المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 116 فهرس المحتويات 1- المدبج ورواية الأقران: د. موفق بن عبد - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٤٥

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌العدد 116 فهرس المحتويات 1- المدبج ورواية الأقران: د. موفق بن عبد

‌العدد 116

فهرس المحتويات

1-

المدبج ورواية الأقران: د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر

2-

قاعدة في الصبر: لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق أ. د. محمد بن خليفة التميمي

3-

كتاب الكبائر: للحافظ أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي تحقيق د. محمد بن تركي التركي

4-

رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم : د. محمد طاهر حكيم

5-

المنصوب على نزع الخافض في القرآن: الدكتور إبراهيم بن سليمان البعبمي

6-

الأزد ومكانتهم في العربية

تابع (1)

الدكتور أحمد بن سعيد محمد قشاش

7-

التربية الإبداعية في منظور التربية الإسلامية: د / خالد بن حامد الحازمي

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 8

المدبج ورواية الأقران

إعداد

د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر

الأستاذ المشارك في كلية الدعوة في جامعة أم القرى

مقدمة

الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتَّقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتمِ المُرسلينَ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

أما بعد، فإنَّ مناهج رواية الحديث النَّبويّ الشَّريف قد لقيت عنايةً فائقةً مِنَ المُحَدِّثينَ قَلَّ أن نَجِدَ لها مثيلاً في بقيَّةِ العلومِ، ولَمَّا كان الإسنادُ هو الطَّريق إلى الحديثِ، فقد اهتمَّ به المُحدِّثون.

قال الحاكم النَّيسابوريُّ: لولا الإسنادُ، وطلب هذهِ الطَّائفة لهُ، وكثرة مواظبتهم على حفظهِ، لدرسَ منار الإسلامِ، ولتمكنَ أهلُ الإلحادِ والبِدَعِ فيهِ، بوضعِ الأحاديث، وقلب الأسانيدِ، فإنَّ الأخبارَ إذا تَعَرَّت عن وجودِ الأسانيدِ فيها كانت بتراء.

قال عبدُاللَّهِ بنُ المُبارك: الإسنادُ مِنَ الدِّينِ، ولولا الإسناد لَقَالَ مَن شاءَ ما شَاء.

هذا وقد ظهرت القاعدة المشهورة: إنَّ هذا العلم دينٌ، فانظروا عَمَّن تأخذونَ دينكم.

إنَّ العنايَةَ الفائقة بالأسانيد في الرِّوايةِ أضحت خَصيصة مِن خصائص هذهِ الأمَّة، حتَّى قال محمدُ بنُ حاتِم بنِ المُظَفَّرِ: إنَّ اللَّهَ أكرمَ الأمَّة وشَرَّفها وفَضَّلها بالإسنادِ، وليسَ لأحدٍ مِنَ الأُممِ كُلِّها قديمهم وحديثهم إسنادٌ، وإنَّما هي صُحفٌ في أيديهم.

وقال ابنُ أبي حاتمٍ الرَّازيُّ: لم يكن في أُمَّةٍ مِنَ الأُممِ منذ خلقَ اللَّهُ آدمَ أمناء يحفظونَ أثار الرُّسل إلَاّ في هذهِ الأُمَّةِ.

ص: 9

وقال ابنُ حزمٍ: نقلُ الثِّقَة، عن الثِّقةِ يبلغ به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم مع الاتصالِ، خصَّ به اللَّهُ المُسلمينَ دون سائر الملل، وأمَّا مع الإرسالِ والاتصال، والإعضال، فيوجد في كثيرٍ من اليهود، لكن لا يقربونَ فيه من موسى قريباً من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، بل يقفونَ بحيثُ يكون بينهم وبينَ موسى أكثر مِن ثلاثينَ عصراً، وإنَّما يبلغون إلى شمعونَ، ونحوه.

وأمَّا النَّصارى فليس عندهم مِن صفة هذا النَّقل إلَاّ تحريم الطَّلاق فقط، وأمَّا النَّقل بالطُّرقِ المشتملة على كذَّاب، أو مجهول العين فكثير في نقل اليهود والنَّصارى.

وأمَّا أقوال الصَّحابة والتَّابعينَ، فلا يمكن اليهود أن يبلغوا إلى صاحب نبيٍّ أصلاً، ولا إلى تابعٍ لهُ، ولا يمكن النَّصارى أن يصلوا إلى أعلى مِن شمعون وبولص.

إنَّ رواية المُحَدِّثين للأخبار لم تكن روايةً عشوائية، وإنَّما كانت تندرج تحت ضوابط وقوانينَ تتسم بالموضوعية، فقد وضعوا شروطاً لمعرفة مَن تُقبل روايتُهُ، وما يتعلَّق بهِ مِن جرحٍ وتعديل، كما سَنُّوا قواعدَ في معرفة كيفية سَماع الحديث وتحمُّلِهِ وصفةِ ضبطهِ.

ص: 10

ومن الوسائل التي اتَّبعها المُحَدِّثون في أنواع الرِّوايةِ، والتي تُعَدُّ من وسائل توثيقِ النُّصوصِ وضبطها، ابتكارهم لأنماطٍ مختلفة من أنماط الرِّواية، والتي تدلُّ على الدِّقَّةِ في التَّصنيف في بعض أنواعِ التَّحمُّلِ مثل: رواية الأكابرعن الأصاغِر، ورواية التَّابعين عن بعضهم، ومَن روى عن أبيهِ عن جدِّهِ، والرواة من الإخوة والأخوات، والمُدَبَّج، ورواية الأقرانِ، والأسانيد القائمةعلى أساس المدن، كالأسانيد الحِجازيَّة، أو المكيَّة، أو المَدنيَّة، أو البصريَّة، أو الكوفيَّة، أو الشَّاميَّة، واختلاف الروايات للكتاب الواحد، وفنّ المستخرجات، وعلم الأثبات ومعاجم الشُّيوخ والمشيخات.. وغير ذلك من التَّصنيفات المختلفة، والتي يستشفُ منها الباحث المُدقق أنَّ المُحَدِّثينَ قد قطعوا شوطاً بعيداً في علم الرواية، وأنَّ بحوثهم قد أعطت الباحث الواعي، والدَّارس المتمكنَ والموضوعيّ القدرة على التَّحركِ، ووضعت بينَ يديهِ الوسائل التي تعينهُ على التَّثبتِ مِن صحَّةِ الأسانيدِ، وتدقيق الرِّواياتِ، وتميزت بحوثهم المختلفة بالابتكار والإبداع والتي استطاعوا بها أن ينشروا السُّنَّة ويحافظوا عليها بنجاحٍ منقطع النَّظير، وأنَّ السَّواد الأعظم من المُحدِّثين كان يُدركُ أنَّ علم الرِّواية لم يكن طحناً في الماءِ، وإنَّما هو عِلْمٌ مُنَسَّقٌ، قائمٌ على قواعدَ مفصَّلةٍ وعميقةٍ.

وبحثنا هذا هو حلقةٌ مِن سلسلةِ بحوث مماثلة كتبتها وتناولت علم الرِّواية وأثرهُ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، وقد تناول جانباً من جوانبَ علم الرِّوايةِ والذي قد صَنَّفَ فيه العُلماءُ الكبارُ مُصَنَّفات لم نقف عليها في وقتنا الحاضر، وبقيت منهُ أبحاثٌ توزعتها كتب علم أصول الحديثِ المُختلفة، أو بعض الشُّروح الحديثية، وهذا النَّوع هو المُدَبَّجُ، ورواية الأقران.

ص: 11

إنَّ الدِّراسة الموضوعيَّة لهذا النَّوع من أنواعِ علوم الحديثِ، تظهر لنا أنَّ هذا النَّوعَ مِنَ المُصَنَّفاتِ هدفهُ إزالة النِّقاب عن الخطأ والوهم الذي قد يتطرَّقُ إلى الإسناد.

وإذا كان ابنُ عباسٍ رضي الله عنه قد حذَّرَ من قَبولِ جرح الأقران بعضهم لبعضٍ، وقال: استمعوا علم العُلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعضٍ، فوالذي نفسي بيدهِ لهم أشدّ تغايراً من التّيوسِ في زروبتها.

وقال الذَّهبيُّ: وكلامُ الأقرانِ بعضهم في بعضٍ لا يُعبأ به لا سيما إذا لاحَ أنَّهُ لعداوةٍ، أو لحسدٍ، ما ينجو منه إلَاّ مَن عصم اللَّهُ، وما علمتُ أنَّ عصراً مِنَ الأعصارِ سلمَ أهلهُ من ذلكَ سوى الأنبياء والصِّدِّيقينَ.

فإنَّ روايةَ الأقران بعضهم عن بعضٍ فيه شهادة بعضهم لبعضٍ على صِحَّةِ المرويات، وإشارةٌ صادقةٌ على تجاوز الكثير منهم للعوامل النَّفسيَّةِ التي تختلجُ في صدور الأقرانِ، والتي حَذَّرَ منها العُلماء.

ونظراً لأهميَّةِ رواية الأقران بعضهم عن بعضٍ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، فقد حرص الإمامُ الجِهبذُ أبو عبدِاللَّهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ البُخاريُّ على هذا النَّمط مِن الأسانيدِ في كتابه (الجامع الصَّحيح) ، وكذا اشتملت كتب السُّنَّةِ الأخرى على ذِكرِ هذا النَّوع من المروياتِ، وأدرجتها ضمن مروياتها المُختلفةِ.

إنَّ دراسة مرويات الأقران بعضهم عن بعضٍ ستقودنا إلى معرفةِ تواريخ ولادةِ ووفيات الرُّواة، كما أنَّها ستقدِّمُ لنا نتائج جليلة عن علم طبقات الرُّواة، وتجمع لنا دلائل عن البلدان ورواتها، سيما إذا اجتمعَ في الرِّواية الواحدةِ أهل بلدٍ في نَسقٍ كما سيأتي بيان ذلكَ مِن خلالِ بحثنا هذا.

ص: 12

إنَّ الكتابة عن بعضِ الجُزئياتِ في علم مصطلح الحديثِ، والتي لم نقف فيها على مُصَنَّفٍ مستقلٍّ لإمامٍ ناقدٍ، تعني ميلاد عهدٍ جديدٍ لهذا العلمِ، الذي ينتمي إلى طرازٍ مُعيَّنٍ في التَّأليفِ يتَّصِفُ بالإيجازِ والبُعدِ عن الإسهابِ في موضوعاتهِ.

وبحثنا هذا حاولَ أن يُقدِّمَ تحليلاً عميقاً لهذا النَّوع مِنَ أنواعِ مصطلحِ الحديث، وذلكَ مِن خلالِ ما ذكرته كتب مصطلح الحديث مِنَ الأمثلة، مع بيان مارواهُ الإمامُ البُخاريّ رحمهُ اللَّهُ تعالى في (صحيحه) مِن رواية الأقرانِ، والتي قام الحافظ ابن حجرٍ رحمه اللَّهُ تعالى بذِكْرِها، وبيان بعض لطائفها، وبالتالي الخروج بنتائج جديدةٍ عن رواية الأقران، وأهميتهِ، ومحاولة تنظيم هذهِ المادة في صورةٍ تُلقي الضَّوء على جانبٍ من جوانبِ علم الرِّواية عندَ المُحَدِّثينَ، وأثره في توثيق النٌّصوصِ وضبطها.

ولقد حرصتُ في عرضي للمادة أن لا أقسِّم البحث إلى أبوابٍ وفصولٍ، وذلكَ خشية أن يطولَ البحث، وتتشعب جوانبه، كما أنَّي لم أتوسع في تخريج النُّصوصِ، والآثار، نظراً لأنَّ شروط نشر البحوث مرهونة برقمٍ محدد من الصَّفحات.

واللَّهَ الكريم أسأل التَّوفيقَ والسَّداد، ومنهُ استمدُ العونَ، وعليه التُّكلان، وهو حسبي ونعمَ الوكيل، وصلَّى اللَّهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

أولاً: تعريف المُدبَّج:

أ- المدبَّج لُغَةً: اسم مفعول من التَّدْبِيْج، بمعنى التَّزيين.

والمُدَبَّجُ: المُزَيَّن، ودِيبَاجَةُ الوجهِ وَدِيباجُهُ: حُسن بشرتهِ، وكأنَّ المُدَبَّج سُمِّيَ بذلكَ لتساوي الرَّاوي والمَرْوِي عنهُ، كما يتساوى الخدَّانِ.

ورجلٌ مُدَبَّجٌ: قبيحُ الوجهِ والهامة والخِلقةِ.

ب- المُدبَّجُ اصطلاحاً: أنْ يَرْوي القَرينان كُلُّ واحدٍ منهما عن صاحبه.

شرحُ التَّعريفِ:

ص: 13

قال الإمامُ العراقيُّ: ما المناسبة المُقتضية لتسمية هذا النَّوع بالمُدَبَّجِ وَمن أيٍّ شيءٍ اشتقاقه،؟

لم أرَ مَن تَعَرَّضَ لذلكَ، إلَاّ أنَّ الظَّاهرَ أنَّهُ سُمِّيّ بهِ لِحُسنهِ، لأنَّهُ لُغةً: المُزَيَّنُ، قال صاحبُ (المُحكم) : الدَّبْجُ: النَّقشُ والتَّزيينُ، فارسيٌّ مُعرَّبٌ.

قال: ودِيباجةُ الوجهِ حُسنُ بشرتهِ، ومنهُ تسمية ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه الحَواميم ديباج القرءان.

والرِّواية كذلكَ إنَّما تقعُ لنُكتةٍ يعدلُ فيها عن العُلوِّ إلى المُساواة، أو النُّزول لأجل ذلك فحصل للإسنادِ بذلكَ تحسينٌ وتزيين.

قال: ويحتملُ أنهُ سمُّيَ بذلكَ لنزولِ الإسنادِ، فإنَّهما إن كانا قرينينِ نزل كل منهما درجة، وإن كان من رواية الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين، وقد روينا عن يحيى بن مَعينٍ قال: الإسنادُ النَّازلُ قُرحة في الوجهِ.

وروينا عن عليِّ ابن المَدينيِّ، وأبي عَمْروٍ المُسْتَمْليِّ قالا: النُّزولُ شؤم. فعلى هذا لا يكونُ المُدَبَّجُ مدحاً لهُ ويكونُ ذلكَ من قولِهِم: رجلٌ مُدَبَّجٌ، قبيحُ الوجهِ والهامةِ، حكاهُ صاحبُ (المُحكم) .

قال العراقيُّ: وفيهِ بُعدٌ، والظَّاهرُ إنَّما هو مدحٌ لهذا النَّوع.

قال: ويحتمل أن يُقالَ: إنَّ القرينين الواقعينِ في المُدَبَّجِ في طبقةٍ واحدةٍ بمنزلةٍ واحدةٍ، فشبها بالخدَّينِ، فإنَّ الخدَّينِ يقالُ لهما: الدِّيباجتان، كما قاله صاحبُ (المحكم) و (الصّحاح) .

قال: وهذا المعنى يتَّجهُ على ما قاله الحاكم، وابنُ الصَّلاحِ: أنَّ المُدَبَّجَ مُختصٌ بالقرينينِ.

قال السَّخاويُّ: وبذلك سَمَّاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أخذاً مِن دِيباجَتي الوجه، وهما متحدان لتساويهما وتقابلهما.

ص: 14

قال الحاكم النَّيْسَابوريُّ: رواية الأقران مِنَ التَّابعينَ وأتباع التَّابعينَ وَمَن بعدهم مِن علماء المسلمينَ، ورواية بعضهم عن بعضٍ، وهذا النَّوع منه غير رواية الأكابر عن الأصاغر. وإنَّما القرينان إذا تقاربَ سِنُّهما وإسنادهما وهو على ثلاثة أجناسٍ:

فالجنس الأول منه الذي سَمَّاهُ بعض مشايخنا المُدَبَّج، وهو أن يروي قرينٌ عن قرينهِ، ثُمَّ يروي ذلك القَرين عنه، فهو المُدَبَّج.

مثاله في الصَّحابة:

أخرج الحاكم بسندهِ: عن أبي هُريرة، عن عائشةَ رضي الله عنها قال: فقدتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ مِنَ الفِراشِ، فجعلتُ أطلبهُ بيدي فوقَعت يدي على باطن قدميه وهما مَنصوبتان، فسمعتهُ يقولُ:"اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ برحمتكَ مِن سَخَطِكَ، وأعوذُ بِمُعافَاتِكَ مِن عقوبَتِكَ، وأعوذُ بِكَ مِنْك لا أُحْصي ثناءً عليك أنت كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ".

قال أبو عبْدِ اللَّهِ: وقد روت عائشةُ عن أبي هُريرةَ وسألتهُ عن حديثهِ.

وأخرج الحاكم بسنده: عن علقمةَ أنَّ عائشَةَ قالت لأبي هُريرةَ: أنت حَدَّثت عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أنَّ امرأةً عُذِّبت في هِرَّةٍ؟ فقال: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ ذلك الحديث.

مثال آخر: قال الحاكم: عن جابر عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "يدخُلُ الجَنَّةَ مَن بايعَ تحتَ الشَّجَرَة إلَاّ صاحِب الجمل الأحمر".

قال أبو عبدِ اللَّهِ: وقد رويَ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ، عن جابرٍ.

ص: 15

وأخرج الحاكم بسنده: عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: حَدَّثني جابرُ بنُ عبدِاللَّهِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قرأَ: {وإذَا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فإنِّي قريبٌ أُجيبُ دَعوةَ الدَّاعِ إذا دَعان} الآية. قال صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُم أمرتَ بالدُّعاءِ وتكفَّلتَ بالإجابةِ، لبيكَ لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكْ، لا شَريكَ لَكْ"(1) .

قال أبو عبدِا للَّهِ: ومثالُ ذلكَ في التَّابعين.

وأخرج بسنده عن: الزُّهريِّ، قال: أخبرني عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ بن مروان أنَّ إبراهيمَ بنَ عَبْدِ اللَّه بن قَارظ الزُّهريَّ أخبرهُ أنَّهُ وجدَ أبا هُريرَةَ يتوضَّاُ على ظهرِ المسجِدِ، فقال أبو هريرةَ: إنَّما أتوضأ مِن أثوار أَقِط أكلتها لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "توضؤا مِمَّ مَسَّت النَّارُ".

قال أبو عبدِاللَّهِ: وقد روى عمرُ بنُ عبدِالعزيز، عن الزُّهريِّ.

وأخرج بسنده عن: عمرَ بنِ عبدِالعزيز، عن الزُّهريِّ، عن سالم، عن أبيهِ قال: دعا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوَمَ النَّاس للبيعَةِ فجاءَ أبو سِنان بن مُحصِنٍ فقال: يارسول اللَّهِ، أبايعكَ على ما في نَفْسِكَ؟ قال:"وما في نَفْسِي؟ " قال: أضربُ بسيفي بينَ يَديكَ حتَّى يُظْهِرَكَ اللَّهُ، أو أُقتل. قال: فبايعهُ وبايع النَّاس على بيعَةِ أبي سِنان.

قال أبو عبدِاللَّهِ: ومثالهُ في أتباع التَّابعين.

وأخرج بسندهِ، عن: الأوزاعيّ عن مالك بنِ أنسٍ، عن أبي نُعيمٍ وهب ابن كيسان، عن عمرَ بنِ أبي سَلَمَةَ، قال: قال لي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ادن بُنيّ، فسمِّ اللَّهَ وكُل بيمينكَ، وكُل مِمَّا يلكَ".

قال أبو عبدِاللَّهِ: وقد روى مالكُ بنُ أنسٍ، عن الأوزاعِيِّ.

(1) معرفة علوم الحديث: 216.

ص: 16

وأخرج بسندهِ عن: مالك بن أنسٍ قال: حدَّثني الأَوْزَاعِيُّ، عن الزُّهريُّ، عن عُرْوَةَ، عن عائشَةَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمْرِ كُلِّهِ"(1) .

قال أبو عبدِاللَّهِ: ومثالهُ في أتباع الأتباع.

وأخرج بسنده، عن: الإمام أحمد بنِ حَنْبَل قال: حدَّثني عبدُالرَّزاقِ، قال: ثنا عمرُ بنُ حَوْشَبٍ، قال: حدَّثني إسماعيلُ بنُ أُمَيَّةَ، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ، قال: كان لهم غُلامٌ يُقال لهُ طَهمان، أو ذَكوان، قال: فأعتق جدُّهُ نصفهُ، قال: فجاء العبدُ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبرهُ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يُعتق في عُنقك، ويُرقّ في رِقِّكَ"، فكان يخدم سيدهُ حتَّى مات.

قال أبو عبدِاللَّهِ: وقد حَدَّثَ عبدُالرَّزاق، عن أحمدَ بنِ حَنْبَل.

وأخرج بسنده عن: عبدُالرَّزاق، قال: حدَّثني أحمدُ بنُ حَنْبَل، عن الوليدِ ابنِ مُسلِمٍ، عن زيد بنِ واقدٍ، قال: سمِعْتُ نافِعاً مولى ابن عمر يقولُ: كان ابنُ عمرَ إذا رأى مُصَلِّياً لا يرفعُ يديهِ في الصَّلاةِ حصبهُ وأمرهُ أن يرفع يديه.

قال أبو عبدِاللَّهِ: ومِثال ذلكَ في الطَّبقةِ الخامسة: حدَّثنا أبو عبدِاللَّهِ محمدُ بنُ يعقوبَ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ محمدِ بن يحيى، قال: حدَّثنا أبي، قال: ثنا سعيدُ بنُ واصلٍ، قال ثنا شُعبةُ، عن عبدِاللَّهِ بنِ صُبيحٍ، عن محمدِ ابنِ سيرينَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"هذا خالي فمن شَاء منكم فليُخرج خالهُ" يعني أبا طلحةَ زوج أمّ سُلَيمٍ في الكرمِ قال هذا.

قال أبو عبدِاللَّهِ: وقد حدَّثَ محمدُ بنُ يحيى، عن ابنه يحيى بن محمدٍ بأحاديثَ.

(1) معرفة علوم الحديث: 217-218.

ص: 17

حدَّثنا أبو عبدِاللَّه محمدُ بنُ يعقوبَ، قال: ثنا أبو عمرو المُسْتَمليُّ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى، قال: حدَّثني ابني أبو زكريا، قالَ: ثنا عبدُالرَّحمن بنُ المبارك العَيشيُّ، قال: حدَّثنا قريشُ بنُ حَيَّانَ، عن بكر بنِ وائلٍ، عن الزُّهريِّ، عن أبي عبدِاللَّهِ الأغَر، عن أبي هريرةَ، قال: لا تُكلموهم إذا أقبلوا، ولا تسبُّوهم إذا أدبروا، يعني السُّعاة.

قال أبو عبدِاللَّهِ: ومثال ذلك في الطَّبقة السَّادسة: أخبرنا أبو بكرٍ محمدُ ابنُ داودَ بنِ سُليمانَ الزَّاهدُ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ سعيدٍ الكوفِيُّ، قال: حدَّثنا يعقوبُ بنُ يوسُفَ الضَّبِيُّ، قال: ثنا أبو جُنادةَ، عن عُبيدِاللَّهِ بنِ الحَسَنِ، عن ابنِ سيرينَ، عن أبي هريرةَ، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إحدى صَلاتي العِشَاء"، فذكَرَ الحديث.

قال أبو عبدِاللَّهِ: وقد روى أبو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ، عن شَيخِنا أبي بكرِ بن داودَ.

حَدَّثني أبو ذَرّ بن المنذِرِ المُفيدُ بالكوفةِ، قال: حدَّثنا أبو العبَّاسِ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ داودَ النَّيْسَابُوريُّ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ أحمدَ بنِ زيادٍ، قال: حدَّثنا خالدُ بنُ الهَيَّاجِ، عن أبيهِ، عن مِسْعَرٍ، عن وَبرةَ، عن ابنِ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في البيتِ.

قال أبو عبدِاللَّهِ: هذا الذي ذكرتُهُ الجنس الأوَّلُ، مِنَ الأقرانِ، وهو الذي سمَّاهُ بعض مشايخنا المُدَبَّج.

ومن أمثلة المُدَبَّجِ: في الصَّحابةِ: أبو هريرة، وعائشة، روى كلٌ منهما عن الآخر.

وفي التَّابعين: الزُّهريّ، عن أبي الزُّبير، وأبو الزُّبيرعن الزُّهرِيِّ، والزُّهريّ عن عمر بن عبد العزيز، وعمر بن عبد العزيز عن الزُّهريِّ.

وفي أتباعهم: مالك، عن الأوزاعيّ، والأوزاعيُّ عن مالكٍ.

ص: 18

وفي أتباع التَّابعينَ: أحمد، عن ابن المدينيّ، وابن المدينيّ عن أحمد، مع نزاع في كونهما قرينينِ.

قال السَّخاويّ: وفي المُتأخرينَ: المِزِّيّ، والبِرْزاليّ، وشيخنا، والتَّقيّ

الفَاسيّ كذلك.

ثانياً: روايةُ الأقران:

تعريفُ الأَقران:

أ- لغة: الأقْرَانُ جمعُ قَرِين، بمعنى المُصَاحِب.

والاقْتِرَانُ: كالازْدِواج في كونهِ اجتماعَ شَيْئَيْنِ أو أشياءَ في مَعْنًى مِنَ المَعاني.

والقَرْنُ: أهلُ كلّ زمان، وهو مِقْدار التَّوسُّط في أعمار أهل كلّ زمانٍ، مأخوذٌ مِنَ الاقترانِ، وكأنَّهُ المِقْدَار الذي يَقْتَرِنُ فيهِ أهل ذلكَ الزَّمان في أعمارهم وأحوالهم.

ب- اصطلاحاً: هم المُتقاربونَ في السِّنِّ، والإسنادِ.

شَرْحُ التَّعريف:

إذَا تماثلَ، أو تقاربَ الرُّواة في الأعمارِ والإسنادِ، أي في الأخذِ عن الشُّيوخِ، حصلت المُقارنة، وإن تفاوتوا في الأعمارِ.

وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ: فإن تشاركَ الرَّاوي وَمَن روى عنهُ في أمرٍ مِنَ الأمورِ المُتعلِّقةِ بالرِّوايةِ مثل: السِّن، واللّقي، وهو الأخذُ عن المشايخِ، فهو النَّوع الذي يُقالُ لهُ: رواية الأقرانِ، لأنَّهُ حينئذٍ يكونُ راوياً عن قرينه.

من أمثلة رواية الأقران:

ومثالهُ: ما أخرجه الحاكم بسنده من طريق: المُعْتَمِر بن سُليمانَ، عن أبيه، عن مِسْعَر، عن أبي بكر بنِ حفص، عن عبدِاللَّهِ بنِ الحَسَنِ، عن عبدِاللَّهِ بنِ جَعفرٍ، قال في شأن هؤلاءِ الكلمات:"لا إلهَ إلَاّ اللَّه الحَليمُ الكريمُ، سبحان اللَّه ربّ العرش العظيم، الحمدُ للَّهِ رَبِّ العالمين، اللَّهم اغفر لي، اللَّهم ارحمني، اللَّهم تجاوز عنِّي، اللَّهم اعف عنِّي فإنَّكَ عفوٌّ غفور"، قال عبدُاللَّهِ بنُ جعفرٍ: أخبرني عمِّي أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم علَّمهُ هؤلاء الكلمات.

قال أبو عبدِاللَّه: مِسْعَرُ وسُليمان التَّيْمِيّ قرينان إلَاّ أنِّي لا أحفظ لِمِسْعَر عنهُ رواية.

ص: 19

وأخرج الحاكمُ بسندهِ، عن: زائدة، عن زهير، عن أبي إسحاقَ، عن عمرو بنِ ميمون، عن عبدِاللَّهِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا دَعا دَعا ثلاثاً.

قال أبو عبدِاللَّهِ: زائدة بن قُدامةَ، وزهير بن مُعاويةَ قرينان، إلَاّ أنِّي لا أحفظ لزهير عنهُ رواية.

وأخرج الحاكم بسندهِ، عن: ابنِ الهاد، عن إبراهيمَ بن سَعْدٍ، عن أبيهِ، عن أبي أُسامةَ، عن عائشةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"قد كانَ يكونُ في الأُممِ مُحَدَّثونَ، فإنْ يَكُنْ في أُمَّتي أحدٌ فعمر بن الخَطَّابِ".

قال أبو عبد اللَّهِ: يزيد بن عبدِاللَّه بن أُسامةَ بن الهاد، وإن كانَ أسند وأقدم مِن إبراهيمَ بن سعدٍ فإنَّهما في أكثر الأسانيد قرينان، ولا أحفظ لإبراهيمَ ابنِ سَعْدٍ عنهُ رواية.

وأخرجِ الحاكمُ بسنده عن: سُليمان بن طَرْخَانَ، عن رَقَبَةَ بنِ مَصْقَلَةَ، عن أبي إسحاقَ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: ذَكر رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الغُلام الذي قتلهُ الخُضر، فقال:"طُبعَ كافراً".

قال أبو عَبْدِاللَّهِ: سليمان بن طَرْخانَ، ورقبة بن مَصْقَلَةَ قرينان، ولا أحفظُ لرقبةَ عنهُ رواية، فقد جعلتُ هذهِ الأحاديثَ مثالاً لمعرفة الأقرانِ، وأنَّه غير رواية الأكابر عن الأصاغر.

قال السَّخاويُّ: روى كلّ من الثَّوريِّ، ومالك بن مِغْوَلٍ، عن مِسْعَرٍ، وهم أقران، والأعمشِ، عن التَّيْمِيِّ، وهما قَرينان، والزَّين رضوان، عن الرَّشيديِّ، وهما قرينان من شيوخنا.

وقد يجتمعُ جماعةٌ مِنَ الأقرانِ في سلسلةٍ كروايةِ أحمد، عن أبي خيثمة زهير ابن حربٍ، عن ابن مَعينٍ، عن عليِّ بن المَدينيِّ، عن عُبيدِاللَّهِ بنِ مُعاذٍ، لحديثِ أبي بكر بن حفصٍ، عن أبي سلمةَ، عن عائشةَ:"كانَ أزواجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يأخُذْنَ مِن شُعُورِهِنَّ حَتَّى تكونَ كالوفرة"، فالخمسة كما قال الخطيبُ: أقرانٌ.

ص: 20

ورواية ابن المُسيّبِ، عن ابنِ عُمرَ، عن عُمَرَ، عن عُثمانَ، عن أبي بكرٍ الحديثِ "ما نجاة هذا الأمر"، ففيه أربعةٌ مِنَ الصَّحابة في نسقٍ.

وكذا اجتمعَ أربعةٌ مِنَ الصَّحابةِ في عدَّة أحاديثَ بعضها في (الصَّحيحين) ، وغيرهِما، وأفردَ فيهِ كلٌّ مِن عبدِالغني بن سعيدٍ المِصْرِيِّ، وأبي الحجَّاجِ يوسُفَ ابنِ خليلٍ الدِّمشقيِّ، فيما سمعناهُ (جزءاً) ، بل اجتمعَ منهم خمسةٌ في حديثِ "الموتُ كَفَّارةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"، وذلكَ مِن روايةِ: عَمرو بن العاص، عن عُثمان، عن عُمر بن الخَطَّابِ، عن أبي بكرٍ الصِّديقِ، عن بلالٍ، وهو غريبٌ لاجتماع الخلفاء الثلاثة فيه، ويدخلُ في النَّوع قبلهُ ودون هذين العددينِ مِمَّا أكثر فيه اجتمع فيه ثلاثةٌ مِن الصَّحابة، كمُعاوية بنِ أبي سُفيانَ، عن مالكِ بنِ يخامر، على القولِ بصُحبتهِ، عن مُعاذٍ، وكمُعاوية بنِ خَديجٍ، عن مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ، عن أختِهِ أمِّ حبيبةَ.

ثُمَّ مِمَّا أكثرَ مِمَّا يدخلُ في هذا النَّوعِ، ومِمَّا لا يدخلُ كابنِ عُمَرَ، عن كُلٍّ مِن أبيهِ، وأختِهِ حفصةَ.

وأمَّا رواية الليث، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن سعدِ بنِ إبراهيمَ، عن نافعِ ابنِ جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ، عن عُرْوَةَ بنِ المُغيرَة بنِ شُعبةَ، عن أبيهِ لحديثِ "اتَّبعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بإداوة"، ورواية محمد بن عَجْلانَ، عن محمد بن يحيى بن حبانَ، عن عبدِاللَّهِ ابن مُحَيْريزٍ، عن الصُّنابِحِيِّ، عن عُبادةَ بن الصَّامتِ ففيهِما أربعةٌ مِنَ التَّابعينَ في نسقٍ، ودونَ هذا العدد مِمَّا أمثلتهُ أكثر ما اجتمعَ فيه ثلاثةٌ منهم: كالزُّهْرِيِّ، وعبدِالمَلكِ بنِ أبي بكرِ بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ، عن خارجةَ بنِ زيدِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ، عن أبيهِ رضي الله عنه.

ص: 21

وكذا الزُّهريّ، عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ إبراهيمَ بنِ قَارِظٍ، عن أبي هُريرَةَ، رضي الله عنه، ثُمَّ ما اشتملَ على اثنين فأكثر، ماوجد منهم حسبما أشرتُ إليهِ في المُرْسَلِ في نَسَقٍ، إمَّا ستة، أو سبعة، وفي أشباه ماذكرتُهُ طول، وللخطيبِ (رواية التَّابعينَ بعضهم عن بعضٍ) ، وهو معَ رواية الصَّحابة بعضهم عن بعضٍ الَّذي علمت إفراد نوعٍ منهُ بالتَّأليفِ أيضاً مِمَّا لم يذكرهُ ابنُ الصَّلاحِ وأتباعه، ولكن قد استدركهما بعضُ المُتأخرينَ عليهِ.

الصِّلة بين رواية الأقران، والمُدَبَّج، ورواية الأكابر عن الأصاغِر، وبعض أنواع مصطلح الحديث:

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: فإن تشارك الرَّاوي وَمَن معهُ في أمر مِنَ الأمورِ المُتعلقةِ بالرِّواية، مثل: السِّن، واللَّقي، وهو الأخذُ عن المشايخ فهو النَّوع الذي يُقال لهُ: رواية الأقران، لأنَّهُ حينئذٍ يكونُ راوياً عن قرينه، وإذا روى كلّ منهما، أي القرينينِ عن الآخرِ، فهو المُدَبَّج، وهو أخصّ مِنَ الأوَّل، فكُلّ مُدَبَّج أقرانٌ، وليس كُلّ أقران مُدَبَّجاً

وإذا روى الشَّيخُ عن تلميذهِ صدق أنَّ كلاً منهما يروي عن الآخرِ، فهل يُسَمَّى مُدَبَّجاً؟ فيه بحثٌ، والظَّاهرُ: لا، لأنَّهُ مِن روايةِ الأكابرِ عن الأصاغِرِ، والتَّدْبيج مأخوذٌ مِن ديباجَتي الوجه، فيقتضي أن يكونَ ذلكَ مُستوياً من الجانبين فلا يجيء فيه هذا.

وإن روى الرَّاوي عَمَّن هو دونهُ، في السِّنِّ، أو في اللُّقيِّ، أو في المقدارِ، فهذا النَّوعُ هو رواية الأكابر عن الأصاغر.

مِن العلوم التي لها صلة بالمُدَبَّج ورواية الأقران:

إنَّ معرفة المُدَبَّج ورواية الأقران تتطلَّب مِنَ المُحَدِّثِ أن يكون على اطِّلاعٍ واسعٍ بعدد مِن أنواع علوم الحديث، والتي تعتبر معرفتها مِن وسائل معرفة المُدَبَّج ورواية الأقران، وَمِن هذهِ الأنواع:

1-

معرفة طبقات العلماء:

ص: 22

والطَّبَقَةُ في اللُّغة: هم القومُ المُتَشَابِهونَ.

والطبقة في الاصطلاح: الطَّبقةُ قومٌ تقاربوا في السِّنِّ والإسنادِ، أو في الإسنادِ فقط بأن يكون شيوخ هذا هم شيوخ الآخر، أو يُقاربوا شيوخه.

قال ابنُ الصَّلاح: والباحث النَّاظرُ في هذا الفنّ يحتاجُ إلى معرفة المواليد، والوفيات، وَمَن أخذوا عنهُ، وَمَن أخذ عنهم، ونحو ذلك.

ومن فوائده:

1-

الأمنُ مِن تداخل المتشابهينَ في اسم، أو كنية، او نحو ذلك.

2-

الاطلاع على التَّدليس، والوقوف على حقيقة المراد مِنَ العنعنة.

قال السَّخاويُّ: بين الطَّبقة والتَّاريخ عموم وخصوص وجهي فتجمعان في التَّعريف بالرُّواة، وينفردُ التَّاريخُ بالحوادثِ والطَّبقات بما إذا كان في البدريين مثلاً مَن تأخرت وفاته عَمّن لم يشهدها لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة.

وقد فرق بينهما المتأخرونَ بأنَّ التَّاريخ ينظر فيه بالذَّات إلى المواليد والوفيات، وبالعرض إلى الأحوال، والطَّبقات ينظر فيها بالذَّات إلى الأحوال وبالعرض إلى المواليد والوفيات، ولكن الأوَّل أشبه.

2-

معرفة تواريخ الرُّواة والوفيات: وهو التَّعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال في مولد الرُّواة والأئمةِ، من وفاةٍ، وصحَّةٍ، وعَقلٍ، وَبَدَنٍ، ورِحلَةٍ، وحَجٍ، وحِفظٍ، وَضبطٍ.. ويلتحق به ما يتَّفق من الحوادث والوقائع الجليلة

.

ص: 23

إن معرفة سني الوفيات لايستفاد منه معرفة كذب الرُّواة من صدقهم فقط بل له فوائد حديثية أخرى إذ: يتبين به ما في السند من انقطاعٍ، أو عَضلٍ، أو تدليسٍ، أو إرسال ظاهر أو خفيٍّ للوقوف به على أن الرَّاوي مثلاً لم يعاصر من روى عنه، أو عاصره ولكن لم يلقه لكونه في غير بلده وهو لم يرحل إليها مع كونه ليست له منه إجازة أو نحوها، وكون الراوي عن بعض المختلط سمع منه قبل اختلاطه، ونحو ذلك، ورُبَّما يتبين به التَّصحيف في الأنساب، وهو أيضاً أحد الطُّرق الَّتي يتميز بها النَّاسخ والمنسوخ

ورُبما يستدل به لضبط الرَّاوي حيث يقول في المَروي وهو أوَّل شئ سمعته منه، أو رأيته في يوم الخميس يفعل كذا، أو كان فلان آخر من روى عن فلان، أو سمعت من فلان قبل أن يحدّث ما حدَّث، أو قبل أن يختلط.. .

3-

معرفة روايةِ الأَكَابرِ عن الأَصَاغِرِ:

يُعتبرُ بيان رواية الرَّاوي عَمَّن دونَهُ في اللُّقي، أو السِّنِّ أو في المقدار، أحد فنون عِلمِ الرِّجال الَّتي عني بها العُلماءُ، ووَضعوا فيها المؤلَّفات.

وهو نَوعٌ مُهمٌ تدعو إليه الهممُ العليَّةُ، والأنْفُسُ الزَّكيَّةُ، ولذا قيلَ: لايكون الرَّجُلُ مُحدِّثاً حتَّى يأْخُذَ عَمَّن فَوقهُ، ومثلهُ، ودونه، وفائدةُ ضبطه الخوف مِن ظنِّ الانقلاب في السَّنَدِ مَعَ مافيه مِنَ العَمَل بقولهِ صلى الله عليه وسلم:"أنْزلوا النَّاسَ منازلهم"(1)، ومِن الفائدة أيضاً: أن لايتوهم كون المَرْويّ عنه أكبر وأفضل مِنَ الرَّاوي، لكونه الأغلب، والأصلُ فيه رواية النبيّ صلى الله عليه وسلم في خطبته حديث الجَسَّاسة عن تَميمٍ الدَّاريِّ.

وهو أقسام:

(1) فتح المغيث: 3/157. وانظر: علوم الحديث لابن الصلاح: 276، صحيح مسلم بشرح النووي: 1/55، وتدريب الرَّاوي: 2/244.

ص: 24

أحدُها: أن يكون الرَّاوي أكبر سِنّاً، وأقَدَمَ طبقةً مِنَ المَرْوِيِّ عنه، كرِوايةِ كُلٍّ مِنَ الزُّهريِّ، ويحيى بن سعيد الأنصاريِّ عن تلميذهما الإمام الجليل مالك بن أنسٍ في خلقٍ غيرهما مِمَّن روى عن مالك مِن شيوخه، بحيث أفردهم الرَّشيدُ العَطَّارُ في مُصَنَّف سَمَّاه:(الإعلامُ بِمَن حَدَّثَ عَن مالكِ بن أنسٍ مِن مشايخهِ السَّادة الأعلام) .

الثاني: أن يكون الرَّاوي أكبر قَدْراً – لا سِناًًّ - مِنَ المَرْويِّ عنهُ، أي أكبر وأعلم، كرواية مالك، وابن أبي ذِئبٍ عن شيخهما عبد الله بن دينار وأشباهه.. .

الثالث: أن يكونَ الرَّاوي أكبر في السِّنِّ، والقَدْرِ مِنَ المَرْويِّ عَنْهُ، كرِوَاية كثيرٍ مِن العُلماءِ عن تَلامِذتِهِم، مثل رِواية عبد الغني بن سعيد الأزْدي المتوفَّى سنة (409هـ) ، عن الخطيبِ البغداديّ، المتوفَّى سنة (463هـ) ، ورواية أحمد بن محمد بن غالب البَرْقَانيّ (ت425هـ) ، عن الخطيب البغداديّ.

ولقد صَنَّفَ الإمامُ أبو يعقوبَ إسحاقُ بنُ إبراهيم البغداديّ الورَّاق (ت403هـ) كتاب (مارواه الكبار عن الصِّغار، والآباء عن الأبناء) .

4-

رواية الآباء عن الأبناء: وهو أن يوجد في سَنَدِ الحديثِ أبٌ يروي الحديث عن ابنه.

وأهمية معرفة هذا النَّوع: ضبطه الأمن مِن ظنّ التَّحريف النَّاشئ عن كَون الابن أباً. أو أن يُظنّ أنَّ في السَّنَدِ انقلاباً أو خطأً.

وللخطيب فيه كتاب (رواية الآباء عن الأبناء)، ومثاله: مارواهُ العباس، عن ابنه الفضل رضي الله عنهما:"أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جمع بينَ الصَّلاتين في المُزْدَلِفَة".

وقد يجتمع في الإسناد مجموعة من الأنواعِ مثاله: مارويَ عن: مُعْتَمِر بن سليمانَ التَّيْمِيِّ، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثتني أنتَ عَنِّي، عن أيوبَ، عن الحسنِ، قال: ويح كلمة رحمة.

ص: 25

وهذا ظريفٌ يجمعُ أنواعاً منها: رواية الآباء عن الأبناء، وعكسه، ورواية الأكابر عن الأصاغر، والمُدَبَّج، ورواية التَّابعيّ، عن تابعهِ، وأنَّهُ حدَّثَ عن واحدٍ، عن نفسهِ، والتَّحديث بعد النّسيان.

قال النَّوويُّ: وهذا في غاية الحُسْنِ، ويبعدُ أن يوجد مجموع هذا في حديثٍ.

قال السَّخاويُّ: ويلتحقُ بهذا رواية المرء عن ابن بنته، وفي قصة الحبَّال مع عبد الغني أنَّهُ أرسل ابن بنته أبا الحسنِ ابن بقا إلى بعض الشيوخ بمصرَ في حديثٍ، فحدَّثهُ به، فقرأه عبدُالغني عن ابنِ بنتهِ، عن ذلك الشَّيخ.

وَمن ظريفه ما اجتمع فيه رواية الأبوين، عن الابنِ، كرواية أمِّ رُومانَ، عن ابنتها عائشة لحديثينِ، ورواية أبي بكرٍ الصِّديقِ عنها أيضاً لحديثينِ.

مِن فوائدِ معرفة المُدَبَّجِ، ورواية الأقران:

1-

إنَّ معرفة المُدَبَّج ورواية الأقران، ترشدنا لمعرفة الأشكال المختلفة للأسانيد، والأنماط المتنوعة في رواية الحديث النَّبويِّ، وتفرعها وانتشارها.

2-

رواية الأقران تزيل النِّقاب عن الخَطأ والوهم الذي قد يتطرَّق إلى بعضِ الرُّواة.

3-

إنَّ رواية الأقران بعضهم من بعضٍ تدلُّ على روح الأخوة والمحبَّة التي كانت تسود بين طبقات المُحَدِّثينَ في مختلف العصور.

4-

ضبطُهُ الأمن من ظَنّ الزِّيادة في الإسنادِ.

5-

ألَاّ يُظنّ إبدال عَن، بالوَاو، إن كان بالعَنْعَنَةِ.

6-

الحرص على إضافة الشَّيء لراويه.

7-

الرَّغبة في التَّواضعِ في العِلْمِ.

8-

إنَّ هذا النَّوع مِنَ الأسانيد، يرتبطُ ارتباطاً وثيقاً بغيره من العلوم الأخرى، مثل: علم معرفة طبقات العلماء، ومعرفة تواريخ الرُّواة والوفيات، وعلم رواية الأكابر عن الأصاغر، ورواية الآباء عن الأبناء، ورواية الأبناء عن الآباء، إضافةً إلى علم الجرحِ والتَّعديل، واختبار مرويات الشُّيوخ.

أشهر المُصَنَّفات في المُدَبَّج، ورواية الأقران:

ص: 26

1-

كتاب المُدَبَّج: تأليف الإمام أبي الحسن عليّ بن عمر الدَّارَقُطنيِّ (ت385هـ) ، في عشرة أجزاء.

قال الإمامُ العراقيُّ: وهو أولُ مَن سَمَّاهُ بذلك فيما أعلم، وصَنَّفَ فيه كتاباً حافلاً سمَّاهُ (المُدَبَّج) ، في مجلدٍ، وعندي منهُ نسخة صحيحة.

2-

التَّعريج على التَّدبيج، ويُسمَّى أيضاً المُخَرَّج من المُدَبَّجِ: للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيِّ (ت852هـ) .

3-

الأقران: للإمامِ أبي الحسين مسلم بن الحجاج (ت261هـ) ، ولا أعلم إن كان هذا الكتاب يبحثُ في نفس مادة رواية الأقران بعضهم عن بعضٍ أم انَّه يتناول جوانب أخرى من جوانب الأقران.

4-

الأقران: لأبي محمدٍ عبد اللَّه بن محمد بن جعفر بن حيَّانَ الأصبهانيِّ، المعروف بأبي الشَّيخ (ت369هـ) .

5-

الأقران: للإمامِ أبي عبدِاللَّه محمد بن يعقوب بن يوسفَ الشَّيبانيِّ النَّيسابوريِّ، المعروف بابن الأخْرَمِ (ت344هـ) .

6-

الأفنان في رواية الأقران: للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيِّ (ت852هـ) .

عناية الإمام الحافظ أبي عبدِاللَّه محمد بن إسماعيل البُخاريّ برواية الأقران في كتابه (الجامع الصَّحيح) :

لقد نال الإمامُ البُخاريُّ رحمه اللَّهُ تعالى في (صحيحه) ، قصب السَّبق في الكشفِ عن الأسانيدِ المُختلفةِ، والأساليب المتنوعةِ في روايةِ الأحاديثِ، ولعلَّ عنايته برواية الأقران تمثل أنموذجاً ممتازاً، وبرهاناً ساطعاً على الذَّوق الحديثيِّ الذي كان يتمتع به هذا الإمام، لذا رأينا أن نذكر أمثلةً من (صحيحه) على رواية الأقران، وهي فائدة مِنَ الفوائد الإسناديَّةِ المختلفة التي يحفل بها هذا الكتاب العظيم، والتي تُضفي عناصر علميَّة في مجال توثيق النُّصوصِ، وتقوي حبّ الاستطلاع لدى الباحثين المتأصلين الذين يُدركونَ المفهوم الواسع لهذهِ الأسانيد.. .

ص: 27

1-

قال البُخاريُّ: حَدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ محمدٍ، قال: حدَّثنا أبو عامرٍ العَقَدِيُّ، قال: حدَّثنا سُليمانُ بنُ بلالٍ، عن عبدِاللَّهِ بنِ دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمانُ بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعبةً، والحَياءُ منَ الإيمان"(1) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: في الإسنادِ المذكورِ رواية الأقران، وهي: عبدُاللَّه ابن دينار، عن أبي صالحٍ لأنَّهما تابعيَّان، فإن وجِدت رواية أبي صالحٍ، عنهُ صار مِنَ المُدَبَّجِ.

2-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عبدُاللَّه بنُ يوسُفَ، قال: حدَّثنا اللَّيثُ، عن سعيدٍ- هو المَقْبُرِيُّ - عن شَريكِ بنِ عبدِاللَّهِ بنِ أبي نَمِرٍ، أنَّهُ سمِعَ أنسَ بنَ مالكٍ يقولُ: بينما نحنُ جُلوسٌ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ..الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: وفيه رواية الأقران، لأنَّ سعيداً، وشَريكاً تابعيَّان من درجةٍ واحدة، وهما مدنيَّان.

3-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا يحيى بنُ بُكيرٍ، قال: حدَّثنا اللَّيثُ، عن خالدٍ، عن سعيدِ بنِ أبي هلالٍ، عن نُعيمٍ المُجْمِرِ، قال: رَقيتُ معَ أبي هريرةَ على ظَهْرِ المَسْجِدِ.. الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: خالد، هو ابنُ يزيد الإسكندرانيّ أحد الفقهاء الثِّقات، وروايته عن سعيد بنِ أبي هلالٍ، من بابِ رواية الأقران.

4-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ يوسُفَ، قال: أخبرنا مالكٌ، عن سعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن عُبيدِ بنِ جُريجٍ، قال لعبدِاللَّهِ بنِ عمرَ: يا أبا عبدِالرَّحمن، رأيتُكَ تَصْنَعُ أربعاً لَمْ أرَ أحداً مِنْ أصْحابِكَ يَصْنَعُها..الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: وهذا الإسنادُ كلّه مدنيونَ، وفيه رواية الأقران، لأنَّ عبيداً، وسعيداً تابعيَّانِ مِن طبقةٍ واحدةٍ.

(1) البخاري: 1/51، برقم:(9) .

ص: 28

5-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا حفصُ بنُ عُمَرَ، قال: حدَّثنا شُعبةُ، قال: أخبرني أشْعَثُ بنُ سُلَيْمٍ، قال: سمعتُ أبي، عن مَسْروقٍ، عن عائشةَ..الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: قوله: سمعتُ أبي، هو سُليمُ بنُ أسودَ المُحَارِبيُّ الكوفيُّ، أبو الشَّعثاء، مشهور بكنيته أكثر مِن اسمه، وهو من كبار التَّابعين كشيخهِ مسروق، فهما قرينان، كما أنَّ أشعث وشُعبةَ قرينان، وهما مِن كبار التَّابعين.

6-

قال البخاريُّ: حدَّثني محمدُ بنُ سلامٍ، قال: أخبرنا يَزيدُ بنُ هارونَ، عن يحيى، عن موسى بنِ عُقبةَ، عن كُريبٍ مولى ابنِ عبَّاسٍ، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أفاضَ مِن عَرَفةَ..الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: ويحيى هو ابنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، وفي هذا الإسنادِ رواية الأقران، لأنَّ يحيى، وموسى بن عُقبةَ تابعيَّان صغيرانِ، مِن أهلِ المدينةِ، وكُريب مولى ابن عباسٍ، مِن أوسطِ التَّابعينَ، ففيه ثلاثة مِنَ التَّابعينَ في نَسَقٍ.

7-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عَمرو بنُ عليٍّ، قال: حدَّثنا عبدُالوَهَّابِ، قال: سمعتُ يحيى بنَ سعيدٍ، قال: أخبرني سَعْدُ بنُ إبراهيمَ، أنَّ نافعَ بنَ جُبير بنِ مُطْعِمٍ أخبرهُ أنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ يُحَدِّثُ عن المُغيرَةِ بنِ شُعبةَ، أنَّهُ كانَ مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، وأنَّهُ ذَهبَ لحاجةٍ..الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: وفي الإسنادِ رواية الأقرانِ في مَوضعينِ، لأنَّ يحيى وسَعداً تابعيَّان صغيران، ونافع بن جُبير، وعُروة بن المُغيرة تابعيَّان وسطان، ففيه أربعةٌ مِنَ التَّابعينَ في نَسَقٍ، وهو مِنَ النَّوادِرِ.

ص: 29

8-

قال البخاريُّ: حدَّثنا إسماعيلُ، قال: حدَّثني مالكٌ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن امرأتهِ فاطمةَ، عن جدَّتِهَا أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ، أنَّها قالت: أتيتُ عائشَةَ زوجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ خَسَفَتِ الشَّمسُ..الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: الإسنادُ كلُّهُ مدنيُّونَ، وفيهِ رواية الأقران هِشام وامرأته فاطمة بنت عَمِّه المنذر.

9-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا أبو نُعيمٍ، قال: حدَّثنا زُهيرٌ، عن أبي إسحاقَ، قال: حدَّثني سُليمانُ بنُ صُرَدٍ، قال: حدَّثني جُبيرُ بنُ مُطْعِمٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أمَّا أنا فأُفيضُ على رَأْسِي ثلاثاً" وأشار بيديهِ كِلتَيْهِما.

قال الحافظُ ابنُ حجر: وسُليمانُ بنُ صُرَدٍ خُزاعيٌّ، وهو مِن أفاضل الصَّحابةِ، وأبوهُ وشيخهُ مِن مشاهير الصَّحابةِ، ففيهِ رواية الأقران.

10-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا أبو مَعْمَرٍ، قال: حدَّثنا عبدُالوارثِ، عن الحُسينِ، قال: يحيى: وأخبرني أبو سَلَمَةَ أنَّ عطاءَ بنَ يسارٍ أخبرهُ أنَّ زيدَ بنَ خالدٍ الجُهَنِيَّ أخبرهُ أنَّهُ سَأَلَ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ، فقال:"أرأيتَ إذا جامعَ الرَّجلُ امرأَتَهُ فَلَمْ يُمْني؟ قال عُثمانُ: يَتَوَضَّأُ للصَّلاةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ"قال عُثْمانُ: سَمِعتُهُ مِن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فسَأَلْتُ عن ذلكَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ، والزُّبيرَ بنَ العَوَّامِ، وطَلْحَةَ بنَ عُبيدِاللَّهِ، وأُبيَّ بنَ كَعبٍ، رضي الله عنهم، فأمروهُ بذلكَ. قال يحيى: وأخبرني أبو سَلَمَةَ أنَّ عُروةَ بنَ الزُّبيرِ أخبرهُ أنَّ أبا أيُّوبَ أخبرهُ أنَّهُ سَمِعَ ذَلكَ مِن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 30

قال الحافظُ ابنُ حجر:.. مع أنَّ أبا سلمةَ، وهو ابن عبد الرَّحمن بن عوفٍ أكبر قَدْراً وسنّاً وعلماً من هشام بن عروة، وروايته عن عُروة من بابِ رواية الأقران لأنَّهما تابعيَّان فقيهان مِن طبقةٍ واحدةٍ، وكذلك رواية أبي أيوبَ، عن أُبيِّ بن كعبٍ لأنَّهما فقيهان صحابيَّانِ كبيران.

11-

قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بنُ بُكيرٍ، قال: حدَّثنا الليثُ عن جعفرِ ابنِ ربيعةَ، عن الأعرجِ، قال: سمعتُ عُميراً مولى ابنِ عباسٍ، قال: أقبلتُ أنا وعبدُاللَّهِ بنُ يسارٍ مَولى مَيمونةَ زوجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم..الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجر: قوله: "سمعتُ عُميراً مولى ابن عباس"، هو ابن عبيد اللَّه بن عباس..وليس لهُ في الصَّحيح غير هذا الحديثِ، وحديث آخر عن أمِّ الفضلِ، ورواية الأعرج عنهُ مِن رواية الأقران.

12-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بنُ عبدِاللَّهِ، قال: حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ بنِ سعدٍ، قال: حدَّثني أبي، عن صالحِ بنِ كيسانَ، قال: حدَّثنا نافعٌ، أنَّ عَبْدَاللَّهِ أخبرهُ أنَّ المسجِدَ كانَ على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَبنيَّاً باللَّبِنِ وَسَقفُهُ الجَريدُ وَعَمَدُهُ خشَبُ النَّخلِ..الحديث

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: ورواية صالح بن كيسانَ، عن نافعٍ، مِن رواية الأقرانِ، لأنَّهُما مدنيَّانِ ثِقتانِ، تابعيَّانِ، من طبقةٍ واحدةٍ.

13-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا مُسَدَّدٌ، قال: حدَّثنا حمَّادٌ، عن أيوبَ، وعبدِالحميدِ صاحبِ الزِّيادِيِّ، وعاصِمٍ الأحولِ، عن عبدِاللَّهِ بنِ الحارثِ، قال: "خَطَبَنا ابنُ عَبَّاسٍ في يومِ رَدْغٍ، فلمَّا بَلَغَ المُؤذِّنُ

"، الحديث.

ص: 31

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ: حمَّاد، هو ابنُ زيد، وعبد الحميد هو ابن دينارٍ، وعبد اللَّهِ بن الحارثِ، هو البصريُّ ابن عَمِّ ابن سيرينَ وزوج ابنته، وهو تابعيٌّ صغير، ورواية الثلاثة عنهُ مِن بابِ رواية الأقران لأنَّ الثَّلاثةَ مِن صغار التَّابعينَ، ورجال الإسناد كلّهم بصريون.

14-

قال البخاريُّ: إسحاقُ الواسطيُّ، قال: حدَّثنا خالدٌ، عن الجُرَيْرِيِّ، عن أبي العلاء، عن مُطَرِّفٍ، عن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ، قال:"صَلَّى مع عَلِيٍّ رضي الله عنه بالبصرةِ فقال: ذَكَّرَنا هذا الرَّجُلُ صلاةً كُنَّا نُصليها مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: خالدٌ هو الطَّحَّانُ، والجُريريُّ هو سعيدٌ، وأبو العلاء، هو يزيدُ بنُ عبدِاللَّهِ بنِ الشِّخِّيرِ، أخو مُطَرِّف الذي روى هذا الحديث عنهُ، والإسنادُ كُلُّهم بصريونَ، وفيه رواية الأقران والإخوة.

15-

قال البخاريُّ: وقال اللَّيثُ: حدَّثني يحيى بنُ سعيدٍ حدَّثهُ عن ابنِ شِهابٍ، عن امرأٍ مِن قُريشٍ حدَّثَهُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: يحيى بنُ سعيدٍ، وهو الأنصاريُّ، وروايتهُ عن الزُّهريِّ مِن رواية الأقران.

16-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا حَفصُ بنُ عُمرَ، حدَّثنا شُعبةُ، قال: أخبرني عبدُالملكِ، عن قَزَعَةَ، قال: سمعتُ أبا سعيدٍ رضي الله عنه أربعاً.. .الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: ورواية عبد الملك بن عُميرٍ، عنه - أي قزعة - من رواية الأقران، لأنَّهما مِن طبقةٍ واحدة.

17-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا أبو عاصمٍ، أخبرنا ابنُ جُريجٍ، قال: أخبرني صالحُ بنُ كَيسانَ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنه قال: أهَلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: ورواية صالح بن كيسان، عن نافعٍ من رواية الأقرانِ.

ص: 32

18-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زيدٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن موسى بنِ عُقبةَ، عن كُريبٍ مولى ابن عبَّاسٍ، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما:"أنَّ النَّبَيَّ صلى الله عليه وسلم حيثُ أفاضَ مِن عرفةَ مالَ إلى الشّعب..".

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ عن يحيى بن سعيدٍ، هو الأنصاريّ، وروايته عن موسى بن عُقبة مِن رواية الأقران لأنَّهما تابعيَّان صغيران، وقد حملهُ موسى عن كُريبٍ، فصار في الإسناد ثلاثة مِنَ التَّابعينَ.

19-

قال البُخاريُّ: حدَّثني يحيى بنُ بُكيرٍ، قال: حدَّثني اللَّيْثُ، عن عُقيلٍ، عن ابنِ شِهابٍ، قال: أخبرني ابنُ أبي أنسٍ مولى التَّيْمِيينَ أنَّ أباهُ حدَّثهُ أنَّهُ سمعَ أبا هُريرةَ رضي الله عنه يقولُ: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إذا دخلَ شهرُ رَمَضَانَ فُتِحَت أبوابُ السَّماءِ، وَغُلِّقَتْ أبوابُ جَهنَّمَ.." الحديث.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وهذا الإسنادُ يُعدُّ مِن روايةِ الأقران، وقد تأخر أبو سُهيلٍ في الوفاة عن الزُّهريِّ.

20-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا أبو عاصمٍ، أخبرنا ابنُ جُريجٍ، قال: أخبرني موسى بنُ عُقبةَ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"خرجَ ثلاثةُ نَفَرٍ يمشونَ.."(1) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وروايتهُ - أي ابن جُريج - عن موسى، من نوع رواية الأقران، وفي الإسنادِ ثلاثةٌ مِنَ التَّابعينَ في نَسَقٍ.

21-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا يحيى بنُ بُكيرٍ، حدَّثنا اللَّيثُ، عن يُونُسَ، عن ابنِ شِهابٍ، عن عُبيدِاللَّهِ بنِ عبدِاللَّهِ بن عُتبةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، أنَّ الصَّعْبَ بنَ جُثَّامةَ قال:: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لا حِمى إلَاّ لِلَّهِ ولرسولهِ.."(2) .

(1) البخاري: 4/408 (2215) .

(2)

البخاري: 5/44 (2370) .

ص: 33

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: يونُس، هو ابنُ يزيدَ الأَيْلِيُّ، وروايتُهُ عن اللَّيثِ مِنَ الأقرانِ، لأنَّهُ قد سمعَ مِن شيخهِ ابنِ شِهابٍ، وفي الإسنادِ تابعيان، وصحابيَّانِ.

22-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا أحمدُ بنُ يُونُسَ، حدثنا عاصمُ بنُ محمدٍ، قال: حدَّثني واقِدُ بنُ محمدٍ، قال: حدَّثني سعيدُ بنُ مَرْجَانَةَ صاحبُ عَليِّ بنِ الحُسينِ، قال: قال لي أبو هريرةَ رضي الله عنه: قال النَّبِّيُّ صلى الله عليه وسلم:"أيَّما رجُلٍ أعتَقَ مُسْلِماً استنقَذَ اللَّهُ بكُلِّ عُضوٍ منهُ عُضواً مِنَ النَّار

" (1) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: عبدُاللَّهِ بنُ جعفر، أي ابن أبي طالبٍ، وهو ابن عمِّ والد عليّ بن الحُسين، وكانت وفاته سنة ثمانين من الهجرة، ومات سعيد بن مَرْجَانَةَ سنة سبعٍ وتسعينَ، ومات عليّ بن الحُسين قبله بثلاثٍ، أو أربعٍ، روايته عنهُ من رواية الأقرانِ.

23-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ محمدٍ، حدَّثنا سُفيانُ، عن عَمرٍو، سمعَ جابراً، عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ رضي الله عنهم، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"يأتي زمانٌ يَغزو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ.."(2) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وجابرُ هو ابنُ عبد اللَّهِ، وروايته عن أبي سعيدٍ، من رواية الأقران.

24-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بنُ عبدِاللَّهِ، حدَّثنا سُفيانُ، حدَّثنا أبو الزِّنادِ، عن الأعرجِ، عن أبي سلمةَ، عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: صلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبح، ثُمَّ أَقبلَ على النَّاسِ فقال:"بينا رجُلٌ يسوقٌ بَقَرَةً.."(3) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ: عن الأعرجِ، عن أبي سَلَمَةَ، هو مِن روايةِ الأقرانِ.

(1) البخاري: 5/146 (2517) .

(2)

البخاري: 6/88 (2897) .

(3)

البخاري: 6/512 (3471) .

ص: 34

25-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا إسماعيلُ، قال: حدَّثني أخي، عن سُليمانَ ابنِ بلالٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، قال: أخبرني حفصُ بنُ عُبيدِاللَّهِ بنِ أنسِ بن مالكٍ، أنَّهُ سمعَ جابرَ بنَ عبدِاللَّهِ رضي الله عنهما، يقولُ:"كانَ المسجدُ..".

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: إسماعيلُ هو ابنُ أبي أويسٍ، وأخوهُ هو أبو بكرٍ، ويحيى بنُ سعيدٍ هو الأنصاريُّ، وروايته عن حفصٍ، من رواية الأقران، لأنَّهُ مِن طبقتهِ.

26-

قال البُخاريُّ: حدثنا عليُّ بنُ عبدِاللَّهِ، حدَّثنا سفيانُ، عن عَمرٍو، قال: سمعتُ جابرَ بنَ عبدِاللَّهِ يقول: حدَّثنا أبو سعيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يأتي على النَّاسِ زمانٌ فيغزو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ

" (1) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: حديثُ جابر بن عبدِاللَّهِ، عن أبي سعيدٍ، هو من رواية صحابيّ، عن صحابي.

27-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا إسحاقُ، حدَّثنا النَّضْرُ، أخبرنا شُعبةُ، عن أبي جَمْرَةَ، سمعتُ زَهْدَمَ بنَ مُضَّربٍ، قال: سمعتُ عِمرانَ بنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما، يقولُ: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"خَيْرُ أُمَّتي قَرْنِي، ثُمَّ الذينَ.."(2) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: والنَّضْرُ هو ابنُ شُميلٍ، وأبو جَمْرَةَ صاحب ابن عباسٍ، وحدَّثَ هنا تابعيٌّ، عن تابعِيٍّ مثله.

