغداد، شيدت فيها مراكز العلم والمعرفة، وتوزعت جهود المماليك في محاولة جادة لإقامة الحضارة الإسلامية من خلال بناء المدارس، وتشييد الجوامع، ورفع الحصون والقلاع لحماية الثغور والمدن، ونصب الجسور على الأنهار، وحفر القنوات، وسك العملات وكانت إيجابيات الحضارة العلمية ملموسة في حياة المسلمين في ذلك العصر، رغم الاضطرابات السياسية في الداخل والخارج [68] .
مكانة العلائي العلمية:
تقدم القول أن الزملكاني كان لا يقرب إلا المهرة من تلاميذه [69] ، وقد كان العلائي مكتسبا لهذه الصفة، مما جعل الزملكاني يحتفظ به تلميذا بارزا وملازما له سفرا وحضرا [70] ، وكانت صحة الذهن، وسرعة الفهم صفتين تتمع بهما العلائي، مع جد واجتهاد في طلب العلم، حتى تقدم في العلوم وفاق على أقرانه [71] ، واحتل مكانة علمية عالية، السبب الذي جعل شيخه المزي - وهو المشهود له بالحفظ وعلو المرتبة في العلم والإمامة - ينزل للعلائي عن مشيخة حلقة صاحب حمص، فدرس بها العلائي، وحضر عنده الفقهاء والقضاة والأعيان [72] ، وكان عمره حينذاك ثلاثا وثلاثين سنة [73] ، بلغ الإمامة والتفنن في عدد من العلوم، ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن، كان حافظ زمانه لم ير السبكي خلفا له سواه، ولم يخلف العلائي مثله [74] ، وما يأتي في ذكر مناصبه وألقابه العلمية شاهد على علمه وتقدمه، وقد نقل السبكي عن والده قوله:"ما أعلم أحداً يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق"
…
قال السبكي: "وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي"[75] .
وفي ما تقدم برهان يوقف القارئ الكريم على ما كان يتمتع به العلائي رحمه الله من مكانة علمية رفيعة، أقر بها كبار العلماء، فقد فاق الأقران وانتزع المناصب من الشيوخ والأعيان [76] ، لأنه العالم المتبحر، والناقد المنظّر، والمؤلف المحرر، تقدم في علم الرجال والعلل، والمتون والأسانيد [77] كان حافظ زمانه [78] ، يستحضر الرجال والعلل [79] ، بلغ الإمامة في علوم كثيرة [80] ، برع وحقّق ودقّق، قال الصفدي:"اجتمعت به مرة بدمشق، والقدس، والقاهرة، وارتويت من فوائده في كل علم، وقلّ أن رأيت مثله في تحقيق ما يقوله، وتدقيقه [81] ، ولم يكن أحد يدانيه في الحديث في عصره"[82] .
عقيدته:
لم يسعف الوقت بدراسة مؤلفات العلائي- رحمه الله للوقوف على نصوص تحدد اتجاهه في الاعتقاد، لكن وقفت على قول السبكي في أثناء ترجمته للعلائي:"كان حافظا، ثبتا، ثقة، عارفا بأسماء الرجال، والعلل والمتون، فقيها، متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، ناثرا، متفننا، أشعريا، صحيح العقيدة، سنيا"[83] .
وقال الحسيني: "لبس خرقة التصوف"[84] .
ولا أعتقد أن السبكي يطلق القول في تحديد المعتقد مجازفة، فلابد أن يكون كلامه عن علم ويقين، لا سيما وهو معاصر للعلائي، وأخذ عنه وهو في بيت المقدس. أما خرقة التصوف، فلعلها شعار للصوفية، أو لمرتبة منها. والله أعلم.
ولا علم لي بنوعية هذا التصوف، أهو من جنس التصوف الذي وصفه به ابن تيمية شيخ العلائي، أو من جنس آخر؟ غير أن الذي أعرفه أن الأشاعرة وقفوا من شيخ الإسلام وقفات ناله منها الأذى، وكفره بعض العلماء، وناصره آخرون، فما موقف العلائي من شيخه ابن تيمية؟.
هذا السؤال يجيب عنه العلائي- رحمه الله وهو ما وقف عليه الحافظ ابن حجر، قال:
"وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي في ثبت شيخ شيوخنا الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل ما نصه: "وسمع بهاء الدين- المذكور- على الشيخين، شيخنا وسيدنا وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى، شيخ التحقيق، السالك بمن اتبعه أحسن طريق، ذي الفضائل المتكاثرة، والحجج الباهرة، التي أقرت الأمم كافة، أن هممها عن حصرها قاصرة، ومتعنا الله بعلومه الفاخرة، ونفعنا به في الدنيا والآخرة، وهو الشيخ الإمام العالم الرباني، والحبر البحر القطب النوراني، إمام الأئمة، بركه الأمة، علامة العلماء، وارث الأنبياء، آخر المجتهدين، أوحد علماء الدين، شيخ الإسلام، حجة الأعلام، قدوة الأنام، برهان المتعلمين، قامع المبتدعين، سيف الناظرين، بحر العلوم، كنز المستفيدين، ترجمان القرآن، أعجوبة الزمان، فريد العصر والأوان، تقي الدين، إمام المسلمين، حجة الله على العالمين، اللاحق بالصالحين، والمشبه بالماضين، مفتي الفرق، ناصر الحق، علامة الهدى، عمدة الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، ركن الشريعة، ذو الفنون البديعة: أبو العباس ابن تيمية" [85] .
هذا الثناء العطر من العلائي، قد يجر الواقف عليه إلى الميل لمخالفة ما حكاه السبكي، غير أن الثناء ليس دليلا على المسايرة في الاعتقاد، فالسبكي يذكر ما يشبه التأييد لقوله السابق. قال عن العلائي:"وكان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة [86] ، ولا يبعد أن يكون سبب هذه الخصومات مباحث في العقيدة". والله أعلم.
ذكر بعض صفاته:
لابد من النظر في جانبين للتعرف على الصفات بصورة شاملة. وهذا:
1-
الجانب الحسي من الصفات:
هذا الجانب لم أقف على بيان وصفي للناحية الشكلية لشخص العلائي- رحمه الله، من حيث الطول والقصر، واللون وغيره من الصفات الحسية، غير أن الحافظ ابن حجر يذكر أنه كان بزي الجند [87] ، وهذا يقودنا إلى معلومة هامة، وهي أن العلائي عمل في الرباط، وروّض نفسه على الجهاد في سبيل الله، يؤيد هذا قول النعيمي:"وكان أولا يعاني الجندية"[88] . ومعاناة الجندية والعلم، وصف لا يكاد يجتمع إلا لقلة من الناس، من أمثال ابن المبارك، وابن تيمية، الذين متعوا بحظ وافر من الشجاعة والعلم، لكن العلائي لم يقض حياته في الجندية، بل عاود الاشتغال بالفقه والأصول [89] ، وتزي بزي الفقهاء [90]- ألبسه شيخه كمال الدين بن الزملكاني- ولبس خرقة التصوف- ألبسه أبو المجامع بن حمويه الجويني -[91] ، وإن كان التصوف في عصره منذر بخطر.
2-
الجانب المعنوي:
تمتع العلائي- رحمه الله بحظ وافر من الصفات المعنوية، وكان في مقدمتها صحة الذهن، وسرعة الفهم، الشيء الذي جعله يحفظ الكتب، وينظر في العلل والرجال، ولتقدم في مبدأ العلم والمعرفة [92] ، وبرز في مجال التصنيف، فألف كتبا كثيرة جدا، سائرة مشّهورة، نافعة متقنة محررة [93] ، وكان شجاعا قوي الشخصية، ذا سطوة، جمع بين العلم والدين، والكرم والمروءة [94] ، والبراعة والذكاء والفصاحة، وقوة المناظرة [95] .
ألقابه العلمية:
إن المتتبع لأقوال الأئمة النقاد والعارفين بأحوال الرجال، يبهره ذلك الاتفاق والتواتر على نقل أعلى رتب الألقاب العلمية، وتصوير ترجمة العلائي بها، فتأتي في مقدمة الحلل العلمية الباهرة. من ذلك:
الحافظ [96] :
وهو لقب لا يناله إلا ذووا الأذهان الصافية والأفهام السريعة.
الإمام [97] :
وهو لقب علمي لا يطلقه العلماء إلا على من نال أعلى الرتب العلمية، واستطاع بعلمه الغزير وإبداعه في مختلف العلوم، أن يخضع العلماء للاعتراف بتقدمه وقدرته العلمية، وقد وصف العلائي بالإمامة في علوم عدّة [98] .
الفقيه [99] :
وهو لقب علمي لا يدركه إلا من خرّج المسائل الفقهية، وعرف اختلاف العلماء، وبرع في المذهب.
المفتي [100] :
منصب عظيم، وحمل جسيم، لا أراه مستحقا إلا لمن جمع أصناف الألقاب السابقة وزيادة، وقد لقب به العلائي، وأجازه بذاك شيخه الزملكاني وقاضي القضاة سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وعمره ثلاثون سنة [101] .
وخلاصة القول: جمع العديد من الألقاب العلمية، وتصانيفه تشهد بجدارته واستحقاقه لما لقب به. وقد سرد له السيوطي جملة من الألقاب. فقال:"الشيخ الإمام العلامة، الحافظ الفقيه"[102] . وقال النعيمي:"الشيخ الإمام، العلامة، الحافظ، المحدث الفقيه، الأصولي الأديب"[103] . وله على كل لقب دليل من مؤلفاته رحمه الله.
مناصبه:
إن ما تمتع بها العلائي- رحمه الله من نباهة وعلم، وفصاحة وسطوة ومناعة، كانت أسبابا - بعد فضل الله - أنالته مناصب رفيعة، كان أولها ممارسة التدريس وعمره ثلاث وعشرون سنة، ولم يكن هذا المنصب الرفيع سهل الارتقاء، لكثرة الناقدين، والمبارزين في ميادين شتى من العلوم والفنون، فلا يجرؤ على كرسي الحلقة إلا من نال علما غزيرا، وتفقه، وقد درس العلائي في دمشق في المدارس التالية:
1-
دار الحديث الناصرية [104] :
وكان ذلك في سنة ثمان عشرة وسبعمائة من الهجرة [105] ، وهي المدرسة الأولى التي بدأ فيها نشر علومه على طلاب العلم، وأول تلك العلوم، علم الحديث وعمره أربع وعشرون سنة.
2-
دار الحديث الأسدية [106] :
وكان عمره ثمانيا وعشرين سنة - أي: في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة [107] .
3-
حلقة صاحب حمص:
درس بها وعمره أربع وثلاثون سنة، في يوم الأربعاء، ثاني المحرم، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وحضر درسه، القضاة والفقهاء والأعيان، وقد نزل له عن هذه الحلقة: المزي- رحمه الله[108] .
أما بالقدس فدرس في المدارس التالية::
1-
المدرسة الصلاحية بالقدس [109] :
درس بها العلائي وعمره سبع وثلاثون سنة، أي: سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، انتزعها من علاء الدين علي بن أيوب المقدسي [110] ، وقد كانت كنيسة زمن الروم، ونزل عنها العلائي لزوج ابنته القلقشندي [111] .
2-
مدرسة دار الحديث السيفية [112] :
تولى العلائي مشيختها، وهي من مدارس القدس [113] .
3-
دار الحديث والقرآن التنكزية [114] :
درس بها العلائي [115] .
وكان تاج هذه المناصب الإفتاء، والإمامة في العلوم، وكان العلائي قديرا على مزاولة هذه المناصب، والقيام بأعبائها [116] .
مؤلفات العلائي:
كان العلائي- رحمه الله واعيا بأساليب الجمع والتصنيف، محيطا بطرق التخريج والتأليف، مجيدا الانتقاء للأبواب والأجزاء [117] ، فكان له من المصنفات أجودها، ومن المؤلفات أحسنها، أثرى بعطائه، في هذا الميدان، المكتبة الإسلامية بالنفائس مما خزنته ذاكرته، ووعاه قلبه، وسطره قلمه، ما يقارب خمسين كتابا في مختلف العلوم الإسلامية، منها الكتاب ذو الأجزاء الكثيرة، والمجلد ذو الفوائد المنثورة، والجزء النافع المتتبع لمواطن الإشكال، وقد أحصاها الدكتور زهير الناصر [118] . أذكر عددا منها للتمثيل، ولا حاجة في نظري للتطويل:
1-
التفسير:
في هذا العلم العظيم، تفسير القرآن العظيم، كتب العلائي رحمه الله سبعة مصنفات منها:
أ- السفينة الكبرى في تفسير القرآن العظيم.
ب - برهان التيسير في عنوان التفسير.
2-
الحديث:
صنف في الحديث الشريف وعلومه، تسعة عشر كتابا. منها:
أ- التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة، وهو موضوع تحقيقنا.
ب - النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح.
3-
الفقه:
صنف فيه العلائي، تسعة كتب. منها:
أ- الأشباه والنظائر في فروع الفقه الشافعي.
ب- فتاوى صلاح الدين العلائي.
4-
أصول الفقه:
صنف العلائي في هذا العلم، ستة كتب. منها:
أ- تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال.
ب- تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد.
5-
الأخلاق والسلوك:
أ- الأمالي الأربعين في أعمال المتقين.
ب - عقيلة المطالب في ذكر أشرف الصفات والمناقب.
ومن يقف على مؤلفات العلائي، يعلم إلى أي مدى كان الحسيني صادقا حين قال:"كان إماما في الفقه والنحو، والأصول، متفننا في علوم الحديث وفنونه، حتى صار بقية الحفاظ، عارفا بالرجال، علامة في المتون والأسانيد، ومصنفاته تنبئ عن إمامته في كل فن، ولم يخلف بعده مثله"[119] .
وكان العلائي ناظما للشعر [120] ، له في الأدب مشاركة جيدة، بل إن السبكي يقول:
"كان
…
متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، ناثرا " [121] .
ومن نظم العلائي- رحمه الله:
تسير به في مهمه وسباسب
ألا إنما الدنيا مطية راكب
وإما إلى شر وسوء معاطب
فإما إلى خير يسر نواله
لما كنت في طول الحياة براغب
فلولا ثلاث هنّ أفضل مقصد
عن النقص والتشبيه رب المواهب
ملازمة خير اعتقاد منزها
عقود معانيها لتفهيم طالب
ونشر علوم للشريعة ناظما
دنيّ حطام أو عليّ مناصب
وصوني نفسي عن مزاحمة على
معجلة من خوف ند مغالب
ففي ذاك عز بالقنوع وراحة
مقال حق صادق غير كاذب
وحسبك في ذا قول عالم عصره
ورتبة أهل العلم أسنى المراتب [122]
كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب
وخاتمة الحسنى ونيل الرغائب
ومع ذاك أرجو من إلهي عفوه
بهن اعتصامي من وبيل المصائب
ويطعمني في ذي الثلاثة ثلاثة
مهيمن من عليا لؤي بن غالب
محبة خير الخلق أحمد مصطفى الـ
ومن بعدهم من تابع في المذاهب
وإني موال للصحابة كلهم
أرى حبهم حتم عليّ كواجب
وبالأولياء الغر حسن تعلقي [123]
حياتي وموتي والإله محاسبي " [124]
فحسبي بهذا كله لي عدة
وقد رثى العلائي رحمه الله شيخه الزملكاني بقصيدة [125] .
وفاته:
ذكرت المصادر [126] أن الإمام العلائي- رحمه الله توفي في الخامس- أو الثالث- من المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة [127] ، ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جوار سور المسجد [128] ، بعد رحلة علمية استمرت أكثر من ستين سنة، كان حصادها العلم النافع، والثناء الواسع. فالله نسأل أن يثيبه على أعماله الصالحة، وأن يعفو عن زلته، ولا يحرمه لقاء البررة الأخيار في الجنة، مسكن الأبرار.
وتجدر الإشارة إلى أنني وقفت على دراسة الأخوين الكريمين الدكتور: زهير الناصر - عند تحقيقه لجامع التحصيل-، والدكتور: عبد الرحيم القشقري - عند تحقيقه منيف الرتبة -. واستفدت من جهودهما. فجزاهما الله خيرا.
وفي نظري لا يعتبر الجهد مكررا من حيث العرض وإثارة المعلومات فلكل أسلوبه ومنهجه. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(الفصل الثاني)
معلومات موجزة عن الكتب التي أورد عليها التنبيهات ومؤلفيها
ذكر الحافظ العلائي- رحمه الله في مقدمة كتابه هذا أن عمله تضمن التنبيه على مواضع مشكلة، وقعت في كتب الحديث المهمات، الصحيحين والسنن، وغيرهما.
ومعلوم أن مراده بالصحيحين: صحيح البخاري،وصحيح مسلم. وبالسنن: أبي داود، وسنن ابن ماجة، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وبغيرهما: الموطأ، ولم يذكر سواه.
ويحسن بنا أن نعرِّف الكتب التي تعرض لمواضع مشكلة فيها، ونعرف - أيضا- بمؤلفيها باختصار:
1-
صحيح الإمام البخاري:
سماه الإمام البخاري (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول صلى الله عليه وسلم وأيامه وسننه)[129] . وهو أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، بذل فيه الإمام البخاري أقصى درجات الحيطة والتثبت، ومن ذلك:
أ- الانتقاء، وهذه مرحلة علمية شاقة، روي عن الإمام البخاري قوله:"خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث"[130]، وقوله:"لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر"[131] .
ب- المبالغة في التروي والبحث بدقة عن المتيقّن، ودعم ذلك بالصلاة والاستخارة، قال البخاري رحمه الله:"ما كتبت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين"[132] . فيكون رحمه الله اغتسل عدد الأحاديث، وصلى ضعف عددها، بحثاً عن الصدق وبعداً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جـ - اشترط أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي راويان فأكثر فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصحّ الطريق إليه كفى [133] .
والبخاري- رحمه الله لم يكتف بمعاصرة الراوي لشيخه، بل اشترط اجتماعهما، وثبوت اللقاء بينهما [134] ، من هنا يعلم الدارس يقيناً أن الإمام البخاري بهذا المنهج الفريد قدم للأمة عملا ما سبقه إليه مثيل، ولن يلحقه بمثله مغير، لذلك صار كتابه بحق أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى [135] ، وعلى صحة ما فيه وقبوله، أجمع علماء الأمة [136] .
أما الإمام البخاري: فهو: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل، البخاري إمام المحدثين، صدر في هذا الشأن بغير منازع، فاق الحفاظ والمتقنين لم نسمع بأحفظ منه ولا أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – ومقاصده، ومؤلفاته تنبئ عن تقدمه في الرواية والدراية، ولد في سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة، في مدينة بخاري من بلاد خراسان، تحدث عنه العلماء بما يذهل، من بداية طلبه العلم إلى وفاته، وكان مستجاب الدعوة، مات سنة ست وخمسين ومائتين، في قرية من قرى سمرقند- رحمه الله[137] .
2-
صحيح مسلم:
كان الإمام مسلم رحمه الله مقتديا بأستاذه الكبير الإمام البخاري من حيث العناية بالصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه سلك طريقا تخالف البخاري من حيث المنهج، وهنا قال بعض الأئمة:"ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم بن الحجاج "[138]، لكن مسلما فاته شيخه في الحيطة والتثبت. ومن ذلك:
أ- تحقيق جانب العلم بهذا الشأن رواية ودراية، قال الإمام مسلم- رحمه الله:
"إن من الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقدين لها، والمتهمين، ألاّ يروى منها إلاّ ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع "[139] . وهذا مبدأ التثبت في النقل.
ب- الانتقاء، قال الإمام مسلم:"صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة"[140] .
جـ- التروي وعدم العجلة، قال الإمام مسلم:"ما وضعت في كتابي هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئا إلاّ بحجة "[141] .
د- العرض على العلماء، قال الإمام مسلم:"عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار، أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة خرجته"[142] .
هـ- شرط الإمام مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد، بنقل الثقة عن الثقة، من أوّله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ والعلة [143] ، واكتفى بمطلق المعاصرة بين الراوي ومن روى عنه، ومن هنا أحرز الكتاب الرتبة الثانية بعد صحيح البخاري، وهذا الذي عليه المحققون من أهل العلم. قال النووى رحمه الله:"كتاب البخاري أصحهما وأكثر فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح البخاري هو المذهب المختار، قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث "[144] . ولم يرو مسلم عن البخاري شيئا في كتابه الصحيح، وعذره في ذلك من وجوه، منها: أنه شارك الإمام البخاري في كثير من شيوخه، والرغبة في علو الإسناد مطلب عند أئمة الحديث.
أما الإمام مسلم: فهو أبو الحسين، مسلم بن الحجاج، القشيري ولد سنة أربع ومائتين (204) من الهجرة، ونشأ في بيت علم وفضل، دوّن العلماء حياته ومآثره، وذكروا من علمه وفضله ما يجعله جديرا بلقب الإمام، مقدما على الكثيرين، تلقت الأمة كتابه الصحيح بالقبول، عمّر ما يقارب سبعا وخمسين سنة، كانت حافلة بالفضل والعلم والعمل، أورث الأمة الإسلامية كنزا به تعتز وتفخر بوثوق نصوصه وصحتها [145] .
3-
سنن أبي داود:
تقدم القول أن أصحّ الكتب - بعد كتاب الله تعالى- كتاب البخاري ويليه في الرتبة الثانية كتاب الإمام مسلم، وهما الصحيحان، أما الرتبة الثالثة، فإن العلماء جعلوها من حظ كتاب أبي داود "السنن"، فقد أثنى عليه أهل العلم، وذكروا له مآثر تجعله جديرا بهذه المكانة، وقد كتبه أبو داود على أبواب الفقه مقتصرا على السن، مبينا الأحكام، لم يتعرض لمباحث الأخبار، والقصص، ولا لأبواب الزهد، وفضائل الأعمال، اتبع طريقة الانتخاب. قال رحمه الله: "كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث [146] ، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:
أحدها: قوله عليه السلام: "الأعمال بالنيات".
والثاني: قوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".
والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه".
والرابع: قوله: "الحلال بين والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات "[147] .
وكانت الاستشارة العلمية هدفا هاما عند أبي داود، إذ عرض كتابه على الإمام أحمد فاستحسنه [148] ، واعتنى بكتابه فخرج فيه الصحيح وما دونه، وبيّن ما فيه وهن شديد [149] ، وخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، لأنه أقوى عنده من رأي الرجال [150] . وما سكت عنه فهو صالح عنده، والحق أنه على ثلاثه أقسام: فيه الصالح للاحتجاج، والضعيف، والموضوع، كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح.
أما أبو داود: فهو الإمام الثبت، الحجة، الحافظ، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي، كان مقدما في زمانه، لم يسبقه أحد إلى المعرفة بتخريج العلوم، والبصر بمواضعها، سكن البصرة، وتردد على بغداد مرارا، وبها روى مصنفه هذا، ولد سنة اثتين ومائتين (202 هـ) ، ومات سنة خمسة وسبعين ومائتين. رحمه الله [151] .
4-
سنن الترمذي:
اشتهر مصنف الترمذي (الجامع) بسنن الترمذي، وهو من أشهر مصنفاته تداوله العلماء، وحصل تساهل في التسمية، حيث أطلق عليه بعض العلماء (الجامع الصحيح) ، وهو إطلاق غير صحيح، وإن كان الكتاب يعتبر من أكثر الكتب فائدة، وأقلها تكرارا، وهذا يعرفه من عايش الكتاب وسبر غوره، فإن الإمام الترمذي أخرج فيه الصحيح، والحسن، والضعيف والغريب، والمعلّل، وتطرق إلى كشف العلل، وبيان النكارة، وابتعد عن التخريج لمن اتفق النقاد على اتهامه بالكذب، إلا مقرونا بغيره، وجمع الإمام الترمذي في مصنفه هذا الفقه إلى جانب العناية بالحديث، وبيان درجة ما يخرجه من خلال اصطلاحاته المعروفة، واعتنى بعلل الأحاديث والرجال، وكتابه ينبئ عن براعته، وعلمه.
أما الترمذي: فهو أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سورة، الإمام الحافظ، الحجة، الثبت، ابتدأ طلب العلم في الصّغر، ورحل في سبيل ذلك إلى البلاد شرقا وغربا، وإلى الأئمة الكبار، وعنهم أخذ علما واسعا، شهد له معاصروه بالإمامة والحفظ، وعرف بسرعة الفهم، وقوة الملاحظة، وعبارة شيخه البخاري تنبئ عن مكانته العلمية الرفيعة، قال البخاري للترمذي:"ما انتفعت بك، أكثر مما انتفعت بي"[152] أي الذي انتفعت بك فيه، أكثر من الذي انتفعت به مني، كانت ولادة الترمذي في إحدى قرى ترمذ على نهر جيجون، بعد المائتين من الهجرة، ومات بها أيضا في سنة تسع وسبعين ومائتين من الهجرة" [153] .
5-
السنن الكبرى [154] للنسائي:
هذا المصنف من أبرز مصنفات الإمام النسائي رحمه الله وقد سلك في تأليفه مسلك أبي داود في سننه، فخرّج الصحيح وما دونه، وأحاديث أبان علتها بما يفهمه أهل المعرفة، لتزول الشبهة، وذكر بعض العلماء أنه في مقام الحسن حينما لا يرد في الباب غيره، لأنه مقدم عند الإمام النسائي على رأي الرجال [155] ، ومن هنا نعلم أن الإمام النسائي قد جمع بين أعمال من سبقه، مع حظ وافر في بيان العلل، وقد اجتبى منه كتابه (السنن الصغرى) ، (أو المجتبى) . ومن هنا ندرك سر الخلاف بين العلماء في تحديد منزلة سنن النسائي، لكن ربما يقول قائل: إن منشأ الخلاف النظر إلى الشرط وليس النظر إلى الأصل والمختصر، فإن من العلماء من أطلق الصحة على سنن النسائي، بالنظر إلى أن شرط الإمام النسائي هو شرط الشيخين، بل إن له شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم [156] . وقال آخرون: "إن شرطه في كتابه المذكور شرط أبي داود، إخراج حديث من لم يجمع على تركه [157] . وعلى هذا القول يكون في قول من أطلق الصحة [158] على سنن النسائي تساهل. وذهب بعض العلماء إلى أن المجتبى هو الذي يعتبره العلماء صحيحا، ويخرجون عليه الرجال، ويعملون في الأطراف [159] . وهذا الرأي - في نظري- جيد، ويجمع بين النظرين السابقين. وبالله التوفيق.
أما الإمام النسائي. فهو: أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي النسائي، أحد الحفاظ الأعلام، إمام في الحديث وعلله، من أئمة الجرح والتعديل، تضلع في العلوم، ومارس المعضلات من المسائل والفنون، حتى مهر وتقدم في هذا الشأن، وأصبح من حذاقه ونقاده، ولد سنة أربع عشرة- أو خمس عشرة- ومائتين من الهجرة [160] ، في خراسان، في قرية نساء، ونسب إليها.
6-
سنن ابن ماجة:
يعد هذا المصنف عند االكثيرين من العلماء، سادس الأمهات الست وقد جمع فيه الإمام ابن ماجة جماعة كبيرة من الأحاديث الضعيفة، فهو على النقيض ممن سبقه من الأئمة، وتفرد فيه بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب، وسرقة الحديث، وبعضها لا تعرف إلا من جهتهم، مثل: حبيب بن أبي حبيب، كاتب مالك، والعلاء بن زيد، وداود بن المحبر، وعبد الوهاب بن الضحاك، وغيرهم. فهو آخر الكتب الستة رتبة، بل إن بعض أهل العلم قدم عليه موطأ الإمام مالك من حيث الرتبة [161] ، وحكى على هذا الاتفاق أبوجعفر الزبيري، قال: "أولى ما أرشد إليه ما اتفق المسلمون على اعتماده، وذلك الكتب الخمسة، والموطأ، الذي تقدمها وضعا، ولم يتأخر عنها رتبة [162] .
أما ابن ماجة. فهو: أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله، أحد علماء الأمة الأعلام طلب العلم ورحل في سبيله، سمع أئمة كبار، حدث وتدرج في العلوم إلى أن صار من حفاظ الإسلام، وعي الحديث، ونقد الأسانيد والمتون، وشارك في من العلوم. ولد سنة تسع ومائتين (209 هـ) ، ومات سنة ثلاث وسبعين ومائتين (273هـ) ، رحمه الله [163] .
7-
الموطأ:
هذا المصنف النفيس من أقدم المصنفات الحديثية، لذلك جزم الإمام الشافعي رحمه الله بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى [164] . ورجح الإمام البخاري أن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر [165] ، أما كلام الشافعي رحمه الله فقد سرى مفعوله واستمر، فلم يكن في وقت الموطأ مثله، فلما خرج الإمام البخاري بكتابه "الجامع الصحيح"، وتلاه الإمام مسلم، وهيَّئَا من الأسباب والاحتياطات، ما جعل كتابيهما يفوقان الموطأ ويتقدمان عليه، وعلى ما تقدم حمل العلماء كلام الشافعي رحمه الله[166] ، وإن كان من العلماء من لم يقتنع بالإجابة المذكورة، وفي رأيه أن الموطأ تقدم على الصحيحين من حيث الوجود، وهو حق، ولم يتأخر عنهما من حيث الرتبة، وفيه نظر، لأن ما فيه من المراسيل، والبلاغات من وجهة نظر الآخرين تجعله يتأخر رتبة، وهو أمر غير مؤخر للإمام مالك رحمه الله فهو رأس أتباع التابعين، وإمام دار الهجرة، وأهل السنة والجماعة، فضائله منشورة، ومناقبه مأثورة، ومكانته عظيمة عند المسلمين، توخى في كتابه القوي من أحاديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة والتابعين [167] ، فجمع الحديث الصحيح والمراسيل والبلاغات، ومن نظر في الآخذين عن الإمام مالك كتابه الموطأ من علماء الأمة ومختلف الديار، يعلم بالضرورة أن أصحاب الحديث استفادوا من الإمام مالك، كثيرا في المعلومات الحديثية، وفي الأسلوب التأليفي، وإن بعض من ألف بعده في هذا الشأن من التابعين وأتباعهم، انتهج نهجه، واستفاد من صنيعه، ومن هؤلاء أصحاب الكتب الستة، ولا يبعد عن الواقعية من قال: إن أصحاب كتب الحديث عالة على الإمام مالك وأصحابه، فهو شيخ لجميعهم من حيث البنية الأساسية للتأليف [168] .
أما الإمام مالك. فهو: أبو عبد الله، مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر، الأصبحي، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين، وكبير المتثبتين اشتهر بالإمامة في الفقه والحديث، والجرح والتعديل، ومعرفة الآثار ورواتها، أحد أئمة أهل السنة والجماعة، ولد سنة ثلاث وتسعين، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، عن عمر بلغ تسعين سنة. رحمه الله.
القسم الثاني
(الفصل الأول)
بيان عملي في الكتاب
1-
نسخت المخطوطة، وهي نسخة فريدة لم أقف على سواها.
2-
قمت بدراسة عن الإمام العلائي من ولادته وفاته.
3-
عرفت بالمصنفات التي نبه العلائي على مواضع مشكلة فيها وبمؤلفيها بصورة موجزة.
4-
حاولت ضبط النص من خلال الرجوع إلى المصنفات المنبه على مواضع فيها، ومن النقولات عن العلائي.
5-
صححت الأخطاء الإملائية، وجعلتها وفق قواعد الإملاء الحديثة.
6-
عندما يكون الخطأ من المتن أثبت بدلا منه الصواب، منبها عليه في الحاشية.
7-
رجعت إلى مصادر المصنف وحددت مواضع الأحاديث منها.
8-
شرحت بعض الكلمات الغريبة.
9-
ناقشت بعض المواقف العلمية.
10-
عرّفت ببعض رجال الإِسناد.
11-
ذكرت بعض عبارات التعديل أو الجرح عندما يقتضي المقام البيان.
12-
عرفت ببعض الأمكنة والمواقع.
13-
جعلت لكل تنبيه رقما يدل عليه.
14-
سجلت خاتمة للبحث.
15-
أعددت الفهارس اللازمة للبحث حسب رأيي.
(الفصل الثاني)
تسمية الكتاب، ووصف نسخته الخطية
اسم الكتاب، ونسبته:
اقتصر الكثيرون من العلماء الذين تعرضوا لترجمة العلائي، على ذكر بعض مؤلفاته الكبيرة، واكتفى البعض بالإشارة إلى أنه له أجزاء كثيرة [169] ، ولم أقف على اسم كتابنا هذا ضمن ما عدّ من مؤلفات العلائي، ونصّ عليه الأستاذ عمر كحالة، وأحال على فهرس الظاهرية، وفهرس القادرية [170] ، ولم يذكر في الأول، وما وقفت على الثاني من الفهرسين، لكن الدكتور زهير الناصر نصّ على اسم الكتاب، وأحال على تاريخ الأدب العربي ص68، ولم أقف عليه في الكتاب المذكور، ولا في تاريخ التراث، ولم يرد في كشف الظنون ضمن مؤلفات العلائي.
ما النسخة الخطية فقد صدرت بالعنوان التالي:
"كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة"
وهو ما يتفق مع ما ورد في مقدمة المصنف، إذ قال:"فهذه نكت مفيدة، تضمنت التنبيه على مواضع مشكلة، وقعت في كتب الحديث المهمات". وهذا اسم للكتاب ضمنا من غير تصريح.
أما النسبة، فلم يراودني شك في صحة نسبة الكتاب للعلائي، لثبوت النقل عنه عند الحافظ ابن حجر، وقد تقدم التنبيه على هذا والإيضاح في مواضع من الكتاب، فالتنبيهات المجملة من الأجزاء التي لم ينص على أسمائها، وهو من جملة مؤلفات العلائي- رحمه الله.
وصف النسخة:
التنبيهات المجملة نسخة فريدة فيما أعلم، وقد صورتها الجامعة الإسلامية تحت رقم (878) عن نسخة أصلية في مكتبة الأسكوريال بأسبانيا، وعدد أوراقها اثنتان وعشرون ورقة، وأسطر في أول الورقة الثالثة والعشرين، بدأت بقول المصنف:"بسم الله الرحمن الرحيم، وما توفيقي إلا بالله، بعد حمد الله على ما هدى إليه وألهم"، وختمت بقول الناسخ:"فرغ من تعليقه العبد الفقير إلى الله تعالى المعروف باللدني، الراجي رحمة ربه وغفرانه، عيسى بن إبراهيم بن ناجي، عفا الله عنه وغفر له، وذلك من نسخة المصنف بخطه، وفرغ في مستهل ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة بالمسجد الأقصى الشريف، بالخانقاة الفخرية [171] ، رحم الله واقفها [172] ، والحمد لله وحده، وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم".
وقد نسخت هذه النسخة مرة ثانية وقوبلت. لذلك قال ناسخها- رحمه الله:
"وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف، آخر الكتاب فرغ منه محمد بن أحمد الصميدي، في ثامن شهر جمادى الأولى سنة ست وسبعين وسبعمائة (776 هـ) .
محمد بن أحمد بن الصميدى، شهرة وأصلا بلدا، والقرشي نسبا، الشافعي مذهبا، الدمشقي مولدا، وأبا وجدا، وجد جد، المصري منشأ" [173] .
مقاس الوجه من هذه المخطوطة: 17×12سم، وعدد الأسطر تسعة عشر سطرا، خطها مشرقي جيد، تقدم بيان مكان نسخها وتاريخه.
كتب عنوان الكتاب على الوجه الأول من النسخة مرتين بخط دقيق في الأولى، ومكبرا في الثانية، على نحو ما تقدم بيانه في أول الكتاب [174] ، حيث عدد الكتب التي وقف على مواضع مشكلة فيها، وذكر اسم المصنف، ثم نصّ على عدد المواضع المشكلة: ثلاثة وعشرون موضعا.
في الصحيحين خمسة مواضع، وفي البخاري - وحده - أحد عشر موضعا، وفي مسلم -وحده - موضعان، وفي الترمذي موضعان، وفي النسائي واحد، وفي أبي داود واحد، وفي الموطأ واحد.
وكل ما تقدم كتب في النصف الأعلى من الوجه، وكتب على النصف الأول ما صورته:
مجموع
فيه ستة كتب، وكلها تصنيف صلاح الدين العلائي:
الأول: كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة في كتب الحديث كالبخاري، ومسلم، والموطأ للإمام مالك، والسنن وغيرها
. الثاني: النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح.
الثالث: الكلام في اشتراط القبول في الوقف على المعين.
الرابع: الكلام في بيع الفضولي
الخامس: منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة.
السادس: توفية الكيل فيمن حرم لحوم الخيل
وكتب على الجانب الأيسر من الوجه:
تملك لمحمد بن عبد الحق "الحمد لله من نعم الله تعالى على تملكه محمد بن عبد الحق".
وعلى الهامش بخط معاكس كتبت عدة مسائل فقهية.
التحقيق
الرموز المستخدمة في تحقيق الكتاب
خ: البخاري
صف: صحيح البخاري مع فتح الباري
م: مسلم
د: أبو داود
ت: الترمذي
ن: النسائي
جه: ابن ماجة
واعلم أن كل ترجمة لم أذكر مصدرها، فهي من التقريب وقد تكون بتصرف أحيانا.
P (45)
راموز ما كتب على الوجه الأول من المخطوطة
راموز الصفحة الأولى من المخطوطة
P (47)
راموز الصفحة الأخيرة من المخطوطة
(القسم الثالث)
تحقيق نصوص الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم. وما توفيقي إلا بالله
…
بعد حمد الله على ما هدى إليه وألهم، وأسدى من جزيل أفضاله وأنعم، والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
فهذه كتب مفيدة، تضمنت التنبيه على مواضع مشكلة، وقعت في كتب الحديث المهمات، كالصحيحين وكتب السنن وغيرها، يسر الله سبحانه التفطن لها، وقلّ من رأيته تعرض لها، فمنها ما منّ الله تعالى بحل إشكاله، وبيان الصواب فيه، ومنها ما يغلب على الظن كونه وهماً، إما من الناسخ، أو من أصل التصنيف، ومنها ما تردد النظر فيه، والانفصال عنه قريب، فذكرته ليعرف ذلك، وما لم يتوجه فيه شيء من ذلك، فتركته منبها عليه، ليظفر بالصواب فيه من سهل الله عليه ذلك فيفيده، وبالله تعالى أستعين، وعليه أتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
1-
فمنها: ما وقع في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة، عن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أمامكم حوضي [175] ما بين ناحيتيه كما بين جرباء [176] وأذرح " [177] . وهذا لفظ مسلم [178] ، وعنده من طريق عبيد الله [179] بن عمر، عن نافع نحو ذلك [180] . وزاد قال: عبيد الله: فسألته - يعني نافعا - فقال: "قريتان [181] بالشام، وبينهما مسيرة ثلاثة أيام" [182] . وتبع نافعا على هذه المسألة [183] جماعة ممن تكلم على هذا الحديث.
وقال ابن وضاح من المالكية في أذرح: "إنها فلسطين"[184]، وفي الصحيحين أيضا: عن حارثة بن وهب رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "حوضي كما بين صنعاء والمدينة". وهذا لفظ البخاري [185] .
وقال - يعني ابن وضاح-: "سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله عن الجمع بين [186] الحديثين؟ فقال: المقدر بما بين المدينة وصنعاء، هو بحسب الطول، وبما بين جرباء وأذرح هو بحسب العرض [187] . قلت: وهذا لا يستقيم، ففي صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء " [188] .
ومن حديث أبي ذر- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن صفة الحوض: "عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيله "[189] .
ولذلك روى البخاري في صحيحه [190] من طريق ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سمعان، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ:"عرضه وطوله سواء كما بين أيله [191] إلى عمان"[192] الحديث.
ومثله أيضا ما روى النضر بن شميل [193] ، عن سنان بن سعد [194]، سمعت أبا الوازع- وهو جابر بن عمرو [195]- أنه سمع أبا برزة الأسلمي [196]رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله
…
" [197] الحديث.
وكذلك روي [198] أيضا من حديث عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما بإسنادين جيدين، روى الجميع الحافظ ضياء الدين المقدسي، في جمعه طرق أحاديث الحوض [199] ، فامتنع حينئذ الجمع الذي ذكره الشيخ عز الدين رحمه الله[200] ، ولكن حديث ابن عمر [201] وقع فيه اختصار (فدعه فيه)[202] اقتضاه قصد من سمعه حينئد لما مع شغله عن إدراك جملة الحديث، فحصل الوهم فيه لعامة من بعده، وقد روى الحافظ ضياء الدين في الكتاب المذكور بسند جيد إلى سليمان بن بلال [203] ، ثنا إبراهيم بن أبي أسيد [204] ، عن جده [205]، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا [206] أنا هلكت [207] فإني فرطكم على الحوض"قيل: يارسول الله، وما الحوض؟ قال: "عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح، بياضه بياض اللبن
…
" [208] وذكر بقية الحديث.
وإبراهيم بن أبي أسيد هذا، قال فيه أبو حاتم: محله الصدق، ولم يتكلم فيه أحد" [209] ، وجده أبو أسيد - بفتح الهمزة وكسر السين- قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: "أظنه سالما البراد" [210] .
قلت: وسالما هذا وثقه يحيى بن معين [211]، وقال أبو حاتم:"كان من خيار المسلمين"[212] لكن كنيته أبو عبد الله [213] ، وقد ذكر شيخنا المزي في الأطراف أن حديث الحوض هذا رواه أحمد بن صالح [214] ، عن أبي ضمرة، أنس بن عياض [215] ، عن إبراهيم بن أسيد، عن جده أبي أسيد، عن أبي هريرة، قال:"فكأنه نسبه إلى جده"، وقد أخرج أبو داود في سننه بالسند الذي ذكراه أولا حديث "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات"[216] . فيكون حسنا عنده على قاعدته [217] ، ففي هذا الحديث بيان لما سقط من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهذا هو الصحيح، فإن جربا وأذرح قريتان متقاربتان جدا، بحيث يسمع أهل كل قرية النداء من الأخرى، وهما بين بلد الصنعان [218] ، وبلد الشوبك [219] ، على جادة الطريق، شاهدتها [220] قريب أذرح ليلة، ولا يعرف مكان [221] يسمى بهذا الاسم غيرها. قال الحازمي: "كان أهل جرباء يهودا، كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمان، لما قدم عليه يحنة بن رؤبة [222] ، صاحب أيلة، بقوم منهم، ومن أهل أذرح، يطلبون الأمان، وهذا يدل على تقاربهما [223] ، كما شاهدته، وقول ابن وضاح في أذرح: إنها فلسطين، فوهم بلا شك. فإن الذي قال [224] الحازمي [225] والبكري [226] ، وصاحب الغريب في شرح مسلم [227]، وغيرهم: إن أذرح مدينة في طرف الشام، في قبلة الشوبك، بينهما وبينه نحو نصف يوم، وهي في طرف الشراة، في طرفها الشمالي.
وأما اختلاف الأحاديث في تقدير مساحة الحوض، أوردنا الله إياه بفضله وكرمه، فالكلام عليها مشهور، وأحسن وجه قيل فيه: إن التقدير كان في كل وقت بحسب ما يفهم الحاضرون من المسافة، مع تقارب ذلك، وأنه نحو شهر، والمقصود منه هو التنبيه على الموضع الناقص من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما، وإزالة الإشكال [228] عنه وبالله التوفيق.
2-
ومنها: ما رواه البخاري في كتاب المغازي [229]، فقال:"حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة [230] ، عن حصين [231] ، عن أبي وائل [232] حدثهم مسروق بن الأجدع، حدثتني أم رومان [233] ، وهي أم عائشة رضي الله عنها قالت: "بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت [234] امرأة من الأنصار [235]، فقالت:"فعل الله بفلان [236] وفعل"، فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: "ابني فيمن حدث الحديث"، قالت: وما ذاك؟ قالت: "كذا وكذا"[237]، قالت عائشة:"سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم. فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض [238] ، فطرحت عليها ثيابها، فغطيتها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " ما شأن هذه؟ قلت: يا رسول أخذتها حمى بنافض قال: "فلعل في حديث تحدث به؟ [239] ؟ قالت: نعم. قالت [240] : فقعدت عائشة رضي الله عنها فقالت: "والله لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه [241]، والله المستعان على ما تصفون". قالت: فانصرف، ولم يقل شيئا، فأنزل الله عذرها [242]، قالت:"بحمد الله، ولا بحمدك، ورواه [243] أيضا في أحاديث الأنبياء [244] ، عن محمد بن سلام، ثنا ابن فضيل [245] ، ثنا حصين [246] ، عن شقيق، عن مسروق، قال: سألت أم رومان، وهي أم عائشة رضي الله عنهما عما قيل فيها [247]- قالت: "بينا أنا مع عائشة جالسة". وذكرت نحو ما تقدم. فهذا السياق فيه مخالفة كبيرة لما رواه ابن شهاب [248] ، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، كلهم عن عائشة رضي الله عنها، القصة بطولها، وهي في الصحيحين [249] ، وسائر الكتب، ولا يلتئم الجمع بينهما، وكذلك رواية أبي أسامة [250] عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، قريبة من رواية الزهري، وقد أخرجاه [251] أيضا، وتباين طريق
مسروق هذه (وقال:)[252] كنت مهما أستغرب هذا السياق، لا أعرف له علة، إلى أن ظفرت للحافظ أبي بكر الخطيب بكلام عليه [253] ، تبين أنه مرسل [254] ، لأن أم رومان رضي الله عنها توفيت في ذي الحجة سنة ست من الهجرة [255] ، بعد قضية الإفك، بأشهر قليلة، قال ذلك الزبير بن بكار، والواقدي، وأبو حسان الرمادي [256] ، وإبراهيم الحربي [257] وقد روى عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد [258] ، عن القاسم بن محمد، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:"لما دفنت أم رومان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى هذه " [259] . ورواه ابن أبي عدي، عن حماد بن سلمة، فجعله من مسند عائشة رضي الله عنها.
ومنهم من أرّخ وفاتها سنة خمس، والأول أصح [260] إذا [261] ثبت أنها توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح [262] أن يسمع منها مسروق، ولو سمع منها بالمدينة - كان يكون [263]- صحابيا، ولا خلاف في أنه لم يقدم المدينة إلا بعد [264] وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف أبي بكر رضي الله عنه، وسمع ممن بعده [265] ، فيتعين أن تكون روايته هذه مرسلة [266] .
وقد رواه [267] أحمد بن حنبل في المسند من طريق علي بن عاصم، وابن جعفر الرازي، كلاهما عن حصين، عن أبي وائل، عن مسروق عن أم رومان بلفظ:(عن)[268] . قال الخطيب: "وهذا هو الصحيح [269] وتصريح (حصين فيه)[270] بالحديث، والسؤال فيما رواه البخاري، لعله كان في حال اختلاطه في آخر عمره.
قال: "وقد رواه أبو سعيد الأشج"[271] ، عن ابن فضيل، بسند البخاري. فقال فيه:"قال: (سئلت [272] أم رومان) فذكر القصة، قال الخطيب: "كتبت (سألت) بالألف على اصطلاح من يجعل الهمزة في الخط ألفا، وإن كانت مكسورة، أو مضمومة" [273] . قلت: ولا يتأتى هذا التأويل في قول مسروق: (حدثتني أم رومان) . كما رواه البخاري [274] ، من طريق أبي عوانة.
فالأولى رد الوهم فيه إلى حصين بعد اختلاطه [275] ، والحاصل أن هذا الحديث منقطع بين مسروق وأم رومان [276] ، وقد ذكر شيخنا المزي في الأطراف [277] ، أن بعض الرواة، رواه عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، عن أم رومان. قال:"وهو أشبه بالصواب "[278] .
وأما ذكر إبراهيم الحربي، أن مسروقا كان يسأل أم رومان وله خمس عشرة سنة، فهو وهم [279] منه [280] . قال محمد بن سعد وجماعة:"توفي مسروق سنة ثلاث وستين [281] . وقال أبو نعيم: "سنة اثنتين وستين" [282] وذكر الفضل بن عمرو أن مسروقا حين مات، كان له ثلاث وستون سنة [283] ، فيكون عمره عند موت أم رومان رضي الله عنها نحو سبع سنين [284] ، وإبراهيم الحربي ممن أرّخ وفاة أم رومان سنة ست [285] في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فخفي عليه ذلك [286] ، كما خفيت هذه العلة على الإمام البخاري رحمه الله[287] ، وحصل بسبب هذا الإرسال المخالفة في متن الحديث كما تقدم [288] .
3-
ومن ذلك أيضا: قوله: (امرأة من الأنصار) ، وإنما كانت هذه أم مسطح، وليست من الأنصار [289] ، وكان إخبارها بذلك عائشة رضي الله عنها حين خرجوا إلى المناصع [290] ، ثم كانت القصة من حين بلغ عائشة رضي الله عنها الخبر، إلى أن نزلت براءتها في أيام متعددة، كما دلت عليه تلك الروايات المتصلة، ومقتضى حديث أم رومان أن كله كان في بعض يوم [291] ، إلى غير ذلك من وجوه [292] الاختلاف، والاعتراض بحديث مسروق هذا على الإمام البخاري أقوى مما اعترض به عليه ابن حزم في إخراجه حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس في قصة المعراج، أنه جاؤا ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وذكر القصة [293] .
قال ابن حزم: "لا خلاف في أن الإسراء كان بعد النبوة بمدة [294] وأوّل بعضهم قوله: "قبل أن يوحى إليه"، أي في شأن الصلوات أو الإسراء ونحو ذلك، والتزم الشيخ شهاب الدين أبو شامة وغيره، بسبب هذه الرواية [295] أن الإسراء كان مرتين، مرة قبل النبوة بروحه، ومرة بعدها بالجسد، وهذا ضعيف جدا، إذ كيف يجوز أن يحفظ النبي صلى الله عليه وسلم[296] هذه القصة بطولها، ويعرف جبريل، وفرض الصلوات عليه، وعلى أمته، ثم لما جاءه صلى الله عليه وسلم جبريل بالوحي أوّل النبوة يقول لخديجة رضي الله عنها "لقد خشيت على نفسي"، إلى غير ذلك مما روى عنه صلى الله عليه وسلم أوّل النبوة، من سؤال ورقة، وأصحاب خديجة رضي الله عنها (أمر جبريل بكشف قناعها) [297] . فهذا التجويز الذي قاله أبو شامة، يطرّق للمحدثين الطعن في النبوة، ولكن لحديث شريك بن أبي نمر مخرج حسن ظاهر، لم أر أحدا تنبه له، وهو في نفس الحديث عند البخاري من طريقه، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول عن ليلة أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أوسطهم:"أيهم هو"[298] ؟ فقال أوسطهم: "هو خيرهم ". فقال آخرهم: "خذوا خيرهم"، فكانت [299] تلك الليلة، فلم يروه حتى أتوه ليلة أخرى [300] ، فيما يرى قلبه، وكانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم ". ثم ذكر القصة بطولها، في شق قلبه [301] ، ثم الإسراء به [302] .
فيكون الذي وقع قبل النبوة تلك الليلة الأولى فقط [303] ثم إنما جاؤوا في الليلة الأخرى بعد [304] ، وليس فيها ما يشعر بأنها كانت قبل أن يوحى إليه، فاندفع حينئذ ما اعترض به ابن حزم، وما ترتب على ذلك من الالتزام الذي التزمه أبو شامة وغيره.
نعم، وقع في حديث شريك هذا، في كتاب لبقية الروايات عن أنس في عدة مواضع، ومنها جعله في المقام، ولهذا (أعرض)[305] مسلم عن سياق حديثه، بل ذكره سنده بعد سياق الحديث من طريق ثابت، عن أنس، وقال في سند: شريك، فقدم وأخر، وزاد ونقص [306] . والمقصود إنما هو دفع ما اعترض به على قوله ذلك "قبل أن يوحي الله"، والله أعلم.
4-
ومنها: ما وقع في حديث الإفك الذي رواه ابن شهاب، عمن تقدم من شيوخه، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام على المنبر فقال:
"يا معشر المسلمين، من يعذرني في رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي " الحديث. فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه فقال: "أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس، ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا ففعلنا أمرك"، قالت: فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد بن معاذ:"كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تعذر على قتله"، فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عبادة:"كذبت لعمر الله لنقتلنه"[307] الحديث. هذا لفظ مسلم، من طريق يونس ومعمر عن الزهري، وقال:"السياق لمعمر"[308] . ثم رواه من حديث فليح بن سليمان، عن الزهري، ومن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه [309] ، عن صالح بن كيسان، عن الزهري [310] .
وأخرجه البخاري في المغازي [311] ، عن عبد العزيز [312] بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد. وقال فيه:"فقام سعد أخو بني عبد الأشهل فقال: "أنا يا رسول الله
…
"ثم ذكر سعد بن عبادة، ثم قال: "فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد". ورواه في التفسير من طريق يونس، عن الزهري [313] ، بمثل حديث مسلم، وصرح فيه بنسبس سعد بن معاذ، وكلامه يومئذ.
ووجه الإشكال، أن قضية الإفك كانت في مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، وكانت غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة. قاله ابن إسحاق [314] ، وأبو حاتم بن حبان [315] وابن حزم [316] ، وجماعة كثيرون [317] ، وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه قد مات قبل ذلك بمدة، لأنه توفي عقيب غزوة الخندق، بعد حكمه في بني قريظة [318] ، وكانت غزوة الخندق في شهر ربيع الأول سنة خمس [319] على ما ذكر ابن إسحاق، وقال موسى بن عقبة:"كانت في شوال سنة أربع"[320]، ورجح هذا ابن حزم لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني [321] ، وغزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث بلا خلاف، فتكون [322] وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه على هذا القول أقدم [323] ، مما قال ابن إسحاق، والمدة بين ذلك وبين قصة الإفك أطول، لكن ذكر البخاري في صحيحه، عن موسى بن عقبة - أن غزوة بني المصطلق - كانت سنة أربع [324] ، ومع ذلك فقد ذكر موسى بن عقبة في مغازيه أن غزوة الخندق، وبني قريظة، كانتا قبل غزوة بني المصطلق [325] ، فيكون وفاة سعد بن معاذ قبل ذلك على قوله أيضا [326] ، وذكر ابن هشام في السير عن ابن عمرو المدني أن غزوة بني المصطلق كانت بعد بني النضير، قبل الخندق، وعلى هذا فلا إشكال [327] .
وحديث الإفك رواه ابن إسحاق في مغازيه، عن ابن شهاب [328]، عن أشياخه. قال: "وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير [329] ، عن أبيه [330] ، عن عائشة.
(ح) وعبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة. فذكر القصة بطولها، وجعل المحاورة فيها بين أسيد بن حضير، وسعد بن عبادة فقط، ولم يذكر سعد بن معاذ أصلا، بل أسيد بن حضير هو القائل:"يا رسول الله، إن لم يكن من الأوس نكفكم، وإن يكن من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك". وذاكرت الحافظ أبا الحافظ أبا عبد الله الذهبي بهذا، فذكر لي أن المتكلم أولا يومئذ من الأوس: عباد بن بشر، وجاء كذلك في رواية - ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن - والله سبحانه أعلم.
5-
ومنها: أن السياق الذي ذكره البخاري في قضية الإفك في كتاب المغازي [331] قال فيه: "ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ فقالت له بريرة رضي الله عنها: "والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمضه"الحديث. وكذلك هو أيضا في صحيح مسلم [332] ، وغيرهما - و [333] أيضا في عدة طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس رضي الله عنه: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، وبغض بريرة مغيثا"؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها:"لو راجعتيه؟ "قالت: تأمرني؟
…
" [334] الحديث، وذلك لما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العتق فاختارت.
وأقدر وجه هذا الإشكال، أن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة بشرط العتق، كما دلت عليه الروايات، اتفق عليه الفقهاء، وأقامت عند عائشة –رضي الله عنها تخدمها، وقد تقدم أن قصة الإفك كانت سنة ست، أو سنة سبع، أو سنة أربع، على قول موسى بن عقبة [335] ولعل الأوّل أرجح، وقد كانت بريرة رضي الله عنها مقيمة عند عائشة رضي الله عنها من قبل ذلك بمدة، ولذلك سألها النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ومجيء العباس رضي الله عنه إلى المدينة وإقامته بها، إنما كان في أواخر سنة ثمان، لأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا، فلقيه بطريق مكة متوجها إليها ومن الفتح، فرجع معه وشهد فتح مكة، وحنين، والطائف، ثم جاء بعد إلى المدينة، وحينئذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا تعجب من حب مغيث بريرة". وإنما كان قبل ذلك مقيما بمكة، والظاهر [336] أن هذا كان قريبا من فراق بريرة إياه، واختيارها نفسها، فيلزم من هذا أن يكون عتقها تأخر عن شرائها، وهو بعيد جدا، إذ لا يظن بعائشة [337]رضي الله عنها أنها تشترى جارية بشرط العتق، ثم يتأخر عتقها عن الشراء مدة طويلة، بل ولا يقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد يقال: إن أصل المراوضة في بيعها كان بشرط العتق، ثم ابتاعتها بدون ذلك، وتأخر عتقها إلى أن قدم العباس- رضي الله عنه، ولكنه بعيد أيضا، إذ لم يفهم العلماء في كل عصر من قصة بريرة إلا أنها بيعت بشرط العتق، وأقرب من هذين، أن يقال: إن محبة زوجها إياها امتدت زمنا طويلا إلى مجيء العباس، وبقي فسألها الرجعة، وفي صحيح البخاري كتاب العتق [338]، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الورق"، فأعتقتها فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فخيّرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا
وكذا ما بقيت عنده، فاختارت نفسها". ففي هذا أن العتق كان عقيب الشراء، وكذلك التخيير، فلم يبق إلا أن حب زوجها استمر زمنا طويلا، وبه يزول الإشكال [339] . والله أعلم.
6-
ومنها: ما قال البخاري في كتاب الجهاد، من صحيحه [340]، باب من غزا بصبيّ للخدمة:"حدثنا قتيبة [341] ، حدثنا يعقوب [342] ، عن عمرو [343] ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة: "التمس (لي)[344] غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر"، فخرج بي أبو طلحة (مردفي)[345] وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل
…
"، وذكر بقية الحديث. وهو مشكل لأن ظاهره يقتضي أن ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم[346] كانت يومئذ، وليس كذلك، بل هي من أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال محمد بن عبد الله الأنصاري [347] : حدثني حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أخذت أم سليم بيده فقالت: يا رسول الله، هذا أنس غلام، كاتب لبيب يخدمك، فقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أحمد [348] في السنة عن إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال:"لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أنسا غلام كيّس فيخدمك، قال: فخدمته في السفر والحضر"[349] .
وفي صحيح مسلم [350] ، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس أنه قال: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين
…
"الحديث فهذا هو الصحيح، ثم إن تبويبه باب من غزا بصبي، وقول أنس: "وأنا غلام راهقت الحلم"مشكل [351] أيضا؛ ففي الصحيحين [352] من طريق الزهري عن أنس رضي الله عنه قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنوات ومات وأنا ابن عشرين"، فيكون عمر أنس عام خيبر نحو سبع عشرة سنة، لأنها كانت فيما ذكر ابن إسحاق [353] وغيره، في أول سنة سبع، وقد أعاد البخاري الحديث بهذا اللفظ أيضا في كتاب الأطعمة [354] عن قتيبة، عن إسماعيل بن جعفر [355] ، وعمرو بن أبي عمرو [356] ، وكان الوهم فيه من عمرو بن أبي عمرو، فإنه وإن روى عنه مالك، واحتج به الشيخان، فقد قال فيه يحيى بن معين، والنسائي [357] : "ليس بالقوي" [358] . وقال أبو داود: "ليس بذاك" [359] ، وقال (الجوزجاني) [360] : "مضطرب الحديث" [361] . وهذا وإن كان متوقفا عنه بإجماع الشيخين - على إخراج -[362] حديثه، فهو يؤثر [363] فيما خرج عند معارضة من هو أحفظ منه وأتقن كالزهري، - وثابت البناني فيما تقدم -[364] والله أعلم.
7-
ومنها: ما روى البخاري أيضا في كتاب الجهاد [365] : "حدثنا حفص بن عمر الحوضي، ثنا همام [366] ، عن إسحاق [367] ، عن أنس- رضي الله عنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر، في سبعين، فلما قدموا قال لهم خالي [368] : أتقدمكم
…
" وذكر قصة بئر معونة [369] ، هكذا تتبعته في عدة نسخ من الأصول، "من بني سليم"، وهو غلط، إما من النساخ [370] ، أو من بعض الرواة [371] ، وغفل عنه المصنف [372]رحمه الله، لأن الذين استشهدوا ببئر معونة كانوا من الأنصار، لكن المبعوث إليهم هم بنو سليم، وهم رعل وذكوان، وعصية، وبنو لحيان، وكلهم بطون من بني سليم، وقد رواه البخاري – أيضا - في المغازي [373] ، عن موسى بن إسماعيل، عن همام، ولم يقل: (من بني سليم) [374] . وأخرجه- أيضا- من طريق فيها عن أنس رضي الله عنه "أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدوهم، فأمدهم بسبعين من الأنصار، كما كنا [375] نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يخطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى - إذا -[376] كانوا ببئر معونة، قتلوهم وغدروا بهم
…
" [377] الحديث. فهذا هو الصواب، وهو المعروف في جميع الكتب [378] .
8-
ومنها: ما رواه مسلم في أوّل كتاب الجنائز من صحيحه [379] ، من طريق - عمر -[380] بن كثير بن أفلح، عن ابن سفينة [381]، عن أم سلمة قالت:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول - ما أمره الله عز وجل: [382] إنا لله وإنا إليه راجعون [383] ، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أوّل بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلتها"الحديث هكذا وقع في جميع النسخ، وهو غلط، وصوابه: "أوّل بيت هاجر إلى الله"، وزيد فيه لفظة (رسول) ، وهما: إما من النساخ، أومن بعض الرواة، فإن أبا سلمة رضي الله عنه كان بمكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول من هاجر من مكة إلى أرض الحبشة، مع زوجته أم سلمة رضي الله عنهما فلم تكن هجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أيضا هجرته إلى المدينة ثانيا، فإنه رجع بأهله إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بعد مكة، قال ابن إسحاق: "هو أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم[384] فلم تكن هجرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم[385] ، ولم ينبه على هذا أحد من شراح كتاب مسلم. والله أعلم.
9-
ومنها: حديث عبد بن مسعود رضي الله عنه قال:"إن قريشا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم[386] قال:"اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف"، فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد [387] ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد [388] ، فأنزل الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِين، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [389] فأتاه أبو سفيان [390] . فقال: "إن قومك - هلكوا فادع [391]- الله أن يكشف عنهم، فدعا فسقوا، فنزلت:{إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [392] ، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا - إلى كفرهم -[393]، حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله:{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [394]- قال -[395] يعني يوم بدر، اتفقا عليه [396]، وأخرجه البخاري في مواضع. منها: كتاب الاستسقاء، من طريق سفيان الثوري، عن منصور [397] والأعمش [398] ، عن أبي الضحى [399] ، عن مسروق [400] ، عن عبد الله بن مسعود، ثم قال في آخره:"وزاد أسباط [401] عن منصور:"فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعا، وشكا الناس كثرة المطر، فقال:"اللهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقى الناس حولهم"[402] . أما ما يتعلق بقول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير الدخان الذي ذكر في الآية - بما حكى - فقد خالفه فيه جماعة من الصحابة، منهم علي، وابن عمر، وابن عباس [403] وأبو هريرة رضي الله عنهم فقالوا:[404] إن الدخان كبير (يورى النيران)[405] ، لم يأت بعد، بل يجيء في آخر الزمان، من أشراط الساعة، وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى -، لما روى مسلم، عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج [406] ، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم"[407] ، فهذا نص صريح في أن الدخان لم يأت بعد، وجاء فيه مفسرا أيضا حديثان، لا أعرف الآن سندهما، أحدهما: عن حذيفة رضي الله عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من أشراط الساعة: دخان يمكث في الأرض أربعين يوما"[408] . والآخر: عن ابن مسعود نحوه. وزاد: "فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ويدخل جوف الكافر والمنافق حتى ينتفخ"[409] . وذكر بعض الأئمة في الجمع بين هذه الأحاديث وقول ابن مسعود رضي الله عنه: "أن الدخان اثنان، أحدهما: وقع في زمن النبوة لأهل مكة - كما ذكر ابن مسعود - والآخر: من أشراط الساعة"، ولا يخلو هذا من نظر. فإن الذي رآه أهل مكة ليس حقيقة [410] ، الدخان بل شيء كهيئته يخيل إليهم من الجهد والجوع، وأيضا فغزوة بدر كانت على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهذا الجهد الذي أخذ أهل مكة لم يكن والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم قطعا، بل بعد الهجرة، ومقتضى قول ابن مسعود رضي الله عنه أن أهل مكة أصابتهم سنة شديدة ثم أخصبوا وكابدوا تعدّي حال الجهد، فعادوا بعده. وأن الله عز وجل وعدهم بعد ذلك بيوم بدر، ومقتضى هذا أن تكون آيات الدخان مدنية، ولم يعدها أحد من أمته كذلك أصلا [411] . وأيضا في الصحيحين عن أبي هريرة أنه شهد القنوت من النبي [412]صلى الله عليه وسلم: "اللهم انج الوليد بن الوليد
…
". الحديث، وفيه: "اللهم اشدد وطئتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" [413] قال: "ثم رأيته ترك الدعاء بعد ذلك، هذا يدل على أن دعاءه بسنين كسني [414] يوسف، كان بعد إسلام أبي هريرة، وغنما أسلم بعد بدر [415] ، والكلام في هذا مشهور، والمقصود الإشكال ما ذكره البخاري في قضية الاستسقاء لأهل مكة [416] ، فإنه - والله أعلم - وهم دخل به حديث في حديث من بعض الرواة [417] ، ودام المطر سبعا، ثم الدعاء بكشفه إنما كان لأهل المدينة، ومن حولهم من المسلمين، كما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، من عدّة طرق عنه، وأن السائل لذلك كان من المسلمين، قاله يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر كما هو مشهور في
دواوين الإسلام [418] ، وإلا فإذا دعا لأهل مكة بالمطر أي تعلق لأهل المدينة به حتى يسألوا كشفه عنهم؟. فالقصتان كل منهما منفصلة عن الأخرى [419] ، والله سبحانه أعلم.
10-
ومنها: ما رواه الترمذي، من طريق عبد الرحمن بن مروان بن غزوان "أبي"[420] نوح ثنا يونس بن أبي إسحاق [421]، عن أبي إسحاق [422] عن أبي بكر بن [423] أبي موسى عن أبيه [424]رضي الله عنه قال:"خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم بأشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا، فحملوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون فلا يخرج إليهم، ولا يلتفت - فخرج إليهم -[425] ، فجعل يتخللهم حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا [426] سيد العلمين، هذا رسول رب العالمين، هذا [427] يبعثه الله رحمة للعالمين". فقال له أشياخ قريش [428] : ما علمك؟ "فقال: "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وأنا أعرفه بخاتم النبوة.."ذكر الحديث. وفي آخره قال: "
…
أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا، وزوده الراهب [429] من الكعك والزيت".
ثم قال فيه الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه"[430]" انتهى. وهذا الفصل الأخير غلط بلا شك، فإن أبا بكر رضي الله عنه كان أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم قطعا بنحو ثلاث سنين، فلم يكن حينئذ ممن يتصرف بنفسه، ولا اشترى بلالا إلا بعد الإسلام، هذا ما لا خلاف فيه [431] أيضا، ثم إن كثيرا من الألفاظ فيه مخالفة، لما تضمنّته كتب السير [432] ، والمغازي، كلها في قصة بحيرا، وأيضا فالعادة قاضية [433] ، بل مثل هذه الألفاظ لو وقعت هكذا صراحة بحضور أبي طالب وجماعة من قريش، لاحتج عليهم أبو طالب بها عليهم [434] بعد زمن النبوة، ولم يكن ينساها [435] ، وعبد الرحمن بن غزوان، وإن احتج به البخاري، ووثقه جماعة، فقد قال فيه أبو حاتم بن حبان: "كان يخطئ"، يتخالج في القلب منه شيء"[436] ، وسئل أحمد بن صالح عن حديث تفرد به عبد الرحمن هذا، عن الليث [437] ، عن مالك [438] ، عن الزهري [439] ، عن (عروة)[440][441] ، عن عائشة في قصة المماليك فأنكره، وقال:"هو موضوع"[442]، وذكر الذهبي حديث الترمذي. وقال:"إنه منكر جدا"[443] .
11-
ومنها ما روى مسلم في أواخر الفضائل من حديث (عكرمة بن عمار)[444] عن سماك الحنفي أبي زميل [445]، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا نبي الله - ثلاث -[446] أعطيتهن؟، قال: نعم. قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعله كاتبا، قال: نعم. قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم " [447] .
وهذا أحد الحديثين الذين اعترض - ابن حزم عليهما -، وقال:"ليس في الكتابين شيء دخل الوهم فيه على الشيخين غيرهما، والآخر: حديث شريك بن أبي نمر في قصة المعراج - وقد تقدم -[448] والذي اعترض به على حديث ابن عباس هذا، أنه لا يختلف اثنان من أهل العلم بالأخبار، أنه صلى الله عليه وسلم إنما زوج أم حبيبة رضي الله عنها قبل الفتح، وإسلام أبي سفيان، وهي كانت بأرض الحبشة يومئذ، وأبوها كافر بمكة، والذي زوجها منه النجاشي وأصدقتها عنه، هذا ما لا شك فيه، قال: "والآفة فيه عن عكرمة بن عمار، وبالغ في ذلك، حتى جعل الحديث موضوعا، ونسب الوضع فيه إلى عكرمة [449] ، وهو خطأ فاحش، فإن أحدا لم ينسب عكرمة [450] إلى الوضع، وقد وافقه جماعة، واحتج به مسلم كثيرا، ولكنه وهم فيه، قال فيه البخاري:"لم يكن له كتاب، فاضطرب في حديثه"[451]، وقال فيه أحمد بن حنبل:"مضطرب الحديث ". وقد أجاب جماعة [452] عن اعتراض ابن حزم بتأويل قول أبي سفيان: "أزوجكها"على أنه طلب تجديد العقد، فربما كان يرى عليه غضاضة في تزويج ابنته من غير رضاه، أو توهم أن إسلامه يقتضي تجديد العقد، وخفي ذلك عليه كما خفي على من هو أقدم إسلاما منه أحكام كثيرة، وأوّلوا قول النبي صلى الله عليه وسلم له في جوابه:"نعم"، على أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة العقد، لأنه لم ينقل تجديد أصلا، ولا ريب بعد هذه التأويلات، لأن ألفاظ الحديث صريحة في إنشاء العقد [453] ، لا في تجديده، وسمعت بعض الحفاظ يذكر أن التي عرضها أبو سفيان ابنته الأخرى، التي عرضتها عليه (أختها)[454] أم حبيبة رضي الله عنها في الحديث المشهور في الكتابين [455]، ويرد على هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم:"نعم" في جواب ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول ذلك فيما لا يفعله، وقد قال لأم حبيبة رضي الله عنها لما عرضت أختها عليه:"إن ذلك لا يحل لي"، وأيضا لم ينقل
أحد البتة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّر أبا سفيان على جيش أصلا، فرد الحديث بالوهم أولى من تأويله بالمستكره من الوجوه [456] . والله أعلم.
12-
ومنها: ما رواه البخاري في كتاب العتق [457] ، عن بشر بن محمد، عن ابن المبارك [458] عن يونس [459] ، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[460] : "للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده، لولا الجهاد في سبيل الله، والحج - وبر أمي- لأحببت أن أموت وأنا مملوك " [461] . فهذا الفصل الأخير [462] مدرج في الحديث من قول أبي هريرة قطعا، ولا يجوز أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو يستحيل عليه أن يتمنى كونه مملوكا، وأيضا فلم يكن له أم يبرها [463] ، وكأن البخاري لم يبين كونه من قول أبي هريرة رضي الله عنه لظهور ذلك، وأنه لا يجوز أن يكون من تتمة قول النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح مسلم، من طريق ابن وهب، عن يونس، ولفظه: "والذي نفس أبى هريرة بيده" [464] . وكذلك رواه الحافظ الخطيب من طريق حبان بن موسى، عن ابن المبارك، بسند البخاري، فأبقي به الإدراج الموهم. وبالله التوفيق.
13-
ومسألة أيضا: ما روى الترمذي في كتاب الزهد من جامعه [465] ، من طريق إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد عن مورق العجلي [466]، عن أبي ذر- رضي الله عنه: أن [467] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطّت [468] السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد - وددت أني كنت شجرة تعضد - "[469] . وقال فيه: "هذا حديث حسن غريب "[470] . ويروى عن أبي ذر موقوفا. فهذا الفصل المشتمل على (التمني)[471] آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم مع عظم منزلته عند الله تعالى، وما جعل الله على يديه من هداية الأمة، وما أعلمه الله به من منزلته يوم القيامة، وأنه مغفور له ما تقدم وما تأخر، إلى غير ذلك، بل هو من قول أبي ذر- رضي [472] الله عنه-، بيّن ذلك القاضي عياض وغيره، وأنه روى ذلك مصرحا به أنه من قول أبي ذر [473] ، وأدرج في الحديث، إن لم يكن كله موقوفا، وفي كون أوّله موقوفا نظر أيضا، إذ لا يقول أبي ذر [474]رضي الله عنه:"إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون "[475] ، بل هذا ظاهر في أنه كلام النبوة، فوهم من وقف جملة الحديث، كما وهم من أدرج الفصل الأخير فيه، والأقوى التفصيل. والله أعلم.
14-
ومنها: ما روى البخاري في كتاب المحاربين [476] ، حدثنا محمود [477] ، حدثنا عبد الرزاق [478] ، أنا معمر [479] ، عن الزهري، عن أبي سلمة [480]، عن جابر رضي الله عنه:"أن رجلا من أسلم [481] جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا"، فذكر الحديث، وقال في آخره "فرجم حتى مات"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا، وصلى عليه ".