28-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا إسماعيلُ، قال: حدثني أخي، عن سُليمانَ، عن يحيى، عن حُميدٍ الطَّويلِ: سمعَ أنسَ بنَ مالكٍ رضي الله عنه

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: ويحيى هو ابنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، وروايته عن حُميدٍ من رواية الأقران.

(1) البخاري: 7/3 (3649) .

(2)

البخاري: 7/3 (3651) .

ص: 35

29-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عَمرُو بنُ محمدٍ، حدَّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا أبي، عن صالحِ بنِ كَيسانَ، عن ابنِ شِهابٍ، قال: أخبرني أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه أنَّ اللَّهَ تعالى تابعَ على رسوله صلى الله عليه وسلم حتَّى قبلَ وفاتهِ

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: ورواية صالح بن كيسان، عن ابنِ شِهابٍ، من رواية الأقرانِ، بل صالح بن كيسان أكبر سِناً، وأقدمُ سَماعاً.

30-

قال البُخاريُّ: وزادَ أبو مَعْمَرٍ: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ جعفرٍ، عن مالكِ ابن أنسٍ، عن عبدِالرَّحمن بن عبد اللَّهِ بن عبد الرَّحمن بن أبي صَعْصَعَةَ، عن أبيهِ، عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، أخبرني أخي قَتَادة بن النُّعمان: أنَّ رجُلاً قامَ في زمن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يقراُ مِنَ السَّحَرِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لايزيدُ عليها.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ جعفرٍ، عن مالكٍ، هو مِن رواية الأقران.

قلتُ: ورواية أبي سعيدٍ الخُدريِّ، عن أخيه قتادة بن النُّعمان بن زَيد بن عامر الأنصاريِّ الظَّفَريّ، وهو صحابيٌّ، شَهِدَ بدراً، وهو أخو أبي سعيدٍ لأمِّهِ، من رواية الأقران.

31-

قال البُخاريُّ: حدَّثني محمدُ بنُ سلامٍ، أخبرنا وكيعٌ، عن ابنِ عُيينةَ، قال: قال لي مَعْمَرٌ، قال الثَّوريُ: هل سمعتَ في الرَّجُلِ يجمعُ لأهلهِ قُوتَ سنتهم أو بعض السَّنَة؟ قال معمَرٌ: فلم يحضرني، ثُمَّ ذَكرتًُ حديثاً حدَّثناهُ ابنُ شِهابٍ الزُّهريُّ، عن مالكِ بن أوسٍ، عن عمر رضي الله عنه

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: هذا الحديثُ فات ابن عُيينة سماعه من الزُّهريِّ، فرواه عنه بواسطة مَعْمَر.. وأخرجه الحُميديُّ، وأحمدَ في مُسنديهما، عن سُفيانَ، عن مَعمَر، وعَمرو بنِ دينار جميعاً..وفي كلٍّ من الإسنادين رواية الأقران، فإنَّ ابن عُيينة عن معمر قرينان، وعَمرو بن دينارٍ عن الزُّهريِّ كذلك.

ص: 36

32-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بنُ عبدِاللَّهِ، حدَّثنا مُعاذُ بنُ هِشامٍ، قال: حدَّثني أبي، عن يُونُسَ - قال عليٌّ: هو الإسكاف - عن قتادةَ، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: ماعلِمتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أكلَ على سُكُرُّجةٍ قطُّ

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وفي الحديثِ رواية الأقران، لأنَّ هِشَاماً ويُونُس مِن طبقةٍ واحدةٍ.

33-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا حِبَّانُ بنُ موسى، أخبرنا عبدُاللَّهِ، حدَّثنا يُونُسُ ابنُ يزيدَ، عن عُقيلٍ، عن ابنِ شِهابٍ، عن عُروةَ، عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّها كانت تأمرُ بالتَّلبين للمريضِ، وللمحزونِ على الهالكِ

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ: حدَّثنا يونُسُ بنُ يزيدَ، عن عُقَيْلٍ، هو مِن روايةِ الأقرانِ.

34-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ يوسُفَ، أخبرنا مالكٌ، عن ابنِ شِهابٍ، عن عبدِالمجيدِ بنِ عبدِالرَّحمن بنِ زيدِ بنِ الخَطَّابِ، عن عبدِاللَّهِ بنِ عبدِاللَّهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفَلٍ، عن عبدِاللَّهِ بنِ عبَّاسٍ: أنَّ عُمرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه خرجَ إلى الشَّامِ، حتَّى إذَا كانَ بِسَرْغ لقيهُ أمراء الأجناد

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ: عن عبدِالحميدِ، روايتُهُ عن شيخه فيه مِن رواية الأقرانِ، وفي السَّنَدِ ثلاثة مِنَ التَّابعينَ في نَسَقٍ، وصحابيَّانِ، في نَسَقٍ، وكلُّهُم مدنيُّونَ، وقوله: عن عبدِاللَّهِ بنِ عبدِاللَّهِ بن الحارثِ، أي ابن نوفل بن الحارث ابن عبد المُطَّلِبِ، لجدِّ أبيه نوفل ابن عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صُحبة، وكذا لولدهِ عبدِاللَّهِ بنِ الحارثِ، وولدَ عبد اللَّهِ بن الحارث في عهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فعدَّ لذلكَ في الصَّحابةِ، فهم ثلاثةٌ مِنَ الصَّحابةِ في نَسَقٍ.

ص: 37

35-

قال البُخاريُّ: حدَّثني عبدُاللَّهِ بنُ محمدٍ، حدَّثنا عارِمٌ، حدَّثنا المُعْتَمِرُ ابنُ سُليمانَ، يُحَدِّثُ عن أبيهِ، قال: سمعتُ أبا تَمِيْمَةَ يُحدِّثُ عن أبي عُثمانَ النَّهْدِيِّ يُحدِّثُهُ أبو عُثمانَ، عن أُسامةَ بن زيدٍ، رضي الله عنهما: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأخذُني فَيُقْعِدُني على فَخِذِهِ

وعن عليٍّ، قال: حدَّثنا يحيى، حدَّثنا سُليمانُ، عن أبي عُثمانَ، قال التَّيْمِيُّ: فوقعَ في قلبي منهُ.. .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ: وعن عليٍّ، قال: حدَّثنا يحيى، حدَّثنا سُليمانُ، أمَّا عليّ فهو عليُّ بن عبدِاللَّهِ المَدينيُّ، وأمَّا يحيى، فهو ابنُ سعيدٍ القطَّانُ، وأمَّا سُليمانُ، فهو التَّيْمِيُّ المذكور قبل، ثُمَّ هو معطوفٌ على السَّنَدِ الذي قبلهُ، وهو قولهُ: حدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ محمدٍ، فيكونُ مِن رواية البُخاريّ، عن عليٍّ، ولكنَّهُ عَبَّرَ عنهُ بصيغة عن، فقال: حدَّثنا عبدُاللَّه بنُ محمد إلخ، ويحتملُ: أن يكونَ معطوفاً على قولهِ: حدَّثنا عارمٌ، فيكونُ مِن روايةِ البُخاريِّ، عن شيخهِ بواسطة قَرينهِ، عبد اللَّهِ بن محمدٍ، ولا يُستغرَبُ ذلكَ مِن روايةِ الأقران، ولا مِنَ البُخاريِّ فقد حدَّثَ بالكثيرِ عن كثيرٍ من شيوخهِ، ويُدخلُ أحياناً بينهم الواسطة. وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وفي السَّندِ على الأوَّلِ ثلاثةٌ بصريونَ مِنَ التَّابعينَ في نسقٍ، مِن سُليمانَ التَّيْمِيِّ، فصاعداً.

36-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ أبي أويسٍ، قال: حدَّثني مالكٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، قال: أخبرني أبو بكر بنُ محمدٍ، عن عَمْرَةَ، عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مازالَ جِبْريلُ يُوصيني بالجار، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثهُ"(1) .

(1) البخاري: 1/441 (6014) .

ص: 38

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قولهُ: أبو بكر بن محمدٍ، أي ابن عَمرو بن حزمٍ، وَعَمرةُ هي أمُّهُ، والسَّنَدُ كلُّهُ كوفيُّونَ، وفيه ثلاثةٌ مِنَ التَّابعينَ في نسقٍ، وقد سمعَ يحيى بنُ سعيدٍ وهو الأنصاريُّ من عَمرةَ كثيراً وربَّما دخل بينهما واسطة مثل هذا، وروايتُهُ عن أبي بكر المذكور مِنَ الأقران.

37-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عليُّ بنُ الحَدَّادِ، أخبرنا شُعبةُ، عن سَيَّارٍ، عن ثابتٍ البُنَانِيِّ، عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه: أنَّهُ مَرَّ على صبيانٍ فَسَلَّمَ وقال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفعله.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: سيَّار، هو أبو الحَكَمِ وهو عَنَزِيٌّ واسطيٌ، من طبقةِ الأعمشِ، وتقدَّمت وفاتُهُ على وفاة شيخِهِ ثابتٍ البُنانيِّ بِسَنَةٍ وقيل: أكثر، وليس لهُ في (الصَّحيحين) عن ثابتٍ إلَاّ هذا الحديث.. ورواية شُعبة عنهُ مِن رواية الأقرانِ، وقد حدَّثَ شُعبةُ عن ثابتٍ نفسِهِ بعدَّة أحاديث.

38-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ مَسْلَمَةَ، عن مالكٍ، عن عبدِاللَّهِ ابنِ أبي بكرٍ، عن أبيهِ، عن عَمرو بنِ سُليمٍ الزُّرَقِيِّ، قال: أخبرني أبو حُميدٍ السَّاعديُّ، أنَّهُم قالوا: يارسولَ اللَّهِ، كيفَ نُصَلِّي عليكَ؟

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: عبدُاللَّهِ بنُ أبي بكرٍ، هو أبو بكر بنُ محمدِ بن عَمرو ابن حزمٍ الأنصاريُّ، وروايتُهُ عن عَمرو بنِ سُلَيْمٍ منَ الأقرانِ، وولده من صغار التَّابعينَ، ففي السَّنَدِ: ثلاثةٌ مِنَ التَّابعينَ في نَسقٍ، والسَّنَدُ كلُّهُ مَدنيُّونَ.

39-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عُثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدَّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، عن مسروقٍ، عن عائشةَ قال: دَخَلَتْ عَلَيَّ عجوزانِ مِن عُجُزِ يهودِ المدينةِ فقالتا لي: إنَّ أهلَ القُبورِ يُعذَّبونَ في قُبُورِهِم

.

ص: 39

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وجريرٌ المذكور.. هو ابنُ عبدِالحميدِ، ومنصورُ، هو ابنُ المُعْتَمِرِ، من صغار التَّابعين، وأبو وائلٍ، هو شقيقُ بنُ سَلَمَةَ، وهو ومسروق شيخه، من كبار التَّابعينَ، ورجالُ الإسنادِ كُلُّهم كوفيُّونَ إلى عائشةَ، ورواية أبي وائلٍ، عن مَسْروقٍ مِنَ الأقران.

40-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا إسماعيلُ، حدَّثني أخي، عن سُليمانَ، عن ثَوْرٍ، عن أبي الغَيْثِ، عن أبي هريرةَ: أنَّ النَّبَيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أوَّلُ مَن يُدعى يومَ القيامَةِ آدَمُ، فَتَراءى ذُرِّيتهُ فيقالُ: هذا أبوكُم آدَمُ...."(1) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: إسماعيلُ، هو ابنُ ابي أُويسٍ، وأخوهُ هو أبو بكر ابنُ عبدِالحميدِ، وسُليمانُ، هو ابنُ بلالٍ.. وثورُ، هو ابنُ زيدٍ الدِّيليُّ، وأبو الغَيْثِ، هو سَالمٌ، والكُلُّ مدنيُّونَ، ورواية إسماعيلَ، عن أخيهِ مِن روايةِ الأقرانِ، وكذا سُليمانُ عن ثورٍ، ولكنَّ إسماعيل أصغر مِن أخيهِ، وسُليمان أصغر مِن ثورٍ.

41-

قال البُخاريُّ: حدَّثني محمدُ بنُ الحُسينِ بنِ إبراهيمَ، أخبرنا عُبيدُاللَّهِ ابنُ موسى، أخبرنا كيسانُ، عن فِراسٍ، عن الشَّعبيِّ، عن عبدِاللَّهِ بنِ عَمرو، رضي الله عنهما، قالا: جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يارسولَ اللَّهِ ماالكبائِر؟ قال: "الإشراكُ باللَّهِ

" (2) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: ومحمدُ بنُ الحسين بن إبراهيمَ في أول السَّنَدِ هو المعروف بابنِ أشْكَاب، أخو عليٍّ، وهو مِن أقران البُخاريِّ، ولكنَّهُ سمع قبلهُ قليلاً، ومات بعدهُ، وعُبيدُاللَّهِ بنُ موسى شيخهُ، هو مِن كبار شيوخ البُخاريِّ المشهورينَ، وقد أكثرَ عنهُ بلا واسطة.

(1) البخاري: 11/378 (6529) .

(2)

البخاري: 12/264 (6920) .

ص: 40

42-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ محمدِ بنِ أسماء، حدَّثنا جُويْريَّةُ، عن مالكٍ، عن الزُّهريِّ: أنَّ سعيدَ بنَ المُسَيّبِ، وأبا عُبيدٍ أخبراهُ، عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لو لَبِثْتُ في السِّجْنِ ما لَبِثَ يوسُفُ ثُمَّ أتاني الدَّاعي لأجَبتُهُ"(1) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: جُويريَّةُ، هو ابنُ إسماعيلَ الضُّبَعِيُّ، وروايتُهُ عن مالكٍ مِنَ الأقرانِ.

43-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا عبدُاللَّهِ بنُ يزيدَ المقرئ، حدَّثنا سعيدٌ، حدَّثني عُقيلٌ، عن ابنِ شِهابٍ، عن عامرِ بنِ سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ، عن أبيهِ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ أعظَمَ المسلمينَ جرماً مَن سَألَ عن شيءٍ لَمْ يُحَرَّم، فَحُرِّمَ مِن أجلِ مَسْأَلَتِهِ"(2) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: سعيدُ، هو ابنُ أبي أيُّوبَ، وهو الخُزاعيُّ المِصريُّ، وروايتُهُ عن عُقيلِ هو ابنُ خالدٍ، تدخلُ في روايةِ الأقرانِ، لأنَّهُ مِن طبقتهِ.

44-

حدَّثنا حَمَّادُ بنُ حُميدٍ، حدَّثنا عُبيدُاللَّهِ بنُ مُعاذٍ، حدَّثنا أبي، حدَّثنا شُعبةُ، عن سَعْدِ بنِ إبراهيمَ، عن محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ، قال: رأيتُ جابرَ بنَ عبدِاللَّهِ يَحْلِفُ باللَّهِ أنَّ ابنَ الصَّيَّادِ الدَّجَّال

.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وسعدُ بنُ إبراهيمَ أي ابن عبد الرَّحمن بن عوفٍ، وروايتُهُ عن محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ منَ الأقرانِ، لأنَّهُ مِن طبقتهِ.

(1) البخاري: 12/381 (6992) .

(2)

البخاري: 12/264 (7289) .

ص: 41

45-

قال البُخاريُّ: حدَّثنا إسحاقُ، حدَّثنا عفَّانُ، حدَّثنا وُهَيْبٌ، حدَّثنا موسى - هو ابن عُقبةَ - حدَّثني محمدُ بنُ يحيى بن حَيَّانَ، عن ابنِ مُحَيْريزٍ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ في غزوةِ بني المُصْطَلَقِ أنَّهُم أصابوا

وقال مجاهدٌ، عن قَزَعَةَ: سمعتُ أبا سعيدٍ فقال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ليست نَفْسٌ مَخْلوقَة إلَاّ اللَّهُ خالقها"(1) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: مُجاهدٌ، عن قزَعَةَ، هو ابنُ يحيى، وهو مِن روايةِ الأقرانِ، لأنَّ مُجاهداً وهو ابنُ جَبْرٍ المُفَسِّرُ المشهور المكيُّ في طبقةِ قَزَعَةَ.

إنَّ هذا التَّتبع لروايات الأقران في (صحيح البخاري) لا يفيد الحصر، غير أنَّهُ يبرز للباحث المتأمل أهمية المُدَبَّج ورواية الأقران، وأثره في علم الرِّواية، وتوثيق النُّصوص، كما أنَّه يظهر مدى الثِّقة والاعتزاز بالشُّيوخِ، والعمل على ترجيح رأيهم وإعطائهِ أهمية في موطن الخلاف، سيما أنَّ رواية الأقران تعني في غالب الأحوال، رواية أهل الأمصار بعضهم عن بعض، وهذا سيقودنا إلى ظاهرة التَّنافس العلمي التي برزت بينَ المدارس والأقاليم، في القرن الثَّاني الهجري، والتي كان من مظاهرها الاعتزاز والتَّشبث بمرويات الشُّيوخ، وتفضيل آرائهم الفقهية، وتقديمها على مرويات وآراء غيرهم مِن شيوخ المدن الأخرى.

قال البُخاريُّ: حدَّثني محمدُ بنُ عرعرةَ، حدَّثنا شُعبةُ، عن سعدِ بنِ إبراهيمَ، عن أبي سلمةَ، عن عائشَةَ رضي الله عنها أنَّها قالت: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللَّهِ؟ قال: "أدوَمُها وإنْ قَلَّ". وقال: "اكلَفوا منَ الأعمالِ ما تُطيقُونَ"(2) .

(1) البخاري: 13/390-391 (7409) .

(2)

البخاري: 11/294 (6465) .

ص: 42

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: قوله: عن سعدِ بنِ إبراهيمَ: أي ابن عبد الرَّحمن ابن عوفٍ، وأبو سلمة شيخه هو عمه. قوله: عن عائشةَ: وقع عندَ النَّسائيّ: من طريق ابنِ إسحاقَ، وهو السَّبيعِيّ، عن أبي سَلَمَةَ، عن أمِّ سَلَمَةَ، فذكر معنى حديث عائشةَ، ورواية سعد بن إبراهيمَ، أقوى لكون أبي سَلَمَةَ بلديه وقريبه.

عناية كتب التَّراجم برواية الأقران:

إنَّ عناية النُّقاد والمؤرخين من المُحَدِّثين في كتُبِ التَّراجم على ذِكرِ رواية الأقران قد لقيت العناية في كثيرٍ من المواضع في أثناء ترجمتهم للرواة، ومن أمثلة ذلك:

قال الإمامُ المِزِّيُّ في ترجمة إسحاق بن إبراهيم بن يونس: روى عنهُ النَّسائيُّ وهو من أقرانه.

قال الإمامُ المِزِّيُّ في ترجمة سليمان بن داود المُباركيِّ: روى عنهُ..خلف ابن هِشامٍ البزَّارُ، وهو مِن أقرانهِ.. .

وقال الحافظ ابنُ حجرٍ في ترجمة سلامة بن روح الأُمويِّ: روى عنهُ قرينه محمد بن عزيز.

وقال الحافظ ابنُ حجرٍ في ترجمة عثمان بن خالد بن عمر الأُمويِّ: روى عنهُ قرينه سعيد بن خالد بن عبدِاللَّهِ.

وبعد، فإنَّ الحديث عن المُدَبَّجِ وروايةِ الأقران، والذي يقومُ على أساس دراسةِ الأسانيد، يمثل نمطاً من أنماط الرِّواية عند المُحَدِّثينَ، قد يستغرق مساحة أكبر ممَّا جاء في هذهِ الصَّفحات، غير أنَّ ماذكرناه في هذا البحث قد استوفى المادة العلميَّة المتمثلة في تحليل مادته، وإبراز عناصره الهامة، وأثر هذا النَّوع من المُصنَّفات في توثيق النُّصوصِ، قد أعطى صورة متكاملة عن أهميَّة علم الرِّواية، وأثره في الحضارة الإسلاميَّة، بل في الحضارة جمعاء.

الخاتمة

ص: 43

تُعدُّ رواية الحديث النَّبويّ الشَّريف، وقوانينها المُحكمة، والأنماط المُتَّبعة لروايتها منَ العُلومِ التي أدّت دوراً بارزاً في الحفاظ على السُّنَّةِ وعلومها، ولا تزال هذهِ القوانينُ والأنماط مجهولة لدى الكثير من المشتغلين في توثيق النُّصوصِ وضبطها، وتفتقر إلى المزيد من البحوثِ المُعاصرة كي تسترعي نظر الباحثينَ والمُحللين، وتميط اللثام عن أهميَّة هذا العلم ومنهجه الفريد، واتجاهاته المُختلفة التي حالت دون العبث بتراثنا، وقدَّمت برهاناً ساطعاً غير مشكوك فيه على دقَّةِ المُحدِّثينَ وسلامة منهجهم في توثيقِ النُّصوصِ وضبطها.

وبحثنا هذا حاول أن يبرز جانباً من جوانب علم الرِّواية عند المُحَدِّثين، وأثره المميز الذي تفتقده معظم الحضارات القديمة والحديثة على حدٍّ سواء.

إنَّ الأمثلة التي حرصنا على ذِكرها في بحثنا هذا والتي كان معظمها من كتاب (الجامع الصَّحيح) للإمام البُخاريِّ، رحمه اللَّهُ تعالى، قد وفرت لنا مادةً علميَّةً أعطت لنا القُدرة على التَّحركِ للكتابةِ في مجال المُدَبَّجِ وروايةِ الأقران.

ص: 44

وعلى الرّغم من فقدانِ المؤلَّفات المُستقلَّة التي كتبها المتقدمونَ، عن هذا النَّوع من أنواع علم الرِّوايةِ، أو أنَّها ماتزال في طيّ المجهول - ووضعت بين أيدينا الحجج التي ساعدتنا على إثبات المزيد مِنَ الأفكار التي قدمت لنا مُعطيات علميَّةٍ عن علم الرِّواية وأثرهِ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، وأعطتنا صوراً واضحةً مفادها أنَّ هذا العلمَ لم يكن ارتجالياً، وإنَّما هو عِلْمٌ قائمٌ على قواعدَ واضحة المعالمِ، ويسودها طابع الدَّقَّةِ، والوحدة الموضوعيَّةِ، وأنَّ هذا النَّوعَ من أنواعِ علم الرِّواية، هو حلقة من حلقات علم توثيق النُّصوصِ وضبطها عند المُحَدِّثين، وأنَّها تتميز بالتحليل العميق، والدِّراسة المنظمةِ لفنِّ الرِّواية عند المسلمينَ، والذي يمكننا أن نقول وبكل اطمئنان: إنَّ هذا الفنَّ لقي العناية الفائقة، وأنَّهُ استطاعَ أن يُثبت لنا صِحَّةَ النُّصوصِ، وصدقَ رواتها، ودقَّةَ أدائهم، من غير أن نخشى الخطأ والزلل الذي قد يتطرقُ إلى أذهان الرواةِ.

كما أنَّ بحثنا هذا على وجازته استطاعَ أن يُثبتَ لنا أنَّ علمَ الرِّواية وقواعدها المُحكمة عند المُحدِّثينَ، هو مِنَ العلوم التي تفيض ذكاء، وتتميَّزُ بالابتكارِ، والإبداعِ، والمهارة، وأنَّهُ من العلومِ المُنسَّقةِ التي تمتلئ بالحيويَّةِ، وأنَّ الكثيرَ مِنَ النَّاقدينَ للسُّنَّةِ والمشككينَ في صحتها، قد أسرفوا على أنْفُسِهم، وأنَّ الجماهير منهم لم يكن علم الرِّواية عندَ المُحدِّثينَ قد وضحَ في مَخيلتهِ، فانقضُّوا في النَّقدِ مترسمينَ آثاراً، ذات نزعةٍ مُغاليةٍ لا يمكن أن تسعفهم، في رحلتهم، أو أن تحقق لهم الطَّابع العلميَّ الذي يجب أن يتَّسمَ به الدَّارسونَ للمؤلَّفات القديمة، وتتطلبه الأمانة العِلميَّة، وأنَّ ما سطرتهُ أقلام كبار المنتقدين للسُّنَّةِ وتدوينها، لم يكن كلامهم سوى شططٍ، لجهلهم بقوانين الرِّوايةِ وأنماط التَّصنيف فيها.

ص: 45

ثَبَتُ المصادر والمراجع

- الاقتراح في بيان الاصطلاح: للإمام تقي الدين محمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد (ت702هـ) ، تحقيق ودراسة قحطان عبد الرَّحمن الدُّوري، مطبعة الإرشاد، بغداد 1402هـ-1982م.

- تاج العروس من جواهر القاموس: لأبي الفيض محمد بن مرتضى الحُسينيّ الزَّبيديّ (ت1205هـ) ، منشورات مكتبة الحياة بيروت.

- التاريخ: للإمام النَّاقد أبي زكريا يحيى بن معين (ت233هـ) ، تحقيق الدكتور أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1399هـ.

- التبصرة والتذكرة: للإمام أبي الفضلِ عبد الرحيم بن الحسين بنِ عبد الرحمن العراقي (ت806هـ) ، تصدير محمد بن الحسين العراقي الحُسيني، طبع دار الكتب العلمية، بيروت.

- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: للإمام أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزيِّ (ت742هـ) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، الطبعة الأولى 1384هـ – 1965م.

- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيِّ (ت911هـ) ، تحقيق عبد الوهاب عبد الطيف، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية (1385هـ- 1966م) .

- تذكرة الحفاظ: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الرابعة (1390هـ-1970م) .

- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمَّةِ: للإمام أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، النَّاشر دار الكتاب العربي، بيروت.

- تقريب النَّووي: ليحيى بن شرف النَّووي (ت676هـ) ، مع شرحه تدريب الراوي للسيوطي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1379هـ-1959م.

- التَّقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصَّلاح: لنور الدِّين عبد الرَّحيم بن الحُسين العراقي (ت806هـ) ، تحقيق عبد الرَّحمن محمد عُثمان، دار الفكر، بيروت، 1401هـ.

ص: 46

- تهذيب التهذيب: للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن 1325هـ.

- تهذيب الكمال: للإمام أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزِّيِّ (ت742هـ) ، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، طبع مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الثانية 1403هـ.

- توضيح الأفكار: لمحمد بن إسماعيل الأمير الصَّنعاني (ت1182هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1366هـ.

- تيسير مصطلح الحديث: للدكتور محمود الطَّحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثامنة 1407هـ-1987م.

- جامع بيان العِلْمِ وفضلهِ وما ينبغي في روايتهِ وحملهِ: للإمامِ أبي عُمر يوسف بن عبدِالله بن عبد البر النَّمَرِيِّ القُرطُبِيِّ (ت463هـ) ، إدارة الطباعة المنيرية 1398هـ- 1978م.

- الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريِّ (ت256هـ) ، المكتب الإسلامي، محمد أزدمير، تركيا إسطنبول (1979م)، وانظر:(فتح الباري) .

- الجرح والتَّعديل: لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الشَّافعي، المعروف بابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى 1371هـ-1952م.

- ذيل طبقات الحفاظ: للحافظ شمس الدين محمد بن عليِّ بن الحسن الحُسينيِّ (ت 765هـ) ، دار إحياء التراث العربي.

- الرِّحلة في طلب الحديث: لأبي بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب البغدادي (ت463هـ) ، تحقيق نور الدين عتر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1395هـ.

- شرف أصحاب الحديث: لأبي بكر أحمد بن عليٍّ الخطيب البغداديٍّ (ت463هـ) ، تحقيق محمد سعيد خطيب أوغلي، نشريات كلية الإلهيات، جامعة أنقرة 1971م، تصوير دار إحياء السنة النبوية.

ص: 47

- شعب الإيمان: للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ-1990م.

- الصِّحاح: لإسماعيل بن حمَّادٍ الجوهريِّ (ت393هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطَّار، القاهرة 1402هـ.

- صحيح البخاري = فتح الباري.

- صحيح مسلم: للإمام أبي الحسن مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مُسْلِمٍ القُشَيريِّ النَّيْسَابوريِّ (ت261هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1374هـ-1955م.

- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ) ، مكتبة حسام الدين القدسي، القاهرة 1353هـ.

- طبقات الحُفَّاظ: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) ، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة.

- عِلْمُ الأثبات ومعاجم الشُّيوخِ والمشيخات وفنُّ كتابة التَّراجم: للدكتور موفق ابن عبد الله بن عبد القادر، طبع معهد البحوث وإحياء التُّراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.

- علوم الحديث: للإمام أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشَّهْرَزُرِيِّ، المعروف بابن الصلاح (ت643هـ) ، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت 1401هـ-1981م.

- فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام أبي الفضل أحمد بن عليِّ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، طبع المطبعة السلفية، بمصر.

- فتح الباقي على ألفية العراقي: للإمام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري (ت928هـ) ، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، طبع مع (التبصرة والتذكرة) للإمام العراقي.

- فتح المغيث شرح ألفية الحديث: للإمام أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت902هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن عثمان، المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية 1388هـ- 1968م.

ص: 48

- الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل: لأبي محمد عليّ بن حزم الظَّاهريِّ (ت456هـ) ، دار المعرفة، بيروت، 1395هـ.

- الكامل في ضعفاء الرجال: للإمام أبي أحمد عبد الله بن عَدي الجرجانيِّ (ت365هـ) ، تحقيق لجنة من المختصين، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.

- الكفاية في علم الرواية: للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، (463هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت.

- لسان العرب: لجمال الدين محمد بن مكرم، المعروف بابن منظور (ت771هـ) ، دار صادر بيروت.

- لسان الميزان: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر (ت852هـ) ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى 1331هـ.

- المُحَدِّث الفاصل بين الراوي والواعي: للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرَّامَهُرْمُزِيِّ (ت360هـ) ، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، سوريا، الطبعة الأولى، 1391هـ.

- المُحْكَم والمُحيط الأعظم: لعليِّ بن إسماعيل بن سيده (ت458هـ) ، مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى 1377هـ.

- المسند: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، المكتب الإسلامي، ودار صادر، بيروت، الطبعة الأولى 1398هـ.

- مسند أبي يعلى الموصليِّ: للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن المثنى الموصليِّ التَّميميِّ (ت307هـ) ، تحقيق الأستاذ حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.

- مشيخة قاضي القُضاة شيخ الإسلام بدر الدين أبي عبدِاللَّه محمد بن إبراهيم ابن جماعة (ت833هـ) ، تخريج شيخ الإسلام علم الدين القاسم بن محمد بن يوسف البِرْزَاليِّ (ت739هـ) ، تحقيق ودراسة الدكتور موفق بن عبد اللَّه بن عبدِالقادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م.

- المصباح المنير في غريب الشرح للرَّافعي: للإمام أبي العبَّاس أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيوميِّ (ت770هـ) ، المكتبة العلمية، بيروت.

ص: 49

- معرفة علوم الحديث: للإمام الحاكم أبي عبد الله محمدِ بنِ عبد الله النيسابوريِّ (ت405هـ) ، تحقيق الأستاذ معظم حسين، المكتب التجاري، بيروت، الطبعة الثاتية 1977م.

- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: لمحمد بن عبد الرحمن السَّخاوي (ت902هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1399هـ.

- ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1382هـ-1963م.

- نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ،المكتبة العلمية، المدينة المنورة،1975م.

- النكت على كتاب ابن الصلاح: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق الدكتور ربيع بن هادي عمير، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.

- النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الأثير الجَزَرِيِّ (ت606هـ) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.

- هدي الساري مقدمة فتح الباري: للإمام أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، المطبعة السلفية

ص: 50

قاعدة في الصبر

لشيخ الإسلام ابن تيمية

أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم

المتوفى سنة (728هـ)

تحقيق

أد. محمد بن خليفة التميمي

الأستاذ في كلية الدعوة في الجامعة

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران 102] .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء 1] .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب 70-71] .

أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

وبعد، فإن الصبر من أعظم خصال الخير التي حث الله عليها في كتابه العظيم، وأمر بها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، وقد وردت مادة (صبر) في القرآن الكريم في مائة وأربعة مواضع، على تنوع في مواردها وأسباب ذكرها.

فقد أمر الله نبيه بخلق الصبر فقال: رضي الله عنه {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَاّ بِاللَّهِ} [النحل 127] وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف 35] .

ص: 51

وأمر الله به المؤمنين، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران 200] .

وأثنى على أهله، فقال تعالى:{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة 177] .

وأخبر بمحبته للصابرين، فقال تعالى:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران 146] ، ومعيته لهم، فقال تعالى:{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال 46] .

وأخبر أن الصبر خير لأصحابه، فقال تعالى:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل 126] .

ووعدهم أن يجزيهم أعلى وأوفى وأحسن مما عملوه، فقال تعالى:{وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل 96] وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر 10] . وبشرهم فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة 155] وأخبر أن جزاءهم الجنة فقال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان 12] .

ص: 52

وقرن الله تبارك وتعالى الصبر بالعمل، فقال:{إِلَاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود 11] ، وقرنه بالجهاد، في قوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل 110]، وفي قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين} [محمد 31]، وقرنه بالاستغفار:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ} ، وقرنه بالتسبيح، في قوله تعالى:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور 48] وفي قوله تعالى في سورة طه: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه 130] ، وقرن الصبر في القرآن الكريم بالحق، في قوله تعالى:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الإْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر 1-3] ، وقرنه بالرحمة، قال تعالى:{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد 17] ، وقرنه بالشكر في عدة آيات، قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم 5] .

ص: 54

وحديث القرآن عن الصبر متنوع وممتع مما يدل على أهميته ومكانته العظيمة، وكذا الشأن في السنة النبوية، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على هذا الخلق الكريم، وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم أنموذجاً يحتذى في التخلق بخلق الصبر بشتى أنواعه وأعلى درجاته، ومن قرأ في سيرته العملية وسنته القولية سيجد أن للصبر شأناً عظيماً.

ولقد وقفت على مؤلف لطيف لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى - في موضوع الصبر بعنوان (قاعدة في الصبر) حوى - على لطافته وصغر حجمه - فوائد غزيرة وتأصيلات مفيدة وبخاصة في جانب الصبر على أذى الغير، صاغها المؤلف رحمه الله بأسلوب مميز فريد، جلى فيه مميزات هذا النوع من الصبر وبين فوائده، وما إن انتهيت من مطالعته وقراءته، حتى عقدت العزم على تحقيقه وإخراجه بغية الانتفاع به في خاصة نفسي، وتسهيل انتفاع عامة المسلمين بما حواه من فوائد وفرائد، وقد قدمت لهذا المؤلف بمقدمة في التعريف بهذه الرسالة، ووصف نسخها الخطية، والعمل الذي قمت به، وذلك على النحو التالي:

القسم الأول: في التعريف بالرسالة ووصف نسخه الخطية وعملي فيها.

أ- التعريف بالرسالة.

أولاً: اسم الرسالة.

ثانياً: توثيق نسبة الرسالة إلى المؤلف.

ثالثاً: موضوع الرسالة.

ب- وصف النسخ الخطية.

ج- عملي في الرسالة.

القسم الثاني: تحقيق النص.

وإذ أقدم هذه الرسالة لأرجو الله أن ينفع بها من اطلع عليها، وأن يجعل عملي عملاً صالحاً لوجهه خالصاً، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

القسم الأول

التعريف بالرسالة ووصف النسخ الخطية وعملي فيها

أولاً: التعريف بالرسالة.

أ- اسم الرسالة: اسم الرسالة كما هو مسجل في الصفحة الأولى من النسختين الخطيتين هو: (قاعدة في الصبر) .

ص: 55

ولكن جاء في رسالة (أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية) تأليف: محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن رُشَيق المغربي (ت 74) وكذا في العقود الدرية لابن عبد الهادي تسميتها بـ: (قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة) .

وهذا الكلام يدل على أن الرسالة التي بين أيدينا هي جزء من مؤلف أكبر يشمل موضوعي الصبر والشكر، ويؤكد ذلك مقدمة الرسالة ونهايتها حيث ذكر المصنف الشكر فقال في المقدمة:"وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر"وقال في نهاية الرسالة: "والأصل الثاني الشكر وهو العمل بطاعة الله تعالى".

ولكن لم أقف على تكملة هذه الرسالة.

ب- توثيق نسبة الرسالة إلى المؤلف:

يدل على صحة نسبة الرسالة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أمور منها:

1-

ما جاء على طرة الرسالة من قول الناسخ: (قاعدة في الصبر للشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله .

2-

ما جاء في رسالة (أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية) تأليف: محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن رُشَيِّق المغربي (ت 749) حيث قال: (قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة) .

3 -

ما جاء في كتاب العقود الدرية لابن عبد الهادي (ص 39) حيث ذكر أن من مؤلفات ابن تيمية (قاعدة في الصبر والشكر) .

ج - موضوع الرسالة:

بدأ المؤلف رحمه الله هذه الرسالة ببيان أن الدين كله يرجع بجملته إلى أمرين هما: الصبر والشكر، واستدل لذلك بقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} وبقوله صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله عجب، لا يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".

ثم بين أن الصبر عموماً ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:

أولاً: صبر على الطاعة حتى يفعلها.

ثانياً: صبر عن المنهي عنه حتى لا يفعله.

ثالثاً: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب.

ثم بين أن المصائب نوعان:

ص: 56

النوع الأول: نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، وهذا النوع يسهل الصبر فيه لأن العبد يشهد فيه قضاء الله وقدره، وأنه لا مدخل للناس فيه فيصبر إما اضطراراً وإما اختياراً.

والنوع الثاني: المصائب التي تحصل للعبد بفعل الناس، في ماله أو عرضه أو نفسه، وهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً لأن النفس تستشعر المؤذي لها وهي تكره الغلبة فتطلب الانتقام، ولا يصبر على هذا النوع إلا النبيون والصديقون.

وقد اقتصر كلام المصنف رحمه الله في بقية الرسالة على الأسباب التي تعين العبد على الصبر على المصائب التي تصيبه بفعل الناس، وذكر ذلك من عشرين وجهاً.

وختم المصنف كلامه بالإشارة إلى الأصل الثاني وهو: الشكر وفسره بأنه العمل بطاعة الله واقتصر على ذلك وخلت الرسالة من تفصيل القول في ذلك، ولعل السبب في ذلك هو تصرف من أفرد الرسالة بالذكر وفصلها عن باقي التصنيف وإلا فالرسالة لها تتمة، ويشهد لذلك ما ذكره ابن رشيق في تعداده لمؤلفات ابن تيمية حيث قال:"قاعدة في الصبر والشكر. نحو ستين ورقة"فقد تصرف المختصر في العنوان واقتصر كذلك على ما كتب في موضوع الصبر فقط، ولم يكمل بقية الرسالة، والله أعلم.

ولعل في ذلك ما يبرر كون الرسالة قد خلت من الخاتمة وكتب بدلاً من ذلك في آخرها "تمت بحمد الله وعونه".

ب- وصف النسخ الخطية:

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسختين خطيتين.

النسخة الأولى: نسخة جامعة أكسفورد.

وتقع ضمن مجموع فيه كتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولها صورة فلمية في قسم المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (ف 8570/5) .

وعدد لوحاتها: 4 أربع لوحات.

وعدد الأسطر: يبلغ ما بين عشرين وواحد وعشرين سطراً.

وعدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في كل سطر خمس عشرة كلمة.

اسم الناسخ: جاء في صفحة العنوان العبارة التالية:

ص: 57

"هذه الرسالة بخط العلامة بيدكين التركماني، تلميذ ابن تيمية مؤلف هذه الرسالة". وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي في كتابه "شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه": "أن من تلاميذ ابن تيمية إدريس ابن بيدكين بن عبد الله التركي الحنفي مؤلف كتاب اللمع في الحوادث والبدع. تتلمذ على شيخ الإسلام".

تاريخ النسخ: جاء في آخر النسخة: "تمت - بحمد الله تعالى وعونه - في يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة".

نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخ عادي منقوط، واضح ومقروء، وهي سالمة من الخرم والعيوب، ولكنها خالية من المقابلة أو السماعات.

وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (أ) .

النسخة الثانية: نسخة جامعة برنستون بنيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية.

وهي في ضمن مجموع فيه كتاب (العرش) للذهبي، و (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة و (فصل في شرح حديث سيد الاستغفار) لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولها صورة فيلمية في قسم المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (9742/3) .

وعدد لوحاتها: 8 ثماني لوحات.

وعدد الأسطر: 13 ثلاثة عشر سطراً.

وعدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في السطر اثنتا عشرة كلمة.

اسم الناسخ: محمد بن إسحاق التميمي داري.

تاريخ النسخ: لم يذكر.

نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخ عادي منقوط واضح ومقروء وسالم من الخرم والعيوب، وخالية من المقابلة والسماعات.

وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (ب) .

وهناك نسخة ثالثة لهذه الرسالة وقفت على معلومات عنها ضمن (ثبت فيه قوائم ببعض مخطوطات شيخ الإسلام ابن تيمية) تصنيف الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل.

جاء فيه (ص 91) : "رسالة في الصبر في 8 ورقات بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد، برقم (4715/2) ، كتبها سلطان بن ملا حسين القره غول، سنة 1217هـ".

ولم أستطع الوقوف عليها للأوضاع الراهنة في العراق.

ج- عملي في الكتاب:

ص: 58

1-

نسخت النص وفق القواعد الإملائية الحديثة، مع الضبط بالشكل لما قد يشكل.

2-

عزوت الآيات القرآنية إلى سورها مع ذكر رقمها في الحاشية.

3-

قمت بتخريج الأحاديث النبوية المرفوعة مع بيان حكم أهل العلم عليها، كما اجتهدت في تخريج الآثار الموقوفة حسب ما وقفت عليه.

4-

شرحت ما يحتاج لشرح من الألفاظ الغريبة الواردة في النص.

5-

وضعت للكتاب مقدمة فيها تعريف بالكتاب ومحتواه، وبالنسخ الخطية، وعملي فيه.

نماذج من النسخ الخطية

P83

صورة من الورقة الأولى من النسخة (أ)

P84

صورة من الورقة الأخيرة من النسخة (أ)

P85

صورة من الورقة الأولى من النسخة (ب)

P86

صورة من الورقة الأخيرة من النسخة (ب)

القسم الثاني

التحقيق

قاعدة في الصَّبر

للشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة (ت 728) رحمه الله

ورحم جميع أموات المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اعف واغفر.

قال الشيخ الإمام العامل شيخ الإسلام، مفتي الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد اتيمية.

فصل:

جعل الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بكل منزلة خيراً منه، فهم دائماً في نعمة من ربهم، أصابهم ما يحبون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويقدرها عليهم متاجر يربحون بها عليه، وطرقاً يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عن إمامهم ومتبوعهم الذين إذا دعي يوم القيامة كل أناس بإمامهم دعوا به -صلوات الله وسلامه عليه - أنه قال:"عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله عجب لا (1) يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"(2)

(1) في (ب) : (ما) .

(2)

أخرجه مسلم،كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير (8/227) ، وأخرجه الإمام أحمدفي المسند (1/173) ، وأخرجه الدارمي في سننه، كتاب الرقائق،باب المؤمن يؤجر في كل شيء (2/318)، بلفظ: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير

الحديث".

ولم أقف على الحديث بلفظ: "

كله عجب" كما أورده المؤلف.

ص: 59

فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبده المؤمن وأنها خيرله إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمى الإيمان كما قال بعض السلف:"الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر" لقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (1) وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر، وذلك لأن الصبر ثلاثة أقسام:

صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمور به إلا بعد صبرٍ ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات وفعله للمستحبات.

النوع الثاني: صبر عن المنهي عنه حتى لا يفعله، فإن النفس ودواعيها، وتزيين الشيطان، وقرناء السوء، تأمره بالمعصية وتجرئه عليها، فبحسب قوة صبره يكون تركه لها، قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق.

النوع الثالث: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب وهي نوعان:

نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها، لأن العبد يشهد فيها قضاء الله وقدره، وإنه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إما اضطرارا، وإما اختيارا، فإن فتح الله على قلبه باب الفكرة في فوائدها وما في حشوها من النعم والألطاف انتقل من الصبر عليها إلى الشكر لها والرضا بها، فانقلبت حينئذ في حقه نعمة، فلا يزال هجيرى قلبه ولسانه رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وهذا يقوى ويضعف بحسب [قوة] محبة العبد لله وضعفها، بل هذا يجده أحدنا في الشاهد كما قال الشاعر يخاطب محبوبا له [ناله ببعض ما يكره] :

لئن ساءني أن نِلتِنِي بمساءة

لقد سرني أني خطرت ببالِكِ

النوع الثاني: أن يحصل له بفعل الناس في ماله أو عرضه أو نفسه.

(1) الآية [5] من سورة إبراهيم والآية [31] من سورة لقمان والآية [19] من سورة سبأ والآية [33] من سورة الشورى

ص: 60

فهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً، لأن النفس تستشعر المؤذي لها، وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام، فلا يصبر على هذا النوع إلا الأنبياء والصديقون، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول: يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر وأخبر عن نبي من الأنبياء أنه ضربه قومه فجعل يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"(1) وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه جرى له هذا مع قومه [فجعل يقول مثل ذلك]، فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم، والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون، وهذا النوع من الصبر عاقبته النصر والعز والسرور والأمن والقوة في ذات الله، وزيادة محبة الله ومحبة الناس له وزيادة العلم، ولهذا قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (2) فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فإذا انضاف إلى هذا الصبر قوة اليقين والإيمان ترقى العبد في درجات السعادة بفضل الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ولهذا قال الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا} يعني: الأعمال الصالحة مثل العفو والصفح {إِلَاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (3) نصيب وافر وهي الجنة.

ويعين العبد على هذا الصبر عدة أشياء:

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (54) رقم (3477) .

ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب غزوة أحد (5/179) .

(2)

الآية [24] من سورة السجدة.

(3)

الآيتان [34،35] من سورة فصلت.

ص: 61

أحدها: أن يشهد أن الله سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد حركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة إلا بإذنه، ومشيئته والعباد آلة، فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، تستريح من الهم والغم والحزن.

الثاني: أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1) فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتغل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه، عن ذمهم ولومهم والوقيعة فيهم، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار فاعلم أن مصيبته مصيبة حقيقية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمة من جواهر الكلام: لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه، ولا يخافنّ عبدٌ إلا ذنبه (2) وروي عنه وعن غيره: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة (3) .

الثالث: أن يشهد العبد حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفى وصبر، كما قال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (4) . ولما كان الناس عند مقابلة الأذى ثلاثة أقسام: ظالم يأخذ فوق حقه، ومقتصد يأخذ بقدر حقه، ومحسن يعفو ويترك حقه. ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فأولها للمقتصدين، ووسطها للسابقين، وآخرها للظالمين.

(1) الآية [30] من سورة الشورى.

(2)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7/122) رقم (9718) .

والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/662) رقم (1586) .

وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/383) رقم (547-548) .

(3)

ق 3/أ) .

(4)

الآية [40] من سورة الشورى.

ص: 62

ويشهد نداء المنادي يوم القيامة ألا ليقم من وجب أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفى وأصلح (1) وإذا شهد مع ذلك فوت الأجر بالانتقام والاستيفاء سهل عليه الصبر والعفو.

الرابع: أن يشهد أنه إذا عفى وأحسن أورثه ذلك من سلامة القلب لإخوانه، ونقائه من الغش، والغل، وطلب الانتقام، وإرادة الشر، وحصل له من حلاوة العفو ما يزيد لذته ومنفعته عاجلا وآجلا على المنفعة الحاصلة له بالانتقام أضعافا مضاعفة، ويدخل في قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (2) فيصير محبوبا لله، ويصير حاله حال من أُخِذَ منه دراهم فَعُوِّضَ عنها ألوفاً من الدنانير، فحينئذ يفرح بما مَنَّ الله عليه أعظم فرحٍ ما يكون.

الخامس: أن يعلم أنه ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلاً [جده] في نفسه، فإذا عفى أعزه الله. وهذا مما أخبر به الصادق المصدوق حيث يقول:"ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً"(3) فالعز الحاصل له بالعفو أحب إليه وأنفع له من العز الحاصل له بالانتقام، فإن هذا عِزٌّ في الظاهر وهو يورث في الباطن ذُلاً، والعفو ذل في الباطن وهو يورث العز باطناً وظاهراً.

(1) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ينادي ألا ليقم من كان له على الله أجره فلايقوم إلا من عفى في الدنيا وذلك قوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ".

أورده السيوطي في الدر المنثور (6/11) .

والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (11/198) .

وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء (ص 276، 277) عن الحسن البصري مرسلاً، ووصله البيهقي في شعب الإيمان (13/136) برقم (7050) .

ورواه هناد ابن السري في الزهد (2/904) ، وأبو نعيم في الحلية (9/204) عن الحسن البصري موقوفاً.

(2)

الآية [134، 148] من سورة آل عمران.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الأدب والبر والصلة باب استحباب العفو (8/20) .

ص: 63

السادس - وهي من أعظم الفوائد -: أن يشهد أن الجزاء من جنس العمل، وأنه نفسه ظالم مذنب، وأن من عفى عن الناس عفى الله عنه، ومن غفر غفر الله له، فإذا شهد أن عفوه عنهم وصفحه وإحسانه مع إساءتهم إليه، سبب لأن يجزيه الله كذلك من جنس عمله فيعفو عنه ويصفح ويحسن إليه على ذنوبه، ويسهل عليه عفوه وصبره ويكفي العاقل هذه الفائدة.

السابع: أن يعلم أنه إذا اشتغلت نفسه بالانتقام وطلب المقابلة ضاع عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه، ما لا يمكن استدراكه، ولعل هذا يكون أعظم عليه من المصيبة التي نالته من جهتهم، فإذا عفى وصفح فرغ قلبه وجسمه لمصالحه التي هي أهم عنده من الانتقام.

الثامن: أن انتقامه واستيفاءه وانتصاره لنفسه وانتقامه، لها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط فإذا كان هذا خير خلق الله وأكرمهم على الله لم يكن ينتقم لنفسه (1) مع أن أذاه أذًى لله ويتعلق به حقوق الدين، ونفسه أشرف الأنفس، وأزكاها، وأبرها وأبعدها من كل خُلقٍ مذموم، وأحقها بكل خُلقٍ جميل، ومع هذا فلم يكن ينتقم لها. فكيف ينتقم أحدنا لنفسه التي هو أعلم بها وبما فيها من العيوب والشرور بل الرجل العارف لا تساوي نفسه عنده أن ينتقم لها، ولا قدر لها عنده يوجب عليه انتصاره لها.

التاسع: إن أوذي على ما فعله لله أو على ما أمره به من طاعته ونهى عنه من معصيته وجب عليه الصبر ولم يكن له الانتقام، فإنه قد أوذي في الله، فأجره على الله، ولهذا لما كان المجاهدون في سبيل الله ذهبت دماؤهم وأموالهم في الله لم تكن مضمونة، فإن الله - تعالى - اشترى منهم أنفسهم وأموالهم، فالثمن على الله لا على الخلق، فمن طلب الثمن منهم لم يكن له على الله ثمن، فإنه من كان في الله تلفه كان على الله خلفه.

وإن كان قد أوذي على معصية، فليرجع باللوم على نفسه، ويكون في لومه لها شغل عن لومه لمن آذاه.

(1) ق 3/ب) .

ص: 64

وإن كان قد أوذي على حضٍ، فليوطن نفسه على الصبر، فإن نيل الحظوظ دونه أَمْرٌ أَمَرُّ من الصبر، فمن لم يصبر على حر الهواجر، والأمطار، والثلوج، ومشقة الأسفار، ولصوص الطريق، وإلا فلا حاجة له في المتاجر، وهذا أمر معلوم عند الناس أن من صدق في [طلب] شيء من الأشياء بذل من الصبر في تحصيله بقدر صدقه في طلبه.

العاشر: أن يشهد معية الله معه إذا صبر، ومحبة الله له ورضاه، ومن كان الله معه دفع عنه من أنواع الأذى والمضرات ما لا يدفع عنه أحد من خلقه، قال الله تعالى:{وَاصْبِرُوا (1) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2) وقال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (3) .

الحادي عشر: أن يشهد أن الصبر نصف الإيمان،فلا يبدل من إيمانه جزءاً في نصرة نفسه، فإن صبر فقد أحرز إيمانه وصانه من النقص والله - تعالى - يدفع عن الذين آمنوا.

الثاني عشر: أن يشهد أن صبره حكم منه على نفسه، وقهر لها، وغلبة لها، فمتى كانت النفس مقهورة معه مغلوبة، لم تطمع في استرقاقه، وأسره، وإلقائه في المهالك، ومتى كان مطيعاً لها سامعاً منها مقهوراً معها لم تزل [به] حتى تهلكه، أو [تتداركه] رحمة من ربه.

فلو لم يكن في الصبر إلا قهره لنفسه ولشيطانه، فحينئذ يظهر سلطان القلب وتثبت جنوده، فيفرح ويقوى ويطرد العدو عنه.

الثالث عشر: أن يعلم أنه إن صبر فالله ناصره ولابد، فإن الله وكيل من صبر وأحال ظالمه عليه، ومن انتصر بنفسه لنفسه وكله الله إلى نفسه، فكان هو الناصر لها، فأين من ناصره الله خير الناصرين، إلى من ناصره نفسه أعجز الناصرين وأضعفه.

(1) في (ب) : "واصبر".

(2)

الآية [46] من سورة الأنفال.

(3)

الآية [146] من سورة آل عمران.

ص: 65

الرابع عشر: أن صبره على من آذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه وندامته واعتذاره، ولوم الناس له فيعود بعد إذائه له مستحييا منه، نادماً على ما فعله، بل يصير موالياً له وهذا معنى قوله:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1) .

الخامس عشر: ربما كان انتقامه ومقابلته سبباً لزيادة شر خصمه وقوة نفسه وفكرته في أنواع الأذى التي يوصلها إليه كما هو المشاهد، فإذا صبر وعفى أمن من هذا الضرر. والعاقل لا يختار أعظم الضررين بدفع أدناهما، وكم قد جلب الانتقام والمقابلة من شر عجز صاحبه عن دفعه، وكم قد ذهبت به نفوس ورياسات وأموال وممالك لو عفى المظلوم لبقيت عليه.

السادس عشر: أن من اعتاد الانتقام ولم يصبر، لابد أن يقع في الظلم، فإن النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها، لا علما، ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق، فإن الغضب يخرج بصاحبه إلى حد لا يعقل ما يقول وما يفعل، فبين هو مظلوم ينتظر النصر والعز، إذ انقلب ظالماً ينتظر المقت والعقوبة.

السابع عشر: أن هذه المظلمة التي قد ظُلمها هي سبب، إما لتكفير سيئة، أو رفع درجة، فإذا انتقم ولم يصبر لم تكن مكفرة لسيئته ولا رافعة لدرجته.

الثامن عشر: أن عفوه وصبره من أكبر الجند له على خصمه، فإن من صبر وعفا كان صبره وعفوه موجباً لذل عدوه، [وخوفه] وخشيته منه، ومن الناس، فإن الناس لا يسكتون عن خصمه وإن سكت هو، فإذا انتقم زال ذلك كله، ولهذا تجد كثيراً من الناس إذا شتم غيره أو آذاه يحب أن يستوفي منه، فإذا قابله استراح وألقى عنه ثقلاً كان يجده.

(1) الآيتان [34،35] من سورة فصلت.

ص: 66

التاسع عشر: أنه إذا عفى عن خصمه، استشعرت نفس خصمه أنه فوقه، وأنه قد ربح عليه، فلا يزال يرى نفسه دونه وكفى بهذا فضلاً وشرفاً للعفو.

العشرون: أنه إذا عفا وصفح كانت هذه حسنة، فتولد له حسنة أخرى، وتلك الأخرى تولد أخرى، وهلم جرا، فلا تزال حسناته في مزيد، فإن من ثواب الحسنة الحسنة، كما أن من عقاب السيئة السيئة بعدها، وربما كان هذا سبباً لنجاته وسعادته الأبدية، فإذا انتقم وانتصر زال ذلك.

والأصل الثاني الشكر وهو العمل بطاعة الله تعالى.

تمت بحمد الله تعالى وعونه.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

فهرس المصادر والمراجع

- اقتضاء الصراط المستقيم – ابن تيمية- ط دار الإفتاء.

- تاريخ بغداد - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

- تاريخ دمشق - ابن عساكر- ط دار الفكر.

- الترغيب والترهيب – أبو القاسم الأصبهاني - الناشر: مكتبة النهضة الحديثة.

- الترغيب والترهيب - المنذري.

- تفسير ابن جرير الطبري - ط مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 3.

- الجامع الصغير – عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار الفكر، بيروت، لبنان، ط 4.

- جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - تحقيق أبي الأشبال الزهيري، ط دار ابن الجوزي، ط الأولى.

- حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني- دار الكتاب بيروت، لبنان، ط2، 1387 هـ.

- الدر المنثور في التفسير بالمأثور – عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار المعرفة، بيروت، لبنان.

- ديوان ابن الدمينة – تحقيق أحمد راتب النفاخ، مكتبة دار العروبة ط الأولى.

- روضة العقلاء - ابن حبان - تحقيق حامد الفقي، نشر مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.

- الزهد للبيهقي.

- الزهد - هناد السري - تحقيق عبد الرحمن الفريوائي، الكويت.

- الزهد - وكيع بن الجراح - تحقيق د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة.

ص: 67

- سلسلة الأحاديث الضعيفة - محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.

- السنن (مع شرح السيوطي، وحاشية السندي) - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي - دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

- السنن - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي - دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

- السنن - علي بن عمر الدارقطني - مطبوعات السيد عبد الله هاشم اليماني، المدينة النبوية، 1386 28.

- السنن - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي - تعليق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص ط 1، 1388.

- شعب الإيمان - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ط الهند.

- الشكر - ابن أبي الدنيا - تحقيق ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، دمشق، سوريا، 1405هـ.

- صحيح البخاري ط: دار السلم، الرياض.

- صحيح مسلم – مسلم بن الحجاج القشري - دار المعرفة، بيروت، لبنان.

- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي التيمي - تحقيق إرشاد الحق الأثري، دار العلوم الأثرية، فيصل أباد، باكستان، ط2، 1401هـ.

- فتح الباري – محمد بن علي بن حجر العسقلاني - المكتبة السلفية.

- فضيلة الشكر لله على نعمته - أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد السامري المعروف بالخرائطي - تحقيق محمد مطيع الحافظ، ط دار الفكر، الطبعة الأولى 1402هـ.

- الفوائد – تمام الرازي – ترتيب وتخريج جاسم فهيد الدوسري، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان، ط 2، 1987.

- لسان العرب – أبوالفضل جمال الدين محمد بن مكرم المصري - دار صادر، بيروت، لبنان.

- المجالسة وجواهر العلم – أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري - ط دار ابن حزم.

- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي - دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1402هـ.

ص: 68

- المستدرك على الصحيحين – أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري - دار الفكر، بيروت، لبنان، 1398هـ.

- المسند – أبو يعلى تحقيق حسين سليم أسد - دار المأمون للتراث، دمشق.

- المسند - الإمام أحمد - ط. مؤسسة الرسالة.

- مسند الشهاب – محمد بن سلامة القضاعي - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة بيروت، لبنان، 1405هـ.

- المعجم الكبير – أبو القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية، بغداد، العراق، ط1.

ص: 69

كتاب الكبائر

للحافظ أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي

تحقيق

د. محمد بن تركي التركي

الأستاذ المساعد في كلية التربية في جامعة الملك سعود

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتقُوا اللهَ ّحقَ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُمْ مُسْلِمُون} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَآلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكم رَقِيبَاً} .

{يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدَاً يَصْلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِع اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً} .

أما بعد، فهذا كتاب صغير في حجمه، كبير في مادته وموضوعه، ولإمام من الأئمة الحفاظ المغمورين، أحببت التعليق عليه، وخدمته بما يليق به.

ودفعني إلى اختياره عدة أمور، من أهمها كونه أول كتاب يُصنف في الكبائر، بل يكاد يكون الكتاب الوحيد من الكتب المتقدمة التي وصلتنا في هذا الموضوع، إذ لم أقف على شيء مما ألف في بيان الكبائر قبل كتاب الذهبي سوى هذا الكتاب.

إضافة إلى أنه لإمام من الأئمة الحفاظ الذين لم يصلنا من مصنفاته إلا كتابين فقط، طبع أحدهما، وهذا هو الآخر، أحببت أن أقوم بتحقيقه وإخراجه إلى عالم المطبوعات، على الوجه اللائق به.

ولهذا وغيره قمت بتحقيقه ودراسته بما تقتضيه قواعد التحقيق، من غير تطويل ممل ولا إيجاز مخل، محاولاً قدر الإمكان التركيز على الجانب الحديثي في تعليقي على الكتاب.

ص: 70

ولذا فلم أر أن أترجم لرجال الإسناد كلهم، وإنما أقتصر على بيان حال من عليهم مدار الحديث، ممن يكون في بيان حالهم دور في تصحيح الحديث أو تضعيفه.

ولكني توسعت في تخريج الأحاديث، لأن هذا في نظري أهم من الإطالة في التراجم، وخاصة أن أكثر هذه الأحاديث جاء في أسانيدها بعض العلل، فكان لابد من التوسع في ذلك، لبيان الأوجه الراجحة من المرجوحة.

وقد قدمت للكتاب بمقدمة قصيرة، ذكرت فيها نبذة موجزة عن الكبائر، ثم ترجمة موجزة للمؤلف، ثم دراسة للكتاب، كما سيأتي.

وأخيراً هذا هو جهد المُقِل، ولا ينفك عن كونه عمل بشر، وعمل البشر مهما كان لا يخلو من النقص والخلل، وعذري أني بذلت جهدي واستطاعتي فيه، فما كان من صواب فبتوفيق من الله وحده، وما كان فيه من خلل ونقص فمني ومن الشيطان، وأسأل الله بمنه وكرمه أن يتجاوز ذلك كله عني.

كما أسأله عز وجل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به، يوم لا ينفع مال ولا بنون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نبذة موجزة عن الكبائر

تعريف الكبيرة:

اختلف العلماء في تعريف حد الكبيرة على أقوال كثيرة جداً ليس هنا موضع ذكرها وبيان اختلاف العلماء فيها.

ومن أشهر ما قيل في تعريف الكبيرة:

قيل: إن الكبيرة هي ما عليه حدٌّ في الشرع.

وقيل: إنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة.

وقيل: إنها كل ذنب رُتب عليه حدٌّ في الدنيا، أو وعيد شديد في الآخرة.

وقيل: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة.

وقيل: هي كل ذنب خُتم بلعنة، أو غضب، أو نار.

وقد رجح هذا التعريف الأخير شيخ الإسلام ابن تيمية، وبين سلامة هذا التعريف من القوادح الواردة على غيره، وتكلم بكلام نفيس في هذا الجانب، فليراجع.

ص: 71

وقال الحافظ ابن حجر بعد استعراضه لعدد من الأقوال، قال: ومن أحسن التعاريف قول القرطبي في المفهم: "كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه كبيرة أو عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو علق عليه الحد، أو شدد النكير عليه فهو كبيرة".

قال الحافظ: وعلى هذا فينبغي تتبع ما ورد فيه الوعيد أو اللعن أو الفسق، من القرآن، أو الأحاديث الصحيحة والحسنة، ويُضم إلى ما ورد فيه التنصيص في القرآن والأحاديث الصحاح والحسان على أنه كبيرة، فمهما بلغ مجموع ذلك عُرف منه تحرير عدّها.

وتبعاً للاختلاف السابق في تعريف الكبيرة اختلف العلماء أيضاً في تحديد عدد الكبائر، وما هي، فمن اقتصر على أنها ما جاء النص على أنه كبيرة قال إنها سبع، أو تسع، كما جاء ذلك في الأحاديث الواردة في الكبائر ومن عرّفها بتعريف أوسع قال إنها أكثر من ذلك، وهكذا.

ولمعرفة الأقوال في ذلك راجع المصادر المتقدمة في تعريف الكبيرة.

المؤلفات في الكبائر

رغم أهمية هذا الموضوع وخطره، فلم أقف إلا على عدد قليل من الكتب ممن أفرد هذه الكبائر بكتاب مستقل، إلا أن الكثير من العلماء قد ضمنوها كتبهم، فتجد ذكر الكبائر ضمن كتب الحديث، والعقيدة، وغيرها.

ومما وقفت عليه ممن أفرد الكبائر بتأليف مستقل ما يلي:

1-

كتاب الكبائر، للبرديجي.

وسيأتي الكلام عليه مفصلاً.

2-

كتاب الكبائر للذهبي.

وهو كتاب معروف ومشهور، وقد طبع عدة مرات.

3-

الكبائر، للعلائي.

ذكره ابن حجر الهيثمي في الزواجر 1/14، فقال: وقال شيخ الإسلام العلائي في قواعده:إنه صنف جزءاً جمع ما فيه نص صلى الله عليه وسلم فيه على أنه كبيرة.

ثم ذكر العلائي عدداً من الكبائر، وقال: فهذه الخمسة والعشرون هي مجموع ما جاء في الأحاديث منصوصاً عليه أنه كبيرة.

4-

الكبائر للديلمي.

ص: 72

ذكره ابن حجر الهيثمي في الزواجر 1/14، فقال: قال الديلمي من أصحابنا: وقد ذكرنا عددها في تأليف لنا باجتهادنا، فزادت على أربعين كبيرة.

5-

كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيثمي.

وهو أيضاً مطبوع عدة مرات، ولعله من أوسع الكتب المؤلفة في هذا الموضوع.

6-

كتاب الكبائر، للشيخ محمد بن عبد الوهاب.

وهو كتاب مشهور، وقد طبع عدة طبعات أيضاً.

7-

العمدة بتمييز الكبائر، لأحمد الشريف البرقاوي.

وهو مطبوع، وصدر عن دار الأرقم بالكويت، عام 1405هـ.

8-

الكبيرة والمذاهب فيه، تأليف حاسي كوتا.

وهو رسالة ماجستير، بجامعة أم القرى، كلية الشريعة، عام 1401هـ.

هذا بعض ما وقفت عليه من الكتب المفردة في موضوع الكبائر، إلا أنه كما قدمت قد تكلم عنه عدد من الأئمة في ثنايا كتبهم.

ومن أوسع ما وجدته ما يلي:

الإمام ابن منده في كتابه الإيمان 2/544، وما بعدها.

والإمام اللالكائي في كتابه شرح اعتقاد أصول أهل السنة 6/1103، وما بعدها.

والإمام ابن القيم في إعلام الموقعين 4/401. وقد اقتصر على تعداد الكبائر فقط.

وكذا تكلم عنها في الجواب الكافي ص186، وما بعدها.

والإمام ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين ص119، وما بعدها.

وقد ذكر أنه استدرك كثيراً من الكبائر مما أغفله الذهبي وابن القيم.

وانظر أيضاً المراجع المتقدمة في تعريف الكبيرة.

ترجمة موجزة للمؤلف (1)

اسمه ونسبه ومولده:

هو: الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون بن رَوح البَرْدِيجي، البَرْذَعي، النيسابوري، نزيل بغداد.

ولد بعد الثلاثين ومائتين، أو قبلها.

شيوخه:

سمع الحافظ البرديجي من الكثير من الشيوخ، ولا عجب في ذلك، فهو قد رحل إلى بلدان كثيرة، ومن الطبيعي كثرة شيوخه مع تعدد رحلاته.

(1) أهم مصادر ترجمته:

طبقات المحدثين بأصبهان 4/84، تاريخ بغداد 5/194، تاريخ دمشق 6/ 64، سير أعلام النبلاء 14/122، تذكرة الحفاظ 2/746، النجوم الزاهرة 3/184، شذرات الذهب 4/ 6.

ص: 73

وقد ذكر له مترجموه عدداً من الشيوخ، وسأكتفي بذكر بعضهم مراعاة للاختصار، ولأن استيعابهم مما ليس من مقصدنا هنا.

فمن أشهر شيوخه:

أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، محمد بن إسحاق الصَّغاني، محمد بن عبد الملك الدَّقيقي، محمد بن يحيى الذهلي، نصر بن علي الجَهْضَمي، هارون بن إسحاق الهمداني، أبو سعيد الأشج، وغيرهم.

تلاميذه:

كما ذكر له مترجموه عدداً من التلاميذ، فمن أشهرهم:

أبو عمرو أحمد بن المبارك المُسْتَملي، جعفر بن أحمد بن سنان القطان، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، عبد الله بن محمد بن عمران المعدل، علي بن محمد بن لؤلؤ الوراق، وغيرهم.

طلبه للعلم، ورحلاته العلمية:

كان الإمام البرديجي رحمه الله حريصاً على طلب العلم، جاداً في تحصيله، ولا أدل على ذلك من أنه قد رحل في طلب العلم في سن مبكرة.

يدلّ على ذلك ما أورده الحاكم في تاريخه قال: قرأت بخط أبي علي المُستملي سماعه من أحمد بن هارون البردعي الحافظ في مسجد محمد بن يحيى - يعني الذهلي - في صفر، سنة خمس وخمسين ومائتين.

وتقدم أنه قد ولد حوالي سنة ثلاثين ومائتين.

ويدل على حرصه أيضاً كثرة البلدان التي سمع فيها.

قال الذهبي بعد أن ذكر معظم شيوخه: وطبقتهم بالشام، والحرمين، والعَجَم، ومصر، والعراق، والجزيرة.

وقال ابن العديم: وهو حافظ معروف رحل وطاف.

وهذا ما جعل البرديجي يبلغ مكانة عالية، ويحرص العلماء على السماع والاستفادة منه، سواء كانوا من شيوخه أو تلامذته.

قال الحاكم في تاريخه: ورد نيسابور على محمد بن يحيى الذهلي، فاستفاد وأفاد، وكتب عنه مشايخنا في ذلك العصر، ولا أعرف إماماً من أئمة عصره في الآفاق إلا وله عليه انتخاب يُستفاد.

ص: 74

وقد أورد الحافظ ابن عساكر عدداً من شيوخه الذين سمع منهم، وذكر البلدان التي سمع فيها منهم، فمن هذه البلدان: بيروت، ودمشق، وحمص، ومصر، وحَرَّان، والمِصَّيصة، والكوفة، وبغداد، ومكة.

توثيقه، وثناء العلماء عليه:

أجمع كل من ترجم له على إمامته وتوثيقه وحفظه.

قال الدارقطني: ثقة مأمون جبل.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني: من حفاظ الحديث وكبرائهم.

وقال الخطيب: كان ثقة فاضلاً فَهماً حافظاً.

قال الذهبي: الإمام الحافظ الحجة

جمع وصنف، وبرع في علم الأثر.

وبنحو ذلك وصفه غير واحد من الأئمة، مما يطول استقصاؤه.

مؤلفاته:

ذكر غير واحد ممن ترجم له أنه له عدة مصنفات.

وقد تتبعت مؤلفاته في بحثي الموسع عن ترجمته، ونقولات العلماء عن هذه المؤلفات، وما وصلنا منها، وسأكتفي هنا بذكر أسماء هذه المؤلفات فقط:

1-

كتاب الكبائر، وسيأتي الكلام عليه.

2-

كتاب طبقات الأسماء المفردة من الصحابة والتابعين وأصحاب الحديث، وهو مطبوع.

3-

كتاب معرفة المتصل من الحديث، والمرسل والمقطوع، وبيان الطريق الصحيحة.

4-

كتاب المراسيل.

5-

كتاب الفوائد.

6-

كتاب في الجرح والتعديل.

ولم أقف على اسمه، ولكن وجدت منه نقولات عدة في جرح الرجال وتعديلهم عند الخطيب البغدادي، وابن عدي، والحافظ ابن حجر، وغيرهم.

وفاته:

اتفقت مصادر ترجمته على أنه توفي سنة إحدى وثلاث مائة، ببغداد.

قال أبو الشيخ الأصبهاني: مات سنة إحدى وثلاث مائة ببغداد.

وقال أحمد بن كامل: مات في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثمائة ببغداد.

وكذا قال أكثر من ترجم له.

التعريف بالكتاب

اسم الكتاب:

جاء اسم الكتاب في النسخة المخطوطة: "جزء فيه من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة في الكبائر"، وجاء في السماعات الملحقة بالكتاب باسم:"ما روي في الكبائر".

توثيق نسبته إلى مؤلفه:

ص: 75

لم أقف على من ذكر أن للبرديجي كتاباً في الكبائر، إلا أن هذا لا يعني التشكيك في صحة نسبته إليه، بل يمكن الجزم بأنه من تأليفه لعدة أمور:

1-

وجود الإسناد المتصل إلى مؤلفه، وأنه من تأليفه.

2-

جود السماعات الكثيرة التي على الكتاب، والتي تثبت أنه من تأليفه، ومن بينها سماعات لعدد من الحفاظ كالضياء المقدسي، وابن عبد الهادي، وغيرهم.

3-

إن الشيوخ المذكورين في بداية كل حديث هم من شيوخ المصنف.

4-

وجود بعض الأحاديث قد رويت من طريق المصنف بنفس الإسناد الوارد عنده في هذا الكتاب، كما سيأتي في تخريج الأحاديث، مما يدل على اعتماد من أخرج الحديث من طريقه على كتابه هذا.

كما إن الحافظ ابن حجر نقل روايات عن البرديجي، كماسيأتي، موجودة في كتابه هذا، مما يدل على استفادته منه، وإن كان لم يصرح باسم كتابه.

ولهذا فالراجح أنه من تأليفه، وأما عدم اشتهاره، وذكره عند العلماء فلعل ذلك بسبب كونه صغير الحجم، إذ إن عدد الأحاديث الواردة فيه أحد عشر حديثاً فقط.

موضوع الكتاب:

يكاد عنوان الكتاب ينبئ عن مضمونه وموضوعه، فهو كتاب خاص بذكر الأحاديث الواردة في الكبائر وما ورد في التشديد فيها.

وإن كان لم يستوعب جميع هذه الأحاديث، فقد فاته الكثير، كما سيأتي.

أهمية الكتاب:

يحتل كتابنا هذا أهمية خاصة، وذلك لعدة أمور:

1-

أنه يعتبر أول كتاب أفرده مؤلفه لذكر الكبائر، فلم أقف بعد طول بحث على من ألف في الكبائر قبله.

2-

أنه يعتبر الكتاب الوحيد في بابه خلال القرون المتقدمة، فلم أقف أيضاً على من ألف في الكبائر بعده إلا الإمام الذهبي، وبينهما أكثر من أربعمائة سنة.

3-

أنه يمتاز بأن مؤلفه يسوق الأحاديث فيه بإسناده، شأنه شأن العلماء في عصره، وهذا مما يعطي الكتاب أهمية أخرى.

4-

أن مؤلفه إمام حافظ متفق على إمامته وتوثيقه، كما تقدم.

5-

أنه انفرد بطرقٍ لبعض الأحاديث، لم أجدها عند غيره، كما في حديث أبي هريرة، وحديث أبي أيوب.

ص: 76

6-

أنه في موضوع مهم جداً لكل مسلم، ولابد له من الإحاطة به.

بالإضافة إلى عدة أمور أخرى ستأتي في منهج المؤلف.

منهج المؤلف في الكتاب:

من خلال نظرة بسيطة على الكتاب، يمكن أن نوجز منهج المؤلف في كتابه في النقاط التالية:

1-

أنه اقتصر فيه على ما ورد النص صراحة بأنه من الكبائر، ولم يذكر الأحاديث الأخرى التي يمكن أن تندرج تحت الكبائر، مما ليس فيه النص بأنه كبيرة.

2-

أنه اقتصر في كل حديث على طريق واحد عن كل صحابي، فتراه يذكر الصحابي، ثم يورد عنه طريقاً واحداً، ولعله أراد الاختصار في ذلك، بدليل أننا نجده أحياناً يذكر أنه روي عن هذا الصحابي من أكثر من طريق، ويقتصر على أحدها، فيقول مثلاً: وعبد الله بن عمرو، من طرقٍ أصحها، ثم يورد الطريق إليه.

وهذا يعني أن عنده طرقاً أخرى، ولكنه أراد الاختصار على رواية واحدة.

3-

أنه يعتني بالتفريق بين ألفاظ الرواة، فتراه مثلاً في الحديث الأول يفرق بين لفظ ابن نمير للحديث، ولفظ الثوري وجرير.

4-

اهتمامه بمتون الأحاديث، وما فيها من زيادات، فتراه مثلاً في الحديث رقم 5 يقول بعده: وليس في كل الحديث:"ذكر قذف المحصنات".

5-

عنايته بتعليل الأحاديث، فتراه في الحديث التاسع يفرق بين من رواه مرفوعاً، ومن رواه موقوفاً.

6-

ومن منهجه أيضاً العناية بالأسماء والألقاب، ففي الحديث التاسع قال: وهو طيسلة بن ميَّاس، وميّاس لقب، وهو طيسلة بن علي الحنفي.

الملاحظات على الكتاب:

ليس هناك من ملاحظات تذكر على الكتاب، إلا عدم شموله للأحاديث الواردة في الكبائر.

ويمكن الجواب على هذا بأن يقال: إن هذه الأحاديث هي التي وقعت للمؤلف بإسناده، ويدل على ذلك قول المؤلف في بداية الكتاب:"روى أحد عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر ". فهذا دليل على أنه لم يقع له غير أحاديثهم، وإلا لذكرها.

ص: 77

ومن الملاحظات أيضاً سياقه لبعض الأحاديث التي في أسانيدها ضعفاء، وعدم التنبيه على ذلك.

وهذا يمكن الجواب عليه بأن سياقه للإسناد كاف في ذلك، وهذا منهج معروف عند الكثير من العلماء.

وصف النسخة الخطية:

اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على النسخة الوحيدة له - حسب علمي - وهي من محفوظات المكتبة الظاهرية، ضمن المجموع رقم 81، من الورقة 1 إلى الورقة 5.

وهي من رواية الضياء المقدسي، وقد روى معها أيضاً إملاءان من أمالي أبي سعيد محمد بن أحمد بن جعفر بن ملة.

كما أن الحافظ الضياء المقدسي قد استدرك بعض الأحاديث على البرديجي، وساق أكثرها بإسناده.

وهذه النسخة مكتوبة بخط واضح، وقد استدرك الناسخ في الهامش بعض الأخطاء والسقط، إلا أنه في مواضع قليلة قد فاته بعض الشيء، كما سيأتي.

وهذه النسخة عليها الكثير من السماعات، وسيأتي ذكر بعضها.

تراجم رواة الكتاب

وصل إلينا هذا الكتاب من رواية الضياء المقدسي أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد، عن أبي القاسم عبد الواحد بن القاسم، عن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد، عن أبي نعيم الأصبهاني، عن أبي علي الصواف، عن مؤلفه.

وفيما يلي تراجم موجزة لهؤلاء الرواة:

1-

الضياء المقدسي:

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي.

ولد سنة تسع وستين وخمسمائة.

وهو ثقة حافظ متقن، أثنى عليه كل من ترجم له.

وأخباره، وثناء العلماء عليه كثير جداً، ليس هنا مجال التفصيل في ذلك.

قال ابن النجار: هوحافظ متقن، ثبت ثقةصدوق، نبيل حجة، عالم بالحديث وأحوال الرجال، له مجموعات وتخريجات، وهو ورع تقي زاهد عابد، محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله، ولعمري ما رأيت مثله في نزاهته وعفته، وحسن طريقته في طلب العلم.

ص: 78

وقال الذهبي: برع في هذا الشأن، وكتب عن أقرانه ومن هم دونه، وحصَّل الأصول الكثيرة، وجرَّح وعدَّل، وصحح وعلل، وقيّد وأهمل، مع الديانة والأمانة، والتقوى والصيانة، والورع والتواضع، والصدق والإخلاص، وصحة النقل.

وقد ألف عدداً من المؤلفات المشهورة، كالأحاديث المختارة، وغيرها.

توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

2-

أبو القاسم عبد الواحد بن أبي المطهر القاسم بن الفضل الأصبهاني الصيدلاني.

سمع من أبيه، وجعفر بن عبد الواحد، وابن أبي ذر الصَّالحاني، وغيرهم.

حدَّث عنه الضياء المقدسي، وابن خليل، وجماعة.

قال الذهبي في السير: الشيخ الجليل المسند الرّحلة.

وقال في تاريخ الإسلام: شيخ مُسند مُعمر مشهور ببلده.

ولد في ذي الحجة سنة أربع عشرة وخمسمائة.

وتوفي في جمادى الأولى، سنة خمس وستمائة، عن إحدى وتسعين سنة.

3-

أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد الأصبهاني.

وهو ثقة حافظ مشهور، ترجم له غير واحد، ووصفوه بالحفظ والإتقان، وقد روى عن أبي نعيم الأصبهاني أكثر كتبه.

قال السمعاني: كان عالماً ثقة صدوقاً، من أهل العلم والقرآن والدين.

وقال الذهبي: الشيخ الإمام، المقريء المجود، المحدث المعمر، مسند العصر، شيخ أصبهان في القراءات والحديث جميعاً.

توفي سنة خمس عشرة وخمسمائة، وقد قارب المائة.

4-

الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني:

إمام حافظ متقن مشهور، صاحب المستخرج، والحلية، ومعرفة الصحابة، وغيرها من المؤلفات الكثيرة النافعة، التي تدل على سعة علمه وإمامته في هذا الشأن.

وقد ترجم له الكثيرون، وأفرد بعضهم في ترجمته رسائل مستقلة.

توفي سنة ثلاثين وأربعمائة.

5-

أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصَّواف:

سمع من الإمام الترمذي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والبرديجي، وغيرهم.

حدث عنه: أبو بكر البرقاني، وأبو نعيم، وابن بشران، وغيرهم.

وصفه جميع من ترجم له بالحفظ والإتقان.

ص: 79

قال الدارقطني: ما رأت عيناي مثل أبي علي بن الصواف.

وقال ابن أبي الفوارس: كان ثقة مأموناً، ما رأيت مثله في التحرز.

وقال الذهبي: الشيخ الإمام المحدث الثقة الحجة.

كان مولده في سنة سبعين ومائتين.

وتوفي في شعبان، سنة تسع وخمسين وثلاث مائة.

سماعات الكتاب:

جاء في الكتاب سماعات كثيرة، ولذا فسأكتفي ببعضها، فمن ذلك:

1-

بلغت من أوله سماعاً، بقراءتي على أبي القاسم عبد الواحد بن القاسم ابن الفضل بن عبد الواحد الصيدلاني، بحق إجازته من أبي علي الحداد، في يوم الخميس، ثاني ذي الحجة، من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. كتبه محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، حامداً لله ومصلياً على محمد وآله.

2-

سمع جميع ما في هذا الجزء عليّ بقراءة أبي الكرم عبد الرحيم بن علي ابن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الفقيه: أبو عبد الله محمد بن عبد الحميد ابن عبد الهادي المقدسي، يوم الجمعة، في العشر الآخرة، من ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين وستمائة. كتبه محمد بن أحمد. والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

3-

قرأت من هذا الجزء: حديث البرديجي وما في معناه، على الشيخ الإمام العالم الزاهد الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد ابن عبد الرحمن المقدسي، فسمعه أبو بكر يوسف بن أبي الفرج الحراني وأبو النجم بدر بن عبد الله العلائي، وأبو الفضل عمر بن عبد الله بن علي الفارسي، وأبو بكر بن أحمد بن عثمان المقدسي، يوم .... حادي وعشرين، جمادى الأولى، سنة أربعين وستمائة، بالجبل. كتبه يوسف بن الحسن بن بدر بن الحسن النابلسي.

ص: 80

4-

قرأت جميع هذا الجزء، وفيه: ما روي في الكبائر، لأبي بكر البرديجي وإملاءان عن أبي سعيد بن ملة، وكذلك ما أُلحق به، على الشيخ الإمام العالم الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي فسمعه الفقيه الإمام مجد الدين محمد بن محمد بن عمر الصفار الاسفراييني وولده عبد الرحمن، وأبو عبد الله محمد بن ثابت بن تاوان بن أحمد التفليسي وذلك يوم السبت، في العشر الأوسط من ربيع الآخر، سنة اثنتين وأربعين وستمائة. كتبه أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، حامداً الله تعالى، ومصلياً على رسوله محمد وآله وأصحابه وسلم.

5-

سمع جميع هذا الجزء على الشيخ الإمام الحافظ الناقد ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي أبقاه الله، بقراءة الإمام العالم شمس الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن أمية العبدري، وصح ذلك وكمل في يوم الثلاثاء، ثامن ربيع الآخر، سنة ثنتين وأربعين وستمائة، بمدرسة الشيخ المُسمع. كتبه أحمد ابن عبد الرحمن بن محمد، حامداً لله ومصلياً على رسوله.

6-

قرأت هذا جميعه، والذي في حواشيه على صاحبه الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد، أثابه الله، بسماعه فيه. وصح وثبت في المحرم سنة سبع وثلاثين وستمائة. كتبه محمد بن عبد الله بن عبد الغني المقدسي.

نماذج من صور المخطوط

P131

P132

P133

جزء فيه

من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة في الكبائر

رواية

أبي بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي

رواية أبي علي محمد بن أحمد بن عبد الله الحافظ عنه

رواية أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد عنه

رواية أبي القاسم عبد الواحد بن القاسم إجازة عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا قوة إلا بالله

طرق أحاديث الكبائر

ص: 81

أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن القاسم بن الفضل بن عبد الواحد بقراءتي عليه، أخبرنا أبو علي الحدَّاد إجازة، أخبرنا أبو نُعيم، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصَّواف رحمه الله البغدادي، قال: سمعت أبا بكر أحمد بن هارون بن رَوح البَرّديجي يقول: روى أحد شر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر، وهو مما يدخل في التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم.

1-

منهم عبد الله بن مسعود:

وهو ما حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش عن أبي وائل، عن عمرو بن شُرحبيل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال:"أن تُشرك بالله وهو خلقك، وأن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، وأن تزني بحليلة جارك". ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {وَالذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهَاً آخَر} (1) الآيات.

لم يرو هذا إلا ابن نمير على لفظ: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر.

ورواه الثوري، وجرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الكبائر أعظم.

2-

وابن عباس رضي الله عنه:

وهو ما حدثناه أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، حدثنا أبو عاصم، عن شَبيب، عن عِكرمة، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث الكبائر.

وقال فيه: "والفرار من الزحف"(2)

(1) سورة الفرقان آية رقم 68.

(2)

إسناده ضعيف.

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/931، رقم 5201،عن ابن أبي عاصم، به.

والبزار (كشف الأستار 1/71، رقم 106) ، عن عبد الله بن إسحاق العطار، عن أبي عاصم: الضحاك بن مخلد، به.

وذكره ابن عبد البر في التمهيد 5/ 77، من رواية شبيب، به.

وجاء متنه عند ابن أبي حاتم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متكئاً فدخل عليه رجل فقال: ما الكبائر؟ فقال: "الشرك بالله، والإياس من روح الله، والأمن من مكر الله، وهذا أكبر الكبائر".

وجاء متنه عند البزار، وابن عبد البر:"الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله".

وقال الهيثمي في المجمع 1/ 102: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، ورجاله موثقون.

قلت: ولم أقف عليه في الأوسط، ولا في مجمع البحرين.

وإسناده ضعيف، فيه شَبيب بن بشر، وهو صدوق يخطيء (التقريب 1738) .

وقال ابن كثير في تفسيره 1/ 46: وفي إسناده نظر، الأشبه أن يكون موقوفاً، فقد روي عن ابن مسعود نحو ذلك.

قلت: وروايته عن ابن مسعود جاءت من عدة طرق صحيحة عنه، أخرج أكثرها الطبري في تفسيره، وذكر بعضها ابن كثير في تفسيره، ثم قال: وهو صحيح إليه بلا شك.

ص: 82

3-

وعبد الله بن عمرو:

من طُرق أصحها ما رواه فِراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما.

ورواه شعبة، وشَيبان، عن فِراس.

حدثناه الحسن بن علي بن عفان، حدثنا عبيد الله بن موسى [حدثنا شيبان] عن فِراس.

وحدثنا أبو زرعة، حدثنا عبد الله بن مُعاذ، حدثنا أبي، عن شعبة، عن فراس عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما– أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين"(1)

(1) حديث صحيح.

أخرجه البخاري 12/276 (مع الفتح) ، كتاب استتابة المرتدين، باب إثم من أشرك بالله، رقم 6920، وابن حبان 12/373، رقم 5562، والبيهقي في الكبرى10/35، في الصغرى4/97، رقم 4005، والطبري في تفسيره 8/249، رقم 9223، وفي تهذيب الآثار (مسند علي) ، رقم 307، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 2/345، رقم 891، وابن منده في الإيمان 2/552، رقم 479، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 6/1104، رقم 1903، وأبو نعيم في مسانيد أبي يحيى فراس بن يحيى المكتب (ص28) ، رقم 5/6، وقوام السنة في الترغيب والترهيب 1/212، رقم 448. من طريق عبيد الله بن موسى.

والبيهقي في الكبرى10/35، وفي الصغرى 4/97، رقم 4005، وابن منده في الإيمان 2/552، رقم 479. من طريق محمد بن سايق.

وعبيد الله بن موسى، ومحمد بن سايق كلاهما عن شيبان، به.

وأخرجه البخاري 11/564 (مع الفتح) ، كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين الغموس، رقم 6675 – ومن طريقه البغوي في شرح السنة 1/84، رقم 44، وفي تفسيره 1/418، وابن الجوزي في البر والصلة (ص88) ، رقم 105، وفي الحدائق 2/465 -، ورواه النسائي 7/89، كتاب تحريم الدم، باب ذكر الكبائر، رقم 4011، و8/63، كتاب القسامة، تأويل قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

} رقم 4868، وابن أبي عاصم في كتاب الديات (ص42) – ومن طريقه ابن منده في الإيمان 2/553، رقم 481-، ورواه أبو نعيم في مسانيد أبي يحيى فراس بن يحيى المكتب (ص28) ، رقم 5/ 4. من طريق النضر بن شميل.

والبخاري 12/1999 (مع الفتح) ، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا

} رقم 6870، والترمذي 5/236، كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء، رقم 3021، والدارمي 2/112، رقم 2365، وأحمد 2/201 - ومن طريقه أبو نعيم في مسانيد أبي يحيى فراس بن يحيى المكتب (ص28) ،رقم5/2-، ورواه الطبري في تفسيره 8/248، رقم 9222، وابن منده في الإيمان 2/552، رقم480، وأبو نعيم في مسانيد أبي يحيى فراس بن يحيى المكتب (ص28) ، رقم5/3، وقوام السنة في الترغيب والترهيب 2/1022، رقم 2511.من طريق محمد بن جعفر.

وأبو نعيم في المستخرج [ولم أقف عليه في المستخرج 1/164، 165، حيث ساق طرق الحديث](كما في النكت الظراف 6/346) ، وفي مسانيد أبي يحيى فراس بن يحيى المكتب (ص28) ، رقم 5/5. من طريق عبد الله بن المبارك.

وأبو نعيم في الحلية 7/202، وفي مسانيد أبي يحيى فراس بن يحيى المكتب (ص27) ، رقم 5/1. من طريق داود بن إبراهيم الواسطي.

وعبد الله بن أحمد في العلل 1/217، رقم 4941، وقوام السنة في الترغيب والترهيب 2/945 رقم 2307. من طريق يحيى بن سعيد.

كلهم عن شعبة، عن فراس، به.

ص: 83

4-

وأبو بكرة رضي الله عنه:

حدثنا محمدبن عبد الملك وغيره، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا الجريري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين".

ثم احتفز فقال: "وشهادة الزور"(1)

(1) حديث صحيح.

أخرجه البخاري في صحيحه 5/309 (مع الفتح) ،كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم2654، وفي 11/69،كتاب الاستئذان، باب من اتكا بين يدي أصحابه، رقم 6274،وفي 12/276، كتاب استتابة المرتدين، باب إثم من أشرك بالله

،رقم 6919،وفي الأدب المفرد (19) ، رقم 15- ومن طريقه البغوي في شرح السنة 1/84، رقم 43، وفي تفسيره 1/418، وقوام السنة في الترغيب والترهيب 2/889، رقم 2179، وفي 1/214 رقم 452-، ورواه البخاري أيضاً من طريق أخرى11/69، كتاب الاستئذان، باب من اتكأ يدي أصحابه، رقم 6273، والترمذي4/312، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في عقوق الوالدين، رقم1901، وفي 4/548، كتاب الشهادات، باب ما جاء في شهادة الزور، رقم 2301، وفي 5/235، كتاب التفسير، في تفسير سورة النساء، رقم 3019- ومن طريقه البغوي في شرح السنة 1/83، رقم 43، وابن النقور في الفوائد الحسان (ص39) ، رقم 9- ورواه أبو نعيم في المستخرج1/165، رقم 260، وأبو عوانة 1/54، والبيهقي في الكبرى 10/121، والطبري في تهذيب الآثار (مسند علي) ، رقم 296، وابن منده في الإيمان 2/547، رقم 472، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 6/1106، رقم 1907، والخطيب في الكفاية (ص104) ، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين 4/5، وأبو يعقوب الكاتب في المناهي وعقوبات المعاصي (ق125/ب) . كلهم من طريق بشر بن المفضل.

والبخاري 12/276 الموضع السابق، رقم 6919، ومسلم 1/91، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم143ومن طريقه ابن حزم في المحلى 4/245، و11/269، وابن عبد الهادي في مسألة التوحيد (ص75) ، رقم 41، ورواه البيهقي في الكبرى 10/121، وأحمد 5/36، 38- ومن طريقه ابن الجوزي في البر والصلة (ص87) ، رقم 103، وفي الحدائق 2/464-، ورواه البزار 9/97، رقم 3629، والطبري في تهذيب الآثار (مسند علي) رقم 296، وابن منده في الإيمان 2/547، رقم 471، والواحدي في الوسيط 2/39، 40.

من طريق إسماعيل بن علية.

والبخاري 10/41، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، رقم 5976، والبيهقي في الشعب 6/188، رقم 7866. من طريق خالد الطحان.

وأبو نعيم في المستخرج 1/165، رقم 260. من طريق أبي بشر.

والبيهقي في الكبرى 10/121، وفي شعب الإيمان 6/188، رقم 7866، والخرائطي في مساؤي الأخلاق، رقم 153 [وقع في إسناده في هذا الموضع "عبيد الله بن أبي بكرة"، ولعله تصحيف أو وهم من الناسخ، حيث ورد في الموضع الثاني على الصواب، وإسناده المصنف في الموضعين واحد، والله أعلم] .،ورقم 244،وابن منده في الإيمان2/546، رقم 470،وقوام السنة في الترغيب والترهيب1/69، رقم88. من طريق يزيد بن هارون.

والبزار 9/97، رقم 3630، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 2/347، رقم82. من طريق عبد الوهاب بن عطاء.

وابن المنذر في تفسيره (بهامش تفسير ابن أبي حاتم)(ق130/أ) من طريق وهيب.

كلهم عن سعيد بن إياس الجريري، به، نحوه.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا من حديث الجريري، ورواه عن الجريري غير واحد، فاقتصرنا على حديث إسماعيل بن إبراهيم.

ص: 84

5-

وأبو هريرة من ثلاثة أوجه:

فأحسن ذلك ما حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا ابن وهب، أخبرني سليمان بن بلال، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رَبَاح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا السبع الموبقات".

قلنا: وما هنَّ؟.

قال: "الشرك بالله، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، والزنا، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وشهادة الزور، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".

وليس في كل الحديث ذكر: "قذف المحصنات" إلا في هذا.

6-

وأنس بن مالك رضي الله عنه:

حدثنا سليمان بن سيف، حدثنا أبو عتَّاب الدَّلال، حدثنا شعبةح.

وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن عبيد الله ابن أبي بكر بن أنس، عن أبيه – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق"(1)

(1) حديث صحيح.

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص276) ، رقم 2075- ومن طريقه أبو عوانة1/54، والبيهقي في الكبرى10/186،وفي شعب الإيمان 4/223، رقم4860، وفي الاعتقاد (ص165) ، والخطيب في الكفاية (ص104) ، وابن أبي حاتم في تفسيره 3/930، رقم5195،وابن منده في الإيمان2/548، رقم473. كلهم من طريق يونس بن حبيب، عن أبي داود.

والبخاري 10/419 (مع الفتح) ، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، رقم 5977 - ومن طريقه ابن الجوزي في البر والصلة (ص87) ، رقم 104، وفي الحدائق 2/465 -، ورواه مسلم 1/92، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم 144 - ومن طريقه ابن حزم في المحلى 11/268 -، ورواه أبو نعيم في المستخرج 1/165، رقم 261، وأحمد 3/131، والبيهقي في شعب الإيمان 6/189، رقم 7867، والطبري في تفسيره 8/247، رقم 9219، وابن منده في الإيمان 2/549، رقم 475، وأبو يعقوب الكاتب في المناهي وعقوبات المعاصي (ق125/ب) . من طريق محمد بن جعفر.

والبخاري 5/309 (مع الفتح) ، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم 2653، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 2/351، رقم 897. من طريق وهب بن جرير.

والبخاري 5/309 (مع الفتح) ، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم2653، والبيهقي في الكبرى 10/121، وابن منده في الإيمان 2/548، رقم 474. من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجدي.

والبخاري 12/199 (مع الفتح) ، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا

} ، رقم 6871. من طريق عبد الصمد.

ومسلم 1/91، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم 144، والترمذي 3/504، كتاب البيوع، باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه، رقم 1207، وفي 5/235، كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، رقم 3018، والنسائي 7/88، كتاب تحريم الدم، باب ذكر الكبائر، رقم 4010، و8/63، كتاب القسامة، تأويل قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

} ، رقم 4867، والطبري في تفسيره 8/248، رقم 9220، وفي تهذيب الآثار (مسند علي) ، رقم 295، وابن منده في الإيمان 2/548، رقم 474. من طريق خالد بن الحارث.

والنسائي7/88،كتاب تحريم الدم، باب ذكر الكبائر، رقم4010،و 8/63، كتاب القسامة تأويل قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

} رقم 4868. من طريق النضر بن شُميل.

وأبو نعيم في المستخرج 1/165، رقم 261. من طريق روح بن عبادة.

والبيهقي في الكبرى 8/20، وفي 10/121، و10/197، وفي الصغرى 3/203، رقم 2924، والحربي في غريب الحديث 1/43، وابن منده في الإيمان 2/548 رقم 474، وابن الحطاب الرازي في مشيخته (ص139) ، رقم 35- ومن طريقه الذهبي في تذكرة الحفاظ 4/1443-. من طريق عمر ابن مرزوق.

وأحمد 3/134- ومن طريقه ابن حجر في تغليق التعليق 5/385-، ورواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 6/1105، رقم 1905، 1906. من طريق بهز بن أسد.

وابن منده في الإيمان 2/548، رقم 473 ومن طريقه ابن حجر في تغليق التعليق 3/384-، ورواه أبو سعيد النقاش في كتاب الشهود (كما في الفتح 5/310) - ومن طريقه ابن حجر في التغليق5/385-. من طريق أبي عامر العقدي.

وابن منده في الإيمان 2/548، رقم474. من طريق بشر بن عمرو، ويحيى ابن حبيب، ومحمد بن عبد الأعلى.

والطبري في تفسيره 8/248، رقم 9221. من طريق يحيى بن كثير.

كلهم عن شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، نحوه.

وخالفهم روح بن عبادة، فرواه عن شعبة، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أنس:

ذكر ذلك الترمذي، في الموضع السابق، ولم أقف على من أخرجه.

قال الترمذي - بعد إخراجه للوجه السابق -: هذا حديث حسن غريب صحيح ورواه روح بن عبادة عن شعبة، وقال: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، ولا يصح.

قلت: وقد تقدمت رواية روح بن عبادة عند أبي نعيم في المستخرج، وقد وافق من رواه على الوجه الأول، فيقدم من روايتيه ما وافقه فيه غيره، ولعل الحمل في روايته الثانية على أحد الرواة عنه، والله أعلم.

ص: 85

7-

وعمران بن حُصين رضي الله عنه:

حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحسن بن بشر، حدثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الكبائر فيكم؟ ".

قلنا: الشرك بالله، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر.

قال: "هُنَّ كبائر، وفيهن عقوبات، ألا أنبئكم بأكبر الكبائر".

قلنا: بلى. قال: "شهادة الزور"(1)

(1) إسناده ضعيف.

أخرجه الروياني في مسنده 1/105، رقم86، عن ابن إسحاق.

والبخاري في الأدب المفرد (25) ، رقم 30.

وابن أبي الفوارس في الخامس من حديث أبي الحسن الحمامي (ق151/أ) - ومن طريقه ابن حجر في موافقة الخُبر الخَبر 1/359-، ورواه الضياء في الذيل على الكبائر (ق3/أ) . من طريق عباس الدوري.

كلهم عن الحسن بن بشر، عن الحكم بن عبد الملك، به.

وتوبع الحكم، تابعه سعيد بن بشير:

أخرجه ابن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث 1/176،رقم 29،والمطالب 3/269،رقم 244) ومن طريقه ابن حجر في موافقة الخُبر الخَبر1/355، ورواه البيهقي في الكبرى 8/209. من طريق عمر بن سعيد الدمشقي.

والطبراني في الكبير 18/140، رقم 293، وفي مسند الشاميين 4/26، رقم 2635.من طريق أبي الجماهر: محمد بن عثمان التنوخي.

وابن أبي حاتم في تفسيره 3/71، رقم 5429. من طريق محمد بن بكار.

وابن مردويه في تفسيره (كما في تفسير ابن كثير 1/523) ، من طريق معن.

كلهم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران، نحوه.

وقال البيهقي: تفرد به عمر بن سعيد الدمشقي، وهو منكر الحديث، وإنما يعرف من حديث النعمان بن مرة مرسلاً.

قلت: وفي هذا الكلام نظر، حيث لم يتفرد به عمر بن سعيد، وإنما تابعه عدد من الرواة، ورواية النعمان لا تعارض هذه الرواية، بل تشهد لها.

ولذا قال الحافظ ابن حجر في موافقة الخُبر 1/356، بعد ذكره لقول البيهقي المتقدم، قال: كذا قال، ولم ينفرد به كما ترى، بل تابعه عليه ثقتان.

وقال ابن أبي الفوارس: هذا حديث غريب من حديث قتادة عن الحسن، تفرد به الحكم بن عبد الملك.

وتعقبه ابن حجر في موافقة الخبر فقال: قد تقدم من طريق سعيد بن بشير، فلم ينفرد به الحكم.

وقال الهيثمي في المجمع 1/ 103: رجاله ثقات، إلا أن الحسن مدلس وعنعنه.

وقال ابن حجر في الفتح 12/190: سنده حسن.

وقال في موافقة الخبر 1/356: هذا حديث حسن غريب من حديث الحسن، عزيز من حديث قتادة

له شاهد مرسل من حديث النعمان بن مرة

، ولآخره شاهد في الصحيحين من حديث أبي بكرة.

قلت: إسناده ضعيف، فالحسن لم يسمع من عمران بن حصين (المراسيل ص 38) .

وخولف قتادة في روايته للوجه السابق:

فرواه يونس بن عبيد، والسري بن يحيى، عن الحسن، مرسلاً:

أخرجه المروزي في زياداته على كتاب البر والصلة لابن المبارك (ص143) ، رقم 105، عن يزيد بن زريع، عن يونس بن عبيد، عن الحسن مرسلاً.

وأخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن (كما في موافقة الخبر1/359) ، من طريق يونس بن عبيد، والسري بن يحيى، عن الحسن مرسلاً.

قلت: ولعل الحمل في هذا الاختلاف على الحسن، فهو معروف بكثرة الإرسال والتدليس، فلعله كان يرويه مرة عن عمران، ومرة بإسقاطه، والله أعلم.

وله شاهد قوي، ولكنه مرسل:

أخرجه مالك في الموطأ 1/167 - ومن طريقه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله1/480، رقم 765، وابن حجر في موافقة الخُبر الخَبر 1/360.

وعبد الرزاق 2/ 371، رقم 3740، عن ابن عيينة.

كلاهما عن يحيى بن سعيد، عن النعمان بن مرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه مختصراً، وزاد فيه: "وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته

"الحديث.

وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث مرسل قوي الإسناد شاهد لحديث الحسن، يعتضد كل منهما بالآخر. ولآخره شاهد في الصحيح من حديث أبي هريرة.

قلت: ولعل هذا الشاهد يرقى بالحديث إلى الحسن لغيره، والله أعلم.

ص: 86

8-

وخُريم بن فاتك رضي الله عنه:

حدثنا سليمان بن سيف، ومحمد بن إسحاق: أبو بكر، قالا: حدثنا يعلى ابن عبيد، حدثنا سفيان العَصْفُري، عن أبيه، عن حَبيب بن النعمان، عن خُرَيم ابن فاتك – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح ذات يوم بعدما صلى الغداة فقال:"عدلت شهادة الزور الشرك بالله وعقوق الوالدين". ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (1)(2)

(1) سورة الحج، آية رقم 30.

(2)

إسناده ضعيف.

أخرجه البيهقي في الكبرى 10/121، وفي شعب الإيمان 4/223، رقم 4861،وابن أبي شيبة في مسنده2/254،رقم 745ومن طريقه الجصاص في أحكام القرآن 3/356، ورواه الخطيب في تلخيص المتشابه1/160،وابن عساكر في تاريخ مشق10/39،و10/40. من طريق يعلى بن عبيد.

وأخرجه الترمذي 4/547، كتاب الشهادات، باب ما جاء في شهادة الزور، رقم 2300، وأبو داود 4/23، كتاب الأقضية، باب في شهادة الزور، رقم 3599، وابن أبي شيبة في مسنده 2/254، رقم 744، وفي المصنف 7/257، رقم 3090- ومن طريقه ابن ماجه 2/794، كتاب الأحكام، باب شهادة الزور، رقم 2372، والطبراني في الكبير 4/209، رقم 4162، وابن أبي زمنين في أصول السنة (253) ، رقم 177، والجصاص في أحكام القرآن 3/356-، ورواه البيهقي في الكبرى 10/121، وفي شعب الإيمان 4/223، رقم 4861، وأحمد 4/321ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال 3/446، 447، وابن عساكر في تاريخ دمشق 10/39-، ورواه الطبراني في الكبير 4/209، رقم 4162، وابن بشران في أماليه 1/92، رقم 177، والخطيب في تلخيص المتشابه 1/160، وابن عساكر في تاريخ دمشق10/39، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 3/129، وأبو يعقوب الكاتب في المناهي وعقوبات المعاصي (ق125/أ، ب) .كلهم من طريق محمد بن عبيد.

ويعلى بن عبيد، ومحمد بن عبيد، كلاهما عن سفيان بن زياد، به نحوه.

وقال الترمذي: وهذا عندي أصح، وخريم بن فاتك له صحبة، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وهو مشهور.

قلت: وقد اختلف على سفيان بن زياد في هذا الحديث:

فرواه يعلى بن عبيد، ومحمد بن عبيد، كما تقدم، عن سفيان بن زياد، عن أبيه، عن حبيب بن النعمان، عن خريم بن فاتك.

ومحمد بن عبيد، ويعلى كلاهما ثقة (التقريب 6114، 7844) .

ورواه مروان بن معاوية، عن سفيان، عن فاتك بن فضالة، عن أيمن ابن خريم:

أخرجه الترمذي 4/547، الموضع السابق، رقم 2299- ومن طريقه ابن الأثير في أسد الغابة 1/160 -. عن أحمد بن منيع.

وأحمد4/178،233،322ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة2/374 رقم996،وابن قانع في معجم الصحابة1/53، والمزي في تهذيب الكمال3/446، 447، وابن عساكر في تاريخ دمشق [إلا أنه جاء في معجم الصحابة، وفب تاريخ دمشق: "فائد بن فضالة". وقال ابن عساكر: "كذا قال، وصوابه: "فاتك"] 10/38. كلهم من طريق أحمد

والبغوي في معجم الصحابة (ق13) – ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 10/38، والواحدي في الوسيط 3/270-. عن جده.

وابن عساكر في تاريخ دمشق10/39،والمزي في تهذيب الكمال23/135 من طريق أيوب بن محمد الوزان [وقع في تاريخ دمشق:"الوراق"، ولعله تصحيف] .

وأبو نعيم في معرفة الصحابة 2/374، رقم 996. من طريق سويد بن سعيد.

والطبري في تفسيره 17/154، عن أبي كريب.

كلهم عن مروان بن معاوية، عن سفيان، عن فاتك، عن أيمن بن خريم.

وقال الترمذي: وهذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد، واختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد، ولا نعرف لأيمن بن خريم سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم [جاء في المطبوع بعده:"وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد" ولعل هذا وهم من الناسخ، فليس لهذا الكلام هنا معنى، ولم يذكره المزي في التحفة 1/11، وليس في الطبعة التي حققها محمد عثمان 3/375، ولا الطبعة التي حققها عزت الدعاس 7/64، وذكر هذا الأخير أن هذه الزيادة في أحد النسخ دون النسخ الأخرى] .

وقال ابن معين في تاريخه2/ 147: الحديث كما حدَّث به محمد بن عبيد. ومروان بن معاوية لم يُقمه.

وقال يعقوب بن سفيان في المعرفة 3/130: وقد خالف مروان محمداً، والصحيح رواية محمد.

قلت: ومروان بن معاوية: ثقة حافظ (التقريب 6575) .

ورواه أبو أسامة، عن سفيان بن زياد، عن أبيه، عن خريم بن فاتك:

أخرجه الطبري في تفسيره 17/154،عن أبي السائب، عن أبي أسامة، به.

قلت: وأبو أسامة، هو حماد بن أسامة: ثقة ثبت، كان بأخرة يحدث من كتب غيره (التقريب 1487) .

وأبو السائب، هو سلم بن جنادة: ثقة ربما خالف (التقريب2464) .

ورواه سلمة بن رجاء، عن سفيان، عن أبيه، عن ابن خريم بن ثابت، عن أبيه:

ذكره أبو نعيم في معرفة الصحابة 2/375، ولم أقف على من أخرجه.

قلت: وسلمة بن رجاء: صدوق يُغرب (التقريب 2490) .

ولعل الوجه الأول أرجح هذه الأوجه، حيث رواه ثقتان كذلك، في حين لم أقف على من تابع رواته في بقية الأوجه.

وإسناده من هذا الوجه الراجح ضعيف، فيه زياد العصفري، والد سفيان، وهو مجهول، قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام 3/548: مجهول.

وقال الذهبي في الميزان 2/96: لا يدرى من هو.

وله طريق أخرى عن خريم، ولكنها لا تثبت:

فقد أخرجه العقيلي في الضعفاء 3/433. من طريق عمرو بن زياد الباهلي، عن غالب بن غالب، عن أبيه، عن جده، عن جندب، عن خريم بن فاتك، نحوه.

وقال العقيلي: غالب بن غالب عن أبيه عن جده، إسناده مجهول، لا يعرف إلا بهذا الحديث.

ثم قال: هذا يروى عن خريم بن فاتك بإسناد صالح من غير هذا الوجه.

ص: 87

9-

وابن عمر رضي الله عنهما:

حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، حدثنا أيوب ابن عتبة، عن طَيْسَلة، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الكبائر سبع، الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والزنا، والسحر، والفرار من الزحف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم".

هكذا رواه مرفوعاً.

وروى هذا الحديث عن طيسلة: يحيى بن أبي كثير، وزياد بن مخراق، عن طيسلة، عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً.

وهو طَيْسَلة بن ميَّاس، وميّاس لقب، وهو طيسلة بن علي الحنفي (1)

(1) إسناده ضعيف.

وقد اختلف على طيسلة، وأيوب بن عتبة في هذا الحديث:

فرواه أكثر من ثقة، عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة، عن ابن عمر، مرفوعاً:

أخرجه المصنف هنا - ومن طريقه الخطيب البغدادي في الكفاية (ص105) -. من طريق الحسن بن موسى الأشيب [كما ذكر روايته هذه ابن كثير في تفسيره 1/493] .

والبيهقي في الكبرى3/409،والخرائطي في مساويء الأخلاق رقم246، و 740- ومن طريقه ابن حجر في موافقة الخُبر الخَبر 1/344-، ورواه الخطيب في الكفاية (ص105) . من طريق حسين بن محمد المروذي.

وأبو القاسم البغوي في الجعديات 2/480، رقم 3339 – ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد 5/69-، عن علي بن الجعد.

كلهم عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة، عن ابن عمر، مرفوعاً.

ورواه سلم بن سلام، عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة، عن ابن عمر، موقوفاً:

أخرجه الطبري 8/240، رقم 9188، وفي تهذيب الآثار (مسند علي) ، رقم 314، عن سليمان بن ثابت الخزاز، عن سلم بن سلام، عن أيوب بن عتبة، به، موقوفاً.

وتوبع أيوب بن عتبة على هذا الوجه:

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (17) ، رقم 8- ومن طريقه ابن الجوزي في البر والصلة (ص112) ، رقم 142، ببعضه، وابن حجر في موافقة الخُبر الخَبر 1/343-، ورواه الطبري في تفسيره 8/239، رقم 9187، وأبو يعقوب الكاتب في المناهي وعقوبات المعاصي (ق105/أ) ، وإسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره، وإسماعيل القاضي في أحكام القرآن (كما في موافقة الخُبر الخَبر1/34) . كلهم من طريق إسماعيل بن علية.

والبخاري في الأدب المفرد (ص25) ، رقم 31، ببعضه، وابن المنذر في تفسيره (بهامش تفسير ابن أبي حاتم (ق130/ب) . من طريق حماد بن سلمة.

وإسماعيل بن علية، وحماد، كلاهما عن زياد بن مخراق.

وتابع زياداً على هذا الوجه: يحيى بن أبي كثير:

ذكر ذلك المصنف هنا، وابن عبد البر في التمهيد 5/69.

كلاهما، عن طيسلة بن مياس، عن ابن عمر، موقوفاً.

وقال الحافظ ابن حجر في موافقة الخبر: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث طيسلة، وهو بفتح الطاء المهملة، وسكون التحتانية وفتح السين المهملة، وتخفيف اللام، ووهم من قدَّم اللام على السين

الخ.

ثم قال: والموقوف أصح إسناداً.

وقال أيضاً: وأقوى طرقه رواية زياد بن مخراق الأولى.

ورواه عيسى بن خالد، وسلم بن سلام، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى ابن أبي كثير، عن عبيد بن عمير، عن أبيه، مرفوعاً:

أخرجه الطبراني في الكبير17/48، رقم 102. من طريق عيسى بن خالد اليمامي.

والطبري في تفسيره 8/241، رقم 9189، وفي تهذيب الآثار (مسند علي) ، رقم 315. من طريق سلم بن سلام.

كلاهما عن أيوب بن عتبة، به.

وخولف أيوب في روايته لهذا الوجه عن يحيى، خالفه حرب بن شداد، فرواه عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الحميد بن سنان، عن عبيد بن عمير، عن أبيه.

وقد تكلمت عن هذه المخالفة بالتفصيل في تحقيقي لتتمة الضياء المقدسي على هذا الكتاب، ولم أر أن أذكرها هنا مراعاة للاختصار.

ولعل الحمل في هذا الاختلاف على أيوب نفسه، فهو ضعيف (التقريب 619) ، ولعله كان يحدث بهذه الأوجه جميعاً.

ولكن من حيث الترجيح عموماً عن طيسلة فالوجه الثاني أرجح، حيث توبع أيوب عليه من ثقتين، وهما زياد بن مخراق، ويحيى بن أبي كثير (التقريب 2098،7632) .

وعليه فالراجح أنه موقوف على ابن عمر، ولم يثبت مرفوعاً، والله أعلم.

ص: 88

10-

وأبو أيوب رضي الله عنه:

حدثنا يزيد بن عبد الملك، حدثنا يزيد بن عمرو السكوني، حدثنا بقية، حدثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن محكول يرده إلى أبي أيوب – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، ومنع ابن السبيل، والفرار من الزحف"(1)

(1) إسناده ضعيف.

وقد روى بقية هذا الحديث، واختلف عليه من عدة أوجه:

فرواه يزيد بن عمرو، عن بقية، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن أبي أيوب:

أخرجه المصنف هنا، ولم أقف على من أخرجه من هذا الوجه غيره.

ورواه أكثر من ثقة، عن بقية، عن بَحِيْر بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن أبي رُهْم السَّمعِي، عن أبي أيوب الأنصاري:

أخرجه النسائي في الصغرى 7/88، كتاب تحريم الدم، باب ذكر الكبائر، رقم 4009ومن طريقه عبد الغني المقدسي في كتاب التوحيد (86) ، رقم 90،

ورواه الطبراني في مسند الشاميين 2/178، رقم 1144، وابن المنذر في تفسيره - بهامش تفسير ابن أبي حاتم (ق131/أ) . من طريق إسحاق بن راهويه.

والنسائي أيضاً في الكبرى 5/198، رقم 8655- وعنه الطحاوي في شرح مشكل الآثار2/350، رقم 896، ورواه ابن أبي عاصم في الجهاد2/644، رقم 271. كلاهما عن عمرو بن عثمان.

وأحمد 5/413، والطبراني في الكبير 4/128، رقم 3885، وفي مسند الشاميين 2/178، رقم 1144- ومن طريقه الشجري في أماليه 1/20-. من طريق حيوة بن شريح.

وأحمد 5/413. من طريق زكريا بن عدي.

والطبراني في الكبير4/128، رقم 3885 ومن طريقه الشجري في أماليه 1/20 من طريق عيسى ابن المنذر.

واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 6/1134، رقم 1979، من طريق عبد الرحمن بن يونس السراج.

كلهم عن بقية، عن بَحِيْر بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن أبي رُهْم السَّمعِي، عن أبي أيوب الأنصاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مات يعبد الله لا يشرك به شيئاً، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويجتنب الكبائر كان له الجنة" فسألوه عن الكبائر، فقال:"الإشراك بالله، وقتل النفس المسلمة، والفرار يوم الزحف".

ورواه أكثر من ثقة، عن بقية، عن بَحِيْر بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة:

أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد 2/200، رقم 278، وفي كتاب الديات (ص42) - وعنه أبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه [إلا أنه جاء في أصل المخطوط:"عن المتوكل"، ولعله سهو من الناسخ، فهو قد رواه عن ابن أبي عاصم ووقع عنده:"عن أبي المتوكل"، وهو كذلك في المطبوع من كتابيه: الديات والجهاد، وكذا هو في المخطوط من كتاب الجهاد، كما أفادني بذلك محققه مشكوراً، والله أعلم] . (233) ، رقم211 ورواه ابن أبي حاتم في العلل 1/339، رقم 1005.

من طريق محمد بن مصفى، وعمرو بن عثمان.

وابن أبي حاتم في الموضع السابق من العلل. من طريق عبد الجبار بن عاصم.

وابن شاهين في الأفراد (كما في أطراف المسند 8/18) ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق 2/383، رقم 2028 من طريق داود بن رشيد.

كلهم عن بقية، عن بَحِيْر بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لقي الله لا يشرك به شيئاً، وأدى زكاة ماله طيباً بها نفسه، محتسباً، وسمع وأطاع، فله الجنة – أو دخل الجنة - وخمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، أو بهت مؤمن، أو الفرار يوم الزحف، أو يمين صابرة تقتطع مالاً بغير حق".

ورواه إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، عن بقية، عن بَحِيْر بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن المتوكل، عن أبي هريرة:

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده 1/342، رقم 336.

والطبراني في مسند الشاميين 2/200، رقم 1183، 1184، وابن أبي حاتم في العلل [وقع في المطبوع من العلل، وفي جميع النسخ الخطية:"عن أبي المتوكل"، ولعل خطأ فيها جميعاً.

وذلك أن ابن أبي حاتم سأل أبا زرعة عمن قال: "عن أبي المتوكل"، فأجابه بقوله:"أبو المتوكل أصح". فلو كان إسناده هنا "عن أبي المتوكل"لما كان هناك اختلاف أصلاً، إضافة إلى أن رواية هشام بن عمار قد وقعت على الصواب عند الطبراني، فتأكد وجود الزيادة في نسخ العلل، والله أعلم.

وقد رجحت احتمال أن جميع نسخ العلل الموجودة الآن إنما تنقل عن أصل واحد، وعدم وجود نسخة منها يمكن أن تتخذ أصلاً، وذلك في تحقيقي للقسم الثالث من علل ابن أبي حاتم، فليراجع، والله أعلم] 1/339، رقم 1005، من طريق هشام بن عمار.

. كلاهما عن بقية، عن بَحِيْر بن سعد، به.

وتوبع بقية على هذا الوجه:

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين 2/200، رقم 1183، 1184، عن أحمد بن المعلى الدمشقي، عن هشام بن عمار، عن إسماعيل بن عياش وبقية، به.

قلت: وأحمد بن المعلى: صدوق (التقريب 108) توفي سنة 286.

وهشام بن عمار: صدوق كبر فصار يتلقن (التقريب 7303) ، وتوفي سنة 245.

وعلى هذا فبين وفاته ووفاة أحمد بن المعلى أكثر من أربعين سنة، فاحتمال أن تكون رواية أحمد عنه إنما كانت حال تغيره وبعد كبره قوي جداً.

وعليه ففي ثبوت هذه المتابعة نظر، وخاصة أن ابن أبي حاتم قد روى هذا الحديث عن أبي زرعة، عن هشام بن عمار لوحده، وأبو زرعة ثقة ثبت كما هو معلوم، وروايته مقدمة على رواية أحمد بن المعلى، والله أعلم.

ورواه زكريا بن عدي، عن بقية، عن بَحِيْر بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن المتوكل، أو أبي المتوكل، عن أبي هريرة:

أخرجه أحمد [جاء في المطبوع من المسند: "عن أبي المتوكل"فقط، وكان التصحيح من أطراف المسند، وتعجيل المنفعة (ص256) ، وكذا أخرجه عبد الغني من طريق أحمد، ووقع عنده على الصواب] . 2/361، 362- ومن طريقه عبد الغني المقدسي في كتاب التوحيد (68) رقم 71-، عن زكريا بن عدي، عن بقية به، على الشك.

قلت: وزكريا بن عدي: ثقة (التقريب 2024) .

وقال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة (ص256)،رقم 1004:المتوكل، أو أبو المتوكل، كذا وقع بالشك، عن أبي هريرة حديث:"من لقي الله لا يشرك به شيئاً"الحديث، وفيه:"وخمس ليس لهن كفارة"، روى عنه خالد بن معدان، وذكره ابن حبان في الثقات، فقال: لا أدري من هو، ولا ابن من هو.

قلت (أي ابن حجر) : وقد أخرج ابن شاهين في كتاب الأفراد الحديث الذي له في المسند، فقال: عن أبي المتوكل، ولم يشك، ولم أره في كتاب الحاكم أبي أحمد في الكنى، فظن ابن الجوزي أنه أبو المتوكل الناجي المخرج له في الصحيح، فاحتج بحديثه هذا في التحقيق، فوهم في ذلك، وقد جزم البخاري، وتبعه ابن أبي حاتم بأنه المتوكل، اسم لا كنية، وقال أبو حاتم: مجهول، وهذا هو المعتمد. انتهى.

قلت: إن كان مراد الحافظ قوله: "وهذا هو المعتمد"ترجيح أنه المتوكل، وأنه اسم لا كنية، ففي ذلك نظر، حيث تقدم في التخريج أن من قال:"أبو المتوكل"أكثر ممن قال بأنه: "المتوكل". وهذا يقتضي ترجيح رواياتهم.

وهذا ما رجحه أبو زرعة كما تقدم بقوله: "أبو المتوكل أصح". ولعله الصواب.

ولكن أحد رواته على الوجه الآخر، وهو ابن راهويه ثقة ثبت، فلعل الحمل في هذا الاختلاف على بقية، إذ الرواة عنه في كل الأوجه أقوى منه حالاً.

ويؤيد ذلك أنه رواه أيضاً عند الإمام أحمد على الشك، فتأكد أنه كان يرويه مرة على وجه، ومرة على وجه آخر، ومرة ثالثة بالشك بينهما، والله أعلم.

ورواه حيوة بن شريح، عن بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل:

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين 2/187، رقم 1161، عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن حيوة بن شريح، به.

قلت: وأحمد بن محمد، قال عنه الذهبي: له مناكير (الميزان 1/151) .

وعليه فهذا الوجه منكر، حيث خالف الثقات في هذه الرواية، والله أعلم.

ومما تقدم يتضح أن بقية قد رواه على عدة أوجه، والرواة عنه في كل هذه الأوجه - ما عدا الوجه السادس - كلهم أقوى منه حالاً، فلعل الحمل في هذا الاختلاف عليه، فكان يحدث بها جميعاً، وهذا يدل على اضطرابه فيها.

وبقية كماهومعلوم مشهور بتدليس التسوية، ولم يصرح بالتحديث في أيّ منها.

إلا أنه قد توبع على الوجه الثاني، تابعه ابن أبي السري:

فقد أخرجه الطبري في تفسيره 8/349، رقم 9224، عن ابن أبي السري: محمد بن المتوكل عن بحير بن سعد [أثبت محقق الكتاب: "يحيى بن سعيد"، بدلاً من:"بحير بن سعد".ولعله تصحيف، وقد ذكر هذا الاحتمال محقق الكتاب الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله، إلا أنه استبعده، لأنه لم يجد ذكراً لبحير في شيوخ ابن أبي السري في تهذيب الكمال، وإنما وجد في شيوخه يحيى بن سعيد.

قلت: وهذا الكلام ليس بدقيق، فالمزي – رحمه الله – كما هو معلوم ليس من منهجه حصر جميع شيوخ الرجل وتلامذته، وإنما اقتصر على من لهم رواية في الكتب الستة.

كما أن اتفاق طرق الحديث على رواية بحير، يقوي احتمال أنه هو الذي في إسناد الطبري، والله أعلم] .

، عن خالد بن معدان، به.

ومحمد بن المتوكل: صدوق له أوهام كثيرة (التقريب 6263) .

وله طريق أخرى من رواية أبي رهم عن أبي أيوب:

أخرجه الطبراني في الكبير 4/129، رقم 3886- ومن طريقه الشجري في أماليه 1/21-. عن عمرو بن إسحاق الحمصي.

وابن أبي عاصم في الجهاد 2/645، رقم 272، عن محمد بن عوف.

كلاهما عن محمد بن إسماعيل بن عياش، عن أبيه، عن ضَمْضَم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي رهم، عن أبي أيوب، نحوه.

قلت: وإسناده لا بأس به، وإن كان فيه محمد بن إسماعيل، وهو ضعيف (انظر الجامع في الجرح 2/450) ، وقيل إنه لم يسمع من أبيه، لكن إحدى طريقي الحديث من رواية محمد بن عوف عنه، وقد قال الحافظ في التهذيب:"وقد أخرج أبو داود عن محمد بن عوف عنه عن أبيه عدة أحاديث، لكن يروونها بأن محمد بن عوف رآها في أصل إسماعيل"(التهذيب 9/61) .

وله طريق أخرى عن أبي أيوب:

وقد خرجتها بالتفصيل في الذيل عن الكبائر، وإسنادها صحيح لغيره.

ومما تقدم فلعل الحديث بمجموع الطرق السابقة يكون صحيحاً لغيره، والله أعلم.

ص: 89

11-

عبد الله بن أنيس رضي الله عنه:

حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، عن هشام بن سعد، عن محمد بن زيد. ح.

وحدثنا ابن سهل، حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن أبي أمامة الأنصاري، عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الكبائر، فإنهن سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، والزنا، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين"(1)

(1) صحيح لغيره.

وقد روى المؤلف هذا الحديث من طريقين:

أما الطريق الأولى:

فقد أخرجها الطبراني في الكبير 13 (القسم المتمم) ص142، رقم 349وعنه أبو نعيم في الحلية 7/327-، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/930، رقم 5199، والطبري في تهذيب الآثار (مسند علي) ، رقم 317. من طريق عبد الله بن صالح.

وعبد بن حميد في تفسيره (كما في تفسير ابن كثير 1/495) – وعنه الترمذي 5/236، كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، رقم 3020-، ورواه لحاكم 4/296، وأحمد في المسند [وقع في المطبوع من المسند عبد الله بن يونس، والتصحيح من أطراف المسند 2/683، وقد نبه على ذلك محققه، وكذا وقع على الصواب في المختارة، وهو قد أخرجه من طريق أحمد] . 5/495- ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة 9/15، رقم 2، وابن الجوزي في البر والصلة (88) ، رقم 106، والمزي في تهذيب الكمال 33/51، 52-، ورواه ابن أبي شيبة في مسنده 2/346، رقم 850، وفي المصنف 7/5 (بمتنه الأخير الآتي) - وعنه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4/80، رقم 2036-، ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار 2/348، رقم 893، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، رقم 124 (بمتنه الأخير) ، وابن المنذر في تفسيره، وعبد بن حميد في تفسيره – كما في هامش تفسير ابن أبي حاتم (ق 130/ب) - كلهم من طريق يونس بن محمد المؤدب.

والطبراني في الكبير 13 (القسم المتمم) ص142،رقم 349،وفي الأوسط4/150 رقم 3261- وعنه أبو نعيم في الحلية 7/327-. من طريق شعيب ابن يحيى.

كلهم (عبد الله بن صالح، ويونس، وشعيب) عن الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن محمد بن زيد، عن أبي أمامة، عن عبد الله بن أنيس.

وجاء متنه عند أكثرهم: "أكبر الكبائر الإشراك بالله – عز وجل وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وأيم الله الذي نفسي بيده لا يحلف أحدٌ وإن كان على مثل جناح البعوضة إلا كانت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة".

وقال الترمذي: وأبو أمامة الأنصاري، هو ابن ثعلبة، ولا نعرف اسمه، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وهذا حديث حسن غريب.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال الطبراني في الأوسط: لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن أنيس إلا بهذا الإسناد، تفرد به الليث.

وقال أبو نعيم: غريب من حديث الليث وهشام، وما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا [ابن][ساقطة من الحلية، ولابد منها ليستقيم الكلام] أنيس.

أما الطريق الثانية:

فقد اختلف على وهب بن بقية فيها على ثلاثة أوجه:

فرواه أسلم بن سهل، عن وهب بن بقية، عن خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن ابن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أبي أمامة الأنصاري، عن عبد الله بن أنيس:

أخرجه المصنف هنا – ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة 9/16، رقم 3 - عن أسلم بن سهل، عن وهب بن بقية، به.

قلت: وأسلم بن سهل، هو الواسطي، الراجح أنه ثقة ثبت فقد وثقه غير واحد، قال السلفي: سألت خميساً الحوزي عنه فقال: ثقة إمام ثبت جامع، يصلح للصحيح، جمع تاريخ الواسطيين، وضبط أسماءهم، فكان لا مزيد عليه في الحفظ والاتقان. وقال أبو نعيم: كان من كبار الحفاظ العلماء. وقال ابن المنادى: كان مشهوراً بالحفظ.

وأورده الذهبي في المغني، وفي الميزان، وقال: لينه أبو الحسن الدارقطني.

قلت: وكلام الدارقطني ليس صريح في ذلك، قال الدراقطني في سؤالات الحاكم له (64) :"تكلموا فيه".