ومحمود شيخ البخاري هذا: ابن غيلان، وقد تفرد بهذه الزيادة، أعني الصلاة عليه، فقد رواه أبو داود [482] ، عن محمد بن المتوكل والحسن بن علي. والترمذي [483] عن الحسن علي، والنسائي [484](عن) محمد بن رافع، (
…
) [485] ، ونوح بن حبيب. وأخرجه البيهقي [486] من طريق أحمد بن منصور الرمادي، كلهم عن عبد الرزاق بسنده، وكلهم قالوا فيه "ولم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عكس ما قاله محمود بن غيلان [487] ، وقد حكم البيهقي على محمود بالخطأ [488] . وإخراج البخاري له من طريقه بهذا اللفظ عجيب، إذ كيف يخفى عليه مثل هذا، وقد قال عقيب سياقه حديث محمود: "لم يقل يونس [489]، وابن جريج [490] عن الزهري:"فصلى عليه؟ "، قلت: وقد رواه مسلم أيضا عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن معمر وابن جريج، ومن حديث ابن [491] وهيب، عن يونس ثلاثتهم عن ابن شهاب، ولم يسق متنه، بل أحاله على حديث أبي هريرة قبله، وليس فيه ذكر صلاة [492]، والذين ذكروها (من) [493] أصحاب عبد الرزاق قالوا: إنه لم يصل وخالفهم محمود بن غيلان بإثباتها، فروايته شاذة جدا، ويذل لذلك أيضا ما في صحيح مسلم [494] ، وسنن أبي داود [495] وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري في قصة ماعز، قال:"فما استغفر له، ولا سبه"، وعند مسلم [496] أيضا في حديث سليمان بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال:"فأمر به فرجم، فكان الناس فرقتين، قائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، إنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس، فسلم ثم جلس، فقال: "استغفروا لماعز بن مالك"، فقالوا: "غفر الله لماعز بن مالك"، فقال صلى الله عليه وسلم:"لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم". وجه الدلالة من هذا أنه لو كان النبي - صلى
الله عليه وسلم - صلى عليه لم يختلفوا فيه، وكان يمكن أن يحمل حديث محمود بن غيلان على أنه أراد الصلاة اللغوية، وهي الاستغفار المذكور في هذا الحديث آخرا، لكن لم يكن على ذلك اتفاق غيره من أصحاب عبد الرزاق عنه - بل -[497] على نفيها، وهذا الموضع من مشكلات [498] الصحيح على قاعدة أهل الحديث. والله سبحانه أعلم.
13-
ومنها ما رواه النسائي في سننه الكبير، وفي المجتبي [499] أيضا قال: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد [500] ، حدثني أبيّ [501] عن جدي [502] ، حدثني جعفر بن ربيعة [503][504] عن عبد الرحمن بن هرمز [505] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن زينب ابنة أبي سلمة [506]، أخبرته عن أمها أم سلمة رضي الله عنها:"أن امرأة من أسلم يقال لها: سبيعة، كانت تحت زوجها، فتوفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبت أن تنكحه، فقال: "ما يصلح لك أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين" [507] ، فمكثت قريبا (من) [508] عشرين ليلة، ثم نفست، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "انكحي ". وهذا الحديث رواه البخاري في الطلاق [509] عن يحيى بن بكير [510] عن الليث بن سعد بهذا السند، وقال فيه: "فمكثت قريبا من عشر ليال، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"انكحي "، لم يذكر فيه أنها نفست بعد أن خطبها أبو السنابل كما هو في رواية النسائي [511] ، وأخرجه البخاري- أيضا- في كتاب التفسير [512] من طريق كريب، عن أم سلمة- رضي الله عنها قالت:"قتل [513] زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى، فوضعت بعد موته (بأربعين) [514] ليلة، فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو السنابل فيمن خطبها". ففي هذا التصريح بأن خطبته إياها كانت بعد الولادة، وكذلك جاء مصرحا به في عدة طرق [515] ، عن سبيعة نفسها – رضي الله عنها، وهو الصواب. والله أعلم.
16-
ومنها: ما رواه البخاري في الزكاة من صحيحه [516] ، عن أبي اليمان [517] ، عن شعيب [518] ، عن أبي الزناد [519] ، عن الأعرج [520]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة، فمنع ابن جميل، وخالد بن الوليد، وعباس بن عبد المطلب
…
"الحديث. وقال فيه: "وأما العباس فهي عليه صدقة، ومثلها معها
…
". وذكر بقيته ثم قال [521] بعد ذلك: "تابعه ابن أبي الزناد، عن أبيه، وقال ابن إسحاق، عن أبي الزناد:"فهي عليه ومثلها معها". انتهى كلامه، والحديث عند النسائي [522] من طريق علي بن عياش [523] ، عن شعيب بن أبي حمزة، باللفظ الذي ذكره البخاري "فهي عليه صدقة ومثلها معها"، لكنه جعل الحديث من مسند عمر رضي الله عنه. وطريق ابن إسحاق رواها الدارقطني [524] ، من حديث يونس بن (بكير)[525] عن (ابن)[526] إسحاق، عن أبي الزناد، ولفظه:"فهي عليّ ومثلها معها". وهكذا رواية مسلم [527] ، وأبي داود [528] ، من طريق ورقاء، عن أبي الزناد. والإشكال في رواية البخاري، والنسائي:"فهي عليه صدقة". قال البيهقي [529]رحمه الله: "يبعد من أن يكون الذي رواه شعيب بن أبي حمزة محفوظا، لأن العباس رضي الله عنه كان رجلا من (صلبية) [530] بني هاشم، تحرم عليه الصدقة، فكيف يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ما عليه من صدقة عامين، صدقة عليه؟ "قلت: وبهذا يندفع ما ذكر عن بعضهم أنه قال: "أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه كان فادى نفسه وعقيلا، فكأنه كان غارما، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتحريم الصدقة على بني هاشم (عمرهم)[531] ، ولا يستقيم هذا التخريج على مذهب أحد من الأئمة (فيلزم معه)[532] . والوجه المرجوح في مذهبنا، أنهم إن منعوا خمس الخمس، جاز الدفع إليهم، لا يجيء هنا أيضا، لأنهم كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غير ممنوعين قطعا، وقد أوّل
أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره هذه اللفظة، على أن العباس [533]رضي الله عنه كان سأل النبي صلى الله عليه وسلم تأخير صدقة عامين فأرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولم يكن عمر- رضي الله عنه علم بذلك، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنها غير ساقطة من ذمته، بل هي عليه باقية ومثلها، وهي زكاة العام الماضي، فيكون صدقة عطف بيان للمبتدأ، وهو الضمير المنفصل، وخبره الجار والمجرور، أي: باقية مستقرة، وهذا تأويل صحيح [534] ، لكنه يحتاج إلى دليل يقتضي ما ذكره من التأخير، وسؤاله ذلك، ثم هو معارض رواية مسلم، قال فيها:"فهي عليّ ومثلها معها". وتعتضد هذه الرواية بما روي من غير وجه، عن علي رضي الله عنه:"أن العباس رضي الله عنه عجّل صدقته إلى النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجه أبو داود [535] ، والترمذي [536] ، وابن ماجة [537] ، من حديث الحجاج بن دينار [538] عن الحكم [539] ، عن حجين بن عدي [540] ، عن علي رضي الله عنه، وفي كلام الترمذي ما يقتضي تصحيحه [541] ، لكن رواه هشيم. (وعن ابن سلام)[542] وصحح أبو حاتم، وأبو زرعة [543] ، وأبو داود [544] ، وغيره قول من أرسله، ورواية هشيم [545] له، عن منصور [546] ، عن الحكم بن عتبة، عن الحسن (بن) مسلم [547] بن يناق، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر- رضي الله عنه في هذه القصة:"إنّا تعجلنا صدقة مال العباس، لعامنا هذا، عام أوّل"[548] ، وروى جرير بن حازم، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي- رضي الله عنه بالقصة. وفيها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عمر، أما علمت [549] أن عم الرجل صنو أبيه، إنا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين ". أخرجه البيهقي وإسناده صحيح، لكن فيه إرسال من جهة أن أبا البختري، لم يسمع من علي- رضي الله عنه[550] . وروى أبو داود الطيالسي [551] ، عن شريك
[552]
، وعن إسماعيل بن مسلم العبدي البصري [553] ، عن سليمان الأحول، عن أبي رافع رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعيا
…
"، فذكره. وفيه: "قوله صلى الله عليه وسلم:"إن العباس أسلفنا صدقة العام، عام الأول"، فهذه عدة طرق مرسلة، يعتضد بعضها ببعض، ويعتضد بها المسند المتقدم، وينتهي الحديث بها إلى درجة الصحة القوية، وبيّن أن الصحيح في حديث أبي هريرة رواية مسلم "فهي علي ومثلها معها". وأن رواية شعيب التي أخرجها البخاري "فهي عليه صدقة" لا يصح تأويلها المتقدم [554] فلا وجه لها. والله سبحانه أعلم.
17-
ومنها: ما روى البخاري [555] ، ومسلم [556] جميعا، في كتاب الصوم، من طريق حصين، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال:"لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [557] ، عمدت إلى عقال أبيض، وعقال أسود، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، قال: (فمررت) [558] على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت ذلك له فقال: "إنما ذاك سواد الليل وبياض النهار"، وأخرجه البخاري [559] من حديث هشيم، ومسلم [560] من حديث عبد الله بن إدريس، كلاهما عن حصين. ثم رواه البخاري في التفسير [561] من [562] طريق أبي عوانة [563] ، عن حصين [564] ، عن الشعبي، عن عدي رضي الله عنه قال: "أخذ عدي عقالا أبيض، وعقالا أسود حتى كان بعض الليل نظر (فلم يستبينا)[565]، فلما أصبح قال:"يا رسول الله، جعلت تحت وسادتي عقالين، قال: "إن وسادك (إذا)[566] لعريض، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك ". وفي طريق جرير [567] ، عن مطرف [568] ، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ وهذان الخيطان، قال: "إنك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين"، ثم قال: "لا، بل هو سواد الليل، وبياض النهار" [569] . وأخرج الترمذي في التفسير من جامعه [570] ، من حديث سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (الصوم)[571] قال: "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود"، قال:"فأخذت عقالين، أحدهما أبيض، والآخر أسود، فجعلت أنظر إليهما، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هو الليل والنهار". وقال فيه الترمذي: "حديث حسن" [572] . فهذه الروايات الثلاث، فيها تقييد ذلك بنزول الآية، وهذا هو الصحيح، ومقتضى
الرواية الأولى المتفق عليها، أن ذلك كان عند نزول الآية، وهو مشكل، لأن قدوم عدي- رضي الله عنه وإسلامه كان بالاتفاق، في شهر شعبان من سنة سبع [573] ، ونزول الآية كان في أوّل الإسلام قبل [574] ذلك بزمن طويل، فإن الاتفاق على أن هذه الآية نزلت ناسخة لما كان عليه الصحابة في أوّل فرض الصوم، من تحريم الأكل والجماع على الإنسان بعد ما ينام [575]، إلى أن اتفقت قصة عمر- رضي الله عنه وقيس بن صرمة رضي الله عنه ونزل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ
…
} [576] الآية. قال السدي وأبو العالية والربيع بن أنس: "كان ذلك في أوّل الإسلام، ثم نسخه الله تعالى"[577] ، ومعلوم أن فرض رمضان كان في سنة اثنتين من الهجرة [578] ، فيكون نزول هذه الآية [579] إما في تلك السنة، أو في سنة ثلاث، ولم ينقل أحد أن هذا الحكم تمادى إلى سنة سبع، بعد إسلام عدي بن حاتم رضي الله عنه وفي صحيح البخاري [580] ، من طريق أبي إسحاق السبيعي، سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لما نزل صوم رمضان، كانوا لا يقربون النساء، رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ
…
} [581] الآية. ففي هذه الرواية – أيضا - إشعار بأن ذلك كان في أوّل - الإسلام -[582] . فالذي يظهر أن عديّا رضي الله عنه لما سمع الآية تأوّل فيها ما تأوله غيره من الصحابة رضي الله عنهم [583] ، عند نزولها - كما سيأتي -، إلا أن ذلك كان عند نزول الآية، فتكون الرواية الأولى [584] حدّث بها بعض الرواة بالمعنى، ولم يتفطن الشيخان لما فيها من المخالفة، من تقييد ذلك بنزول الآية، وأيضا فالآية لم تنزل بكمالها من أوّل الأمر، بل تأخر نزول قوله [585] تعالى:{مِنَ الْفَجْرِ} ، عن نزول بقيتها، فقد روى أبو حازم، عن سهل بن سعد [586]رضي الله عنهما -
قال: "نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [587] ، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحد في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله {مِنَ الْفَجْرِ} ، فعلموا أنما يعني الليل والنهار"، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري [588] ، فهذه قضية أخرى، (غير)[589] واقعة عدي رضي الله عنه وهي متقدمة على قصة عدي. والله أعلم.
18-
ومنها: ما في الصحيحين - أيضا - من طريق الليث بن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال:"حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتم من ورق، ولبسوها، فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم". قال البخاري:"وتابعه إبراهيم بن سعد، وزياد - يعني ابن سعد- وشعيب - يعني ابن أبي حمزة- عن الزهري [590] ، وأسنده مسلم من طريق إبراهيم بن سعد، وزياد بن سعد [591] ، بهذا اللفظ، قال القاضي عياض: "قال جميع أهل الحديث: "هذا وهم من ابن شهاب، فوهم من "خاتم الذه"ب إلى "خاتم الفضة". والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب، اتخاذه صلى الله عليه وسلم خاتم فضة، ولم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب، كما ذكره مسلم في باقي [592] الأحاديث"[593] قلت: اتفق عليها الأئمة الستة [594] من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما في عدة طرق، وزاد فيه:"أن خاتم الورق استمر في يده صلى الله عليه وسلم، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم في يد عثمان رضي الله عنهم إلى أن سقط من يد عثمان رضي الله عنه في بئر (أريس) [595] ، فالتمس، فلم يجد".
وفي صحيح مسلم، من رواية ابن وهب وغيره، عن يونس، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه قال:"كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق، وفصه حبشي "[596] . وفي رواية قتادة، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس، نحوا من ذلك [597] ، وهذا يدل على بقائه في يده، وكأن الشيخين - رحمهما الله - إنما أخرجا الحديث الأول مع بقية الأحاديث، ليبينا ما في تلك الرواية من الوهم، وقد حاول القاضي عياض، ثم الشيخ محي الدين [598]- رحمهما الله - تأويل حديث ابن شهاب المتقدم، على أنه لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم تحريم خاتم الذهب، اتخذ خاتم فضة، فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس في ذلك اليوم، ليعلمهم إباحته، ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم تحريمه، فطرح الناس خواتيمهم من الذهب، فيكون قوله:"فطرح الناس خواتيمهم"[599] . أي: خواتيم الذهب، وفي هذا التأويل من التعسف ما لا يخفى، وتنزيل ألفاظ الحديث عليه فيه عسر، ولكنه خير من التغليط. والله الموفق.
19-
ومنها: ما رواه أبو داود في باب النهي عن أكل السباع، من كتاب الأطعمة من حديث [600] صالح بن يحي بن المقدام، عن أبيه [601] ، عن جده [602]، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال:"غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد سرقوا حظائرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، وحرام عليكم حمر الأهلية، (وخيلها)[603] وبغالها، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير" [604] رواه كذلك (000) [605] عن بقية بن الوليد قال:"حدثني ثور بن يزيد [606] ، (عن صالح بن يحي) [607] . والحديث عند النسائي، وابن ماجة، والدارقطني [608] ، وغيرهم؟ من طرق عن بقية، ولم يقل أحد فيه: "عن خالد بن الوليد، غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر". عن رواية أبي داود، سوى ما جاء في رواية ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في كتاب مختصر اللطيف قال: "حدثنا أحمد بن المقدام، ثنا عمر بن عبد الرحمن، ثنا أيوب عن يحيى بن كثير، عن رجل من أهل خيبر، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال:"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر"،- فشكا - إليه اليهود أن أصحابه يصيبون من ثمارهم، قال:"فأمرني أن أنادي: الصلاة جامعة، ولا يدخل إلا مسلم "[609] . فذكر بقية الحديث، والذي يتعلق بهذا الحديث من أصله، من الاضطراب والتضعيف، لسنا بصدده، وقد بسطته في موضع آخر، إنما نقصد هنا بيان الوهم في قولهم:"عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه غزا خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم"، وليس ذلك بصحيح، فقد جزم [610] أحمد بن حنبل، والبخاري بأنه لم يشهدها، حكاه عنهما الحافظ زكي الدين عبد العظيم في مختصر السنن [611]، قال الحافظ شرف الدين الدمياطي [612] : "كان إسلام خالد رضي الله عنه بعد خيبر بتسعة أشهر، لأنه أسلم في أوّل يوم من صوم سنة ثمان،
وغزوة خيبر كانت في جمادى الأولى سنة سبع"، قلت: وقيل: إنها كانت في المحرم، أو في صفر من هذه السنة، وقال أبو محمد بن حزم: "لم يسلم خالد إلا بعد خيبر بلا خلاف [613] ، وكأنه لم يطلع على غير ذلك، فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب:"قيل: كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، وقيل: بل كان سنة خمس بعد فراغ النبي من بني قريظة، وقيل: كان في سنة ست، وقيل: بل في أوّل سنة ثمان، مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة رضي الله عنهم"[614] . قلت: هذا القول الأخير هو الصحيح المعتمد، وما سواه فليس بشيء لما سنذكره، وقد ذكر ابن عبد البر - أيضا - أن خالد بن الوليد كان على خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وكانت في ذي القعدة سنة ست [615] . قلت: وهذا ضعيف، أو باطل، ففي صحيح البخاري - مسندا - عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما في قصة الحديبية بطولها. قال:"خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالد بن الوليد بالغميم [616] ، في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات (اليمين)[617] فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة [618] الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش
…
" [619] ، فهذا نص صحيح من النبي [620]صلى الله عليه وسلم، أن خالد بن الوليد لم يكن يومئذ مسلما، و ما - كان على خيل النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان على خيل قريش، فبطل بهذا أن يكون إسلامه قبل الحديبية، وقال مصعب بن عبد الله الزبيري - وإليه المرجع في أخبار قريش - في ترجمة الوليد بن الوليد -: "الصحيح أنه شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء، وكتب إلى أخيه خالد، وكان خالد خرج من مكة (فارا)[621] لئلا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة، كراهة الإسلام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد عنه. وقال: "لو أتانا لأكرمناه وما قتله سقط عليه
الإسلام في عمله". فكتب بذلك الوليد إلى أخيه خالد، فوقع الإسلام في قلب خالد، وكان ذلك بسبب هجرته رضي الله عنه، فهذا يقتضي أن إسلامه كان بعد عمرة القضاء، وكانت بعد خيبر قطعا، وقال محمد بن إسحاق في سيرته [622] ، رواية يزيد البكائي عنه: "حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي، عن حبيب بن أبي أوس قال:"حدثني عمرو بن العاص من فيه، فذكر قصة ذهابه إلى النجاشي، وما جرى له معه، ومبايعته إياه على الإسلام، إلى أن قال: "ثم خرجت عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح (من مكة) [623] . فقلت: أين يا أبا سليمان؟ فقال: "والله لقد استقام المنسم [624] ، وإن الرجل لنبي (أذهب) [625] والله فأسلم، فحتى متى؟ "قال: فقلت: "والله ما جئت إلا لأسلم"[626] . قال: فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم خالد بن الوليد، فأسلم وبايع ". وذكر بقية الحديث، وهو صحيح لتصريح ابن إسحاق فيه بالتحديث، ويزيد بن أبي حبيب مسند عن كبار رجال الصحيحين، وحبيب، وراشد مولاه، ذكرهما ابن حبان في الثقات [627] ، ولم (يضعفها) [628] أحد، فهذا سند ثابت، يقتضي صحة ما ذكره الحافظ الدمياطي، وأن إسلام خالد كان في أوّل سنة ثمان، لأن فتح مكة، كان في شهر رمضان من سنة ثمان [629] ، وإذا كان لم يسلم إلا يومئذ، فلم يشهد غزوة خيبر، ولهذا قال ابن عبد البر- بعد كلامه المتقدم -: "لا يصح لخالد بن الوليد رضي الله عنه مشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح [630] ، (وقد)[631] تبين بهذا كله، أن قول من قال: عن خالد في هذا الحديث: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر"[632] ، لا أصل له. والله أعلم.
20-
ومنها: ما روى البخاري في التفسير من صحيحه، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه قال:"كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، (وقرأ آية النساء) فمن وفي منكم فأجره على الله
…
" [633] الحديث.
وهو كذلك- أيضا- عند مسلم من طريق معمر، عن الزهري. قال فيه:"فتلا علينا آية النساء"[634] . وقال البخاري في طريقه المتقدمة: "وأكثر لفظ سفيان [635] قرأ الآية [636] .
ووجه الإشكال في هذا أن هذه البيعة هي بيعة العقبة الأولى مع الاثني عشر من الصحابة للأنصار، وقد أخرجاه في الصحيحين من طريق عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، عن عبادة رضي الله عنه أنه قال: "إني لمن البعث الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا
…
" [637] ، وذكر نحوه. وأخرجه مسلم - أيضا - من حديث أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة رضي الله عنه وفيه: "أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء، أن لا نشرك بالله شيئا
…
" [638] ، وذكر بقيته. فهذه البيعة الأولى [639] ، كانت قبل الثانية، وفي ليلة العقبة الثانية، شرط عليهم أن يمنعوه مما منعوا منه أزرهم، يعني نساءهم، ثم فرض القتال بعد ذلك، لما نزل قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [640] الآية. فإذا عرف ذلك فآية بيعة النساء التي في الممتحنة مدنية بالاتفاق [641] ، إنما نزلت بعد قصة الحديبية في سنة ست، فكيف يتصور أن تتلى في بيعة العقبة الأولى قبل الهجرة، بأزيد من عامين؟! وقد يمكن تأويل الرواية المتقدمة، على أن الذي اشترطه النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، يشبه ما في آية بيعة النساء، لكن قول الراوي: "تلا الآية"، يبعد هذا التأويل. والله أعلم.
21-
ومنها ما روى البخاري - أيضا - في باب التقنع، من كتاب اللباس [642](حدثنا)[643] إبراهيم بن موسى، (أخبرنا)[644] هشام [645] ، عن معمر [646](عن الزهري، عن عروة) عن عائشة [647]رضي الله عنها قالت: "هاجر ناس من المسلمين [648] إلى الحبشة، وتجهز أبو بكر - رضي الله عنة - مهاجرا، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" [649] . فقال أبو بكر- رضي الله عنه: "أو ترجوه، بأبي أنت؟ "قال:"نعم"، فحبس أبو بكر رضي الله عنه نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين"كانتا عنده، ورق السمر أربعة أشهر
…
"الحديث.
فقوله في هذه الرواية: "إلى الحبشة"وهم من بعض الرواة، أو سبق قلم [650] ، وصوابه "إلى المدينة". كما في سائر الروايات في غير هذا الموضع في الصحيحين [651] ، وغيرهما [652] . والله أعلم.
22-
ومنها ما ذكره البخاري في كتاب الزكاة [653]، عقيب حديث ابن عمر: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريا، العشر
…
" الحديث.
قال: "هذا تفسير الأول [654] ، لأنه لم يوقت في الأول - يعني حديث ابن عمر - "فيما سقت السماء العشر"، وبيّن في هذا ووقّت، والزيادة مقبولة، والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبث، كما روى الفضل ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة" وقال بلال: "قد صلى" فأخذ بقول بلال، وترك قول الفضل [655] .
قلت: المشهور في الروايات أن الذي نفى كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وعنه روى عبد الله بن عباس ذلك [656] . وأما رواية الفضل فرواها محمد بن سعد، في كتاب الطبقات قال:"أنا موسى بن داود [657] ، أنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت فكان [658] يسبح ويكبر ويدعو ولا يركع ".
وموسى بن داود هذا، هو في خبر طرسوس، أخرج له مسلم [659] ووثقه، وقال فيه أبو حاتم الرازي:"في حديثه اضطراب "[660] . وروى هشيم (عن)[661] ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت ومعه الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وبلال
…
" فذكر الحديث. وخالفه خالد بن الحارث، فرواه عن ابن عون، ولم يذكر الفضل بن عباس، أخرجه مسلم [662] ، ولم يأت أن الفضل كان معهم يومئذ، إلا في رواية هشيم وقد قيل فيها: "إنها شاذة [663] ، لكن في كلام البخاري المتقدم ما يقتضي تصحيح رواية موسى بن داود المتقدمة، وأن الفضل كان معهم. والله أعلم.
23-
ومنها: ما روى مالك في أواخر الموطأ عن سالم أبي النضر [664]، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:"أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه يعوده. قال: "فوجد عنده سهل بن حنيف- رضي الله عنه قال: "فدعا أبو طلحة إنسانا فنزع نمطا من تحته، فقال له سهل بن حنيف: "لم تنزعه؟ فقال: لأنه فيه تصاوير، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما قد علمت ". فقال سهل:"لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما كان رقما في ثوب. قال: "بلى، ولكنه أطيب لنفسي " [665] .
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار [666] : "كأن هذا الحديث منقطع، لأن عبيد الله بن عبد الله لم يدرك سهل بن [667] حنيف ولا أبا طلحة ولا حفظ له عن أحد منهما سماع، ولا له من يذكرها به، ثم احتج لذلك بأن سهل بن حنيف، مات بلا خلاف سنة ثمان وثلاثين [668] ، وصلى عليه علي رضي الله عنه فكبر عليه ستا، وكذلك كان يفعل بالبدريين [669] ، ثم ذكر الاختلاف في وفاة أبي طلحة، فإن بعضهم قال: إنه مات سنة أربع وثلاثين [670] ، ثم قال: "والصحيح في هذا الحديث أن (بين) عبيد الله، وبين أبي طلحة، وسهل بن حنيف فيه ابن عباس [671]رضي الله عنهما كذا رواه الزهري من رواية ابن أبي (ذئب)[672] وغيره. ثم روي من طريق ابن أبي (ذئب)[673] عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أبي طلحة رضي الله عنه قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة". ثم قال ابن عبد البر: "كأن هذا الحديث غير حديث أبي النضر". قلت: كذلك هو ولابد وحديث مالك عن أبي النضر قصة مباينة [674] لهذا الحديث المرفوع، فلا يعترض به عليها، ويجعلا واحدا. وأما عدم لقاء عبيد الله بن عبد الله الصحابيين، فهو كما ذكر في سهل بن حنيف إذ لو أدركه عبيد الله لسمع من علي رضي الله عنه وأمثاله [675] ، وقد حكموا على روايته عن علي بالإرسال، ولكن رواية مالك وقع فيها وهم في تسمية سهل بن حنيف إما من سالم أبي النضر، أومن الإمام مالك، وهو الظاهر، لأن النسائي روى هذه القصة في سننه الكبرى [676] ، قال: أنا محمد بن وهب، ثنا محمد بن سلمة، ثنا ابن إسحاق، عن [677] سالم أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الله قال: "دخلت أنا وعثمان بن حنيف نعود أبا طلحة في بيته فدخلنا عليه وتحته بسط فيها صور، فقال لغلامه: أردت أن تحول هذا من تحتي. فقال له عثمان: "أو ما سمعت يا أبا طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم -
حين نهى عن الصور. يقول: "إلا رقما في ثوب، أو ثوبا فيه رقم؟ قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي أن أنزعه من تحتي ".
فهذا هو الصواب - إن شاء الله تعالى- وإن كان الإمام مالك أحفظ من ابن إسحاق وأتقى ولكن الغلط قلّ أن يسلم منه أحد، ويتأيد ذلك بأن سالما أبا النضر ثقة، متفق عليه، وعبيد الله بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة، متفق على جلالته والاحتجاج به، وقد صرح بحضور هذه القصة، ولا يحتمل سنه أن يكون ذلك مع سهل بن حنيف، فيتعين - كما قال ابن عدي - قول ابن إسحاق، وأنه عثمان بن حنيف [678] .
وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن عثمان بن حنيف بقي إلى زمن معاوية رضي الله عنهما. وحينئذ يصح (إدراك) عبيد الله له وأما أبو طلحة رضي الله عنه، فالقول بأنه مات سنة (أربع وثلاثين، أو ما يقاربها) ، لا يعتد به، لما روى أبو زرعة الدمشقي الحافظ عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه:"أنّ أبا طلحة رضي الله عنه سرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة"[679] . وهذا إسناد صحيح وهو يصحح قول ابن المدائني [680] وغيره: أن أبا طلحة (مات) سنة إحدى وخمسين، وحينئذ فقد أدركه عبيد الله، وزال توهم الانقطاع في حديث مالك، وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف ولم ينبه على هذا الموضوع أحد. والله أعلم.
فرغ من تعليقه العبد الفقير إلى الله تعالى، المعروف باللدني الراجي رحمة ربه، وغفرانه، عيسى بن إبراهيم بن ناجي اللدني عفا الله (عنه) ، وغفر له، وذلك من نسخة المصنف بخطه، وفرغ في مستهل ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة (776 هـ) بالمسجد الأقصى الشريف بالخانقاه الفخرية، رحم الله واقفها، والحمد لله وحده، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم.
وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف.
آخر الكتاب: فرغ منه محمد بن أحمد الصميدي، في ثامن جمادي الأولى سنة ست وسبعين وسبعمائة.
كتبه محمد بن أحمد بن الصميدي مشهرة، وأصلاً وبلداً، القرمشي نسباً، الشافعي مذهباً، الدمشقي مولداً، وأبا وجدا وجد جد، ومنشأ [681] .
الخاتمة
بعد حمد لله الذي تتم بنعمته وفضله الصالحات، والصلاة على رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين.
أقول: إن هذا البحث العلمي النفيس، قدمت فيه عملا أراه حسنا إن شاء الله، وأضفت إلى عمل المؤلف عملا رأيته يزيد البحث جمالا إلى جماله، وفوائد إلى فوائده، فأصبح البحث مكونا من ثلاثة جوانب:
الأول: يتعلق بالمؤلف العلائي- رحمه الله قدمت فيه دراسة مستفيضة ونافعة - إن شاء الله - عن هذا العلم من ولادته إلى وفاته، وهو أمر هام يتعلق بسيرة علم من أعلام المحدثين، أجاد وأفاد في كثير من العلوم الإسلامية.
والثاني: يتعلق بالكتب التي أورد عليها العلائي بعض التنبيهات على مواضع مشكلة فيها، وبيان مكانة تلك الكتب العلمية، وما لمؤلفيها من مكانة وفضل وهي الصحيحان، والسنن الأربعة، والموطأ. وإن لم يتعرض المؤلف لشيء من سنن ابن ماجة، لكن رأيت إتمام الفائدة بالتعريف به. ولعل المصنف على رأي من يجعل الموطأ سادس الكتب الستة.
والثالث: إخراج وتحقيق ما قام به المؤلف من جهد علمي قيم له مكانته ونفاسته بين علوم الحديث الشريف، من حيث أنه يبحث في جوانب دقيقة وشاقة من حيث الرواية والدراية، وفقه المسائل المشكلة، والبحث عن مواضعها، ليس بالأمر السهل.
وهذا الباب من العلم، يعد من المضايق العلمية في الحديث فأهل العلم يسمونه مشكل الحديث، أو مختلف الحديث، ومعرفته هامة جدا لطالب العلم، إلا أنه لا يكمل لهذا الفن إلا الأئمة الذين كان لهم الباع الواسع في علوم الحديث، والفقه، والأصول، ولهم قدرة على الغوض في مجالات العلم.
وهكذا فعل العلائي، فتتبع عددا من المواضع المشكلة، أحصاها في ثلاثة وعشرين موضعا، موزعة بين الصحيحين، والبخاري وحده، ومسلم وحده، والترمذي في سننه، وسنن أبي داود، والموطأ، ولقد أجاد وأفاد رحمه الله.
وحصلت لي مناقشات علمية دونتها في التعليقات على المواضع التي نبه عليها. منها على سبيل المثال: قضية سماع مسروق من عائشة.
وقد لاحظت على المخطوطة أخطاء إملائية، قمت بتصحيحها وفق القواعد الإملائية السليمة حسب علمي.
وفي العبارات: عدم جودة في الأسلوب، وهي قليلة جدا، اللف والنشر غير المرتب في المواضع التي نبه عليها.
هذا وإني لأرجو من الله عز وجل أن يكون عملي هذا ذا جدوى وفائدة، وأن يجعله عملا يدوم ثوابه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فهرس المصارد والمراجع
1-
أحوال الرجال لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني 259هـ/ط. الأولى، 1405هـ، مؤسسة الرسالة.
2-
الاستيعاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر /ط. الأولى مكتبة الكليات الأزهرية.
3-
أسد الغابة في معرفة الصحابة: أبو الحسن علي بن أبي الكرم بن الأثير. طهران.
4-
الإصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، 852هـ، ط. الأولى، 1396هـ. مكتبة الكليات الأزهرية.
5-
أعلام النساء: عمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة. 1379هـ.
6-
الأنس الجليل: لعبد القادر بن محمد النعيمي 927هـ، تحقيق: جعفر الحسيني، مكتبة الثقافة.
7-
البداية والنهاية: إسماعيل بن كثير الدمشقي 774هـ، الثالثة. 1978م، مكتبة المعارف.
8-
تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي 463 هـ. دار الكتاب العربي.
9-
التاريخ الصغير: محمد بن إسماعيل البخاري 256 هـ. المكتبة الإسلامية.
10 تاريخ يحيى بن معين: (تحقيق: د. أحمد نور سيف) يحيى بن معين 233هـ، ط. الأولى 1399هـ، مركز البحث العلمي، بمكة.
11-
تحفة الأحوذي: محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، المكتبة السلفية بالمدينة.
12-
تحفة الأشراف. جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي 742 هـ. الدار القيمة، 1384 هـ.
13-
تذكرة الحفاظ: أبو عبد الله شمس الدين الذهبي 748 هـ. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
14-
تذكرة العراقي: الحافظ عبد الرحيم العراقي.
15-
تقريب التهذيب: أحمد بن على بن حجر العسقلاني 852 هـ، ط. الأولى 1393 هـ. دار الكتب. باكستان.
16-
تفسير ابن كثير: الحافظ إسماعيل بن كثير 774 هـ. ط. السابعة 1402هـ. دار القرآن الكريم. بيروت.
17-
تفسير عبد الرزاق: الحافظ عبد الرازق.
18-
تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر 852 هـ، ط. الأولى، 1325هـ، دائرة المعارف.
19-
تهذيب الكمال: الحافظ المزي.
20-
توضيح الأفكار: محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني 1182هـ، ط. الأولى، 1366هـ، مطبعة السعادة.
21-
الثقات: محمد بن حبان التميمي 354 هـ. ط. الأولى، 1393 هـ. دائرة المعارف.
22-
جامع البيان في تفسير القرآن: محمد بن جرير الطبري 310 هـ. ط. الأولى، 1323 هـ. دار المعرفة.
23-
جامع الترمذي: أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة 209-279 هـ. ط. الثانية، 1398 هـ. مصطفى الحلبي.
24-
الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم 327 هـ. ط. الأولى 1271 هـ. مجلس دائرة المعارف.
25-
الجمع بين رجال الصحيحين: أبي الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي 507 هـ. ط. الأولى، 1323 هـ. دار الكتب العلمية.
26-
جوامع السيرة:
27-
حاشية السندي: على سنن النسائي.
28-
الدارس في تاريخ المدارس: عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي 927 هـ. مكتبة الثقافة الدينية.
29-
دراسة جامع التحصيل في أحكام: رسالة دكتوراة تحت الطبع.
30-
الدرر الكامنة: شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني 852 هـ. دار الكتب الحديثة.
31-
دول الإسلام: للحافظ الذهبي. طبع الكويت.
32-
ذيل التذكرة: للحسيني.
33-
ذيل العبر في خبر من غبر: الحافظ الذهبي 748 هـ. ط. الأولى 1405 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان.
34-
ذيل تذكرة الحفاظ: للسيوطي.
35-
سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني 275 هـ. ط محمد فؤاد عيسى الحلبي.
36-
سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث 275 هـ. الأولى، 1388 هـ. محمد علي السيد.
37-
سنن الدارقطني: علي بن عمر الدارقطني 385 هـ. عبد الله هاشم المدني، 1386هـ.
38-
السنن الكبرى: أحمد بن الحسيني البيهقي 458 هـ. ط. الأولى، 1344 هـ مجلس دائرة المعارف.
39-
سنن النسائي. أحمد بن شعيب الأزدي 303 هـ. ط. الأولى، 1406 هـ. مكتب المطبوعات.
40-
سيرة ابن هشام: عبد الملك بن هشام 218 هـ. ط 1383 هـ. مكتبة محمد علي صبيح.
41-
شذرات الذهب في أخبار من ذهب: أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي 1089 هـ. المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع بيروت. لبنان.
42-
شرح النووي على مسلم: يحيى بن شرف الدين النووي 676 هـ. مطبعة الشعب.
43-
شرح صحيح مسلم: محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي الشافعي 631-676 هـ. ط. الأولى، 1407 هـ.
44-
شروط الأئمة: للحازمي.