وعليه فالراجح أنه ثقة ثبت، ولم يذكر الدارقطني من الذي تكلم فيه، لنرى هل هو ممن يعتبر قوله أم لا، كما إن الجرح غير مفسر، والله أعلم.

انظر لما سبق المغني في الضعفاء 1/126، الميزان 1/211، سير النبلاء 13/553، لسان الميزان 1/388] .

ورواه أكثر من ثقة، عن وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن عبد الله ابن أبي أمامة، عن عبد الله بن أنيس:

أخرجه ابن حبان 12/374، رقم 5563، والضياء في المختارة 9/17، رقم 4، وابن الأثير في أسد الغابة 3/120. من طريق أبي يعلى الموصلي.

والطبراني في الكبير [وقد زاد محقق الكتاب اسم أبي أمامة بين عبد الله بن أبي أمامة، وبين عبد الله بن أنيس، ولا أدري ما مستنده في ذلك، وقد أخرجه الضياء من طريق الطبراني وليس فيه ذلك!] . القسم المتتم للجزء 13/412، رقم 350- ومن طريقه الضياء في المختارة 9/17، رقم 5- عن محمود بن محمد الواسطي.

وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4/80، رقم 2035 [وقع عند ابن أبي عاصم في هذا الموضع:"وهبان"، وصوابه:"وهب"، كما في الموضع الثاني] ، وفي 5/20، رقم 2556. كلهم عن وهب بن بقية، به.

قلت: وأبو يعلى، وابن أبي عاصم: ثقتان ثبتان معروفان.

ومحمود الواسطي قال الذهبي: الحافظ المفيد العالم، وكان من بقايا الحفاظ ببلده (السير 14/242) .

ورواه البغوي، وإبراهيم بن إسحاق، عن وهب بن بقية، عن خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن عبد الله بن أبي أمامة الأنصاري، عن أبي أمامة، عن عبد الله بن أنيس:

أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (ق 370) .

وأبو يعقوب الكاتب في المناهي (ق114/أ، ب) ، عن إبراهيم بن إسحاق.

كلاهما عن وهب بن بقية، به.

وذكره المزي في تحفة الأشراف4/275،من رواية عبد الرحمن بن إسحاق، به.

وقال المزي: فزاد فيه: "عبد الله بن أبي أمامة ".

قلت: والبغوي ثقة حافظ معروف.

وإبراهيم بن إسحاق، لعله السراج، وهو ثقة (السير 13/489) .

قلت: ولعل الوجه الثاني أرجح عن وهب، حيث رواه الأكثر كذلك، مع ثقتهم.

إلاإنه يمكن القول بأن الوجهين الأول والثالث محفوظان عن وهب، إذ الرواة ف يهما ثقات، ولعل الحمل في هذا الاختلاف على عبد الرحمن بن إسحاق، وهو صدوق (التقريب 3800) ، والرواة دونه في كل الأوجه أوثق منه، والله أعلم.

ولكن الوجه الأول أرجح عموماً، حيث توبع عبد الرحمن بن إسحاق، تابعه هشام بن سعد، كما تقدم في تخريج الطريق الأولى، والله أعلم.

وإسناده من هذا الوجه صحيح لغيره، فعبد الرحمن، تقدم أنه صدوق، وهشام بن سعد: صدوق له أوهام (التقريب 5894) . وأبو أمامة: صحابي جليل.

ص: 90

تم بحمد الله ومنه.

فهرس المصادر والمراجع

أولاً: المصادر المخطوطة:

1-

حديث أبي الحسن الحمامي: علي بن أحمد، رواية أبي الحسن العلاف الحاجب عنه، الجزء الخامس، مصورة عندي عن مصورة جامعة الإمام، رقم 7236 (146-155) .

2-

الذيل على الكبائر، للضياء المقدسي: محمد بن عبد الواحد، مصورة عندي عن نسخة الظاهرية، مجموع رقم 81 (1- 5) .

3-

معجم الصحابة، للبغوي: أبي القاسم عبد الله بن محمد، مصورة عندي، عن نسخة الخزانة العامة بالرباط.

4-

المناهي وعقوبات المعاصي والتحذير منها، لأبي يعقوب محمد بن إسحاق الكاتب، مصورة عندي عن نسخة الظاهرية، رقم 4585 عام (1-203) .

ثانياً: المصادر المطبوعة:

1-

الآحاد والمثاني، لابن أبي عاصم، أبي بكر أحمد بن عمرو (ت 287) ، تحقيق د. باسم الجوابرة، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى1411هـ– 1991م.

2-

الأحاديث المختارة، للحافظ ضياء الدين المقدسي (ت463) ، تحقيق عبد الملك بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1411هـ.

3-

الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (ت354هـ) ، ترتيب علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت739) ، تحقيق شعيب الأرنأوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.

4-

أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص (ت 370) ، مراجعة صدقي محمد جميل، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، 1414هـ.

5-

الأدب المفرد، للإمام البخاري، محمّد بن إسماعيل (ت256هـ) ، مع شرحه فضل الله الصمد، المطبعة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1388هـ.

6-

كتاب الأربعين حديثاً، لأبي بكر الآجري، محمد بن الحسين (ت360هـ) ، تحقيق بدر البدر، مكتبة المعلا، الكويت، الطبعة الأولى 1408هـ.

7-

إرشاد طلاب الحقائق، للإمام النووي: أبي زكريا يحيى بن شرف (ت676هـ) ، تحقيق عبد الباري السلفي، مكتبة الإيمان، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1408هـ.

ص: 91

8-

الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد البر (ت463هـ) ، تحقيق د. طه الزيني، مطبوع بهامش الإصابة، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، الطبعة الأولى 1397هـ.

9-

أسد الغابة في معرفة الصحابة، للإمام ابن الأثير الجزري (ت630هـ) تصوير دار إحياء التراث العربي، بيروت.

10-

الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، تحقيق د. طه الزيني، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، الطبعة الأولى 1397هـ.

11-

أصول السنة، لابن أبي زمنين، محمد بن عبد الله الأندلسي (ت399هـ) ، تحقيق عبد الله البخاري، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1415هـ.

12-

إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق زهير الناصر، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ.

13-

الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، للإمام البيهقي، أحمد بن الحسين (ت458هـ) ، تعليق كمال الحوت، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية 1405هـ.

14-

الإقناع، لابن المنذر: أبي بكر محمد بن إبراهيم (ت318هـ) ، تحقيق د. عبد الله الجبرين، مطابع الفرزدق، الطبعة الأولى 1408هـ.

15-

الأمالي، لابن بشران: عبد الملك بن محمد (ت430هـ) ، تحقيق عادل العزازي، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ.

16-

الأمالي، للإمام يحيى بن الحسين الشجري، ترتيب محمد بن أحمد العبشمي، مطبعة الفجالة، مصر، بدون سنة طبع.

17-

الأنساب، للإمام السمعاني، عبد الكريم بن محمد (ت562هـ) ، تعليق عبد الله البارودي دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1408 – 1988م.

18-

كتاب الإيمان، للحافظ ابن منده: محمد بن إسحاق (ت395) ، تحقيق د. علي الفقيهي، مطبوعات الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1401هـ.

ص: 92

19-

البحر الزخار (مسند البزار) ، للحافظ أبي بكر أحمد بن عمرو البزار (ت292هـ) ، تحقيق محفوظ السلفي، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، الطبعة الأولى، بدء في طبعه عام 1409هـ، وصدر منه حتى الآن تسعة أجزاء، ولم يكتمل بعد.

20-

كتاب البر والصلة، لابن الجوزي، أبي الفرج عبد الرحمن بن علي (ت597هـ) ، تحقيق عادل عبد الموجود، علي معوض، مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة الأولى 1413هـ.

21-

بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، للحافظ نور الدين الهيثمي (ت 807هـ) ، تحقيق د. حسين الباكري، مطبوعات مركز خدمة السنة، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1413هـ.

22-

بغية الطلب في تاريخ حلب، لابن العديم: عمر بن أحمد (ت660هـ) ، تحقيق د. سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، لبنان، لم تذكر سنة الطبع.

23-

بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام، للحافظ ابن القطان الفاسي (ت628هـ) تحقيق د. الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ.

24-

التاريخ، للإمام يحيى بن معين (ت233هـ) ، تحقيق د. أحمد نور سيف، مركز البحث العلمي، جامعة الملك عبد العزيز، الطبعة الأولى 1399هـ– 1979م.

25-

تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت (ت463هـ) ، تصوير دار الكتاب العربي، بيروت.

26-

تاريخ التراث العربي، لفؤاد سزكين، تعريب محمود حجازي، طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1403هـ1987م.

27-

تاريخ جرجان، لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي (ت427هـ) ، بعناية محمد عبد المعيد خان، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة 1407هـ– 1987م.

28-

تاريخ دمشق، لابن عساكر: علي بن الحسن الشافعي (ت571هـ) ، تحقيق عمرو غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ.

29-

التاريخ الكبير، للإمام البخاري، محمد بن إسماعيل (ت256هـ) ، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت.

ص: 93

30-

تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ المزي: يوسف بن عبد الرحمن (ت742هـ) ، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، الطبعة الثانية 1403هـ– 1983م.

31-

التحقيق في أحاديث الخلاف، لأبي الفرج ابن الجوزي (ت597هـ) ، تحقيق مسعد السعدني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ.

32-

التدوين في أخبار قزوين، للإمام عبد الكريم بن محمد الرافعي (ت623هـ) ، تحقيق عزيز الله العطاردي، مطبعة العزيزية، حيدر آباد، الطبعة الأولى 1404هـ.

33-

الترغيب والترهيب، للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت656هـ) ، تحقيق مصطفى عمارة، المكتبة العصرية، بيروت 1405هـ.

34-

الترغيب والترهيب، للإمام إسماعيل بن محمد الأصبهاني، قوام السنة (ت535هـ) ، تحقيق محمد زغلول، ومحمود زايد، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.

35-

تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق عبد الله هاشم المدني، دار المحاسن للطباعة، 1386هـ.

36-

تغليق التعليق، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق سعيد القزقي، المكتب الإسلامي، بيروت، دار عمار، الأردن، الطبعة الأولى 1405هـ.

37-

تفسير البغوي (معالم التنزيل) ، للإمام الحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ) ، تحقيق خالد العك ومروان سوار، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1407هـ.

38-

تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) ، مطبعة مصطفى بابي الحلبي، مصر.

39-

تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) ، تحقيق محمود شاكر، أحمد شاكر، دار المعارف، مصر.

40-

تفسير القرآن العظيم، للحافظ إسماعيل بن كثير (ت747هـ) قدم له يوسف مرعشلي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ.

41-

تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) تحقيق أسعد الطيب، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، الرياض، الطبعة الأولى،1417هـ.

ص: 94

42-

تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، الطبعة الأولى 1406هـ– 1986م.

43-

التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، للعراقي: عبد الرحيم بن الحسين (ت806هـ) ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ.

44-

تلخيص المتشابه في الرسم، للخطيب البغدادي، أحمد بن علي (ت463هـ) ، تحقيق سكينة الشهابي، دار طلاس للترجمة، دمشق، الطبعة الأولى 1985م.

45-

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للحافظ أبي عمر بن عبد البر القرطبي (ت463هـ) ، تحقيق سعيد اعراب وآخرين، طبعة وزارة الأوقاف المغربية.

46-

تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، لابن النحاس: أحمد بن إبراهيم الدمشقي (ت814هـ) ، طبع على نفقة مريم الدعيج، مطابع الرياض، شارع المرقب.

47-

تهذيب الآثار، للإمام الطبري: محمد بن جعفر (ت310هـ) ، تحقيق محمود شاكر، مطبعة المدني، مصر.

48-

تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند.

49-

تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي: يوسف بن عبد الرحمن (ت842هـ) ، تحقيق بشار عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى.

50-

التوبيخ والتنبيه، لأبي الشيخ الأصبهاني: عبد الله بن محمد بن حيان (ت369هـ) تحقيق أبي الأشبال حسين المندوه، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، الطبعة الأولى 1408هـ.

51-

التوحيد لله عز وجل، لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (ت660هـ) ، تحقيق محمد النابلسي، عبد الأكرم السقا، دار السقا، دمشق، الطبعة الأولى 1418هـ.

* جامع البيان عن تأويل آي القرآن، انظر: تفسير الطبري.

52-

جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر الأندلسي (ت463هـ) ، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1415هـ.

ص: 95

53-

جامع المسانيد والسنن، للحافظ ابن كثير، إسماعيل بن عمر (ت774هـ) تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ.

54-

الجامع في الجرح والتعديل، جمع وترتيب أبي المعاطي النوري وآخرين، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ.

55-

الجرح والتعديل، للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى 1372هـ.

56-

الجعديات (حديث علي بن الجعد) ، لأبي القاسم البغوي (ت317هـ) ، تحقيق رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى 1415هـ.

57-

كتاب الجهاد، لابن أبي عاصم: أحمد بن عمر النبيل (ت287هـ) ، تحقيق د. مساعد الراشد الحميد، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1409هـ.

58-

الجواب الكافي عن الدواء الشافي، لابن القيم: محمد بن أبي بكر (ت751هـ) ، تحقيق سعيد اللحام، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1407هـ.

59-

الحدائق في علم الحديث والزهديات، لأبي الفرج ابن الجوزي (ت597هـ) ، تحقيق مصطفى السبكي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.

60-

حلية الأولياء، للحافظ أبي نعيم الاصبهاني، أحمد بن عبد الله (ت430هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ- 1985م.

61-

الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للإمام جلال الدين السيوطي (ت911هـ) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ– 1983م.

62-

ذكر أخبار إصبهان، للحافظ أبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) ، الدار العلمية، الهند، الطبعة الثانية 1405هـ– 1985م.

63-

الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيثمي: أبي العباس أحمد بن محمد المكي (ت974) ، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1417هـ.

64-

سنن الترمذي، للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت279هـ) ، تحقيق أحمد شاكر وآخرين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية 1395هـ.

ص: 96

65-

سنن الدارقطني، للإمام أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ) ، تحقيق عبد الله هاشم المدني، حديث أكادمي، فيصل آباد، باكستان.

66-

سنن الدارمي، للإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت255هـ) ، تحقيق عبد الله هاشم المدني، دار المحاسن للطباعة، القاهرة 1386هـ– 1966م.

67-

سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت275هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول.

68-

سنن أبي داود، للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) تحقيق عزت الدعاس، نشر محمد علي السيد، حمص، الطبعة الأولى 1391هـ.

69-

السنن الصغرى، للإمام البيهقي: أحمد بن الحسين (ت458هـ) ، تحقيق عبد المعطي قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، باكستان، الطبعة الأولى 1410هـ– 1989م.

70-

السنن الكبرى، للإمام البيهقي، مصورة عن الطبعة الهندية، دار المعرفة، بيروت.

71-

السنن الكبرى، للإمام النسائي، أحمد بن شعيب (ت303هـ) ، تحقيق عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ.

72-

سنن النسائي الصغرى (المجتبى) ، للإمام النسائي (ت303هـ) باعتناء عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ– 1986م.

73-

سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، محمد بن أحمد (ت748هـ) ، تحقيق شعيب الأرنأوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى.

74-

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي (ت1089هـ) ، تحقيق محمود الأرنأوط، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى 1406هـ.

75-

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لأبي القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي (ت418هـ) ، تحقيق أحمد الغامدي، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثالثة، 1415هـ.

76-

شرح السنة، للإمام الحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ) ، تحقيق شعيب الأرنأوط، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ– 1983م.

ص: 97

77-

شرح مشكل الآثار، لأبي جعفر الطحاوي، أحمد بن محمد (ت321هـ) ، تحقيق شعيب الأرنأوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.

78-

شعب الإيمان، للإمام البيهقي، أحمد بن الحسين (ت458هـ) ، تحقيق محمد السعيد زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.

79-

صحيح البخاري، المطبوع مع فتح الباري، انظر: فتح الباري.

80-

صحيح ابن خزيمة، للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) ، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية1401هـ.

81-

صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، الطبعة الأولى 1374هـ– 1955م.

82-

الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي (ت322هـ) ، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ.

83-

طبقات الأسماء المفردة، للبرديجي: أحمد بن هارون (ت301هـ) ، تحقيق سكينة الشهابي، دار طلاس للدراسات والترجمة، دمشق، الطبعة الأولى 1987م.

84-

طبقات المحدثين بأصبهان، لأبي الشيخ الأصبهاني (ت369) ، تحقيق عبد الغفور البلوشي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.

85-

علل الحديث، لابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد (ت327هـ) ، دار المعرفة، بيروت 1405هـ– 1985م.

86-

العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) ، تحقيق وصي الله عباس، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ– 1988م.

87-

غريب الحديث، لأبي إسحاق الحربي، إبراهيم بن إسحاق (ت285هـ) ، تحقيق د. سليمان العايد، مطبوعات جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1405هـ.

88-

الغيلانيات، لأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي البزاز (ت354هـ) ، تحقيق د. حلمي كامل أسعد، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1418هـ.

ص: 98

89-

الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم (ت728هـ) ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، توزيع الرئاسة العامة للإفتاء، الرياض.

90-

فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية 1400هـ.

91-

فتح المغيث، شرح ألفية الحديث، للسخاوي: محمد بن عبد الرحمن (ت902هـ) ، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة النبوية، الطبعة الثانية 1388هـ.

92-

الفصل للوصل المدرج في النقل، للخطيب البغدادي (ت463هـ) ، تحقيق د. محمد مطر الزهراني، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الثقبة، الطبعة الأولى 1418هـ.

93-

الفوائد الحسان (مشيخة ابن النقور) لأبي بكرعبد الله بن محمد بن النقور (ت565هـ) تحقيق مسعد السعدني، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ.

94-

الفوائد المنتخبة (المهروانيات) ، لأبي القاسم يوسف بن محمد المهرواني (ت468هـ) تخريج الخطيب البغدادي، تحقيق خليل العربي، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، الطبعة الأولى 1415هـ.

95-

كتاب الكبائر، للذهبي: محمد بن أحمد (ت748هـ) ، تحقيق محيي الدين مستو، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الثانية، 1405هـ.

96-

كشف الأستار عن زوائد البزار، للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.

97-

الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي: أحمد بن علي (ت462هـ) ، مصورة عن الطبعة الهندية، المكتبة العلمية، المدينة النبوية.

98-

لسان الميزان، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) مصورة عن طبعة دائرة المعارف النظامية بالهند، تصويرمؤسسة الأعلمي، بيروت.

99-

مجمع البحرين في زوائد المعجمين، للحافظ الهيثمي (ت807هـ) ، تحقيق عبد القدوس نذير، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1413هـ.

ص: 99

100-

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1402هـ– 1982م.

101-

المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرامهرمزي: الحسن بن عبد الرحمن (ت360هـ) ، تحقيق محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1404هـ.

102-

المحلى، لابن حزم الأندلسي: أبي محمد علي بن أحمد (ت456هـ) ، تحقيق أحمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

103-

المدخل إلى السنن الكبرى، للإمام البيهقي (ت458هـ) ، تحقيق د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، لم تذكر سنة الطبع.

104-

كتاب المراسيل، لابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ، تحقيق شكر الله قوجاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1402هـ– 1982م.

105-

مسألة في التوحيد وفضل لا إله إلا الله، للإمام يوسف بن عبد الهادي (ت909هـ) ،تحقيق عبد الهادي منصور، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى1416هـ.

106-

مسانيد أبي يحيى فراس بن يحيى المكتب (ت129هـ) ،جمع أبي نعيم الأصبهاني (430هـ) ، تحقيق محمد المصري، مطابع ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الأولى 1413هـ.

107-

مساوئ الأخلاق ومذمومها، للخرائطي، محمد بن جعفر السامري (ت327هـ) ، تحقيق مجدي السيد، مكتبة القرآن، القاهرة، لم تذكر سنة الطبع.

108-

المستخرج على صحيح مسلم، لأبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) ، تحقيق محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ.

109-

المستخرج على صحيح مسلم، لأبي عوانة، المطبوع باسم مسند أبي عوانة، مصورة عن الطبعة الهندية، تصوير دار الكتب، مصر.

110-

المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله (ت405هـ) ، مصورة عن الطبعة الهندية، دار المعرفة، بيروت.

111-

مسند الإمام أحمد، للإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) ، تصوير دار الفكر العربي، بيروت.

ص: 100

112-

مسند الإمام أحمد، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ.

113-

مسند إسحاق بن راهويه، للإمام إسحاق بن إبراهيم المروزي (ت238هـ) ، تحقيق د. عبد الغفور البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1412هـ.

114-

مسند أبي داود الطيالسي، للإمام سليمان بن داود (ت204هـ) ، تصوير دار المعرفة، بيروت.

115-

مسند ابن أبي شيبة، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ) ، تحقيق عادل العزازي، أحمد المزيدي، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ.

116-

مسند أبي عوانة، انظر المستخرج على صحيح مسلم.

117-

مسند أبي يعلى الموصلي، للإمام أحمد بن علي الموصلي (ت307هـ) ، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون، دمشق، الطبعة الأولى 1404هـ– 1984م.

118-

مسند الشاشي: الهيثم بن كليب (ت335هـ) ، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1410هـ.

119-

مسند الشاميين، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) ، تحقيق حمدي السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى1409هـ– 1989م.

120-

مشكل الآثار، انظر: شرح مشكل الآثار.

121-

مشيخة ابن الحطاب الرازي: محمد بن أحمد (ت525هـ) ، بانتقاء أبي طاهر السلفي، تحقيق الشريف حاتم العوني، دار الهجرة، الثقبة، الطبعة الأولى1415هـ.

122-

المصنف، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ) ، تحقيق مختار الندوي، الدار السلفية، الهند، الطبعة الأولى 1401هـ– 1981م.

123-

المصنف، لعبد الرازق بن همام الصنعاني (ت211هـ) ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1403هـ-1983م.

124-

المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، (النسخة المسندة) ، تحقيق غنيم عباس، ياسر إبراهيم، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ.

ص: 101

125-

المعجم الأوسط، للإمام الطبراني، سليمان بن أحمد (ت360هـ) ، تحقيق محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ– 1985م.

126-

معجم البلدان، لياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هـ) ، تحقيق فريد الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.

127-

معجم الصحابة، لابن قانع: أبي الحسين عبد الباقي بن قانع (ت351هـ) ، تحقيق صلاح المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، الطبعة الأولى 1418هـ.

128-

المعجم الكبير، للحافظ الطبراني، سليمان بن أحمد (ت360هـ) ، تحقيق حمدي السلفي، الطبعة الثانية.

129-

معرفة الصحابة، لأبي نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله (ت430هـ) ، تحقيق محمد راضي عثمان، مكتبة الدار بالمدينة ومكتبة الحرمين بالرياض، الطبعة الأولى 1408هـ.

130-

معرفة علوم الحديث، للحاكم النيسابوري: محمد بن عبد الله (ت405هـ) ،تحقيق معظم حسين، المكتبة العلمية، المدينة النبوية، الطبعة الثانية 1397هـ.

131-

المعرفة والتاريخ، للفسوي، يعقوب بن سفيان (ت277هـ) ، تحقيق د. أكرم العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1401هـ– 1981م.

132-

المغني في الضعفاء، للإمام الذهبي، محمد بن أحمد (ت748هـ) ، تحقيق نور الدين عتر، إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر، الطبعة الثانية 1407هـ.

133-

المهروانيات: انظر الفوائد المنتخبة.

134-

موافقة الخُبْر الخَبَر في تخريج أحاديث المختصر، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، تحقيق حمدي السلفي، صبحي السامرائي، مكتبة الرشد، الرياض الطبعة الأولى 1412هـ.

135-

الموطأ، للإمام مالك بن أنس (ت179هـ) ، رواية يحيى بن يحيى الليثي (ت234هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكاتب العربي، مصر.

136-

ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للإمام الذهبي، محمد بن أحمد (ت748هـ) ، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت.

ص: 102

137-

الوسيط في تفسير القرآن المجيد، لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي (ت468هـ) ، تحقيق عادل عبد الموجود وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ.

ص: 103

رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

إعداد

د. محمد طاهر حكيم

الأستاذ المساعد في كلية الشريعة في نواكشوط

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه.

وبعد، فإن العلم بالمصالح والمفاسد واعتبارها وتقديرها عند دراسة الأحكام والفتاوى الشرعية أمر مهم عند أهل العلم، بل إنه لا يمكن فهم الكتاب والسنة ودراستهما واستلهام هديهما والعمل بأحكامهما إلا بفهم المقاصد والمصالح التي شرعت الأحكام لأجلها. يقول الإمام الشاطبي رحمه الله:"الأحكام الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها وهي المصالح التي شُرعت لأجلها"

والفقيه لا يكون فقيها بحقٍ إلا بمعرفة حِكم الشريعة ومصالحها ومقاصدها والنفوذ إلى دقائقها والمعرفة بأسرارها ليبين للناس أن لكل حكم من أحكام الإسلام غاية يحققها ووظيفة يؤديها وحكمة ظاهرة أو كامنة يعمل لإيجادها ومقصداً وهدفاً يقصده ويستهدفه لتحقيق مصلحة لإنسان أو دفع مفسدة عنه.

وأن مالم يكن فيه تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة فهو عبث تتنزه عن مثله شريعة الله.

إذن فإن دراسة المصالح والمفاسد ومعرفتها واعتبارها وبيانها للناس أمرٌ مُهمّ وضرورة مُلحّة لإظهار محاسن الشريعة وأسرارها ولتجديد الفقه وتقوية دوره ونشاطه وحيويته وصفائه ومنعاً من جموده وخموده في الحياة.

لأجل هذا أدليتُ بدلوي بكتابة هذا البحث المتواضع في هذا الموضوع الهام، قاصداً إظهار أهمية المصلحة - المنصوصة والمستنبطة - ومؤكداً على ضرورة دراستها وبيانها للناس.

ص: 104

ونظراً لطبيعة الموضوع فقد جاء تقسيمه إلى موضوعات متتابعة في إطار المعالجة الموضوعية التي تتطلبها طبيعة البحث والمادة العلمية المتاحة له، وذلك من خلال تعريف المصلحة وأنواعها واعتبارها، وضرورة معرفة المصالح والمفاسد. ثم تطرقت إلى منكري تعليل الأحكام بالمصالح ووضحت موقفهم وبينت شبهاتهم مفنداً لها مبينا في هذا الصدد أن الموجب للحكم هو الله تعالى لا المصلحة ولا الحكمة ناقلاً كلام العلماء في هذا كله. وأشرت إلى كيفية تقدير المصالح والمفاسد والنظر إلى المآلات عند تقديرها، وأخيراً شروط المصلحة المعتبرة. وتوخيت في ذلك اللغة السهلة والعبارة الواضحة والعرض المقرب وفق المنهج العلمي المتبع - قدر استطاعتي - حتى يكون في متناول جميع طبقات المتعلمين وأهل الاختصاص، وجعلته بعنوان:

(رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

سائلا المولى عز وجل أن ينفعني به وإخواني من طلبة العلم وأن يوفقنا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه وأن يجزي علماءنا خير الجزاء إنه سميع مجيب كريم {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (1) وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

مدخل:

العاقل لا يقدم على فعل إلا لمصلحة، ولا يأمر أو ينهى عن شيء إلا لحكمة فضلاً عن الله سبحانه وتعالى الذي هو مصدر كل كمال ومنبع كل نوال كما قال تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (2) أي كان ولم يزل يصدر في أفعاله وأحكامه عن علم وحكمة - لا عن جهل وعبث – سبحانه.

(1) سورة هود آية (88) .

(2)

سورة الفتح آية (4) .

ص: 105

فهو جل وعلا لم يخلق شيئاً باطلاً أو لعباً، ولم يشرع شرعاً عبثاً أو اعتباطاً بل إن كل أحكامه – عز وجل – مثل كل أفعاله منوطة بالحكمة فهو سبحانه حكيم فيما خلق، وحكيم فيما شرع. كما قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} (1) أي عابثين، والعبث: ما خلا عن المصلحة والحكمة.

وقال جل وعلا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} (2) أي من غير مصلحة مقصودة وحكمة منشودة؟!

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقّ} (3)"أي تقدس أن يخلق شيئاً عبثاً فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك".

وقال عز وجل في مقادير المواريث -: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} حتى ختمها بقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (4)"لتشعر القلوب بأن قضاء الله للناس مع أنه هو الأصل الذي لا يحل لهم غيره، فهو كذلك المصلحة المبنية على كمال العلم والحكمة، فالله يحكم لأنه عليم وهم لا يعلمون، والله يفرض لأنه حكيم وهم يتبعون الهوى".

ومن هنا قال العلماء: حيث المصلحةُ فثَم شرع الله، أي حيث المصلحة محققة فثم شرع الله بها موجود. فما هي المصلحة؟.

تعريف المصلحة:

المصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى، فهي مصدر بمعنى الصلاح، كالمنفعة بمعنى النفع، أو هي اسم للواحدة من المصالح، وقد صرّح صاحب لسان العرب بالوجهين فقال:"والمصلحة الصلاح، والمصلحة واحدة المصالح". فكل ما كان فيه نفع - سواء كان بالجلب والتحصيل كاستحصال الفوائد واللذائذ، أو بالدفع والاتقاء كاستبعاد المضار والآلام - فهو جدير بأن يسمى مصلحة.

والمصلحة عند علماء الشريعة الإسلامية هي: "المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده، من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها"قاله الرازي.

(1) سورة الأنبياء آية (16) .

(2)

سورة المؤمنون آية (115) .

(3)

سورة المؤمنون آية (116) .

(4)

سورة النساء آية (11) .

ص: 106

وعرفها الطوفي بحسب العرف: "بأنها السبب المؤدي إلى الصلاح والنفع كالتجارة المؤدية إلى الربح"وبحسب الشرع: "بأنها السبب المؤدي إلى مقصود الشارع عبادة أو عادة".

فالمصالح عند الطوفي هي الوسائل إلى الصلاح، وعند الرازي هي الوسائل والمقاصد جميعا:"ونرى أن المصلحة هي الغاية، وما يؤدي إليها وسيلة، وتسمية الوسيلة مصلحة باعتبار إفضائها إليها لا أنها هي، ولا بد من الفصل بينهما، لأن من الوسائل ما قد يتغير أو ينسخ دون المقاصد".

ونقول: إن المصلحة: "هي مقتضى العقول القويمة والفطر السليمة من الرشاد، ما يحقق مقصود الشارع والعباد من صلاح المعاش والمعاد".

فقولي: "هي مقتضى العقول القويمة": أي غير المصابة بمرض الشهوة أو الشبهة كالتي تزعم أن الجمع بين الجنسين في مرافق المجتمع من مدارس ومكاتب ونحوهما يهذب من الخلق ويخفف من شره الميل الجنسي وكالتي تزعم أن استحلال الربا ينعش الاقتصاد الوطني

الخ فهذه المزاعم الباطلة مفاسد لا مصالح، وهي نتاج شهوة أو شبهة، وهي علامة الخذلان!. كما قال محمد بن كعب القرظي لما سئل عن علامة الخذلان! - يعني: الحرمان من توفيق الله وتسديده - قال: "أن يستقبح الرجلُ ما كان يُستحسن! ويستحسن ما كان قبيحاً"، قال المتنبي:

يُقضى على المرء في أيام محنته

حتى يرى حسنا ما ليس بالحسنِ

وهذا من انتكاس الفطرة وخَطَل القول وفساد الرأي، نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْر ومن الفساد بعد السداد.

وقولي: "الفِطر السليمة"أي لا المنكوسة: فطرة الله التي فطر الناس عليها قبل أن يطرأ عليها الانحراف عن الطريق السويّ.

وقولي: "من الرشاد"أي لا من الغيّ والفساد كالأمثلة التي سلفتْ.

وقولي: "ما يحقق مراد الشارع ومراد العباد"ومراد الشارع: تحقيق العبودية لله بامتثال أوامر الله تعالى، سواء أدرك العبد حكمتها، كالأعمال المعللّة، أو لم يدرك حكمتها كالأعمال التعبدية.

ص: 107

"ومراد العباد من صلاح المعاش والمعاد"أي صلاح الدنيا وفلاح الآخرة وهما غاية السعادة. رزقنا الله إياهما.

تعريف الحكمة والعلة والسبب والفرق بينها:

الحكمة: ما يترتب على ربط الحكم بعلته أو سببه، من جلب مصلحة أو دفع مضرة.

والعلة: وصف مناسب ظاهر منضبط ناط الشرع به الحكم كجعله الإتلاف علة لضمان المتلف، والجريمة علة للعقوبة عليها.

والفرق بين العلة والحكمة: أن العلة: هي الوصف المناسب المعرّف لحكم الشارع وباعثه على تشريع الحكم كالإسكار علة لتحريم الخمر.

والحكمة: ما يجتنيه المكلف من الثمرة المترتبة على امتثال حكم الشارع من جَلب نفع أو دفع ضر. كحفظ العقل من تحريم الخمر.

وعلة القصاص القتل العمد والعدوان، وحكمته: حفظ النفس. والسرقة علة القطع، والغصب علة الضمان والحكمة فيهما: حفظ المال.

والزنا علة الحد وحكمته حفظ الأنساب.

وأما السبب: "فهو وصف ظاهر منضبط، ناط الشارع به الحكم مناسباً كان - كالأمثلة السابقة - أو غير مناسب كجعل الدلوك سببا لوجوب الصلاة وشهود رمضان سببا لوجوب صومه" فهو أعم من العلة.

وهذه التفرقة بين الحكمة والعلة والسبب اصطلاح حادث، أما القدماء فقد استعملوا الحكمة مرادفة لقصد الشارع أو مقصوده، فيقولون: هذا مقصوده كذا، أو حكمته كذا، فلا فرق، وإن كان استعمالهم للفظ الحكمة أكثر من استعمالهم للفظ المقصد. قال الونشريسي: "

الحكمة في اصطلاح المتشرعين: هي المقصود من إثبات الحكم أو نفيه وذلك كالمشقة التي شُرع القصر والإفطار لأجلها".

ص: 108

وقد يبدو في هذا الكلام شيء من الإشكال - كما يقول الدكتور الريسوني وهو: هل المشقة حكمة ومقصود؟ والجواب: إن الكلام فيه حذف، ومراده: أن رفع المشقة عن المسافر هو مقصود الحكم وحكمته، وقد نبه على هذا الأصولي الحنفي شمس الدين الفناري حيث قال:"أما ما يقال في رخص السفر: أن السبب السفر، والحكمة المشقة، وأمثاله، فكلام مجازي، والمراد أن الحكمة الباعثة دفع مشقة السفر".

ويؤكد الدكتور بدران أبو العينين بدران هذا التطابق بين مقصود الحكم وحكمته في اصطلاح الفقهاء فيقول: "على أن جمهور الفقهاء كانوا يذهبون في اجتهاداتهم إلى أن ما شرعه الله من أحكام، لم يشرعه الله إلا لمصلحة جلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم، فلهذا كانت تلك المصلحة هي الغاية المقصودة من التشريع وتسمى حكمة". ثم قال: "أما حكمة الحكم فهي الباعث على تشريعه والمصلحة التي قصدها الشارع من شرعه الحكم".

وأما مصطلح العلة فهو مما يُعبر به عن مقصود الشارع، فيكون على هذا مرادفاً لمصطلح (الحكمة) وهذا هو الاستعمال الأصلي والحقيقي لمصطلح العلة ثم غلب استعماله فيما بعد بمعنى الوصف الظاهر المنضبط الذي تناط به الأحكام الشرعية، على أساس أن الحكمة وهي مناط الحكم ومقصوده في حقيقة الأمر ترتبط غالباً بذلك الوصف الظاهر المنضبط، الذي يسهل إحالة الناس عليه في تعرفهم لأحكام الشارع - كما أوضح ذلك الدكتور الريسوني - ففي باب الرخص مثلاً، لاشك أن رفع المشاق عن الناس والتخفيف عنهم هي الحكمة والمقصود، وهي العلة الحقيقية للرخص الشرعية، ولكن الشارع لا يقول للمكلفين: كلما وجدتم عنتاً فترخّصوا. وإنما حدد لهم أمارات معروفة وأسباباً معينة، هي ما يسميه الأصوليون: الأوصاف الظاهرة المنضبطة، فبناء عليها يقع الترخيص كالسفر والمرض والعجز والإكراه.

ص: 109

فهذه الأوصاف أو الأمارات المنضبطة يطلق عليها العلل أو الأسباب بينما العلة الحقيقية والسبب الحقيقي هو مقصود الحكم وحكمته من جلب مصلحة أو درء مفسدة أو هما معاً، ولكن الشارع يربط الأحكام بأمارات ظاهرة منضبطة ضبطا للأحكام وتجنباً للفوضى في التشريع. على أن تلك الأمارات تكون متلازمة عادة مع المصالح أو المفاسد التي هي علة التشريع الحقيقية أو تكون مظنة لها. قال الشاطبي:"فنصب الشارع المظنة في موضع الحكمة ضبطا للقوانين الشرعية".

نخلص من هذا إلى أن العلة - وإن استعملتْ استعمالات متعددة مختلفة - لكن معناها الحقيقي والأصلي هو الحكمة والمصلحة.

يقول الشاطبي: "

وأما العلة فالمراد بها الحِكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي

فعلى الجملة: العلة هي المصلحة نفسها أو المفسدة نفسها

".

وهذا الذي صنعه الشاطبي من تفسير العلة- عنده - بالمصلحة والمفسدة المقصودة بالحكم هو اللائق في باب المقاصد، لأن البحث في المقاصد هو بحث في العلل الحقيقيّة التي هي مقاصد الأحكام بغض النظر عن كونها ظاهرة أو خفية منضبطة أو غير منضبطة، وعلى أساس هذا المعنى الأصلي لمصطلح العلة، تفرع مصطلح التعليل بمعناه العام، وهو تعليل أحكام الشريعة بجلب المصالح ودرء المفاسد.

أنواع المصالح:

وقد علم بالاستقراء أن المصالح المقصودة من الشرائع ثلاثة أنواع:

1-

مصالح ضرورية: وهي التي تتوقف عليها حياة الناس الدينية والدنيوية بحيث إذا فقدتْ اختلتْ الحياة الإنسانية في الدنيا، وفات النعيم وحل العقاب في الآخرة، وهي تنحصر بالاستقراء في المحافظة على خمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.

ص: 110

2-

مصالح حاجية: وهي رفع المشقة ودفع الحرج والضيق عن الناس فبفقدها لا تختل حياتهم، بل يصيبهم حرج وضيق لا يبلغان مبلغ الفساد المتوقع في فقد الضروريات، كتيسير حاجاتهم بإباحة البيع والإجارة ونحوهما، وتخفيف التكاليف عنهم بقصر الصلاة والفطر في رمضان للمسافر وإباحة المسح على الخفين، ونحو ذلك.

3-

مصالح تحسينية: وهي مالا يدخل في النوعين السابقين، بل يرجع إلى اجتناب ما لا تألفه العقول الراجحات، وإلى الأخذ بمحاسن العادات وما تقتضيه المروءات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات، مثل ستر العورة وأخذ الزينة عند كل مسجد، والأخذ بآداب الأكل والشرب وتجنب الإسراف والامتناع عن بيع النجاسات وما أشبه ذلك.

ودليل انحصار مصالح الخلق في هذه الأنواع الثلاثة: استقراء مصالح الناس وتبيُّن رجوع كل مصلحة منها إلى نوع من هذه الأنواع، وقد يتردد الباحث في إلحاق شيء منها بأحد الأنواع، ولكن لا يتردد في عدم خروجه منها بحال.

قيام الشريعة على أساس مصالح العباد:

الشريعة الإسلامية مبنية على تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، سواء ما أمرتْ به من فرائض ومندوبات أو ما نهتْ عنه من محرمات ومكروهات فهي في كل ذلك تهدف إلى تحقيق مقاصد ومصالح وحكم، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "

فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليستْ من الشريعة، وإنْ أُدخلتْ فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها

".

ص: 111

فالشريعة إذاً ليست تعبّدية تحكّمية تحلّل وتحرّم دون أن تقصد إلى شيء وراء أمرها ونهيها، وحظرها وإباحتها، وبعبارة أخرى: إن أحكام الشريعة الإسلامية - في جملتها - معللة عند الجماهير من أهل العلم وإن لها مقاصد في كل ما شرعتْه وإن هذه المقاصد والحكم معقولة ومفهومة في الجملة، بل معقولة ومفهومة تفصيلاً إلا في بعض الأحكام التعبدية المحضة التي يصعب تعليلها تعليلاً مفصّلاً ظاهراً معقولاً مثل ما ورد في الأحكام والعبادات من تحديدات وهيئات ومقادير كعدد الصلوات وعدد الركعات في كل صلاة وجعل الصيام شهراً وفي شهر معين، وكذا بعض تفاصيل الحج وأحكام الكفارات ومقاديرها والعقوبات المحددة (الحدود) ، من حيث نوعها ومقاديرها وعدد الأشهر في العدة والذبح في المحل المخصوص في الحيوان المأكول وغير ذلك مما استأثر الله بعلمه ولم نطلع عليه. فهذه الأحكام التعبدية يصعب تعليلها بالتفصيل - وإن كانتْ هي معللة في أصلها وجملتها.

قال الشاطبي: "وقد عُلم أن العبادات وُضعت لمصالح العباد في الدنيا أو في الآخرة على الجملة - وإن لم يُعلم ذلك على التفصيل، ويصح القصد إلى مسبباتها - ثمرتها وفوائدها - الدنيوية والأخروية على الجملة".

ص: 112

وقال إمام الحرمين الجويني بعد أن عرض آراء العلماء فيما يُعلل وما لا يُعلل من الأحكام وذكر نماذج لتعليلاتهم، وفي معرض ذكر تقسيمه الخماسي للعلل والمقاصد الشرعية. قال:"والقسم الخامس: هو ما لا يظهر له تعليل واضح ولا مقصد محدد، لامن باب الضرورات، ولا من باب الحاجات، ولا من باب المكرمات - أي التحسينات - قال: وهذا يندر تصوره جداً" ثم مثل له بالعبادات البدنية المحضة، لكنه سرعان ما نبه على أن هذه العبادات يمكن تعليلها تعليلاً إجمالياً، وهو أنها تمرن العباد على الانقياد لله تعالى وتجديد العهد بذكره مما ينتج النهي عن الفحشاء والمنكر ويخفف من المغالاة في اتباع مطالب الدنيا ويذكر بالاستعداد للآخرة

"قال: "فهذه أمور كلية لا ننكر على الجملة أنها غرض الشارع في التعبد بالعبادات البدنية، وقد أشعر بذلك بنصوص من القرآن العظيم في مثل قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (1)(2) .

وقال ابن القيم:"وبالجملة فللشارع في أحكام العبادات أسرار لا تهتدي العقول إلى إدراكها على وجه التفصيل، وإنْ أدركتْها جملة".

(1) سورة العنكبوت آية: 45.

(2)

البرهان 2 / 958.

ص: 113

إن العبادات في الإسلام ليستْ مجرد مظاهر وشعائر وطقوس يؤديها المسلم لمجرد أنها مفروضة عليه من ربه فحسب، فليس عليه إلا الإذعان والامتثال لأوامر الله وإظهار العبودية له، ولاشك أن هذا مطلوب ومقصود على الوجه الأكمل، ولكن العبادات - إلى جانب هذا - تنطوي على غايات نبيلة وحكم جليلة إذا قام العبد بها على وجهها خالصة لله تعالى اجتنى منها ثمرات كريمة وفوائد عظيمة من تطهير النفس وتزكيتها وطهارة القلب وسلامته مما ران عليه وتنوير البصيرة وانشراح الصدر واطمئنان القلب، ومحبة الله ورضاه ومحبة عباد الله الصالحين، وصلاح الدنيا وفلاح الآخرة إلى غير ذلك من الأسرار والأنوار والخير الكثير والنفع الوفير مالا يأتي عليه حصر، فيصبح بعد ذلك عبداً مثالياً ربانياً في أنوار مشرقة بعد أن كان تائهاً في ظلمات حالكة كما قال تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (1) ويكون - إلى جانب كل ما تقدم - قد حقق العبودية المحضة لله تعالى وتحقيق العبودية الخالصة لله غاية الغايات ومصلحة المصالح وحِكمة الحِكم وغاية ما تسمو إليه الهمم، وأسمى المقاصد وأنبلها عند أولي الألباب.

كما أن لها حكماً وأسراراً أخرى لا يدركها العقل الإنساني القاصر لأن للعقل حداً ينتهي إليه - كما قال الشافعي رحمه الله ومن يحيط بعلم الله وحكمته؟ {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ} (2) وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} (3) .

نخلص من هذا إلى أن أحكام الشريعة كلها معللة - في الجملة - وأن لها غايات نبيلة وحكماً جليلة قال ابن القيم: "ليس في الشريعة حكم إلا وله حكمة وإن لم يعقلها كثير من الناس أو أكثرهم".

(1) سورة الأنعام آية 122.

(2)

سورة البقرة آية 225.

(3)

سورة الإسراء آية 85.

ص: 114

ونص الآمدي على أنه لا يجوز القول بوجود حكم إلا لعلة: "إذ هو خلاف إجماع الفقهاء على أن الحكم لا يخلو من علة".

وقال ابن الحاجب: "

فإن الأحكام شرعت لمصالح العباد بدليل إجماع الأمة".

وقال ابن القيم: "

والقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما، والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها ولكن يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة" ثم نبه على عدد كثير من صيغ التعليل المستعملة في القرآن.

ويؤكد على هذا الاتجاه الإمام عز الدين بن عبد السلام موضحاً أن الشريعة كلها معللة بجلب المصالح ودرء المفاسد، سواء منها ما وقع النص على تعليله أو ما لم ينص عليه، فما نص على تعليله فيه تنبيه على ما لم ينص عليه يقول:"والشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح، فإذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فتأمل وصيته بعد ندائه فلا تجد إلا خيراً يحثّك عليه أو شراً يزجرك عنه، أو جمعاً بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد حثاً على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح حثاً على إتيان المصالح".

ويؤكد في موضع آخر وبجلاء أكثر وأسلوب أوضح على هذا المعنى فيقول: "التكاليف كلها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وأخراهم والله غني عن عبادة الكل، لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين

".

وقال الشاطبي: "إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً".

وقال أيضاً: "إذاً ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية وذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا بحسب الكل ولا بحسب الجزء وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات" وقد كرر هذا المعنى في كتابه كثيراً.

ص: 115

وقد انتقد الإمام الشاه ولي الله الدهلوي منكري التعليل، وأنكر عليهم ظنهم أن الشريعة ليستْ سوى تعبد واختبار، لا اهتمام لها بشيء من المصالح قائلاً: "وهذا ظن فاسد تكذبه السنة وإجماع القرون المشهود لها بالخير

".

الأدلة على أن أحكام الله تعالى معللة بالحكم والمصالح:

وقد دلت أدلة كثيرة على أن أحكام الشريعة مبنية على مصالح العباد من صلاح المعاش والمعاد، منها:

1-

النصوص الكثيرة الدالة على تعليل أفعاله تعالى وأحكامه، وهي من الكثرة في الكتاب والسنة بحيث يتعذر إحصاؤها، منها على سبيل المثال:

قوله تعالى في الصلاة: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} (1) .

وقوله سبحانه في الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) .

وقوله في الحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجّ

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (3) .

وقال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه} (4)

وقال عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (5)

وقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج

ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (6) .

وقال في أربع قبل الظهر: "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح"(7) .

(1) سورة العنكبوت آية: 45.

(2)

سورة التوبة آية: 103.

(3)

سورة الحج آية: 27، 28.

(4)

سورة الأنفال الآية: 39.

(5)

سورة البقرة آية: 179.

(6)

رواه البخاري 9 / 106 (مع الفتح) ومسلم 2 / 1018، ورواه كذلك الترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم.

(7)

رواه أحمد 5 / 417، 430 والترمذي وغيرهما.

ص: 116

وقال عليه الصلاة والسلام في نقض الوضوء بالنوم: "

فإنه إذا اضطجع استرختْ مفاصله" (1) .

قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي وغيره"إلى أن قال: "وإذا دل الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيداً للعلم فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة".

2-

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (2) .

قال العضد الإيجي: "وظاهر الآية التعميم، أي يفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها، إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير الرحمة، لأنه تكليف بلا فائدة، فخالف ظاهر العموم".

3-

ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"(3) فقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أن مناط قرب الإنسان من الله تعالى هو مدى تقديمه النفع والخدمة لعباده، وذلك برعاية مصالحهم وتوفير ما به سعادتهم الحقيقية.

وإذا كان ميزان ما يتقرب به الإنسان إلى الله في أعماله هو: خدمة مصالح العباد، فأحرى أن يكون هذا الميزان هو نفسه المحكم في نظام الشريعة الإسلامية نفسها.

فقهاء الصحابة ينظرون إلى مقاصد الشريعة:

(1) رواه الترمذي1/ 253وأبو داود1/139والإمام أحمد1/256 والدارقطني1/159 وابن أبي شيبة1/132 والبيهقي1/121 وقال أبو داود: هو حديث منكر ونحوه قال ابن عبد البر انظر الاستذكار1/191 ونصب الراية1/44.

(2)

سورة الأنبياء آية: 107

(3)

رواه الطبراني وأبو يعلى وذكر السخاوي له عدة طرق في المقاصد الحسنة ص 200.

ص: 117

ومن نظر إلى ما أثر عن فقهاء الصحابة رضي الله عنه مثل الخلفاء الراشدين وابن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس وغيرهم ونظر إلى فقههم وتأمله بعمق تبين له أنهم كانوا ينظرون إلى ما وراء الأحكام من علل ومصالح وما تحمله الأوامر والنواهي من حكم ومقاصد، فإذا أفتوا في مسألة أو حكموا في قضية لم يغبْ عن بالهم مقاصد الشريعة وأهدافها، ولم يهدروا هذه المقاصد الكلية في غمرة الحماس للنصوص الجزئية، ولا العكس، بل ربطوا الجزئيات بالكليات والفروع بالأصول، والأحكام بالمقاصد.

فهذا معاذ رضي الله عنه أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن معلماً وقاضياً وأمره أن يأخذ الزكاة من أغنيائهم ليردها إلى فقرائهم، حيث قال له:"وأعلمهم أن الله افترض عليهم الصدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب"(1) . وكان فيما قاله له أيضاً: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم والبعير من الإبل، والبقرة من البقر"(2) ولكن معاذاً رضي الله عنه لم يجمد على ظاهر الحديث بحيث لا يأخذ من الحب إلا الحب

الخ ولكن نظر إلى المقصد من أخذ الزكاة، وهو التزكية والتطهير للغني وسد خلة الفقراء من المؤمنين فلم ير بأساً من أخذ قيمة العين الواجبة في الزكاة، كما ذكره البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم، ورواه البيهقي في سننه بسنده عن طاوس عن معاذ أنه قال لأهل اليمن:"ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة".

(1) رواه البخاري 1 / 322 وفي أمكنة أخرى ورواه أيضاً مسلم وأصحاب السنن وغيرهم.

(2)

رواه أبو داود في الزكاة 2 / 253 وابن ماجه (1841) والحاكم 1 / 338 وصححه على شرط الشيخين - إن صح سماع عطاء بن يسار من معاذ وقال الذهبي: لم يلقه.

ص: 118

وقد ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والثوري وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وأحمد - في غير زكاة الفطر - وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه.

ومن ذلك: جمع الصحابة القرآن الكريم ثم كتابة المصاحف وجمع الناس على مصحف واحد، دفعاً لمفسدة اختلاف الناس وتفرقهم وتنازعهم وربما تكفير بعضهم بعضاً التي هي أعظم من مصلحة التورع بإبقاء الحال في ذلك على ما كانت عليه في عهده صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك - أيضاً - اقتداء ابن مسعود برسول الله صلى الله عليه وسلم في تخول الناس بالموعظة - كما رواه البخاري عن أبي وائل - قال: كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس: فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.

ومن هذا الباب - أيضاً - ما حكي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن ابنه عبد الملك قال له:"مالك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق؟ "قال: "لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في آيتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدمغوه جملة ويكون منا ذا فتنة".

ص: 119

ومن ذلك ما قرره العلماء في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اعتبار المصالح والمفاسد في ذلك والحرص على تقديرها قبل الهجوم بالأمر أو الإنكار: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات والمستحبات، ولابد أن المصلحة فيها راجحة على المفسدة إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به هو صلاح وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين ءامنوا وعملوا الصالحات، وذم الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجباً وفعل محرماً

".

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله

ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر بطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر.

ص: 120

وقال– رحمه الله: "فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك، وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد وإلا كان تركهم على ذلك خيراً [من] أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلاً عن ذلك

وهذا باب واسع

، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم".

وهذا باب واسع ويطول سرد الأمثلة إذا تتبعناها، وحسبنا هذه الملامح والإرشادات.

مصالح منصوص عليها وأخرى غير منصوص عليها:

وإذا تقرر هذا فإن المصلحة أو الحكمة قد تكون منصوصاً عليها في كلام الشارع وقد لا تكون منصوصاً عليها فيهتدي إليها العالم بنور الله: بالفهم الذي يؤتاه الرجل في الكتاب والسنة وهو المعنيّ بالحكمة في قوله سبحانه وتعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء} (1) يعني: - والله أعلم - الإصابة في الفهم والسداد في القول والعمل وحسبك بهما نعمة.

فمن أمثلة القسم الأول:

- شرعت الصلاة لذكر الله تعالى. قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (2) .

- شرع الجهاد لإعلاء كلمة الله وإزالة الفتنة كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (3) .

(1) سورة البقرة آية: 269.

(2)

سورة طه آية:14.

(3)

سورة الأنفال آية: 39.

ص: 121

- شرع القصاص زاجراً عن القتل كما قال جل وعلا: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) .

- حرمت الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2) .

- حرم الزنا لأنه فاحشة كما قال سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (3) .

نهى عن الجمع بين المرأة ومحارمها منعاً من القطيعة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم"(4) وأمثلة هذا القسم كثيرة معلومة في القرآن والسنة كما تقدم من كلام ابن القيم.

ومن أمثلة القسم الثاني:

- شرع البيع لمصلحة الانتفاع بالمعقود عليه.

- شرعت الإجارة لسد حاجة الناس إذ لو لم يشرع لدخل على الناس حرج شديد.

- رخص في بيع (العرايا) دفعاً للحاجة ورحمة بالمسلمين مع أن فيه معنى الربا لأن الرطب إذا جف نقص وزنه.

- شرعت الشفعة لدفع ضرر الشركة عن الشريك، فإذا أراد بيع نصيبه كان شريكه أحق من الأجنبي، وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي ويزول عنه ضرر الشركة، ولا يتضرر البائع لأنه يصل إلى حقه من الثمن.

(1) سورة البقرة آية: 179.

(2)

سورة المائدة آية: 90، 91.

(3)

سورة الإسراء آية: 32.

(4)

رواه الطبراني في المعجم الكبير 11/337، وقال الحافظ ابن حجر في الدراية 2/56: صححه ابن حبان اه، وهو في صحيح ابن حبان 9/426 لكنه أعله بأبي حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان فقال: ضعيف واهي.

ص: 122

- شرعت العقوبات في الجنايات لحكمة الردع والزجر، ليرتدع الناس عن الظلم والبغي والعدوان ويقتنع كل إنسان بما آتاه الله مالكه وخالقه.

- أعطى لكل من الزوجين حق خيار فسخ النكاح إذا وجد في الآخر عيباً يستحيل معه تحقيق المقصود من النكاح كالعُنة والجبّ والخصاء في الزوج والرتق والقرن في الزوجة، أو الجنون والجذام والبرص ونحوهما - عافانا الله والمسلمين منها - في أحدهما كما هو مذهب الجماهير غير الظاهرية مع خلاف في بعض العيوب -والحكمة من ذلك: أن مقصود النكاح لا يتحقق مع وجود هذه العيوب ومن ثم لا يوجد (السكن) بين الزوجين بما تشمله كلمة السكن من معاني الشعور بالأمن والراحة والمتعة، وتبادل المودة والرحمة، فإذا استحال تحقيق هذه الغاية كان هذا مسوغا كافيا لحل عقدة النكاح. قال ابن القيم: "

والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار

ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح لم يَخْفَ عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة".

وأمثلة هذا القسم كثيرة لا حصر لها، لا سيما في باب المعاملات.

ونظراً لأن المصلحة والحكمة في هذا القسم إنما يتوصل إليها بالاستنباط والنظر فلا بد - إذاً - من مراعاة قواعد التعليل وضوابطه ومسالكه وحدوده حتى لا يكون معللاً بذوقه وتخمينه وهواه، كما أنه لا يحسن المبالغة في التنقير عن الحكم والمصالح - ولا سيما في الأحكام التعبدية -أدبا مع الله وخشية الوقوع في التكلف والتمحل والقول بغير علم وحتى لا يتكلف التعليل بمجرد الذوق والوجدان من غير دليل وبرهان.

ص: 123

إن عدم إدراك العقل الإنساني القاصر حِكم بعض الأحكام لا يعني - قطعاً- أنها عِروٌ وخِلْو من الحكمة والمصلحة، لأن عدم العلم ليس علماً بالعدم، وإنما يعني قصور العقل الإنساني وعجزه، فرحم الله امرأ وقف عند حده ولم يتعد طوره، ولله در أبي العلاء المعري ما أصدق قوله:

وروم الفتى ما قد طوى الله علمه

يعد جنونا، أو شبيه جنون

ضرورة معرفة المصالح والمقاصد:

ومع هذا فإن معرفة المصالح والمقاصد والعلل للأحكام الشرعية ضرورة لا بد منها، لإظهار محاسن الشريعة وأسرارها و"لأن الجهل بمقصد الحكم الشرعي قد يدفع بعض الناس إلى إنكاره، لاعتقاده بأن الشارع لا يشرع شيئا إلا لمصلحة الخلق، أفرادا وجماعات، فإذا لم يتعلق بالحكم مصلحة معتبرة أو كان منافيا للمصلحة، اعتبر ذلك دليلا على أنه ليس بحكم شرعي، وإنما هو مما أدخله الناس في الشريعة بالاجتهاد والتأويل. وقد يستدل هنا بقول ابن القيم الذي نقلناه من قبل: "الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، ومصلحة كلها

الخ".

ويجب أن يكون الفقيه له من اليقظة والبصيرة وعمق النظر والاطلاع الشامل ما يمكنه من استنباط العلة المناسبة والحكمة المقصودة من الحكم ولا شك أن هذا مرتقى صعب ولكن لا مفر منه للعلماء الربانيين الراسخين في العلم، لان التهرب منه يؤدي إلى غياب مقاصد الشريعة وحكمها، وإغلاق هذا الباب من أبواب الاجتهاد، وقد يربك الفقه الإسلامي ويضر بمسيرته الطبعية، ويفتح بابا للأعداء الحاقدين المتربصين بالأمة ليقولوا: إن الشريعة الإسلامية جامدة خامدة صارمة لا يتسع صدرها لمسايرة التطور البشري وتحقيق مصلحة الإنسان ودفع المضرة عنه.

ص: 124

إذاً، فالحاجة ماسة إلى معرفة هذا النوع من الفقه، هذا الفقه الذي وصفه ابن القيم بأنه (الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان) ففي فصل له بعنوان:(اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ) نقل عن وكيع "أن عمر قضى في امرأة قالت لزوجها: سمني، فسماها: الطيبة، فقالت: لا، فقال لها: ماذا تريدين أن أسميك؟ قالت: سمني خلية طالق، فقال لها: فأنت خلية طالق. فأتت عمر بن الخطاب فقالت: إن زوجي طلقني، فجاء زوجها فقص عليه القصة، فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها: خذ بيدها وأوجع رأسها"وهذا هو الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان، ومعلوم أن الذي قال لما وجد راحلته:"اللهم أنت عبدي وأنا ربك" وأخطأ من شدة الفرح، لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر لكونه لم يرده.

ولقد أتى على فقهنا حين من الدهر صار فيه أقرب إلى الجمود والخمود منه إلى الحياة والفعالية، ذلك أنه افتقد - فيما افتقده - روح المقاصد والمصالح وقد تعرض العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور لأسباب انحطاط الفقه وتخلفه فعدّ منها:"إهمال النظر في مقاصد الشريعة من أحكامها"ثم قال: "كان إهمال المقاصد سببا في جمود كبير للفقهاء ومعولا لنقض أحكام نافعة، وأشأم ما نشأ منه مسألة الحيل التي ولع بها الفقهاء بين مكثر ومقل" ومن هنا فإن البحث في المصالح والمقاصد عمل ضروري لتجديد الفقه وتقوية دوره ونشاطه وحيويته وصفائه.

المنكرون لتعليل الأحكام بالمصالح:

كان ما تقدم قول جماهير العلماء في أن أحكام الله تعالى معللة بالحِكم والمصالح وأدلتهم، وضرورة معرفة هذه المصالح.

وقد أنكر التعليلَ بعضُ أهل العلم منهم الرازي والأشاعرة والظاهرية.

قال ابن النجار الحنبلي: "وفِعْله تعالى وأمره، لا لعلة ولا لحكمة، في قول اختاره الكثيرون من أصحابنا

واختاره الظاهرية والأشعرية والجهمية".

وقال الشاطبي عن الرازي: "وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة كما أن أفعاله كذلك".

ص: 125

وأما الظاهرية فقد أنكروا التعليل جملة وتفصيلاً، وهم أوضح قولاً وأقوى خصومة ممن أنكروا التعليل ودافعوا عن التعبد المحض للشريعة، وقد خصص أبو محمد بن حزم باباً كاملاً في كتابه (الإحكام) لهدم فكرة التعليل، وقال:"الباب التاسع والثلاثون في إبطال القول بالعلل في جميع أحكام الدين"ونسب هذا الإنكار إلى جميع الظاهرية قبله حيث قال: "وقال أبو سليمان – يعني: داود الظاهري - وجميع أصحابه رضي الله عنهم: لا يفعل الله شيئا من الأحكام وغيرها لعلة أصلا بوجه من الوجوه

وقال أبو محمد: وهذا هو ديننا الذي ندين الله تعالى به، وندعو عباد الله تعالى إليه، ونقطع على أنه الحق عند الله تعالى".

وقد بالغ ابن حزم في الإنكار على خصومه - مثبتي التعليل والمصالح - وبالغ في مهاجمتهم واستفزازهم، ولا أرى إلا أن كلامه هو الذي استفز ابن القيم كما يقول الدكتور الريسوني - حتى قال - وهو يتهيأ للرد المفصل على منكري القياس -:"الآن حمي الوطيس، وحميت أنوف أنصار الله ورسوله لنصر دينه وما بعث به رسوله، وآن لحزب الله أن لا تأخذهم في الله لومة لائم..".

إيضاح موقف الرازي من التعليل:

وقبل أن أذكر أدلة منكري التعليل بالمصلحة، أود أن أوضح موقف الرازي منه، فقد خصه الإمام الشاطبي بالذكر ونسبه وحده إلى إنكار التعليل وهو ما يحتاج إلى نظر وتحقيق، فالرازي من أهل القياس، ولا قياس بدون تعليل.

وموقف الرازي من التعليل يجب أن يؤخذ أساسا من كتبه، ولا سيما من كتابه (المحصول) حيث يقول عند كلامه على (مسلك المناسبة) :

"المناسبة تفيد ظن العلية، والظن واجب العمل به"ثم قال: "بيان الأول من وجهين:

الأول: أن الله تعالى شرع الأحكام لمصلحة العباد، وهذه مصلحة فيحصل ظن أن الله تعالى إنما شرعه لهذه المصلحة.

ص: 126

وثانيها: أنه تعالى حكيم بإجماع المسلمين، والحكيم لا يفعل إلا لمصلحة فإن من يفعل لا لمصلحة يكون عابثا، والعبث على الله تعالى محال، للنص والإجماع والمعقول. فثبت أنه تعالى شرع الأحكام لمصلحة العباد.

وسادسها: أنه وصف نفسه بكونه رؤوفا رحيما، وقال:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (1) فلو شرع ما لا يكون للعبد فيه مصلحة، لم يكن ذلك رأفة ورحمة فهذه الوجوه الستة دالة على أنه تعالى ما شرع الأحكام إلا لمصلحة العباد".

وقد واصل الرازي دفاعه عن التعليل بالمصلحة بكل قوة وحماس، وفند كل ما يعترض به عليه حتى قال:"انعقد الإجماع على أن الشرائع مصالح، إما وجوبا كما هو قول المعتزلة، أو تفضلا كما هو قولنا".

هذا هو موقف الرازي من التعليل بالمصلحة. فهل يجوز أن ينسب صاحب هذا الموقف إلى إنكار التعليل؟.

توجيه كلام الشاطبي عن الرازي:

وإذا كان هذا هو موقف الرازي من التعليل بالمصلحة من خلال ما كتبه فكيف يوجه كلام الشاطبي المتقدم - قريبا: "وزعم الرازي أن أحكام الله تعالى ليست معللة بعلة ألبتة"؟

الجواب: يمكن توجيهه بالآتي:

1 -

الرازي يمنع التعليل بالمصلحة والمفسدة لعدم انضباطها، لكون أحكام الله غير معللة في حقيقتها بجلب المصالح ودرء المفاسد، فكلامه المتقدم قاطع في أنه يعتبر المصلحة أو المفسدة، ومن هنا يفضل الفقهاء والأصوليون تعليل الأحكام بالأوصاف الظاهرة المنضبطة بدل تعليلها - مباشرة - بالمصلحة والمفسدة ولا سيما إذا كانت خفية أو عسيرة الضبط.

2 -

أن التعليل الذي ينكره الرازي هو التعليل الفلسفي في مباحث علم الكلام والذي يثبته هو التعليل الأصولي الفقهي، وقد صرّح بهذا في (تفسيره) عند قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (2)

وسيأتي مزيد بيان لهذا عند الكلام على أدلة الأشاعرة قريبا.

(1) سورة الأعراف آية: 156.

(2)

سورة البقرة آية: 29.

ص: 127

3 -

هذا الإنكار منه - ومن الأشاعرة - كان فرارا من المقولات والإلزامات الاعتزالية، التي تجعل القول بالتعليل مقدمة للقول بوجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى.

4 -

لعل سبب ذلك هو ما نقله الإمام ابن تيمية من تقلبات الرازي وتباين مواقفه من فترة لأخرى حيث قال: "أما ابن الخطيب - وهو الرازي - فكثير الاضطراب جدا، لا يستقر على حال، وإنما هو بحث وجدل بمنزلة الذي يطلب ولم يهتد إلى مطلوبه، بخلاف أبي حامد - الغزالي - فإنه كثيرا ما يستقر".

الأشاعرة والتعليل:

تقدم أن الأشاعرة ينكرون التعليل بالمصلحة، وأريد هنا أن أبين دليلهم على هذا الإنكار، يقولون: إن كل من فعل فعلا لعلة، يتحقق له من الكمال بوقوع تلك العلة ما لم يكن له من قبل، فيكون ناقصا بذاته كاملا بغيره. والله سبحانه منزه عن النقص لذاته.

وأترك (ابن السبكي) - وهو أحد المنكرين للتعليل - يوضح هذا الدليل حيث يقول: "

لا يجوز أن تعلل أفعال الله تعالى، لأن من فعل فعلا لغرض، كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان الغرض يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك، يكون ناقصا في نفسه مستكملا في غيره ويتعالى الله سبحانه عن ذلك".

هذا الكلام - أو المنطق - رده كثير من العلماء، وقال عنه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بأنه "يشتمل على مقدمتين سفسطائيتين " ثم بينهما ورد عليهما.

ويرد عليه - جملة - بأنه غير مسلم، لأن المقاصد المطلوبة بأفعاله تعالى وأحكامه لا تُراد لتكميل ذاته، فإنه سبحانه مستغنٍ بذاته عن كل ماعداه وإنما تراد لتكميل المكلفين، ورعايته سبحانه لذلك مع استغنائه عن كل ما سواه ضرب من الكرم، ومظهر من مظاهر الحكمة البالغة والرحمة بالعباد والحقيقة أن موقف الأشاعرة هذا مشتمل على تناقض، إذ من المعروف أنهم جميعاً يقولون بمشروعية القياس في الأصول، ولا قياس بدون تعليل، بل اتفق جميع القائلين بالقياس أن أحكام الله تعالى شرعت لتحقيق مصالح العباد.

ص: 128

وقد حاول عدد من العلماء دفع هذا التناقض وتقريب شقة الخلاف بين المثبتين والمنكرين.

فقال الشيخ ابن عاشور: "والمسألة مختلف فيها بين المتكلمين اختلافاً يشبه أن يكون لفظياً، فإن جميع المسلمين اتفقوا على أن أفعال الله تعالى ناشئة عن إرادة واختيار وعلى وفق علمه، وأن جميعها مشتمل على حكم ومصالح

وإنما الخلاف في أنها أتوصف بكونها أغراضاً وعللا غائية أم لا؟ "ثم نبه إلى أن المنكرين قد اضطروا إلى هذا الإنكار فرارا من المقولات والالتزامات الاعتزالية التي تجعل القول بالتعليل مقدمة للقول بوجوب الصلاح والأصلح على الله.

أما الدكتور البوطي فقد ذهب إلى توفيق آخر، فهو يرى أن التعليل المنفي هنا غير المثبت هناك. فالمنفي هنا هو "العلة التي يقصدها الفلاسفة وهي ما يوجب الشيء لذاته

ولا ريب أنه لا يصح أن ينسب هذا التعليل إلى أفعال الله تعالى بأي حال"والمثبت هناك عند أهل السنة هي: "التي يثبتونها للأحكام في بحث الأصول، فهو العلة الجعلية التي تبدو لنا كذلك إذ جعلها الله تعالى موجبة لحكم معين بمعنى أنه أناط وجوب ذلك الحكم بوجودها"قال:"إذا فليس هناك تناقض بين كلا مذهبيهم في كل من المبحثين".

قلت: لكن هذا التوفيق يعكر عليه أن بعضهم - كالسبكيين مثلا - ينكرون أيضا تعليل الأحكام التشريعية، وبصورة مطلقة - كما تقدم - ولهذا لم يجد الدكتور (مصطفى شلبي) بدا من اتهام الأصوليين المتكلمين بمخالفة طريقة السلف، وهي التعليل بلا نزاع، وأنهم ناقضوا أنفسهم بإنكار التعليل في علم الكلام، وإثباته في علم أصول الفقه، لأن القياس يقوم عليه.

ابن حزم والتعليل:

ص: 129

لم يبق من منكري التعليل إلا ابن حزم، وقد نقلنا موقفه من تعليل الأحكام سابقا، وأنه ينكر ربط الحكم بأي حكمة أو مصلحة، ويبالغ في الأخذ بظواهر النصوص والاستمساك بحرفيتها إلى حد ينتهي به إلى أفهام عجيبة، وآراء غريبة رغم عبقريته التي تشهد بها آثاره العلمية التي كان فيها نسيج وحده، وقد بسط ابن حزم أدلته على إنكار التعليل في كتابه (الإحكام) ولعل أهم دليل يقيم عليه ابن حزم مذهبه هو قول الله سبحانه وتعالى:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (1) وأترك ابن حزم يوضح استدلاله بالآية يقول بعد ذكر هذه الآية: "فأخبر تعالى بالفرق بيننا وبينه، وأن أفعاله لا يجري فيها (لِمَ) وإذا لم يحل لنا أن نسأله عن شيء من أحكامه تعالى وأفعاله: لِمَ كان هذا؟، فقد بطلت الأسباب جملة وسقطت العلل البتة، إلا ما نص الله تعالى عليه أنه فعل أمر كذا لأجل كذا

فلا يحل لأحد أن يقول: لم كان هذا السبب لهذا الحكم ولم يكن لغيره..لأن من فعل هذا السؤال فقد عصى الله عز وجل وألحد في الدين وخالف قوله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} فمن سأل الله عما يفعل فهو فاسق..".

ويقول: "وهذه - يعني الآية - كافية في النهي عن التعليل جملة، فالمعلل بعد هذا عاص لله، وبالله نعوذ من الخذلان".

(1) سورة الأنبياء آية: 23.

ص: 130

وقد رد أهل العلم قديما وحديثا احتجاج ابن حزم بهذه الآية وفندوه - منهم الدكتور الريسوني - وخلاصة ما قاله: معنى الآية: أن الله سبحانه لا يحاسبه أحد على أفعاله ولا يعترض على فعله وحكمه أحد {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه} (1) بخلاف العباد، فإنهم يسألون ويحاسبون ويلامون ويخطّئون، وذلك أن الله تعالى - من جهة - هو خالق كل شيء، ومالك كل شيءله ما في السموات وما في الأرض، له الأولى والآخرة،.. ولأنه - من جهة أخرى - هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأصدق القائلين وهو العليم الخبير فعلى هذا الأساس - أو هذه الأسس - تأتى أفعاله وأحكامه، فلا مجال فيها للاستدراك أو الاعتراض.

لهذا وذاك فإن الرب سبحانه لا يُسأل سؤال محاسبة أو اعتراض ولا شك أن توجيه مثل هذا السؤال كفر.

أما السؤال عن علل الأحكام الشرعية وعن أسرار وحِكم أفعال الله تعالى فهو سؤال تفهم وتعلم، وهو على أصل الاستفهام - أي طلب الفهم - وهذا النوع من الأسئلة صدر عن الأنبياء والصالحين وورد ذكره وإقراره في القرآن الكريم.

فسِرّ المسألة، والفيصل فيها بين سؤال وسؤال، بين سؤال يُفسَّق صاحبه كما ذهب إلى ذلك ابن حزم وبين سؤال يرجو به صاحبه الأجر والتقرب إلى الله تعالى، والفرق هو أن السؤال الموجه إلى الله، أو إلى أي فعل من أفعاله أو قول من أقواله أو حكم من أحكامه إذا كان الغرض منه: الاعتراض أو الإنكار أو الاستهزاء أو المحاسبة فهو ضلال وكفر، أما إذا كان السؤال صادراً عن إيمان تام بالله وصفاته الكمالية وبعدله وحكمته على الخصوص، تحدوه الرغبة في الفهم والتعلم، ويدفعه التطلع والتشوق إلى مزيد من الاطلاع على حِكم الله في تشريعه وتدبيره، فهذا سؤال مشروع لا غبار عليه، بل هو محمود غير مذموم والسؤالات من هذا القبيل صدرت عن الرسل الأخيار المقتدى بهم.

الموجب للحكم هو الله تعالى لا العلة ولا المصلحة:

(1) سورة الرعد آية: 41.

ص: 131

ها هنا أمر آخر ينكره ابن حزم على أصحاب التعليل - وخاصة من أهل السنة - وهو التعليل بمعناه الفلسفي، يقول:"إن العلة اسم لكل صفة توجب أمرا ما، إيجاباً ضرورياً" والقول بهذا النوع من العلل في شرع الأحكام معناه "أن الشرائع شرعها الله تعالى لعلل أوجبت عليه أن يشرعها".

وهذا لا يقول به أحد من أهل السنة. وقد تقدم أن الأشاعرة ينكرونه أيضا فعلماء السنة يقولون - كما تقدم - بعلل جعلية، جعلها الله تعالى بمشيئته لا يلزمه منها شيء، بل تفضلا منه وإحسانا لا وجوبا وضرورة.

قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: "

البيع علة للملك شرعاً والنكاح علة للحل [أي: للاستمتاع بالزوجة] شرعاً، والقتل العمد علة لوجوب القصاص شرعاً، باعتبار أن الشرع جعلها موجبة لهذه الأحكام".

وقد بينا أن العلل الشرعية لا تكون موجبة بذواتها، وإنما الموجب للحكم هو الله تعالى [أي لا المصلحة ولا الحكمة ولا العلة إذ لا موجب على الله، بل الله الموجب بما شاء على من شاء، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (1) إلا أن ذلك الإيجاب غيب في حقنا، فجعل الشرع الأسباب التي يمكننا الوقوف عليها علة لوجوب الحكم في حقنا للتيسير علينا، فأما في حق الشارع فهذه العلل لا تكون موجبة شيئا، وهو نظير الإماتة فإن المميت والمحيي هو الله تعالى حقيقة، ثم جعله مضافا إلى القاتل بعلة القتل فيما ينبني عليه من الأحكام، وكذلك أجزية الأعمال فإن المعطي للجزاء هو الله تعالى بفضله، ثم جعل ذلك مضافا إلى عمل العامل بقوله تعالى:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) فهذا هو المذهب المرضي المتوسط بين الطريقين لا كما ذهب إليه الجبرية من إلغاء العمل أصلا، ولا كما ذهب إليه القدرية من الإضافة إلى العمل حقيقة، وجعل العامل مستبدا بعمله".

(1) سورة الأنبياء آية: 23.

(2)

سورة السجدة آية: 17.

ص: 132

ونقل القرطبي في تفسيره - في قضية أمر الله تعالى بتقديم الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَر} (1) ثم نسخ تعالى تقديم الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم لطفاً بعباده الفقراء غير القادرين على الصدقة - نقل عن ابن العربي قوله: "وفي هذا الخبر عن زيد [ابن ثابت بمعنى ما سبق ذكره آنفا] ما يدل على أن الأحكام لا تترتب بحسب المصالح، فإن الله تعالى قال: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَر} ثم نسخه مع كونه خيراً وأطهر، وهذا رد على المعتزلة عظيم في التزام المصالح".

وبين الإمام ولي الله الدهلوي أن جلب المصالح ودرء المفاسد - وإن كانا مراعين غالبا - لكن مصدر التشريع ومناط التكليف هو ما جاء في الكتاب والسنة.

(1) سورة المجادلة آية:12.

ص: 133

يقول: "فقد أوجبت- يعني: السنة - أيضا أن نزول القضاء بالإيجاب والتحريم سبب عظيم في نفسه مع قطع النظر عن تلك المصالح لإثابة المطيع وعقاب العاصي، وأنه ليس الأمر على ما ظن من أن حسن الأعمال وقبحها بمعنى استحقاق العامل الثواب والعذاب عقليان من كل وجه، وأن الشرع وظيفته الإخبار عن خواص الأعمال على ما هي عليه دون إنشاء الإيجاب والتحريم بمنزلة طبيب يصف خواص الأدوية وأنواع المرض، فإنه ظن فاسد تمجه السنة بادي الرأي

كيف ولو كان ذلك لجاز إفطار المقيم الذي يتعانى كتعاني المسافر – يعني: يتجشم المشقة كمشقة المسافر - لمكان الحرج المبني عليه الرخص، ولم يجز إفطار المسافر المترفه - المستريح المتنعم - وكذلك سائر الحدود التي حددها الشارع، وأوجبت - يعني السنة - أنه لا يحل أن يتوقف في امتثال أحكام الشرع - إذا صحت بها الرواية - على معرفة تلك المصالح لعدم استقلال عقول كثير من الناس على معرفة كثير من المصالح، ولكون النبي صلى الله عليه وسلم أوثق عندنا من عقولنا

".

هذا هو الحق الذي لا شك فيه عند أهل السنة: أن الحكم الشرعي لا ينبني على مجرد المصلحة والحكمة، وأن العلل الشرعية ليست موجبة بذواتها، بل الله جعلها- بمشيئته- موجبة للأحكام تفضلا منه وإحسانا، وأنه سبحانه لا يجب عليه شيء - وليس لأحد أن يوجب عليه سبحانه شيئا - بل هو الموجب بما شاء على من شاء، وأن أحكامه سبحانه وتعالى لا تخلو من مراعاة المصلحة – غالبا - لأنه تعالى حكيم - والحكيم لا يفعل إلا لمصلحة - كما تقدم.

ص: 134

وهذا هو مسلك القرآن والسنة، والنصوص الدالة على ذلك من الكثرة بحيث يتعذر إحصاؤها، وقد تقدم قول ابن القيم رحمه الله: "والقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام

ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها ولكن يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة

".

وقد علل الصحابة بفطرتهم السليمة، وبتلقائية لا تكلف فيها، وبنوا اجتهاداتهم على ما فهموه من العلل والمصالح، ثم صار على دربهم التابعون ومن جاء بعدهم من العلماء المجتهدين يعللون الأحكام بالمصالح ويفهمون معانيها ويخرجون للحكم المنصوص مناطا مناسبا لدفع ضر أو جلب نفع كما هو مبسوط في كتبهم ومؤلفاتهم ثم أتى الغزالي والخطابي وابن عبد السلام وابن القيم وأمثالهم - شكر الله مساعيهم - بنكت لطيفة وتحقيقات شريفة ومعانٍ بديعة.

بعد هذا يمكن أن نقول ونقرر باطمئنان: أن أحكام الله سبحانه وتعالى مبنية على تحقيق مصالح العباد، وأن هذه المصالح يجوز التساؤل عنها، كما يجوز البحث عنها بكل ما أوتينا من وسائل العلم والمعرفة والبحث، وقد أمرنا الله بالنظر والتفكر والتدبر، سواء في دينه وشريعته أو في خلقه وكونه، فقال سبحانه:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (1) وقال: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (2) وقال جل وعلا عن عباده الذين وصفهم بـ {أُولِي الأَلْبَابِ} أنهم: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (3) .

(1) سورة النساء آية: 82.

(2)

سورة يونس آية: 101.

(3)

سورة آل عمران آية: 191.

ص: 135

فلا بد من التساؤل والبحث - ما أمكن - عن هذه المصالح التي تنطوي عليها الأحكام الشرعية لنفهمها ولنطبقها في ضوء مصالحها ولنهتدي بمعرفة تلك المصالح فيما لم ينص عليه، يقول العلامة ابن عاشور:"وجملة القول: أن لنا اليقين بأن أحكام الشريعة كلها مشتملة على مقاصد، وهي حكم ومصالح ومنافع، ولذلك كان الواجب على علمائنا تعرف علل التشريع ومقاصده ظاهرها وخفيها".

كيف تقدر المصالح؟

إذا تقرر هذا فليعلم أن تقدير المصالح والمفاسد إنما يكون بالشرع لا بالهوى كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه

" فالمرحلة الأولى أن ننظر: هل المصالح والمفاسد التي نحن بصددها ورد بالموازنة بينها نص في الشريعة أم لا؟ فحيث ورد النص باعتبار مصلحة ما أو بإلغائها وجب اتباعه، فمن سأل هل يبقى مع والديه لبرهما وخدمتهما أم يخرج متطوعاً للجهاد ولو لم يأذنا؟ أي المصلحتين تقدم؟ فهذا وارد تقديره والجواب عنه في نصوص الشرع بما لا يدع مجالا للاجتهاد في رأي، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (1) .

أما إذا أشبهت المسألة ولم يوجد نص صريح يقضي باحتمال مفسدة ما أو تفويت مصلحة، أو تقديم مصلحة على أخرى فهنا يكون الاجتهاد.

النظر إلى المآلات عند تقدير المصالح والمفاسد:

(1) رواه البخاري في المواقيت 2 / 9 وأحمد 1 / 181 وغيرهما.

ص: 136

ومما يجب على المجتهد والمفتي حين يجتهد ويفتي أن يقدّر مآلات الأفعال وعواقب الأمور وما يؤول إليه الأمر في النهاية، وأن لا يعتبر مهمته تنحصر في إعطاء الحكم الشرعي، بل مهمته أن يحكم في الفعل وهو ناظر إلى آثاره ومآلاته ويقول الشاطبي في هذا: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، [فقد يكون] مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق

".

ص: 137

ثم أخذ يستدل على صحة ذلك بأمور، منها: أن التكاليف مشروعة لمصالح العباد، ومنها أن الاستقراء للشريعة وأدلتها يدل على اعتبار المآلات، وذكر أمثلة تفصيلية كامتناعه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين مع قدرته على ذلك خشية أن يظن الناس أنه يقتل أصحابه فينفروا من الدخول في الإسلام، وكامتناعه عن إعادة بناء البيت الحرام على قواعد إبراهيم عليه السلام حتى لا يثير بلبلة بين العرب ويقولوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم يهدم المقدسات ويغير معالمها، وكنهيه صلى الله عليه وسلم أصحابه عن زجر الإعرابي حال تبوله في المسجد خشية أن يؤدي هذا إلى نجس مواضع أخرى في المسجد وربما كان فيه ضرر صحي عليه

إلى أن قال: قال ابن العربي:"النظر في مآلات الأفعال في الأحكام، اختلف الناس بزعمهم فيها - وهي متفق عليها بين العلماء فافهموها وادخروها".

ورد رحمه الله على من يهمل هذه القاعدة بحجة أن عليه العمل وليس عليه النتيجة فقال: (لا يقال إنه قد مرّ في كتاب الأحكام أن المسببات لا يلزم الالتفات إليها عند الدخول في الأسباب، لأنا نقول - وقد تقدم أيضاً - أنه لا بد من اعتبار المسببات في الأسباب

وقد تقدم أن الشارع قاصد للمسببات في الأسباب، وإذا ثبت ذلك لم يكن للمجتهد بد من اعتبار المسبب وهو مآل السبب".

ص: 138

وقال أيضاً رحمه الله – "ومن هذا الأصل - أي النظر في المآلات - تستمد قاعدة أخرى، وهي أن الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية أو التكميلية إذا اكتنفتها من الخارج أمور لا ترضي شرعاً، فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج

كطلب العلم إذا كان في طريقه مناكر يسمعها ويراها، وشهود الجنازة، وإقامة وظائف شرعية إذا لم يقدر على إقامتها إلا بمشاهدة مالا يرضى، فلا يُخرج هذا العارض تلك الأمور عن أصولها، لأنها أصول الدين، وقواعد المصالح، وهو المفهوم من مقاصد الشارع فيجب فهمها حق الفهم فإنها مثار اختلاف وتنازع وما ينقل عن السلف الصالح مما يخالف ذلك قضايا أعيان لا حجة في مجردها حتى يعقل معناها فتصير إلى موافقة ما تقرر إن شاء الله، والحاصل: أنه مبني على اعتبار مآلات الأعمال فاعتبارها لازم في كل حكم على الإطلاق. والله أعلم".

شروط المصلحة المعتبرة:

نخلص بعد هذا إلى أن المصلحة المعتبرة شرعا التي يجوز بناء الأحكام عليها هي: مقتضى العقول المستقيمة والفِطر السليمة، المحققة لمراد الشارع من العبودية والرشاد، ومراد العباد من صلاح المعاش والمعاد، ليست وليدة الشهوة أو الشبهة، يقول الشاطبي:"ولقد علم من التجارب والعادات أن المصالح الدينية والدنيوية لا تحصل مع الاسترسال في اتباع الهوى والمشي مع الأغراض، لما يلزم ذلك من التهارج والتقاتل والهلاك الذي هو مضاد تلك المصالح".

ولتكون المصلحة مقرونة بالرشاد، بعيدة عن الغي والفساد، محققة لمراد الشارع ومراد العباد، لها ضوابط، فإذا كانت منضبطة بها فهي معتبرة شرعاً وبالتالي يسوغ العمل بها وإلا فهي مجرد شهوة أو شبهة التبست على صاحبها فتوهمها مصلحة، وهيهات أن تكون - وهي بهذه الحال - مصلحة شرعية معتبرة، وإنما هي نزعة نفسانية أو نزغة شيطانية، لبست عليه الحق بالباطل فأرته المفسدة مصلحة.

ص: 139

ومن هذه الشروط التي يجب توافرها لتحقق المصلحة الشرعية المعتبرة:

1-

أن يثبت بالبحث والنظر والاستقراء أنها مصلحة حقيقية لا وهمية أي أن بناء الحكم عليها يجلب نفعاً أو يدفع ضراً، لأنها بهذا تكون مصلحة معتبرة، أما مجرد توهم المصلحة من غير نظر دقيق ولا استقراء شامل ومن غير موازنة عادلة بين وجوه النفع ووجوه الضرر فهذه مصلحة وهمية لا يسوغ بناء الحكم عليها.

2-

أن تكون هذه المصلحة الحقيقية عامة، أي ليست مصلحة شخصية أي أن بناء الحكم عليها يجلب نفعا لأكثر الناس أو يدفع ضرراً عن أكثرهم، أما المصلحة التي هي نفع لأمير أو عظيم أو أي فرد بصرف النظر عن أكثر الناس فلا يصح بناء الحكم عليها.

3-

أن لا تكون معارضة للكتاب والسنة، إذ لا يجوز التعارض بين مصلحة معتبرة ونص ثابت من كل وجه، فإن عارضت المصلحة نصاً فهي إما أن تكون موهومة لا تستند إلى أصل تقاس عليه، فهي لا عبرة بها فإذا توهم متوهم أن مصلحة الناس تقتضي حرية تعاملهم بالربا فالتعارض ليس إلا بين وهمه وكلام الله تعالى، أما حقيقة المصلحة فهي ما قضى به كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من ضرورة إغلاق باب الربا.

وإما أن تكون مستندة إلى أصل قيست عليه بجامع بينهما، ولا يكون التعارض هنا بين النص والمصلحة إلا جزئياً كالذي يكون بين الخاص والعام والمطلق والمقيد، فالتعارض في الحقيقة هنا بين دليلين شرعيين، وليس بين نص ومجرد مصلحة متوهمة، وأمر التأويل والترجيح في هذه الحال عائد إلى اجتهاد الأصولي الثبت في فهمه وعلمه، وعليه أن يجمع بين المصلحة الجزئية العارضة والمصلحة المقصودة من النص (أو القياس) ويقدم الراجحة منهما، ومجال الاجتهاد العقلي هنا واسع جداً - كما يقول الأستاذ علي حسب الله ويقول أيضاً:

ص: 140

"واعلم أن معارضة المصلحة للنص أو القياس لا تكون إلا في جزئيات يَعدّ اعتبارها فيها استثناء من قاعدة النص أو القياس، ولا يُعدّ إلغاء لواحد منهما فإن القواعد الثابتة بالنص أو القياس هي المعالم الواضحة إلى المقاصد الشرعية فإذا تبين في بعض الجزيئات أن العمل بالنص أو القياس لا يحقق المصلحة المقصودة

وجب استثناء هذه الجزئيات في أضيق الحدود تحقيقاً للمصلحة المشروعة، وبقي النص أو القياس قائماً فيما عداها، كما لو أشرف إنسان أو جماعة على الموت جوعاً، فإنه يجب إطعامهم من مال الغير عنوة مع وجوب دفع المثل أو القيمة عند القدرة، وفي هذا اعتداء على حرمة المال، لكنه استثناء لعارض في مسألة جزئية لا يُبطل القاعدة العامة التي تحرم العدوان على أموال الناس في كل حال" قال تعالى:{لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) وهذا واضح من خلال فتاوى الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين أنهم لم يُراعوا المصلحة على أنها نظام عام يُلغي النص أو القياس، بل روعيت في بعض الجزئيات استثناء من النص أو القياس، ولهذا قال الغزالي في الإفتاء بقتل الزنديق المتستر:"فهذا لو قضينا به فحاصله استعمال مصلحة في تخصيص عموم، وذلك لا ينكره أحد" وقال الطوفي في معارضة المصلحة لدليل شرعي: "وإن خالفها دليل شرعي وُفق بينها وبينه بما ذكرنا من تخصيصه بها

".

وقال الشاطبي نقلاً عن ابن العربي: "فالعموم إذا استمر، والقياس إذا اطرد، فإن مالكاً وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى، ويستحسن مالك أن يُخص بالمصلحة

".

(1) سورة البقرة آية: 188.

ص: 141

وإذا تقرر هذا فإنه لا يجوز القول بتقديم المصلحة - مطلقاً - على النص والإجماع عند معارضتها لهما، كما نادى بذلك نجم الدين الطوفي بدعوى أن رعاية المصلحة أقوى من الإجماع، ويلزم من ذلك أنها أقوى أدلة الشرع، لأن الأقوى من الأقوى أقوى.

وقال: "إن النصوص مختلفة متعارضة فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعاً ورعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعاً فكان اتباعه أولى".

والحقيقة أن الطوفي وقع في تناقض عجيب، فهو عندما عرض في كتابه (شرح الأربعين حديثاً) أدلة الشرع وجعلها تسعة عشر دليلاً، ثم قال: "وهذه الأدلة التسعة عشر أقواها النص والإجماع

"ثم عاد - كما تقدم - فقال: "إن رعاية المصلحة مقدمة على الإجماع"إذاً فهي أقوى أدلة الشرع كلها، أفيكون تناقض أبلغ من هذا وأوضح؟!

ثم إن الأساس الذي بنى عليه زعمه هذا أساس محال غير متصور الوقوع ألا وهو فرض كون المصلحة مخالفة للنص والإجماع، ومحال أن تجد آية أو حديثاً صحيحاً يدعوان إلى ما يخالف المصلحة الحقيقية.

4-

أن لا تعارض القياس الصحيح، لأن القياس إنما هو مراعاة مصلحة في فرع بناء على مساواته الأصل في علة حكمه المنصوص عليه، فبينهما من النسبة إذاً العموم والخصوص المطلق، إذ القياس فيه مراعاة لمطلق المصلحة، وفيه زيادة على ذلك العلة التي اعتبرها الشارع، ومراعاة مطلق المصلحة أعم من أن توجد فيها هذه الزيادة، أو لا، فكل قياس مراعاة للمصلحة، وليس كل مراعاة للمصلحة قياساً.

ص: 142

فإذا وجد أن مصلحة عارضتْ قياساً صحيحاً، فإما أن تكون مصلحة موهومة فهذه لا عبرة بها كما في شرب البيرة، فقد يرى بعض الناس فيه وصفاً مناسباً لحلّه من لذة أو فائدة متخيلة عند الطعام مثلاً، ولكن فيه وصفاً آخر هو جنس الإسكار الذي هو علة في حرمة الخمر، ومقتضى ذلك: القياس عليه في الحرمة، فقد عارض ما خُيل كونه مصلحة (مرسلة) القياس الصحيح الذي هو أعلى رتبة منه فلا عبرة بهذه المصلحة.

وأما إن كانت المصلحة معتبرة فلا يكون التعارض بينهما - إن وجد – إلا جزئياً كالذي يكون بين العام والخاص والمطلق والمقيد، فالتعارض في الحقيقة بين دليلين شرعيين، وأمر الترجيح والتأويل في هذه الحال عائد إلى الاجتهاد الأصولي الثبت في علمه وفهمه، وعليه أن يجمع بينهما ويقدم الراجح منهما لأن الشرع يقصد إلى الأرجح من المصلحتين عند التعارض - كما تقدم.

5-

عدم تفويتها مصلحة أهم منها أو مساوية لها.

وذلك لأن الشريعة قائمة على أساس مراعاة مصالح العباد، والمقصود بمراعاتها لمصالحهم أنها تقضي بتقديم الأهم منها على ما هو دونه، وبالتزام المفسدة الدنيا لاتقاء الكبرى حينما تتلاقى المصالح والمفاسد في مناط واحد، أو يستلزم إحداهما الأخرى لسبب ما.

فإذا تعارضت مصلحتان في مناط واحد بحيث كان لا بد لنيل إحداهما من تفويت الأخرى نظر إلى قيمتها من حيث الذات - وقد وجدنا أن كليات المصالح المعتبرة شرعاً مندرجة حسب الأهمية في خمس مراتب وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال - فما به يكون حفظ الدين مقدم على ما يكون به حفظ النفس عند تعارضهما، وما به يكون حفظ النفس مقدم على ما يكون به حفظ العقل وهكذا

ثم إن رعاية كل من هذه الكليات الخمس يكون بوسائل متدرجة حسب الأهمية في ثلاث مراتب، وهي: الضروريات فالحاجيات فالتحسينات فالضروري مقدم على الحاجي عند تعارضهما، والحاجي مقدم على التحسيني عند التعارض.

ص: 143

أما إذا كانت المصلحتان المتعارضتان في رتبة واحدة كما لو كان كلاهما من الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات فينظر، فإن كان كل منهما متعلقاً بكلى على حدة جعل التفاوت بينها حسب تفاوت متعلقاتها فيقدم الضروري المتعلق بحفظ الدين على الضروري المتعلق بحفظ النفس وهكذا

أما إذا كانت المصلحتان المتعارضتان متعلقتين بكلى واحد كالدين أو النفس أو العقل فينظر إليهما من حيث شمولهما للناس فيقدم أعم المصلحتين شمولاً على أضيقهما في ذلك. فيقدم مثلاً الانشغال بتعليم شرعي على الانشغال بما وراء الفروض من نوافل العبادات، لأن الأول أشمل فائدة من الثاني. ومن هذا الباب قول الأصوليين:

أ - دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، مثاله: ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا"وترجم له البخاري بقوله: "باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا" فترك مصلحة كثرة الوعظ والتعليم لدفع مفسدة النفور والفتور والسآمة.

ب - ويقولون: تتحمل أدنى المفسدتين لدفع أعظمهما، كما في قول الله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ

} (1) أي أن مفسدة صد المشركين عن سبيل الله، وكفرهم به وصدهم المؤمنين عن المسجد الحرام، وإخراجهم منه، أكبر من مفسدة قتالهم في الشهر الحرام، فتحتمل أدنى المفسدتين لدفع أكبرهما. فلا بأس بالقتال في الشهر الحرام في تلك الظروف.

(1) سورة البقرة آية: 217.

ص: 144

ج - ويقولون: إذا تعارضت المصلحة مع المفسدة روعي الأغلب منهما كما في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا

} (1) فشارب الخمر يتعدى على الآخرين بالضرب والشتم ويأتي بالعظائم والكبائر ويترك العبادة وهذه مفاسد عظيمة لا تقاومها المصالح المزعومة، فعند تعارضهما يُراعى الأغلب منهما، والمفسدة هنا أغلب فغلب جانبها.

د - ويقولون: قد يُفعل المفضول ويترك الفاضل للمصلحة. كما ذكر الشيخ الإمام ابن تيمية رحمه الله ونقل عن الإمام أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المؤمنين، مثل أن يكون عنده فصل الوتر أفضل بأن يسلم في الشفع ثم يصلي ركعة الوتر وهو يؤم قوما لا يرون إلا وصل الوتر، فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه

.

وقال رحمه الله بعد ذكر مسألة البسملة - إن الإمام قد يجهر بها استحباباً قصداً إلى تأليف القلوب بترك المستحب إذا كان من وراءه لا يرون الإسرار قال: "ويستحب للرجل أن يقصد إلى تاليف القلوب بترك مثل هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا".

هـ- ويقولون: يجوز ترك واجب لفعل الأوجب أو السكوت على مفسدة لدفع الأفسد عند تعذر تحصيل جميع الواجبات أو دفع جميع المفاسد.

(1) سورة البقرة آية: 219.

ص: 145

من ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما، لم يكن الآخر في هذا الحال واجباً ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً على الحقيقة وإن سمى ذلك ترك واجب، وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو الضرورة أو لدفع ما هو أحرم".

ومن هذا الباب ما قاله سلطان العلماء وبائع الأمراء العز بن عبد السلام: رحمه الله: "إذا تفاوتت رتب الفسوق في حق الأئمة قدمنا أقلهم فسوقاً مثل إن كان فسق أحد الأئمة بقتل النفوس وفسق الآخر بانتهاك حرمة الأبضاع وفسق الآخر بالتعرض للأموال قدمنا المتعرض للأموال على المتعرض للدماء والأبضاع

فإن قيل: أيجوز القتال مع أحدهما لإقامة ولايته وإدامة تصرفه مع إعانته على معصيته؟ قلنا: نعم، دفعا لما بين مفسدتي الفسوقين من التفاوت ودرءاً للأفسد فالأفسد

"ويطول سرد الأمثلة إذا تتبعناها ولكن نكتفي في نهاية هذه الأمثلة بالتذكير بالقاعدة العامة في ذلك كما قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله: "وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته".

ص: 146

وبعد، فهذه الأمور أو الشروط الخمسة يجب أن تنضبط بها المصلحة حتى تكون مصلحة شرعية معتبرة يسوغ العمل بها، وإلا كانت ملغاة غير معتبرة لأن الشارع لم يعتبرها بل نص على إلغائها لكونها مخالفة لنص كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح.

ومن أمثلة هذا النوع:

- ما قد يراه بعض خبراء الاقتصاد والتجارة من أن الربا لابد منه لتنشيط الحركة التجارية والنهوض بها فهو مخالف لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} (1) .

- ما يقوله بعض المهتمين بعلم النفس والتربية من أن الجمع بين الجنسين في مرافق المجتمع من مدارس ومكاتب ونحوهما يهذب من الخلق ويخفف من شره الميل الجنسي، فهذا متصادم مع القرآن والسنة، قال تعالى: {وقُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم

وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (2) وقال صلى الله عليه وسلم: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"(3) .

- الدعوة إلى التسوية بين الذكر والأنثى في المواريث، بل إلى تفضيل المرأة على الرجل لأنها أضعف وأحوج من الرجل، فهذا المعنى ملغى بقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} (4) .

- الدعوة إلى جعل الطلاق بيد المرأة استقلالا أو اشتراكاً على الأقل لأن النكاح حصل باتفاق الزوجين، فهذا المعنى ملغى بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الطلاق لمن أخذ بالساق"(5) .

(1) سورة البقرة آية:275.

(2)

سورة النور آية:30،31.

(3)

رواه أحمد 1 / 18، 26 والترمذي 2 / 391.

(4)

سورة النساء آية: 11.

(5)

رواه ابن ماجة في الطلاق (2081) وفي سنده ابن لهيعة وباقي رجاله ثقات وقد قوي باعتضاده بالقرآن وبالعمل.

ص: 147

- الزعم بأن المصلحة تقتضي التحلل من الأحكام الشرعية لمواكبة الحضارة العصرية والانفتاح عليها من غير التقيد بالقيود الشرعية. فهذا وأمثاله من قبيل المصالح الملغاة التي رفضها الشارع ولم يعوّل عليها ألبتة بسبب أنها مرجوحة من حيث الصلاح، ومغلوبة من حيث النفع، وبالنسبة لما ستؤول إليه من مفاسد عظمى ومهالك محققة، فهي - وإن تضمنت في بعض الأحيان في الظاهر - بعض الصلاح النادر وقلة من النفع العابر ولكنها لا تقوى على مزاحمة المصالح المعتبرة والمنافع الغالبة والمقاصد المقررة، فالتشبث بها اتباع للشهوات وتصيّد للشبهات وتحيّل لتحليل المحرمات، بل تحلّل من أحكام الشريعة، والتعلق بمثل هذه الشهوات الفاسدة والشبهات الكاسدة بدعوى المصلحة المزعومة ومواكبة التطور والحضارة المنهارة قرمطة وسفسطة، ومسايرة للهوى ومجانبة للهُدى، لأن هذه المصلحة المزعومة في الحقيقة شهوة نفسانية أو شبهة شيطانية، لا مصلحة إنسانية ولا حكمة ربانية ولا مقاصد شرعية {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} (1) .

إن ميزان المصالح في التشريع الإسلامي ميزان دقيق ومضبوط. وهو علم جليل له شروطه وآدابه وأصوله وضوابطه، ويختص به أهله وأربابه من العلماء المجتهدين الربانيين، وهو ليس متروكاً للهوى والتشهي ومفوضاً لكل من هب ودب من أدعياء المصلحة بلا قيد ولا ضابط قال تعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُو الأَلْبَابِ} (2) .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

الخاتمة

تبين لنا من هذا البحث المتواضع:

(1) سورة النساء آية: 27.

(2)

سورة آل عمران آية: 7.

ص: 148

1-

أن أفعال الله تعالى كلها منوطة بالحكمة، مبنيّة على تحقيق مقاصد ومصالح تعود على الخلق، وأن هذه المقاصد وتلك المصالح تتركز على جلب خير أو دفع ضر عن الخلق.

2-

أن للمصلحة تعاريف متعددة عند أهل العلم، والمختار - عندي - من هذه التعاريف:"أنها مقتضى العقول القويمة والفطر السليمة من الرشاد ما يحقق مقصود الشارع والعباد من صلاح المعاش والمعاد".

3-

الفرق بين الحكمة والعلة والسبب عند المتأخرين، وأن المتقدمين استخدموا هذه المصطلحات مترادفة.

4-

أن الشريعة قائمة على تحقيق مصالح العباد في الدارين، وأنها ليستْ تعبّدية تحكّمية تحلّل وتحرّم دون أن تقصد إلى شيء وراء أمرها ونهيها وحظرها وإباحتها، بل إن أحكامها - في الجملة - معلَّلة بالحكم والمصالح عند عامة أهل العلم، وقد دل على ذلك القرآن والسنة والإجماع وعمل الصحابة.

5-

أن المصلحة قد تكون منصوصاً عليها في كلام الشارع، وقد لا تكون منصوصاً عليها ولكن يهتدي إليها العالم بنور الله، وبالفهم الذي يؤتاه في الكتاب والسنة فيستنبطها، ولا بد في هذه الحالة من مراعاة قواعد التعليل وضوابطه ومسالكه وحدوده حتى لا يكون معللاً بذوقه وتخمينه وهواه، كما أنه لا بد أن يكون للفقيه من اليقظة والبصيرة وعمق النظر والاطلاع الشامل ما يمكّنه من استنباط العلة المناسبة والحكمة المقصودة من الحكم.

6-

أنه قد أنكر بعض أهل العلم منهم الرازي والأشاعرة والظاهرية تعليل الأحكام بالمصالح قائلين أن الله لم يشرع الأحكام لمقاصد أرادها منها، ولم يربطها بأوصاف تقتضيها، وإنما أمره تعالى لا لمصلحة بل لمحض مشيئته العارية عن حكمة أو مصلحة ملحوظة في التشريع واستدل هؤلاء لمذهبهم بأدلة متعددة بطرق شتى، وقد رد عليهم المحققون مبينين التناقض والاضطراب في قولهم وعدم صحة الاستدلال من دليلهم.

ص: 149

7-

أنه مع أهمية البحث في المصالح والمفاسد، وضرورة اعتبارها وتقديرها فإن الموجب للحكم هو الله تعالى لا المصلحة ولا العلة، والعلل إنما جعلها الشارع أمارات على الحكم، والموجب للحكم هو الله تعالى. وجاء في تقرير ذلك كلام السرخسي والقرطبي والدهلوي مع ذكر أمثلة من الكتاب والسنة.

8-

أن تقدير المصالح والمفاسد يكون بالشرع مع وجوب نظر المجتهد عند الاجتهاد والإفتاء إلى المآلات وعواقب الأمور حيث إن مهمته لا تنحصر في إعطاء الحكم الشرعي، ونقل كلام الشاطبي والأدلة التي أوردها على ذلك.

9-

شروط المصلحة المعتبرة، والتي هي:

1) أن يثبت بالاستقراء أنه مصلحة حقيقية لا وهمية.

2) أن تكون هذه المصلحة الحقيقية عامة لا شخصية خاصة.

3) أن لا تكون معارضة للكتاب والسنة.

4) أن لا تكون معارضة للقياس الصحيح.

5) عدم تفويتها مصلحة أهم منها أو مساوية لها.

10-

وأخيراً: كيفية العمل إذا تعارضت المصالح، وأن الضرورية مقدمة على الحاجيّة، والحاجية مقدمة على التحسينية.

والله تعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.

المراجع

1 -

الإحكام في أصول الأحكام للإمام سيف الدين الآمدي، دار الكتب العلمية، بيروت. ط: الأولى.

2 -

الإحكام في أصول الأحكام للإمام أبي محمد بن حزم الظاهري تحقيق الشيخ أحمد شاكر دار الآفاق. بيروت 1403هـ.

3 -

الأدلة على اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام لهشام عبد القادر آل عقدة. دار الصفوة. القاهرة 1411هـ.

4 -

أدلة التشريع المتعارضة ووجوه الترجيح بينها للدكتور بدران أبو العينين الإسكندرية.

5 -

أدلة التشريع المختلف فيها للدكتور عبد العزيز علي الربيعة. مؤسسة الرسالة. ط: الثالثة 1402هـ.

6 -

أصول التشريع الإسلامي للشيخ علي حسب الله. دار المعارف بمصر. ط: الخامسة 1396هـ.

7 -

أصول السرخسي. للإمام السرخسي الحنفي. تعليق أبو الوفا. دار المعرفة بيروت.

ص: 150

8 -

أعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم الجوزية. دار الفكر. بيروت. ط: الثانية 1397هـ.

9 -

البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين الجويني تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب. دار الأنصار. القاهرة.

10-

تعليل الأحكام للدكتور مصطفى شلبي. مطبعة الأزهر1362هـ.

11– تفسيرالتحرير والتنويرللشيخ محمد الطاهر بن عاشور ط: تونس.

12 -

تفسير القرآن العظيم للإمام أبي الفداء ابن كثير ط: دار الرشاد.

13-

التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي. دار الكتب العلمية. طهران. ط: الثانية

14-

الجامع لأحكام القرآن للإمام محمد أحمد الأنصاري القرطبي. دار الكتاب العربي. القاهرة 1387هـ.

15– حجة الله البالغة للشاه ولي الله الدهلوي. دار الكتب الحديثة. القاهرة.

16 -

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني. دار الكتاب العربي بيروت ط: الثانية 1400هـ.

17 -

زاد المعاد في هدى خير العباد للإمام ابن قيم الجوزية. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط مؤسسة الرسالة 1399هـ.

18 -

سنن الترمذي للإمام أبي عيسى الترمذي. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة 1383هـ.

19 -

سنن أبي داود للإمام أبي داود السجستاني ط: دار الحديث.

20 -

سنن ابن ماجه للإمام محمد بن يزيد القزويني تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط: عيسى البابي الحلبي.

21-

شرح الكوكب المنير لابن النجار. جامعة أم القرى مكةالمكرمة1400هـ.

2 – صحيح البخاري (مع الفتح) المطبعة السلفية. القاهرة1380هـ.

23-

صحيح مسلم (مع شرح النووي) دارالفكر. بيروت 1398هـ.

24 -

ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. مؤسسة الرسالة. ط: الرابعة 1402هـ.

25 – فتح الباري شرح صحيح البخاري. المطبعة السلفية. القاهرة 1380هـ.

26 -

فقة الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي. مكتبة وهبة.

27-

في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب. دار الشروق. ط: الخامسة1397هـ.

ص: 151

28 -

قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام العز بن عبد السلام. مكتبة الكليات الأزهرية 1388هـ.

29 -

مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية. جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه. الرئاسة العامة لشؤون الحرمين.

30 -

المحصول في علم أصول الفقه للإمام فخر الدين الرازي. تحقيق: د. طه جابر. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ط: الأولى 1400هـ.

31 – مختصر شرح الروضة لنجم الدين الطوفي. تحقيق: د. عبد الله التركي. مؤسسة الرسالة ط: الأولى 1407هـ.

32 -

المرجعية العليا في الإسلام للكتاب والسنة للدكتور يوسف القرضاوي. بمؤسسة الرسالة. ط: الأولى 1414هـ.

33 – المستصفى من علم الأصول للإمام أبي حامد الغزالي. تصوير دار صادر بيروت.

34-

مسند الإمام أحمد بن حنبل. المكتب الإسلامي. بيروت1398هـ.

35 – مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه للأستاذ عبد الوهاب خلاف دار القلم. الكويت ط: الثانية 1390هـ.

36 – المعجم الفلسفي للدكتور عبد المنعم الحفني، الدر الشرقية، مصر1410هـ.

37-

المعيار المعرب للإمام أحمد يحيى الونشريسي. دار المغرب العربي بيروت.

38-

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والارادة للإمام ابن قيم الجوزية. نشر رئاسة الإفتاء بالرياض.

39 -

المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة للإمام السخاوي. مكتبة الخانجي بمصر 1375هـ.

40 -

مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور. الشركة التونسية للتوزيع 1978 م.

41 -

الموافقات في أصول الفقه للإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي. دار المعرفة بيروت. تحقيق مشهور حسن، دار عثمان بن عفان. ط: الأولى.

42 -

نصب الراية لأحاديث الهداية للإمام الزيلعي. مطبوعات المجلس العلمي. ط: الثانية 1393هـ.

43 – نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي للدكتور أحمد الريسوني. المعهد العالي للفكر الإسلامي. ط: الرابعة 1416هـ.

ص: 152

المنصوب على نزع الخافض في القرآن

إعداد

الدكتور إبراهيم بن سليمان البعيمي

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، أنزل القرآن الكريم علىعبده الأمين، هدى وبشرى للمؤمنين، وجعله محفوظاً إلى يوم الدين، وصلّى الله وسلّم على رسوله المصطفى، أفصح من نطق بالضاد، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين، الذين حملوا شعلة الدين، وبلّغوا الأمانة كما احتملوها رضي الله عنهم أجمعين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.

أمَّا بعد، فإن القرآن الكريم معين لا ينضب، والدرس فيه مبارك، ودارسه موفّق، كتبْتُ فيما مضي بحثين في النحو أولهما: المنصوب على التقريب، وثانيهما ما تمِّم من الأفعال الناسخة في القرآن، وكان مدار هذينك البحثين القرآن الكريم: دراسة وتطبيقاً، فأحببت أن ينتظم العقد بحثاً ثالثاً هو:(المنصوب على نزع الخافض في القرآن جمعاً ودراسة) ولعليّ - إن كان في العمر فسحة - أكمل العقد ببحوث نحوية وصرفية يكون مجالها التطبيقي القرآن الكريم كالتقاء الساكنين، والتنازع، وأثر المجاورة، والاستثناء المنقطع، وأحكام حتّى، وغيرها مما هو مدوّن لديّ في جذاذات تنتظر الإخراج.

في كثير من القراءات القرآنية أسرار دفينة، وأحكام نحوية وصرفية، إبرازها خير من اللهاث خلف شاهد شعريٍّ، تضطرب روايته عند التمحيص، فخير الأعمال ما كان في خدمة كتاب الله الكريم يبارك الله فيها ونسأله أن تكون شاهدة لنا لا علينا بمنه وكرمه، وأن يجعلها في موازين أعمالنا يوم الحساب.

ص: 153

هذا البحث لم يتأتَّ لي سهواً رهواً، وإنما أخذت أنقِّب عن مادته العلمية بحثاً عن شاهد في بطون كتب النحو، والتفسير، وإعراب القرآن، والقراءات، والمعاجم اللغوية، وغيرها كثير، ككتاب (دراسات لأسلوب القرآن الكريم) للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله، إذ أفدت منه كثيراً في الشواهد، ومعجم الأدوات والضمائر في القرآن، والمعجم المفهرس لألفاظ القرآن، كما تتبّعت الأفعال اللازمة في القرآن، أدرس ما عُدّي منها، فإن كانت تعديته بنزع الخافض ادَّخرته، وإن كان معدَّى بغير ذلك من طرق التعدية المعروفة اطَّرحته، ولم أدرجه في بحثي، ومن خلال التنقيب والبحث رأيت أن المادة العلمية جديرة بإفرادها في بحث مستقل، استهللته بالحديث عن نزع الخافض: تعريفه، وأحكامه، وقياسيته، والفرق بين نزع الخافض والتضمين، فكان فصلاً، ثم درست نزع الخافض في القرآن في الفصل الثاني، فما كان منه قياسياً اكتفيت بأمثلة تجلّيه وتوضِّحه، دون استقصاء وحصر لجميع ما جاء منه في القرآن، لأن البحث ليس معجماً للقرآن، وما كان غير قياسي فإنني أحرص علىالاستقصاء والتحرّي، فإن فاتني منه شيء فالكمال لله.

ولا يخفى أن وجه الشاهد في بعض الآيات المستشهد بها يكون مرجوحاً، أو يكون القول به غير واضح الدلالة، أو ينازعه التضمين، فأورده، وأورد معه الوجه الأرجح، استيفاءً لما قيل في الآية، وخروجاً من لائمة التقصير، فإن قيل إن نزع الخافض في غير مواطنه القياسية موقوف على السماع، ولا تحمل الشواهد القرآنية إلا على المسائل القياسية، فأقول: إن الأئمة من النحاة والمفسرين والمعربين للقرآن أكثروا من القول بنزع الخفض في غير مواطن القياس، وارتضوه في آيات كثيرة، ومن الخير عدم الشذوذ عنهم، والتعسُّف في توجيه تلك الشواهد فراراً من القول بنزع الخافض، ولكن يقال هذه شواهد تحفظ ولا تتخذ قياساً.

ص: 154

والناظر في كتب التفسير، وكتب إعراب القرآن، يلحظ كثرة اختلاف النحويين في إعراب الآيات القرآنية، ومردّ ذلك - والله أعلم - إلى أسلوب القرآن المعجز، فالبشر لا يستطيعون الإحاطة بكلِّ مراميه ومقاصده، فاحتمل كثيراً من المعاني، والوجوه التي نشأ عنها كمٌّ من التوجيهات النحوية.

هذا وقد اقتضت الدراسة المنهجية الحديثة أن يكون البحث في فصلين انتظما مباحث ومطالب بحسب الحاجة.

المنصوب على نزع الخافض في القرآن (جمعاً ودراسة)

وفيه تمهيد وفصلان:

التمهيد يشتمل على ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: تعدِّي الفعل ولزومه.

المسألة الثانية: علامات تعدِّي الفعل ولزومه.

المسألة الثالثة: تعلّق الجار والمجرور.

الفصل الأول: دراسة نزع الخافض.

وانتظم مباحث:

المبحث الأول: تعريف المصطلح.

المبحث الثاني: أحوال نزع الخافض في العربية.

المبحث الثالث: حكم منزوع الخافض.

المبحث الرابع: المنصوب بعد (ما) الحجازية.

المبحث الخامس: نزع الخافض والتضمين.

الفصل الثاني: المنصوب على نزع الخافض في القرآن.

وتحته مباحث:

المبحث الأول: نزع الخافض قياساً في القرآن وتحته مطالب:

المطلب الأول: دراسة أنَّ وأنْ بعد نزع الخافض.

المطلب الثاني: نزع الخافض من أنَّ وأنْ في القرآن.

المطلب الثالث: دراسة كي في اللغة.

المطلب الرابع: كي في القرآن.

المبحث الثاني: نزع الخافض سماعاً في القرآن.

وفيه مطالب:

المطلب الأول: نزع الخافض من المفرد.

المطلب الثاني: دراسة التعليق والجُمل التي بعده.

المطلب الثالث: نزع الخافض من الجملة المعلّقة في القرآن.

الطلب الرابع: المفعول الثاني منصوب على نزع الخافض.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا، ويسدد خطانا، ويبارك لنا في أعمالنا إنه سميع مجيب.

تمهيد

ص: 155

من أراد أن يقرأ بحثاً في نزع الخافض فلا بدَّ له بادئ ذي بدء أن يقف على معنى التعدي واللزوم ويلمَّ بأحكامهما، ويعرف علاماتهما، ومعنى تعلقهما بالفعل أو ما فيه رائحة الفعل، ليدرك بنفسه الأفعال المتعدية أصالة، والأفعال التي تعدت بسبب نزع الخافض منها، وذلك لتكون أحكامه بعدئذٍ دقيقة موافقة للقواعد التي وضعها علماء العربية في هذا الشأن، ولهذا رأيت أن أتحدث عن هذه المعاني تمهيداً للبحث، فجاءت في ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: تعدّي الفعل ولزومه

للفعل في العربية تقسيمات كثيرة: من حيث الصحة والاعتلال، ومن حيث التمام والنقصان، ومن حيث التجرد والزيادة، ومن حيث التعدي واللزوم ومن حيث الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، ومن حيث الأبنية، وغير ذلك مما هو مبسوط في علم التصريف.

ويخصنا هنا تقسيمه من حيث التعدي واللزوم فنقول: الفعل ضربان: متعدٍّ، ولازم.

فالمتعدّي: هو المتجاوز يقال عدا فلان طورَه أي: جاوزه، وعند النحاة هو: تجاوز الفعلِ الفاعلَ إلى مفعول به أو أكثر.

وهو يصل إلى المفعول به بدون واسطة حرف جرّ، ويسمّى متعدياً بنفسه، وواقعاً، ومتجاوزاً، وإنما سمّي بهذه الأسماء، لأنه تعدّى الفاعلَ إلى المفعول به، وتجاوزه إليه، ووقع عليه فعل الفاعل.

ولازم: وهو الذي لا يصل إلى المفعول به إلا بواسطة حرف جرّ ويسمّي أيضاً قاصراً، أومتعدياً بحرف جرِّ، وسمّي بهذه الأسماء للزومه فاعلَه فلم يتعدَّه إلى سواه، ولم يتجاوزه إلى غيره، واللازم ينصب ما سوى المفعول به من المفاعيل وأشباهها نحو: جلست آمناً جلوساً أمامَ المسجد يومَ الخميس وزيداً.

ص: 156

وفي العربية أفعال كثيرة استعملت متعدية ولازمة منها: غاض الماءُ، وغضته، وفَغَرَ الرجلُ فاه، وفَغَرَ فوه، وكسفتِ الشمسُ، وكسف اللهُ الشمسَ، ودَلَعَ لسانُه، ودَلَعَ الرجلُ لسانَه، وهي كثيرة جاء منها في القرآن قوله تعالى:{ما يَأْتيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رّبِّهم مُّحْدَثٍ إلَاّ اسْتَمَعوهُ وَهُمْ يَلْعَبونَ} وقال تعالى: {وَإذا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعوا لَهُ وَأَنْصِتوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1)

المسألة الثانية: علامات تعدّي الفعل ولزومه.

وضع النحاة علامات يُستدلُّ بها على معرفة اللازم من المتعدّي، وهي: صحة اتصال ضمير المفعول به بالفعل، ومجيء اسم مفعول تامٍّ منه، نحو القطار ركبته وهو مركوب، واللازم لا يجيء منه ذلك إلا بواسطة حرف الجرّ نحو الكرسي جلست عليه وهو مجلوس عليه.

وجعلوا للازم علامات يُستدلّ عليه بها، من هذه العلامات: كونه من أفعال السجايا، أو العوارض، أو يدلّ على نظافة، أو ضدها، ومطاوع المتعدي لواحد، وذكر ابن عصفور أنَّ من علامات اللازم ألَاّ يصحَّ السؤال عنه بأيِّ شيء وقع، نحو:(قام) و (جلس)، إذ لا يقال: بأيِّ شيء وقع قيام زيد؟، ولا بأيِّ شيء وقع جلوس بكر؟ ، وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب النحو قال ابن مالك في علامة المتعدّي:

علامة الفعل المعدّى أن تصل

ها غير مصدر به نحو عمل

وزاد في شرح التسهيل: "أن يصاغ منه اسم مفعول تام باطراد".

واعترض عليه الشاطبيّ والدماميني باعتراضات منها:

أوّلاً: أن من الأفعال العربية ما يتعدّى بنفسه تارة، وبحرف الجرّ تارة أخرى، نحو شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، ومثل هذه الأفعال تكون داخلة تحت قاعدته وخارجة عنها في آنٍ واحد بحسب الاستعمال، ومثل هذه الأفعال تكون مشكلة، والقواعد يستلزم فيها أن تكون حاصرة.

وأجيب عن هذا الاعتراض بأن باب شكرت له وشكرته موقوف علىالسماع، والحديث عمَّا ينقاس.

(1) الأنبياء: 2 0

ص: 157

ثانياً: أن العرب تتوسع في المتصرف من ظروف الزمان والمكان، فتلحق الفعل ضميراً يعود على أحدهما، كقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ َ} ، وكذلك يقال: يوم الجمعة سرته، ومكانكم قمته، وكلّ هذا على إجراء الظرف مجرى المفعول به مجازاً، ولا يقال: إن الضمير هنا ضمير مفعول به، ولكن يصح أن يقال: إن هذه الضمائر ليست ضمائر مصدر.

وأجيب عن هذا الاعتراض: بأن التوسع في الظروف مجاز على خلاف الأصل، والأصل ألاّ يصل الفعل إلى ضمير الظرف إلا بواسطة حرف الجر، والضوابط تكون بحسب الأصل، لا بحسب التوسع المجازي.

ثالثاً: أن الأفعال المتعدية في العربية ثلاثة أقسام: قسم يتعدى بنفسه، وقسم يتعدى بواسطة حرف الجرّ وهوما يطلب المجرور على جهة اللزوم كممرت به ورغبت فيه وعجبت منه، وقسم يتعدى مرة بنفسه ومرة بحرف الجرّ كما سبق في شكرته، وشكرت له.

والضابط الذي ذكره ابن مالك قد أخرج من أقسام المتعدى القسم الثاني، وهو ما يطلب المجرور على جهة اللزوم، وساوى بينه وبين ما لايطلب المجرور على جهة اللزوم، كقام وقعد، فطلب هذه للمجرور- إن وُجد - لا يسمّى تعدياً وإنما يسمّى تعلُّقاً.

وأجيب بأن من سمّى المجرور متعدَّى إليه فهذا اصطلاح خاص به ولا مشاحة في الاصطلاح.

رابعاً: أن هذا الضابط دوريٌّ، إذ تتوقف فيه معرفة اسم المفعول التام على معرفة الفعل المتعدّي، وبالعكس، وكذلك تتوقف معرفة المتعدي على صحة اتصال ضمير المفعول به بالفعل، ويتوقف تمييز ضمير المفعول به عن غيره من الضمائر، على معرفة كون الفعل متعدياً، فجاء الدور0

وأجيب عن هذا الاعتراض بأن المقصود التمييز وليس الحدُّ.

خامساً: أن العرب تنصب الاسم على نزع الخافض، كـ (تمرون الديار) والمنزوع الخافض مفعول به، والفعل في مثل هذا لايصح أن يتصل به ضمير المفعول به.

وأجيب بأن منزوع الخافض بابه ضرورة الشعر، أو الشذوذ، ولاتحمل القواعد على الضرائر والشذوذ.

ص: 158

المسألة الثالثة: تعلق الجار والمجرور:

معنى التعلق: هو الارتباط المعنوي بين الحدث وشبه، الجملة بحيث لا يكتمل معنى أحدهما إلا بالآخر، ولا يتعلّق من حروف الجر إلا ما كان أصلياً فقط، وتكتفي أشباه الجمل في التعلّق بما فيه رائحة الفعل، وفي تعلّق الظرف والمجرور بالناقص، والجامد، وأحرف المعاني خلاف فإذا وصل اللازم إلى المفعول به بواسطة حرف الجر تعلّق به الجار والمجرور.

ويفرّق الشاطبي بين التعلّق، والتعدّي بالحرف فيقول:"إن التعدّي يطلق حيث يكون الفعل طالباً لحرف الجر على اللزوم كمررت بزيدٍ وعجبت من فعله ورغبت في الخير، فإن مثل هذه الأفعال في طلبها للمجرور كالمتعدّي بالنسبة إلى المفعول، والتعلّق حيث يكون لا يطلبه على اللزوم بل بالنسبة إلى القصد في الكلام كذهبت معك وقعدت في منزلك وانطلقت إليك، فإن هذه الأفعال إنما تطلبه بحسب ما طلبته مقاصد الكلام، فتقول مرّة: انطلقت من عندك، وتارة: انطلقت معك، وتارة انطلقت إليك، وتارة: انطلقت بسببك، ولأجلك، ومن جرَّائك، وتقول مرّة: انطلقت لاغير فلا تُعَدِّيه، ولا يطلب شيئاً، وفرق بين فعل يطلب الحرف الجار من جهة وضعه، وفعل يطلبه من حيث هو مقصود في الكلام".

الفصل الأول: دراسة نزع الخافض:

وفيه مباحث:

المبحث الأول: تعريف المصطلح:

مادة: (نزع) تدلّ على القلع والإزالة يقال: نزع النجارُ المسمارَ فهو منزوع بمعنى اقتلعه، ونزع الأميرُ العاملَ عن عمله أزاله قال ابن منظور:"نزع الشيءَ يَنْزِعُه نزْعاً فهو منزوع، ونزيع، وانتزعه فانتزع اقتلعه فاقتلع. ونزع الأميرُ العاملَ عن عمله أزاله وهو على المِثْل، لأنه إذا أزاله فقد اقتلعه وأزاله"، وفرّق سيبويه بين (نزع) و (انتزع) فقال:"وأما انتزع فإنما هي خطفةٌ كقولك استلب، وأما نزع فإنه تحويلك إياه وإن كان على نحو الاستلاب".

ص: 159

وللصبَّان تعليل آخر إذ يقول:"وإنما سمّيت حروف الجر، إما لأنها تجرُّ معاني الأفعال إلى الأسماء، أي: توصلها إليها، فيكون المراد من الجرّ المعنى المصدري، ومن ثَمّ سمّاها الكوفيون حروف الإضافة، لأنها تضيف معاني الأفعال أي: توصلها إلى الأسماء، وإما لأنها تعمل الجرَّ فيكون المراد بالجرّ الإعراب المخصوص".

المبحث الثاني: أحوال نزع الخافض في العربية:

لحذف حرف الجرّ في العربية ثلاث حالات:

الأولى: أن يحذف قياساً مطّرداً - فيصير الفعل متعدّياً - وذلك مع الأحرف المصدرية (أنّ وأن) - وزاد ابن هشام: (كي) -، لطول الصلة، ولأن حرف الجر لم يظهر له تأثير في العمل، والحذف هنا مشروط بأن يتعيّن الحرف عند حذفه نحو: عجبت أن يفوز مهمل، أي من أن يفوز مهمل، أمّا إن لم يتعيّن الحرف فابن مالك وكثير من النحاة يمنعون الحذف، لأنه يؤدّي إلى لبس نحو: رغبت أن تذهب، إذ لا يعلم المراد بالرغبة (فيها أم عنها)، ويشكل على هذا قوله تعالى:{وَتَرْغَبونَ أَنْ تَنْكِحوهُنَّ} إذ يصحّ أن تكون الرغبة في نكاحهنّ لجمالهنّ، ويصح أن تكون الرغبة عن نكاحهنَّ لدمامتهنّ، وأجيب عن هذا الإشكال بجوابين:

أحدهما: أن يكون حذف الحرف اعتماداً على القرينة الرافعة للبس وبه قال المرادي نقلاً عن أبي حيّان في منهج السالك، والذي في منهج السالك:"ويطّرد حذف حرف الجرّ من أنّ وأن إذا أمن اللبس فلا يجوز رغبت أن تقعد، لأنه ملبس، إذ يحتمل أن يكون المعنى رغبت في أن تقعد، ويحتمل أن يكون رغبت عن أن تقعد، فإن زال اللبس وتعيّن حرف الجر جاز ذلك نحو قول: {وَتَرْغَبونَ أَنْ تَنْكِحوهُنَّ} ".

وثانيهما: أن يكون حذف الحرف لمعنى بلاغي وهو قصد الإبهام ليرتدع بذلك الطامع والمعرض.

ص: 160

واختلف في محل (أنَّ) و (أن) عند حذف حرف الجر المطّرد حذفه معهما فقيل: محلّهما نصبٌ، قياساً على الاسم الصريح، ونُسب للخليل وإليه ذهب الفراء والمبرّد وعزاه ابن مالك - متابعاً ضياء الدين بن العلج - إلى سيبويه، وصححه، وقيل محلّهما جرٌّ ونُسب للكسائي، ومال إليه السيرافي، واستدلوا بقول الشاعر:

وَما زُرْتُ لَيْلى أَنْ تَكونَ حَبيبَةً

إليَّ وَلا دَيْنٍ بِها أَنا طالِبُهْ

بجر (دينٍ) عطفاً على محل: (أن تكون) إذ أصله (لأن تكون) .