45-
صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري 256 هـ. ترتيب محمد فؤاد، 1380هـ. السلفية.
46-
صحيح مسلم: محمد بن الحجاج القشيرى 261 هـ. ط. الأولى. 1374 هـ. عيسي الحلبي.
47-
الضعفاء والمتروكين: أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي 385 هـ. ط. الأولى 1404هـ. مكتبة المعارف. الرياض.
48-
الضوء اللامع: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. منشورات. دار مكتبة الحياة بيروت. لبنان.
49-
طبقات الأسنوي.
50-
طبقات الحفاظ: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي 849-911هـ، ط. الأولى، 1393 هـ. مكتبة وهبة.
51-
طبقات الشافعية: تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي 727- 771 هـ. ط. الأولى، 1383 هـ. عيسى الحلبي.
52-
الطبقات الكبرى: لابن سعد، 1380 هـ. بيروت.
53-
طبقات المفسرين: لمحمد بن علي بن أحمد الداوودي 945 هـ. الطبعة الأولى، 1403 هـ.
54-
فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852 هـ. ط. 1380 هـ. السلفية.
55-
الكنى: لأبي أحمد الدولابي.
56-
اللباب في تهذيب الأنساب: عز الدين الأثير الجزري. دار صادر بيروت.
57-
لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور 711 هـ. دار صادر.
58-
المجموع.
59-
مرويات غزوة بني المصطلق: للدكتور إبراهيم القريبي. طبع المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية.
60-
مختصر سنن أبي داود: للمنذري. تحقيق أحمد شاكر، ومحمد الفقي.
61-
المستدرك على معجم المؤلفين.
62-
مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل الشيباني 241 هـ. المكتب الإسلامي.
63-
معجم البلدان: شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت الحموي الرومي البغدادي، 1397 هـ. دار صادر.
64-
المعجم المختص: للحافظ الذهبي. الطبعة الأولى، 1408 هـ.
65-
المعجم الكبير:
66-
معجم ما استعجم: أبي عبيد الله عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي. 487 هـ. ط. الأولى، 1364 هـ. القاهرة.
67-
معجم المؤلفين: لعمر كحالة. دار إحياء التراث العربي.
68-
مقدمة ابن الصلاح: عذب؟ عمرو بن الصلاح. تحقيق نور الدين عتر. طبع سنة 1386هـ.
69-
مقدمة مختصر السنن: للمنذري.
70-
الموطأ: مالك بن أنس 179هـ، ترتيب محمد فؤاد، دار إحياء التراث.
71-
النجوم الزاهرة: جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الأنابكسي، الهيئة المصرية العامة، 1390هـ.
72-
نور اليقين:للخضري.
73-
هدي الساري: للحافظ ابن حجر.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
المعجم المختص ص93.
[2]
الدرر الكامنة 2/179.
[3]
طبقات الشافعية 10/36.
[4]
شذرات الذهب 6/190.
[5]
نسبه إلى البلدة الأصل لأسرته، والعلاية بلد بالروم، منها الصلاح خليل بن كيكلدي، العلائي، حافظ بيت المقدس (شرح القاموس 10/253) .
[6]
نسبة إلى المذهب.
[7]
المعجم المختص ص93، وطبقات الشافعية 10/36، والدرر الكامنة 2/179، وشذرات الذهب 6/190، وغيرها كثير من كتب التراجم.
[8]
المستدرك على معجم المؤلفين ص235، ولعل النسبة ليست إلى العلاية من بلاد الروم، بل إلى سكة العلاء ببخارى، والأتراك أصولهم بخارية، انظر معجم البلدان 4/144.
[9]
انظر دراسته لكتاب: جامع التحصيل.
[10]
طبقات الأسنوي 2/858.
[11]
الدرر الكامنة 1/41.
[12]
الدرر الكامنة 2/180.
[13]
الدرر الكامنة 2/180.
[14]
الدارس 1/60.
[15]
الدرر الكامنة 2/180.
[16]
ص 4.
[17]
الدرر الكامنة 2/180.
[18]
الدرر الكامنة 2/180.
[19]
الدارس 1/62.
[20]
الدارس 1/62. وشذرات الذهب 6/190.
[21]
النجوم الزاهرة 10/337.
[22]
الدرر الكامنة 2/180.
[23]
المعجم المختص ص 8. والدرر الكامنة 1/94.
[24]
المعجم المختص ص 8. والدرر الكامنة 1/94.
[25]
الدارس 1/60.
[26]
الدرر الكامنة 4/167.
[27]
المعجم المختص ص55.
[28]
الدرر الكامنة 4/193.
[29]
المعجم المختص ص55.
[30]
المعجم المختص ص62. بتصرف.
[31]
الدرر الكامنة 1/56.
[32]
الدرر الكامنة 3/116-117.
[33]
عزاها الحافظ إلى معجم الذهبي. ولم أقف فيه على ترجمة القحفازي ولعلها في المعجم الكبير.
[34]
ابن كثير في البداية والنهاية 14/135.
[35]
البداية والنهاية 14/137.
[36]
الدرر الكامنة 1/160.
[37]
الدرر الكامنة 1/168.
[38]
البداية والنهاية 14/137. والدرر الكامنة 1/168.
[39]
البداية والنهاية 14/137.
[40]
الدرر الكامنة 1/168.
[41]
تذكرة الحفاظ ص1498-1499.
[42]
الدرر الكامنة 5/234، 1/516.
[43]
الدرر الكامنة 5/237.
[44]
الدرر الكامنة 1/384.
[45]
لأنه رحل لزيارة بيت المقدس مع الزملكاني في سنة سبع عشرة وسبعمائة ودرس بالناصرية سنة ثمان عشرة، والناصرية إحدى مدرستين تسمى بهذا الاسم، فالتي في دمشق الناصرية الجوّانية، والتي في قاسيون تسمى الناصرية البرانية، (الدارس 1/115،117) .
[46]
شذرات الذهب 7/15.
[47]
شذرات الذهب 7/15.
[48]
الدرر الكامنة 1/384. وانظر ترجمته: (الضوء اللامع 1/296) .
[49]
شذرات الذهب 6/256-257. والدرر الكامنة 1/394-395. وذيل التذكرة ص183.
[50]
ذيل تذكرة الحفاظ ص183، وشذرات الذهب 6/344، وأعلام النساء 1/54.
[51]
ذيل تذكرة الحفاظ ص183، وشذرات الذهب 7/154، وأعلام النساء 1/58.
[52]
طبقات الحفاظ ص518.
[53]
الدرر الكامنة 3/426، 427.
[54]
طبقات الحفاظ ص517.
[55]
المعجم المختص ص93.
[56]
المعجم المختص ص75.
[57]
الدرر الكامنة 1/400.
[58]
ذيل التذكرة ص362. وطبقات الحفاظ 530.
[59]
الدارس 1/59.
[60]
طبقات الحفاظ 539.
[61]
طبقات الحفاظ 528. وذيل التذكرة 361.
[62]
الدرر الكامنة 1/395. وشذرات الذهب 6/256-257.
[63]
الدرر الكامنة 3/40،41.
[64]
طبقات الشافعية 10/224.
[65]
دول الإسلام 2/202.
[66]
دول الإسلام 2/203.
[67]
دول الإسلام 2/224-232.
[68]
خلاصة من تتبع أحداث عصر العلائي (695-761هـ) في دول الإسلام والبداية والنهاية.
[69]
انظر ترجمة شيخ الزملكاني ص8 ت3.
[70]
الدارس 1/61.
[71]
المعجم المختص ص92. بتصرف.
[72]
الدارس 1/59-60.
[73]
لأنه درس في الحلقة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، يوم الأربعاء ثاني المحرم. (الدارس 1/59) .
[74]
الدرر الكامنة 2/181.
[75]
طبقات الشافعية 10/209.
[76]
الدرر الكامنة 2/181.
[77]
المعجم المختص ص92، طبقات الشافعية 10/36. ذيل العبر الدارس 1/63.
[78]
طبقات الأسنوي 2/858.
[79]
طبقات الحفاظ ص529، نقلا عن الذهبي في المختص، وليست بهذا النص.
[80]
ذيل العبر 186. الأسنوي 2/858، الدارس 1/63، طبقات الحفاظ 529.
[81]
الدارس 1/62.
[82]
طبقات الشافعية 10/36.
[83]
طبقات الشافعية 10/36. وقد نقل عبارته هذه: ابن العماد في: شذرات الذهب 6/190. والداودي في: طبقات المفسرين (1/169) .
[84]
ذيل تذكرة الحفاظ ص44.
[85]
الدرر الكامنة 1/169-170.
[86]
طبقات الشافعية 10/36، وتبعه الداودي أيضا (طبقات المفسرين 1/169) .
[87]
الدرر الكامنة 2/180.
[88]
الدارس 1/61.
[89]
الدارس 1/61.
[90]
الدرر الكامنة 2/180.
[91]
ذيل التذكرة ص44.
[92]
المعجم المختص ص92. بتصرف.
[93]
الدرر الكامنة 2/180.
[94]
الدرر الكامنة 2/180.
[95]
المعجم المختص ص92. وطبقات الأسنوي 2/858. والدرر الكامنة 2/180.
[96]
المعجم المختص ص92. وطبقات السبكي 10/35. والدرر الكامنة 2/181. والنجوم الزاهرة 10/337.
[97]
المعجم المختص ص92. والنجوم الزاهرة 10/337. والدرر الكامنة 2/181.
[98]
الدرر الكامنة 2/181، عن الحسيني. ولم أقف عليه في الذيل، وهو في المعجم، كما ذكر ابن العماد 5/90.
[99]
المعجم المختص 92، وطبقات الشافعية للسبكي 10/36.
[100]
المعجم المختص 92.
[101]
الدارس 1/62، وشذرات الذهب 6/190.
[102]
طبقات الحفاظ ص528.
[103]
الدارس 1/60.
[104]
إحدى مدرستين بهذا الاسم، والفارق بينهما، أن إحداهما برانية تقع خارج دمشق في سفح قاسيون، والأخرى جوانية داخل دمشق. كلاهما أنشأهما الملك الناصر صلاح الدين. (الدارس 1/115-117) .
[105]
الدرر الكامنة 2/180. والدارس 1/62.
[106]
تقع في ظاهر دمشق، وهي على الطائفتين، الشافعية والحنفية، أنشأها أسد الدين شيركوه الكبير. (الدارس 1/152) .
[107]
الدرر الكامنة 2/180. والدارس 1/62.
[108]
العبر 4/83. والدارس 1/59. والبداية والنهاية 1/132. بتصرف.
[109]
بانيها نور الدين محمود بن زنكي الشهيد، ونسبت إلى الملك الناصر صلاح الدين، فاتح بيت المقدس (الدارس 1/331) .
[110]
الدرر الكامنة 2/181.
[111]
الأنس الجليل 2/41.
[112]
نسبة إلى الأمير سيف الدين بكتمر. (هامش الدارس 1/275) . والأنس الجليل (2/35) .
[113]
الدارس 1/62.
[114]
الدارس 1/123.
[115]
الدارس 1/62-63.
[116]
الدارس 1/62-63.
[117]
بتصرف. انظر: (طبقات الشافعية 10/35. والنجوم الزاهرة 10/237. وطبقات الحفاظ ص529) .
[118]
في دراسة كتاب جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي.
[119]
ذيل العبر ص186، الدرر الكامنة 2/181.
[120]
الدرر الكامنة 2/181.
[121]
طبقات الشافعية 1/36.
[122]
هذا البيت تمثل به العلائي، وهو من قول تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي مطلع قصيدته، حين أخذت منه مشيخته جامع طولون في سنة تسع عشرة وسبعمائة. طبقات الشافعية (10/180-181) .
[123]
لا أعتقد أن العلائي أراد التعلق غير المشروع، يشير إلى أنه يريد ما شرع، وهو حبهم لعلمهم بالكتاب والسنة، فإن كان الواقع خلاف ذلك، فلا شك أنها شائبة في الاعتقاد.
[124]
طبقات الشافعية 10/181-182.
[125]
الدرر الكامنة 2/182.
[126]
الأسنوي. فإنه قال:"سنة ستين". (الطبقات 2/585) .
[127]
طبقات الشافعية 10/36. والدرر الكامنة 2/181.
[128]
الأنس الجليل 2/107.
[129]
هدي الساري ص8.
[130]
هدي الساري ص7.
[131]
هدي الساري ص7.
[132]
هدي الساري ص7.
[133]
هدي الساري ص9.
[134]
هدي الساري ص12.
[135]
طبقات الشافعية 2/251.
[136]
البداية والنهاية 11/24.
[137]
كل من اشتغل بعلم الحديث وتاريخ الرواة - بعد البخاري - ترجم له ومنهم من أفرده. انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/4. تذكرة الحفاظ 2/555، وتهذيب التهذيب 9/47) .
[138]
تاريخ بغداد 13/101.
[139]
صحيح مسلم 1/8.
[140]
تاريخ بغداد 13/101.
[141]
تذكرة الحفاظ 2/590.
[142]
شرح النووي 1/11.
[143]
شرح النووي 1/11.
[144]
شرح النووي 1/10.
[145]
تاريخ بغداد 13/100. وتذكرة الحفاظ 2/588. وقد اعتنى الأئمة بترجمته وذكر مآثره.
[146]
وعدة ما فيه بالمكرر أربعة وسبعون ومئتان وخمسة آلاف (5274) .
[147]
تاريخ بغداد 9/57.
[148]
تاريخ بغداد 9/56.
[149]
مقدمة ابن الصلاح ص33.
[150]
مقدمة ابن الصلاح ص34.
[151]
بتصرف، بعد دراسة عدة تراجم له. وانظر تاريخ بغداد 9/75-77.
[152]
تهذيب التهذيب 9/389.
[153]
بتصرف. بعد دراسة عدة تراجم له. وانظر (تذكرة الحفاظ ص633 واللباب 1/212. وتهذيب التهذيب 9/387-389) .
[154]
وصف الكتاب؛ لأن السنن ليس فيها صغرى وكبرى.
[155]
مقدمة سنن النسائي ص5.
[156]
شروط الأئمة للمقدسي ص18.
[157]
تذكرة العراقي 1/103. مقدمة مختصر السنن ص8.
[158]
مقدمة ابن الصلاح.
[159]
مقدمة سنن النسائي ص5.
[160]
ترجم له الأئمة ومنهم المزي. (تهذيب الكمال 1/328-340) .
[161]
لأنه دون شك مقدم على ابن ماجة من حيث الصحة، ولا أعلم خلافا في هذا، بل بعضهم قدمه على الصحيحين.
[162]
مقدمة سنن النسائي ص5.
[163]
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2/236. والتهذيب 9/350.
[164]
التذكرة ص41، وورد بلفظ آخر. (مقدمة ابن الصلاح ص4) .
[165]
منهم الإمام البخاري. مقدمة ابن الصلاح ص12.
[166]
مقدمة ابن الصلاح ص14. والتذكرة ص41. وتوضيح الأفكار 1/48-49.
[167]
مقدمة الموطأ ص (د) .
[168]
بتصرف. من مقدمة الموطأ.
[169]
الدارس 1/61. وطبقات المفسرين 1/170. وشذرات الذهب 6/191.
[170]
المستدرك على معجم المؤلفين ص235.
[171]
في القدس الشريف، والأخرى بمصر (الدارس 1/431) .
[172]
محمد بن فضل الله، القاضي، فخر الدين، كاتب المماليك، أصله قبطي، فأسلم وحسن إسلامه، وكان له أوقاف كثيرة، وبر وإحسان إلى أهل العلم، وإليه تنسب الفخرية بالقدس الشريف. (الدارس 1/431) بتصرف.
[173]
لم أقف على ترجمته الآن.
[174]
انظر: نموذج الوجه الأول من المخطوطة.
[175]
هكذا في الأصل. وصوبت في الهامش (حوض) . والتصويب خطأ لأنه في رواية ابن المثنى، وهو أحد شيوخ مسلم (حوضي) . أما بقية الطرق عند مسلم فقد اتفقت على لفظ:"إن أمامكم حوضا". م 4/1797.
[176]
قرية من أعمال عمّان، بالبلقاء من أرض الشام، قرب جبال الشراة، من ناحية الحجار، قريبة من أذرح، وقد كان بينهما أمر الحكمين. (معجم البلدان 2/118) . قال الأكثرون:"إنها بألف مقصورة، ورواية المد خطأ"(م 4/1797. والفتح 11/470) .
[177]
بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة. ذكر ياقوت بالسند أن بينها وبين جربى ميل واحد. (معجم البلدان 1/129) .
[178]
(م 4/1797) .
[179]
في الأصل: عبد الله، وهو سبق قلم، صوابه ما أثبت، يؤيد الصواب ما بعده.
[180]
(م 1797) .
[181]
هكذا في الأصل مثنى مرفوع. و (قريتين) بالجر. (م4/1798) .
[182]
لكن ذكر ياقوت خلاف هذا، وأوضح بالسند أنها لا تزيد على ميل واحد. (المعجم 1/129) .
[183]
في الأصل: المساحة ، وهو خطأ.
[184]
رده ياقوت، قال:"وهو غلط منه، وإنما هي قبلي فلسطين، من ناحية الشراة"، (معجم البلدان 1/129) . وسيأتي ذكره ما رجحه المؤلف) .
[185]
في 7/209.
[186]
1 /أ.
[187]
لم أقف على المصدر.
[188]
م 4/1797.
[189]
م 4/1797، في 7/207 بدون قوله:"وزواياه سواء". قال الحافظ:"وهذه الزيادة تدفع تأويل من جمع بين مختلف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض، على اختلاف العرض والطول"(الفتح 11/470) .
[190]
هذا وهم من المؤلف رحمه الله لأن النواس ليست له رواية في صحيح البخاري، وله عند مسلم خمسة أحاديث ليس هذا الحديث منها.
[191]
مدينة على ساحل بحر القلزم - البحر الأحمر - مما يلي الشام، وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير. (معجم البلدان 13/292) .
[192]
م 4/1798،1799.
[193]
أبو الحسن، ثقة، صاحب سنة. (الجرح والتعديل 8/477) .
[194]
أبو طلحة، الراسبي، البصري، يخطئ.
[195]
الراسبي. صدوق، يهم.
[196]
نضلة بن عبيد، صحابي، غزا سبع غزوات.
[197]
لم أقف على كتاب المقدسي في أحاديث الحوض، لكن الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه بسند المؤلف. (الإحسان 8/126) .
[198]
التعبير بصيغة التمريض أسلوب غير دقيق، لا سيما مع التصريح بجودة الإسنادين، ولا يراد احتمال أنها (روى) بالألف المقصورة، يعني المقدسي، لأن الياء في الأصل منقوطة.
[199]
لم أقف على الكتاب المذكور، وعند مسلم رواية من حديث جابر بن سمرة، ولم أقف على رواية جابر بن عبد الله، ولا عبد الله بن عباس، بل ليست عند مسلم. (م4/1801) .
[200]
يورد الأحاديث بما يناقض قوله.
[201]
يعني: أصل الحديث، وتقدم تحت رقم (1) .
[202]
العبارة لم تتضح لي قراءتها، رغم الاستعانة ببعض المختصين في قراءة المخطوطات.
[203]
التيمي، ثقة.
[204]
البراد، صدوق.
[205]
روى عنه إبراهيم ولم يسمه، ولم أقف على تسمية له.
[206]
1/ب.
[207]
إن صح هذا التعبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد به الموت، والعرب تستعمل هذه اللفظة بمعنى الموت، وإلا فإن من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الناجين.
[208]
تقدم أن المصنف عزا هذه الروايات إلى جمع المقدسي لطرق أحاديث الحوض.
[209]
الجرح والتعديل 2/88.
[210]
لم أقف على المصدر. قلت: ظن ابن عساكر هذا ظن شك لا يقين، ومجرد الاشتراك في لفظة (البراد) لا يحرر المقام، وغالب الظن عندي أنه ليس سالما، لانفراد ابن عساكر بهذا الظن، ولاختلاف الكنية، ولعدم ذكر سالم في شيوخ إبراهيم، ولم يذكر إبراهيم في تلاميذ سالم.
[211]
نقل عنه ذلك الحافظ وغيره (تهذيب التهذيب 3/444) .
[212]
الجرح والتعديل 4/190.
[213]
هذه العبارة توحي بالشك عند المؤلف فيما نقل عن ابن عساكر، فذاك أبو أسيد إن كان إبراهيم منسوبا إلى جده، وهذا أبو عبد الله المصري.
[214]
المصري، المعروف بـ "ابن الطبري"، ثقة، حافظ، تكلم فيه ابن معين والنسائي، ورد ذلك ابن حبان.
[215]
ويكنى أبا حمزة، ثقة.
[216]
سنن أبي داود 5/209.
[217]
لأن من شرطه أنه إذا سكت عن الحديث، فهو صالح عنده. ويريد المؤلف- رحمه الله أن يحكم بسكوت أبي داود على هذا الحديث على أن حديث إبراهيم بن أبي أسيد في الحوض حسن أيضا، قياسا على حديثه عند أبي داود، يؤيد هذا الفهم قوله. "ففي هذا الحديث بيان
…
إلخ"، والبيان ليس في حديث أبي داود، بل في حديث إبراهيم المذكور في الأطراف عند المزي، وكذا لا يستقيم للمؤلف ما أراد، لأن العلماء قسموا ما سكت عه أبو داود إلى ثلاثة أقسام، وجعلوا منه الصالح للاحتجاج، والضعيف، والموضوع، وحديث إبراهيم - في نظري - ضعيف بمفرده، لعدم العلم بأبي أسيد.
[218]
قال ياقوت: "لغة في صنعاء، وما أراه إلا وهما، لأن - قائله - رأى النسبة إلى صنعاء صنعاني". (معجم البلدان 3/431) . قلت. ومراد المصنف صنعاء الشام.
[219]
بالباء الموحدة المفتوحة قال ياقوت: "قلعة حصينة في أطراف الشام، بين عمان وأيلة. والقلزم - البحر الأحمر- قرب الكرك. (معجم البلدان 3/370) .
[220]
هذه شهادة ثانية وشهادة تقطع الخلاف في المسافة. وقد تقدم مثل هذا عن ياقوت.
[221]
في الأصل: "من كان". وهو خطأ.
[222]
عند ياقوت: "يوحنه ". من أيلة، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تبوك، مصالحة على الجزية، وقرر على كل حاكم بأرضه في السنة دينارا، فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار، واشترط عليهم قري من مرّ بهم من المسلمين
…
(معجم البلدان 1/292) بتصرف.
[223]
ويؤيده ذكر مسلم له في غزوة تبوك. وقال الحافظ نقلا عن المؤلف أنه قال ردا على ابن الأثير في تقديره المسافة بثلاثة أيام: "بل بينهما غلوة سهم
…
"، (الفتح 11/472) . وتقدم أن المؤلف قال: "يسمع أهل كل قرية النداء من الأخرى"ص 49. وقول ياقوت مسندا أن بينهما ميل واحد ص 45/1ت، ص 46 ت5. كل هذا يؤكد خلاف ما ذكر نافع وغيره. ويحسم الخلاف في تقدير المسافة.
[224]
2/أ.
[225]
المؤتلف في الأماكن، ويسمى أيضا (ما اتفق لفظه واختلف مسماه من أسماء الأمكنة) . هذا الكتاب نشرته مجلة العرب منذ عام 1979، 1980م. (معجم المخطوطات المطبوعة 5/69) .
[226]
معجم ما استعجم 1/130، 2/374.
[227]
لعله كتاب "المفهم لما أشكل من كتاب مسلم"لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (ت 656) . ذكر منه نسخة في القرويين الجزء الثاني، والرابع. وفي الظاهرية. (عن مقال الشروح المغربية لصحيح مسلم) .
[228]
لأن من طالع المختصر منه يقع في حيرة، لاسيما إذا تقرر لديه شدة التقارب بين جربى وأذرح. وفي نظري أن ما ذكر المؤلف رحمه الله من أوجه الجمع بين الأحاديث المختلفة في تقدير المساحة وجه حسن وبه يزول اللبس في هذا الأمر، وإن كان الحافظ رحمه الله رد هذا على المؤلف، وقد استفاده من القاضي عياض، وأفاد الحافظ بأن ما ذكره المؤلف يتم فيما لو كان التقدير متقاربا، أما وقد ظهر الاختلاف متباعدا إلى حد كبير فلا. (الفتح 11/471) . قلت: وبعد العلم بما تقرر في المسافة بين جربى وأذرح لا يتم للحافظ رحمه الله ما أراد. والأوجه في نظري ما نقله المؤلف عن عياض، وأن التقدير إنما كان تقريبا للأفهام. والله تعالى أعلم، نسأله التوفيق والإلهام.
[229]
في5/60، 61.
[230]
وضاح بن عبد الله اليشكري.
[231]
ابن عبد الرحمن السلمي.
[232]
شقيق بن سلمة، الأسدي.
[233]
بضم الراء، زينب. وقيل: دعد. وقول مسروق: حدثتني أم رومان ينفي زعم من قال: إن روايته عنها خطأ. انظر (التقريب 2/621) والفتح (7/438) .
[234]
دخلت. من الولوج: وهو الدخول.
[235]
هي بنت خالة أبي بكر، سلمى بنت أبي رهم. (الفتح8/465) .
[236]
فيه بيان أدب أم رومان، إذ لم تصرح باسم المدعو عليه، وهو مسطح بن أثاثة - عفا الله عنه - وكان يجلس مع أناس في بيت عبد الله بن أبي، يتحدثون في الأمر. (الفتح8/465) .
[237]
مرادها حديث الإفك، وعبرت بهذا استقباحا له، وهو كمال في الأدب وتنزيه للألفاظ.
[238]
رعدة شديدة، والأصل في النفض الحركة. (النهاية 5/97) .
[239]
بالبناء للمجهول، وفي الأصل (نحدث) بالنون.
[240]
في الأصل، وليست عند البخاري.
[241]
إذا لم يصدقهم في دعواهم.
[242]
في سورة النور في الآيات 11-26 {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآيات. والعبرة من هذا المصاب الجلل، كمال الصبر واللطف وانتظار حكم الله، تجلى في أكمل ما يكون عليه أولوا العزم في النبي الكريم، ومعلم الأمة العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يعنف عائشة، وما كان يلومها، وكمال الإيمان، وقوة اليقين عند أم المؤمنين، وقفت في ثبات وعزيمة، ولجأت إلى الله، ولم تزد على أن ذكرت ذلك المثل العظيم وبعد براءتها بالقرآن تزداد شموخا وعزة رضي الله عنها.
[243]
أ/ب.
[244]
خ 4/122، 123.
[245]
محمد بن فضيل.
[246]
في الأصل: "ابن حصين"، وهو خطأ.
[247]
في الأصل هكذا. وفي متن البخاري مع الفتح "لما قيل فيها ما قيل"صف 6/418. وفي صحيح البخاري المتن، كما في عند المصنف خ 4/123. وكذلك عند المزي في تحفة الأشراف 13/79.
[248]
محمد بن مسلم الزهري.
[249]
خ 5/55-60، م 4/2129.
[250]
حماد بن أسامة.
[251]
خ 4/11 معلقا عن أبي أسامة. م 4/2137.
[252]
هكذا في الأصل، ولا أظنها إلا زائدة.
[253]
قال: "لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبي وائل غير حصين، ومسروق لم يدرك أم رومان - في نظر الخطيب - وكان يرسل هذا الحديث عنها، ويقول: "سئلت أم رومان" فوهم حصين فيه، حيث جعل السائل لها مسروق - هذا احتمال -.
والثاني: أو يكون بعض النقلة كتب (سئلت) بألف، فصارت (سألت) فقرأت بفتحتين - فيكون السائل لها مسروق - وهو خطأ في نظر الخطيب رحمه الله.
قال الحافظ: "وعمدته - يعني الخطيب - في دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال: إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع، وقيل: خمس، وقيل: ست، وهو شيء ذكره الواقدي وذكر زبير بن بكار، وبسند منقطع فيه ضعف"(الفتح 7/438) .
قلت: والأمران مردودان؛ فإن البخاري رحمه الله لم يكن غافلا عن هذا، فإنه قال في قضية تاريخ الوفاة - بالنسبة لأم رومان -: فيه نظر، وحديث مسروق أسند. (التاريخ الصغير 22) .
ويؤيد قول البخاري هذا أن إبراهيم الحربي جزم بأن مسروقا سمع من أم رومان، وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر، لأن مولد مسروق كان في سنة الهجرة، ويؤيد تأخر موت أم رومان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية التخيير - وكان نزولها سنة تسع بالاتفاق- قال لعائشة:"إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك، أبي بكر وأم رومان"المسند (6/12711) ، وانظر الفتح (7/438) .
ومما يؤيد تأخر موتها: قول عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر: "وإنما هو أنا وأبي وأمي وامرأتي وخادم"(خ 4/172) ، وإنما هاجر عبد الرحمن بعد الحديبية سنة سبع، في قول ابن سعد وفي قول الزبير فيها أو في التي بعدها، لأنه روي أن عبد الرحمن خرج في مائة من قريش قبل الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الذي ذكراه فيه. (الفتح 7/438) .
[254]
اعتمادا على قول الخطيب، وتقدمت أدلة نقضه.
[255]
نقلا عن الواقدي، والزبير، وقاله ابن سعد (الطبقات 8/276) . وتقدمت دلائل نقضه.
[256]
قلت: لم ينتبهوا إلى قضية التخيير، وكانت في السنة التاسعة بالاتفاق ولا إلى هجرة عبد الرحمن بن أبي بكر، وقضية ضيافته هو وأمه وامرأته وكانت بعد سنة سبع. (هدي الساري 373) .
[257]
بل جزم إبراهيم أن مسروقاً سمع منها في خلافة عمر. (هدي الساري 373) .
[258]
ضعيف. انظر: سؤالات البرقاني للدارقطني ص 52. وسؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني ص 57. والتقريب.
[259]
أخرجه ابن سعد بسنده من طريق علي بن زيد. (الطبقات 8/267) . وفيه زيادة.
[260]
تقدم قول البخاري: "فيه نظر"، وثبت بالأدلة أنه ليس بأصح ولا صحيح وأن الصحيح تأخر وفاتها عن هذا التاريخ. انظر ص 53، 54 ت10.
[261]
3/أ.
[262]
هذا حق، لكنه لم يثبت، بل ثبت خلافه.
[263]
"كان يكون صحابيا": في الكلام ركة، وليس بلازم أن يكون صحابيا إذا سمع منها بالمدينة، والذي أوقع المؤلف في هذا الظن جزمه بأن أم رومان توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
[264]
هذا حق لا مرية فيه.
[265]
وذكره الذهبي أيضا (تذكرة الحفاظ 1/49-50) .
[266]
استنتاج غير سليم، بل المتعين أن تكون الرواية موصولة، وهنا تبرز نباهة الإمام البخاري وفطنته.
[267]
يعني حديث الإفك.
[268]
المسند 6/367.
[269]
ليس بصحيح. وما ذهب إليه الإمام البخاري عين الصواب فقد سمع مسروق من أم رومان على ما سبق تقريره، وصرح بالتحديث عنها، وبالسؤال، ولا مانع أن يتصرف الراوي، أو يروى مسروق نفسه مرة عنها بـ (عن) . قال الحافظ - بعد أن ساق أدلة خطأ الخطيب -:"وفي بعض هذا كفاية في التعقيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع الصحيح، والله المستعان". (الفتح 7/438) . ولم يكن المؤلف مغترا بقول الخطيب وحده، بل ذكره الحافظ، وذكر معه صاحب المشارق والمطالع والسهيلي، وابن سيد الناس، والمزي، والذهبي، وقد أورد المزي- رحمه الله كلام الخطيب في أكثر من عشرة أسطر. (تحفة الأشراف 13/79) .
[270]
في الأصل: "حسين".
[271]
عبد الله بن سعيد.
[272]
في الأصل: "سئلت".
[273]
تقدم إثبات عدم صحة التحليل، ويدفعه - كما ذكر المؤلف - قول مسروق:"حدثتني أم رومان ".
[274]
خ 5/60.
[275]
محاولة تحميل حصين علة تقدح في سماع مسروق من أم رومان غير وارد لما تقدم ذكره من أدلة إمكانية السماع، وتأخر وفاة أم رومان عن التاريخ الذي بنيت عليه فكرة عدم السماع. انظر: ص 53، 54، ت 10.
[276]
هذه النتيجة بنيت على خطأ، فلا تكون مسلمة، والصواب خلافها للأسباب المتقدم بيانها ونجملها فيما يلي:
1-
أن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما أسلم هو ومعاوية يوم الفتح، وقيل: في صلح الحديبية، وعلى كل فهما متقاربان، كان صلح الحديبية في ذي القعدة، والفتح كان في رمضان سنة ثمان من الهجرة. والقصة قطعا وقعت بعد إسلامه، إلا أن يزعم زاعم أن إسلام عبد الرحمن وقع قبل الحديبية بزمن، وحينئذ عليه الإثبات.
2-
إذا تقرر أن إسلام عبد الرحمن كان بعد الحديبية، فقد ثبت أن عبد الرحمن، وأمه، وامرأته، وخادمه، كانوا أضيافا على أبي بكر. (خ 1724) .
3-
ورد النص على أم عائشة - وهي أم رومان - وأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تستشيرها في قضية التخيير. وآية التخيير كانت سنة تسع.
4-
معلوم أن أم عبد الرحمن هي أم رومان، وهو شقيقها، كما نص على ذلك أهل العلم، منهم ابن سعد (الطبقات5/251) وبعد هذا، فالحاصل بعد التحقيق أن الحديث متصل، وثبوت سماع مسروق من أم رومان لا ريب فيه، ولم يخف على فارس هذا الميدان الإمام البخاري.
[277]
انظر: تحفة الأشراف 13/79.
[278]
ليس فيه قادح، ولا مرجح لعدم السماع، بل يمكن أن يكون مسروق سمعه مرة منها، وأخرى بواسطة عنها، ومسروق يهمه أن يسمع من أكثر من صحابي.
[279]
بل الحق مع إبراهيم - كما سيأتي بيانه -.
[280]
3/ب.
[281]
الطبقات (6/84) .
[282]
لكن الحافظ ابن حجر ذكر عن أبي نعيم أنه قال: "عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهراً. (هدي الساري373) . و (الإصابة 13/209) . صرح بأن القول بوفاتها في عهد النبي وهم.
[283]
وغيره أيضا، مثل الذهبي (تذكرة الحفاظ 1/49-50) . والمزي في تهذيبه.
[284]
بل على هذا يكون عمره ست سنوات، فقد أرّخ الحافظ ولادة مسروق بسنة إحدى من الهجرة، هذا لو ثبت أن أم رومان ماتت سنة ست ولم يثبت.
[285]
لم أقف عليه إلا عند المؤلف، لكن تقدم أن الحافظ قال: "وجزم إبراهيم أن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة ص43 ت: 10، أي في خلافة عمر، وتعضده الدلائل الأخرى إسلام عبد الرحمن وضيافة أبي بكر له ولأمه
…
الخ، وآية التخيير.
[286]
بل لعل هذا في أول الأمر، إن صح عنه وتبين له الصواب، فقال به بعد ذلك، مع أن معتمد ما حكاه المصنف فيه ضعف وإرسال.
[287]
قال الحافظ: "بل عرف البخاري العلة المذكورة وردّها
…
ورجح الرواية التي فيها التصريح على الرواية التي فيها أنها ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأمرين وردا في مدار القول بأن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
1-
أنها من رواية علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
2-
أنها مرسلة، لأن عليا قال:"عن القاسم بن محمد، قال:"لما وليت أم رومان". لذلك قال البخاري - عقب هذه الرواية -: "فيه نظر، وحديث مسروق أسند" (التاريخ الصغير ص22) . وانظر:(الإصابة 13/209-210)، قلت: ثم إن مسروقا متفق على توثيقه وعلي بن زيد متفق على سوء حفظه".
[288]
ليست فيه مخالفة وسيأتي بيانه.
[289]
هذا صحيح، وهي من المهاجرات، لكن لا يستلزم كونها مهاجرة أن لا يطلق عليها ذلك، وهو جائز، لأن الهجرة في حد ذاتها كانت نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكل مهاجر أنصاري بهذا الاعتبار، وأقل ما يقال في ذلك: أن أم رومان تجوزت في الأمر بحكم الإقامة في المدينة.
[290]
هي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة. (النهاية 5/65) .
[291]
الحق أن المتأمل للحديث يجد فيه ما يدل على تعدد الأيام، وكل ما في الأمر أن أم رومان اختصرت الحديث.
[292]
لم تظهر لي وجوه اختلاف، إنما هي فروق غير قادحة في الرواية لمن تأملها.
[293]
خ 8/203، القصة بطولها، 4/168 باختصار.
[294]
إشارة إلى أن شريكا خالف الإجماع في دعوى أن المعراج كان قبل البعثة. (الفتح 13/480) .
[295]
4 /أ
[296]
منشأ هذا القول اختلاف الروايات على ما في الكثير منها من ضعف وغرابة. قال ابن كثير: "ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة، فقد أبعد وأغرب، وهرب إلى غير مهرب، ولم يتحصل على مطلب
…
"، إلى أن قال: "والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناماً، من مكة إلى بيت المقدس، راكبا البراق
…
"الخ (تفسير ابن كثير 3/22) .