وأجاز الزجاج الوجهين، وهو ظاهر مذهب سيبويه قال: "وسألت الخليل عن قوله جلّ ذكره: {وَأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَّاحِدَةً وَّأَنا رَبُّكُمْ فَاتَّقونِ} فقال إنما هو على خذف اللام كأنه قال: ولأنَّ هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون، وقال: ونظيرها: {لإيْلافِ قُرَيْشٍ} ،لأنه إنما هو: لذلك {فَلْيَعْبُدُوا} ، فإنْ حذفْتَ اللامَ من (أنَّ) فهو نصب، كما أنك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً هذا قول الخليل. ولو قال إنسان: إنَّ (أنّ) في موضع جرٍّ في هذه الأشياء، ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجار كما حذفوا ربَّ في قولهم:

وَبَلَدٍ تَحْسَبُهُ مَكْسوحا

لكان قولاً قويّاً وله نظائر نحو قوله: لاهِ أبوك. والأوَّل قول الخليل".

الحالة الثانية: حذف جائز في سعة الكلام: المنثور والمنظوم، فيما سمع من أفعال استعملها العرب مرة متعدية بنفسها، وتارة بحرف الجرّ، مع الاتحاد في اللفظ والمعنى وهي:"شكر، ونصح، ووزن، وكال يكيل، يقال: شكرت له وشكرته، ونصحت له ونصحته، ووزنت له ماله ووزنته ماله، وكلت لزيد طعامه وكلته طعامه، وكذلك: اختار وأمر يقال اخترت زيداً قومَه واخترت زيداً من قومه، وأمرتك الخيرَ، وأمرتك بالخير"قال الشاعر:

أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ ما أُمِرْتَ بِهِ

فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذا مالٍ وذا نَشَبِ

ص: 161

وهذه الأفعال موقوفة على السماع، قال ابن مالك:"ومأخذ هذا النوع السماع" وسمّاها المتعدية بوجهين.

واختلف النحاة في أصالة هذه الأفعال التي تتعدّى مرة بنفسها ومرة بحرف الجرّ فذهب فريق: منهم ابن عصفور وأبو حيّان إلى أنَّ كلّ واحد منهما أصل برأسه، وليس أحدهما متفرعاً من الآخر، وذهب فريق ثانٍ منهم الشَّلَوْبين الصغير إلى أن الأصل في هذه الأفعال التعدي بنفسها، فإن دخل على المفعول حرف جرّ فهو زائد، وذهب ابن درستويه إلى أن الفعل (نصح) يتعدّى إلىمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر، وأنكر الكسائي أن يقال: شكرتك ونصحتك ويرى أنَّ الصواب أن يقال: "شكرت لك ونصحت لك"وقال: هذا كلام العرب وقال الفراء: "العرب لا تكاد تقول شكرتك، إنما تقول شكرت لك، ونصحت لك، ولايقولون نصحتك، وربّما قيلتا"

وأجاز الأخفش الصغير: أن يُحكم باطراد حذف حرف الجر، والنصب فيما لا لَبْسَ فيه إذا كان الفعل يتعدّى إلى اثنين أحدهما بنفسه والآخر بواسطة حرف الجرّ، إنْ تعيّن الحرف، وتعين موضعه، كقول الشاعر:

تَحِنُّ فَتُبْدي ما بِها مِنْ صَبابَةٍ

وَأُخْفي الَّذي لَوْلا الأُسى لَقَضانِي

قال ابن مالك: "والصحيح أن يتوقف فيه على السماع".

الحالة الثالثة: حذف سماعي مخصوص بالضرورة كقول الشاعر:

يُشَبَّهونَ سُيوفاً في مَضائِهِمُ

وَطولِ أَنْضِيَةِ الأعْناقِ والأَمَمِ

أي: يشبّهون بسيوف، وقول الآخر:

كَأَ نِّيَ إذْ أَسْعى لأظْفَرَ طائِراً

مَعَ النَّجْمِ في جَوِّ السَّماءِ يُصَوِّبُ

أي: لأظفر بطائرٍ، وقول الآخر:

لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ

فيهِ كَما عَسَلَ الطَّريقَ الثَّعْلَبُ

أي: كما عسل في الطريق، وقول الآخر:

تَمُرّونَ الدِّيارَ وَلَمْ تَعوجوا

كَلامُكُمُ عَلَيَّ إذن حَرامُ

أي: تمرون بالديار، وقال الآخر:

أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ

رَبَّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ

ص: 162

أي: أستغفر الله من ذنب، وقال الآخر:

آلَيْتُ حَبَّ العِراقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ

وَالحَبُّ يَأْكُلُهُ في القَرْيَةِ السّوسُ

أي: آليت على حبِّ العراق، وقال الآخر:

فَبِتُّ كَأَنَّ العائِداتِ فَرَشْنَنِي

هَراساً بِهِ يُعْلى فِراشي وَيُقْشَبُ

يريد: فرشن لي، وقول الآخر:

مِنَّا الّذي اخْتيرَ الرِّجالَ سَماحَةً

وَخَيْراً إذا هَبَّ الرِّياحُ الزَّعازِعُ

أي: اختير من الرجال.

هذا مع نصب الاسم بعد حذف الجار.

وقد يحذف الجار ويبقى عمله، ولا خلاف في شذوذ الإعمال حينئذٍ ومنه قول الآخر:

إذا قيلَ أيٌّ النّاسِ شَرٌّ قبيلةً

أَشارَتْ كُلَيْبٍ بِالأكُفِّ الأصابِعُ

بجرِّ (كليبٍ) أي: أشارت إلى كليب فحذف الجار، وأبقى عمله شذوذاً، وكقول الشاعر:

وَكَريمَةٍ مِنْ آلِ قَيْسَ أَلِفْتُهُ

حَتَّى تَبَذّخَ فَارْتَقى الأعْلامِ

بجر (الأعلام) أي: فارتقى في الأعلام.

قال ابن مالك: "ومن بقاء الجرّ بالحرف المحذوف قوله عليه الصلاة والسلام:"صلاة الرجل في الجماعة تضعَّف علىصلاته في بيته وفي سوقه خمسٍ وعشرين ضعفاً" قال: أي بخمسٍ.

قال ومنه قوله عليه السلام:"فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين صلاة"قال: "أي بسبعين صلاة".

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ عِنْدَهُ طَعامُ اثْنَينِ فَلْيَذْهَبْ بِثالِثٍ، وَإنْ أَرْبَعَةٍ فَخامِسٍ أَوْ سادِسٍ" وقدّر ابن مالك المحذوف هنا: "وَإنْ قامَ بِأَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخامِسٍ أَوْ سادِسٍ".

المبحث الثالث: حكم منزوع الخافض:

منزوع الخافض يجب نصبه، نص على ذلك الأئمة من النحاة قال الشاطبي شارحاً قول الناظم:

وعدّ لازماً بحرف جرَّ

وإن حُذِفْ فالنصب للمنجرّ

نقلا ً...............

ص: 163

"يعني: أنَّ الحرف إن حذف فلا بدّ للمنجر به من النصب، فيصير الفعل متعدّياً بنفسه بالعَرَضِ كالمتعدّي بحق الأصل، وذلك لأنه إذا تعلّق به فقد صار موضعه نصباً، ولذلك تقول مررت بزيدٍ وعمراً فتعطف على موضعه نصباً".

واختلف في عامل النصب حينئذٍ، فذهب الكوفيون إلى أن العامل هو نزع الخافض، وقال البصريون العامل هو الفعل نفسه قاله الصبان.

المبحث الرابع: المنصوب بعد (ما) الحجازية:

(ما) : حرف نفي غير مختص، يدخل على الجمل الاسمية نحو: ما محمد قائماً، وعلى الجمل الفعلية نحو: ما قام محمد، ومن حق الحرف غير المختص الإهمال، ولكن الحجازيين أعملوا (ما) عمل ليس فيرتفع المبتدأ بعدها على أنه اسم لها، وينتصب الخبر على أنه خبر لها، وأهمل إعمالها التميميون.

واختلف البصريون والكوفيون في ناصب الخبر بعدها، فذهب البصريون إلى أن ناصب الخبر هو:(ما) نفسها حملاً لها على ليس، وذهب الكوفيون إلى أن الخبر منصوب على نزع الخافض، والأصل جرّه بالباء، قال الفراء في قوله تعالى:{مَا هَذَا بَشَراً} :"نصبت {بَشَراً} ، لأن الباء قد استعملت فيه، فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء، فلما حذفوها أحبّوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك) ، وقال ابن مالك:"وزعم الكوفيون أنّ (ما) لا عمل لها، وأنَّ نصب ما ينتصب بعدها بسقوط الباء. وما قالوه لا يصحّ، لأن الباء قد تدخل بعد هل، وبعد ما المكفوفة بـ (إنْ) ، وإذا سقطت الباء تعين الرفع بإجماع، فلو كان سقوط الباء ناصباً لنصبه في هذين الموضعين، ومثل تعين الرفع في هذين الموضعين عند سقوط الباء تعينه عند سقوطها في نحو كفى بزيد رجلاً، وبحسب عمرو درهمٌ، وتعينه عند سقوط من في نحو: ما فيه من رجل".

المبحث الخامس: نزع الخافض والتضمين:

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: دراسة التضمين:

ص: 164

البحث في التضمين يطول لمن أراد أن يستوفي البحث حقه، والكلام فيه تتنازعه الحقيقة والمجاز، والنحو والبلاغة، ولكني سأُلم به في هذه العجالة، مشيراً إلى أهم ما دون فيه من بحوث، لمن أراد الوقوف على التفاصيل فأقول:

التضمين: من مصطلحات النحو والبلاغة والعروض.

وهو عند أهل اللغة: مصدر ضمّن يضمِّن تضميناً، كعلّم يعلِّم تعليماً، ويريدون به: إيداع شيء شيئاً، يقال: ضمّنت الميّت القبر، أودعته إياه، وكلُّ شيء أُحرز فيه شيء فقد ضُمِّنَهُ، وبمعنى غَرِمَ يقال: ضمَّنته الشيء فَضَمِنَهُ، غرَّمته إياه، وضَمِنَه عنّي، التزم الغرم ومنه الغريم، لأنه ضامن، فعيل بمعنى فاعل.

والتضمين عند البلاغيين هو: "استعارة الشاعر كلاماً من غيره، وإدخاله في شعره" ومثاله قول الشاعر:

لئنْ أَخْطَأْتُ في مَدْحيـ

ـكَ ما أَخْطَأْتَ في مَنْعي

لَقَدْ أَنْزَلْتُ حاجاتي

بِوادٍ غَيْرِ ذي زَرْعِ

فضمَّن بيته قوله تعالى: {بِوادٍ غَيْرِذي زَرْعِ} من الآية 37 من سورة إبراهيم.

وعند العروضيين هو:"تعلُّق قافية البيت الأول بالبيت الثاني) وهم يعدونه من عيوب الشعر.

قال الشاعر:

يا ذا الَّذي في الحُبِّ يَلْحى أَما

تَخْشى عِقابَ اللهِ فينا أَما

تَعْلَمُ أنَّ الحُبَّ داءٌ أَما

وَاللهِ لَوْ حُمِّلتَ مِنْهُ كما

حُمِّلْتُ مِنْ حُبِّ رَخيمٍ لَما

لُمْتَ عَلى الحُبِّ فَذَرْني وَما

أَطْلُبُ إنِّي لَسْتُ أَدْري بِما

قُتِلتُ إلَاّ أّنَّني بَيْنما

أَنا بِبابِ القَصْرِ في بَعْضِ ما

أَطْلُبُ مِنْ قَصْرِهِمْ إذْ رَمى

شِبْهُ غَزالٍ بِسِهامٍ فَما

أَخْطَأَ سَهْماهُ وَلَكِنَّما

عَيْناهُ سَهْمانِ لَهُ كُلَّما

أَرادَ قَتْلِي بِهِما سَلَّما

فكل بيت من هذه الأبيات تعلقت قافيته بالبيت اللاحق له.

ص: 165

وهو في اصطلاح النحاة: يدور حول المعنى اللغوي، إذ يعرفه ابن هشام بقوله:"قد يُشرِبون لفظاً معنى لفظ آخر فيعطونه حكمه" ويقول، الشريف الجرجاني:"أن يقصد بلفظ معناه الحقيقي، ويلاحظ معه معنى فعلٍ آخر يناسبه، ويُدَلُّ عليه بذكر شيء من متعلقاته" ويقول الأشموني: "إشراب اللفظ معنى لفظ آخر، وإعطاؤه حكمه لتصير الكلمة تؤدِّي مؤدَّى الكلمتين" ويرى الصبان أن الأولى أن يقال: "التضمين إلحاق مادة بأخرى في التعدِّي واللزوم، لتناسب بينهما أو اتحادٍ".

ويرى بعض العلماء: أن التضمين النحوي من أبواب المجاز وليس من باب الحقيقة، وما سمع منه يحمل على التجوُّز في اللفظ كابن السِّيْد البَطَلْيَوْسي في قوله:"اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدّى بحرف جرٍّ، والثاني بحرف جرٍّ آخر، فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع الآخر، مجازاً وإيذاناً بأن هذا الفعل في معنى الآخر"، ويرى آخرون أنه من باب الحقيقة، وليس فيه مجاز، لأن كلاًّ من المعنيين مقصود لذاته، بخلاف المجاز الذي يكون القصد فيه لازم المعنى، كالزمخشري، والشريف الجرجاني، وسعد الدين التفتازاني، ومنهم من يرى فيه جمعاً بين الحقيقة والمجاز وعليه العز بن عبد السلام في كتابه مجاز القرآن.

والتضمين: يقع في ثلاثة أبواب نحوية هي: باب الأسماء المبنية، وباب التعدّي واللزوم، وباب حروف المعاني.

وكما اختلفوا فيه بين الحقيقة والمجاز، تنازعوا كذلك في قياسية التضمين من عدمها على ثلاثة مذاهب:

فريق يرى أن التضمين سماعيّ لا قياسي، وإنما يُلجأ إليه عند الضرورة، أمَّا إن أمكن إجراء اللفظ على مدلوله فهو أولى.

وذهب فريق ثانٍ: إلى القول بإطلاق القياس في التضمين دون قيود.

وتوسط فريق ثالث: فأجاز التضمين في الأفعال بشروط ثلاثة:

أ- تحقق المناسبة بين الفعلين.

ب- وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس.

ج- ملاءمة التضمين للذوق العربي.

ص: 166

المطلب الثاني: الفرق بين التضمين ونزع الخافض:

أوّلاً: من الناحية البلاغية: التضمين أبلغ من نزع الخافض، لأن الفعل المضمَّن معنى فعل آخر يؤدِّي المعنيين في وقت، واحد أحدهما أصالة، والآخر تضميناً، فيكون أبلغ في تأدية المعنى المراد، أما نزع الخافض فهو: حذف وإيصال فقط، وليس فيه معنى زائد عن المعنى الأصلي، وهذه المسألة تنبَّه لها ابن القيم فقال في معرض رده على من يرى أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض:"ظاهرية النحاة يجعلون أحد الحرفين بمعنى الآخر، وأمَّا فقهاء أهل العربية، فلا يرتضون هذه الطريقة، بل يجعلون للفعل معنى مع الحرف، ومعنى مع غيره، فينظرون إلى الحرف وما يستدعي من الأفعال، فيُشربون الفعل المتعدِّي به معناه، هذه طريقة إمام الصناعة سيبويه رحمه الله تعالى، وطريقة حذاق أصحابه، يضمّنون الفعل معنى الفعل، لا يقيمون الحرف مقام الحرف، وهذه قاعدة شريفة جليلة المقدار تستدعي فطنة ولطافة في الذهن، وهذا نحو قوله تعالى: {عَيْناً يَّشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ} فإنهم يضمنون: (يَشْرَبُ) معنى (يَرْوَى) فيعدونه بالباء التي تتطلَّبها، فيكون في ذلك دليل على الفعلين، أحدهما بالتصريح والثاني بالتضمين، والإشارة إليه بالحرف الذي يقتضيه مع غاية الاختصار، وهذا من بديع اللغة، ومحاسنها، وكمالها. وهذا أحسن من أن يقال: يشرب منها، فإنه لا دلالة فيه على الرِّيِّ، وأن يقال يروى بها، لأنه لا يدلّ على الشُّرب بصريحه بل باللزوم، فإذا قال يشرب بها دلّ على الشرب بصريحه، وعلى الرِّيّ بالباء فتأمله".

ص: 167

ثانياً: من الناحية الإعرابية: الفعل اللازم الذي يصل إلى المفعول به بواسطة حرف الجر هو متعدّ بالواسطة، والجار والمجرور بعده في محل نصب، والدليل على ذلك أنه لو عطف على المجرور لنصب المعطوف يقال: مررت بزيد وعمراً بالنصب، قال الشاطبي:"إنَّ الحرف إنْ حُذف فلا بد للمنجر به من النصب، فيصير الفعل متعدياً بنفسه بالعرض كالمتعدي بحق الأصل، وذلك لأنه إذا تعلق به الجار فقد صار موضعه نصباً، ولذلك تقول: مررت بزيد وعمراً فتعطف على موضعه نصباً" فمنزوع الخافض انتصب بالعَرَض الذي طرأ عليه لا بسبب تحمُّل فعله معنى لم يكن فيه ذلك المعنى من ذي قبل، أما التضمين، فلأن الفعل قد ضُمّن معنى آخر لم يكن فيه ذلك المعنى من ذي قبل، فيأخذ معنى جديداً مع بقاء المعنى الأصلي للفعل فهو جمع بين معنيين معنى أصلي، ومعنى تضمني، وبسبب المعنى التضمنى تعدى الفعل لا بسبب نزع الخافض.

الفصل الثاني: المنصوب على نزع الخافض في القرآن:

وتحته مباحث:

المبحث الأوّل: نزع الخافض قياساً في القرآن:

وفيه مطالب:

المطلب الأول: دراسة أنّ وأنْ بعد نزع الخافض:

يري فريق من العلماء أنَّ: (أنَّ وأنْ) بعد حذف الخافض منهما في محلَّ نصب، وذهب فريق إلى القول ببقاء الجر فيهما، واضطرب النقل عن الخليل وسيبويه، فعزى ابن مالك، والأشموني للخليل القول ببقاء الجر فيهما، ولسيبويه القول بأنهما في موضع نصب، واختارا رأي سيبويه، قال الأشموني:"وهو الأقيس"وعلل ابن مالك ذلك بأن بقاء الجر بعد حذف عامله قليل، والنصب كثير، والحمل على الكثير أولى من الحمل على القليل.

والذي في الكتاب يخالف ذلك، قال سيبويه:"هذا باب آخر من أبواب (أنَّ) : تقول: جئتك أنك تريد المعروف، إنما أراد: جئتك لأنك تريد المعروف، ولكنك حذفت اللام ههنا كما تحذفها من المصدر إذا قلت:

وَأَغْفِرُ عَوْراءَ الكَريمِ ادِّخارَهُ

وَأُعْرِضُ عَنْ ذَنْبِ اللئيمِ تَكَرُّما

ص: 168

أي لادّخاره، وسألت الخليل عن قوله جلّ ذكره:{وأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأنا رَبُّكُمْ فَاتَّقونِ} فقال: إنما هو على حذف اللام، كأنه قال: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، وقال ونظيرها:{لإيْلافِ قُرَيْشٍ} لأنه إنما هو لذلك فليعبدوا، فإن حذفت اللام من أن فهو نصب، كما أنك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً، هذا قول الخليل. ولو قال إنسان: إنَّ (أنَّ) في موضع جرٍّ في هذه الأشياء، ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجار كما حذفوا ربّ من قولهم:

وَبَلَدٍ تَحْسَبُهُ مَكْسوحا

لكان وجهاً قوياً وله نظائر نحو قوله: لاهِ أبوك، والأول قول الخليل".

ووَهَّم أبو حيّان ابنَ مالك فيما حكاه عن الخليل.

وكثير من المتأخرين يرجحون نصب المصدر المنزوع الخافض، قال ابن هشام عن حذف حرف الجر: (وقد يحذف وينصب المجرور وهو ثلاثة أقسام: سماعي جائز في الكلام المنثور. وسماعي خاص بالشعر. وقياسي وذلك بعد أنَّ وأنْ وكي"، وقال الأشموني: "إنما اطرد حذف حرف الجر مع أنّ وأنْ لطولهما بالصلة، واختلفوا في محلِّهما بعد الحذف فذهب الخليل والكسائي إلى أنّ محلَّهما جرّ تمسكاً بقوله:

وَما زُرْتُ لَيْلى أنْ تَكونَ حَبيبَةً

إليّ وَلا دَيْنٍ بِها أَنا طالِبُهْ

بجر دين، وذهب سيبويه والفراء إلى أنهما في موضع نصب وهو الأقيس".

المطلب الثاني: نزع الخافض من أنَّ وأن في القرآن:

جاءت آيات كثيرة جداً تحتوي على أحد الحرفين المصدريَّين (أنَّ وأنْ) قال عنها المعربون للقرآن: إنها منزوعة الخافض - ونزع الخافض معهما أمر قياسي عند النحاة -، ولهذا سأكتفي بإيراد أمثلة توضح هذه المسألة دون استقصاء لجميع ما ورد منها في القرآن.

قال تعالى: {وَبَشِّر الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ أنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ} .

أي: بأنَّ لهم جنات.

وقال تعالى: {إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحوا بَقَرَةً} .

ص: 169

أي بأن تذبحوا بقرة.

وقال تعالى: {أَفَتَطْمَعونَ أَنْ يُّؤْمِنوا لَكُمْ} .

أي بأن يؤمنوا لكم.

وقال تعالى: {شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلَاّ هُوَ} .

أي: بأنه لا إله إلا هو.

وقال تعالى: {إذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَلا} .

أي: بأن تفشلا.

وقال تعالى: {قالوا إنَّ اللهِ عَهِدَ إلَيْنا ألَاّ نُؤْمِنَ لِرَسولٍ} .

أي: بألأ نؤمن، أو على تضمين الفعل (عهد) معنى ألزم.

وقال تعالى: {وَتَرْغَبونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} .

أي: في أن تنكحوهنَّ، أو عن أن تنكحوهنَّ.

وقال تعالى: {سُبْحانَهُ أَنْ يَّكونَ لَهُ وَلَدٌ} .

أي: من أن يكون له ولد.

وقال تعالى: {لَنْ يَّسْتَنْكِفَ المَسيحُ أنْ يَّكونَ عَبْداً للهِ} .

أي: من أن يكون عبداً لله، أو عن أن يكون عبداً لله.

وقال تعالى: {وَبَشِّر الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} .

أي: بأنَّ لهم قدم صدق.

وقال تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكونَ مِنَ المُؤْمِنينَ} .

أي: بأن أكون من المؤمنين.

وقال تعالى: {مالَكَ ألَاّ تَكونَ مَعَ السّاجِدينَ} .

أي: من أن تكون، أو في أن تكون.

المطلب الثالث: دراسة كي في اللغة:

جاءت (كي) في اللغة على أربعة أضرب: منها وجه واحد سماعي، والثلاثة الباقية قياسية.

الضرب الأول السماعي::اسم مختصرمن كيف، كما اُختصر (سَوْ) من (سوف)، قال الفراء:"سمعت بيتاً حذفت الفاء فيه من كيف قال الشاعر:

مَنْ طالِبينَ لِبُعْرانٍ لَنا رَفَضَتْ

كَيْ لا يُحِسُّونَ مِنْ بُعْرانِنا أَثَرا

أراد كيف لا يحسون".

قال ابن مالك: "وإن ولي (كي) اسم، أو فعل ماض، أو مضارع مرفوع عُلم أن أصلها (كيف) حذفت فاؤه".

وقال ابن يعيش: "في (كيف) لغتان: (كيف وكي) ".

ص: 170

وأنكر أبو علي الفارسي على الفراء أن تكون (كي) في البيت السابق مرخمة من كيف، وحتَّم أن تكون فيه حرفاً بمعنى اللام، بحجة أن كيف اسم ثلاثي خال من علامة التأنيث، والثلاثي لا يرخم منه إلا ما لحقتة علامة التأنيث، كما أنه نكرة والنكرة لا ترخم، وهو مبني لمشابهته الحروف، والحذف لا يكون في الحروف قال:"وكذلك ينبغي أن لا يكون فيما غلب عليه شبهُها وصار بذلك في حيّزها".

الضرب الثاني وهو قياسي: حرف تعليلي كاللام معنى وعملاً، وذلك إذا وليها (ما) الاستفهامية نحو كيمه؟، أو المصدرية، ويمثل لها النحاة بقول الشاعر:

إذا أنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإنَّما

يُرَجّى الفَتى كَيْما يَضُرُّ وَيَنْفَعُ

أو وليتها اللام ومنه قول:

وَأَوْقَدْتُ ناري كَيْ لِيُبْصَر َضَوْؤُها

وَأَخْرَجْتُ كَلْبِي وَهْوَ في البَيْتِ داخِلُهْ

ونُسب للأخفش أن (كي) لا تكون إلا تعليلية، ولايصح كونها مصدرية، والذي في معاني القرآن لا يحتِّم ذلك، بل يجيز كونها مصدرية، قال:"قوله: {لِيَشْتَروا بِهِ ثَمَناً قَليلاً} فهذه اللام إذا كانت في معنى (كي) كان ما بعدها نصباً على ضمير (أنْ) وكذلك المنتصب بـ (كي) هو أيضاً على ضمير (أن) كأنه يقول للاشتراء فـ (يشتروا) لا يكون اسماً إلا بـ (أن) فـ (أن) مضمرة وهي الناصبة، وهي في موضع جرّ باللام وكذلك:{كَيْ لا يَكُونَ دُوْلَةً} (أن) مضمرة وقد جرّتها كي، وقالوا:(كَيْمَهْ) فـ (مه) اسم، لأنه (ما) التي في الاستفهام وأضاف (كي) إليها.

وقد تكون (كي) بمنزلة (أن) هي الناصبة، وذلك قوله:{لِكَيْ لا تَأْسَوا} فأوقع عليها اللام، ولو لم تكن (كي) وما بعدها اسماً لم تقع عليها اللام"

الضرب الثالث وهو قياسي: حرف مصدري ينصب المضارع بنفسه وذلك إذا دخلت على كي اللام التعليلية ولم يقع بعدها أن المصدرية نحو: زرتك لكي تكرم محمداً.

الضرب الرابع وهو قياسي: جواز أن تكون مصدرية وتعليلية ولها حينئذ صورتان:

ص: 171

الأولى: أن تكون مجرّدة من لام التعليل قبلها ومن أن المصدرية بعدها نحو: جئتك كي تكرمني.

الثانية: المتوسطة بين لام التعليل وأن المصدرية نحو: جئتك لكي أن تكرمني ومنه قول الشاعر:

أَرَدْتَ لِكَيْما أنْ تَطيرَ بِقِرْبَتِي

فَتَتْرُكَها شَنّاً بِبَيْداءَ بِلْقَعِ

وكثير من النحاة يدمجون الضرب الرابع مع الضرب الثالث.

المطلب الرابع: كي في القرآن:

جاءت كي في القرآن في عشرة مواضع: سته منها مجرورة باللام، والأربعة الباقية غير مجرورة.

ووقع المصدر بعدها منفياً بـ (لا) في سبعة مواضع، أربعة منها وُصلت كي بـ (لا) رسماً هكذا:(كيلا)، وفُصلت في ثلاثة هكذا:(كي لا) - مع اختلاف في عدد المرسوم - ويعلل الإمام الزركشي الوصل في الرسم بأن النفي إذا كان داخلاً على معنى كُلّيّ وُصِلَ حرفُ النفي بـ (كي) ، لأن نفي الكلّيّ نفي لجزئياته، ويرى أن الكلي المنفي ليس له أفراد في الوجود، وأما فصل (كي) عن (لا) النافية رسماً فسببه أن النفي منصبٌّ على جزئي ولا يلزم منه نفي الكلّيّ.

قال تعالى: {ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسولِهِ مِنْ أهْلِ القُرى فَللَّهِ وَلِلرَّسولِ وَلِذي القُرْبى واليَتامى والمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ كَيْ لا يَكونَ دُوْلَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمْ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا اللهَ إنَّ اللهَ شَديدُ العِقابِ} يرى ابن هشام أن كي في الآية مجرورة بلام محذوفة والتقدير (لكي لا) قال:"وذلك إذا قدّرت كي مصدرية" وهو يشير بقوله إذا قدّرت كي مصدرية إلى المذهب الكوفي الذي يحتم كون كي مصدرية.

فالمصدر منصوب على نزع الخافض بفعل مقدّر وهو: (فَعَلْنا، أو بيّنا ذلك، أو حكمنا بذلك) لئلا تكون الغنائم دولة بين الأغنياء، قال المنتجب:"أي فعلنا ذلك في هذه الغنائم، أو بيّنا ذلك لئلا يغلب الأغنياء على الفقراء على الفيء"

ص: 172

وقال تعالى: {إذْ تَمْشي أُخْتُكَ فَتَقولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَن يَّكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتوناً فَلَبِثْتَ سِنينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَّا موسى} .

وقال تعالى: {فَرَدَدْناهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَّلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمونَ} .

وقال تعالى: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْري كَيْ نَسَبِحَكَ كَثيراً} .

يجوز في الآيات الكريمة السابقة أن تكون لام كي محذوفة والتقدير: لكي تقر عينها، ولكي نسبحك، والمصدر منصوب على نزع الخافض كما سبق في آية الحشر.

المبحث الثاني: نزع الخافض سماعاً في القرآن:

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: نزع الخافض من المفرد:

نزع الخافض من المفرد موقوف على السماع، كما سبق ذكره، وقد جاءت آيات في القرآن كثيرة قال عنها عددٌ من النحاة، والمفسرين، والمعربين له بأنها منزوعة الخافض، وذلك مع أفعال لازمة، أو مما يتعدى لواحد بنفسه، وللثاني بالحرف، في غير المسائل القياسية الآنفة الذكر، منها قوله تعالى:{وَاللاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ فَعِظوهُنَّ وَاهْجُروهُنَّ في المَضاجِعِ وَاضْرِبوهُنَّ فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغوا عَلَيْهِنَّ سَبيلاً إنَّ اللهَ كانَ عَلِيّاً كَبيراً} .

يتوقف إعراب {سِبيلاً} على معرفة أصل اشتقاق الفعل (بغى) فإن أُخِذَ من (البَغْي) وهو الظُّلم فهو لازم وتكون كلمة (سيبلاً) حينئذٍ منزوعةَ الخافض والمعنى فلا تظلموهنَّ.

ص: 173

وإنْ فُسِّر الفعل (بغى) بـ (طلب) يقال بغيت الأمر أي طلبته، فالفعل حينئذٍ متعدٍّ بنفسه ويكون (سبيلاً) معمولاً له، والمعنى: لا تطلبوا عليهن ذنوباً تعنتاً لتتوصلوا بها إلى سبيل من السبل الثلاثة المتاحة لكم وهي: الوعظ، والهجر، والضرب التي كانت مباحة لكم وقت نشوزهن، أو الخوف من نشوزهن.

واختتام الآية الكريمة بـ {علياً كبيراً} غاية في البلاغة والإعجاز، ففيه إعلام للأزواج الذين منحهم الله صفة القوامة والعلو على أزواجهم بأن هذه صفة محكومة بأمر الله، وتوصيتهم بعدم الظلم والإسراف فيما أبيح لهم، فلا تستعلوا عليهنّ ولا تتكبروا، وتنبيه لهم بخفض الجناح ولين الجانب، وإشارة إلى أن قدرة الله فوق قدرتهم عليهنّ، وتذكيرهم بأن العلو والكبر من صفات الله تعالى.

وقال تعالى: {وَقالوا كونوا هوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبْراهيمَ حَنيفاً وَّما كان مِنَ المُشْرِكينَ} .

قراءة الجمهور بنصب: (مِلَّةَ) ، وقرئ في الشواذ برفع (مِلَّةُ) ، وتوجَّه قراءة الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره بل الهَدْيُ ملةُ، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره بل ملةُ إبراهيم حنيفاً هدْيُنا.

وفي توجيه قراءة النصب أربعةُ أقوال:

الأول: أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره بل نتَّبِعُ ملةَ إبراهيم.

الثاني: أنه منصوب على الإغراء أي: عليكم ملةَ إبراهيم، وبه قال أبو عبيدة.

الثالث: أنه منصوب على أنه خبر لـ (نكون) محذوفة، والمعنى حينئذٍ بل نكون أهلَ ملَّةِ إبراهيم، أو أصحابَ ملَّةِ إبراهيم، فحذف المضافُ، وأقيم المضافُ إليه مُقامه وهو رأي الفراء، والأخفش، والزجاج، والزمخشري.

الرابع: أنه منصوب على نزع الخافض والمعنى نقتدي بملة إبراهيم.

فالوجه الأول والثاني من هذه الأقوال واحد وهو أنه مفعول به ولكن العامل مختلف، والوجه الرابع مفعول به توسعاً بعد نزع الخافض، والثالث خبر كان.

ص: 174

والوجه الرابع عندي ضعيف، لأن نزع الخافض مع غير أنْ وأنَّ وكي غير قياسي، ولا ينبغي حمل إعراب الآيات على وجه ضعيف، ما أمكن حملها على وجه أقوى منه، ولاسيما أن من الأوجه ما يدعمه السياق.

وقال تعالى: {إنَّ الصَّفا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَو اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أن يَّطّوَفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيراً فَإنَّ اللهَ شاكِرٌ عَليمٌ} .

وقال تعالى: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّامٍ أُخُرَ وَعَلى الَّذينَ يُطيقونَه ُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَنْ تَصُوموا خَيْرٌ لَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمونَ} .

في توجيه نصب (خيراً) في الآيتين الكريمتين أربعة أقوال:

الأول: أنه منصوب على نزع الخافض، أي: تطوّع بخير فنزع الخافض، وانتصب (خيراً)، وتعضد هذا الوجهَ قراءةُ ابن مسعود:(ومن تطوع بخير) .

الثاني: منصوب على تضمين الفعل (تطوّع) معنى (فَعَلَ) فيكون المعنى ومن فَعَلَ خيراً.

الثالث: مفعول مطلق نائب عن المصدر الأصلي، لأنه وصف له في الأصل، والتقدير ومن يتطوّع تطوّعاً خيراً فحذف المصدر وحلت صفته محله.

الرابع: إذا قدر المصدر المحذوف معرفة فـ (خيراً) حال منه، والتقدير ومن تطوّع تطوّعه خيراً فإن الله شاكر عليم.

وقال تعالى: {وإنْ عَزَموا الطَّلاقَ فَإنَّ اللهَ سَميعٌ عَليمٌ}

وقال تعالى: {وَلا تَعْزِموا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتابُ أَجَلَهُ} .

الفعل عزم لازم، يتعدَّى بـ (على)، قال في القاموس:"عزم على الأمر يعزِم عزماً ويضمّ ومعزماً كمقعَد ومجلِس وعُزْماناً بالضم وعزيماً وعزيمة واعتزمه وعليه وتعزّم أراد فعله".

وقال الشاعر:

عَزَمْتُ عَلى إقامِةِ ذي صَباحٍ

لأمْرٍ ما يُسَوَّدُ مَنْ يَسودُ

ص: 175

فـ (الطلاق) في الآية الأولى، و (عقدة) في الآية الثانية منصوبان على نزع الخافض، والأصل - والله أعلم - وإن عزموا على الطلاق، ولا تعزموا على عقدة النكاح، فحذف الخافض، وانتصب معموله.

ويجوز أن يضمّن الفعل (عزم) معنى الفعل (نوى) فينتصب ما بعده مفعولاً به.

وقال تعالى: {وَلَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرّاً إلاّ أنْ تَقولوا قَوْلاً مَعْروفاً} .

في انتصاب (سِرّاً) مع الفعل (واعد) ستة أوجه ذكرها العلماء، وقدّروا في بعضها مفعولاً محذوفاً وهو لا تواعدوهنّ نكاحاً سراً:

الأول: أنه مفعول ثانٍ للفعل (واعد) .

والثاني: أنه حال من فاعلِه أي لا تواعدوهنّ مستخفين.

الثالث: أنه نعت مصدر محذوف والتقدير: لا تواعدوهنّ مواعدةً سرّاً.

الرابع: أنه حال من ذلك المصدر المحذوف مع جعل المصدر معرفه والتقدير: المواعدة مستخفية.

الخامس: أنه منصوب على الظرفية أي في سرٍّ.

السادس: أن يكون منصوباً على نزع الخافض والتقدير على سرٍّ، وذلك عند من فسّر السر بالجماع، ذكر هذا المنتجب، وابن هشام، وعزاه للأخفش.

وقال تعالى: {وإنْ كُنْتُم مَّرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ جاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيداً طَيِّباً} .

الفعل: (تَيَمَّمَ) سمع من العرب متعدياً بنفسه قال خُفَافُ بْنُ نُدْبَةَ:

تَيَمَّمْتُ كَبْشَ القَوْمِ حَتَّى عَرَفْتُهُ

وَجانَبْتُ شُبَّانَ الرِّجالِ الصَّعالِكا

فإنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصيبَ صَميمُها

فَعَمْداً عَلى عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مالِكا

وقال الأعشى:

تَيَمَّمْتُ قَيْساً وَكَمْ دُوْنَهُ

مِنَ الأرْضِ مِنْ مَهْمَهٍ ذي شَزَنْ

وقال كُثيِّر عَزَّة:

تَيَمَّمْتُ لِهْباً أَبْتَغِي العِلْمَ عِنْدَهُمْ

وَقَدْ رُدَّ عِلْمُ العائِفِينَ إلى لِهْبِ

قال امرؤ القيس:

تَيَمَّمَتِ العَيْنَ الَّتي عِنْدَ ضارِجٍ

يَفِيءُ عَلَيْها الظِّلُّ عِرْمِضُها طامِ

وقال ذو الرُّمَّة:

ص: 176

تَيَمَّمْنَ عَيْناً مِنْ أُثالٍ نَميرَةً

قَموساً يَمُجُّ المُنْقِضاتِ احْتِفالُها

ولو ذهبتُ أتتبعُ الشواهد الشعرية في تعدية الفعل (تَيَمَّمَ) عند العرب لطال البحث وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.

وقال ابن السكيت: "أَصْلُ التَّيَمُّم: القصد، ويقال تيمّمته إذا قصدت له، قال تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّباً} أي اقصدوا لصعيد طيّب، ثم كثر استعمالهم هذه الكلمة حتى صار التيمُّم مسح الوجه واليدين بالتراب".

والياء في تيمّم منقلبة عن همزة، وأصل الفعل:(أمَّ) بمعنى قصد يقال أمَّه يؤمُّه أمّاً بمعنى قصده.

ومع أن الفعل استعمل متعدِّياً كما رأينا في الشواهد السابقة إلا أننا نجد من المعربين للقرآن من أجاز أن تكون (صعيداً) منزوعة الخافض، قال أبو البقاء:"صعيداً مفعول تيمّموا، أي: اقصدوا صعيداً، وقيل: هو على تقدير حذف الباء أي: بصعيد".

وقال المنتجب: "وقيل: هو على تقدير حذف الباء أي بصعيد، وقيل هو ظرف وهذا على قول من جعل الصعيد الأرض، أو وجه الأرض، والوجه هو الأول وعليه المعنى والإعراب"

وقال السمين:"وصعيداً مفعول به لقوله تيمّموا أي اقصدوا، وقيل: هو على إسقاط حرفٍ أي: بصعيد، وليس بشيء لعدم اقتياسه".

وقال الجمل: "وصعيداً مفعول به لقوله فتيمّموا أي اقصدوا، وقيل هو على إسقاط حرف أي لصعيد، وليس بشيء لعدم انقياسه".

وقال تعالى: {قالَ فَبِما أَغْوَيْتَني لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ المُسْتَقيمَ} .

جاءت كلمة (صراطَ) في الآية منصوبة، والفعل الذي يطلبها هو (قَعَدَ) ، وهو لازم، وللنحاة في توجيه نصبها ثلاثة أقوال:

الأول: أنه منصوب على إسقاط الخافض وهو رأي الأخفش قال: (أي على صراطك، كما تقول توجه مكة أي: إلى مكة وقال الشاعر:

كَأَنِّيَ إذْ أسْعى لأظْفَرَ طائِراً

مَعَ النِّجْمِ في جَوِّ السَّماءِ يُصَوِّبُ

ص: 177

يريد: لأظفر بطائر، فألقى الباء، ومثله:{أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} يريد عن أمر ربكم".

ووافقه الزجاج، وحكى الإجماع على ذلك قال:"لا اختلاف بين النحويين في أنَّ (على) محذوفة، ومن ذلك قولك ضُرِبَ زَيدٌ الظهرَ والبطنَ".

الوجه الثاني: أنَّه منصوب على الظرفية المكانية: وإليه مال الفراء قال: "المعنى - والله أعلم- لأقعدنَّ لهم على طريقهم، أوفي طريقهم، وإلقاء الصفة من هذا جائز، كما قال قعدت لك وَجْهَ الأرض، وعلى وجه الأرض، لأن الطريق صفة في المعنى فاحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام إذا قيل آتيك غداً أو في غدٍ".

القول الثالث: هو مفعول به للفعل: (لأقعدنَّ) لأنه قد ضمِّن معنى (لألزمنَّ) ذكره أبوحيّان، والسمينُ وغيرهم.

واسْتضعفَ الرأيُ الأولُ، لأن حذف حرف الجر هنا ليس من مواضع القياس.

وضُعّف القول الثاني، لأن الصراط ظرف مكان مختص، وظروف المكان المختصة لايصل إليها الفعل إلابواسطة حرف الجر.

وقال تعالى: {هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَّالقَمَرَ نوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَموا عَدَدَ السِّنينَ وَالحِسابِ ما خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إلَاّ بِالحقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَّعْلَمونَ} .

الضمير في: {قَدَّرَهُ} قيل: إنه منصوب على نزع الخافض، و {مَنازِلَ} مفعول به للفعل قدّر، والفعل (قدّر) حينئذٍ على بابه، والمعنى: والقمر قدّر له منازل، قال أبو جعفر النحاس:" {وقَدَّرَهُ مَنازِلَ} : بمعنى: وقدّر له، مثل: وإذا كالوهم"، ووافقه أبو البقاء، والمنتجب، وأبو حيّان والسمين.

ص: 178

ويصح أن يكون الضمير مفعولاً به، ومنازل حينئذٍ إما ظرف مكان أي: قدّر القمر في منازل، ويشكل أن العامل في الظرف ليس من مادته، أو مفعولٌ به ثانٍ بعد حذف مضافٍ وإحلال المضاف إليه محلّه، وذلك إذا ضمّن الفعل قدّر معنى صيّر، والمعنى صيّر القمر ذا منازل، أو حال من الضمير إذا فسّر قدّر بـ (خلق أو هيَّأ) ، والمعنى خلق الله القمر متنقلاً.

وقال تعالى: {وَاسْتَبَقا البابَ وَقَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدى البابِ} الفعل (استبق) بمعنى (تسابق) فهو لازم يتعدى بـ (إلى) ، فـ (البابَ) في الآية الكريمة منصوب إمّا على نزع الخافض، وإما على تضمين (استبق) معنى (ابتدر) ، ونزع الخافض هنا ليس قياسياً، والتضمين في قياسيته كلام.

وقال تعالى: {آتُوني زُبَرَ الحَديدِ} .

قرأ أبوبكر شعبةُ بنُ عيّاش عن عاصم (ايتوني) بهمزة وصل ثم ياء منقلبة عن همزة هي فاء الكلمة من (أتى يأتي) من المجيء، والفعل:(أتى) يتعدَّى لواحد بنفسه فعلى هذه القراءة يكون الفعل قد استوفى معموله في ياء المتكلم، وكلمة (زُبَرَ) على هذه القراءة منصوبةٌ على نزع الخافض والتقدير: ايتوني بزبر الحديد.

وقرأ الباقون: (آتوني) من الإيتاء وهو الإعطاء، والفعل حينئذ يتعدى إلى مفعولين الأول ياء المتكلم، والثاني (زبر) وعليها فلا شاهد في الآية.

وقال تعالى: {وَقالَ الّذينَ كَفَروا إنْ هَذا إلَاّ إفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرونَ فَقَدْ جاءوا ظُلْماً وَّزُورا} .

الفعل: (جاء) سمع متعدياً بنفسه كقوله تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَّقينٍ} ، وقوله تعالى:{وَجاءَ السَحَرَةُ فِرْعَوْنَ} (1) وسمع لازماً كقوله تعالى: {جاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ} (2) تعالى: {مَنِ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِهَا} (3) صاحب التاج: "ويرد في كلامهم لازماً ومتعدياً".

(1) النمل: 22.

(2)

اف: 113.

(3)

ف: 100.

ص: 179

فعلى كون الفعل متعدياً يصحّ في إعراب (ظلماً) وجهان:

الأوّل: أنها مفعول به للفعل جاء.

والثاني أنها حال في تأويل مصدر باسم فاعل أي: ظالمين، أو على حذف مضاف أي ذوي ظلم، أو جعل المصدر حالاً على حدّ:(طلع زيد بغتة) وكقوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتينَكَ سَعْياً} وقوله تعالى: {ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً} (1)

وعلى كونه لازماً فلها توجيهان أيضاً: الأول: أنها منصوبة على نزع الخافض، أي: جاءوا بظلم وزور، ومال إلى هذا الوجه جماعة من المفسرين.

والثاني: أنه حال من فاعل جاء بحسب التوجيه السابق.

وقال تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمونَ} .

{مَثَلاً} :في الآية الكريمة مفعول لـ {ضَرَبَ} ، و {رَجُسلاً} بدل منه، واختار هذا العكبري والمنتجب.

وروى أبو حيّان والسمين: أنَّ الكسائي قال: "انتصب رجلاً على إسقاط الجار أي: لرجل، أو في رجل".

وقال تعالى: {وَلا يَسْأَلُ حَميمٌ حَميماً} .

الجمهور على قراءة الفعل (يَسأل) بالبناء للفاعل فـ (حميماً) مفعول به أوّل لـ (يَسْأَلُ) أي يسأله عن حاله لما هو فيه من الشغل بنفسه، أو لا يسأله شفاعة، أو لا يسأله نُصْرَةً ومَنفعةً، أو لا يسأله أن يحمل عنه من أوزاره شيئاً، وقيل بل هو منصوب على نزع لخافض أي: لا يسأل حميمٌ عن حميمٍ.

(1) البقرة: 260.

ص: 180

وقرأ ابن كثير بروايةٍ عنه، وأبو جعفر، وأبو حيوة، وشيبة، والبزي بالبناء للمفعول:(يُسْأَلُ) فـ (حميماً) منصوب على نزع الخافض أي: عن حميمٍ، قال أبو علي الفارسي:"من ضمّ فقال: {لا يُسْأَلُ حَميمٌ حَميماً} فالمعنى- والله أعلم -: لا يُسألُ حميمٌ عن حميمه ليُعرفَ شأنُه من جهته كما قد يُتعرّف خبرُ صديق من جهة صديقه، والقريب من قريبه، فإذا كان كذلك، فالكلام إذا بنيت الفعل للفاعل: سألتُ زيداً عن حميمه، وإذا بنيت الفعل للمفعول قلت: سُئل زيدٌ عن حميمه، وقد يحذف الجار فيصل الفعل إلى الاسم الذي كان مجروراً قبل حذف الجار فينتصب بأنه مفعول الاسم الذي أسند إليه الفعل المبني للمفعول به فعلى هذا انتصاب قوله حميم حميماً".

وقال تعالى: {وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ وَالسَّلْوى} .

وقال تعالى: {وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ المَنَّ وَالسَّلوى} .

الفعل (ظَلَّلَ) المضعّف: يتعدى إلى واحد بنفسه وللثاني بالحرف ومثاله قول الشاعر:

قامَتْ تُظَلِّلُنِيْ مِنَ الشَّمْسِ

نَفْسٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسي

قامَتْ تُظَلِّلُنِيْ وَمِنْ عَجَبٍ

شَمْسٌ تُظَلِّلُنِيْ مِنَ الشَّمْسِ

ص: 181

ذهب جمهرة من المفسرين: إلى أنَّ الغمام في الآية إنما هو آلة الظل، ولا يجوز أن يكون مفعولاً به، لأنه لم يقع عليه فعل الفاعل، إلا بتأويل: جَعَلْنا الغمامَ عليكم طبقات، فالطبقة العليا تُظِلُّ التي أسفل منها، ولهذا حكموا عليه بأنه منزوع الخافض أي ظَلَّلَناكم بالغمام، أشار إلى ذلك أبو البقاء، ومنع أن يكون الفعل متعدياً إلى الغمام بنفسه، لأنه لم يقع عليه فعل الفاعل، وقال أبوحيّان:"مفعول على إسقاط حرف الجر، أي بالغمام كما تقول ظلَّلْتُ على فلان بالرداء، أو مفعول به لا على إسقاط الحرف، ويكون المعنى جعلناه عليكم ظُلَلاً، فعلى هذا الوجه الثاني يكون (فَعَّل) فيه بجعل الشيء بمعنى ما صيغ منه كقولهم: عدَّلت زيداً أي: جعلته عدلاً فكذلك هذا، معناه: جعلنا الغمام عليكم ظُلّة، وعلى الوجه الأول تكون (فَعَّل) فيه بمعنى أفعل، فيكون التضعيف أصله للتعدية ثم ضمِّن معنى فِعْلٍ يُعدَّى بـ (على) فكأن الأصل: وظلَّلناكم أي أظللناكم بالغمام"، ويرى السمين أنَّ الغمام مفعول به للفعل ظَلَّلَ على تضمين (ظلَّل) معنى (جَعَلَ) ، وحكى قول أبي البقاء السابق، وقال عنه: إنه تفسير معنى لا إعراب وعلَّل ذلك بقوله: "لأن حذف حرف الجر لا ينقاس"، وقال المنتجب:"أي: جعلنا الغمام يُظِلُّكُم".

وعلى هذا نجد أن أبا البقاء، وأبا حيان يذهبان إلى أن الغمام منصوب على نزع الخافض، وأن المنتجب والسمين يذهبان إلى تضمين الفعل (ظلَّل) معنى الفعل (جعل) ، والتضمين - وإن نودي بقياسيته - إلا أنه محكوم بأضيق نطاق، ونزع الخافض في الآية ليس من مواطن القياس فكلاهما على المشهور غير قياسي، ولعلَّ مما يرجح التضمين على القول بنزع الخافض أن الفعل (ظلَّل) عُدِّي إلى المفعول به بـ (على) مع أنه - في الأصل- متعدّ بنفسه، ولم يكن السياق ظلّلناكم بالغمام، لأن (جعل) يتعدى للثاني بـ (على) فلمّا ضمَّن ظلَّل معنى جعل عُدّي بالحرف الذي يتعدى به جعل.

ص: 182

المطلب الثاني: دراسة التعليق والجمل التي بعده:

التعليق هو: إبطال العمل لفظاً لا محلاًّ، لمجيء ما له صدر الكلام بعد الفعل المعلَّق، والأصل اختصاصه بأفعال القلوب المتصرفة، وليس كلّ قلبيٍّ يُعلَّق، ألا ترى أن: أحبّ، وكره، وأبغض، وأراد أفعال قلبية ولا أعلم أحداً قال بأنها عُلّقت، وذكر العلماء أفعالاً عُلِّقت وهي ليست قلبية: كنظر، وأبصر، وسأل، لتلطِّفهم في معانيها بما يتلاءم مع الأفعال القلبية.

ومن الأدوات المعلِّقة: لام الابتداء، ولام القسم، وأدوات النفي:(ما، ولا، وإنْ) ، والاستفهام، وإنَّ المشدّدة المكسورة التي في خبرها اللام.

والجملة المعلَّقة في محل نصب على نزع الخافض إنْ كان الفعل الذي قبلها لازماً، وفي موضع نصب إن كان يتعدَّى إلى واحد، وسادَّة مسدَّ المفعولين إن كان يتعدّى إلى مفعولين، قال ابن مالك:"والجملة بعد المعلِّق في موضع نصب بإسقاط حرف الجرّ إن تعدّى به، وفي موضع مفعوله إن تعدى إلى واحد، وسادة مسدّ مفعوليه إن تعدى إلى اثنين، وبدل من المتوسط بينه وبينها إن تعدّى إلى واحد، وفي موضع الثاني إن تعدّى إلى اثنين ووجد الأول".

وقال ابن عصفور: "وإذا عُلِّق الفعلُ فلا يخلو أن يكون من باب ما يتعدّى إلى واحد بحرف جرّ نحو: فكَّرت، أو من باب ما يتعدّى إلى واحد بنفسه نحو: عرفت، أو من باب ما يتعدّى إلى اثنين أصلهما المبتدأ والخبر نحو: علمت، فإن كان من باب ما يتعدّى إلى واحد بحرف الجر كانت الجملة في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجرّ".

وقال الرضي:"الجملة بعد الفعل المعلَّق في موضع النصب، وهي: إمّا في موضع مفعولٍ يُنصب بنزع الخافض، وذلك بعد كلّ فعل يقيد الشك".

ص: 183

وألحقَ بعضُ العلماء بالأفعال القلبية في التعليق مع الاستفهام خاصة: "نظر سواء أكانت بصرية أم قلبية، وأبصر، وتفكَّر، وسأل، ونسي، ونبّأ، وأنبأ"، قال ابن مالك عن تعليق الأفعال القلبية:"ويشاركهنّ فيه مع الاستفهام: نظر، وأبصر، وتفكّر، وسأل، وما وافقهن، أو قاربهن، لا ما لم يقاربهن خلافاً ليونس، وقد تعلَّق نَسِيَ"، وقال:"وعُلِّقَ أيضاً مع الاستفهام نظر بالعين، أو بالقلب، وأبصر، وتفكَّر، وسأل. وأشرت بما وافقهن إلى نحو: أما ترى أيُّ برق هاهنا؟ بمعنى: أما تبصر حكاه سيبويه، وإلى نحو: {وَيَسْتَنْبِئونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} ، وأشرت بما قاربهن إلى نحو: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (1) وعُلِّق نسي، لأنه ضد علم، والضد قد يحمل على الضد".

المطلب الثالث: نزع الخافض من الجمل المعلّقة في القرآن:

قال تعالى: {اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أنَّى يُؤْفَكُونَ} .

الفعل (نظر) لازم، يتعدّى بـ (إلى) ، وقد عُلِّق عن العمل في الجملتين بـ (كيف) و (أنَّى) ، وجملتا (كيف نبيّن لهم الآيات) و (أنَّى يؤفكون) في محل نصب على نزع الخافض ونظر هنا قلبية.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّروا ما بِصاحِبِهِمْ مِّنْ جِنَّةٍ إنْ هُوَ إلَاّ نّذيرٌ مُّبينٌ} .

قال أبو حيّان: "الظاهر أن: {يَتَفَكَّروا} مُعلّق عن الجملة المنفية، وهي في موضع نصب بـ (يتفكروا) بعد إسقاط حرف الجر، لأن التفكُّر من إعمال القلوب، فيجوز تعليقه".

وقال تعالى: {اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضيلاً} .

(1) نس: 53.

ص: 184

جملة: {كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} جعلها أبو حيّان منصوبة على نزع الخافض، فقال عنها:"في موضع نصب بعد حذف حرف الجرّ، لأن نظر يتعدَّى به، فانظر هنا معلَّقة، ولمّا كان النظر مفضياً وسبباً إلى العلم جاز أن يعلَّق" ونظر هنا يصح أن تكون قلبية وبصرية.

وقال تعالى: {فَلْيَنْظُرْ أيُّها أَزْكىطَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ} .

(أيُّها) :يصح أن تكون استفهاماً فهي مبتدأ، خبره (أزكى) ، والجملة في محل نصب على نزع الخافض لـ (ينظر) ، لأن الفعل (نظر) لازم يتعدى بـ (إلى) ، ويصح أن تكون موصولاً، فهي مفعول لـ (ينظر) على نزع الخافض أيضاً، و (أزكى) خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديره: هو أزكى، و (نظر) هنا بصرية.

وقال تعالى: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبينَ} .

قال أبو حيّان: جملة {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبينَ} عُلِّق عنها: (سننظر) ، وهي في محل نصب على نزع الخافض، و (نظر) هنا يصِحّ أن تكون قلبية وبصرية.

وقال تعالى: {فَانْظُرِيْ ماذا تَأْمُرينَ} .

جملة {ماذا تَأْمُرينَ} في موضع نصب على نزع الخافض، والفعل مُعلَّق عنها بسبب الاستفهام ونظر هنا قلبيه.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّروا في أَنْفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ والأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إلَاّ بالحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمَّى} .

(ما) : نافية، والجملة بعدها يصح أن تكون استئنافية، فلا محل لها من الإعراب.

ويصحّ أن تكون منصوبة على نزع الخافض.

وأُجيز - على ضعف- أن تكون (ما) استفهامية بمعنى النفي، والجملة بعدها فيها الوجهان السابقان.

وقال تعالى: {قُلْ إنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أنْ تَقوموا لله مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّروا ما بِصاحِبِكُمْ مِّنْ جِنَّةٍ} .

الفعل: (تتفكّر) لازم يتعدّى بالحرف، والجملة المنفية {ما بصاحبكم من جنة} أجيز أن تكون استئنافية فلا محل لها من الإعراب.

ص: 185

وأجيز أن تكون في محل نصب على نزع الخافض وهو مَحَطُّ التفكر، أي: ثم تتفكروا في انتفاء الجنة عن محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال تعالى: {عَلى الأَرائِكِ يَنْظُرونَ هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ ما كانوا يَفْعَلونَ} .

قال السمين:" {هَلْ ثُوِّبَ} يجوز أن تكون الجملة الاستفهامية مُعَلِّقة للنظر قبلها فتكون في محل نصب بعد إسقاط الخافض، ويجوز أن تكون على إضمار القول أي: يقولون: هل ثُوِّبَ الكفار"

وقال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ} .

الاستفهام مُعلِّق للفعل عن العمل، وجملة (مم خلق) في محل نصب بالفعل (فلينظر) على نزع الخافض، ونظر هنا قلبية.

المطلب الرابع: المفعول الثاني منصوب على نزع الخافض والفعل معلّق عنه:

قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} .

{أيُّكم أحسنُ} مبتدأ وخبر، والجملة في محل نصب مفعول ثانٍ بعد إسقاط الخافض، والاستفهام مُعلِّق للفعل، قال الزمخشري:"فإن قلت: كيف جاز تعليق فعل البلوى؟ قلتُ: لِمَا في الاختيار من معنى العلم، لأنه طريق إليه فهو ملابس له كما تقول: انظر أيهم أحسن وجهاً، واسمع أيهم أحسن صوتاً، لأن النظر والاستماع من طُرُق العلم"

وقال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنونَ} .

أجاز الدماميني أن يكون الفعل (استفتى) مُعلَّقاً عن العمل بالاستفهام، وجملة:(ألربك البنات) في موضع نصب على نزع الخافض قال:"الظاهر أن هذه الجملة المقترنة بالهمزة في محل مفعول مقيّد بالجار على ما قرروه، والفعل مُعلّق، لأن الاستفتاء طريق العلم كالسؤال فجاز تعليقه كما علّق فِعْلُ السُّؤال نحو {سَلْهُم ْأَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعيمٌ} ".

وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُناديهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهيدٍ} .

الفعل: (آذن) يتعدَّى لواحد بنفسه وللثاني بالباء يقال آذنته بالسفر بمعنىأعلمته به قال الشاعر:

آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسْماءُ

ص: 186

رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّواءُ

وقد أجاز أبو حيّان وجماعة تعليق الفعل (آذن) في الآية الكريمة، لأنه بمعنى أعلم، وأعلم يعلّق فما كان بمعناه يأخذ حكمه قال في تفسير الآية الكريمة:"وآذنّاك معلّق، لأنه بمعنى الإعلام، والجملة من قوله: {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} في موضع المفعول، وفي تعليق باب أعلم خلافٌ، والصحيح أنه مسموع من كلام العرب"، وقال السمين:" {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} هذه الجملة المنفية معلِّقة لـ (آذناك) ،لأنها بمعنى أعلمناك، وتقدّم لنا خلاف في تعليق أعلم، والصحيح وقوعه سماعاً من العرب".

وقال تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعيمٌ} .

أجاز أبو حيان والسمين أن تكون جملة (أيُّهم بذلك زعيمٌ) في محل نصب على نزع الخافض مفعول ثانٍ لـ (سأل) ، لأن (سأل) إذا كان بمعنى استفهم تعدَّى للثاني بـ (عن)، أو بـ (الباء) قال تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها} وقال تعالى: {ويَسْأَلونَكَ عَنِ ذي القَرْنَيْنِ} (1) وقال تعالى: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} (2)

وقال علقمة الفحل:

فَإنْ تَسْأَلونِي بالنِّساءِ فَإنَّني

بَصيرٌ بِأَدْواءِ النِّساءِ طَبيبُ

وإن كان (سأل) بمعنى (طلب) نصب الثاني بنفسه نحو قوله تعالى: {قُلْ لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ هُوَ إلَاّ ذِكْرٌ لِلعالَمِينَ} وقوله تعالى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعاقِبَةُ للتَّقْوى} (3) وقوله تعالى: {وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً} (4) وقوله تعالى: {قُلْ لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلَاّ المَوَدَّةَ في القُرْبى} (5)

وقال الشاعر:

فَلَوْ أَنْكِ في يَوْمِ الرَّخاءِ سَأَلْتِنِي

طَلاقَكَ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ

(1) الأعراف: 187.

(2)

الكهف: 83.

(3)

الأنعام: 90.

(4)

طه: 132.

(5)

الأحزاب: 53.

ص: 187

قال الدماميني:"ألا ترى أن سأل التى يراد بها طلب العلم لا المال إنما يتعدى إلى الثاني بالجار".

فـ (أيهم) في قوله تعالى: {سَلهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعيمٌ} معلّق لـ (سلهم) ، لكونه سبباً في العلم.

ويشكل قول الفيروز أبادي:"سأله كذا وعن كذا وبكذا بمعنى"، إذ جعل (سأل كذا) وهو متعدٍّ للثاني بدون واسطة، بمعنى (سأله عن كذا وبكذا) وهو متعدٍّ للثاني بالحرف، ويمكن توجيه كلامه بأن سأل تفيد الطلب حيثما كانت فالأولى تفيد طلب المال ونحوه، والثانية تفيد طلب العلم ونحوه، وهذا معنى كلام الدماميني السابق (طلبُ العلمِ لا المالِ) إذ الجميع طلب.

وقال تعالى: {وَما أَدْراكَ ما الحاقَّةُ} .

وتكرر هذا الأسلوب في ثلاث عشرة آية.

ذهب جماعة من المفسرين للقرآن والمعربين له إلى أن الفعل (أدرى) في الآية الكريمة السابقة نصب (الضمير) مفعولاً أوَّلاً بنفسه، وعُلِّق عن العمل في الجملة التي بعده بالاستفهام، وهي عندهم في محلِّ نصب على نزع الخافض، بناءً على أن الأشهر في الفعل (درى) أن يصل إلى المفعول به بواسطة حرف الجر، فإذا صحبته همزة النقل - كما هو الحال في الآية الكريمة السابقة - نصب الأول بنفسه، والثاني بالباء، قال أبو حيّان:" (ما) : مبتدأ، والحاقة: خبر، والجملة في موضع نصب بـ (أدراك) ، و (أدراك) معلَّقة، وأصل (دَرى) أن يتعدَّى بالباء، وقد تُحْذف على قلة، فإذا دخلت همزة النقل تعدَّى إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بحرف الجر، فقوله: {ما الحاقَّةُ} بعد أدراك في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر" اه.

وقال السمين: "قوله: {ما الحاقَّةُ} : في موضع نصب على إسقاط الخافض، لأن (أدرى) بالهمزة يتعدَّى لاثنين، الأول بنفسه، والثاني بالباء قال تعالى: {ولا أَدْراكُمْ بِهِ} ، فلمَّا وقعت جملة الاستفهام معلِّقة لها كانت في موضع المفعول الثاني، ودون الهمزة تتعدَّى لواحد بالباء نحو: دَرَيْتُ بكذا، ويكون بمعنى (علم) فيتعدّى لاثنين".

ص: 188

وذهبت طائفة أخرى إلى أن الفعل (أدرى) نصب الجملة المعلقة بنفسه قال مكي: " {وَما أَدْراكَ ما الحاقَّةُ} : ما مبتدأ، وما الثانية مبتدأ ثانٍ، والحاقة خبره، والجملة في موضع نصب بأدراك، وأدراك وما اتصل به خبر عن ما الأولى" وقال المنتجب: "ما الثانية مبتدأ ثانٍ والحاقة خبره، وأدرى تعدَّى إلى مفعولين فالكاف مفعول أول، والجملة مفعول ثانٍ".

هذا آخر ما منَّ الله بجمعه وأسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا، وينفعنا بماعلمنا، ويزيدنا علماً، ويلهمنا رشدنا، وييسرلنا من أمرنا رشداً بمنه وكرمه، وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

فهرس المراجع والمصادر

- ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة لعبد اللطيف الزبيدي، تحقيق طارق الجنابي، عالم الكتب.

- ابن يعيش = شرح المفصل لابن يعيش.

- إتحاف فضلاء البشر لأحمد الدمياطي، مراجعه محمد علي الصباغ، دار الندوة بيروت.

- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية بيروت 1407هـ.

- أدب الكاتب لابن قتيبة، تحقيق محمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1405هـ.

- ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان، تحقيق رجب عثمان محمد، الخانجي، القاهرة 1418هـ.

- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود، تحقيق عبد القادر عطا، مكتبة الرياض لا ط.

- أساس البلاغة للزمخشري، دار صادر بيروت: 1399هـ.

- أسرار البلاغة للجرجاني، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة: 1412هـ.

- أسرار العربية لأبي البركات بن الأنباري، تحقيق محمد بهجت البيطار، مجمع اللغة بدمشق: 1377هـ.

- الأشباه والنظائر للسيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة بيروت: 1406هـ.

- الأشموني = منهج السالك إلى ألفية ابن مالك.

ص: 189

- إصلاح المنطق لابن السكيت، تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف الطبعة الثالثة.

- الأصول في النحو لابن السراج، تحقيق عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت: 1405هـ.

- إعراب القرآن للنحاس، تحقيق زهير غازي زاهد، عالم الكتب بيروت 1405هـ.

- إعراب مشكل القرآن، مكي بن أبي طالب، تحقيق د حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة ط الثالثة:1407هـ.

- الأغاني للأصفهاني، تحقيق عبد الستار فراج، الدار التونسية للنشر تونس 1983م.

- الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، لابن السيد البطليوسي، تحقيق مصطفى السقا وحامد عبد المجيد، الهيئة المصرية العامة للكتاب1981م.

- الإقناع في القراءات السبع، لابن الباذش، تحقيق عبد المجيد قطامش، جامعة أم القرى 1403هـ.

- إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت: 1406هـ.

- الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات بن الأنباري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر بيروت.

- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام، مصطفى الحلبي، القاهرة 1403هـ.

- الإيضاح في علل النحو لأبي القاسم الزجاجي، تحقيق مازن المبارك، دار النفائس بيروت: 1402هـ.

- الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني، تحقيق عليق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني: 1403هـ.

- البحر المحيط لأثير الدين أبي حيان، المكتبة التجارية مكة المكرمة 1412هـ.

- بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.

- البرهان في علوم القرآن للزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة بيروت.

- بغية الوعاة للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية بيروت.

- البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات بن الأنباري، تحقيق طه عبد الحميد، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1400هـ.

- تاج العروس للزبيدي، تحقيق علي شيري دار الفكر بيروت1414هـ.

ص: 190

- التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري، تحقيق علي البجاوي، عيسى الحلبي 1976م.

- تحفة الغريب بشرح مغني اللبيب للدماميني، بهامش المنصف من الكلام على مغني ابن هشام، المطبعة البهية بمصر 1305هـ.

- تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد، لابن هشام، تحقيق علي عباس دار الكتاب الربي 1406هـ.

- التذكرة في القراءات الثمان لابن غلبون، تحقيق د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم، الزهراء بالقاهرة 1410هـ.

- تحرير التحبير لابن أبي الأصبع المصري، تحقيق د. حفني محمد شرف، لجنة إحياء الثراث الإسلامي بالقاهرة.

- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك، تحقيق محمد كامل بركات، دار الكتاب العربي 1387هـ.

- التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري، تحقيق د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم، الزهراء 1418.

- تعليق الفرائد وتسهيل الفوائد لبدر الدين الدماميني، تحقيق د. محمد المفدى، مطابع الفرزدق بالرياض 1403هـ.

- تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل القرآن.

- تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن.

- تهذيب اللغة للأزهري، تحقيق نخبة من العلماء، المؤسسة العامة للتأليف والنشر القاهرة: 1964م.

- التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، دار الكتاب العربي بيروت 1406هـ.

- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، دار الكتب العلمية بيروت 1408هـ.

- جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري، دار الفكر1405هـ.

- الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي، تحقيق د. فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، دار الآفاق بيروت 1403هـ.

- حاشية الدسوقي على مغني اللبيب لمحمد عرفة الدسوقي، مطبعة المشهد الحسيني 1386هـ.

- حاشية الصبان على الأشموني لمحمد على الصبان، عيسى البابى الحلبي.

- حاشية الشريف الجرجاني على تفسير الكشاف لعلى بن محمد الجرجاني، مطبعة مصطفى الحلبي:1392هـ.

- حاشية يس زين الدين العليمي على التصريح بمضمون التوضيح، عيسى البابي الحلبي لا ط.

ص: 191

- حجة القراءات لابن زنجلة، تحقيق سعيد الأفعاني، مؤسسة الرسالة1402هـ.

- الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي، تحقيق بدر الدين قهوجي وبشير جويجاني، دارالمأمون 1413هـ.

- الحماسة لأبي تمام، تحقيق د. عبد الله عسيلان، جامعة الإمام محمد بن سعود 1401هـ.

- الحماسة للبحتري، تحقيق عليق كمال مصطفى، المطبعة الرحمانية بمصر 1929م.

- الحماسة البصرية لعلي بن حسن البصري، تحقيق مختار الدين أحمد، عالم الكتب 1401هـ.

- الحيوان للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، مصطفي البابي الحلبي 1356هـ.

- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لبعد القادر البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1979م.

- الخصائص لأبي الفتح بن جني، تحقيق محمد على النجار، دار الكتب المصرية 1371هـ.

- دراسات لأسلوب القرآن الكريم، للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، مطبعة حسان القاهرة.

- الدرر اللوامع لأحمد بن الأمين الشنقيطي، تحقيق عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة 1405هـ.

- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم دمشق1406هـ.

- ديوان ابن الرومي، تحقيق د. حسين نصار.

- ديوان أبي النجم العجلي، صنعة علاء الدين أغا، النادي الأدبي بالرياض1401هـ.

- ديوان الأعشى الكبير، شرح وتعليق محمد محمد حسين، مؤسسة الارسالة 1403هـ.

- ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف 1964م.

- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب، تحقيق د. نعمان محمد أمين طه، دار المعارف الطبعة الثالثة.

- ديوان حاتم الطائي صتعة يحيى بن مدرك الطائي، تحقيق عادل سليمان جمال، الخانجي 1411هـ.

- ديوان الحارث بن حلزة، جمع أميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي بيروت1411هـ.

- ديوان خفاف بن ندبة السلمي (ضمن شعراء إسلاميون) صنعة نوري القيسى، عالم الكتب بيروت ط الثانية: 1405هـ.

ص: 192

- ديوان ذي الرمة شرح أبي نصر الباهلي، تحقيق د. عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان بيروت 1402هـ.

- ديوان عباس بن مرداس السلمي جمع، د. يحيى الجبوري، مؤسسة الرسالة 1412هـ.

- ديوان علقمة الفحل بشرح الأعلم، تحقيق لطفي الصقال ودرية الخطيب، دار الكتاب العربي بحلب 1389هـ.

- ديوان عمر بن أبي ربيعة = شرح ديوان عمر.

- ديوان عمرو بن معدي كرب = شعر عمر بن معدي كرب.

- ديوان الفرزدق دار صادر بيروت 1385هـ.

- ديوان قيس بن الخطيم، رواية ابن السكيت، تحقيق د. ناصر الدين الأسد، مكتبة العروبة ط الأولى:1381هـ.

- ديوان كثير عزة جمع الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة بيروت 1971م.

- ديوان المتلمس الضبعي، تحقيق د. حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية 1390هـ.

- ديوان منصور النمري = شعر منصور النمري.

- ديوان النابغة الجعدي = شعر النابغة الجعدي.

- ديوان النابغة الذبياني شرح الأعلم، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بالقاهرة:1977.

- ديوان الهذليين = شرح أشعار الهذليين.

- رصف المباني في شرح حروف المعاني لأحمد بن عبد النور المالقي، تحقيق أحمد الخراط، دار القلم بيروت 1405هـ.

- السبعة في القراءات لابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف الطبعة الثالثة 1980م.

- الشافي في علم القوافي لابن القطاع الصقلّي، تحقيق د. صالح بن حسين العايد، دار إشبيليا بالرياض 1418هـ.

- شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي، تحقيق د. محمد علي سلطاني، دار المأمون دمشق 1979م.

- شرح أشعار الهذليين لأبي سعيد السكري، تحقيق عبد الستار فراج، مكتبة العروبة بالقاهرة.

- شرح التسهيل لابن مالك، تحقيق د. عبد الرحمن السيد، ود. محمد بدوي مختون، هجر بالقاهرة1410هـ.

- شرح جمل الزجاجي لابن عصفور، تحقيق د. صاحب أبو جناح، وزارة الأوقاف العراقية 1980م.

- شرح ديوان جرير لمحمد إسماعيل الصاوي، دار الأندلس بيروت.

ص: 193

- شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة، محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني 1384هـ.

- شرح الكافية لرضي الدين الإستراباذي، تحقيق يوسف حسن عمر منشورات جامعة قار يونس ليبيا 1398.

- شرح الكافية الشافية لابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، جامعة أم القرى مكة المكرمة 1402هـ.

- شرح المفصل لابن يعيش، المطبعة المنيرية بالقاهرة 1928م.

- شروح التلخيص، دار الكتب العلمية بيروت لاط.

- شعر الشمردل اليربوعي (ضمن شعراء أمويّون الجزء الثاني) ، نوري حمودي القيسي 1396هـ.

- شعر عمروبن أحمر الباهلي، جمعه حسين عطوان، مطبوعات مجمع اللغة بدمشق.

- شعر عمرو بن معدي كرب الزبيدي، حمع مطاع الطرابيشي، مجمع اللغة بدمشق 1405هـ.

- شعر منصور النمري، جمع الطيب العشاش، مجمع اللغة بدمشق1401هـ.

- شعر النابغة الجعدي، منشورات المكتب الإسلامي بدمشق 1384هـ.

- شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك، تحقيق فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية بيروت.

- الصحاح للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، نسخة مصورة عن الطبعة الأولى.

- صحيح البخاري ت د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير الطبعة الرابعة1410هـ.

- صحيح مسلم، فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية إستانبول.

- الصناعتين لأبي هلال العسكري، تحقيق علي بن محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الكتبة العصرية بيروت1406هـ.

- طبقات القراء = معرفة القراء الكبار.

- طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف.

- عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني، مصطفى البابي الحلبي ط الأولى: 1392هـ.

- عناية القاضي وكفاية الراضي، لشهاب الدين الخفاجي، دار الكتب العلمية 1407هـ.

- العين المنسوب للخليل بن أحمد، تحقيق مهدي الخزومي، وإبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1408هـ.

- عيون الأخبار لابن قتيبة، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب.

ص: 194

- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري، عني بنشره ج برجشتراسر، دار الكتب العلمية بيروت 1402هـ.

- فتح الباري لابن حجر العسقلاني، المكتبة السلفية الطبعة الثالثة 1407هـ.

- فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية في علم التفسير، للشوكاني، ضبط عبد الرحمن عميرة، دار الوفاء المنصورة:1415هـ.

- الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية، لسليمان بن عمر العجيلي الشهير بالجمل، عيسى البابي الحلبي.

- الفريد في إعراب القرآن المجيد للمنتجب الهمذاني، تحقيق د. محمد النمر، وفؤاد مخيمر، دار الثقافة الدوحة1411هـ.

- الفصول في القوافي لمحمد بن سعيد بن الدهان النحوي، تحقيق د. صالح العايد، دار إشبيليا الرياض:1418هـ.

- في النحو العربي لسعيد الأفغاني، الكتب الإسلامي، دمشق: 1407هـ.

- القاموس المحيط للفيروز أبادي، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1406هـ.

- القوافي للأخفش، تحقيق د. عزة حسن، وزارة الثقافة السورية دمشق:1390هـ.

- القوافي للتنوخي، تحقيق د. عوني عبد الرؤف، مكتبة الخانجي 1987م.

- قيس ولبنى شعر ودراسة (ديوان قيس بن ذريح) للدكتور حسين نصار، دار مصر للطباعة 1979م.

- الكامل لأبي العباس المبرد، تحقيق محمد الدالي، مؤسسة الرسالة 1406هـ.

- الكتاب لسيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977م.

- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، لجار الله الزمخشري، مصطفى البابي الحلبي القاهرة 1392.

- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، مكتبة المثنى بغداد.

- الكليات لأبي البقاء الكفوي ت. د. عدنان درويش، ومحمد المصري، دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة.

- اللباب في علل البناء والإعراب، لأبي البقاء العكبري، تحقيق غازي طليمات وعبد الإله نبهان، مطبوعات جمعة الماجد بدبي، الطبعة الأولى:1416هـ.

- لسان العرب لابن منظور، دار الفكر بيروت 1410هـ.

ص: 195

- ما تلحن فيه العامة للكسائي، تحقيق د. رمضان عبد التواب، الخانجي بالقاهرة:1402هـ.

- المبسوط في القراءات العشر للأصبهاني، تحقيق سبيع حمزة حاكمي، دار القبلة جدة 1408هـ.

- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، تحقيق محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي 1988م.

- مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي، ضبط إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت 1418هـ.

- المحرر الوجيز لابن عطية، تحقيق المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف المغربية1395هـ.

- مختصر في شواذ القراءات لابن خالويه، مكتبة المتنبي بالقاهرة.

- المزهر للسيوطي، تحقيق محمد أحمد جاد المولى وزملائه، دار التراث بالقاهرة الطبعة الثالثة.

- المسائل البغداديات أو المسائل المشكلة لأبي علي الفارسي، تحقيق صلاح الدين السنكاوي، مطبعة العاني بغداد 1983م.

- المسائل العسكرية لأبي علي الفارسي، تحقيق د. محمد الشاطر أحمد، مطبعة المدني 1403هـ.

- المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات، جامعة أم القرى 1400هـ.

- المقاصد الشافية للشاطبي (قطعة من الكتاب) ، تحقيق د. عياد الثبيتي، دار التراث مكة المكرمة 1417هـ.

- معاني القرآن للأخفش، تحقيق د. فائز فارس، دار البشير1401هـ.

- معاني القرآن للفراء، عالم الكتب بيروت.

- معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق د، عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب 1408هـ.

- معاهد التنصيص للعباسي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، عالم الكتب 1367هـ.

- معترك الأقران في إعجاز القرآن، للسيوطي، ضيط أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت 1408هـ.

- المصباح المنير للفيومي، مكتبة لبنان 1987م.

- معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب.

- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة 1404هـ.

- مغني اللبيب لابن هشام ت مازن المبارك ورفاقه، دار الفكر 1979م.

ص: 196

- المقاصد النحوية للعيني "بهامش خزانة الأدب"طبعة بولاق.

- المقتضب لأبي العباس المبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، وزارة الأوقاف المصرية 1399هـ.

- المقرب لابن عصفور، تحقيق أحمد الجبوري، وعبد الله الجبوري، مطبعة العاني بغداد 1391هـ.

- المنصف من الكلام على مغني ابن هشام لأحمد الشمني، المطبعة البهية 1305هـ.

- منهج السالك لأثير الدين أبي حيّان، رسالة دكتوراه في الولايات المتحدة نسخة مصورة.

- منهج السالك إلى ألفية ابن مالك لعلي بن محمد الأشموني، عيسى البابي الحلبي.

- النحو الوافي عباس حسن دار المعارف بالقاهرة ط الثامنة.

- نزهة الألباء في طبقات الأدباء لا بن الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر.

- النشر في القراءات العشر لابن الجزري، تحقيق صحيح علي محمد الضباع، دار الكتب بيروت.

- نقائض جرير والفرزدق لأبي عبيدة معمر بن المثنى، دار الكتاب العربي بيروت.

- همع الهوامع للسيوطي، تحقيق عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية1394هـ.

- الوافي في العروض والقوافي للخطيب التبريزي، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الفكر دمشق 1407هـ.

- يتيمة الدهر للثعالبي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة. السعادة 1375هـ.

ص: 197

الأزد ومكانتهم في العربية

إعداد

الدكتور أحمد بن سعيد محمد قشاش

المقدمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبيه العربي الأمي محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد، فالأزد جرثومة العرب، بلغوا من المجد قمته، ومن الشرف ذروته، حفظ التاريخ ذكرهم، ودون مجدهم، فهم أصحاب الجنتين في مملكة سبأ، وهم سادة العرب وملوكها بعد نزوحهم من اليمن وتفرقهم في أرجاء الجزيرة العربية. وبعد البعثة النبوية كان لهم في الإسلام بادرة عظيمة ومنزلة شريفة، إذ هم أول القبائل العربية إيمانًا بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقا برسالته، فآووه في أرضهم، ونصروه بأموالهم وأنفسهم. وهم في الفتوحات الإسلامية أصحاب مواقف مشرفة في رفع راية التوحيد ونشر الإسلام في أصقاع الأرض، ثم كان منهم العلماء والشعراء الذين أثروا الثقافة العربية والإسلامية.

وعُرف الأزد بالفصاحة، فكانوا من أفصح الناس لسانًا، وأعذبهم بيانًا، اعتُمد على لغاتهم في أخذ اللسان العربي، وظهر أثرها الواضح في ألفاظ القرآن الكريم وقراءاته، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أثر عنهم من أقوال وأشعار وأمثال. كما كانت لغاتهم من مصادر الاحتجاج اللغويّ والنحويّ عند علماء العربية وغيرهم.

ولما كان أمرهم كذلك، رأيت أن يكون بحثي هذا عن (الأزد ومكانتهم في العربية)

وقد أدخلت تحت هذا العنوان كل بطون الأزد التي نزحت من موطنها الأول مأرب، وهم أزد السراة، وأزد شنوءة، وأزد غسان، وأزد عمان.

وجمعت بين هذه البطون - مع تفرقها في الأوطان المتباعدة - لأمرين:

أحدهما: أن هذه البطون- وإن تفرقت وتباعدت - احتفظت في مواطنها الجديدة بكثير من الخصائص اللغوية الواحدة، ولم يشاركهم فيها أحد من القبائل المجاورة، أو شاركهم فيها قبائل أخرى هاجرت - أيضًا- من بيئتهم اليمنية القديمة، وهي تمثل جميعًا بيئة لغوية واحدة، هي منطقة مأرب وما حولها من بلاد اليمن.

ص: 198

ثانيهما: أن كتب التراث تعزو في أحيان كثيرة الظاهرة اللغوية إلى الأزد عامة، ولم يكن بوسعي معرفة أي بطون الأزد سُمِعت منها تلك الظاهرة، فجعلت العنوان عاماً ليتنظم تحته كل ما عزي إلى الأزد عامة أو إلى أحد بطونهم.

وقد سلكت في كتابة هذا البحث منهجًا تاريخيًا وصفيًا، فرجعت في تاريخ الأزد إلى كثير من المصادر التاريخية والجغرافية، وكتب الأنساب، والتراجم والطبقات.

أما لغاتهم فرجعت في جمعها إلى كل ما وقعت عليه يدي من كتب العربية، وكتب القراءات والتفسير والحديث الشريف، بل وكتب الفقهاء والجغرافيين والمؤرخين، وغيرهم.

وخرجت من استقراء هذه المصادر المتناثرة بمادة وفيرة تمثل لغات الأزد بكافة مستوياتها (الصوتية والصرفية، والنحوية، والدلالية) وقد بلغت من الكثرة حدًا لا ينهض به بحث واحد كهذا، بل تحتاج كل ظاهرة منها إلى بحث مستقل يوفيها ما تستحق من الدراسة الشّاملة المتأنّية، من أجل هذا أردت أن يكون هذا البحث مدخلاً لدراسة تلك اللغات، وحافزًا إليها، فاخترت من لغاتهم أمثلة كثيرة متنوعة، تنتظم جميع المستويات اللغوية المذكورة، مع محاولة الربط - ما أمكن - بين هذه اللغات وما هو امتداد لها في لهجاتهم المعاصرة.

وقد أقمت هذه الدراسة بعد المقدمة على فصلين وخاتمة وفهرسين.

فكان الفصل الأول بعنوان: (تاريخ الأزد) وفيه تحدثت عن أنسابهم، وقبائلهم، وخروجهم من مأرب وتفرقهم في البلدان، وديانتهم في الجاهلية، ثم ذكرت طرفاً من مآثرهم في الجاهلية والإسلام، وأشرت إلى أشهر من برّز من أبنائهم في الثقافة العربية والإسلامية، ثم انتهيت إلى ذكر بعض الأحاديث والآثار والأشعار التي جاءت في فضلهم والثناء عليهم.

أما الفصل الثاني فكان بعنوان (مكانة الأزد في العربية) .

وقد ابتدأت هذا الفصل بالحديث عن فصاحة الأزد، وسقت أقوال عدد من العلماء الذين شهدوا لهم بالفصاحة المتناهية، ابتداء من عصور الاحتجاج وانتهاء بعصرنا الحاضر.

ص: 199

ثم أوردت أمثلة متنوعة تشتمل على جميع المستويات اللغوية في لغات الأزد، حاولت من خلالها إبراز أهمية هذه اللغات، ومدى شيوعها في كتب التراث العربي والإسلامي بعامة.

ثم الخاتمة، وقد تضمنت خلاصة للبحث، وأهم نتائجه.

أما الفهرسان، فكان أحدهما للمصادر والمراجع، والآخر للموضوعات.

والله أسال أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به، إنه خير مسؤول، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيراً.

الفصل الأول: تاريخ الأزد

المبحث الأول: نسبهم:

تنتسب قبائل الأزد جميعًا إلى الأزْد بن الغوث بن نَبْتٍ بن مالك بن زيد بن كَهْلان بن سبأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قحطان والأزد لقبه، واسمه دِراء بوزن (فِعَال) ، والأزْد والأسْد لغتان، والأخيرة أفصح، إلا أن الأولى أكثر.

قال ابن دريد:"اشتقاق الأسْد من قولهم: أسِدَ الرجل يأسَدُ أسْدًا، إذا تشبّه بالأسد".

وفي التصريح: "اختلف في تسميته أزدًا، وأسدًا، فقيل: لأنه كان كثير العطاء، فقيل له ذلك، لكثرة من يقول أسدى إليّ كذا، أو أزدى، وقيل لأنه كان كثير النكاح، والأزْد والأسْد النّكاح".

وكان للأزد سبعة أولاد تفرعت عنهم جميع قبائل الأزد، وهم: مازن، ونصر، والهنو، وعبد اللَّه، وعمرو، وقُدار، والأهْيُوب.

المبحث الثاني: قبائلهم:

يذكر النسابون أن القبائل التي تنتسب إلى الأزد افترقت على نحو ست وعشرين قبيلة، وهي: جَفْنَة، وغسّان، والأوس والخزرج، وخُزاعة، ومازن، وبارق، وألمع، والحَجْر، والعَتيك، وراسب، وغامد، ووالِبَة، وثُمَالة، ولِهْب، وزهران، ودُهمان، والحدّان، وشَكْر، وعَكّ، ودوس، وفَهْم، والجَهاضم، والأشاقر، والقَسامل، والفَراهيد.

المبحث الثالث: خروجهم من مأرب وتفرقهم في البلدان:

ص: 200

كانت مأرب وما حولها من أرض اليمن الموطن القديم للأزد، حيث كانوا يعيشون في رغد من العيش على ضفاف وادي سد مأرب الشهير، وقد وصف المسعودي أرضهم فقال:"كانت من أخصب أرض اليمن، وأثراها، وأغدقها، وأكثرها جنانًا وغيطانًا، وأفسحها مروجًا، مع بنيان حسن، وشجر مصفوف، ومساكب للماء متكاثفة، وأنهار وأزهار متفرقة" حتى قيل: إن المرأة كانت تخرج وعلى رأسها مكتل، وتسير بين الشجر، فيمتلئ من أنواع الفواكه من غير أن تمسها بيدها ولم يكن بأرضهم بعوض ولا ذباب ولا براغيث ولا عقارب ولا حيّات ولا هوام، فكانت كما قال اللَّه تعالى:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (1) ولكنهم كفروا بأنعم اللَّه، وأعرضوا عن اتباع رسله، وعبدوا الشمس والكواكب فعاقبهم اللَّه بسيل العرم، فخرّب سدهم، وأتى على أموالهم وزروعهم وبيوتهم فدمرها، كما قال تعالى:{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} (2)

وقد تفرقوا بعد خراب السّد في البلاد مزقًا، كما قال اللَّه عنهم:

{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (3) .

وضرب العرب بتفرقهم الأمثال، فقالوا:

"تفرقوا أيدي سبأ، وذهبوا أيادي سبأ".

(1) سورة سبأ 15،16،19. وينظر: تفسير القرطبي 14/182،183، ومروج الذهب 2/174.

(2)

سورة سبأ 16.

(3)

سورة سبأ 19. وينظر: تفسير القرطبي 14/182،183.

ص: 201

ويرى أكثر المؤرخين أن نزوح الأزد عن مأرب كان قبيل انهيار السد بزمن قليل في عهد عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن نحو سنة 115 قبل الميلاد، على إثر علامات ظهرت لهم تنذر بخرابه.

ومن المؤرخين من يرى أنهم نزحوا جميعًا عن مأرب في عهد عمرو المذكور بعد خراب السد، وغرق جناتهم، وذهاب أشجارهم، وإبدالهم خمطًا وأثلاً وشيئًا من سدر قليل.

ويشكك الشيخ حمد الجاسر في تحديد رحيل الأزد من اليمن بخراب السد، فيقول: "وانتقال تلك القبائل - أو جلها - من اليمن أمر معقول ومقبول، ولكن كونها انتقلت إثر خراب السد أمر مشكوك فيه، ذلك أن المتقدمين يؤرخون حادثة الخراب بأنها في عصر الملك الفارسي دارا بن بهمن، ودارا هذا هو الذي غزاه الإسكندر الكبير في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، والأدلة التاريخية والنقوش التي عثر عليها في أمكنة كثيرة في جنوب الجزيرة وشمالها، وفي أمكنة أخرى خارجها، تدل على انتشار كثير من تلك القبائل التي ورد ذكرها خارج اليمن قبل سيل العرم، وليس من المعقول أيضًا أن تلك الرقعة الصغيرة من الأرض، وهي مأرب تتسع لعدد كبير من السكان يتكون من قبائل.

والأمر الذي لا ريب فيه أن انتقال تلك القبائل كان في فترات متفرقة، وفي أزمان متباعدة، فعندما تضيق البلاد بسكانها ينتقل قسم منهم بحثًا عن بلاد تلائم حياتهم".

ص: 202

وذكر الهمداني خبر نزوحهم من مأرب وتفرقهم في البلدان، فقال: "ولما خرج عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء هو ومالك بن اليمان من مأرب في جماعة الأزد، وظهرا إلى مخلاف خولان، وأرض عَنْس، وحقل وصنعاء، فأقبلوا لا يمرون بماء إلا أنزفوه، ولا بكلأ إلا سحقوه لما فيهم من العَدد والعُدد والخيل والإبل والشاء والبقر وغيرها من أجناس السوام، وفي ذلك تضرب لهم الرواد في البلاد تلتمس لهم الماء والمرعى

ثم إنهم أقاموا بأزال وجانب من بلد همدان في جوار ملك حمير في ذلك العصر حتى استحجرت خيلهم ونعمهم وماشيتهم، وصلح لهم طلوع الجبال، فطلعوها من ناحية سهام ورَمِعَ، وهبطوا منها على ذؤال، وغلبوا غافقًا عليها، وأقاموا بتهامة ما أقاموا حتى وقعت الفرقة بينهم وبين كافة عكّ، فساروا إلى الحجاز فرقًا، فصار كل فخذ منهم إلى بلد، فمنهم من نزل السروات، ومنهم من تخلف بمكة وما حولها، ومنهم من خرج إلى العراق، ومنهم من سار إلى الشام، ومنهم من رمى قصد عمان، واليمامة والبحرين

فأما ساكن عمان من الأزد فيحمد وحدّان ومالك والحارث وعتيك وجديد، وأما من سكن الحيرة والعراق فدوس، وأما من سكن الشام فآل الحارث: محرق وآل جفنة ابنا عمرو، وأما من سكن المدينة فالأوس والخزرج، وأما من سكن مكة ونواحيها فخزاعة، وأما من سكن السروات فالحَجْر بن الهنو ولهب وناه وغامد ومن دوس وشَكْر وبارق السوداء وحاء وعلي بن عثمان والنمر وحوالة وثمالة وسلامان والبقوم وشمران وعمرو، ولحق كثير من ولد نصر بن الأزد بنواحي الشحر وريسوت وأطراف بلد فارس فالجويم فموضع الجلندى".

ص: 203

وذكر ابن هشام أنهم ساروا بعد حروبهم مع عك وهمدان إلى نجران، ومنها تفرقوا في البلدان، فسار بنو نصر بن الأزد إلى عمان، ونزل أزد شنوءة أرض شنء، ونزلت خزاعة بطن مرّ، ونزلت قبيلتا الأوس والخزرج يثرب، ونزل بنو همدان بن الأزد بابل بالعراق، وسار بنو جفنة إلى الشام، ونزلوا دمشق وبصرى وغويرًا وحفيرًا، ونزل السراة بنو هبير بن الهبور بن الأزد، وبعض بني نصر بن الأزد.

وفي أخبار مكة للأزرقي: أنهم ساروا جميعًا إلى مكة، فقاتلوا جرهمًا بعد أن منعتهم الجوار، فهزموها، ولم يفلت منها إلا الشريد أو من اعتزل القتال، ثم أقاموا بمكة وما حولها حولاً، فأصابتهم الحمى، وكانوا في بلادهم لا يدرون ما الحمى، فدعوا طريفة الكاهنة، فشكوا إليها الذي أصابهم، فأشارت عليهم في ألفاظ مسجوعة بالرحيل إلى عدد من البلدان على نحو ما ذكر ابن هشام.

وذكر البكري وياقوت أن خثعم بن أنمار كانت منازلهم جبال السراة وما والاها أو قاربها في جبل يقال له: شنء، وجبل آخر يقال له: بارق، وجبال معهما، حتى مرت بهم الأزد في مسيرها من أرض سبأ وتفرقهم في البلدان، فقاتلوا خثعمًا فأنزلوهم من جبالهم وأجلوهم عن مساكنهم، ونزلها أزد شنوءة غامد وبارق ودوس، وتلك القبائل من الأزد، فظهر الإِسلام، وهم أهلها وسكانها.

وحدد الهمداني مواطن الأزد في جبال السراة وذكر بعض القبائل المجاورة لهم، وأشار إلى شيء من مظاهر حياتهم المعيشية كالزراعة والرعي والصيد، فقال: "بطون الأزد، مما تتلو عَنْز إلى مكة منحدرًا: الحجر.. ثم قطع بين الحجر وبين بلاد شَكْر بطنان من خثعم يقال لهم ألوس والفزع فقطعتاه إلى تهامة وسعد الهماهم نزارية، ثم بلد شَكْر سروي، ثم غامد، ثم بلد النمر، ثم بلد دوس، ومن وراء ذلك بلد بجيلة

وبسراة الحجر البر والشعير والبلس والعتر واللوبياء واللوز والتفاح والخوخ والكمثرى والإجاص، والعسل في غربيها والبقر وأهل الصيد، وشرقيها من نجد أهل الغنم والإِبل".

ص: 204

وقال: "سراة الحجر نجدها خثعم وغورهم بارق، ثم سراة ناه من الأزد وبنو القرن، وبنو خالد نجدهم خثعم وغورهم قبائل من الأزد، ثم سراة الحال لشَكْر نجدهم خثعم وغورهم قبائل من الأسْد بن عمران، ثم سراة زهران من الأزد دوس وغامد، والحُر نجدهم بنو سواءة بن عامر وغورهم لهب، وعويل من الأزد وبنو عمرو، وبنو سواءة خليطي والدعوة عامرية، ثم سراة بجيلة".

وقسم بعض العلماء قبائل الأزد إلى مجموعات رئيسة بحسب المواطن التي رحلوا إليها، قال الجوهري:"يقال: أزد شنوءة، وأزد عُمان، وأزد السّراة".

وقال ياقوت: "الأزد تنقسم إلى أربعة أقسام: أزد شنوءة، وأزد السّراة، وأزد غسّان، وأزد عُمان".

فأما أزد السّراة: فهم جميع بطون الأزد الذين نزلوا جبال السّراة، كما جاء في قول الهمداني المتقدم، وقد غلبوا عليها حتى خصهم بها كثير من العلماء، وهم بنو نصر بن الأزد (أزد شنوءة) غامد وزهران ولهب وثمالة وغيرهم، وبطون أخرى من بني مازن بن الأزد، وهم بارق وشَكْر وألمع والأسد بن عمران، وبنو الحجر بن الهنو بن الأزد، وبنو قَرْن بن عبد اللَّه بن الأزد.

وأما أزد عمان: فهم بطون من أبناء العتيك بن الأزد بن عمرو مزيقياء من نسل مازن بن الأزد، وبطون من أبناء عمرو بن نصر بن الأزد ولحق بهم من السّراة مالك بن فهم الدوسي، وبطون أخرى من نسل غالب بن عثمان بن نصر بن زهران، وغلب هؤلاء على عمان، فعرفوا هم وأخوتهم من أبناء العتيك بأزد عمان.

ورحل كثير من هؤلاء إلى مدن العراق كالبصرة والحيرة والموصل، وكان منهم جَذِيمة الأبرش بن مالك بن فهم، ملك العراق، وأعظم ملوك العرب في الجاهلية، ومنهم من عبر البحر إلى بلاد فارس، وهم من ولد سُلَيمة بن مالك ابن فهم، وسكنوا جبل يقال له: القُفْس، من أقليم كرمان.

ص: 205

ويرى بعض المحدثين أن بطون الأزد التي نزحت إلى عمان سموا أزد السّراة. وهذا غير صحيح، لما تقدم من أن أزد السّراة إنما سموا بهذا الاسم، لأنهم نزلوا جبال السّراة، وأما من نزل منهم بعمان فقد عُرف بأزد عمان، سواء أولئك الذين هاجروا إليها من مأرب، أو الذين هاجروا إليها لاحقًا من السّراة.

وأما أزد غسّان: فهم أشهر بطون الأزد، وهم خزاعة، والأوس والخزرج، وآل جَفْنة، وبارق، وشَكْر، والعتيك، والأسد بن عمران، وهؤلاء كلهم يجتمعون في عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف من أبناء مازن بن الأزد، وقد استوطنت خزاعة مكة، والأوس والخزرج المدينة، وآل جفنة الشام، وغلب عليهم اسم غسّان، واستوطن العتيك عمان، واستوطن البقية جبال السّراة.

قال ابن الكلبي: "غسّان: ماء شربوا منه فسموا به، وهو ما بين زَبِيْد ورِمَع، وهذان واديان للأشعرين".

وقال ابن عبدة النّسّابة: (غسّان ماء بالمُشَلَّل فمن شرب منه من الأزد أيام تفرقهم بعد سيل العرم فهو غسّاني".

والمشلل: جبل مشرف على قُدَيد قريب من الجحفة، وهو في طريق السائر من مكة إلى المدينة.

أما أزد شنوءة: فقد نزلوا السّراة، وهم أعظم بطون الأزد عددا وأصرحهم نسبًا، قال الخليل: أزد شنوءة: أصح الأزد فرعًا وأصلاً. وأنشد:

فما أنتم بالأزد أزد شنوءة

ولا من بني كعب بن عمرو بن عامر

وشنوءة بالهمز، وشنوّة بتشديد الواو من غير همز، من الشنآن، وهو التباغض، قال ابن دريد:"وبه سمي أبو هذا الحي من الأزد".

وقال أبو عبيد: الشنوءة: الذي يتقزز من الشيء، وبه سمي أزد شنوءة.

وقال الخفاجي: سموا بهذا "لعلو نسبهم وحسن أفعالهم، من قولهم: رجل شنوءة، أي طاهر النسب ذو مروءة".

وقال ياقوت: "شنوءة

مخلاف باليمن، بينها وبين صنعاء اثنان وأربعون فرسخًا، تنسب إليها قبائل من الأزد يقال لهم: أزد شنوءة".

ص: 206

وقال العمروي: "شنوءة هي: قبائل الأزد، شربوا من جبال شنء الواقعة في بلاد بني مالك عسير، وهي إلى الشمال من أبها بخمسة عشر كيلاً، وتعرف العيون حاليًا بـ"عيون ابن يعلا، وعين ابن جرادة، وعين ابن مصافح، وعين ابن الغربيين"وتنبع كلها من جبال شنء، وهي مجموعة من الجبال عُرفت في الماضي والحاضر بجبال شنء، وعُرف الذين شربوا منها برجال شنوءة".

واختلفوا في صاحب هذا اللقب على أقوال أرجحها أنه لقب لنصر بن الأزد غلب على بنيه، وهم غامد وزهران ولهب وثمالة وماسخة وراسب وغيرهم، فكل من ينتسب إلى أزد شنوءة فهو من بني نصر بن الأزد بن الغوث.

ونزل معظم أزد شنوءة السراة، وشاركهم في منازلهم بالسّراة - كما ذكرنا - بنو الحجر بن الهنو بن الأزد، وبنو قرْن بن عبد اللَّه بن الأزد، وبطون من بني مازن بن الأزد، وهم بارق وشكر والأسد بن عمران، ولذلك عد بعض العلماء بارقًا من أزد شنوءة، ولعل ذلك من باب التغليب لمجاورتهم هؤلاء.

وبقي فريق من الأزد في تهامة إلى جانب عكّ، وسموا (أزد الجيش) ، واستقر فريق منهم في الجبال المطلة على تهامة، وسموا (أزد نجد) جاء ذكرهما في النقوش اليمنية، ولم أجد لهما ذكرًا بهذا الاسم في المصادر العربية.

المبحث الرّابع: ديانتهم في الجاهلية:

كان الأزد في الجاهلية على بقية من دين إبراهيم عليه السلام، فكانوا يعظمون البيت ويطوفون به، ويحجون ويعتمرون، ويقفون بعرفة ومزدلفة، ويهدون البُدَن وكانت تلبيتهم إذا قصدوا مكة:

يا رب لولا أنت ما سعينا

بين الصفا والمروتين فينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

ولا حللنا مع قريش أينا

البيت بيت اللَّه ما حيينا

والله لولا اللَّه ما اهتدينا

نحج هذا البيت ما حيينا

وكانت تلبية خزاعة، وهم أحد بطون الأزد:

نحن ورثنا البيت بعد عادْ

ونحن من بعدهم أوتادْ

فاغفر فأنت غافر وهادْ

ويُروى للأوس والخزرج:

لبيك حجًا حقًّا

تعبدًا ورقًّا

جئناك للنّصاحة

لم نأت للرّقاحة

ص: 207

وكان لهم - كغيرهم من قبائل العرب - أصنام يعبدونها لتُقَرِّبهم - كما زعموا - إلى اللَّه زلفى، ومن أشهرها:

1-

مَنَاة، وكان يعبده الأوس والخزرج، وأزد شنوءة وغيرهم من الأزد، وكان على ساحل البحر قرب قُديد، وسدنته الغطاريف من الأزد.

2-

السّعَيدة: كانت تعبدها الأزد، وكان سدنتها بنو العجلان، وكان موضعها بأحد.

3-

ذو الخَلَصَة، قال ابن الكلبي:"وكان مروة بيضاء منقوشة كهيئة التاج، وكانت بتَبَالَة بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة، وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعصر، وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة وأزد السّراة ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن".

وقال ابن إسحاق: "وكان ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة".

وفي صحيح البخاري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة"(1) ، أي يعبدونه كما كانوا يعبدونه في الجاهلية.

وقد بعث إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد اللَّه البجلي فهدمه.

4-

ذو الكَفَّين، وكان لدوس وبني منهب بن دوس وقال ابن حبيب:"وكان ذو الكفين لخزاعة ودوس". فلما أسلموا بعث النبي صلى الله عليه وسلم الطفيل ابن عمرو الدوسي فحرّقه، وهو يقول:

يا ذا الكفين لست من عُبّادكا

ميلادنا أكبر من ميلادكا

إني حشوت النار في فؤادكا

5-

ذو الشَّرَى، وكان لبني يشكر بن مُبشّر من الأزد وفي السّيرة لابن هشام عن الطفيل بن عمرو الدوسي أنه كان صنمًا لدوس.

6-

عائم، ذكر الكلبي أنه كان لأزد السراة.

7-

باجَر، قال ابن دريد: هو صنم كان للأزد في الجاهلية ومن جاورهم من طيئ وقضاعة، وربما قالوا: باجِر بكسر الجيم.

المبحث الخامس: مآثرهم في الجاهلية والإسلام:

(1) أخرجه البخاري (باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان- 6699) 6/2604.

ص: 208

وُصِف الأزد بأنهم من أعظم قبائل العرب وأكثرها بطونًا وأمدها فروعًا وتاريخ الأزد حافل في الجاهلية والإِسلام، ففي الجاهلية - قبل رحيلهم عن مأرب - كانت لهم السّيادة والسّيطرة على أجزاء كثيرة من بلاد اليمن.

وبعد تفرقهم ملكوا معظم بلاد الشّام والعراق وعُمان والحجاز والسّروات.

ولما كانت البعثة النبوية، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإِسلام كان الطفيل بن عمرو الدوسي أول من اعتنق الإِسلام من الأزد، وكان ذلك منه قبل الهجرة، وقد عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم الإيواء والنصرة.

وكان الأوس والخزرج أول القبائل العربية استجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم وأول من آواه ونصره، ومن ثم سماهم اللَّه (الأنصار) ، وأثنى عليهم في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} (1) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "لو أن الأنصار سلكوا واديًا أو شِعبًا لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. فقال أبو هريرة: ما ظلم بأبي وأمي آووه ونصروه".

وكان للأزد في الفتوحات الإِسلامية المواقف البطولية المشرفة، والذكر الحسن المعروف، إذ كان منهم: القادة والجند والشعراء الذين دون التاريخ أسماءهم، وسجل أخبارهم، فلهم بسالة مشهودة، وجهاد صادق معهود.

(1) سورة الأنفال 74.

(2)

سورة الحشر 9.

ص: 209

وقد برّز من أبناء الأزد رجال كثيرون كان لهم أثر كبير في الثقافة العربية والإِسلامية، منهم: الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه الذي كان أكثر الصحابة - رضوان اللَّه عليهم - رواية لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومُسَدَّد بن مُسَرْهَد شيخ الإمام أحمد، وهو أول من صنّف مسندًا للحديث في مدينة البصرة، والإِمام محمد ابن أحمد الطّحاوي صاحب المصنفات المعروفة، ومن أشهرها شرح معاني الآثار، والخليل بن أحمد مصنف كتاب العين، ومخترع علم العروض، وابن دريد مؤلف معجم جمهرة اللغة، ومحمد بن يزيد المبرد، صاحب كتاب الكامل في اللغة والأدب، والحافظ عبد الغني بن سعيد مؤلف أول كتاب في الموتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب، وأبو زيد الأنصاري، وأبو سعيد السكري، وأبو الحسن الهنائي، وغيرهم كثير.

كما برّز من أبناء الأزد شعراء فحول، من أشهرهم في الجاهلية عبد الله بن سلمة الغامدي أحد شعراء المفضليات، وقيس بن الخطيم، والشنفرى الأزدي، صاحب (لامية العرب) وهي القصيدة التي فاقت بشهرتها الأدبية واللغوية سائر ما نظمه الشعراء الجاهليون، الأمر الذي أغرى العلماء بشرحها وإعرابها، وقد زادت شروحها عن خمسة عشر شرحًا. وتجاوز الاعتناء بها علماء العرب إلى المستشرقين، فدرسوها ونقلوها إلى لغاتهم، وأهم اللغات التي نقلت إليها الإنجليزية والفرنسية واليونانية والإيطالية والروسية.

ومن شعرائهم في الإسلام حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب ابن مالك رضي الله عنهم أجمعين - والثلاثة - من شعراء الأنصار الخزرجيين الذين أبلوا بلاء حسنًا في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، والرد على شعراء الكفر الكثيرين (1) .

(1) الأغاني 4/138، 143،145.

ص: 210

وقد ورد في فضل الأزد والثناء عليهم أحاديث وآثار كثيرة، نذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم:"الأزد جرثومة العرب فمن أضل نسبه فليأتهم"(1) .

وقوله: "الأمانة في الأزد والحياء في قريش"(2) .

وقوله:"أتتكم الأزد أحسن الناس وجوهًا، وأعذبها أفواهًا، وأصدقها لقاءً"(3) .

وفي خبر قدوم وفد الأزد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال بعد أن سمع مقالتهم:"حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء"(4) .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "للأزد أربع ليست لحيّ: بذل لما ملكت أيديهم، ومنع لحوزتهم، وحيّ عمارة لا يحتاجون إلى غيرهم، وشجعان لا يجبنون".

وكان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه محبًا لهم، معتمدًا عليهم، واثقًا بهم، روى الحارث بن يزيد أنه كتب إلى مسلمة بن مخلد وهو على مصر:"ولا تولّ عملك إلا أزديًّا أو حضرميًّا، فإنهم أهل الأمانة".

وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "إن لم نكن من الأزد فلسنا من الناس".

وفي حج عام (579هـ) وصف الرَّحَّالة ابن جبير أزد السّراة بأنهم أهل صلاح وصدق نية، واعتقاد صحيح، فقال:"فلا تجد لديهم من أعمال العبادات سوى صدق النية، فهم إذا طافوا بالكعبة المقدسة يتطارحون عليها تطارح البنين على الأم المشفقة، لائذين بجوارها، متعلقين بأستارها، فحيثما علقت أيديهم منها تمزق لشدة اجتذابهم لها، وانكبابهم عليها، وفي أثناء ذلك تصدع ألسنتهم بأدعية تتصدع لها القلوب، وتتفجر لها الأعين الجوامد فتصُوب، فترى الناس حولهم باسطي أيديهم مؤمنّين على أدعيتهم، متلقنين لها من ألسنتهم على أنهم طول مقامهم لا يتمكن معهم طواف، ولا يوجد سبيل إلى استلام الحجر".

(1) الغريبين 1/335، والنهاية 1/254، وتاريخ بغداد 2/58.

(2)

الإصابة (5159) .

(3)

الجامع الكبير، السيوطي 12، والإصابة (51229) . وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1701) .

(4)

الحلية 9/279، 10/192، والبداية والنهاية 5/85.

ص: 211

وبمثل هذا وصفهم الرحالة ابن بطوطة، وأضاف:"وهم شجعان أنجاد، ولباسهم الجلود، وإذا وردوا مكة هابت أعراب الطريق مقدمهم، وتجنبوا اعتراضهم. ومن صحبهم من الزوار حمد صحبتهم، وذُكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وأثنى عليهم خيرًا، وقال: "علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء"وكفاهم شرفًا دخولهم في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "الإِيمان يمان والحكمة يمانية".

وذُكر أن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما كان يتحرى وقت طوافهم، ويدخل في جملتهم، تبركًا بدعائهم، وشأنهم عجيب كله، وقد جاء في أثر:"زاحموهم في الطواف، فإن الرحمة تنصب عليهم صبًا"(1) .

واشتهر أزد شنوءة بكمال الخلقة البشرية. وفي الحديث في حق موسى: "كأنه من رجال شنوءة"(2) .

ووُصِف بنو لِهْب من بني نصر بن الأزد بأنهم أعْيَف العرب، ولهم في ذلك أمور عجيبة، وفيهم يقول كثير عزة.

تيممت لهبًا ابتغي العلم عندهم

وقد ردّ علمُ العائفين إلى لهب

كما وُصف بنو ثمالة، وهم إخوة بني لهب، بأنهم أهل رويّة وعقول، وإليهم ينتمي محمد بن يزيد المبرد.

وذكرهم الشعراء، فأثنوا على خصالهم الحميدة، قال مُضَرِّس بن دُومي النهدي:

إذا الحرب شالت لا قحًا وتحَدَّمَت

رأيت وجوه الأزد فيها تَهَلَّلُ

حياء وحفظًا واصطبارًا وإنهم

لها خُلِقوا والصَّبر للموت أجملُ

وهم يضمنون الجار من كلّ حادثٍ

ويمشون مشي الأُسْدِ حين تبسّلُ

يُرى جارهم فيها منيعًا مكرمًا

على كلّ ما حالٍ يُحبُّ ويوصَلُ

إذا سِيم جارُ القوم خَسْفًا فجارهم

عزيزٌ حِمَاه في عَمَايةَ يعقِلُ

الفصل الثاني: مكانة الأزد في العربية

المبحث الأول: شواهد من أقوال العلماء:

(1) رحلة ابن بطوطة 181. وينظر: صحيح البخاري (كتاب المناقب -3499) ، والحلية 7/363.

(2)

صحيح البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء - 3396) ومسند الإمام أحمد (2353) المعجم الكبير للطبراني24/433.

ص: 212

كان الأزد، وبخاصة أزد السّراة من أفصح قبائل العرب، شهد لهم بذلك العلماء عبر العصور، بدءً ابعصور الاحتجاج اللغوي، وانتهاء بعصرنا الحاضر.

قال أبو حاتم السجستاني: نزل القرآن على سبع لغات متفرقة في القرآن الكريم، وهي لغات قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر.

وقال ابن فارس: "ويروى مرفوعًا أن القرآن نزل على لغة الكعبين: كعب بن لويّ، وكعب بن عمرو، وهو أبو خزاعة". وخزاعة - كما تقدم - قبيلة أزدية، نزلت بعد نزوحها من اليمن مكة وما جاورها. قال ابن شميل: الخزاعيون من أعرب الناس.

ووصف أبو حاتم السجستاني أهل المدينة - وجل أهلها من الأزد، وهم الأنصار - بأنهم فصحاء، لقلة ما يخالطهم من الأعاجم.

وقال الخليل بن أحمد: "أفصح الناس أزد السراة".

وقال أبو عمرو بن العلاء: "كنا نسمع أصحابنا يقولون: أفصح الناس تميم وقيس وأزد السّراة وبنو عذرة".

وقال أيضًا: "أفصح الناس أهل السروات، وهي ثلاث: وهي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن، أولها هذيل، وهي التي تلي السهل من تهامة، ثم بجيلة، وهي السّراة الوسطى، وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها، ثم سراة الأزد أزد شنوءة، وهم بنو كعب ابن الحارث بن كعب بن عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد".

ونقل ابن رشيق والسيوطيّ (1) قول أبي عمرو هذا مصدرًا بعبارة: "أفصح الشعراء ألسنًا وأعربهم أهل السروات" ثم ساقا بقية النص على نحو ما أوردنا.

وقال المبرد: "حدثني علي بن القاسم الهاشمي قال: رأيت قومًا من أزد السّراة لم أر أفصح منهم، وكانوا يلبسون الثياب المصبّغة، قلت لأحدهم: ما حملك على لبس الثياب المصبّغة؟ قال: ابتغاء الحسن".

(1) المزهر 2/483.

ص: 213

وحدد الهمداني القبائل الفصيحة في عصره بقوله: "ثم الفصاحة من العَرْض في وادعة، فجَنْب، فيام، فزُبيد، فبني الحارث، فما اتصل ببلد شاكر من نجران إلى أرض يام، فأرض سنحان، فأرض نهد وبني أسامة، فعَنْز، فخثعم، فهلال، فعامر بن ربيعة، فسراة الحَجْر، فدوس، فغامد، فشَكْر، ففهم، فثقيف، فبجيلة، فبنو علي، غير أن أسافل سروات هذه القبائل ما بين سراة خولان والطائف دون أعاليها في الفصاحة".

ووصف الهجري أزد السّراة بأنهم فصحاء، وأنشد لخمسة عشر شاعرًا منهم.

وأثنى ابن جبير على فصاحتهم فقال: "والقوم عرب صرحاء فصحاء جُفاة أصحاء، وأما فصاحتهم فبديعة جدًا

وشاهدنا منهم صبيًا في الحجر قد جلس إلى أحد الحجاج يعلّمه فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص، فكان يقول له:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيقول الصبي: (هو اللَّه أحد) فيعيد عليه المعلم، فيقول له: ألم تأمرني بأن أقول: هو اللَّه أحد؟ قد قلت) فكابد في تلقينه مشقة، وبعد لأي ما علقت بلسانه.

وكان يقول له: " {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "فيقول الصبي:"بسم اللَّه الرحمن الرحيم، والحمد للَّه"فيعيد عليه المعلم، ويقوله له:"لا تقل: والحمد للَّه، إنما قل: الحمد للَّه"فيقول الصبي: "إذا قلت بسم اللَّه الرحمن الرحيم، أقول: والحمد للَّه، للاتصال، وإذا لم أقل: بسم اللَّه، وبدأت قلت: الحمد للَّه"فعجبنا من أمره ومن معرفته طبعًا بصلة الكلام وفصله دون تعلّم".

وذكر ابن بطوطة، وهو من أعيان القرن الثامن الهجري، أزد السّراة فأثنى عليهم خيرًا، وقال:"وأهلها فصحاء بالألسن".

وربما كان من أسباب ثبات أزد السّراة على فصاحتهم أن جبالهم كانت "أحصن الجبال للدفاع، ورجالها من صفوة العرب في البأس والبسالة

ونفرة من الأجانب".

ص: 214

وأرجع الشيخ حمد الجاسر فصاحة سكان السروات "إلى كون بلادهم بعيدة عن الاختلاط بمن ليس عربيًا، فطرق القوافل التجارية وطرق الحجاج الذين يأتون من خارج الجزيرة كلها لا تمر بهذه السروات، ومن هنا قل اختلاط أهلها بالأعاجم فصفت لغتهم وخلصت من العجمة".

وقد بقيت ألسنة القوم فصيحة نقية من شوائب اللحن إلى عهد قريب، ومن شواهد ذلك ما كتبه فؤاد حمزة في كتابه (قلب جزيرة العرب) حيث كتب يقول: "أفصح اللهجات وأقربها إلى الفصحى - فيما نعتقد - هي اللهجات اليمانية الواقعة ما بين جنوبي الحجاز وشمالي اليمن، وكثيرًا ما سمعنا أهل هذه البلاد يلفظون الكلمات من مخارجها الصحيحة، ويتكلمون بما هو أقرب إلى الفصيح من سواه، وبعض البداة من أهل المنطقة يُخرجون جملاً يظن منها الإِنسان أنهم تمرنوا في المدارس على إخراجها على ذلك النحو، بينما أن الحقيقة هي بخلاف ذلك، لأنهم يتكلمون بالسليقة وعلى البديهة فيجيء كلامهم فصيحًا معربًا لا غبار عليه.

ويستعملون ألفاظًا نظنها في الأقطار العربية المتمدنة مهملة ومتروكة ولكنهم هم يستعملونها على البداهة".

ونقل الدكتور جواد علي قول فؤاد حمزة المتقدم وذكر أن بعض اللهجات لا تزال باقية على ألسنة أولئك الناس يتكلمون بها على سليقتها الأولى، وقال:"وآسف لأن أقول: إن علماء العربية في الوقت الحاضر، لم يوجهوا عنايتهم نحوها لدراستها قبل انقراضها وزوالها في الوقت الحاضر". وكتب فيصل الغوري: "بأن لا وجود للغة القرآن التي على أساسها ومنهجها وضعت قواعد اللغة العربية في أية قبيلة من قبائل العرب. وما بوسعنا إلا أن نقول بأن لغات بعض القبائل العربية قريبة بدرجة كبيرة من اللغة العربية القديمة، وعلى هذا السبيل فإن قبائل بلاد غامد وزهران مثال واضح ومميز لمثل هذه القبائل".

ص: 215

كما كتب الأستاذ الأديب سعود السديري أمير منطقة الباحة سابقًا، في مقال نشره عام (1389هـ) بعنوان (ما أعجبني في منطقة السروات) كتب يقول عن أهلها:"ثم هم فوق ذلك يتمسّكون بالكثير من ألفاظ العربية الفصحى في محادثتهم العامة، وهي ظاهرة تبعث في النفس الاعتزاز، وتؤكد أن ما اعترى لغتنا في بعض المناطق إن هو إلا بسبب الاختلاط بغير العرب، والتأثر بما جلبوه من بضاعة لم تكن منطقة السروات من أسواقها في يوم من الأيام، ولهذا احتفظ أهالي منطقة السروات بالكثير من ألفاظ لغتهم الفصحى، وكم يسر المرء حينما يرى طفلاً صغيرًا يشير إلى المؤنث القريب بقوله: (تي) أو طلب حاجة من الآخر فيقول: (هب لي هذا) أو يستمع إلى المتكلم العادي عن شجرة العنب فيقول: (حَبَلَة) أو المكان المنخفض فيقول: (الوَهْدَة) أو المكان المرتفع فيقول: (الرَّهْوَة أو الشَّعَف) أو الطريق فيقول: (السُّبْل) أو كبير القرية وهو الذي دون شيخ القبيلة فيقول: (العَرِيف) أو الجبل الغليظ المنقاد في الأرض الذي يصعب صعوده فيقول: (العِرْق) أو عن دعوته إلى الآخر ليقترب فيقول: (هَلُّم) إلى غير ذلك من الألفاظ العربية المحضة التي تأتي دونما تكلف أو تقعّر".

وهكذا.. حتى جاءت الأزمنة الأخيرة، حيث انتشرت وسائل الحضارة الحديثة، وكثر الاختلاط بين سكان الجزيرة شرقها وغربها، وقويت صلتهم بالعالم خارج جزيرتهم، وتمكن الأجانب من الوصول إلى هذه البلاد، وتعلم أهلها في مدارس خارجها، واختلطوا بغيرهم، فتغيرت لغتهم، إلا أنه تغيّر لا يبعد كثيرًا عن العربية الفصحى، ولعلها ما تزال أقرب اللغات إلى الفصحى في سائر الجزيرة العربية.

ص: 216

أولئك أزد السراة، أما أزد عمان، وأزد غسّان، فلم يأخذ عنهم اللغويون حين بدأوا في تدوين اللغة، كما لم يأخذوا عن قبائل أخرى لاختلاطها بأمم غير عربية، وفي ذلك يقول أبو نصر الفارابي: "الذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب، هم قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإِعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.

وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضريّ قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم.

فإنه لم يؤخذ لا من لخم، ولا من جذام، فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة، ولا من غسّان، ولا من إياد، فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام، وأكثرهم نصارى، يقرأون في صَلاتهم بغير العربية، ولا من تغلب، ولا من النمر، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبد القيس، لأنهم كانوا من سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان، لمخالطتهم للهند والفرس، ولا من أهل اليمن أصلاً، لمخالطتهم الهند والحبشة، ولولادة الحبشة فيهم، ولا من حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وسكان الطائف، لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز، لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم".

ص: 217

وقد عزل اللغويون بهذا المنهج الذي سلكوه في مجال الاستشهاد معظم القبائل العربية، وفي ذلك تحجير لواسع، لأن القبائل التي اعتمدوا عليها في الأخذ لا تمثل إلا جزءًا ضئيلاً من القبائل العربية، وحجتهم في ذلك أن لهجات تلك القبائل غير فصيحة. لأنهم كانوا يجاورون الأمم حولهم، فهم مختلطون بالأجانب، ولكن يقف في سبيلهم أنهم عدوا قريشًا أفصح العرب، وأن لهجاتها فصيحة مع اتصالها بكثير من الأمم الأجنبية في رحلاتها التجارية صيفًا وشتاء، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم.

ولهذا السبب طعن الدكتور أحمد علم الدين الجندي في هذا المنهج الذي سلكه اللغويون في الاحتجاج بلغات العرب، وأضاف إلى ذلك سببين آخرين:

أحدهما: أن لغات هذه القبائل التي رفض الرواة الأخذ عنها موجودة في القرآن الكريم، ومثل بعدد من اللغات، منها لغة غسّان، وأزد عمان.

ثانيهما: أن بعضًا من أئمة العربية قد استشهد بلهجات هذه القبائل، ومنهم ابن مالك حيث اعتمد على لغات لخم وخزاعة وقضاعة.

وليس معنى هذا التقليل من جهود أولئك العلماء الذين تكبدوا المصاعب، وعرضوا أنفسهم للمخاطر وهم يشافهون الأعراب الفصحاء في بواديهم النائية، ولكن سلامة المنهج كانت تقتضي منهم أن يأخذوا من جميع القبائل العربية، لا سيما تلك التي تمثلت لغاتها في القراءات القرآنية، والأحاديث النبوية، وكلام العرب شعرًا ونثرًا، ثم يعرضوا جميع ما يأخذونه للموازنة والاختيار والتقعيد، ولو أنهم فعلوا ذلك لأفادوا العربية إفادة كبيرة، وسلموا من الوقوع في محاذير لم يقصدوها، جرّها عليهم ذلك المنهج الضيّق، ومن ذلك طعنهم في بعض القراءات القرآنية التي تمثل لهجات عربية لم يعتدوا بها.

المبحث الثاني: شواهد من لغاتهم:

ص: 218

حفلت كتب اللغة والنحو والقراءات والتفسير بمادة وفيرة من لغات الأزد، وكانت مصدرًا مهمًا من مصادر الاحتجاج اللغوي والنحوي عند علماء العربية وغيرهم. وسأكتفي في هذا المبحث بضرب أمثلة لعدد من الظواهر التي اتسمت بها هذه اللغات، وذكرها العلماء معزوة إليهم، ليبرز لنا من خلالها أهمية لغات الأزد وأثرها في العربية، وذلك من غير ما إسهاب وتفصيل، إلا ما احتاج إلى شيء من التوضيح، فليس غرضي في هذا المبحث دراسة ما كانت تتسم به هذه اللغات من ظواهر صوتية، أو نحوية، أو ظواهر البنية أو الدلالة دراسة تحليل وتعليل، فهذا مما يضيق عنه هذا البحث، إذ تحتاج كل ظاهرة منها إلى بحث مستقل.

وفيما يلي شواهد تمثل لغاتهم على المستويات الآتية:

1-

المستوى الصوتي:

روي عن أزد السّراة أنهم كانوا يسكّنون هاء الغائب المتحرك عند الوصل، كقولهم في (لَهُ مالٌ) :(لَهْ مالٌ) .قال الأخفش: "وهذا في لغة أزد السّراة كثير".واستشهد هو وغيره بقول يعلى الأزدي:

فظَلْتُ لدى البيت العتيق أخِيلَهُ

ومِطْواي من شوقٍ لَهْ أرِقَانِ

واستشهدوا بهذه اللغة على قراءة ابن عباس رضي الله عنهما {ونادَى نُوحٌ ابْنَهْ} (1) بإسكان الهاء.

وإذا كانت الفصحى تقف على المنون بإبدال تنوينه ألفًا، إن كان بعد فتحة، وبحذفه إن كان بعد ضمة أو كسرة بلا بدل، فإن أزد السّراة يقفون بإبدال التنوين ألفًا بعد الفتحة، وواوًا بعد الضمة، وياء بعد الكسرة، فيقولون: رأيت زيدا، وهذا زيدو، وهذا عُمَرو، ومررت بزيدي، وبعمري. عزا هذه اللغة إليهم سيبويه، وقال:"جعلوه قياسًا واحدًا، فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف".

(1) سورة هود 42. وينظر في قراءاتها: المحتسب 1/323، وشواذ القرآن 60، والبحر المحيط 6/157، والدر المصون6/328.

ص: 219

وهو قياس طريف له وجه مقبول، ووصْفُ ابن الشجري لهذه اللغة بالرداءة، وتعليل ذلك بثقل الواو والضمة، والياء والكسرة، ولالتباس الياء في نحو: مررت بزيدي وبغلامي بياء المتكلم، لا يقدح في فصاحة هذه اللغة. قال السيوطيّ:"وكأن البيان عندهم أولى، وإن لزم الثقل".

ولعلهم - أعني: أزد السّراة - قد حذفوا التنوين في الرفع والجر على القياس من كلام العرب، ثم أشبعوا الضمة فتولد عنها واو، وأشبعوا الكسرة فتولد عنها الياء. والإشباع ظاهرة تكاد تكون مطردة في لغاتهم، كقول الشنفرى الأزدي:

أو الخَشْرَمُ المبعوثُ حَثْحَثَ دَبْرَهُ

محابيضُ أرساهنَّ شارٍ مُعَسَّلِ

قال الزَّبيدي: "أشبع الكسرة في محابضَ فولّد ياء، وأراد بالشّاري الشّائر فقلبه".

ولا تزال هذه الظاهرة باقية إلى اليوم في أزد السراة، فأنت تسمعهم يقولون في أخذتُه للمتكلم، وأعطيتَه للمخاطب،وأعطيتِه للمخاطبة:"أخذتُوه، أعطيتَاه، أعطيتِيه". أشبعوا الحركات الثلاث فتولد عنها حروف المد الثلاثة.

وقد استشهدوا بهذه اللغة على كتابة (مُحِلّي) بالياء، والوقوف عليه بها في قوله تعالى:{غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (1) .

وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم في مخاطبة امرأة، فقال:"لو راجعتيه فإنه أبو ولدك"(2) .

ومن الظواهر الصوتية التي عزيت إلى الأزد ظاهرة الإتباع، وهو ضرب من تأثر الحركات المتجاورة بعضها ببعض، وغايته تحقيق الانسجام بين الأصوات، كقولهم:(الحَمْدِ لله) بكسر الدال إتباعًا لكسرة اللام، أو (الحمدُ لُلَّه) بضم اللام إتباعًا لحركة الدال.

(1) سورة المائدة 1. وينظر: البحر المحيط 4/163، والدر المصون 4/183 - 184.

(2)

أخرجه ابن ماجة (2075- 1/671) والطبراني في المعجم الكبير (11962- 11/345) .

ص: 220

وغلَّط كثير من النحاة واللغويين قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} (1) بضم التاء إتباعًا لحركة الجيم.

وذكر ابن الجزري أن هذه القراءة جاءت على لغة أزد شنوءة، ومن ثم رد على من طعن في صحتها، بقوله:"إن أبا جعفر إمام كبير، أخذ قراءته عن مثل ابن عباس وغيره، كما تقدم، وهو لم ينفرد بهذه القراءة، بل قد قرأ بها غيره من السلف، ورويناها عن قتيبة عن الكسائي من طريق أبي خالد، وقرأ بها أيضًا الأعمش، وقرأنا بها من كتاب المبهج وغيره، وإذا ثبت مثله في لغة العرب فكيف ينكر؟ ".