[297]
هكذا في الأصل. ولم أقف على هذا إلا من فعل خديجة نفسها. انظر: (سيرة ابن إسحاق 1/157) .
[298]
قال الحافظ: "هو مشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان نائما بين اثنين أو ثلاثة أو أكثر، وقد قيل: إنه كان نائما بين عمه حمزة، وابن عمه جعفر بن أبي طالب". (الفتح 6/579) .
[299]
الضمير يعود إلى القصة. قال الحافظ: "أي لم يقع في تلك الليلة غير ما ذكر من الكلام"(الفتح6/579) .
[300]
أي ليلة أخرى، وقد يكون الفارق بينهما يوما أو ليالي، أو شهرا، أو سنوات، وهذا مبدأ ارتفاع الإشكال الذي أثاره ابن حزم رحمه الله والخطابي. (انظر الفتح 13/480) .
[301]
4/ب.
[302]
خ8/203.
[303]
أي لم يحدث فيها سوى المحاورة المذكورة في الحديث، وهو ما فهمه الحافظ أيضا.
[304]
هذا هو الحق. ويؤيده ما جاء في الحديث نفسه. أن جبريل أجاب بواب السماء لما سأله، وقد بعث إليه؟ قال:"نعم". (خ 8/204) وقد نبه إليه الحافظ رحمه الله (الفتح 13/481) .
[305]
في الأصل: "أعترض".
[306]
م 1/148.
[307]
5/أ.
[308]
م 212914. وقوله: "يا معشر المسلمين
…
الخ" 2133، 2134.
[309]
إبراهيم بن سعد.
[310]
م 4/2137.
[311]
خ 5/55.
[312]
في الأصل: عبد الله. والصواب عبد العزيز بن عبد الله. حدثنا إبراهيم (خ 5/55) . وقد صوب في الهامش.
[313]
خ 6/5.
[314]
تهذيب سيرة ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/757.
[315]
الثقات 1/288.
[316]
جوامع السيرة ص206.
[317]
منهم خليفة بن خياط، والطبري، وابن عبد البر، وابن الأثير، وابن خلدون، حرر ذلك الدكتور القريبي - أثابه الله - (مرويات غزوة بني المصطلق ص90) .
[318]
صحيح أنه مات بعد حكمه في بني قريظة، ولكن ليس قبل غزوة بني المصطلق وسيأتي تحقيقه.
[319]
هذا ما عليه أهل المغازي، ومنهم ابن إسحاق، ومما يؤيد ترجيحه، أنهم اتفقوا على أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث، وعلى أن المشركين لما توجهوا في أحد نادوا المسلمين: موعدكم العام المقبل بدر، وهي بدر الموعد، وأنه صلى الله عليه وسلم خرج إليها في شوال من السنة المقبلة ولم يقع فيها قتال، فتعين ما قاله أهل السير أنها سنة خمس. (الفتح 5/278) . بتصرف.
[320]
هذه رواية. قال الحافظ: "هكذا رويناه في مغازيه "(الفتح 7/393) والذي عليه المحققون، أن الثابت عن موسى بن عقبة أنها سنة خمس خرج ذلك من طرق عدة: الحاكم، وأبو سعيد النيسابوري، والبيهقي وغيرهم. ونص كلامه:"ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق، وبني لحيان، في شعبان سنة خمس"انظر: (البداية والنهاية 3/242) . والفتح 7/430. ومرويات غزوة بني المصطلق ص93) لكن المصنف وقف على الرواية التي تدعم قوله هنا. وستأتي عبارته في ميله إلى خلاف هذا.
[321]
هذا ليس دليلا لتطرق الاحتمال إليه قال الحافظ: "لا حجة فيه إذا ثبت أنها- الخندق - كانت في سنة خمس، لاحتمال أن يكون بن عمر في أحد، كان أول ما طعن في الرابعة عشرة، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة. (الفتح 7/393) . وقد صح أنها في شوال سنة خمس، وبذلك جزم أهل المغازي، ومنهم ابن إسحاق. (الفتح 7/393) . وسيرة ابن هشام.
[322]
5/ب.
[323]
على هذا صحيح، لكنه تحليل منقوص بأقوى منه، والتحقيق أن غزوة بني المصطلق قبل الخندق، إذ الخندق كانت في شوال سنة خمس كما تقرر، والمريسيع - بني المصطلق - في شعبان سنة خمس، أي إنها قبل الخندق، وعلى هذا يكون سعد بن معاذ موجودا في غزوة بني المصطلق، والمريسيع. ورمي بعد دلك بسهم في الخندق، ومات من جراحه في قريظة، ويؤيد هذا أن القصة وقعت بعد نزول الحرب وفي تحديد وقت النزول أقوال ثلاثة:
1-
أنه سنة ثلاث، قاله خليفة. وأبو عبيدة وغيرهما.
2-
أنه سنة خمس في ذي القعدة. قاله الواقدي، وقال الحافظ:"مردود".
3-
أنه في ذي القعدة سنة أربع. قال به جماعة، وفي الحديث التصريح بأن القصة وقعت بعد ذلك، فيرجح أن المريسيع - بني المصطلق - سنة خمس. (الفتح 7/430) . بتصرف.
[324]
قال الحافظ تعليقا: "هكذا رويناه في مغازيه"(الفتح 7/393) وفي موضع آخر قال:"كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس، فكتب سنة أربع. والذي في مغازي موسى بن عقبة
…
"وذكر رواية أنها سنة خمس. (الفتح 7/430) . قلت: لعل الحافظ لم يرد نفي رواية أنها سنة أربع، وإنما أراد إثبات ما هو أصح، وهي رواية أنها سنة خمس، ومن هنا اعتذر عن الإمام البخاري بهذا العذر لعدم النص على الرواية الراجحة. والله أعلم.
[325]
رواية مرجوحة. وقد ثبت عنه من طرق أنها في شعبان سنة خمس، وتبين مما تقدم تحقيقه أن ما عليه المحققون من أهل المغازي أن غزوة بني المصطلق كانت في شعبان سنة خمس. انظر (ت1) وعليه درج المتأخرون، والمعاصرون من كتاب السيرة، أمثال الخضري في نور اليقين ص 125، وأبو شهبة في السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 196، والبوطي في فقه السيرة، وغير هؤلاء. ومما يرجح هذه المعلومة الأمور التالية:
1-
أن روايات الصحيحين اتفقت على ذكر سعد بن معاذ في الغزوة المذكورة، وأوردت محاورته في قصة الإفك.
2-
أن ورود القصة بهذا السياق في الصحيحين مرجح للأصح على الصحيح وترجيح ما فيهما أولى من ترجيح ما في سواهما.
3-
لأن أحدا كانت سنة ثلاث بالاتفاق، وبدر الموعد بعدها بسنة، فتكون سنة أربع بالاتفاق أيضا، فتكون غزوة بني المصطلق سنة خمس.
[326]
النتيجة منقوضة بما سلف ذكره.
[327]
لأن سعدا شهد الخندق، وأصيب فيها بسهم.
[328]
ابن هشام 3/764.
[329]
ثقة.
[330]
قاضي مكة زمن أبيه، وهو ثقة.
[331]
خ 5/58.
[332]
م 4/2133.
[333]
زدتها ليستقيم الكلام، وليست في المخطوطة.
[334]
صف 9/408. ولفظه: "لو راجعتيه"عند البخاري هكذا (لو راجعته) بدون إشباع.
[335]
تقد في التحقيق أنها في سنة خمس على الصواب.
[336]
في نظري: ليس بظاهر، لأن زيادة العجب لا تكون في مثل حالة القرب، بل تكون في البعد أظهر إذا لم ييأس منها، وهو مردود بالرواية المصرحة بإنفاذ العتق، ذكرها المصنف نفسه.
[337]
6/ب.
[338]
خ 3/121، ولفظه (ما بقيت) عند البخاري (ما ثبت) .
[339]
هذا هو الراجح، ولذلك تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم انقطاع الأمل عند الزوج، رغم طول المدة. وقد أفاد الحافظ أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة، أو العاشرة، وأيد ذلك بقصة العباس هذه، ومشاهدة ابنه عبد الله، وهو إنما قدم المدينة مع أبويه، واستبعد أن تكون قصة العتق قبل الإفك، لأن عائشة صغيرة ولا تحسن التصرف في مثل هذه الأمور. إلى غير ذلك من الاحتمالات (الفتح 9/409) . وهو مردود بأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل بريرة عن حال عائشة رضي الله عنها ولا يمنع أن يتقدم العتق وتبقى بريرة رضي الله عنها في خدمة أم المؤمنين وفاء لها، ولتحظى بشرف القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، ولا يمنع أن تكون عائشة صغيرة لكنها راجحة في عقلها وليست سفيهة، ومع ذلك تتصرف في ظل التوجيهات النبوية، أما وفرة المال من عدمها فمعلوم أن أبا بكر كان يملك مالا وأسهم في جيش العسرة، وليس بلازم ألا يكون عند عائشة شيء. وقد صح أنها قالت: "إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة) . (م 2/1142) .
[340]
خ 3/224.
[341]
ابن سعيد.
[342]
ابن عبد الرحمن، الاسكندراني.
[343]
ابن أبي عمرو، مولى المطلب.
[344]
سقطت من الأصل، ولكنها في رواية إسماعيل بن جعفر، عن عمرو (خ 6/206، 207) .
[345]
في الأصل "فردني"وهو خطأ.
[346]
7/أ.
[347]
من كبار شيوخ البخاري، وقاضي البصرة وعالمها ومسندها. (شذرات الذهب 2/35) .
[348]
ومن طريقه أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 4/1804.
[349]
المسند 3/101، ولا تعارض بين الروايتين فالسياق ظاهر في اختلاف الواقعتين.
[350]
م 4/1804، قال الحافظ:"ينحط الالتماس على الاستئذان في المسافر به، لا في أصل الخدمة، فإنها كانت متقدمة، فيجمع بين الحديثين بذلك"الفتح (6/87) .
[351]
صحيح أن الغالب استخدام هذا الوصف فيما دون هذا السن بكثير فالصبي من لدن يولد إلى أن يفطم. (اللسان 14/450)، ولكن لا يمنع أن يقال له: ولد طفل وصبي إلى الخمس عشرة، وتجوز البخاري فبوب على هذا، والله عز وجل – يقول:{وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} (النور: الآية: 59) ، فلا إشكال.
[352]
خ 6/141، 142، 204، 206، م 3/1603.
[353]
في المحرم من سنة سبع، (ابن هشام 3/791) .
[354]
خ 6/206،207.
[355]
ابن أبي كثير.
[356]
مولى المطلب.
[357]
7/ب.
[358]
انظر: (تاريخ يحيى بن معين 2/450) . والضعفاء والمتروكين ص186.
[359]
لم أقف على هذا في سؤالات الآجري، ونسبه إليه الحافظ. (تهذيب 8/83) ، ولعله فيما لم يوجد.
[360]
في الأصل:"الجوجزاني".
[361]
أحوال الرجال ص125.
[362]
ما بين الشرطتين زيادة مني لتقويم العبارة، ثم إن من خرج له الشيخان - أو أحدهما - فقد جاز القنطرة، ومن تكلم فيه، فالحق معهما، وربما يكون سبب الكلام لا يصل إلى الضعف وعدم الصحة وغالبا ما يكون بالنظر إلى الأحفظ.
[363]
كما بين المصنف، أن التأثير لا يؤدي إلى الضعف، وإنما هو من باب صحيح وأصح.
[364]
العبارة غير واضحة في المخطوطة، فاستقرأتها هكذا، والله أعلم.
[365]
خ 3/204.
[366]
ابن يحيى بن دينار، العوذي.
[367]
ابن عبد الله بن أبي طلحة.
[368]
حرام بن ملحان.
[369]
موقع بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، قريب من عسفان، بين مكة والمدينة، انظر (معجم البلدان 1/302) .
[370]
هذا الرأي له ما يؤيده. قال الحافظ: "فلعل الأصل": "بعث أقواما معهم أخو أم سليم إلى بني عامر"فصارت من بني سليم"الفتح (6/19) ، أي تصحف من (أم سليم) إلى (بني سليم) .
[371]
وكذلك هذا الرأي له ما يؤيده، أن الحافظ نسب الوهم فيه إلى حفص، قال:"والوهم في هذا السياق، من حفص بن عمر - شيخ البخاري -، فقد أخرجه هو - يعني البخاري - في - المغازي - خ 5/42 - عن موسى بن إسماعيل، عن همام، فقال: "بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا" (الفتح 6/19) .
[372]
يعني الإمام البخاري رحمه الله مع أنه رواه على الصواب في المغازي.
[373]
خ 5/42.
[374]
وقال:" بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا".
[375]
في الأصل: "كما كنا".
[376]
زيادة في المخطوطة. ولفظه (يخطبون) وردت في الجهاد عند البخاري، وفي المغازي (يختطبون) .
[377]
خ 5/42.
[378]
يعني أن قوله: "من بني سليم"تصحيف، وأن الصواب:"بعث أخا لأم سليم" فبنوا سليم مبعوث إليهم.
[379]
م 2/631،362.
[380]
في المخطوطة: "محمد"والتصويب من صحيح مسلم.
[381]
يقال اسمه: مهران، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[382]
زيادة في الأصل.
[383]
قال الله عز وجل: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} الآية 156 من سورة البقرة، والدعاء ثابت في السنة.
[384]
انظر هجرته إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، (سيرة ابن هشام 1/213، 2/321) .
[385]
كلام المصنف وجيه في نظري، ولو كانت العبارة (إلى الله ورسوله) لما صح الاعتراض، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله"، وهذا يعم من هاجر قبله ومعه وبعده.
[386]
المصنف رحمه الله -لم يسق اللفظ كما ورد عند الإمامين البخاري ومسلم، ولا كما ورد عند واحد منهما بل تصرف واختصر. (انظر: الإحالات الآتية) .
[387]
غاية المشقة والتعب.
[388]
8/ب.
[389]
الآيتين 10-12 من سورة الدخان.
[390]
كان وقتها مشركا، وهو صخر بن حرب، أسلم عام الفتح، وابنته أم حبيبة - زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
[391]
في الأصل: "فأوصى"وهو خطأ، لم يرد في شيء من الروايات.
[392]
هكذا عند البخاري -6/38- وعند مسلم: "فأنزل الله عز وجل {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} . الآية 15 من الدخان، انظر:(م 4/2157) .
[393]
عند البخاري: (إلى حالهم) خ 6/39، وعند مسلم (عادوا إلى ما كانوا عليه) م 4/2157.
[394]
الآية 16 من سورة الدخان.
[395]
في الأصل (لأن) . وهو خطأ.
[396]
أي: البخاري ومسلم، لكن المصنف لم يلتزم بلفظ معين، بل خلط من مجموع الروايات.
[397]
ابن المعتمر.
[398]
سليمان بن مهران.
[399]
مسلم بن صبيح.
[400]
ابن الأجدع.
[401]
ابن نصر.
[402]
خ 1 /19. وفيه فسقوا الناس حولهم.
[403]
في الأصل: أسقط الهمزة من (ابن) .
[404]
أما قول علي رضي الله عنه فأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (رسالة في تفسير سورة الدخان، حديث رقم 2755) ، ونقله عنه الحافظ في الفتح 8/572، وكذلك أبو حاتم، من طريق الحارث. وذكره الحافظ ابن كثير نقلا عن أبي حاتم - تفسير ابن كثير 4/139. وقول ابن عمر: أخرجه ابن جرير، من طريق ابن البيلماني عن ابن عمر، جامع البيان 25/68. ومن طريقه ذكره ابن كثير 4/139. وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق ابن أبي مليكة، جامع البيان25/68، قال الحافظ ابن كثير: "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس (تفسير ابن كثير 4/139) . وذكره الحافظ عن عبد الرزاق، ويشك في أن لفظة (الدجال) تصحفت إلى (الدخان) ولا أرى شكه واردا. (الفتح 8/572-573) .
ولم أقف على قول أبي هريرة. وأخرج عبد الرازق قول ابن مسعود، وقال ابن كثير:"قد وافق ابن مسعود على تفسير الآية بهذا، وأن الدخان مضى جماعة من السلف، كمجاهد، وأبي العالية، وإبراهيم النخعي والضحاك، وعطية العوفي، وهو اختيار ابن جرير. جامع البيان 25/68،69، ابن كثير (4/138) ، وقال أيضا - بعد أن ذكر قول ابن عباس -: "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة، وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين -، مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما، التي أوردها بما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن قال الله تبارك وتعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (الدخان:10) أي: بين واضح، يراه كل أحد، وعلى ما فسره به ابن مسعود، إنما هو خيال رأوه في أعينهم، من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى:{يَغْشَى النَّاسَ} : يتغشاهم ويعميهم
…
، (ابن كثير 4/139) .
[405]
العبارة لم تتضح لي قراءتها.
[406]
9/أ.
[407]
م 4/2225. وقد أورد المصنف هذا اللفظ من أكثر من رواية.
[408]
أخرجه ابن جرير، وأشار إلى أنه لم يصح، ودلل على ذلك. (جامع البيان 25/68)، قال ابن كثير:"وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا، فإنه موضوع بهذا السند". (ابن كثير4/139) .
[409]
لم أقف عليه من رواية ابن مسعود. وأخرجه ابن جرير، عن أبي مالك الأشعري. (جامع البيان 25/68) .
[410]
قال ابن كثير: "ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه {يَغْشَى النَّاسَ} . (ابن كثير 4/140) .
[411]
يعني أنها مكية باتفاق.
[412]
9/ب.
[413]
أخرجه البخاري في عدة مواضع. منها انظر (صف2/290، 492، 6/105، 418، 8/226. مسلم 1/467.
[414]
في الأصل: كسنين يوسف، بإثبات النون في جميع المواضع.
[415]
أسلم رضي الله عنه عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر مثلا (أسد الغابة 5/316) .
[416]
تقدم الحديث. ،أخرجه البخاري في الاستسقاء 1/19.
[417]
قال بهذا الداودي وغيره، فيما ذكره الحافظ. قال:"ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله: "وشكا الناس كثرة المطر
…
الخ"وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث
…
، ثم قال: "وليس هذا التعقب عندي بجيد، إذ لا مانع أن يقع ذلك مرتين
…
، ثم أيّد عدم غلط أسباط، بأنه في بعض روايات الحديث (فقيل: يا رسول الله استسق لمضر، فإنها قد هلكت، قال: لمضر؟!، إنك لجريء، فاستسقى فسقوا". وذكر أن القائل: أبو سفيان، لتصريح كثير من الطرق به، وفي رواية عن كعب بن مرة - أو مرة بن كعب - قال:"دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه أبو سفيان فقال: "ادع الله لقومك
…
"الحديث. ورواه أحمد من طريق كعب بن مرة، بدون شك، فأبهم أبا سفيان، قال الحافظ: "فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا، فكلمه أبو سفيان وهو طلب الدعاء - وكعب بشيء - وهو قوله:"يا رسول الله استنصرت الله فنصرك دعوت الله فأجابك". فدل ذلك على اتحاد قصتهما. (الفتح 2/511،512) بتصرف.
[418]
خ 2/12،17،18. وهذا مثال لما ذكر المصنف رحمه الله.
[419]
هذه النتيجة ذكرها الحافظ بتحليل جيد. قال:"وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة
…
، لأن كلا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة، لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة أنس بل قصة أنس واقعة أخرى، لأن في رواية أنس:"لم يزل على المنبر حتى مطروا"، وفي هذه:"فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا"، والسائل في هذه القصة غير السائل في تلك، فهما قصتان، وقع كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء، ثم طلب الدعاء بالاستصحاء
…
، (الفتح 2/512) . بتصرف.
[420]
في الأصل: "ابن نوح"وهو خطأ، وهو المعروف بقراد، ثقة له أفراد.
[421]
في الأصل:"ابن إسحاق"، وهو خطأ، وهو أبو إسحاق السبيعي، صدوق، يهم قليلا.
[422]
عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة، اختلط بآخره.
[423]
في الأصل "عن أبي بردة، وأبي موسى رضي الله عنه"وهو خطأ، والتصويب من جامع الترمذي، وأبو بكر هو ابن أبي موسى الأشعري، ثقة.
[424]
أبو موسى الأشعري، عبد الله بن قيس رضي الله عنه.
[425]
هكذا في الأصل. وفي جامع الترمذي: قال: "فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم". (5/590) .
[426]
10/أ.
[427]
زيادة في الأصل. وفي الجامع: "يبعثه الله".
[428]
هكذا في الأصل. وفي الجامع:"من قريش".
[429]
ورد في السيرة أن اسمه بحيرى. انظر (سيرة ابن هشام 1/116) .
[430]
جامع الترمذي 5/590-591.
[431]
هذه ملاحظة جيدة من المصنف رحمه الله وسياق ابن إسحاق يشير إلى عدم قناعته بالرواية، فقد كرر لفظة (يزعمون) أكثر من ثلاث مرات مما يؤيد ضعفها عنده، وهو إمام المغازي (سيرة ابن هشام1/ 116) . قال الحافظ الذهبي: "أنكر مالك حديثه عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى
…
، ومما يدل على أنه باطل قوله:"ورده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا"وبلال لم يكن خلق بعد، أبو بكر كان صبيا. (الميزان 2/581) وانظر: ما حرره صاحب تحفة الأحوذي 10/93.
[432]
انظر مثلا: (سيرة ابن هشام 1/116-118) ، فاختلاف الألفاظ واضح وجلي.
[433]
هكذا في المخطوطة والملاحظ أن هنا سقط الكلام ولعله هكذا والعادة قاضية بكم مثل هذا الخبر عما سواه..: لعلها ووثقه.
[434]
هكذا في الأصل: وفي نظري: أن لفظة (عليهم) وقعت سهوا من الناسخ ولا لزوم لها.
[435]
قد يقال: إن للقصة أصلا، ولعل المانع لأبي طالب من الاحتجاج بها رغبته في البقاء على ملة عبد المطلب.
[436]
الثقات 8/375.
[437]
ابن سعد.
[438]
ابن أنس.
[439]
محمد بن مسلم.
[440]
في الأصل (عمرو) .
[441]
10/ب.
[442]
ذكره العلائي نقلا عن الكنى لأبي أحمد – الحاكم- وعن الدارقطني في غرائب مالك. ولفظ الحديث: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لي مماليك أضربهم
…
"التهذيب 6/248،249.
[443]
عبارته في الميزان 2/581: "كان يحفظ، له مناكير
…
"قال أبو أحمد الحاكم: "روى عن الليث حديثا منكرا".
[444]
في الأصل: (عكرمة بن عمير) وهو خطأ.
[445]
في الأصل: (عن سماك الحنفي، عن أبي زميل) ، وهو خطأ وسماك هو أبو زميل، وكذلك المصنف لم يلتزم بصيغة الأداء فإنها عند مسلم بالتحديث، وليست بالعنعنة.
[446]
في الأصل: "ثلاثا".
[447]
م 4/1945.
[448]
ص،
[449]
جوامع السيرة.
[450]
11/أ.
[451]
هذا القول ليس في التاريخ الكبير ولا الصغير، وذكره الحافظ قال:"وقال البخاري: "مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده كتاب" (تهذيب التهذيب 7/262) .
[452]
منهم أبو عمرو بن الصلاح. وقد نقل جوابه النووي رحمه الله. (شرح مسلم 5/271) .
[453]
كقوله: عندي أحسن العرب وأجمله، فإن المعنى أنها لا زالت في بيته.
[454]
في الأصل: "أخته". وهو خطأ.
[455]
يعني البخاري 6/195. ومسلم 2/1072،1073.
[456]
الذي يظهر لي أن المصنف رحمه الله أصاب في ملاحظته، ولا يمنع أن يقع الوهم فيه لعكرمة بن عمار، وليس هناك عصمة لأي كتاب سوى كتاب الله عز وجل.
[457]
خ 3/124.
[458]
عبد الله بن المبارك.
[459]
ابن يزيد الأيلي، يهم قليلا في الزهري.
[460]
11/ب.
[461]
سقطت من الأصل.
[462]
يعني قوله: "والذي نفسي بيده
…
الخ".
[463]
في الأصل:"أم برهان"وهو خطأ، وبرأي المصنف جزم الداودي وابن بطال وغير واحد. (الفتح 5/176) .
[464]
م 3/1284، وهذا نص في المسألة. وزاد الحفظ - ردا على الكرماني القائل بتأويل الحديث -:"وفاته التنصيص على إدراج ذلك، فقد فصله الإسماعيلي من طريق عن ابن المبارك، ولفظه: "والذي نفس أبي هريرة بيده
…
الخ"وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في كتاب البر والصلة، عن ابن المبارك، والبخاري في الأدب المفرد وأبو عوانة، كلهم عن يونس، (الفتح 5/176) بتصرف.
[465]
جامع الترمذي 4/556.
[466]
زيادة في الأصل.
[467]
عند الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[468]
أي: سمع لها صوت، والأطيط: صوت الأقتاب، قرب به المعنى لبيان كثرة الملائكة. انظر (النهاية 1/54) .
[469]
هكذا في الأصل. وعند الترمذي: "إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات، تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة تعضد".
[470]
جامع الترمذي 4/556.
[471]
في الأصل: "النهي". والأليق بالمقام التمني لقوله: "لوددت".
[472]
12/أ.
[473]
التصريح به من قول أبي ذر عند الإمام أحمد في مسنده 5/173. وذكر الحديث ثم قال: "فقال أبو ذر: "والله لوددت أني شجرة تعضد".
[474]
سقطت من الأصل.
[475]
هذا فهم جيد من المؤلف رحمه الله ولا أراه إلا مصيبا. والتفصيل على ضوء رواية أحمد هو الصواب. والله أعلم.
[476]
الحدود والمحاربين خ 8/22.
[477]
ابن غيلان أكثر عنه الإمام البخاري. (الفتح 12/130) .
[478]
ابن همام.
[479]
معمر بن راشد.
[480]
ابن عبد الرحمن.
[481]
هو ماعز بن مالك.
[482]
سنن أبي داود 4/581،582.
[483]
جامع الترمذي 4/36،37.
[484]
سنن النسائي 4/62،63. وفي الأصل:(و) ، ورواية محمد بن رافع في الكبرى. انظر (تحفة الأشراف 2/394) .
[485]
ما بين القوسين لم يتضح لي قراءته، غالب ظني أنه (ومحمد بن يحيى) ؛ لأنه هو ومحمد بن رافع ونوح بن حبيب، ثلاثتهم عن عبد الرزاق عند النسائي في الكبرى. انظر:(تحفة الأشراف 2/394) .
[486]
سنن البيهقي 8/218.
[487]
قال الحافظ: "وخالفه محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره: "ولم يصل عليه". قال المنذري في حاشية السنن 4/321: "رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق، فلم يذكروا قوله:"وصلى عليه". وذكر التخريج الذي ذكره المصنف. (الفتح 12/130) .
[488]
سنن البيهقي 8/218.
[489]
قال الحافظ: "أما رواية يونس فوصلها المصنف رحمه الله يعني البخاري 8/21. (الفتح 12/130) .
[490]
قال الحافظ: "وأما رواية ابن جريج فوصلها مسلم مقرونة برواية معمر 3/1318، (الفتح 12/130) .
[491]
12/ب.
[492]
م 3/1318.
[493]
في الأصل: "في".
[494]
قاله في آخر حديث الطول 3/1320،1321.
[495]
سنن أبي داود 4/582،583.
[496]
م 3/1321،1322.
[497]
ليست في الأصل، وزدتها ليستقيم الكلام.
[498]
أورد الحافظ كلاما حول هذه المشكلة أستحسن ذكره، قال رحمه الله:"سئل أبو عبد الله - البخاري - هل قوله (فصلى عليه) يصح أم لا؟، قال: "رواه معمر"، قيل له: هل رواه غيره؟، قال: "لا"، وقع هذا الكلام في رواية المستملي وحده، عن الفربري، وقد اعترض على البخاري في جزمه بان معمرا روى هذه الزيادة، مع أن المتفرد بها إنما هو محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، وقد خالفه العدد الكثير من الحفاظ، فصرحوا بأنه لم يصل عليه، لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد، فقد أخرج عبد الرزاق- أيضا وهو في السنن - لأبي قرة، من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز، قال: فقيل يا رسول الله: أتصلي عليه؟ قال: "لا"، فلما كان من الغد، قال: صلوا على صاحبكم"، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس". فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم، ورواية الإثبات على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه في اليوم الثاني
…
، ويتأيد بما أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجمت - م3/1324 - أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها، فقال له عمر: أتصلي عليها وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين لوسعتهم
…
" (الفتح 12/131) . ،ذكر فوائد حول هذا الموضوع.
[499]
6/193، 194.
[500]
ثقة، روى له مسلم.
[501]
ثقة، فقيه، روى له مسلم.
[502]
الليث بن سعد إمام معروف.
[503]
13/أ.
[504]
ثقة، روى له الجماعة.
[505]
الأعرج، ثقة ثبت، روى له الجماعة.
[506]
ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم.
[507]
جاء في رواية بيان لسبب هذه المقولة من أبي السنابل، أنه كان كهل وخطبها شاب فضلته، وكان أهلها غُيبا، فرجا أبو السنابل إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها. (المجتبى 6/192) .
[508]
في الأصل (و) .
[509]
صف 9/469.
[510]
في الأصل: بكر، وهو خطأ.
[511]
المجتبى 6/194.
[512]
صف 8/653.
[513]
قال الحافظ: "هكذا هنا، وفي غير هذه الرواية أنه مات وهو المشهور". (الفتح 8/654) .
[514]
في الأصل (بادمن) .
[515]
من ذلك رواية الإمام مسلم 2/1122. (فقال لها: "مالي أراك متعجلة لعلك ترجين النكاح، والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: "فلما قال لي ذلك، جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث. وهذا جلي وأن ذلك بعد الولادة.
[516]
صف 3/331.
[517]
الحكم بن نافع.
[518]
شعيب بن أبي حمزة.
[519]
عبد الله بن ذكوان.
[520]
عبد الرحمن بن هرمز.
[521]
13/ب.
[522]
المجتبى 5/33،34.
[523]
في الأصل. ابن عباس، وهو خطأ، وابن عياش هذا ثقة ثبت، روى له البخاري.
[524]
السنن 2/123.
[525]
في الأصل: "بكر".
[526]
في الأصل: "أبي".
[527]
م 2/276،277.
[528]
سنن أبي داود 2/273،275.
[529]
السنن الكبير 4/111،112.
[530]
سقطت من الأصل. والمراد بقوله: "من صلببية بني هاشم": أنه من أنفسهم وليس من مواليهم.
[531]
هكذا رسمها في الأصل، ولعل المراد: مدة حياتهم.
[532]
ما بين القوسين لم تتضح فيه القراءة، ولعله: فيلزم منه.
[533]
14/أ.
[534]
بل قد يعترض عليه بأن المقام يقتضي التعجيل، لا التأخير، فإن الحاجة إلى الجهاد قائمة وملحة، والعباس قادر على ذلك، وهو ما تؤيده روايات عديدة، ذكر المصنف قدرا منها. فقول ابن سلام فيه بعد ولا شك.
[535]
سنن أبي داود 2/275،276.
[536]
جامع الترمذي 3/54.
[537]
2/572.
[538]
لا بأس به، له ذكر في مقدمة مسلم.
[539]
ابن عتيبة.
[540]
صدوق، يخطئ، شدد القول فيه ابن أبي حاتم.
[541]
قال: "وحديث إسماعيل بن زكريا عن الحجاج ـ بن دينار ـ عندي أصح من حديث إسرائيل، عن الحجاج بن دينار"(جامع الترمذي 3/55) ..
[542]
هذه العبارة. إما أن تكون زائدة، وإما أن يكون قبلها كلام سقط من الأصل. فالسياق فيه خلل لم يظهر لي بصحيحه.
[543]
العلل 1/215.
[544]
قال: وحديث هشيم أصح. (سنن أبي داود 2/275) لأن الحسن بن مسلم ين يناق أرسله، فهو ليس بصحابي.
[545]
ابن بشير، كثير التدليس والإرسال.
[546]
ابن زادان.
[547]
في الأصل: "ابن سلمة"وهو خطأ.
[548]
قال البيهقي: "وروه هشيم عن منصور بن زادان، عن الحكم عن الحسن بن مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا
…
، وهذا هو الأصح من هذه الروايات. السنن الكبير 4/111) .
[549]
14/ب.
[550]
المصدر السابق 4/111.
[551]
لم أقف عليه في مسند الطيالسي، رغم مشاركة بعض الإخوة الأفاضل في هذا.
[552]
ابن عبد الله.
[553]
ثقة، خرج حديثه مسلم.
[554]
قلت: لم يتطرق الزركشي لهذه الملاحظة عند استدراكه الرواية على المقدسي. انظر تصحيح العمدة حديث رقم 39.
[555]
صف 4/132. وفي اللفظ الذي ساقه المصنف مفارقات بالنظر إلى ما عند البخاري، وليس فيها إخلال بالمعنى.
[556]
م 2/766،767.
[557]
الآية 187 من سورة البقرة.
[558]
في الأصل:"فمرت".
[559]
ص 4/132.
[560]
م 2/766.
[561]
صف 8/182.
[562]
15/أ.
[563]
الوضاح بن عبد الله.
[564]
ابن عبد الرحمن.
[565]
سقطت من الأصل، وتوجد بعض مغايرات، كقوله:(وسادتي) بدل (وسادي) وقوله (عقالين) . ولم تذكر عند البخاري. صف 8/183.
[566]
في الأصل (اذى) .
[567]
ابن حازم.
[568]
ابن طريف.
[569]
صف 8/182.
[570]
5/211.
[571]
في الأصل: (الصومة) .
[572]
الجامع 5/211، وقال: مجاهد، بدل مجالد. وهو خطأ، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
[573]
بل على حلاف، قال ابن الأثير:"وقدوم عدي سنة تسع في شعبان. وقيل سنة عشر". (أسد الغابة 3/392)، وقال ابن عبد البر:"قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع، ونقل عن الواقدي أنه في شعبان سنة عشر. (الاستيعاب 8/69) . وقال الحافظ ابن حجر: "أسلم في سنة تسع، وقيل سنة عشر". (الإصابة 6/401) .
[574]
15/ب.
[575]
انظر: (صف 4/129) .
[576]
الآية 187 من سورة البقرة.
[577]
انظر: تفسير ابن كثير 1/220.
[578]
انظر: المجموع 6/202.
[579]
قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (البقرة: من الآية187) .
[580]
صف 8/181.
[581]
الآية 187 من سورة البقرة.
[582]
وهو ما قرره ابن كثير وغيره من أهل العلم. (تفسير ابن كثير 1/220) .
[583]
أنه كان أحدهم يربط خيطا أسود، وآخر أبيض في رجله، فإذا تميز له أحدهما عن الآخر، أمسك عن الأكل والشرب. (ص 4/132، 8/182) . فيحصل توافق في الفهم بين عدي - المتأخر عن وقت نزول الآية - وبين بعض الصحابة حين نزول الآية.
[584]
يعني رواية حصين، عن الشعبي، عن عدي قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} .
[585]
16/أ.
[586]
في الأصل: "سليمان"وهو خطأ.
[587]
الآية 187 من سورة البقرة.
[588]
صف 13214، 8/182،189، م 2/767.
[589]
في الأصل: "عن"، والصواب ما أثبت، فقصة عدي متأخرة عن نزول الآية.
[590]
صف 10/318.
[591]
م 3/1657،1658.
[592]
16/ب.
[593]
م 3/1658، وما قبلها.
[594]
صف 10/318، م 3/1656، د 4/425، ت 4/227،228، ن 8/178، جه 2/1201. مختصرا.
[595]
في الأصل: (- اس) . والصواب ما أثبتناه. انظر: صف 1/318، م 3/1656.
[596]
م 3/1658. ولفظ الشطر الأخير منه: "وكان فصه حبشيا".
[597]
لم يرد في روايتهما عند مسلم ذكر للفص. (م 3/1656، 1657) .
[598]
هذه المحاولة من الشيخين لفتة ذكية، لكنها غير خافية التكلف ولو حدث هذا التصرف، لوردت حكايته من الصحابي، ولو رواية لا سيما والأمر يتعلق بحكم شرعي.
[599]
تكررت كتابة العبارة من الناسخ، في الأصل.
[600]
17/أ.
[601]
يحيى بن المقدام بن معدي كرب: مستور، وابنه لين.
[602]
المقدام بن معدي كرب بن عمرو الكندي، صحابي، نزل الشام، مات 87هـ.
[603]
في الأصل: (وحسها) .
[604]
سنن أبي داود 4/160، 161.
[605]
ما بين القوسين بياض في الأصل. ورواه كثير بن عبيد، قال:"حدثنا بقية، عن ثور مختصرا". (سنن النسائي 7/202) . ورواه محمد بن المصفى ثنا بقية، ثني ثور، مثله (سنن ابن ماجه 2/1066) . قال السندي:"اتفق العلماء على أنه حديث ضعيف"(سنن 7/202) .
[606]
الديلي.
[607]
الأصل (صالح بن عمر) وهو خطأ، والصواب ما أثبت. انظر:(ن 7/202 جـ2/1066، والدارقطني 4/287) .
[608]
سنن الدارقطني 4/287.
[609]
…
[610]
17/ب.
[611]
مختصر سنن أبي داود 5/317.
[612]
عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسين بن شرف الدمياطي، فقيه، أصولي، محدث، حافظ (معجم المؤلفين 6/197) .
[613]
جوامع السيرة.
[614]
الاستيعاب مع الإصابة 3/164.
[615]
الاستيعاب مع الإصابة 3/164.
[616]
موضع بين مكة والمدينة. (معجم البلدان 4/214) . وهو معروف إلى جدة أقرب.
[617]
في الأصل: "اليمن". وهو خطأ.
[618]
أي: غبرة تثار من التراث، بسبب الخيل والإبل، ومنه قوله تعالى:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} (عبس:40)
انظر (النهاية 4/12) .
[619]
صف 5/329
[620]
18/أ.
[621]
في الأصل:"قارى".
[622]
1/749. تهذيب ابن هشام.
[623]
في الأصل: "في حكم".
[624]
اسم لخف البعير. والمراد به هنا: أي: وضح الأثر وظهر. انظر: (النهاية 5/50) .
[625]
في الأصل: "إذا ذهب".
[626]
18/ب.
[627]
الثقات 4/139، وراشد لم يرد في الثقات إلا عند ذكر حبيب.
[628]
في الأصل: (تصحفها) .
[629]
السيرة النبوية 4/851.
[630]
الاستيعاب مع الإصابة 3/165.
[631]
في الأصل (وهل) .
[632]
في الأصل (حين) .
[633]
صف 8/637، 638.سس
[634]
م 3/1333. والمراد آية بيعة النساء من سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} (الممتحنة: من الآية 12) .
[635]
19/أ.
[636]
صف 8/638.
[637]
صف 7/219.
[638]
م 3/1333، 1334.
[639]
انظر: فتح الباري 7/220.
[640]
الآية 39 من سورة الحج.
[641]
ذكر ابن كثير أن سورة الممتحنة مدنية، وتعرض لحديث عبادة، وقراءة آية النساء، ولم يتنبه لهذه الملاحظة. انظر تفسير ابن كثير (4/344، 353) .
[642]
صف 10/273.
[643]
في الأصل: (إلى) .
[644]
في الأصل: (إلى) .
[645]
الدستوائي.
[646]
ابن راشد.
[647]
19/ب.
[648]
في الأصل: (هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين) .
[649]
ما بين القوسين. سقط من الأصل.
[650]
الذي أرجحه. أن ذلك سبق قلم، لأن الرواة أئمة كبار، والأمر من البديهيات.
[651]
هو عند البخاري في مواضع. منها: (صف/476،442،443، 7/231) ولم أقف عليه عند مسلم.
[652]
انظر مثلا: مسند أحمد 6/198.
[653]
صف 3/347.
[654]
حديث ابن عمر "فيما سقت السماء العشر".
[655]
صف 3/347.
[656]
م 2/968.
[657]
قاضي طرسوس.
[658]
20/أ.
[659]
انظر الجمع بين رجال الصحيحين 2/485) .
[660]
وقال أيضا: "ثقة". (الجرح والتعديل 8/141) .
[661]
في الأصل: (بن) . وهو خطأ، وهشيم هو: ابن بشير، وابن عون هو: عبد الله بن عون بن أرطبان.
[662]
م 2/967.
[663]
قال الحافظ: "لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة". (الفتح 3/468) قلت: وقد ذكر الحافظ أنه قد يقدم إثبات بلال- الصلاة- على نفي غيره لها. لأمرين:
1-
أنه - ابن عباس- لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وإنما أسند نفيه تارة لأسامة، وتارة لأخيه الفضل، مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة.
2-
قد وقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر، عن أسامة عند أحمد
…
الخ. (الفتح 468/3) .
[664]
ابن أبي أمية، ثقة، ثبت، كان يرسل.
[665]
الموطأ 2/966.
[666]
لا يوجد فيما هو مطبوع، ولم أقف على المخطوط.
[667]
20/ب.
[668]
انظر الاستيعاب مع الإصابة 4/275.
[669]
انظر سنن الدارقطني 2/73.
[670]
انظر الاستيعاب مع الإصابة 4/64.
[671]
صف 10/380.
[672]
في الأصل: (ذويب) .
[673]
في الأصل: (ذويب) .
[674]
وهو واضح في الرواية، لأنهما لم يختلفا على أصل تحريم الصور غير أن أبا طلحة احتاط لنفسه في الاستثناء، ولم يرد في رواية ابن أبي ذئب المذكورة.
[675]
لأن سهلا مات في خلافة علي- رضي الله عنه وعبيد الله لم يدرك عليا، بل قال علي بن المديني. إنه لم يدرك زيد بن ثابت ولا رآه، وزيد مات بعد سهل حنيف. (الفتح 10/381) .
[676]
انظر: (تحفة الأشراف 3/170) . وأخرجه الطبراني /.
[677]
21/أ.
[678]
قال الحافظ: "وعثمان تأخر بعد سهل لمدة، وكذلك أبو طلحة، ولا يبعد أن يكون عبيد الله أدركهما.
[679]
انظر: (الاستيعاب مع الإصابة 4/65) .
[680]
21/ب.
[681]
وفرغ منه محققه يوم الثلاثاء الثالث عشر من جمادى الآخرة من سنة عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بمدينة العامرة (المديتة النبوية) . اللهم اغفر لمؤلفه ومن نسخه، ومن حققه، ومن قرأه من المسلمين، بفضلك وكرمك يا رب العالمين. وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
خطَّاب المارديّ ومنهجه في النحو
للدكتور/ حسن موسى الشاعر
أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية
خطَّاب المارديّ
عصره:
عاش خطَّاب المارديّ حياته في الأندلس، في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، وشهد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس، على إثر انهيار الدولة العامرية سنة 399 هـ، وانقسام بلاد الأندلس إلى دول متعددة تقوم في كل منها دولة أو مملكة تزعم لنفسها الاستقلال، ولا تربطها بجاراتها أو زميلاتها أية رابطة، إلا المنافسة والحرب الأهلية، وقد عرف هذا العصر بعصر دول الطوائف [1] .
وقد ذكرت المصادر أن خطاباً كان من أهل قرطبة، ثم سكن بطليوس، وأنه توفي آخر أيام المظفر بن الأفطس، صاحب بطليوس [2] .
وكانت مملكة بطليوس تشمل رقعة كبيرة تمتد من غرب مملكة طليطلة عند مثلث نهر وادي يانه غرباً حتى المحيط الأطلسي، وتشمل أراضي البرتغال كلها تقريباً حتى مدينة باجه في الجنوب. وكانت العاصمة بطليوس تتوسط هذه الرقعة الكبيرة التي تشمل عدا العاصمة عدة مدن هامة أخرى مثل: ماردة، ويابرة، وأشبونة، وشنترين، وقلمرية وغيرها [3] .
وكان بنو سلمة أو بنو الأفطس، كما اشتهر اسمهم، سادة هذه المملكة الشاسعة التي حكموها نيفاً وسبعين عاماً، وسطع بلاطهم أيام الطوائف.
وينتمي أبو محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن الأفطس إلى قبيلة من قبائل مكناسة المغربية، وأصله من ولاية قرطبة. وقد استولى على حكم بطليوس سنة 413 هـ، وتلقب بالمنصور، وكان رجلا كثير المعرفة والدهاء، وافر الحزم والسياسة، توفي سنة 437 هـ، فخلفه محمد بن عبد الله بن أفطس، وتلقب بالمظفر، وكان عالماً وفارساً شجاعاً، وكان يرى في بني عباد - حكام إشبيلية - خصومه الأوائل، ويعمل لاتقاء عدوانهم، واستطاع ابن الأفطس أن يوقع بالمعتضد بن عباد هزيمة شديدة سنة 439 هـ. ثم جهز المعتضد قوة كبيرة وتوغلت في أراضي ابن الأفطس، والتقى الفريقان على مقربة من يابرة، فهزم ابن الأفطس سنة 442 هـ، وقتل كثير من جنده، واستمرت الحرب عدة شهور ثم عقد الصلح بينهما سنة 443 هـ.
وأخذ المظفر يتعرض لخطر جديد، وذلك من قبل نصارى الشمال، الذين أخذوا يتحينون الفرص ويستولون على بعض المدن، وكان أعظم خطب نزل بالمسلمين هو فقد مدينة قلمرية، أعظم مدن البرتغال الشمالية، وذلك سنة 456 هـ، وتوفي المظفر بن الأفطس سنة 461 هـ[4] .
وقد كان المظفر من أعلم أهل عصره، وكان رأسًا في الأدب والشجاعة والرأي، وكان مناغراً للروم، شجىً في حلوقهم. وكان مع استغراقه في الجهاد لا يفتر عن العلم، ولا يترك العدل، صنع مدرسة يجلس فيها كل جمعة ويحضره العلماء. وقد اشتهر في عالم الأدب بكتابه الضخم الموسوم بالمظفري، نسبه إلى اسمه، وهو موسوعة أدبية وتاريخية عظيمة، على هيئة عيون الأخبار لابن قتيبة، يحتوي على كثير من الأخبار والسير الطرائف والنوادر
…
وقيل: إن المظفري كان يحتوي على خمسين مجلدا، وقيل عشرة أجزاء ضخمة [5] .
اسمه ونسبه:
هو خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ، من أهل قرطبة، وسكن بطليوس، يكنى أبا بكر [6] .
وذكر بعضهم في نسبه أيضاً "المالكي"[7] . وأعتقد أن خطّاباً كان مالكي المذهب، وإن لم أجد له ترجمة في طبقات المالكية، إذ كان مذهب الإمام مالك منتشراً في الأندلس. وقد ذكر أن شيخه ابن الفخار القرطبي الحافظ كان مالكياً [8] .
وزاد بعضهم في نسبه "الأنباري"[9] ، ولا أرى له وجهاً، ولم أجد أحداً من القدامى ذكره، ولعله وهم سببه أن خطّاباً صنف مختصر الزاهر لابن الأنباري، فالتبس ذلك على بعضهم، فأدخل "الأنباري "في نسب خطّاب.
و"المارديّ"نسبة إلى ماردة. قال أبو حيان [10] : "أبو بكر خطّاب به يوسف بن هلال الماردي، أندلسي من ماردة".
قال ياقوت [11] : "ماردة كورة واسعة من نواحي الأندلس، من أعمال قرطبة، إحدى القواعد التي تخيرتها الملوك للسكنى من القياصرة والروم.. وهي مدينة رائقة كثيرة الرخام، عالية البنيان، فيها آثار قديمة حسنة، تقصد للفرجة والتعجب، وبينها وبين قرطبة ستّة أيام.. ينسب إليها غير واحد من أهل العلم والرواية".
وكانت ماردة إحدى المدن الهامة في مملكة بطليوس التي يعيش بها خطّاب في عصر دول الطوائف [12] .
وقد وقع تحريف كثير في لفظة "المارديّ"في عدد من المصنفات: ففي فهرسة ابن خير الإشبيلي ذكر في مواضع "المارديّ" وفي مواضع أخرى "الماوردي"[13] .
وفي إشارة التعيين والبلغة ذكر "المازريّ"[14] .
وفي توضيح المقاصد للمراديِّ ورد "الماورديّ"[15] .
وفي التصريح للشيخ خالد ورد "خطاب الماردي"[16] . وورد مرة "خطّاب الماوردي"[17] . ومرة "خطاب المرادي"[18] .
وذكره صاحب ضياء السالك باسم "خطّاب الماوردي"[19] تبعاً لما ورد في التصريح. وفي إيضاح المكنون وهدية العارفين ذكر "المادري"[20] .
أما محقق ارتشاف الضرب ففي قسم الفهارس ذكر خطاباً مرتين باسم "المارزي"[21] مع أسماء المصنفين، ولعله من أخطاء الطباعة وهو يقصد "المازري"لأنه ذكره مرتين أيضاً باسم "المازري"[22] في فهرس أسماء الكتب.
هذا مع أن الاسم ورد صحيحاً مرات كثيرة في أصل كتاب الارتشاف باسم "خطّاب الماردي "[23] .
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي ورد "خطاب المارديني"، وعلق عليها المحقق في الحاشية بقوله:"في النسخ الثلاث "الماريني "وفي (ط) فقط "المارديني "ولعل الصواب "الماردي" [24] .
وفي شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي ورد "خطاب بن يوسف الماردي"[25] . ويبدو أن المحققَيْنِ اختارا ذلك اعتماداً على كتاب إيضاح المكنون الذي أشارا إليه في الحاشية.
وأنا أرى أن هذه التحريفات من أخطاء النساخ أو المحققين أو الناشرين للكتب من غير تدقيق؛ لأنه ورد باسم "خطّاب المارديّ "في معظم الكتب التي ترجمت له، وفي مواضيع كثيرة من كتب النحو التي ذكرته.
نشأته ومنزلته:
لا تسعفنا المصادر التي بين أيدينا إلا بشذرات قليلة عن حياة خطّاب، لا تتضح بها حياة خطّاب من ولادته أو نشأته، ولكنها تدل على علو منزلته.
فقد ذكرت المصادر أنه من أهل قرطبة وسكن بطليوس [26] . ويبدو لي أنه ولد في قرطبة ونشأ بها، لأنه روى عن أبي عبد الله بن الفخار الفقيه [27] .
وشيخه هذا هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف المالكي الحافظ، يعرف بابن الفخار، من أهل قرطبة، قدم مصر وحج وجاور بالمدينة المنورة، وأفتى بها، وكان من أهل العلم والذكاء والحفظ والفهم، عارفاً بمذاهب الأئمة وأقوال العلماء، يحفظ المدونة والنوادر لأبي زيد. قيل توفي بمدينة بلنسية سنة 417 هـ، وقيل 419 هـ. وهو آخر الفقهاء الحفاظ الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس [28] .
أمّا خطّاب فقال عنه ابن الأبّار (المتوفي سنة 659 هـ) : كان متقدماً في علوم اللسان، واقفاً على كتب الأشعار والأخبار، متحققا بالنحو، يؤخذ عنه، ويرغب فيه، وقعد لإقراء ذلك، وعاصر الأستاذ أبا عبد الله بن يونس الحجاري [29] .
وقال عنه ابن عبد الملك المراكشي (المتوفى سنة 703 هـ) : كان من جلّة النحاة، ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان على الإطلاق، روى عن أبي عبد الله بن الفخار وأبي عمر أحمد بن الوليد وهلال بن عريب، وروى عنه ابناه عبد الله وعمر، وتصدر لإقراء العربية طويلاً، وصنف فيها [30] .
وفاته:
تشير أكثر المصادر التي ترجمت لخطّاب المارديّ أنه توفي بعد الخمسين والأربعمائة [31] ، في آخر أيام المظفر بن الأفطس، صاحب بطليوس. وقد اختلف في سنة وفاة المظفر بن الأفطس فقيل توفي سنة 460 هـ[32] ، وقيل سنة 461 هـ[33] .
وعليه أرجّح أن تكون وفاة خطّاب نحو سنة 460 هـ.
مصنفاته:
ترك خطّاب مصنفات كثيرة، ذكرها ابن خير الإشبيلي في كتابه "فهرسة ما رواه عن شيوخه". ثم قال [34] : "وكل ذلك من تأليف الشيخ الأستاذ أبي بكر خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ النحوي رحمه الله. حدثني بذلك كله الشيخ الحاج أبو حفص عمر بن عياد ابن أيوب بن عبد الله اليحصبي رحمه الله، عن أبي حفص عمر بن خطاب بن يوسف عن أبيه مؤلفها رحمه الله. وحدثني بها أيضا الشيخ أبو بكر محمد بن أحمد بن محرز عن أبيه رحمه الله، عن أبي حفص عمر بن خطاب المذكور عن أبيه خطّاب بن يوسف رحمه الله.
وهذه هي مصنفاته التي ذكرها ابن خير، وما أضفته إليها، مما وجدته عند غيره، رتبتها فيمايلي:
1-
الترشيح في النحو، وهو أشهر كتبه، وقد وصلتنا منه نقول كثيرة، وسوف أعرض له بالتفصيل.
2-
أرجوزة في مخارج الحروف وصفاتها [35] .
3-
إعراب مسألة (الحسن الوجه) بعللها وتصريف وجوهها [36] .
4-
الترجمة [37] .
5-
التمحيص [38] .
6-
الدلائل في النحو [39] .
7-
الدلالة [40] .
8-
الفصول في النحو [41] .
9-
شرح مسألة الزي [42] .
10-
المشعر [43] .
11-
اختصار الزاهر لابن الأنباري [44] .
12-
شعر فيما يذكر ويؤنث [45] .
كتاب الترشيح في النحو لخطّاب:
الترشيح في النحو أشهر مصنفات خطّاب، وقد ذكره معظم الذين ترجموا له، كما وصلتنا نقول كثيرة منه، تمثل آراء خطّاب النحوية.
قال السيوطي في ترجمة خطّاب: "وهو صاحب كتاب الترشيح، ينقل عنه أبو حيان وابن هشام كثير"ا [46] .
ووصف بعضهم كتاب الترشيح في النحو بأنه كبير [47] .
وقد لخص أبو حيان السّفر الأول من كتاب الترشيح في كتابه (تذكرة النحاة)، بدأه بقوله [48] :"أبو بكر خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ، أندلسي من ماردة، له تصانيف في النحو، منها كتاب الترشيح، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي".
وبلغ ما لخصه أبو حيان نحو خمس وعشرين صحيفة، ثم قال [49] :"انتهى ما لخص من السفر الأول من كتاب الترشيح".
وقد ذكر البغدادي [50] نصوصاً من كتاب الترشيح منقولة عن كتاب التذكرة لأبي حيان، وليست في الجزء المطبوع منه، ولعله في الأجزاء المفقودة من كتاب التذكرة.
الترشيح أم التوشيح؟
ذكرت معظم كتب التراجم وكتب النحو أن كتاب خطّاب اسمه "الترشيح "بالراء. ولكن ورد في مصدرين أن اسمه "التوشيح"وذلك في فهرسة ما رواه عن شيوخه [51] لابن خير، وفي كشف الظنون [52] لحاجي خليفة.
وأنا أرى أن كتاب خطّاب اسمه "الترشيح" لأنه ورد بهذا اللفظ في معظم كتب التراجم التي ذكرته، وفي جميع كتب النحو التي نقلت عنه في مواضع كثيرة.
فأما تسميته "التوشيح"فذلك وهم أو تحريف بلا شك. ومما يقطع بذلك نصّ صريح جاء في التصريح للشيخ خالد الأزهري، عند قول ابن هشام في إحدى المسائل "
…
خلافا لصاحب الترشيح "قال الشيخ خالد "بالراء، وهو خطاب الماردي" [53] .
وقد ورد بلفظ "الترشيح"في المصادر التالية: إشارة التعيين، وفي البلغة، وفي بغية الوعاة، وفي إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، وفي هدية العارفين، وفي معجم المؤلفين.
وورد بلفظ "الترشيح"أيضاً في كتب النحو التالية:
- في ارتشاف الضرب - في نحو ثلاثين موضعاً.
- في أوضح المسالك لابن هشام [54] ، وفي التصريح على التوضيح [55] .
وفي حاشية يس على التصريح [56] ، وفي الأشموني وحاشية الصبان [57] .
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي [58] ، وفي خزانة الأدب للبغدادي [59] . وفي شرح أبيات مغني اللبيب [60] للبغدادي.
وقد اضطرب محقق كتاب همع الهوامع للسيوطي في ضبط اسم الكتاب فجاء في الجزء الأول منه: قال خطّاب في الترشيح [61]، وعلق عليه في الحاشية بقوله: في نسخة أ "التوشيح"بالواو تحريف.
وجاء في الجزء الثاني منه: خطاب بن يوسف المارديّ صاحب "التوشيح"[62]، وعلّق عليه في الحاشية بقوله: في البغية والأشموني "الترشيح"بالراء تحريف، صوابه من النسخ الثلاث وكشف الظنون.
وهكذا اختلف حكم المحقق في اسم الكتاب فقال: "التوشيح"تحريف، ثم قال في الموضع الثاني:" الترشيح"تحريف.
وجاء في الجزء الخامس من الهمع أيضاً: خطّاب في الترشيح [63] .
أقول: والصحيح أنه "الترشيح". فأما تسميته "التوشيح"فهو تحريف وقع في فهرسة ابن خير، ووهم من أوهام كشف الظنون.
وكتاب كشف الظنون على الرغم من غزارة مادته، لا يمكن الاطمئنان إلى كل ما ورد فيه، فقد وقعت فيه أوهام كثيرة بحاجة إلى توقف ونظر.
بين الترشيح لخطّاب والترشيح لابن الطراوة:
عرفنا أن كتاب الترشيح لخطّاب المارديّ كتاب كبير يقع في عدة أجزاء، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي، ومنه نقول كثيرة في كتب النحو، كما سيأتي.
وابن الطراوة [64](المتوفى سنة 528 هـ) له كتاب في النحو باسم "الترشيح"أيضاً.
وكتاب الترشيح لابن الطراوة كتاب صغير، وصفه ابن عبد الملك المراكشي فقال:"وله مجموع في النحو مختصر، سماه "الترشيح "يكون على قدر النصف من جمل الزجاجي "[65] .
ويقول عنه الدكتور عياد الثبيتي: "إنه مقدمة صغيرة في النحو"[66] . ثم يقول: "وهذا الكتاب مما لم أجد له ذكرا في الكتب النحوية التي اطلعت عليها، ولا أعلم عنه شيئاً".
وينبه الدكتور عياد على وهم وقع في كشف الظنون يتعلق بوصف كتاب الترشيح لابن الطراوة [67]، حيث جاء في كشف الظنون "وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه"فيبين الدكتور عياد أن هذا الوهم في كشف الظنون أوقعه فيه قول السيوطي عن ابن الطراوة:"وألف الترشيح وهو مختصر، المقدمات على كتاب سيبويه"، فقوله "المقدمات على كتاب سيبويه"كتاب آخر لابن الطراوة غير الترشيح.
وهذا ملحظ جيد من الدكتور عياد، لم أجد أحداً نبه عليه.
وعلى الرغم من هذه الفروق بين كتاب الترشيح لخطّاب وكتاب الترشيح لابن الطراوة فقد وقع لبس في عنوان كتاب خطّاب من جهة، ووقع خلط بينه وبين كتاب الترشيح لابن الطراوة عند بعض الباحثين من جهة أخرى.
فالدكتور محمد البنا وهو يتحدث عن مصنفات ابن الطراوة، يذكر منها كتاب الترشيح، ويقول: "وهو مفقود
…
ولم يُحل عليه ابن الطراوة في الإفصاح". ثم يقول الدكتور البنا: "وإن من يقرأ الارتشاف لأبي حيان يرى اسم "الترشيح"يتردد كثيرا، وقد يظن أن هذا هو الكتاب الذي نحن بسبيله، وقد وقعنا في هذا الظن فترة، ثم تبين لنا أنه "التوشيح "بالواو لا بالراء، وأن صاحبه هو أبو بكر خطّاب بن يوسف بن هلال الماردي [68] .
وهكذا يوفق الدكتور البنا إلى معرفة صاحب الكتاب وهو خطّاب، ولكنه يلتبس عليه ضبط اسم الكتاب، فلا يقنعه أن يتردد كثيراً باسم "الترشيح "، بل يجزم بأنه "التوشيح"بالواو لا بالراء، اعتمادا على ما ذكره صاحب كشف الظنون الذي لا يخلو من أوهام كثيرة.
والدكتور عياد الثبيتي في رسالته عن ابن الطراوة، يرجّح أيضاً أن مصنف الكتاب المذكور هو خطّاب، ولكنه يرى أن عنوانه محرف عن "التوشيح"وهو يذكر أنه رجع إلى شرح كتاب سيبويه للصفّار فوجده يذكر "الترشيح"مرتين، ثم يقول الدكتور عياد: "فالمتبادر إلى الذهن هو أن هذا كتاب ابن الطراوة، ولكن الراجح أن هذا المنقول منه هو كتاب التوشيح لخطّاب المارديّ وقد نقل عنه أبوحيان كثيرا في التذييل والتكميل وفي ارتشاف الضرب وفي التذكرة، كما نقل عنه السيوطي في الهمع وفي الأشباه والنظائر، ويصيبه التحريف في كثير من المواضع فيكتب بالراء، فيشتبه بكتاب ابن الطراوة
…
" [69] .
ولا أدري لماذا يجعل الدكتور عياد وجود التحريف في المصادر الكثيرة التي تكتبه بالراء، ولا يجعل التحريف في المصادر القليلة التي كتبته بالواو، وما الذي يمنع أن يكون "الترشيح "لكل من خطّاب وابن الطراوة!
وفي شرح أبيات مغنى اللبيب ورد كتاب الترشيح مرتين، جاء في المرة الأولى "وذكر صاحب الترشيح" [70] . فعلق المحققان عليه في الحاشية بقولهما:"الترشيح في النحو لسليمان ابن محمد بن الطراوة المالقي المتوفى سنة 528 هـ، وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه "وأحالا على كشف الظنون 1/ 399.
وجاء في المرة الثانية: "
…
نقله أبو حيان في تذكرته من كتاب الترشيح لخطّاب
…
" [71] فعلّق المحققان عليه في الحاشية بقولهما: "الترشيح في النحو للأديب أبي بكر خطاب بن يوسف بن هلال المارديّ القرطبي النحوي المتوفى سنة 450 هـ" وأحالا على إيضاح المكنون 1/281.
وهكذا اضطرب المحققان في تحديد صاحب الترشيح، فنسباه مرة إلى ابن الطراوة ومرة إلى خطّاب.
وفي خزانة الأدب للبغدادي ذكر كتاب الترشيح مرة واحدة منسوبا إلى خطاب بنص صريح، إذ قال البغدادي عن بيت من الشعر: "
…
وكذا رواه خطّاب بن يوسف في كتاب الترشيح" [72] . ولم يعلق عليه المحقق في الحاشية، ولكنه في القسم الخاص بالفهارس، في فهرس الكتب والمصادر قال: "الترشيح لخطاب بن يوسف نقلاً عن تذكرة أبي حيان" [73] .
وليت المحقق اكتفى بذلك، ولكنه علق عليه في الحاشية فقال:"في كشف الظنون: الترشيح في النحو لسليمان بن محمد بن الطراوة المالقي المتوفى سنة 528 هـ، وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه، فهذا كتاب آخر، وصواب تسمية كتاب خطاب هو التوشيح بالواو كما في كشف الظنون 1/345، وكذا في فهرسة ابن خير الإشبيلي 319، وفاة خطّاب هذا كانت بعد سنة 450هـ، وقال صاحب الكشف المتوفى تقريبا سنة 450هـ، كذا ذكر صاحب البغية، وجاء فيها اسم الكتاب بالراء محرفا".
وفي كتاب ارتشاف الضرب لأبي حيان تردد ذكر كتاب "الترشيح"مرات كثيرة، وكثر النقل عن هذا الكتاب، وقد صرّح المصنف بنسبة الكتاب إلى خطاب، فقال:"وقال خطاب الماردي، في كتاب الترشيح"[74] .
فماذا كان موقف المحقق من تحديد صاحب الترشيح؟
لقد اضطرب المحقق كثيراً في نسبة كتاب الترشيح، فهو أحياناً ينسبه إلى ابن الطراوة [75] ، وأحيانا ينسبه إلى خطّاب [76] ، وأحيانا أخرى يقع في حيرة فيذكر ابن الطراوة وخطاباً معا، ومن ذلك تعليقه عليه في الحاشية [77] :"كتاب الترشيح في النحو لسليمان بن محمد بن الطراوهّ المالقي المتوفى سنة 528 هـ كما في كشف الظنون 1/399، ولكن في البغية 1/533 أن كتاب الترشيح لخطاب المارديّ القرطبي مات بعد سنة 450هـ وينقل عنه أبو حيان كثيراً ".
وفي قسم الفهارس، - في فهرس الكتب - ذكر المحقق الترشح في النحو لابن الطراوة وأحال عليه في عدد من الصفحات، ثم ذكر الترشيح لخطاب وأحال عليه في عدد من الصفحات [78] . علماً بأن النقول كلها عن الترشيح لخطّاب.
وهكذا كان كتاب كشف الظنون من أهم أسباب الوهم والاضطراب في ضبط عنوان كتاب "الترشيح"وفي نشبته إلى صاحبه خطّاب.
بين خطّاب ودُريود:
عرفنا أن خطابا صنف كتابه "الترشيح"في النحو في عدة أسفار، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي.
ودريود اسمه عبد الله بن سليمان بن المنذر الأندلسي القرطبي النحوي، الملقب بدَرْوَد، وربما صغر فقيل دُرَيْود، معروف بالنحو والأدب، شرح كتاب الكسائي، توفي سنة 325 هـ[79] .
وقيل اسمه محمد بن أصبغ، وله شرح على نحو الكسائي في ستة أجزاء سمع عليه. [80]
فإن كان كتاب دريود في ستة أجزاء، فلا بد أن يكون كتاب الترشيح لخطاب نحو ذلك أيضا لأنه عارضه به.
ويبدو لي أن دريوداً نهج نَهْج الكوفيين في شرحه لكتاب الكسائي، فدفع هذا خطّاباً إلى معارضته بكتاب الترشيح، والانتصار لمذهب سيبويه والبصريين.
وكثيراً ما نرى دريوداً تابعاً للكسائي أو الكوفيين في آرائه النحوية، ومن ذلك في قولك:"نِعْمَ رَجُلاً زَيْدٌ". ذهب سيبويه ومعظم البصريين إلى أن في (نِعْمَ) ضميرا مستكناً هو فاعل (نعم) . و (رجلاً) تمييز لذلك الضمير. وذهب الكسائي والفراء أنه لا ضمير، والفاعل بنعم هو زيد، والمنصوب عند الكسائي حال، وتبعه دريود [81] .
ومن ذلك أيضاً أنة يشترط فيما يجمع جمع المذكر السالم أن يكون خاليا من تاء التأنيث لا يكون عوضاً، نحو طلحة، خلافاً للكوفيين وتبعهم دريود، فإنهم يجيزون جمعه بحذف التاء، فيقولون طلحون
…
[82] .
ويقوم خطاب بتعقب دريود في عدد من المسائل، فيغلطه ويرد عليه، ومن ذلك في أسلوب (لا سيما) قال خطاب [83] :"وقد قال دريود في كتابه: إن في قولك: (لا سيما) لغتين التثقيل والتخفيف، فمن خفف خفض بها، ومن ثقل رفع - وهو غلط منه، لأنها اسم مضاف في كلا الحالين، وإنما علة الخفض زيادة (ما) وعلة الرفع كون (ما) بمعنى الذي. وقد صرح الأخفش في كتابه بإجازة الرفع والخفض في التثقيل والتخفيف، دون تفضيل، وهو الذي لا يجوز غير في القياس".
وفي إنابة الظرف عن الفاعل، يقول خطاب [84] : "وأما الأيام المعروفة بأعيانها كيوم السبت والأحد ويوم الأحد، والأزمنة المحدودة كالشتاء والصيف والربيع، وأوقات الليل والنهار مثل بكرة وعشية
…
فإنك تقيمها مقام الفاعل، وكان دريود لا يرى ذلك ويقول: "كل وقت محدود يحسن فيه (ائتني) فانصبه أبدا، كقولك: سير به يوم الجمعة، وهذا غلط منه، لأنك تقول: ائتني شهر رمضان، وأيام التشريق، ثم تقيم ذلك مقام الفاعل، تقول: سير عليه شهرُ رمضان وأيام التشريق، وهذا ما لا اختلاف فيه، لأنه موقوف محدود محصور العدد، وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه بكرةٌ وغدوةٌ ويومُ الجمعة ويومُ السبت، بالرفع على أن تقيمها مقام الفاعل
…
"
وقد يذكر رأي سيبويه ويضعّف رأي دريود، كما جاء في الاستثناء حيث قال خطاب [85] : "وأما قوله عز وجل: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ} [86] بالرفع فهو على البدل مِن (مَن) ، أو من الضمير الفاعل في (يغفر) العائد عليها، وجاز هذا لأن في الكلام معنى نفي وتقديره: لا يغفر أحد الذنوب إلا الله، وقال دريود: ومثل ذلك {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللهُ لَفَسَدَتَا} [87] على البدل، وهذا عند سيبويه ومن وافقه رفع على النعت، لأن (إلا) مع ما بعدها قد تكون نعتا للنكرات وللأجناس غير المعهودة كما تكون (غير)
…
والبدل الذي ذكره قد أجازه غيره وفيه ضعف، لأن معنى النفي في (لو) ليس قويا كقوته في معنى (ما) و (من) في الاستفهام
…
وقد يكون خطّاب معتدلا في رده على دريود، فيكتفي بمخالفته، ومن ذلك في باب الوقف، قال خطاب في الترشيح [88] :"هاء السكت ساكنة أبدا، وزعم دريود أنها زيدت للسكت، ولتكون عوضا من الألف الذاهبة، ولا أرى قوله، لأن العوض يكون لازما، وهاء السكت ليست لازمة إلا في كل فعل يعود إلى حرف واحد نحو: (قِهْ، وعِهْ) ". انتهى.
ومن ذلك أيضا أن جواب (لو) إذا كان ماضيا مثبتا فالأكثر أن يجيء باللام، وقد يجيء بلا لام، نحو قوله تعالى:{لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ} [89] وجواب لولا ماض مثبت مقرون باللام نحو قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ} [90] وحذف اللام ضرورة، وقيل: قليل. قال صاحب الترشيح [91] : "حذف اللام مع لولا جائز، وأكثر ما تأتي في الشعر، وسوّى دريود بين حذف اللام وإثباتها في (لو) و (لولا) . انتهى.
منهجه في النحو
خطّاب المارديّ كما قال عنه ابن الأبّار: "كان متقدماً في علوم اللسان، واقفاً على كتب الأشعار والأخبار، متحققاً بالنحو"[92] .
وقال عنه ابن عبد الملك المراكشي: "كان من جلّة النحاة ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان"[93] .
والباحث المدقق في آرائه النحوية، من خلال هذه النقول المتعددة من كتابه "الترشيح "يجد صدق هذه المقولات، بل يجد نفسه أمام عالم متبحر في النحو واللغة، شديد الثقة بنفسه، مع التواضع والتقدير للعلماء الآخرين، والقدرة على الموازنة والترجيح والاختيار. ولو قدر لنا أن نطلع على مصنفاته لاتضحت لنا جوانب أكثر إشراقا وعمقاً.
ويمكن أن نتناول منهجه في النحو من خلال الجوانب التالية:
مذهبه النحوي:
لم يصرخ خطّاب بمذهبه في النحو، ولكنه كان كثير الاستدلال بآراء النحاة البصريين، مما يدل على تقديره لهم، وميله إلى مذهبهم، ولعله صنف كتاب "الترشيح"في الردّ على دريود انتصارا لمذهب البصريين، ولكنه لم يكن متعصباً لهم، بل نلمح دائما شخصيته المتفردة، وقدرته على اختيار الرأي الراجح لديه، وهذه سمة عامة للنحو الأندلسي.
ومن الأمثلة على ميله إلى البصريين، ما جاء في أسلوب "لاحبذا" من نحو قولك: حبذا زيذ راكباً. قال أبو حيان [94] : "اختلف النحاة في هذا المنصوب بعد (حبذا) ، فذهب الأخفش والفارسي والربعي وخطّاب وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير، سواء أكان جامدا أم مشتقاً، وأجاز الكوفيون وبعض البصريين نصبه على التمييز.."
وكان خطّاب كثيرا ما يذكر سيبويه على سبيل الإعجاب والتقدير، ومن ذلك ما ذكره في حركة الحرف المضعّف المجزوم نحو: لم يردّ، ولم يعضّ، ولم يفرّ. قال [95] :"ومن العرب من يكْسر هذا كلّه، ومنهم من يحركه بحركة ما قبله: لم يرُدُّ، ولم يعضَّ، ولم يفِرِّ، فإن اتصلت بهذا المضاعف هاء الإضمار للمؤنث فتحت في كل اللغات: لم يعضَّها، ولم يفرَّها، ولم يردَّها، وإن اتصلت به هاء الإضمار لمذكر ضممت في كل لغة فقلت: لم يردُّهُ، ولم يعضُّه، ولم يفرُّه. وهذا قول سيبويه وجلّة النحويين".
وقال فيما ينوب عن الفاعل من الظرف، وهو يردّ على دريود:"وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه بكرةٌ، وغدوةٌ، ويومُ الجمعة.."[96] .
ويبدو وعيه بآراء سيبويه في الرد على من ينسب رأياً لسيبويه وليس له، ومن ذلك أنه لا يجيز تقديم خبر ليس عليها، قال [97] :"تقول: ليس عالماً زيدٌ، ولو قلت: عالماً ليس زيدٌ، لم يجز، لأن (ليس) لا تتصرف، لما فيها من معنى الجحد، وقد أجاز تقديم خبرها ابن النحاس، ونسبه إلى سيبويه وليس يصح عنه ".
وذكر خطاب أن أبا إسحاق الزجاج يجيز: لولاك ولولاه، على مذهب سيبويه [98] .
موقفه من مصادر الاحتجاج:
اعتمادا على النصوص الواردة إلينا من آراء خطاب، يبدو لنا اهتمام خطّاب بمصدرين رئيسيين من مصادر الاحتجاج وهما: القرآن الكريم، وكلام العرب (من شعر نثر) . ولم أجد له احتجاجا بالحديث النبوي.
وقد صرّح خطّاب بموقفه هذا عندما تعرض لحذف الخبر بعد لولا، نحو: لولا زيدٌ لقمت. قال: "تقديره بالحضرة، أو بهذا المكان. وقال قوم: يجوز إظهار الخبر، وليس ما ذكروه بجيد، لأن ذلك لم يأت في قرآن ولا شعر فصيح، وهذا الخبر عند جلة النحويين من المضمر الذي لا يجوز إظهاره"[99] .
ويظهر اهتمامه أيضاً بكلام العرب في قول أبي حيان: "وزعم أبو العباس وخطاب الماردي أن بدل الغلط لا يوجد في كلام العرب، لا نثرها ولا نظمها". قال خطّاب: "وقد عنيت بطلب ذلك في الكلام والشعر، فلم أجده، فطالبت غيري فلم يعرفه"[100] .
أما القرآن الكريم فهو مصدر مهم من مصادر الاحتجاج عنده، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحتاج إلى بيان.
ولكن خطّاباً وقف موقفاً عجباً في رفض بعض القراءات القرآنية الثابتة، لأنها خالفت القياس النحوي الذي يراه.
وهذا يذكرنا بما أورده السيوطي عن موقف قوم من النحاة في رفض بعض القراءات القرآنية، إذ يقول السيوطي [101] : "كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك، فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية. وقد ردّ المتأخرون، منهم ابن مالك، على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد، واختار جواز ما وردت به قراءاتهم في العربية، وإن منعه الأكثرون مستدلا به.
وقد صرّح خطّاب برفض الاحتجاج بقراءة لحمزة، فقال:"ورأيت ابن الأنباري يجيز أن تقول: لم يخشى، ولم يسعى، بإثبات الألف، واحتج بقراءة حمزة {لاتخفْ دركاً ولا تخشى} [102] بإثبات الألف وهذا لا يجوز عندنا "[103] .
ولكن العكبري يرى لهذه القراءة وجوهاً سائغة، فيقول:"ولا تخشى"على قراءة الجزم هو حال، أي: وأنت لا تخشى.. وقيل: الألف في تقدير الجزم شبهت بالحروف الصحاح. وقيل: نشأت لإشباع الفتحة ليتوافق رؤوس الآي" [104] .
بل نجد خطّاباً يتهم حمزة بالجهل بالعربية، ويجعل ذلك سبيلا لردّ قراءته. ومن ذلك أنه يرى أن إسكان لام الأمر مع "ثم " يكون في ضرورة الشعر، ولا يجوز في الكلام. قال:"وإن كان حمزة قد قرأ {ثّم لْيقْطَعْ} [105] بسكون اللام، لأنه لم يكن له علم بالعربية"[106] .
قال السيوطي: "وهو مردود"، قال أبو حيان:"ما قرئ به في السبعة لا يردّ ولا يوصف بضعف ولا بقلة"[107] .
ويستدل خطّاب بالقراءة إذا وافقت القاعدة النحوية، ومن ذلك رفع الفاعل بفعل محذوف بعد المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله، نحو: ضُربَ زيدٌ وعمرو. قال: "وعلى ذلك قراءة بعضهم {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُم} [108] أي زيّنه شركاؤهم"[109] .
وهذه القراءة شاذة ذكرها ابن جني في المحتسب، ونسبها إلى أبي عبد الرحمن السلمي، قال أبو الفتح:"يحتمل رفع "شركاء"تأويلين: أحدهما وهو الوجه أن يكون مرفوعا بفعل مضمر دلّ عليه قوله "زين"كأنه لما قال: "زُيّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم "قيل: من زيّنه لهم؟ فقيل: زيّنه لهم شركاؤهم، فارتفع الشركاء بفعل مضمر دلّ عليه "زُين " [110] .
وقد يذكر القراءة الشاذة على وجه الإنكار، ومن ذلك قوله:"حكى أبو حاتم (السجستاني) عن هارون القارئ أن الأعمش قرأ {وما كان صلاتَهم عند البيت إلا مكاءٌ وتصديةٌ} [111] فنصب الصلاة ورفع المكاء والتصدية، وهذا من شواذ القراءات"[112] .
قال السمين [113] : "وخطّأ الفارسي هذه القراءة، وقال: لا يجوز أن يخبر عن النكرة بالمعرفة إلا في ضرورة
…
"
وقد حاول ابن جني توجيه هذه القراءة ودفع القبح أو اللحن عنها [114] .
موقفه من القياس والسماع:
"إنما النحو قياس يتبع". ولهذا قيل في حد النحو [115] : "إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب".
وقد اعتنى النحاة بالقياس في بناء قواعدهم النحوية، كما اهتم به خطّاب المارديّ في توجيه الآراء والمذاهب النحوية.
ومن ذلك في باب ما لا ينصرف للعلمية والتأنيث، قال خطاب في الترشيح [116] : "ما لا علامة فيه فبعض النحويين يجريه مجرى ما فيه الهاء، ولا يصرفه معرفة، قلّت حروفه أو كثرت، ويصرفه نكرة، وهو القياس
…
"
وقد يتبع خطاب القياس فيرى رأياً حسنا في القياس، ولكنه مخالف لآراء العلماء، فيؤثر الاتّباع على الابتداع، والالتزام برأي الأئمة، وهذا تواضع منه واحترام للعلماء.
ومن ذلك في باب أفعال المقاربة، في نحو قولك: عسى أن يقوم زيدٌ. قال أبو بكر خطّاب [117] : " (أن يقوم) : فاعل (بعسى) ، هذا قول النحويين، وقد كان عندي قياساً أن يكون مفعوله توسط بين الفعل وفاعله، كما تقول: يريد أن يضربك زيدٌ. المعنى: يريد زيدٌ أن يضربك. وجاز أن يتوسط مفعول (عسى) ، كما توسط خبر (ليس) في قولنا: ليس قائماً زيدٌ. وهذا قول حسن في القياس، غير أنه رأي رأيناه، ولم يقل به أحد غيرنا، واتباعنا لأئمة النحويين أحق وأجمل". انتهى.
وفي باب المفعول الذي لم يسم فاعله، قال خطّاب المارديّ في الترشيح [118] :"وكان قياسها، يعني اختير وانقيد، أن يجري مجرى (قيل وبيع) في الإشمام، وفي قلب الياء واواً، كما قيل: بوع وكول الطعام، ولكني لم أره قولا لأحد".
أقول: يبدو أن خطابا هو صاحب هذا الرأي، ثم تبعه فيه ابن مالك وغيره. قال الشيخ خالد [119] : "وادعى ابن عذرة وطائفة من متأخري المغاربة امتناعها في افتعل كاختار، وانفعل كانقاد مما زاد على الثلاثة، فلا يقال اختور ولا انقود. والمشهور الأول، وهو قول ابن عصفور والأبذي وابن مالك.
قال ابن مالك في الألفية:
في اختار وانقاد وشبه ينجلي
وما لفا باع لما العين ثلي
وكان خطّاب يهتم أيضاً بالسّماع، ويرى أن بعض مسائل النحو تؤخذ سماعاً ولا تنقاس.
ومن ذلك باب جمع المؤنث السالم، قال في الترشيح [120] :"ومن قال الاثنان لليوم فجعل الرفع والنصب والخفض في النون جمعه الاثنانات، كما تقول رمضانات وشعبانات، وأجاز ابن قتيبة: الأثانين، كما تقول الدهاقين، وتكسير هذا على فعاليل لا ينقاس، وإنما هو يؤخذ سماعا عن العرب، وإلا فهو مجموع على السلامة". انتهى.
وفي دخول (ما) على إنّ وأخواتها فيبقى بعضها عاملا، يقول خطّاب [121] : "وبعض العرب يقول: ليتما زيداً منطلقٌ. ولا يجوز هذا في غير (ليت) . وقد أجاز بعض النحويين النصب بهذه الحروف قياساً على (ليتما) فتقول: لكنّما زيداً مقبلٌ، ولعلّما عمراً خارجٌ، وإنما أخاك ذاهبٌ. وهو مذهب أبي القاسم الزجاجي، وأبي بكر بن السراج، والقول الأول مذهب الأخفش، وهو أقوى، لأنه المسموع من العرب الذي لا يُعرف غيره
…
"
ويستعمل خطّاب مصطلحات في السّماع مثل: قليل، وقبيح، وشاذ، ولا يطرد، وقد يلجأ إلى الوقوف عند ظاهر النصّ المسموع عن العرب إذا خالف القاعدة التي يراها، ومن ذلك قوله في الترشيح [122] :"ومن العرب من يثبت الألف في الاستفهام إذا دخل عليها حرف الجر، فيقول: عمّا تسأل؟ وفيما ترغب؟ وذلك قليل وقبيح. فإن كانت بمعنى الذي أثبت الألف. وحكى أبو زيد أن من العرب من يقول: سَلْ عمّ شئت، كأنهم حذفوا لكثرة الاستعمال. وهذا شاذ عندي ولا يطّرد، يحفظ كما وقع، ولا يصرف من لفظه غير ما سمع، ولو قلت: سَلْ عمّ تشاء، لم يجز، لأن ذلك إنما سمع مع شئت". انتهى.
ومن قواعد خطّاب في السّماع أن الظروف تؤخذ سماعاً ولا تقاس [123] . والشاذ يحفظ حفظاً ولا يقاس عليه [124] .
ومن الشاذ عنده وزن (فُعَلَى) من أوزان ألف التأنيث المقصورة، فقد عدّ ابن مالك وزن (فُعَلى) من الأوزان المشهورة لألف التأنيث المقصورة نحو: أُرَبى للداهية، وأُدَمى وشُعَبى لموضعين.
فاعترض عليه ابن هشام بأن جعل هذا الوزن في الأوزان المشهورة مشكل [125] .
قال الشيخ خالد: "لأنها من الأوزان النادرة، بل قال خطّاب الماردي: إنها شاذة"[126] .
آراؤه النحوية:
تعد مصنفات أبي حيان الأندلسي هي المصادر الأساسية لعدد من نحاة الأندلسيين، إذ لولا أبو حيان لضاع كثير من التراث النحوي الأندلسي.
ومن هؤلاء النحاة الأندلسيين خطّاب المارديّ، الذي عاش في القرن الخامسِ الهجري، ومع ذلك لم أجد أحداً ذكر له رأياً قبل أبي حيان، الذي نقل إلينا في مصنفاته كثيرا من آراء خطاب النحوية، كما أنه لخص لنا في تذكرته السّفر الأول من كتاب الترشيح لخطّاب.
وقد ذكر بعض آراء خطّاب عدد من النحاة الذين جاءوا بعد أبي حيان، كالمرادي، وابن هشام، وابن عقيل، والشيخ خالد الأزهري، والأشموني، والسيوطي، وعبد القادر البغدادي.
وقد صرّح عبد القادر البغدادي بالنقل عن تذكرة أبي حيان في أكثر من موضع [127] .
وسوف أختار هنا أشهر آراء خطّاب النحوية، مع توضيحها وتوثيقها، ومراعاة ألاّ أكرر آراءه التي وردت سابقاً، بقدر الإمكان.
(1)
من مواضع قلب الياء همزة
تقلب الواو والياء والألف همزة إذا وقعت إحداها بعد ألف مفاعل وكانت مدة زائدة في الواحد، نحو: عجوز عجائز، وصحيفة صحائف، ورسالة رسائل. فلو كانت المدة عيناً لم تهمز نحو: معاون ومعايش ومثاوب جمع معونة ومعيشة ومثوبة. وشذّ الهمز في معائش ومنائر ومصائب.
أما مسائل جمع مسيل فذهب الزبيدي إلى أن الهمزة أصلية فهمزها قياس. وذهب الأعلم وغيره إلى أن مسيلاً مَفعِل من سال، فالهمز في جمعه شاذ [128] .
قال خطّاب في الترشيح [129] : "مسيل الماء جمعه مسايل بلا همزة، لأنه من سال يسيل، قال زهير-:
بمُستأسدِ القُرْيان حُوٍ مَسايلُهْ [130]
(فقال شياهٌ راتعاتٌ بقفْرةٍ)
وإن شئت همزت، تجعل الميم أصلية، لأن الجمع مُسُل. وحكَى يعقوب [131] في مسيل الماء أن جمعه أمسلة ومُسل ومُسْلان ومسائل، قال: يقال للمسيل مَسَل [132] . وقوله يدل على أن الميم أصل، كأنه من مَسَل يمسلُ. انتهى.
وقال الجوهري [133] : "ومسيل الماء موضع سيله، والجمع مسايل، ويحمع أيضاً على مُسُل وأمْسلة ومُسلان على غير قياس؛ لأن مسيلاً إنما هو مَفْعِل، ومَفْعِل لا يجمع على ذلك، لكنهم شبهوه بفعيل، كما قالوا: رغيف ورُغُف وأرغفة ورُغفان. ويقال للمسيل أيضاً مَسَل بالتحريك".
(2)
تثنية المركَّب
من شروط التثنية عدم التركيب، فلا يثنى المركّب تركيب إسناد ولا يجمع، نحو تأبط شراً.
وأما تركيب المزج كبعلبك وسيبويه، فالأكثر على منعه لعدم السماع.
وقال خطّاب في الترشيح [134] : "فإن ثنيت على من جعل الإعراب في الآخر، قلت: معدي كربان ومعدي كريبين، وحضرموتان وحضرموتين أو على من أعرب إعراب المتضايفين قلت: حضْراموتٍ وحضرَي موتٍ. وقال في المختوم بويه: تلحقه العلامة بلا حذف نحو: سيبويهان وسيبويهون.
(3)
في النسب إلى محذوف اللام
إذا كانت لام الكلمة تردّ في التثنية أو الإضافة أو الجمع بالألف والتاء، وجب ردّها عند النسب، نحو: أب أبوي، أخ أخوي، سنة سنوي أو سنهي، لأن لامها تردّ بالجمع بالألف والتاء، ولامها هاء في لغة أهل الحجاز، وواو عند غيرهم.
وإذا لم يثبت ردّ اللام في موضع من هذه المواضع فأنت في النسب مخير بين الردّ والترك. نحو: غد ويد، تقول: غديّ أو غدويّ، يدي أو يدويّ. وفي شفة تقول: شفيّ أو شفهيّ [135] قال أبو حيان [136] : "ولم يذكر أبو البقاء العكبري في شفة إلا الردّ فتقول شفهي. وذكر خطّاب المارديّ فيها الوجهين".
قال ابن هشام بعد قوله: "شفيّ أو شفهيّ "[137] : "قاله الجوهري وغيره، وقول ابن الخباز "إنه لم يسمع إلا شفهيّ بالردّ"لا يدفع ما قلناه، إن سلّمناه، فإن المسألة قياسية لا سماعية. ومن قال "إن لامها واو"فإنه يقول إذا ردّ: شفويّ. والصّواب ما قدمناه بدليل شافهت والشفاه.
(4)
في النّسب إلى الكلمة الدالة على جماعة
ينسب إلى الكلمة الدالة على جماعة على لفظها إن أشبهت الواحد، بكونها اسم جمع له مفرد من لفظه أولا، فالأول كصحْبيّ ورَكْبيّ. والثاني كقوميّ ورهطيّ، ولا يردّ إلى مفرده في اللفظ، فلا يقال: صاحبيّ وراكبيّ. ولا إلى مفرده في المعنى فلا يقال: رجُليّ؛ لأن اسم الجمع بمنزلة الفرد. أو بكونها اسم جنس كشجريّ. لا يقال يحتمل أن يكون منسوبا إلى مفرده وهو شجرة، وحذفت التاء كما في مكّي، لأنا نقول ليس الأمر كذلك، وإنما هو منسوب إلى الجماعة، بدليل قولهم في النسب إلى الشعّير شعيريّ، بإثبات الياء بعد العين. ولو كان منسوباً إلى الشَّعيرة لقيل شَعَريّ بحذف الياء المثناة تحت، لأن شعيرة فعيلة، وقياس فعيلة فعَليِّ، كفَرضيّ في فريضة. قاله خطّاب الماردي في الترشيح [138] .
(5)
ما لا ينصرف للوصفية الأصلية ووزن الفعل
قال ابن مالك:
في الأصل وصفا انصرافه منع
فالأدهمُ القيد لكونهِ وُضع
قال المرادي [139] : "أدهم للقيد، وأسود للحية، وأرقم لحية فيها نقط كالرقم، فهذه أوصاف في الأصل غلبت عليها الاسمية، وهي غير منصرفة نظراً إلى أصلها، وذكر سيبويه أن كل العرب لا تصرفها
…
"
قال سيبويه [140] : "وأما أدهم إذا عنيت القيد، والأسود إذا عنيت به الحية، والأرقم إذا عنيت الحية، فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة، لم تختلف في ذلك العرب".
وفي الترشيح [141] : "قولهم للقيد أدهم، وللحية أسود وأرقم، الأقيس ألا تصرف، لأنها صفات عند ابن النحاس. وقوله هذا يؤدي إلى ترك الصرف لغة فيها. وسيبويه يزعم أن العرب لم تختلف في ترك صرفها لأنها صفات". انتهى.
(6)
دخول اللام في خبر إنَّ
قال ابن مالك:
لامُ ابتداء نحو: إني لَوَزَرْ
وبعد ذات الكسر تصحبُ الخَبرْ
ولا من الأفعال ما كرضيا
ولا يلي ذي اللام ما قد نُفيا
لقد سما على العدا واستحوذا"
وقد يليها مع قد كـ "إنّ ذا
قال ابن هشام [142] : "تدخل لام الابتداء بعد إن المكسورة على أربعة أشياء، أحدها: الخبر، وذلك بثلاثة شروط: كونه مؤخراً، ومثبتاً، وغير ماض، نحو: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [143] {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} [144] . بخلاف {إِنَّ الله اصْطَفَى} [145] . وأجاز الأخفش والفراء، وتبعهما ابن مالك: إن زيداً لقد قام، لشبه الماضي المقرون بقد بالمضارع لقربه زمانه من الحال. وليس جواز ذلك مخصوصاً بتقدير اللام للقسم لا للابتداء، خلافاً لصاحب الترشيح".
قال الشيخ خالد في شرحه [146] : "وهو خطّاب المارديّ، حيث ذهب إلى منع دخول لام الابتداء على قد، وادّعى أن هذه اللام الداخلة عليها لام جواب القسم، والتقدير: إن زيداً والله لقد قام. ووافقه على ذلك محمد بن مسعود الغزني".
وقال السيوطي [147] : "وذهب خطّاب بن يوسف المارديّ في الترشيح إلى أنها لا تدخل على الماضي مطلقاً، لا مع قد ولا خالياً عنها، لأنه ليس له معنى اسم الفاعل. قال: وما سمع من ذلك فاللام فيه للقسم، لا للابتداء".
قال خطّاب [148] : "إن قلت: إن زيداً قام، أو قد قام لم يجز أن تدخل عليه اللام، لأن الفعل الماضي ليس له معنى اسم الفاعل، وهذا مما يضربُ عنه لدقته. ويجوز أن تقول: إن زيداً لقام، إذا جعلت اللام جواباً ليمين محذوفة، والمعنى: إن زيداً والله لقد قام. كما قال عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [149] .
(7)
هل تعدّ "لاسيّما"و"إلا أن يكون"من أدوات الاستثناء؟
قال السيوطي [150] : "عدّ الكوفيون وجماعة من البصريين كالأخفش وأبي حاتم والفارسي والنحاس وابن مضاء من أدوات الاستثناء "لا سيّما". وقال خطّاب [151] : وقد ألحق "لا سيّما"بحروف الاستثناء جماعة من النحويين، منهم الأخفش وأبو حاتم وابن النحاس. وأضرب عن ذكرها في باب الاستثناء سيبويه والمبرّد. وما أرى لإلحاقها في باب الاستثناء وجهاً، لأنك إذا قلت: جاءني القوم ولاسيما زيدٌ؛ فمعناه: ولامثل زيد فيمن جاءني، فكأنك قلت: لا يأتي مثل زيد، فإنما نفيت أن يكون أحد ممن جاءك شبهاً لزيد، ولعل زيداً قد جاءك أو لم يأتك".
وقال خطّاب [152] : "ورأيت جماعة من النحويين ألحقوا "إلا أن يكون"في عدد حروف الاستثناء، وليس لها فيه حظ، وإنما حرف الاستثناء إلاّ ".
(8)
المنادى المضاف إلى ياء المتكلّم
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم إذا كان صحيح الآخر، نحو: يا غلامي، جاز فيه ست لغات.
قال ابن هشام [153] : "فالأكثر حذف الياء والاكتفاء بالكسر نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [154] .ثم ثبوتها ساكنة نحو: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [155] . أو مفتوحة نحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [156] . ثم قلب الكسرة فتحة والياء ألفا نحو: {يا حسرتا} [157] . وأجاز الأخفش حذف الألف والاجتزاء بالفتحة، كقوله:
بِلَهْفَ ولا بِلَيْتَ ولا لو انّي
أصله بقولي: يا لَهْفَ. َ
ومنهم من يكتفي من الإضافة بنيتها، ويضم الاسم، كما تُضم المفردات وإنما يفعل ذلك فيما يكثر فيه ألاّ ينادَى إلاّ مضافاً، كقول بعضهم: يا أمُّ لا تفعلي، وقراءة آخر:{ربُّ السجنُ أحبُّ إليّ} [158] .
قال خطّاب المارديّ عن هذه اللغة الأخيرة [159] : "والخامسة قليلة رديئة، وهي: يا غلامُ، بحذف الياء وبضم الميم، وأنت تريد يا غلامي. وهذا قبيح لأنه يلتبس المضاف بغيره كقولك: يا غلامُ، إذا أردت يا أيها الغلام، وهذه لغة ذكرها أبو القاسم الزجاجي [160] ، ولم ينص عليها بالضم، ولكن بعض شيوخنا كان يرويه بالضم، وذلك لا يصحّ. والصواب يا غلامَ بالفتح، فحذف الألف المنقلبة عن الياء، كما حذف الياء من غلامي، وهي قليلة لأن الألف خفيفة والياء ثقيلة، فجاز حذف الياء، وقبح حذف الألف. انتهى.
فخطاب يضعّف لغة الضم، ويصفها بأنها قليلة رديئة قبيحة، بله يخطئها، ويصوّب أن تكون بالفتح، مع أن لغة الفتح عنده قليلة أيضاً.
ولكن لغة الضم التي أنكرها خطاب أجازها بعض النحاة بشرط أمن اللبس، أي ألاّ تستعمل إلا فيما يكثر فيه النداء بالإضافة.
قال أبو حيان [161] : "وأقلُّها: يا غلامُ، وقال الأستاذ أبو علي: "وهذا إذا لم يلبس، يعني بالمنادى المقبل عليه"، وقال ابن هشام اللخمي: "يا غلامُ أقبل، لا يجوز على مذهب الجماعة، إنما أجاز سيبويه الضم فيما يراد فيه الإضافة، فيما كثر حتى إذا ضممته علم أن المراد فيه الإضافة".
(9)
بدل الاشتمال
اختلف النحاة في المشتمل في بدل الاشتمال على أقوال [162] :
ذهب الفارسي في أحد قوليه، والرماني في أحد قوليه، وخطّاب المارديّ إلى أن الأول مشثمل على الثاني. قال خطّاب: "ولا يجوز: سرّني زيدٌ داره، ولا أعجبني زيدّ فرسه، ولا رأيتُ زيداً فرسه. ويجوز: سرّني زيدٌ ثوبُه، وسرَّني زيدٌ قلنسوتُه، لأن الثوب يتضمنه جسده.
وذهب الفارسي في الحجة إلى أن الثّاني مشتمل على الأول نحو: سُرق زيدٌ ثوبُه.
وذهب المبرّد والسيرافي وابن جني والرماني في أحد قوليه وابن الباذش وابن أبي العافية وابن الأبرش إلى أن المعنى المسند إلى المبدل، فيكون إسناده إلى الأول مجازا، وإلى الثاني حقيقة، إذ المسلوب في الحقيقة هو الثوب لا الرجل، والمعجب هو العِلم لا زيد.
(10)
أسلوب نعم وبئس
يجوز في الفصيح "نِعْمَ الفتاةُ"في المدح، و "بئس الفتاة"في الذم بترك التاء فيهما، لأن المراد بالفتاة فيهما الجنس، وهو مؤنث مجازي.
وأل في الفتاة جنسية، خلافا لمن زعم أنها عهدية، ومع كون الحذف حسناً الإثبات أحسن منه [163] .
وفصّل خطّاب في الترشيح فقال [164] : "يجوز نعم الجارية، والأحسن التاء، وتقول: بئست المرأتان أختاك، وبئس المرأتان، وبئس النساء أخواتك، وبئست، إلاّ أن ترك التأنيث في الجماعة أحسن منه في الواحد والاثنين، وقد يجوز: نِعْمَ الزيدُ زيدُ بن حارثة، ونِعْم العمر عمر بن الخطاب، لأنك أردت واحداً من جماعة فصار جيداً حسنا لكل من له هذا الاسم، وكل معنى لا نظير له، ولا هو واحد من جنس يشركه في اسمه فلا يجوز وقوع نعم وبئس عليه، ولو قلت: نعمت الشمس هذه، ونعم القمر هذا، لم يجز من حيث جاز نعم الرجل، فلو قلت: نعم الشمس هند، ونعم القمرُ زيدٌ، جاز على التشبيه، ولو قلت: نعم القمرُ ما يكون لأربع عشرة، ونعمت الشمس شمس السعود جاز، لأنك أردت تفصيل أحوالها، كما تقول: هذه الشمس حارة وهذه الشمس باردة
…
".
(11)
أسلوب حبذا
يقال في المدح: "حبذا"، ويقال في الذم:"لا حبذا".
وقد اختلف في هذا التركيب "حبذا زيدٌ"على أقوال:
فمذهب سيبويه أن "حبّ"فعل، و"ذا"فاعل، وأنهما باقيان على أصلهما، وقيل: ركّبا وغلّبت الفعلية لتقدم الفعل، فصار الجميع فعلاً، وما بعده فاعل، وقيل: ركّبا وغُلبت الاسمية لشرف الاسم، فصار الجميع اسماً مبتدأ وما بعده خبر، ولا يتغير "ذا"عن الإفراد والتذكير، لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل [165] .
فهذه ثلاثة أقوال. ذهب قوم منهم الأخفش وخطّاب المارديّ إلى القول الثاني منها. أي أن حبّ تركبت مع ذا وصار فعلاً، والمخصوص هو الفاعل [166] .
قال خطّاب في الترشيح [167] : "ومن زعم أن زيداً بدل من "ذا"لزمه أن يقول: حبذان الزيدان، وحبذه هندو وهذا لم يقله أحد علمناه، ولكن تقول:(حبذا أخوك، وحبذا أخواك، وحبذا إخوتك، وحبذا أخواتك، وحبذا النساء الحسان) . فهذا كلّه فاعل مرفوع بحبّذا، وهذا على لفظ واحد في ذلك كله، لأنه صار كالمثل
…
"
قال ابن عقيل [168] : "وردّ بعدم النظير، فلم يركب فعل من فعل واسم، وبأنه دعوى بلا دليل".
واختلف النحاة أيضاً في الاسم المنصوب بعد حبذا [169]، نحو قولك: حبذا زيد رجلاً. فذهب الأخفش والفارسي والربعي وخطّاب وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير، سواء أكان جامدا أم مشتقاً.
وأجاز الكوفيون وبعض البصريين نصبه على التمييز
…
(12)
أسلوب التعجب
للتعجب صيغتان قياسيتان هما (ما أفعَلَه) نحو: ما أحسنَ زيداً! (وأَفْعِل به) نحو: أَحْسِنْ بزيدٍ.
ويبنى هذان الفعلان مما اجتمعت فيه ثمانية شروط [170]، وهي: أن يكون فعلاً، ثلاثياً، متصرفاً، قابلا للتفاضل، غير مبني للمفعول، تاماً، مثبتاً، وليس الوصف منه على وزن أَفَعْل.
وفيه مسائل تتعلق بآراء خطّاب:
المسألة الأولى:
يشترط فيما يصاغ منه فعلا التعجب أن يكون ثلاثياً، فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج. إلا ما كان على وزن (أَفْعَلَ) فقيل: يجوز مطلقاً، وقيل: يمتنع مطلقاً، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل، نحو: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان! وشذّ على هذين القولين: ما أعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف!، وعلى الثلاثة: ما أتقاه، وما أملأ القربة! لأنها من اتقى وامتلأت [171] .
قال خطّاب [172] : "قد يتعجبون من لفظ الرباعي على غير قياسٍ في قولهم: ما أعطاه، وما أولاه، وما آتاه للمعروف! ولكنها شاذة، والشاذ يحفظ حفظاً ولا يقاس عليه. وقد شرحناها في كتاب الدلائل وفي كتاب الترجمة [173] .
المسألة الثانية:
يشترط فيما يبنى منه فعلا التعجب ألاّ يكون مبنياً للمفعول، فلا يبنيان من نحو ضُرِب، لا يقال: ما أضربَ زيداً! وأنت تتعجب من الضرب الذي حلّ به. وبعض النحاة يستثني ما كان ملازماً لصيغة (فُعِلَ) نحو: عُنيت بحاجتك، وزُهي علينا. فيجيز: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا! [174] .
وقال ابن مالك في التسهيل: "وقد يبنيان من فعل المفعول إن أُمن اللبس".
قال ابن عقيل في شرح التسهيل [175] : "قالوا: ما أشغله! من شُغِل، وما أجنَّه! من جُنَّ، في ألفاظ. وهو في التفضيل أكثر من التعجب، كأزهى من ديك، وأشهر من غيره، وأشغل من ذات النحيين. واختار المصنف (يعني ابن مالك) أن نحو هذا وهو ما لا يلبس لا يقتصر فيه على السّماع، وهو مذهب خطّاب المارديّ. والمصحح أنه لا يجوز إلا حيث سمع، وهو قول الجمهور.
فابن مالك إذًا اتبع خطّاباً في إجازة هذه المسألة بشرط أمن اللبسِ. قال خطّاب في الترشيح [176] : "فإن قلت: ضُربَ زيدٌ - لم يجز أن تقول فيه: ما أَضرب زيدًا! لأنه كان يلتبس بالفاعل، ولكن تقول: ما أَشدَّ ما ضُربَ زيدٌ! ولو قلت: ما أخوف زيداً! على أنه هو المخوف، وما أحمى زيداً! على أنه هو المحمي لم يجز ذلك لالتباسه بالفاعل، إلاّ أن يأتي من ذلك ما ليس فيه التباس. وقد ردّ على الرمادي قوله:
من الخوف والأحراس في حبس ضيغمِ
ولا شبل أحمى من غزال كأنه
ولا عيب فيه عندي لقلة التباسه. وقد جاء مثله لكعب بن زهير في مدحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:
وقيل إنك مسلوبٌ ومقتولُ
فلهو أخوف عندي إذ أكلّمه
في بطن عثَّر غيلٌ درنه غيلُ
من ضيغمٍ من ضراء الأسد مخدرُه
قال أبو حيان [177] : "وتبع ابن مالك خطابّاً، فقال: "وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس، نحو: ما أجنّه، وما أبخته، وما أشغفه! وهو في أفعل التفضيل أكثر منه في التعجب، كأزهى من ديك، وأشغل من ذات النحيين، وأشهر من غيره، وأعذر، وألوم، وأعرف وأنكر، وأخوف، وأرجى - من شُهر، وعُذر، وليم، وعُرف، ونُكر، وخيف، ورُجي، وإذا لم يلبس فلا يقتصر فيه على السماع، بل يحكم باطراده في فعل التعجب وأفعل التفضيل". انتهى.
المسألة الثانية:
أجاز ابن مالك [178] أن يبنى فعلا التعجب من الأفعال التي يدل على فاعلها بوزن (أفعل) مما يفهم جهلاً، نحو: ما أحمقه، وما أهوجه، وما أرعنه، وما أنوكه! حملا على ما أجهله! لتقاربهما في المعنى". وقال في التسهيل:"ومن فِعْل (أَفَعْلَ) مُفْهِمَ عُسرٍ أو جَهْل".
قال ابن عقيل في شرحه [179] : "كحمق ورعن ولُدّ إذا كان عسر الخصومة، وإن كان مذكرها على أفعل ومؤنثها على فعلاء، ناسبت في المعنى جَهِل وعسر، فجرت في التعجب مجراهما، فقيل: ما أحمقه وألدّه! وهو أحمق منه وأرعنُ وألدّ. وأكثر المغاربة عدّوا هذا في الشواذ. وما ذكره المصنف ذكره خطّاب المارديّ. وقال بعض المغاربة: إنه يظهر من كلامِ سيبويه".
وقال خطّاب في الترشيح [180] : "وأما قوله: ما أحمقه، وما أرعنه، وما أنوكه، وما ألدَّه! من الخصم الألدّ، فإنما جاز فيه هذا والاسم منه (أفعل) وهو في معنى العاهات والأدواء، لأنهم أخرجوه عن معنى العلم ونقصان الفطنة، وليس بلون، ولا خلقة في الجسد، وإنما هو كقولك: ما أنظره! تريد نظر الفكرة، وما ألسنه! تريد البيان والفصاحة.
المسألة الرابعة:
يجوز التعجب من كل فعل ثلاثي تنقله إلى (فَعُلَ) مضموم العين، فيصير غير متعّدٍ أيضاً، نحو: ضَرُبَ زيدٌ، في معنى ما أضربه. ولا يلزم فاعله أن يكون معرّفاً بالألف واللام. وإذا بنيته من فعل معتلِّ اللام من ذوات الياء قلبت الياء واواً لانضمام ما قبلها كرَمُو الرجل، في معنى ما أرماه! ومن كلام العرب: لسَرُوَ الرجل، في معنى: ما أسراه! [181] .
وقد جعل ابن هشام هذه المسألة في باب نعم وبئس، تبعاً لابن مالك، فقال [182] :"وكل فعل ثلاثي صالح للتعجب منه فإنه يجوز استعماله على (فَعُلَ) بضم العين- إما بالأصالة كـ "ظرف وشرف"أو بالتحويل كـ "ضَرُب وفَهُم"ثم يُجرى حينئذٍ مجرى نِعْم وبئس في إفادة المدح والذمّ، وفي حكم الفاعل وحكم المخصوص، تقول: فَهُمَ الرجلُ زيدٌ
…
".
وهذا الذي ذكره ابن هشام من حكم هذا الفعل مع فاعله هو مذهب الفارسي وأكثر النحويين، فيلحق بباب "نعم وبئس"ويثبت له جميع أحكامه. وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه يجوز إلحاقه بباب التعجب، فلا يلزم فاعله (أل) والإضمار. قال الشيخ خالد:"وهو الصحيح". وعلى هذا يجوز لك في فاعل (فَعُل) المذكور أن تأتي به اسماً ظاهراً مجرداً من أل، وأن تجره بالباء الزائدة تشبيهاً بفاعل أفعَل في التعجب. نحو: فَهُمَ زيد [183] .
قال أبو حيان [184] : "وحكى الأخفش الاستعمالين له في الكبير عن العرب، تقول: حَسُنَ الرجل، ولَحَسُنَ زيدٌ - في معنى ما أحسنه! ".
ويبدو أن خطّاباً في هذه المسألة تبع الفارسي ورأياً للأخفش، في إجراء هذا الفعل مجرى نعم وبئس- قال [185] :"لَفَعُلَ الرجل"هذا البناء يضمُ فيه عين كل فعل، وهو بمنزلة "نعم وبئسِ "لا يقع إلا على ما فيه الألف واللام خاصة، ولا يكون إلا من ثلاثي، تقول مِنْ كتَب وفهِم وحَسُن: لَكَتُبَ الرجلُ زيدٌ - ولَفَهُمَ، ولَحسُنَ- بضم العين للتعجب. والرجل: رفع بفعله، وزيدٌ: مبتدأ، وخبره فيما قبله. وإن شئت كان خبر مبتدأ مضمر، كما تقدم في نعم وبئس. واللام لام قسم، وإن شئت حذفتها، فقلت: كَرُمَ الرجلُ، وشَرُفَ الغلامُ- بمعنى ما أكرمه وأشرفه!، لا يقع هذا الفعل في التعجب إلا على ما فيه الألف واللام خاصة في قول الأخفش ومن وافقه وقد رأيت في كتاب المقتضب [186] لأبي العباس (المبرد) أنه يجيز: كَرُمَ زيدٌ، وشرُفَ عمرو- وهو يريد التعجب، ولا أدري ما قوله.
ثم يفصِّل خطّاب في أحكام هذا الفعل، وطريقة استعماله من الأجوف والناقص، ومن ذلك قوله [187] : "فإن كان موضع لامه واواً تركتها على حالها واواً، أو ياء قلبتها واواً لانضمام ما قبلها، تقول من دعا وهجا وغزا: لَدَعُو الرجّلُ، وهَجُوَ، وغَزُوَ بضم العين. وتقول من رمى وقضى: لَرَمُوَ الرجل ولَقَضُوَ، فتقلب الياء واواً لانضمام ما قبلها
…
".
المسألة الخامسة:
ذكر خطّاب أنهم استغنوا بقولهم: (أفْعَلُ الفِعْل فِعْلُه) للتعجب من الرباعي أو الألوان والعاهات، مما فقد شروط بناء باب (فعُلَ) في التعجب.
قال في الترشيح [188] : "فإن تعجبت من الرباعي فصاعداً أو الألوان والعاهات، فإنهم عدلوا فيه عن الأصل في هذا البناء، واستغنوا عنه بقولهم: أفْعَلُ الفعلِ فِعْلُه. تقول: أشدُّ الحمرةِ حمرتُه، وأسرعُ الانطلاقِ انطلاقهُ، وأفحشُ الصّمم صممُه. فالاسم الأول: مبتدأ، والثاني مضاف إليه، وما بعد المضاف إليه خبر الابتداء. وكان القياس أن يقولوا: لَفَحُشَ الصّممُ صَممُه، ولَشدَّت الحمرةُ حمرتُه. فيرفعونه من حيث رفعوا: لكَرُمَ الرجلُ زيدٌ، ولكنهم استغنوا عنه بما ذكرت لك.
(13)
أسماء الأصوات
قال خطّاب في الترشيح [189] : "تقول للشيء إذا رضيته بَخْ بَخْ ساكن الثاني لأنه معرفة. وبَخٍ بَخٍ منون مكسور لالتقاء الساكنين، وكذلك ما أشبهه من الأصوات الثنائية".
وقال أيضاً [190] : فإن كان الصوت المحكي ثلاثياً ساكن الوسط كسرت آخره لالتقاء الساكنين، ولم تنونه إن أردت المعرفة، وإن نكرت نونت، تقول: قال الغرابُ غاقِ، وقال الحجرُ طاقِ، وقال الغزالُ ماءِ. تريد المعرفة، ومعناه قال هذا الصوت بعينه. وإن نكرت نونت فقلتَ: غاقٍ وطاقٍ وماءٍ. والمعنى قال صوتاً يشبه هذا. انتهى.
(14)
من أسماء الأفعال
من أسماء الأفعال "حيَّ "بمعنى أقبل.
قال الرّضي [191] : "يعدَّى بعلى نحو: حيَّ على الصلاة، أي أقبل عليها. وعن أبي الخطاب أن بعض العرب يقول: حيَّهل الصلاة) ومعناه ائتوا الصلاة (، وقد جاء متعديا بمعنى ائت، قال:
حيَّ الحمُولَ فإن الركب قد ذهبا
أنشأتُ أسأله ما بالُ رفقتِه
قال البغدادي [192] : "وهو شاهد على أن حيَّ جاء متعدياً بمعنى ائت الحمول، جمع حِمْل بالكسر. وهذه رواية الجوهري في الصحاح [193] . وكذا رواه خطّاب بن يوسف في كتاب الترشيح، وقال: أخذ يسأل غلامه: ما بال الرفقة؟ وأين أخذت؟ ثم قال له: حيَّ الحمُول يا غلام، أي ائتها وحثَّها". انتهى. نقله عنه أبو حيان في التذكرة.
أقول: ولم أجد هذا النقل في الجزء المطبوع من التذكرة لأبي حيان، فلعله ذكره في الأجزاء المنقودة من التذكرة.
(15)
تصويبات لغوية
ذكر خطّاب أنه لا يجوز حذف (لا) من (ولا سيّما) . قال [194] : وقد أولعت به العامة، ولا يوجد ذلك لا شعر فصيح البتة، وإنما يقول به المحدثون من الكتاب والشعراء، وهو لحن.
وقد ذهب أبو حيان مذهب خطّاب فقال [195] : "حذف (لا) من (لا سيما) . إنما يوجد في كلام الأدباء المولّدين، لا في كلام من يحتج بكلامه.
وفي الترشيح [196]"تقوله: لا آتيك ما أنَّ في السماء نجماً، أي ما دام أن في السماء نجماً، أو ما كان أنّ، لأن هذا من مواضع الفعل، لأن (ما) تكون مع الفعل مصدراً، ولا يكون الاسم صلة لـ"ما". ومن قال من أصحابنا إنّ (أنّ) فعل ماض من الأنين فقد غلط، لأن النجم لا يئن. ويجوز عندي أن يكون الأصل: ما عَنَّ في السماء نجمٌ، أي ما عرض وأبدل من العين همزة، لأن الهمزة والعين يبدل بعضها من بعض". انتهى.
رأي في التضمين
تعرّض لموضوع التضمين عدد من العلماء القدامى، كما بحث فيه بعض المتأخرين وقد سجل الدكتور عباس حسن في كتابه "النحو الوافي"[197] بعض البحوث المقدمة إلى المجمع اللغوي القاهري حول "التضمين"، ثم كان قرار المجمع على النحو التالي [198] :
"التضمين أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو ما في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم"، ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة:
الأول: تحقيق المناسبة بين الفعلين.
الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس.
الثالث: ملاءمة التضمين للذوق العربي.
ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي.
وقد كان لخطّاب المارديّ رأي في التضمين يتعلق بباب ظن وأخواتها، نقله السيوطي في موضوع "التضمين"من الأشباه والنظائر، جاء فيه [199] :
وقال ابن هشام في تذكرته: "زعم قوم من المتأخرين منهم خطّاب المارديّ، أنه يجوز تضمين الفعل المتعدي لواحد معنى صيّر، ويكون من باب ظن، فأجاز: حفرت وسط الدار بئراً، أي صيّرت، قال خطاب: "وليس (بئرا) تمييزا إذ لا يصلح لـ (من)، وكذا أجاز: بنيت الدارَ مسجداً، وقطعت الثوبَ قميصاً، وقطعت الجلد نعلاً، وصبغت الثوب أبيض، وجعل من ذلك قول أبي الطيب:
لوني كما صبغ اللجينُ العسجدا
فمضت وقد صبغ الحياءُ بياضها
لأن المعنى: صيّر الحياء بياضها لوني، أي مثل لوني.
وقال ابن هشام: "والحق أن التضمين لا ينقاس".
وقال أبو حيان [200] : "والصحيح أن هذا كله من باب التضمين الذي يحفظ ولا يقاس عليه".
مصادر البحث
1-
ارتشاف الصرب: أبو حيان الأندلسي، تحقيق د. مصطفى النماس، الطبعة الأولى.
2-
إشارة التعيين: عبد الباقي اليماني، تحقيق د. عبد المجيد دياب، الطبعة الأولى، 1406هـ-1986م.
3-
الأشباه والنظائر: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم - مؤسسة الرسالة.
4-
إصلاح المنطق: ابن السكيت، تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر الطبعة الثالثة 1970م.
5-
الأعلام: الزركلي دار العلم للملايين.
6-
الاقتراح: للسيوطي، تحقيق د. أحمد قاسم، 1976م.
7-
إنباه الرواة: القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى.
8-
أوضح المسالك: ابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة، بيروت.
9-
إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون: إسماعيل باشا البغدادي.
10-
ابن الباذش النحوي: د. دردير أبو السعود، الطبعة الأولى 1403هـ -1983م.
11-
بغية الملتمس: الضبي "دار الكتاب العربي 1967م.
12-
بغية الوعاة: السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي.
13-
البلغة في تاريخ أئمة اللغة: الفيروزآبادي، تحقيق محمد المصري دمشق 1392- 1972م.
14-
التاريخ الأندلسي: د. عبد الرحمن الحجي، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية.
15-
التبيان في إعراب القرآن: العكبري، تحقيق علي البجاوي، مطبعة عيسى الحلبي 1976م.
16-
تذكرة النحاة: أبو حيان الأندلسي، تحقيق د. عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1406هـ - 1986م.
17-
التصريح على التوضيح: الشيخ خالد الأزهري، دار إحياء العربية.
18-
التكملة لكتاب الصلة: ابن الأبّار، نشره عزت العطار الحسيني، مطبعة السعادة بمصر 1375هـ - 1955م.
19-
توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: ابن أم قاسم المرادي، تحقيق د. عبد الرحمن سليمان، الطبعة الثانية، مكتبة الكليات الأزهرية.
20-
جذوة المقتبس: الحميدي، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966م.
- الجمل: الزجاجي، تحقيق د. علي الحمد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.
21-
الجنى الداني في حروف المعاني: المرادي، تحقيق طه محسن، بغداد 1396 هـ- 1976 م.
23-
حاشية يس الحمصي على التصريح.
24-
خزانة الأدب: البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي.
25-
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: السمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى.
26-
دول الطوائف: محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثانية 1389 هـ-1969م.
27-
سير أعلام النبلاء: الذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1405 هـ- 1984 م.
28-
شرح أبيات مغني اللبيب: البغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وزميله، دار المأمون للتراث، دمشق.
29-
شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، ومعه حاشية الصبان - دار إحياء الكتب العربية.
30-
شرح الكافية: الرضي.
31-
شرح الكافية الشافية: ابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، منشورات جامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1402 هـ- 1982م.
32-
شرح المفصل: ابن يعيش، إدارة الطباعة المنيرية.
33-
شفاء العليل في إيضاح التسهيل: السلسيلي، تحقيق د. الشريف عبد الله البركاتي الطبعة الأولى 1406 هـ- 1986م.
34-
الصحاح: الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.
35-
الصلة: ابن بشكوال، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966م.
36-
ضياء السالك إلى أوضح المسالك: محمد عبد العزيز النجار، الطبعة الأولى 1389 هـ-1969م.
37-
طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى 1373 هـ- 1954م.
38-
ابن الطراوة النحوي: د. عياد الثبيتي، مطبوعات نادي الطائف الأدبي 1403هـ-1983م.
39-
أبو الحسين بن الطراوة: د. محمد البنا، دار الاعتصام، القاهرة 1405هـ- 1980م.
40-
فهرسة ما رواه عن شيوخه: ابن خير الإشبيلي - الطبعة الثانية 1382 هـ- 1962م.
41-
كشف الظنون: حاجي خليفة.
42-
المحتسب: ابن جني، تحقيق علي النجدي ناصف وزميليه، الطبعة الثانية.
43-
المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات، منشورات جامعة أم القرى.
44-
معجم البلدان: ياقوت الحموي، دار صادر - بيروت.
45-
معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة- بيروت.
46-
مغنى اللبيب: ابن هشام الأنصاري، تحقيق د. مازن المبارك وزميله، دمشق - الطبعة الأولى 1384هـ- 1964 م.
47-
المقتضب: المبرد، تحقيق د. محمد عبد الخالق عضيمة - القاهرة.
48-
منجد الطالبين: أحمد عمارة، الطبعة الرابعة 1408 هـ.
49-
النحو الوافي: عباس حسن، دار المعارف بمصر، الطبعة الخامسة.
50-
نفح الطيب: المقري، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر - ببيروت 1388هـ- 1968م.
51-
هدية العارفين: إسماعيل باشا البغدادي، منشورات مكتبة المثنى.
52-
همع الهوامع: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم، دار البحوث العلمية، الكويت - الطبعة الأولى.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
دول الطوائف. محمد عبد الله عنان ص 3 (المقدمة) ، التاريخ الأندلسي للحجي 354.
[2]
التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار 1/ 291.
[3]
دول الطوائف ص 80.
[4]
دول الطوائف باختصار 80-87 باختصار.
[5]
سير أعلام النبلاء للذهبي 18/514، دول الطوائف 87. الأعلام للزركلي 6/228.
[6]
انظر في ترجمته: التكملة كتاب الصلة لابن الأبار 1/291، إشارة التعيين لعبد الباقي اليماني 112، البلغة للفيروز آبادي 77، بغية الوعاة للسيوطي 1/553، معجم المؤلفين 4/103، كشف الظنون 1/507، هدية العارفين 1/347، إيضاح المكنون 1/281.
[7]
هدية العارفين 1/347.
[8]
الصلة لابن بشكوال / القسم الثاني 510، نفح الطيب 2/61.
[9]
كشف الظنون 1/507، هدية العارفين 1/347.
[10]
تذكرة النحاة 278.
[11]
معجم البلدان 5/38-39، باختصار.
[12]
دول الطوائف 80.
[13]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 319، 480، 484، 509، 524، 527.
[14]
إشارة التعيين 112، البلغة 77.
[15]
توضيح المقاصد والمسالك شرح ألفية ابن مالك للمرادي 1/345.
[16]
التصريح 2/336.
[17]
التصريح 1/223.
[18]
التصريح 2/289.
[19]
ضياء السالك للنجار 1/290.
[20]
إيضاح المكنون 1/281، هدية العارفين 1/347.
[21]
إرتشاف الضرب تحقيق: د. النماس / قسم الفهارس 3/658.
[22]
إرتشاف الضرب 3/684.
[23]
انظر الارتشاف 1/286، 1/442، 2/144، 2/197، 3/27،29 ومواضع أخرى.
[24]
الأشباه والنظائر للسيوطي: تحقيق: د. عبد العال سالم 1/247.
[25]
شرح أبيات مغني اللبيب تحقيق: أحمد دقاق وزميله 5/216.
[26]
التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112.
[27]
التكملة لكتاب الصلة 1/291.
[28]
الصلة لابن بشكوال / القسم الثاني 510. نفح الطيب للمقري 2/60-61.
[29]
التكملة لكتاب الصلة 1/291.
[30]
بغية الوعاة 1/553.
[31]
التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112، البلغة 77، بغية الوعاة 1/553.
[32]
الأعلام 6/228، التاريخ الأندلسي 333.
[33]
دول الطوائف 87.
[34]
فهرسة ما رواه عن شيوخه / ابن خير ص 319.
[35]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 319،369.
[36]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 319،473.
[37]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 480، 319، التذكرة لأبي حيان 292.
[38]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 483،319.
[39]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 490،319، التذكرة لأبي حيان 292.
[40]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 319.
[41]
فهرسة ما رواه عن شيوخه 509، 319.
[42]
فهرسة ما رواه عن شيوخه. 524، 319.
[43]
فهرسة ما رواه عن شيوخه. 527،319.
[44]
فهرسة ما رواه عن شيوخه494، التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112، البلغة 77، بغية الوعاة 1/553.
[45]
التكملة لكتاب الصلة 1/291، إشارة التعيين 112، البلغة 77.
[46]
بغية الوعاة 1/553.
[47]
إشارة التعيين 112، البلغة 77.
[48]
تذكرة النحاة 278.
[49]
تذكرة النحاة 303.
[50]
خزانة الأدب 6/251، شرح أبيات مغني اللبيب 5/216.
[51]
فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير 319،484.
[52]
كشف الظنون 1/507.
[53]
التصريح على التوضيح 1/223.
[54]
أوضح المسالك 1/346.
[55]
التصريح 1/223، 1/266، 2/336.
[56]
حاشية يس على التصريح 2/104.
[57]
شرح الأشموني وحاشية الصبان 1/281.
[58]
الأشباه والنظائر 1/96.
[59]
خزانة الأدب 6/251.
[60]
شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي 5/119، 216، 217.
[61]
همع الهوامع 1/141.
[62]
همع الهوامع 2/174.
[63]
همع الهوامع 5/44.
[64]
انظر عنه الذيل والتكملة 4/79، إنباه الرواة 4/113، إشارة التعيين 135. ابن الطراوة النحوي للدكتور عياد الثبيتي.
[65]
الذيل والتكملة 4/80.
[66]
ابن الطراوة النحوي 104.
[67]
المصدر السابق نفسه.
[68]
أبو الحسين بن الطراوة /د. محمد إبراهيم البنا ص50.
[69]
ابن الطراوة النحوي /د. عياد الثبيتي ص105.
[70]
شرح أبيات مغني اللبيب 5/119.
[71]
شرح أبيات مغني اللبيب 5/216.
[72]
خزانة الأدب بتحقيق هارون 6/251.
[73]
خزانة الأدب 13/30.
[74]
ارتشاف الضرب 2/197، 297، 3/27.
[75]
ارتشاف الضرب 1/128، 405، 512، 521 الحواشي.
[76]
ارتشاف الضرب 1/286، 381، 2/118 الحواشي.
[77]
ارتشاف الضرب 1/253، 544، 2/191.
[78]
ارتشاف الضرب قسم الفهارس 3/684.
[79]
بغية الوعاة 2/44-45، وانظر طبقات النحويين واللغويين للزبيدي 323، بغية الملتمس للضبي 344، جذوة المقتبس للحميدي 262، التكملة لكتاب الصلة 2/778، معجم المؤلفين 6/61.
[80]
إشارة التعيين 299، البلغة 211.
[81]
الارتشاف 3/20، همع الهوامع 5/33.
[82]
ارتشاف الضرب 1/266.
[83]
تذكرة النحاة ص 298.
[84]
تذكرة النحاة 291، ارتشاف الضرب 2/192.
[85]
تذكرة النحاة 296-297.
[86]
سورة آل عمران آية 135.
[87]
سورة الأنبياء آية 22.
[88]
ارتشاف الضرب 1/405.
[89]
سورة الأعراف آية 155.
[90]
سورة النور آية 14.
[91]
ارتشاف الضرب 2/577.
[92]
التكملة لكتاب الصلة 1/291.
[93]
بغية الوعاة 1/553.
[94]
إرتشاف الضرب 3/30.
[95]
تذكرة النحاة 288.
[96]
تذكرة النحاة 291.
[97]
تذكرة النحاة 287.
[98]
تذكرة النحاة 285.
[99]
تذكرة النحاة 284.
[100]
إرتشاف الضرب 2/625-626.
[101]
الاقتراح 49.
[102]
سورة طه آية 77.
[103]
إرتشاف الضرب1/423.
[104]
التبيان 899.
[105]
سورة الحج آية 15.
[106]
الارتشاف 2/541، التذكرة 288.
[107]
همع الهوامع 4/308.
[108]
سورة الأنعام آية 137.
[109]
التذكرة 290.
[110]
المحتسب 1/229، انظر التبيان للعكبري 1/541.
[111]
سورة الأنفال آية 35.
[112]
تذكرة النحاة 287.
[113]
الدر المصون 5/602.
[114]
المحتسب 1/279.
[115]
الاقتراح 94.
[116]
ارتشاف الضرب 1/440.
[117]
ارتشاف الضرب 2/132.
[118]
ارتشاف الضرب 2/197-198.
[119]
التصريح على التوضيح 1/295.
[120]
إرتشاف الضرب 1/273.
[121]
تذكرة النحاة 281.
[122]
إرتشاف الضرب 1/544، شرح أبيات مغني اللبيب 5/217.
[123]
إرتشاف الضرب 2/257.
[124]
إرتشاف الضرب 3/43، تذكرة النحاة 292.
[125]
أوضح المسالك 4/288.
[126]
التصريح 2/289.
[127]
خزانة الأدب 6/251، شرح أبيات مغني اللبيب 5/216.
[128]
أوضح المسالك 4/374، ارتشاف الضرب 1/128، منجد الطالبين للشيخ عمارة 34.
[129]
ارتشاف الضرب 1/128.
[130]
المستأسد: ما طال من النبت وقوي، القربان: مجاري الماء، حوّ: خضر.
[131]
هو يعقوب بن السكيت المتوفي سنة 246 هـ، صاحب إصلاح المنطق.
[132]
إصلاح المنطق لابن السكيت 371.
[133]
الصحاح (مادة سيل) .
[134]
ارتشاف الضرب 1/253، همع الهوامع 1/141.
[135]
ارتشاف الضرب 1/286، شرح المفصل لابن يعيش 6/2، التصريح 2/334.
[136]
ارتشاف الضرب 1/286.
[137]
أوضح المسالك 4/338.
[138]
التصريح 1/336.
[139]
توضيح المقاصد والمسالك 4/125.
[140]
الكتاب 3/201.
[141]
ارتشاف الضرب 1/430-431.
[142]
أوضح المسالك 1/344 وما بعدها.
[143]
سورة إبراهيم آية 39.
[144]
سورة النمل آية 74.
[145]
سورة آل عمران آية 23.
[146]
التصريح 1/223، توضيح المقاصد للمرادي 1/345، الجنى الداني 163، مغني اللبيب 252، شرح الأشموني مع الصبان 1/281.
[147]
همع الهوامع 2/174.
[148]
تذكرة النحاة 280.
[149]
سورة التين آية 4.
[150]
همع الهوامع 3/291.
[151]
تذكرة النحاة 298، ارتشاف الضرب 2/328.
[152]
تذكرة النحاة 296.
[153]
أوضح المسالك 4/37.
[154]
سورة الزمر آية 16.
[155]
سورة الزخرف آية 68.
[156]
سورة الزمر آية 53.
[157]
سورة الزمر آية 56.
[158]
سورة يوسف آية 33.
[159]
ارتشاف الضرب 2/539.
[160]
قال الزجاجي في كتابه الجمل 160: "ومن العرب من يقول: يا غلامُ أقبل".
[161]
ارتشاف الضرب 2/538-539.
[162]
ارتشاف الضرب 2/624. وانظر هذه المسألة في كتاب ابن الباذش النحوي للدكتور دردير ص 98 وما بعدها.
[163]
شرح الأشموني 2/55.
[164]
تذكرة النحاة 285-286، ارتشاف الضرب 3/17.
[165]
أوضح المسالك 3/284-285.
[166]
ارتشاف الضرب 3/29.
[167]
تذكرة النحاة 285.
[168]
المساعد على تسهيل الفوائد 2/142.
[169]
تذكرة النحاة 285، ارتشاف الضرب 3/30.
[170]
أوضح المسالك 3/265، وما بعدها. شرح الأشموني 3/22.
[171]
أوضح المسالك 3/266، شرح الأشموني 3/21.
[172]
تذكرة النحاة 292، ارتشاف الضرب 3//43.
[173]
كتاب الدلائل وكتاب الترجمة سبق ذكرهما في مصنفات خطاب.
[174]
أوضح المسالك 3/267.
[175]
المساعد 2/162 ،163. انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك 1087.
[176]
تذكرة النحاة 293.
[177]
ارتشاف الضرب 3/45، انظر: شفاء العليل للسلسيلي 606، همع الهوامع 6/42.
[178]
شرح الكافية الشافية 1088.
[179]
المساعد 2/163، انظر ك شفاء 606.
[180]
تذكرة النحاة 292.
[181]
شرح جمل الزجاج لابن عصفور 1/589.
[182]
أوضح المسالك 3/280.
[183]
التصريح 2/98.
[184]
ارتشاف الضرب 3/27.
[185]
تذكرة النحاة 292. ارتشاف الضرب 3/28.
[186]
المقتضب للمبرد 2/149.
[187]
تذكرة النحاة 293.
[188]
تذكرة النحاة 293، ارتشاف الضرب 3/27، همع الهوامع 5/44.
[189]
ارتشاف الضرب 3/300.
[190]
ارتشاف الضرب 3/218.
[191]
شرح الكافية للرضي 2/72.
[192]
خزانة الأدب 6/251.
[193]
الصحاح (هلل) 1854 وقائل البيت ابن أحمر.
[194]
تذكرة النحاة 298.
[195]
ارتشاف الضرب 3/330.
[196]
ارتشاف الضرب 1/521.
[197]
النحو الوافي 2/564.
[198]
النحو الوافي 2/594.
[199]
الأشباه والنظائر للسيوطي 1/247، وانظر ك ارتشاف الضرب 3/62، همع الهوامع 2/220.
[200]
همع الهوامع 2/221.
التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين
د/ سليمان بن إبراهيم العايد
الأستاذ المشارك ورئيس قسم الدراسات العليا العربية
في جامعة أم القرى
بسم الله الرحمن الرحيم
عُنيَ أهل العربية بهذا الموضوع: فلم يخلوا مصنفاً من مصنفاتهم من إشارة إليه في أثناء حديثهم عن شروط فعلي أو صيغتي التعجب، بل قامت المناظرات العلمية من أجله، كالمناظرة التي أوردها علم الدين السخاوي (643) في كتابه "سفر السعادة"في صحيفة 580 وما بعدها. وأورد طرفاً منها أبو حيان (745) في "التذكرة"في صحيفة 599. وقد دارت بين أبي جعفر النحاس (338) وأبي العباس بن ولاّد (332) وهي مناظرة لا تخلو من مغالطة، وإلزام بما لا يلزم من قبل ابن ولاّد.
وهم حين يتحدثون عن التعجب من فعل المفعول، لا يقصدون التعجب بالواسطة، وإنما يقصدون التعجب مباشرةً، أما التعجب بواسطة (ما أشد) و (أشدد) ، والإتيان بالمصدر، فلا يمنعون من ذلك اتفاقاً إذا كان المصدر مؤولاً من (ما) والفعل، لأنه لا يُوقعُ في لبسٍ، أو صريحا ولم يُلْبِس، جاء في تذكرة أبي حيان:"فإن قلت: ضُرِبَ زَيدٌ، لم يجز أن تقول فيه: ما أَضْرَبَ زَيداً!؛ لأنه كان يلتبس بالفاعل ولكن تقول: ما أشدَّ ما ضُرِبَ زَيْدٌ!، وما أَشَدَّ ضرْبَ زَيْدٍ! "[1] .
وقال ابن عقيل: "وإن لم يعدم الفعل إلا الصَّوغ للفاعل، جيء به صلة ل (ما) المصدرية، آخذةً ما للمتعجب منه بعد (ما أشدَّ) أو (أشدِد) ونحوهما، نحو: ما أكثر ما ضُرِبَ زَيدٌ!، وأَكثر بما ضُرِبَ زَيْدٌ! ، ولا يؤتى بالمصدر (يعني الصريح) للالباس، فإن لم يُلْبِس جاز، نحو: ما أكَثَرَ شُغْلَ زيدٍ!، وأكثِرْ به! "[2] .
والخلاف الذي يرد في هذا البحث، بل يدور حوله، يتناول التعجب المباشر دون ما كان بواسطة (ما أشَدَّ) أو (أشْدِدْ) مأتياً بعدهما بالمصدر المؤول، الذي يدفع اللبس، ويرفع الشك، لورود الفعل المبني للمفعول صريحاً فيه.
وأما التعجب المباشر بدون هذه الواسطة بصيغتي (ما أَفْعَلَ) و (أَفْعِلْ) ، فهو الذي اشترطوا لإمكانه مباشرة عدم البناء للمفعول؛ لأن التعجب في نظر الجمهور إنما يكون من فعل الفاعل، لأن التعجب إنما يكون مما كثر حتى صار كالغريزة له، والضربُ ونحوه إذا وقع بالمحل فليس من فعل المفعول، إنما هو للفاعل، فلا يصير فعل غيره غريزة له، لأن الغريزة ما كان خِلْقَةً في المحل كالسواد والبياض، فإذا تكرر الفعل من الفاعلِ جُعل كالغريزة [3] حتى بالغ بعضهم فقال:"إنما معنى التعجب أن أجعل الفاعل مفعولا"[4] .
والبحث سيفصل الخلاف، ويشرحه، ويبيّن أدلَّة كل فريق، ويؤصل منزعهم ومأخذهم. وبالله أستعين، فأقول:
التعجب أسلوبٌ من الأساليب الإنشائية، لا يُعْنَى به أهل البلاغة، لأنهم يقسمون أساليب الإنشاء إلى قسمين: إنشاء طلبي، وإنشاء غير طلبي، ويقصدون بغير الطلبي "مالا يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، ويكون بصيغ المدح والذم، وصيغ العقود، والقسم، والتعجب، والرجاء، ويكون ب (رُب) و (لعل) و (كم) الخبرية"[5] .
ولا يقصده البلاغيون بالنظر، ولا يخصُّونه بتبويب خاص، "لقلَّة المباحث البلاغية المتعلقة به، ولأن أكثر أنواعه في الأصل أخبار نُقِلت إلى معنى الإنشاء"[6] .
وأفعال التعجب كأفعال المدح والذم، مثل (نعم) و (بئس) لإنشاء المدح والذم والتعجب، وقيل: إنها أخبار تحتمل الصدق والكذب، ولهذا بُشِّر أعرابي ببنت، فقيل له: نِعْمَتِ المولودةُ، فقال:"والله ما هي بِنِعْمَتِ المولودةُ"[7] .
ويمر به الصرفيون مرّ الكرام عند ذكر معاني الصيغ، مثل معاني فَعُلَ، ومعاني أَفْعَلَ.
وُيعنى به النحويون، فيفردونه بالتبويب، ويبحثون في صيغه، وشروط صوغه، وإعراب تلك الصيغ، وأحكام تقديم معموله وتأخيره، وغير ذلك من أحكام، كما يذكرونه في الحديث عن (أفعل) التفضيل، ويحيلون على الشروط التي ذكرت في فعلي التعجب، لاتفاقهما فيها.
والتعجب: "استعظام فعل فاعل ظاهر المزيّة، بسبب زيادةٍ فيه خفي سببها بحيث لا يتعجب مما لا زيادة فيه، ولا مما ظهر سببه"[8] . ويُعرِّفه الرضي بأنه: "انفعال يعرض للنفس عند الشعور بأمر يخفى سببه، ولهذا قيل: "إذا ظهر السبب بطل التعجب" [9] فالتعجب إنما يكون مما ندر من الأحكام، ولم تعرف علَّته"[10] .
وحين يطلقون فعل التعجب فالمراد به عندهم صيغتا (ما أفعله) و (أفعِل به) ، إذ من المعلوم أن للتعجب صيغا غير هاتين، بعضها سماعي وبعضها قياسي.
فالسماعي مثل قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [11] وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "سبحان الله، إن المؤمن لا ينجُس". وقول العرب: "لله دَرُّه فارساً"، وقولهم:"يالك من ليل"، "وما أنت جاره"، "لله لا يُؤخر الأجل" [12] وفي تذكرة أبي حيّان:"وقد تجيء عن العرب ألفاظ مختلفة مضمنة معنى التعجب، ليست مما يدخل تحت صيغة تلزمها أحكامها، فمن ذلك قولهم: "ما أنت من رجل، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، وحسبك بزيد رجلاً، ومنها: ما جاء باللام وبالتاء في باب القسم، ومنها:(فعُل) في باب (نِعمٍ وبئسٍ) ، إذا دخلت عليه اللام، نحو: لكرم الرجل" [13] . وقد عد بعض النحاة (فَعُل) صيغة قياسيةً، فيكون - على هذا - للتعجب ثلاث صيغ، قال ابن عصفور: "وللتعجب ثلاثة ألفاظ: ما أفعله، وأفعِل به، وفعُل" [14] ، وقال الجوهري: "صور التعجب ثلاث: "ما أحسن زيداً وأسمع به، وكبرت كلمةً"[15] .
والنحاة يخصون باب التعجب للصيغتين: (ما أفعَله) و (أفعِل به) ، وأما (فعُل) فإنّ كل فعل ثلاثي استوفى شروط التعجب يجوز تحويله إلى (فعُل) ، ليلحق بالغرائز للمبالغة والتعجب، فيستعمل استعمال (نِعم) و (بئس)، نحو: فَهم الرَّجل زيدٌ، ويصح تجريد فاعله من (أل) نحو: فهُمَ زَيْد" [16] .
والشروط التي اشترطوها ثمانية:
1 -
أن يكون فعلاً، فلا يبنيان من "الجلف"و"الحِمار"، ولا يتعجب من "اللص"، فإن جاء ما يخالف فهو شاذ، نحو: ما أذرع المرأَة، أي ماَ أخف يدها في الغزل، ومثل: ما أقمنه، وما أجدره.
2 -
أن يكون فعله ثلاثياً [17] مجرداً، فلا يبنيان من غيره، كدحرج، وضارب واستخرج، واختلفوا في صياغته من (أفعَل)، وعلى هذا فقولهم:(ما أتقاه) شاذ لأنه من (اتَّقى) .
3 -
أن يكون متصرفاً تمام التصرف، فلا يبنيان من غيره، مثل (نعم) ، و (بئس) ، و (كاد) ، و (يدع) ، و (يذرُ) ، و (هبْ) .
4 -
أن يكون معناه قابلا للتفاضل أي: للزيادة والنقصان، فلا يبنيان من مثل:"فني"و"مات".
5 -
أن يكون الفعل تاماً، فلا يبنيان من نحو:"كان"، و"ظل"، و"بات"، و"كَاد"، لأن الناقص لا يدل على الحدث، والتفضيل إنما يقع فيه.
6 -
أن يكون مثبتاً، فلا يبنيان من منفي، سواء كان ملازما للنفي، نحو: ما نبس بكلمة، وما عاج بالدواء، أم غير ملازم، نحو: ما قام.
7 -
أن يكون الوصف منه مقيساً على (أفعل فعلاء) فلا يبنيان من (فَعِلِ) المكسور العين، الدال على الألوان، والعيوب الظاهرة، والحِلىَ، مثل: عَرِجَ، وشَهِلَ، وخَضِر الزرْع.
8 -
أن يكون مبنياً للمعلوم، فلا يبنيان من نحو: ضُرِبَ، وهذا الشرط هو موضوع هذا البحث، وبالتفصيل فيه، وخلاف أهل العربية في التعجب منه آتٍ، إن شاء الله.
ويقرر أهل العربية أن الفعل إذا فقد تمام التصرف، والتفاوت فلا يتعجب منه البته، ويتوصل إلى التعجب مما سواهما ب (أَشَدّ) أو ب (أَشْدِدْ) ونحوهما، ويؤتى بعدهما بالمصدر منصوباً أو مجروراً، إلا أن المصدر قد يكون صريحاً مما زاد على ثلاثة ومما وصفه المنقاس على (أفْعَلَ فَعْلَاء) ويكون مؤولا عن المنفي والمبني للمفعول، وأما الناقص فمن قال: له مصدر، فيأتي به صريحاً، ومن قال: لا مصدر له، أتى به مؤوَلاً.
وأما ما لا فعل له، فقيل: لا يتعجب منه، وقيل: يتعجب منه، ويؤتى بعد (ما أشدَّ) أو (أشدد) بمصدره الصناعي، نحو: ما أشدَّ حماريته.
ونحن في بحثنا هذا، لم نورد ما أوردناه - وهو واضح - إلا من باب تقرير الواضح، لما سيبني عليه فيما بعد من أحكام، وأما فعل المفعول فأوّل ما يقال فيه تعيين المراد منه.
لا نقصد بفعل المفعول: الفعل الذي لم يسم فاعله، أو الفعل المبني للمجهول، بل لا نفرق بين "ضُرِبَ عَمروٌ"و"ضَرَبَ زيدٌ عمراً"لأن التعجب - كما يقول الجمهور - لا يكون إلا من الفاعل لا من المفعول، وقد استدرك الرازي على الجوهري، فقال:"تعليله يوهم أنه إذا سُمّي فاعله يجوز، وليس كذلك، فإنك لو قلت: ضرب زيد عمراً، وقلت: "ما أضْرَبَ عمراً"لم يجز، لأن التعجب إنما يجوز من الفاعل لا من المفعول"[18] .
وقد ذهب أهل العربية في جواز التعجب من فعل المفعول بدون واسطة (أشدَّ) أو (أشْدِد) إلى أقوال:
1 -
المنع مطلقاً. وهو مذهب جمهور النحويين، ومنهم البصريون، وهو ظاهر كلام سيبويه.
2 -
الجواز مطلقاً، وهو المشهور عنِ الكوفيين، كما سيأتي.
3 -
الجواز إذا كان الفعل ملازما لصيغة (فُعِل) نحو: عُنِيتُ بحاجتك، وزُهِيَ علينا، فيجيز: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا [19] .
4 -
الجواز إذا أمن اللَّبْسُ، وهذا مذهب المحققين من النحاة، كخطّاب وابن مالك [20] .
وقد زعم عبد القاهر الجرجاني أنه لم ير للمانعين علة لمنعه أكثر من أنه يؤدي إلى اللبس [21] . ورجع المنع - في نظره - إلى علتين:
1-
اتفاقهم على أن التعجب أصله أن يدخل فيما هو غريزة.
2-
أن همزة فعل التعجب همزة تعدية.
والحق أن غير عبد القاهر قد سبقه إلى التنبيه إلى هاتين العلتين وكأني بعبد القاهر لم يطلع على كلامه.
فالذين منعوا أن يصاغ التعجب من الفعل الواقع على المفعول قالوا:
1 -
إنّ فعل التعجب وأفعل التفضيل إنما يصاغان من الفعل اللازم، ولهذا يقدّر نقله من (فَعَلَ) و (فَعِلَ) المفتوح العين ومكسورها إلى (فَعُل) المضموم العين [22] .
فالفعل في قولهم: (ما أفعله) ، يقع النقل منه عن فعل غير متعد يدل على ذلك مساواة الفعل المتعدي الفعل غير المتعدي فيه، وذلك في قولنا: ما أحسن زيداً!، وما أضرب عمراً! ، فحسن غير متعد، فإذا زيدت عليه الهمزة تعدى إلى مفعول واحد، كما أن سائر الأفعال غير المتعدية كذلك، نحو: قام زيدٌ وأقمته، فلو كان النقل عن الفعل المتعدي في هذا الباب، لوجب أن يتعدى الفعل المتعدي فيه إلى مفعول واحد إلى مفعولين، وفي امتناعه من ذلك دلالة على أن النقل وقع من فعل غير متعد" [23] .
قال ابن جني: "وكذلك نعتقد في الفعل المبني منه فعل التعجب أنه قد نقل عن (فَعَلَ) و (فَعِلَ) إلى (فَعُلَ) حتى صارت له صفة التمكن والتقدم، ثم بني منه الفعل، فقيل: (ما أفعله) ، نحو: ما أشعره، إنما هو من "شَعُرَ"، وقد حكاها أيضاً أبو زيد، وكذلك: ما أقتله وأكفره، وهو عندنا من "قَتُلَ "و"كَفُرَ"تقديرا، وإن لم يظهر في اللفظ استعمالا"[24] .