أضف إلى ذلك أن القراءة سنة متبعة، فمتى صحت، ونقلت نقلاً صحيحًا، وجب قبولها، ولا عبرة بكونها جاءت على غير ما هو مشهور في لغة العرب، فالقواعد التي اصطلح عليها علماء العربية لا ينبغي أن تكون هي الحكم في القراءة، بل العكس هو الصحيح.

وإذا كان الهمز ليس من لغة الفصحاء، كما قال الهجري، فإن قبائل الأزد عامة تميل إلى التخلص من الهمزة أنى وقعت، في أول الكلام أو في وسطه أو في آخره. روى أبو زيد عن أهل المدينة - ومعظم أهلها من الأزد - أنهم لا ينبرون. ولما حج المهدي، وقدّم الكسائي يصلي بالمدينة فهمز، فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن؟.

وروي عن الأنصار في قول العرب: "رجل وائل: رجل آيل".

كما روي عنهم أيضًا أنهم يقولون: بدينا في معنى بدأنا. قال شاعرهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

باسم الإله وبه بدينا

ولو عبدنا غيره شقينا

وأرجأت الأمر وأرجيته لغتان، عزيت الأخيرة إلى الأزد، ووصفت بأنها لغة جيدة. وبها قرأ نافع وأهل المدينة قوله تعالى:{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} (2) بغير همز.

(1) سورة البقرة 34.

(2)

سورة الأعراف 111، والشعراء 36. وينظر. السبعة 287، والحجة لأبي علي، 4/58، وعلل القراءات 1/224، واللسان (رجو) 14/311.

ص: 221

ومن هذا ما روي عن خزاعة أنهم يقولون: (لحم مُهَرّد) بدل (مُهَرّأ) تخلصوا من الهمزة بإبدالها دالاً.

ومن الظواهر الصوتية التي عزيت إلى الأزد أيضًا ظاهرة الاستنطاء، وهي عبارة عن جعل العين الساكنة نونًا إذا جاورت الطاء، ومثلوا لها بالفعل (أنطى) بدلاً من (أعطى) . ومن شواهدها: ما روته أم سلمة رضي الله عنها – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {إنّا أنْطَيناكَ الكَوْثر} (1) .وقرأ بها الحسن البصري وطلحة بن مصرف وابن محيصن والزعفراني. كما قرأ ابن مسعود والأعمش: {وأنطاهم تقواهم} في قوله تعالى: {وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (2)

2-

المستوى الصرفي:

حكى الفراء "أن من العرب - وهم قليل - من يقول في المتكبِّر: متكبَّر، كأنهم بنوه على يتكبَّر. وهو من لغة الأنصار، وليس مما يبنى عليه. قال الفراء: وحدثت أن بعض العرب يكسر الميم في هذا النوع إذا أدغم، فيقول: هم المِطَّوِّعة والمِسَّمِع للمستمع، وهم من الأنصار، وهو من المرفوض".

والبُخَل والبَخَل بفتحتين، لغتان، الأخيرة لغة الأنصار، وقرئ بها قوله تعالى:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} (3) .

وروى الهجريّ عن ابن عَلْكَم: إن ثمالة وأهل السّراة كلهم يقولون: التِّرِحَّاب والتِّحِبَّاس والتِّفِرَّاق، يجئ هذا في التَّفَعُّل والتَّفْعِيل. يشاركهم في ذلك فَهْم وعدوان، وخَثْعَم ونَهْد وفصحاء مَذْحِج. قلت: ولا يزال هذا الاستعمال مسموعًا إلى اليوم في سراة غامد وزهران وبني عُمَر.

(1) سورة الكوثر1.وينظر: المعجم الكبير للطبراني23/365 (862) ، وشواذ القرآن182، والكشاف4/806.

(2)

سورة محمد 17.

(3)

سورة النساء 37، والحديد 24. وينظر: السبعة 233، وتفسير القرطبي 17/ 259، وعون المعبود 11/5.

ص: 222

وفُعَّال من صيغ المبالغة التي تواتر عزوها إلى أزد شنوءة، وبها قرئ قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (1) قال العكبريّ: "وهي لغة جيدة للمبالغة".

والأزد ينسبون إلى سَلِيمة (سَلِيمي)، وغيرهم يقول: سَلَمي، وهو القياس.

والقلب المكاني هو حلول أحد الصوتين المتجاورين محل الآخر، ومن أمثلته في لغات الأزد قولهم:(الصّلت) في اللصت. ذكره أبو عمرو الشيباني، والصّغاني.

وأما ما جاء عنهم في الأفعال فقد قرئ قوله تعالى: {إِلَاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} (2) بكسر الدال، على لغة أزد السراة، يقولون: دِمت تَدام، مثل خِفْت تخاف. وهو القياس. وتميم تقول: دِمت بكسر الدال تَدُوم، وهو شاذ.

وحضَرت الصلاة بالفتح، وحضِرت بالكسر، لغتان، والأخيرة لغة أهل المدينة، عزاها إليهم الخليل وقال: وكلهم يقولون في المضارع: تحضُر، بضم عين الفعل، أي على القياس.

ومن الظواهر التي جاء لها شواهد في أشعار الأزد وكلامهم حذف بعض أصوات الكلمة، فراراً من كراهة توالي الأمثال، أو إيثاراً للسهولة والسرعة في النطق، فالأول مثل قول الشنفرى الأزدي:

وظَلْتُ لفتيانٍ معي أتّقيهم

بهنّ قليلاً ساعةً ثم خيّبوا

ومثله قول حاجز بن عوف الأزدي:

سألتُ فلم تكلّمني الرُّسُومُ

فظَلْتُ كأنّني فيها سَقِيمُ

ومثله أيضاً قول يعلى الأزدي:

فظَلْتُ لدى البيتِ الحرام أشيمُهُ

ومِطْواي من شوقٍ لَهْ أرِقَانِ

حذفوا إحدى اللامين عند إسناد الفعل إلى تاء الفاعل، والأصل (ظَلَلْتُ) ، وقد نزل القرآن الكريم بهذه اللغة، مثل قوله تعالى:{وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} (3) وقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (4) .

(1) سورة ص5. وينظر: تفسير القرطبي15/ 99،والبحر المحيط9/138،والدر المصون9/358 وفتح القدير 4/420.

(2)

سورة آل عمران 75.

(3)

سورة طه 97.

(4)

سورة الواقعة 65.

ص: 223

ومن الثاني ماروي عن الشنفرى بعد أن أُسر، وقال له رجل من بني سلامان من الأزد:"أأطرفُكَ؟ ثم رماه فقتله. فقال الشّنفرى: كاك كنا نفعل بكم. يريد كذاك كنا نفعل بكم".

ومثل ذلك قوله في لامية العرب:

فإن يكُ من جِنٍّ لأبرَحُ طارقًا

وإن يكُ إنسًا ما كها الأنس تفعلُ

قال مؤرج السدوسي: "أراد ما كهذا تفعل الإنس".

وهذه الظاهرة تذكرنا بقُطْعة طيئ المشهورة، وهي عبارة عن قطع اللفظ قبل تمامه، كقولهم: يا أبا الحكا، وهم يريدون يا أبا الحكم.

3-

المستوى النحوي:

المشهور في العربية الفصحى إفراد الفعل مع الفاعل سواء كان مفردًا أو مثنى أو جمعًا، فيقال: قام زيد، وقام الزيدان، وقام الزيدون، إلا في لغة أزد شنوءة فإنهم يطابقون بين الفعل وفاعله، فيلحقون علامة تثنية للفاعل المثنى، وعلامة جمع للفاعل المجموع، ورويت كذلك عن طيئ وبني الحارث بن كعب، وكلهم قحطانيون من اليمن. والنحويون يسمونها:"أكلوني البراغيث" وسماها ابن مالك لغة "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار"(1) .

قال السُّهيليّ: "ألفيت في كتب الحديث المروية الصحاح، ما يدل على كثرة هذه اللغة وجودتها". وقال الشهاب الخفاجيّ: "وقد وقع منها في الآيات والأحاديث، وكلام الفصحاء ما لا يحصى".

(1) حديث شريف، أخرجه من رواية أبي هريرة الدوسي البخاري (530 - 1/203) ، (6992 - 6/2702) ، (7048 - 6/2721) ومسلم (632 - 1/43) ، وأحمد في المسند (8105 - 2/312) ، ومالك في الموطأ (411 - 1/170) .

ص: 224

ومن شواهدها في القرآن الكريم قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} (1) . وقوله: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} (2) وقوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (3) .

ومن الحديث ما تقدم.

ومن الشعر قول أمية بن أبي الصلت:

يلومونني في اشتراء النّخيـ

ـيلِ أهلي فكلُّهم ألومُ

وقول مجنون ليلى:

ولو أحدقوا بي الإنسُ والجنُّ كلّهم

لكي يمنعوني أن أجيكِ لجيتُ

وقول الآخر:

نصروكَ قومي فاعتززتَ بنصرهم

لو أنهم خذلوك كنتَ ذليلا

ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة مطابقة الفعل لفاعله ظاهرة مطردة في اللغات السامية أخوات العربية، وهي العبرية والآرامية والحبشية والأكادية، وقد تخلصت العربية الفصحى منها رويدا رويدا، وبقيت بعض أمثلتها حية في لغة أزد شنوءة وطيئ وبني الحارث بن كعب.

ولا تزال هذه اللغة تسمع - إلى اليوم - في مناطق كثيرة من السّراة، فتسمعهم يقولون:"خرجوا الجماعة من المسجد"، و"نجحوا أولادك"فيلحقون واوًا علامة للجمع، وهذا شأنهم أبدًا، لا ينطقون الفعل مفردًا إذا كان الفاعل جمعًا.

ويتعدى الفعل (زَوّجَ) بنفسه عند جمهور العرب، فيقولون: تزوجت امرأة، إلا في لغة أزد شنوءة، فإنهم يعدونه بالباء فيقولون: تزوجت بامرأة. عزاها إليهم الفراء، واستشهد عليها بقوله تعالى:{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (4) .

(1) سورة المائدة 71. وينظر: مغني اللبيب 479.

(2)

سورة مريم 87. وينظر: الكشاف 3/43، ومغني اللبيب 480، والدر المصون 7/ 643.

(3)

سورة الأنبياء 3. وينظر: مغني اللبيب 479.

(4)

سورة الدخان 20.

ص: 225

ومن الظواهر التي يمكن إلحاقها بما نحن فيه ما حكاه الفراء أيضًا من أن (الزوج) يقع على الذكر والأنثى، قال:"وهذا قول أهل الحجاز، قال الله عز وجل: {أمْسِكْ عَليكَ زَوجَكَ} (1) وأهل نجد يقولون: زوجة، وهو أكثر من زوج، والأول أفصح عند العلماء". وفي (الحجة) لأبي علي عن الكسائي عن القاسم بن معن أنه سمع من أزد شنوءة (زوجة) بالتاء. ويناقض هذه الرواية ما أورده ابن فارس رواية عن الكسائي عن القاسم بن معن أيضًا أن (زوج) في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (2) لغة لأزد شنوءة.ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بأن أزد شنوءة جمعوا في كلامهم بين اللغتين، فسمعها القاسم بن معن من بعضهم مؤنثة بالتاء، ومن آخرين بدون تاء.

ويقال فيما زاد على العشرة من ألفاظ العدد إذا صيغ على (فاعل) : حادي عشر، وحادية عشرة، والأصل: واحد عشر، وواحدة عشرة. وحكى الكسائي أنه سمع هذا الأصل من الأزد. قال أبو حيان:"وهذا هو القياس، إذ فعله وَحَدَ يَحِدُ، وأما حادي فمقلوب من واحد، جُعلت فاؤه مكان لامه، فانقلبت ياء لكسرة ما قبلها، وجُعلت عينه مكان فائه".

4-

المستوى الدلالي:

إذا كانت لغات الأزد قد أمدت العربية بمادة وفيرة على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي، فقد أمدتها كذلك بمعين متدفق من الألفاظ ذات الدلالات المختلفة عن نظائرها في لغات العرب، وتعد المادة الدلالية في لغات الأزد كبيرة إذا ما قيست بغيرها من اللغات العربية الأخرى، فلا يكاد يخلو مصدر من مصادر التراث العربي من إشارة أو أكثر إلى إحدى الدلالات اللغوية المعزوة إليهم.

وفيما يلي أمثلة مختارة لعدد من الألفاظ الدلالية المعزوة إلى الأزد أو إلى أحد بطونهم، مع بيان معناها في لغات الأزد، ومعناها في العربية المشتركة، وستكون متنوعة بحيث تنتظم الظواهر الدلالية المختلفة من ترادف وتضاد ومشترك لفظي:

اللفظ

(1) سورة الأحزاب 37.

(2)

سورة البقرة 35.

ص: 226

معناه في لغات الأزد

معناه في العربية المشتركة

آلَ ((1))

نجا

رجع

الأجِيل ((2))

الشَّرَبة، وهو الطين يجمع حول النخلة، كالحوض وتسقى فيه

الماء المستنقع في الحوض

الأُرْعُوّة ((3))

نِير الفدّان يحترث بها، وهي الخشبة المعترضة على عنقي الثورين المقترنين

- ((4))

الأكّار ((5))

الخبير، وهو من يزرع على النصف أو الثلث

الحرّاث

الأُمّ ((6))

رأس القوم وولي أمرهم

الأمّ المعروفة

الأُمَّة ((7))

السنين. وفُسِّر به قوله تعالى: {إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} ((8))

الشرعة والدين، والقرن من الناس

البَعْل ((9))

الرَّب. وفُسِّر به قوله تعالى {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} ((10))

الزوج

البَوَار ((11))

الفساد والهلاك. وفُسِّر به قوله تعالى: {وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} ((12))

الكساد

الجَعْب ((13))

البَعْر نفسه

الكثيبة من البَعْر

الخَزُومة ((14))

البقرة

البقرة، وقيل: هي المسنة القصيرة من البقر

(1) التهذيب 15/441، واللسان 11/32، 39 (أول) .

(2)

الجمهرة 2/1044، واللسان 11/ 12 (أجل) .

(3)

الغريب المصنف 1/459، التهذيب 3/164، واللسان 14/ 327 (رعى) .

(4)

ما وضع أمامه شرطة، فهو مما أخذته العربية المشتركة بمعناه من لغات الأزد.

(5)

مجالس ثعلب 1/76. وينظر: اللسان (أكر) 4/ 26، (خبر) 4/228.

(6)

شعر الشنفرى الأزدي 97، وشرح ديوان المفضليات 196، والجمهرة 1/60.

(7)

لغات القبائل 131، والإتقان 1/422.

(8)

سورة هود 8.

(9)

لغات القبائل 237، والإتقان 1/418، والدر المصون 8/466، واللسان (بعل) 11/58.

(10)

سورة الصافات 125.

(11)

لغات القبائل 152، 210، وإعراب القرآن للنحاس 3/189، والبحر المحيط 8/92، والإتقان 1/419.

(12)

سورة الفرقان 18.

(13)

الجمهرة 1/268. وينظر: القاموس (جعب) 87.

(14)

الجمهرة 1/596. وينظر: اللسان (خزم) 12/176.

ص: 227

الخَمْر ((1))

العنب. وفُسِّر به قوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} ((2))

ما أسكر من عصير العنب أو غيره

التَّخَوّف ((3))

التَّنقص. وفُسِّر به قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} ((4))

الخوف من الشيء

الرِّزْق ((5))

الشكر. وفُسِّر به قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ((6))

عطاء الله

الرُّكَب ((7))

الضرب بالرُّكْبة، وكنيتها في لغتهم (أم كيسان)

جمع الرُّكْبة المعروفة

الرَّمْد ((8))

الكبير

الهلاك

الزَّفْن ((9))

عسيب من عُسب النخل يضم بعضه إلى بعض، ويتخذ منه ظُلَّة تقي الحَرَّ

الرّقص واللعب

الزَّقُّوم ((10))

شجرة ذَفِرة مُرّة، لها ورق قبيح جداً

طعام فيه تمر وزبد

أصَاب ((11))

أراد. وفُسِّر به قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} ((12))

لم يخطئ

المعَاذِير ((13))

السُّتور. وفُسِّر به قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ((14))

الحُجَج

(1) لغات القبائل 146، والبرهان في علوم القرآن 2/279، والدر المصون 6/ 496، والإتقان في علوم القرآن 1/418. وينظر: اللسان (خمر) 4/255.

(2)

سورة يوسف 36.

(3)

تفسير القرطبي 10/ 73.

(4)

سورة النحل 47.

(5)

تفسير الطبري27/207،والقرطبي17/148،وابن كثير4/299،والدر المصون1/96، 10/228، والجمهرة 2/707، والمجمل 1/374، والمقاييس 2/388 (رزق) .

(6)

سورة الواقعة 82.

(7)

غريب الحديث للخطابي 3/105، والمجموع المغيث1/ 795، والفائق 2/83، والنهاية2/ 257.

(8)

شعر الشنفرى الأزدي (شرح مؤرج السدوسي)56. وينظر: اللسان (رمد) 3/185.

(9)

الجمهرة 2/821، والتهذيب 13/224، واللسان (زفن) 13/197، (سعن) 13/209.

(10)

اللسان (زقم) 12/268، 269.

(11)

لغات القبائل 242، والإتقان 1/424.

(12)

سورة ص 36.

(13)

الجمهرة 2/692. وينظر: الصاحبي 58، والإتقان 417، والتهذيب 2/312، واللسان 4/553 (عذر) .

(14)

سورة الواقعة 15.

ص: 228

العَسَق ((1))

العُرْجُون القديم

اللّزْق والملازمة

المُعْصِر ((2))

المرأة التي ولدت أو تعنّست

المرأة التي دنت من الحيض

العَضْل ((3))

الحبس والمنع. وفُسِّر به قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}

-

العَوَان ((4))

النّخلة الطويلة

المرأة المسنة غير الهرمة

المُدْية ((5))

السِّكين

-

الفُرْهود ((6))

ولد الأسد

الممتلئ الجسم

التَّفَكه ((7))

التَّندم

التَّعجب

فَدَّكَ القطن ((8))

نفشه

-

الفُرْعُل ((9))

الضَّبُع

ولد الضَّبُع

الفُوْم ((10))

السُّنْبُل

الزَّرْع أو الحنطة

القَوْس ((11))

الذِّراع

القوس المعروفة

اللِّين ((12))

النّخل

الدّقل من النّخل

المِطْو ((13))

الصّديق

عِذْق النّخلة، وسَبَل الذّرة

الخاتمة

(1) العين 1/130، والمحكم 1/85 (عسق) .

(2)

الفرق لقطرب 95، والأضداد للأنباري 216.

(3)

لغات القبائل60، الإتقان 1/422.

(4)

الجمهرة 2/955، واللسان 13/300 (عون) .

(5)

مسند أحمد (8263) 2/322، والمعجم الأوسط (2771) 3/155، والأوائل لابن أبي عاصم 1/73، والنهاية 2/386، وتفسير القرطبي 11/207.

(6)

رسالة الغفران382، ووفيات الأعيان 1/488، والجمهرة 2/1146، 1198، والبارع 221، واللسان 3/335 (فرهد) .

(7)

المنجد، لكراع 152.

(8)

الجمهرة /672، والصحاح 4/1602 (فدك) .

(9)

غريب الحديث لأبي عبيد 4/200.

(10)

مجاز القرآن 1/41، والجمهرة 2/972، واللسان 12/460 (فوم) .

(11)

تفسير القرطبي 17/61.

(12)

اللغات في القرآن 275، والاتقان 1/424، والجمهرة 2/ 674.

(13)

شروح سقط الزند 1/40، والجمهرة 2/927، واللسان 15/ 286- 287 (مطى) . وشاهده في هذه المصادر قول يعلى الأزدي:

فظلت لدى البيت الحرام أخيلُهُ ومِطْواي من شَوْقٍ له أَرِقَانِ

ص: 229

الأزد ومكانتهم في العربية، هو عنوان هذا البحث الذي سلكت في كتابته منهجًا وصفيًا تاريخيًا، فاقتضى هذا المنهج تقسيم البحث إلى فصلين، عرفت في الفصل الأول بنسب الأزد، وقبائلهم، وتحدثت فيه عن تاريخ نزوحهم من اليمن إثر حادثة سيل العرم أو قبلها بقليل، ثم أشرت إلى مواطنهم الجديدة داخل الجزيرة العربية، وخارجها.

وأشرت إلى تقسيم بعض العلماء للأزد إلى أربع مجموعات كبيرة، تضم جميع بطون الأزد، وهم: أزد السراة، وأزد شنوءة، وأزد غسّان، وأزد عمان. ونبهت إلى أن أزد السّراة هم جميع بطون الأزد التي استوطنت جبال السراة، وليس كما ذهب بعض المعاصرين - خطأ - إلى أن أزد السّراة هم جميع بطون الأزد التي رحلت إلى عمان.

ثم تحدثت عن ديانتهم في الجاهلية، فذكرت أنهم كانوا على بقية من دين إبراهيم عليه السلام فكانوا يحجون ويعتمرون ويهدون البُدن، ولكنهم - مع ذلك - كانوا مشركين يعبدون الأصنام كغيرهم من قبائل العرب.

ثم وقفت على جوانب مهمة من تاريخهم المشرق، فذكرت أنهم كانوا أول القبائل العربية إيمانًا بالرسالة المحمدية، وأول من آوى الرسول صلى الله عليه وسلم ونصره.

ثم تحدت عن إسهامات بني الأزد في الثقافة العربية والإسلامية، فذكرت عددًا من علمائهم الذين كان لهم فضل السبق والريادة في كثير من العلوم.

ولم أغفل دورهم في إثراء الثقافة الأدبية، فذكرت عددًا من شعرائهم المشاهير في الجاهلية والإسلام، وأبنت عن القيمة الأدبية العالية التي حظيت بها قصائد بعض شعرائهم، كقصيدة الشنفرى، المعروفة بـ (لامية العرب) .

وكي لا يكون حديثي عن مكانة الأزد وفضلهم خلوًا من الدليل، فقد سقت عددًا من الأحاديث والآثار وأقوال العلماء تدل في مجملها على فضلهم وما اتصفوا به من خصال حميدة، كالصدق والأمانة والشجاعة والإخلاص.

ص: 230

أما الفصل الثاني فقد تحدثت فيه عن مكانة الأزد في العربية، فعمدت أولاً إلى ذكر شواهد من كلام العلماء، تذكر أنهم من أفصح العرب، بل نقلت كلامًا للخليل بن أحمد وأبي عمرو بن العلاء والمبرد أجمعوا فيه على أن أزد السّراة هم أفصح العرب قاطبة.

وذكرت أن فصاحتهم تلك بقيت إلى أزمنة قريبة غضة نقية من شوائب اللحن، ونقلت - تصديقًا لذلك - شواهد حية من كلام علماء شافهوا أولئك القوم في عصور مختلفة تلت عصور الاحتجاج حتى عصرنا الحاضر.

ثم أشرت إلى ما أصاب لغتهم - في الوقت الراهن - من هجنة اللحن البغيض، وذكرت أسباب ذلك، وانتهيت إلى أنها لا تزال من أقرب اللغات إلى الفصحى في أرجاء الجزيرة العربية.

ثم أشرت إلى منهج اللغويين في إغفال الأخذ عن أزد عمان وأزد غسّان وقبائل عربية أخرى، بدعوى اختلاطهم بأمم غير عربية، ثم أبنت عن قصور ذلك المنهج، إذ إن لغات تلك القبائل قد ورد لها شواهد وأمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، واستشهد بها عدد من أئمة العربية، كابن مالك رحمه الله.

ثم أتبعت حديثي عن فصاحة الأزد بضرب أمثلة من لغاتهم تشمل المستويات اللغوية (الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية) كافة.

وقد نقلت الأمثلة من مصادر شتى، أبنت من خلالها عن أهمية لغات الأزد ودورها في إثراء العربية بجميع مستوياتها المذكورة، وعن أهمية دراستها دراسة مستوعبة متأنية، إذ إنها لم تحظ بعناية الباحثين في الدراسات اللغوية.

وقد اتضح من خلال تلك الأمثلة أن لغات الأزد وبخاصة أزد السراة، ومنهم أزد شنوءة، هي من أكثر لغات العرب شيوعًا في المصادر العربية، ذلك أنهم كانوا من أفصح العرب بشهادة أئمة اللغة.

كما اتضح أن أكثر ما تناوله اللغويون والمفسرون وغيرهم من لغات الأزد كان ينصب على الدلالة اللغوية، حيث ذكروا في تفسير معاني كثير من الألفاظ بأنه جاء على لغة من لغات الأزد.

ص: 231

وتبين من خلال تلك الأمثلة أن كثيرًا من الظواهر اللهجية في لغات الأزد قد جاءت ممثلة في كتاب الله الكريم وقراءاته، إذ تعد القراءات أهم مصدر موثوق في تقعيد العربية وتأصيلها والكشف عن لهجاتها.

وقد ربطت عند كثير من الأمثلة بين الظواهر اللغوية القديمة في لغات الأزد، والظواهر المماثلة لها اليوم في لهجات أهل السّراة وغيرهم، وبينت صلتها الوثيقة بلغات أسلافهم، حيث اتضح أنها لا تزال تحتفظ بظواهر لهجية كثيرة تماثل أو تخالف ما عزي إلى الأزد قديمًا، ولذلك فإني أرى ضرورة جمع هذه اللهجات من أفواه أهلها، ودراستها قبل انقراضها وزوالها، لأنها تعين على فهم مسائل هامة في دراسة لغات الأزد قديمًا، بل ولغات القبائل العربية الأخرى في أصواتها وصرفها ونحوها ودلالتها، كما أنها تعين على تأصيل الدرس اللغوي عامة، وفهم التطور اللغوي للعربية.

وبعد، فإني آمل أن تكون هذه الدراسة قد وفَّتْ الأزد شيئًا من حقهم، ولعلها تكون حافزًا ومنطلقًا لدراسة لغاتهم دراسة واسعة مستفيضة تقوم على التحليل والتعليل والتفسير.

والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 232

تابع لأزد ومكانتهم في العربية

فهرس المصادر والمراجع

1-

إتحاف فضلاء البشر، للبنّا، ت- شعبان محمد إسماعيل، عالم الكتب، بيروت، ط.1407هـ.

2-

الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، ت – مصطفى ديب البغا دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط.الأولى، 1407هـ.

3-

أديان العرب في الجاهلية، لنعمان الجارم، مطبعة السعادة،مصر، ط. الأولى، 1341 هـ.

4-

أخبار مكة، للأزرقي، ت- رشدي الصالح، مطابع دار الثقافة، مكة، ط. الخامسة، 1408هـ.

5-

ارتشاف الضرب، لأبي حيان، ت- رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط.الأولى، 1418هـ.

6-

الأزمنة وتلبية الجاهلية، لقطرب، ت- جميل حنا حداد، مكتبة المنار، الأردن، ط.الأولى، 1405هـ.

7-

الإشباع ظاهرة حضارية، لأحمد سعيد قشاش، جريدة المدينة (ملحق التراث) العدد السادس والثلاثون، 3 رجب 1417هـ.

8-

الاشتقاق، لابن دريد، ت- عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1378هـ.

9 -

الأشموني = منهج السالك إلى ألفية ابن مالك.

10-

الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، دار الكتاب العربي، بيروت.

11-

إصلاح المنطق، لابن السكيت، ت- أحمد شاكر، وعبد السلام هارون، دار المعارف، ط.الرابعة، 1987هـ.

12-

الأصنام، لابن الكلبي، ت- أحمد زكي، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1342هـ.

13-

الأصول (الأصول في النحو) لابن السراج، ت- عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، ط.الأولى، 1405هـ.

14-

الأضداد، لابن الأنباري، ت- محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1407هـ.

15-

أعجب العجب في شرح لامية العرب، للزمخشري، ت- محمد حوّر، مطبعة سعد الدين، دمشق، ط.الأولى،1408هـ.

16-

إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس، ت- زهير غازي زاهد، عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، ط.الثانية، 1405هـ.

17-

إعراب القراءات الشواذ، للعكبري، ت- محمد السيد أحمد، عالم الكتب، بيروت، ط.الأولى، 1417هـ.

ص: 233

18 -

إعراب لامية الشنفرى، للعكبري، ت- محمد أديب عبد الواحد، المكتب الإسلامي، بيروت، ط.الأولى، 1404هـ.

19-

الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، جمال للطباعة والنشر، بيروت.

20-

الأفعال، للسرقسطي، ت – حسين محمد شرف، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1395هـ.

21-

الاقتراح في علم أصول النحو للسيوطي، ت- أحمد قاسم، 1366هـ.

22-

الإكليل، للهمداني، ت- محمد علي الأكوع، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، ط.الثالثة، 1407هـ.

23-

الأمالي، لأبي علي القالي، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، 1926، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

24-

الأنباه على قبائل الرواة، لابن عبد البر (ضمن مجموعة الرسائل الكمالية) مكتبة المعارف، الطائف، 1980م.

25-

أهل السراة في القرون الإسلامية الوسيطة، لعبد الله أبي داهش (بدون معلومات) .

26-

الأوائل لابن أبي عاصم، ت- محمد ناصر العجمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت.

27-

الأوائل لأبي هلال العسكري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1407هـ.

28-

الإيناس في علم الأنساب، للوزير المغربي، ت- حمد الجاسر، دار اليمامة للبحث والترجمة النشر، الرياض.

29-

البارع في اللغة، لأبي علي القالي، ت- هاشم الطعان، مكتبة النهضة، بغداد، ط.الأولى، 1975م.

30-

البحر المحيط، لأبي حيان، ت- صدقي محمد جميل، المكتبة التجارية، مصطفى الباز، مكة المكرمة، 1412هـ.

31-

بحوث ومقالات في اللغة، لرمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط.الثانية، 1408هـ.

32-

البداية والنهاية، لابن كثير، دار الكتب العلمية، بيروت، ط.الخامسة، 1409هـ.

33-

البرهان في علوم القرآن، للزركشي، ت- محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت، 1391هـ.

34-

بغية الآمال في معرفة النطق بجميع مستقبلات الأفعال، لأبي جعفر اللبلي، ت- سليمان بن إبراهيم العايد، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1411هـ.

ص: 234

35-

تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي، دار الفكر، بيروت.

36-

تاريخ الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط.الأولى، 1407هـ.

37-

تاريخ العرب قبل الإسلام = المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.

38-

تاريخ الموصل، لأبي زكريا الأزدي، ت- محمد علي حبيبة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1387هـ.

39-

التبيان في إعراب القرآن، للعكبري، ت- محمد علي البجاوي، عيسي البابي الحلبي، القاهرة.

40-

التبيان، لعلي بن محمد بن سدران الزهراني، مطابع الشاطئ الحديثة، الدمام، ط.الأولى، 1415هـ.

41-

تثقيف اللسان وتلقيح الجنان، لابن مكي الصقلي، ت- عبد العزيز مطر، دار المعارف، 1981هـ.

42-

تذكرة أولي النهى والعرفان، لإبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن، مؤسسة النور للطباعة، الرياض.

43-

تذكرة الألباب في أصول الأنساب، لأبي جعفر البتّي (منشور في مجلة العرب، س 15،محرم صفر1401هـ) .

44-

تصحيح التصحيف وتحرير التحريف، للصفدي، ت- السيد الشرقاوي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط. الأولى، 1407هـ.

45-

التصريح بمضمون التوضيح، لخالد الأزهري، ت- عبد الفتاح بحيري، الزهراء للأعلام العربي، ط. الأولى، 1418هـ.

46 -

التعريف في الأنساب، لمحمد بن أحمد الأشعري، ت- سعد عبد المقصود ظلام، نادي أبها الأدبي، 1409هـ.

47 -

التعليقات والنوادر، لأبي علي الهجري، تحقيق وترتيب حمد الجاسر، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، ط. الأولى، 1413هـ.

48-

تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) ،دار الفكر، بيروت،1401هـ.

49-

تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) دار الفكر، بيروت، 1405هـ.

50-

تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1408هـ.

51-

تهذيب اللغة، للأزهري، ت- جماعة من العلماء، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، القاهرة، 1384هـ.

ص: 235

52-

تهذيب الألفاظ، لابن السكيت، هذبه التبريزي، ت - الأب لويس شيخو اليسوعي، المطبعة الكالوثيكية، بيروت، 1895م.

53-

التيجان في ملوك حمير، لابن هشام، رواية عن وهب بن منبه، مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، صنعاء.

54-

ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، للثعالبي، ت- محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1985م.

55-

الجامع الكبير (جمع الجوامع) للسيوطي، مخطوط منشور على هيئته الأصلية، نشر الهئية المصرية العامة للكتاب.

56-

جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ت – عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط. الخامسة، 1982هـ.

57-

جمهرة اللغة، لابن دريد، ت - رمزي منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط0 الأولى، 1987 م.

58-

جمهرة النسب، لابن الكلبي، ت - ناجي حسن، عالم الكتب، مكتبة النهضة، بيروت، ط. الأولى، 1407هـ.

59-

الجنى الداني في حروف المعاني، للمرادي، ت – فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط0 الثانية، 1403هـ.

60-

الجيم، لأبي عمرو الشيباني، ت - إبراهيم الأبياري، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1394هـ.

61-

الحجة، لأبي علي الفارسي، ت- بدر الدين قهوجي، وبشير جويجاتي، دار المأمون للتراث، دمشق، ط. الأولى، 1404هـ.

62-

حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني، مطبعة السعادة، مصر، ط. الأولى، 1394هـ.

63-

خزانة الأدب، للبغدادي، ت – عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط. الثالثة، 1409هـ.

64-

الخصائص، لابن جني، ت – محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت.

65-

الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي، ت – أحمد بن محمد الخراط، دار القلم، دمشق، ط0 الأولى، 1406هـ.

66-

دراسات في أنساب قبائل اليمن، لأحمد شرف الدين، مطابع الرياض، الرياض، ط. الثانية، 1981هـ.

67-

ديوان أمية بن أبي الصلت، ت- عبد الحفيظ السطلي، دمشق، ط- الثانية، 1977م.

ص: 236

68-

ديوان حسان بن ثابت، ت- وليد عرفات، دار صادر، بيروت.

69-

ديوان الشنفرى= شعر الشنفرى الأزدي.

70-

ديوان عبد الله بن رواحة، ت – وليد قصاب، دار الضياء للنشر والتوزيع، عمان، ط. الثانية، 1408هـ.

71-

ديوان كثير عزة، ت- إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1971م.

72-

ديوان مجنون ليلى، ت- عبد الستار فراج، مكتبة مصر، القاهرة، 1979هـ.

73-

رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار) ت- طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1407هـ.

73-

رحلة ابن جبير، دار صادر، بيروت، 1384هـ.

74-

رسالة الغفران، للمعري، ت- عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة، ط. الثامنة، 1990م.

75-

الروض المعطار في خير الأقطار، للحميري، ت- إحسان عباس، دار ناصر للثقافة، بيروت، ط. الثانية، 1980م.

76-

زهر الآداب، للحصيري، ت- زكي مبارك، دار الجيل، ط. الرابعة.

77-

سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، للسويدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.

78-

السبعة، لابن مجاهد، ت- شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط. الثالثة، 1988م.

79-

سلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني، مكتبة دار المعارف، الرياض، ط. الأولى، 1408هـ.

80-

سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ت- أحمد شاكر ورفاقه، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط. الثانية، 1398هـ.

81-

سنن ابن ماجه، ت – محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.

82-

سير أعلام النبلاء، ت - جماعة من العلماء، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. السابعة، 1410هـ.

83-

السيرة النبوية، لابن هشام، ت - مصطفى السقا ورفيقيه، مؤسسة علوم القرآن.

84-

شرح أشعار الهذليين، لأبي سعيد السكري، ت - عبد الستار أحمد فراج، مكتبة دار العروبة، القاهرة.

85-

شرح التسهيل، لابن مالك، ت - عبد الرحمن السيد، ومحمد بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط. الأولى، 1410هـ.

ص: 237

86-

شرح فصيح ثعلب للزمخشري، ت- إبراهيم الغامدي، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط. الأولى، 1417هـ.

87-

شرح درة الغواص، للخفاجي، مطبعة الجوائب، القسطنطنية، ط. الأولى، 1299هـ.

88-

شرح ديوان المفضليات، لأبي محمد القاسم بن محمد الأنباري، ت -يعقوب لايل، مطبعة الأباء اليسوعيين، بيروت، 1920م.

89-

شرح الكافية الشافية، للرضي، ت - يوسف حسن عمر، منشورات جامعة قار يونس، بنغازي، 1398هـ.

90-

شرح المفصل، لابن يعيش، عالم الكتب، بيروت.

91-

شرح مقامات الحريري، للشريشي، ت- محمد أبو الفضل إبراهيم، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة، 1389هـ.

92-

شروح سقط الزند، ت- جماعة من العلماء، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، 1364هـ، نشر الدار القومية للطباعة والنشر.

93-

شعر الشنفرى الأزدي، شرح مؤرج السدوسي، ت- علي ناصر غالب، مطبوعات مجلة العرب، الرياض، ط. الأولى، 1419هـ.

94-

شواذ القرآن = مختصر في شواذ القرآن.

95-

الشوارد في اللغة، للصغاني، ت- عدنان عبد الرحمن الدوري، مطبعة المجمع العلمي العراقي،1403هـ.

96-

شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، لابن مالك، ت- محمد فؤاد عبد الباقي، عالم الكتب، بيروت، ط. الثالثة، 1403هـ.

97-

الصاحبي في فقه اللغة، لابن فارس، ت- مصطفى الشويمي، بدران للطباعة والنشر، بيروت، 1382هـ.

98-

صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، للقلقشندي، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1340هـ.

99-

الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري، ت- أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط. الثالثة، 1404هـ.

100-

صحيح البخاري، ت - مصطفى ديب البغا، دار بن كثير، بيروت، ط. الثانية، 1407هـ.

101-

صحيح مسلم، ت - محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، 1403هـ.

102-

صفة جزيرة العرب، للهمداني، ت- محمد بن علي الأكوع، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989م.

ص: 238

103-

ضرائر الشعر، لابن عصفور، ت - السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس، بيروت، ط. الثانية، 1402هـ.

104-

طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب، لابن رسول، ت – ك. و. ستر. ستين، منشورات المدينة، بيروت، ط. الثانية، 1406هـ.

105-

عجالة المبتدئ وفضالة المنتهي في النسب، للحازمي، ت- محمد زينهم، وعائشة التهامي، ومديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1998م.

106-

العقد الفريد، لابن عبد ربه، ت- أحمد أمين، ورفيقيه، دار الكتاب العربي، 1406هـ.

107-

علل القراءات، لأبي منصور الأزهري، ت- نوال بنت إبراهيم الحلوة، ط. الأولى، 1412هـ.

108-

العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لابن رشيق القيرواني، دار المعرفة، بيروت، ط. الأولى، 1408هـ.

109-

عون المعبود شرح سنن أبي داود، للآبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الثانية، 1415هـ.

110-

العين، للخليل بن أحمد، ت- مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط. الأولى، 1408هـ.

111-

عيون الأخبار، لابن قتيبة، دار الكتاب العربي، بيروت.

112-

غريب الحديث، لأبي عبيد، نسخة مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.

113-

غريب الحديث، للخطابي، ت- عبد الكريم العزباوي، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1402هـ.

114-

الغريب المصنف، لأبي عبيد، ت- محمد المختار العبيدي، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، ودار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، ط. الثانية، 1416هـ.

115-

الغريبين، لأبي عبيد أحمد الهروي، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1406هـ.

116-

الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، ت- محمد أبو الفضل إبراهيم، ومحمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ط. الثانية.

117-

الفاضل في اللغة والأدب، للمبرد، ت - عبد العزيز الميمني، دار الكتب، القاهرة، 1956م.

118-

فتح القدير، للشوكاني، دار المعرفة، بيروت.

ص: 239

119-

فتوح البلدان، للبلاذري، ت - عبد الله أنيس الطباع، عمر أنيس الطباع، مؤسسة المعارف، بيروت، 1407هـ.

120-

فتوح مصر وأخبارها، لابن عبد الحكم، مطبعة بريل، ليدن،1920م.

121-

الفرق لقطرب، ت - خليل إبراهيم العطية، مكتبة الثقافة الدينية، ط. الأولى، القاهرة، 1987م.

122-

الفصوص، لصاعد البغدادي، ت - عبد الوهاب التازي سعود، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب،1413 - 1416هـ.

123-

في سراة غامد وزهران، لحمد الجاسر، منشورات دار اليمامة لبحث والترجمة والنشر، الرياض، ط. الثانية، 1397هـ.

124-

القاموس المحيط، للفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الثانية، 1407هـ.

125-

قبائل إقليم عسير في الجاهلية والإسلام، لعمر غرامة العمروي، ط. الأولى، منشورات نادي أبها الأدبي، 1411هـ.

126-

الكافية في شرح الشافية، للساكناني، ت- عبد الله بن محمد مبارك العتيبي، رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة،1417-1418هـ.

127-

الكامل في اللغة والأدب، للمبرد، ت - محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الأولى، 1406هـ.

128-

الكتاب، لسيبويه، ت- عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط. الثالثة، 1408هـ.

129-

الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري، دار الريان للتراث، القاهرة، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. الثالثة، 1407هـ.

130-

اللباب، للعكبري، ت - عبد الإله نبهان، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط. الأولى، 1416هـ.

131-

لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت.

132-

لغات القبائل الواردة في القرآن، لأبي عبيد، رواية عن ابن عباس، ت- عبد الحميد السيد، مطبوعات جامعة الكويت، 1985م.

133-

اللهجات العربية في التراث، لأحمد علم الدين الجندي، الدار العربية للكتاب، تونس، 1399هـ.

134-

اللهجات العربية في القراءات القرآنية، لعبده الراجحي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995م.

ص: 240

135-

مجالس ثعلب، ت - عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط. الخامسة، 1987م.

136-

مجمع الأمثال، للميداني، ت- محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل، بيروت، ط. الثانية، 1407هـ.

137-

مجمل اللغة، لابن فارس، ت - زهير عبد المحسن، سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الثانية، 1406هـ.

138-

المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، لأبي موسى الأصفهاني، ت- عبد الكريم العزباوي، مركز إحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، ط. الأولى، 1408هـ.

139-

المحبر، لابن حبيب، ت - إيلزة ليختن، نسخة مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الدكن، 1361هـ، منشورات دار الأفاق الجديدة، بيروت.

140-

المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة والإيضاح عنها، لابن جني، ت - علي النجدي ناصف ورفيقيه، دار سزكن للطباعة والنشر، 1406هـ.

141-

المحرر الوجيز، لابن عطية، ت - عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1414هـ.

142-

المحكم، لابن سيده، ت - جماعة من العلماء، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط. الأولى، 1377هـ.

143-

مختصر في شواذ القرآن، لابن خالويه، نشره برجستراسر، مطبعة الرحمانية، القاهرة، 1934هـ.

144-

المخصص، لابن سيده، دار الفكر، بيروت، 1398هـ.

145-

المذكر والمؤنث، لأبي حاتم السجستاني، ت- عزة حسن، دار الشرق العربي، بيروت.

146-

المذكر والمؤنث، للفراء، ت- رمضان عبد التواب، مكتبة دار التراث، القاهرة، 1975م.

147-

مروج الذهب، للمسعودي، ت- يوسف أسعد داغر، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

148-

المزهر في علوم اللغة وأنواعها، للسيوطي، ت – محمد جاد المولى ورفيقيه، المكتبة العصرية، بيروت، 1406هـ.

149-

المساعد على تسهيل الفوائد، لابن عقيل، ت- محمد كامل بركات، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1400هـ.

150-

مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، مصر.

ص: 241

151-

المشوف المعلم في ترتيب إصلاح المنطق، للعكبري، ت- ياسين محمد السواسي، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، 1403هـ.

152-

مصابيح المغاني في حروف المعاني، للموزعي، ت - عائض بن نافع العمري، دار المنار، القاهرة، ط. الأولى، 1414هـ.

153-

المعارف، لابن قتيبة، ت - ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة، ط. الرابعة، 1981هـ.

154-

معاني القرآن للأخفش، ت - فائز فارس، الكويت، ط. الثانية،1401هـ.

155-

معاني القرآن، للفراء، ت - محمد علي النجار ورفيقيه، عالم الكتب، بيروت، ط. الثالثة، 1403هـ.

156-

معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، ت - عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، ط. الأولى، 1408هـ.

157-

المعجم الأوسط، للطبراني، ت - طارق بن عوض، عبد المحسن إبراهيم، دار الحرمين، القاهرة، 1415هـ.

158-

معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1404هـ.

159-

المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية (منطقة عسير) لعلي إبراهيم ناصر الحربي، أبها، 1417هـ.

160-

معجم الشعراء، للمرزباني، ت - كرنكو، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الثانية، 1402هـ.

161-

المعجم الكبير للطبراني، ت - حمدي السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ط. الثانية، 1404هـ.

162-

معجم قبائل العرب، لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الخامسة، 1405هـ.

163-

معجم ما استعجم،للبكري، ت- مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت.

164-

مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام، ت- مازن المبارك، ومحمد علي، دار الفكر، بيروت، ط. الخامسة، 1979م.

165-

المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي، دار العلم للملايين، بيروت، ط. الأولى، 1971هـ.

166-

المفضليات، للمفضل الضبي، ت- أحمد شاكر، وعبد السلام هارون، بيروت، ط. السادسة.

167-

مقاييس اللغة، لابن فارس، ت- عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399هـ.

168-

المنجد في اللغة، لكراع النمل، عالم الكتب، القاهرة، ط. الثانية، 1988م.

ص: 242

169-

منهج السالك إلى ألفية ابن مالك، للأشموني، دار إحياء الكتب العربية، البابي الحلبي.

170-

المنهل ج2، مجلد 30، السنة 35، صفر 389هـ.

171-

الموطأ، لمالك، ت- محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

172-

نسب عدنان وقحطان، للمبرد، (ضمن مجموعة الرسائل الكمالية) مكتبة المعارف، الطائف، 1980م.

173-

النسب، لأبي عبيد، ت- مريم محمد، دار الفكر، بيروت، ط. الأولى، 1410هـ.

174-

نسب معد واليمن الكبير، لهشام الكلبي، ت- ناجي حسن، عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، بيروت، ط. الأولى، 1408هـ.

175-

النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، دار الكتب العلمية، بيروت.

176-

النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، ت- طاهر أحمد الزاوي، ومحمود الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.

177-

نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، للقلقشندي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1405هـ.

178-

همع الهوامع، للسيوطي، ت- أحمد شرف الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى، 1418هـ.

179-

الوسائل إلى معرفة الأوائل، للسيوطي، ت- أحمد عبد القادر، دار الوفاء، المنصورة، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، ط. الأولى، 1410هـ.

180-

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، ت- إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1397هـ.

181-

A STUDY OF THE ARABIC DIALECTS OF THE BELAD GHAMID AND ZAHRAN. BY. ABDULLAH NADWI A THESIS PRESENTED TO THE UNIVERSITY OF LEEDS. FOR DEGREE

OF DOCTOR OF FHILOSOPHY. MAY 1968

ص: 243

التربية الإبداعية في منظور التربية الإسلامية

إعداد:

د / خالد بن حامد الحازمي

الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية

المقدّمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

أما بعد، فيعتبر الإبداع من الجوانب التربوية المهمة التي تستحق العناية، بالبحث والدراسة والتطبيق، وذلك لما يترتب على الإبداع من التطور العلمي، والتقني والمهني والثقافي والاقتصادي، وفي جميع المجالات.

ومن ناحية أخرى فإن الأمة تحتاج إلى قوة تتقوى بها على حماية معتقداتها، ونشر الحق، وتمكين أصحابها من الأخذ بزمام القيادة والمبادرة، وهذا يتطلب أن تكون الأمة قوية في اقتصادها وتجارتها وصناعتها وزراعتها وطبها وإدارتها، وهذا لا يمكن إلا بتربية الإنسان في جميع جوانبه العقدية والتعبدية والخلقية والجسمية والإبداعية.

وبالرغم من أهمية الإبداع إلا أن له خطورة إذا سار في ظل منهج منحرف، فيحرف المبدعين إلى وجهة غير صحيحة، قد تكون مدمرة للمجتمع، كالإبداع في بعض المجالات التقنية التي تمخض عنها بعض الوسائل المدمرة.

وهذا يؤكد أهمية الاهتمام بالتوجيه الإبداعي نحو الصلاح، كما يؤكد أهمية العناية بعقل الإنسان والمحافظة عليه، فكلما كان العقل مصانا من الانحراف موجهاً توجيهاً صحيحاً، ازداد قوة ونشاطاً، وإدراكاً وسلامة. وكلما انحرف عن جادة الطريق، تاه وعدل عن الحق، وسخر الإنتاج الإنساني إلى ما يضره، ويضر أفراد المجتمع.

والتربية الإسلامية اهتمت بجانب الإبداع، وحمَّلت الإنسان مسئولية الأعمال التي يقوم بها، كما اهتمت بجانب العقل الذي يعتبر أحد الضروريات الخمس التي حافظت عليها الشريعة الإسلامية.

ص: 244

ولما أن الإبداع الصحيح يعتمد على العقل السليم فلابد من تناول موضوع التربية العقلية التي تمثل فكر الإنسان وما يحمله من مفاهيم صحيحة أو مغلوطة.

وتبرز أهمية هذا الموضوع من أهمية الإبداع، وأهمية حفظ العقل وتنميته، وإبعاده عن الزيغ والضلال، لأن هناك من أفرط في هذا الجانب، وهناك من فرط في الاستفادة منه. والتربية الإسلامية لا تغالي فيه ولا تجافيه، بل ترده في مكانه الذي ينبغي أن يكون فيه.

فالبعض أفرط، فقدمه على الشرع، فحصل الزلل والخلل والضلال، والبعض زهد فيه ولم يهتم به، واعتبر الحديث فيه وعنه من منهج أهل البدع والكلام، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن العلوم "منها ما يُعلم إلا بالأدلة العقلية التي بينها القرآن وأرشد إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يعرف أن أجلّ الأدلّة العقلية وأكملها وأفضلها مأخوذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن من الناس من يذهل عن هذا، فمنهم من يقدح في الدلائل العقلية مطلقا، لأنه قد صار في ذهنه أنها هي الكلام المبتدع الذي أحدثه من أحدثه من المتكلمين، ومنهم من يعرض عن تدبر القرآن وطلب الدلائل اليقينية العقلية منه، لأنه قد صار في ذهنه أن القرآن إنما يدل بطريق الخبر فقط، فلا بد أن يعلم بالعقل قبل ذلك ثبوت النبوة وصدق الخبر، حتى يستدل بعد ذلك بخبر من ثبت بالعقل صدقة". وصحيح المنقول لا يخالف صريح المعقول، فالعقل السليم لا يتعارض مع الشرع أبداً، وإنما التعارض يأتي من الزيغ والهوى، ومن الغذاء المعرفي بمناهج المتكلمين والمتفلسفين.

وأما أولو الألباب فهم الذين إذا تأملوا في ملكوت الله ازدادوا إيمانا، قال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} (1) .

(1) سورة آل عمران: آية رقم 190.

ص: 245

وقد خاطب القرآن أولي الألباب لتأكد ما فطر عليه الإنسان من الإيمان بالربوبية قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} (1) .

فإذا كان من المستحيل أن يخلق الإنسان نفسه، ومن المستحيل أن يُخلق من غير خالق، فلم يبق إلا الاعتراف والركون إلى الفطرة السليمة، من أن هناك خالقاً خلق الإنسان والسموات والأرض وقدّر فيها أقواتها.

وهذا استدلال وتوجيه ومخاطبة لعقل الإنسان، وهو ما يسمى عند الأصوليين بالسبر والتقسيم، وعندما سمع هذه السورة جُبير بن مطعم قبل إسلامه تأثر بها، وكانت دعوة مؤثرة قوية حملته على الإسراع إلى الإسلام، حيث قال:"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} كاد قلبي أن يطير للإسلام".

قال الخطابي: كأنه انزعج عند سماع هذه الآية لفهمه معناها، ومعرفته بما تضمنته، ففهم الحجة فاستدركها بلطيف طبعه.

فالاهتمام بحفظ العقل والعناية به أمر هام، وليس هناك ما يمنع من ذلك، بل العناية به آكد، لأن العقل السليم يتأثر بالنقل الصحيح، ولذلك لا بد من المحافظة عليه من المؤثرات الفاسدة.

(1) سورة الطور: آية رقم 35-37.

ص: 246

والتربية الإبداعية هي التي تهتم بحفظ العقل من الزيغ والافتتان باللهو والهوى، كما تجنبه ما يهدم العقل من علوم فلسفية وكلامية. ومن جانب آخر تتطلع التربية الإسلامية إلى تنمية الجانب الإبداعي بما يجعل الفرد يُحسن تدبير أموره، ويبدع في مهنته ويرقى بها، حتى يكون أكثر إنتاجاً وأدق عملاً في أقصر وقت وبأقل تكلفة وجهد، وهذا يتطلب عناية بجانب الابتكار، وهو ما سوف يبينه هذا البحث من خلال عناية التربية الإسلامية بالتربية الإبداعية، وحفظ العقل.

المبحث الأول

الإبداع في منظور التربية الإسلامية

مفهوم الإبداع:

يعرف الإبداع في اللغة بعدة دلالات لغوية:

بدع الشيء يبدعه بدعاً، وابتداعاً: أنشأه وبدأه.

والبديع: الشيء الذي يكون أولاً.

والمبتدع: الذي يأتي أمراً على شبه لم يكن ابتدأه إياه. وفلان بدع في هذا الأمر أي أول، لم يسبقه أحد.

والبديع: المحدث العجيب. وأبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال.

ومن تلك المعاني اللغوية يتضح أن الإبداع هو الاختراع والابتكار على وجه لم يسبق إليه أحد.

وقد ذكر المهتمون بالدراسات التربوية مفاهيم متقاربة لمعنى الإبداع فهي"تنشئة الناشئين وإعدادهم على نحو يستطيعون في مجال تخصصاتهم الإيجاد والابتكار والإتقان والتحسين".

ويعرفه آخر بأن الإبداع: عملية إنتاج شيء جديد سواء كان اختراعاً أو فكرة، ويجب أن يكون أصيلا وحديثا.

ومجالات الإبداع ليست محصورة في الجوانب التقنية فقط، بل إنها قد تكون في الجوانب الإدارية، والجوانب الاقتصادية، أو الجوانب المهنية، أو في مجال البحث العلمي، أو في حل المشكلات والمعضلات العامة والخاصة.

التربية الإسلامية والإبداع:

ص: 247

لقد اهتمت التربية الإسلامية بقضية الإبداع اهتماماً كبيراً، وفي مجالات عديدة، بما يحقق للإسلام والمسلمين والبشرية النفع والتقدم، كما أنها ضبطت عملية الإبداع بأن وجهتها توجيهاً خيراً، بعيداً عن الإفساد والدمار، ونظراً لكثرة مجالات الإبداع وتنوعها بما لا يسع المقام لذكرها، فهذه بعض النماذج الإبداعية في عدد من المجالات العامة

1 -

الإبداع العلمي:

لقد جاء الإسلام والناس في جاهلية جهلاء، في عباداتهم واعتقاداتهم وأخلاقهم، وفي علومهم ومعارفهم، حتى إن عدد الذين يقرؤون ويكتبون في قريش هم سبعة عشر رجلا، منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم.

وجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدد يكتبون، منهم: سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فكان يكتب العربية والعبرية رضي الله عنهم.

وبعد ما جاء الإسلام تفتقت تلك العقول وأبدعت في تفوقها، وتواصل هذا الإبداع في الأمة، فتولدت علوم ومعارف، ما كان لأحد قبلهم بها معرفة، ومن ذلك: علم أصول الفقه، الذي أول من صنف فيه الإمام الشافعي، وأول من صنف في الفقه الإمام مالك بن أنس، وأول من صنف في غريب القرآن الكريم أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأول من عمل العَرُوض هو الخليل بن أحمد، وأول من وضع الإعراب أبو الأسود الدؤلي، وأول من صنف في صنعة الشعر عبد الله بن المعتز.

ص: 248

ولقد برع المسلمون في العلوم التجريبية، وأسسوا قواعدها ونواتها، ففي مجال الصيدلة: هم أول من اخترع الكحول، والمستحلبات، والخلاصات العطرية، واستخدم الرازي لأول مرة الزئبق في تركيب المراهم، وهم أول من غلف حبات الأدوية المرة بغلاف من السكر، ليتمكن المريض من استساغة الدواء، وهم أول من غلف الأدوية المعمولة على شكل حبوب، كما برعوا وابتكروا تحضير وضع وتركيب الضمادات والمساحيق واللزوق، وقد وقفوا على صنع مراهم تجف مع الوقت، كشماعات أو غطاء للجروح الحديثة، ومن أشهر من برع في علم الأدوية عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكريم بن واقد، المتوفى سنة 467هـ1074م.

وفي علم التشريح تم اكتشاف الدورة الدموية الصغرى (الدورة الدموية الرئوية) وكذلك الدورة الشريانية من قبل ابن النفيس، واكتشفوا عدد الأغشية القلبية، ووظيفتها، واتجاه فتحاتها لمرور الدم، وبرعوا في تشريح العيون وجراحتها، واكتشفوا أن العضلات المحركة للمقل ست عضلات، وبينوا أن العين آلة للبصر وليست باصرة.

وفي علم الرياضيات هم أول من أسس (اللوغارتمات) فلقد ولد ونشأ وترعرع علم اللوغارتمات في البلاد الإسلامية، الذي يرجع في تكوينه لجهود سلسلة من الابتكارات على يد عدد من علماء الرياضيات، مثل: سنان بن الفتح الحراني، وابن يونس الصدفي المصري، وأبي الحسن على النسوي، وابن حمزة المغربي.

فهذه الشواهد تعطي دلالات عميقة بأن الإسلام فتق عن تلك العقول الصامتة لتبدع في جميع المجالات العلمية، بعد أن كانت لا تحسن القراءة والكتابة، مما يؤكد عمق التربية الإسلامية واستيعابها لكل ما يخدم الإنسان والبشرية جمعا، وأنها نور يحرك الأفئدة نحو العطاء، مما يؤكد أن الدور التربوي يقع اليوم على المؤسسات التربوية لتغرس ذلك في الأجيال، بما يشعرها بماضيها المضئ، وعلى أكتافهم يرتقي البحث العلمي في ميادينه المختلفة.

2-

الإبداع في التخطيط الحربي:

ص: 249

إن الإبداع التخطيطي الحربي لا يقل أهمية عن قوة العتاد، بل ربما يفوق قوة الترسانة الحربية من حيث التأثير في مسار المعركة. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يهمل هذا الجانب، بل كان يأخذ بما تتفتق عنه عقول المبدعين من الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك أنه في معركة بدر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى ماء من بدر، ونزل به، فقال الحُبَاب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فَغُوِّرت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه، فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية.

ويلاحظ في هذه المشورة الإبداعية، عناية الصحابة بالحكم الشرعي وتقديمه على العقل، حيث قال حُباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله تعالى، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فَيُفْهَم من ذلك، إن كان الأمر وحياً فالعقل تابع له، وليس للرأي مكان، وأما إن كان الأمر جهداً عقلياً تخطيطياً فعندي في الأمر رأي.

ومن اللطائف التي يمكن استنتاجها، أنه لم يبين رأيه إلا بعد أن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم القول الفصل، بأن الأمر ليس وحياً، بل رأياً، وهكذا نريد أن تكون التربية العقلية الإبداعية تهتم بالجانب التفكيري العقلي، ولكن تجعله يستظل ويسير تحت مظلة الشرع الحنيف، لا في مقدمته.

ص: 250

وأيضا يتجلى الإبداع التخطيطي الحربي في مشورة سلمان الفارسي بحفر الخندق في غزوة الأحزاب (الخندق) فكان حفر الخندق عملاً إبداعياً لم تعرفه العرب من قبل، فكان ذلك أحد الأسباب في صد عساكر المشركين، بتوفيق الله تعالى ونصره.

فهذه الشواهد تؤكد حقيقة مؤداها أن النبي صلى الله عليه وسلم يعطي لذوي العقول المبدعة حقها من النظر والتشجيع البناء، ومن ثم الاستفادة مما يتولد عن أولئك من أفكار تخطيطية تسهم في أسباب النصر، بما يؤكد أن التربية الإسلامية تعطي في مضامينها التربوية معطيات تحقق للبيئات التربوية قواعد وأسساً منهجية عملية للمناهج الدراسية.

كما أن مجال العرض والحوار التربوي يخرج ويكشف عن تلك المواهب، ويبرز مكنونها الإبداعي، وما الأنشطة الصفية وغير الصفية إلا وسيلة تربوية لتحقيق ذلك.

ومن هنا فإن المنهاج الدراسي وطرائق التدريس ينبغي أن تنطلق من مثل هذه الأساليب النبوية التربوية العظيمة.

3-

الإبداع المهني:

إن الإبداع المهني لا يعتمد على الخبرة والمهارة اليدوية فقط، بل لا بد من وجود عامل الذكاء، والتفكير والتطلع إلى التحسين والإصلاح والتطوير.

والتربية الإسلامية لا تعارض ذلك بل تحفز العقول على الابتكار والإبداع في المجال العملي والمهني ومن الشواهد على ذلك:

ص: 251

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب إلى جذع في المسجد قائما، فقال: إن القيام قد شق عليّ، فقال له تميم الداري: ألا أعمل لك منبرا، كما رأيت يُصنع بالشام؟ فشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاما يقال له كلاب، أعملُ الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره أن يعمله، فأرسله إلى أثلة بالغابة فقطعها، ثم عمل منها درجتين ومقعداً فظهر الإبداع المشوري من تميم الداري بصنع منبر، ثم ظهر الإبداع المهني من غلام العباس بن عبد المطلب، حيث كان أعملُ الناس، فأخذ صلى الله عليه وسلم من كل شخص ما يُحسن ويُجيد فيه من مشورة وصنعة، وفي هذا تشجيع منه صلى الله عليه وسلم، وتأييد للأعمال الإبداعية المفيدة.

وهذا يرسم للمؤسسات التعليمية قواعد تربوية في المجال المهني، ويؤكد لها أهمية العناية بالدروس المهنية النافعة التي تستثمر العقول، وتزيل حواجز الخجل من الأعمال والصنائع التي يعرض ويعزف عنها كثير ممن لم يرتق في السلم التعليمي.

فبعض ممن لم يستطع مواصلة دراسته يأنف من العمل في الصنائع المهنية التي ربما لو عمل فيها لكان مبدعاً، يشار إليه بالتفوق الذي ربما لا يحققه في السلم التعليمي. وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى أهمية مراعاة استعدادات الصبي لما هو مهيأ له، فيذكر أنه مما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه من علامات قبول العلم، وإن رآه بخلاف ذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، مستعداً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، وهذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه.

ص: 252

ومن هنا لابد للمنهج التعليمي أن يراعي ويحقق الميول لدى الدارسين بأهمية الأعمال المهنية، من خلال دراسة السيرة النبوية، وسير الأنبياء عليهم السلام، وكذلك الصحابة، وعلماء الأمة، فقد "كان داود زرادا، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجارا، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعيا". وكان الإمام أبو حنيفة يتجر في الخز، وكان ماهراً فيه. وكان الإمام أحمد بن حنبل يعمل التكك ويبيعها، ويتقوت بها.

فمهمة المؤسسات التعليمية أن تغرس ذلك في أفراد الأمة ليبدع الإنسان فيما هيّء له.

4-

الإبداع الشعري:

لقد اهتمت التربية الإسلامية بعملية الإبداع الشعري، ووجهة القرائح الشعرية التوجيه الصحيح الذي يحقق حُسن الاستفادة منها، ومن ذلك توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، إلى تسليط قرائحهم الإبداعية الشعرية على المشركين، قال ابن سيرين: انتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، فكان حسان وكعب يعارضانهم، مثل قولهم في الوقائع والأيام والمآثر، ويذكرون مثالبهم، وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر، وبعبادة مالا يسمع ولا ينفع.

وهذا يؤكد تفاوت الناس فيما يحسنون ويبدعون، ومنهج التربية الإسلامية يراعي هذه الفوارق، ويشجع أصحابها ليتفوقوا فيما هيئوا له، فالشاعر والكاتب والصحفي المبدع إذا أُحسن توجيهه تفوق وخدم الأمة، وسخر بيانه في توجيه الناس للخير، من خلال الكلمة الجميلة والعبارة اللطيفة، والأسلوب الجذاب المؤثر، فكم من كلمة جمعت شتاتا، وقصيدة أثرت في قلوب، وكم من قلم ضمد جراحا، وكم من بيان ألف بين قلوب، وأثر هذا لا يكون إلا من صاحب البيان المبدع.

ص: 253

ولذلك فإن المنهاج الدراسي الجيد هو الذي يعتني بكل الجوانب التربوية، ويوجهها بحسب قدراتها وإمكاناتها، لأن أغلب الناس إذا أخفق في جوانب نبغ وأبدع في جانب أو جوانب أخرى إن وجد التوجيه والرعاية التربوية الصحيحة.

حدود الإبداع

إن الإبداع هو الاختراع والابتكار، كما تم بيانه سابقاً، ولكن للإبداع شروطاً وحدوداً في التربية الإسلامية، بأن لا يتعارض مع المنهج الإسلامي، لا في كلياته ولا في جزئياته.

وثمة أمر مهمّ لا يجوز الابتداع فيه بأي حال من الأحوال، وبأي دعوة أو ادعاء، وهو الابتداع في الدين، لأن الله تعالى أكمل هذا الدين بنص كلام رب العالمين في القرآن الكريم، حيث قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} (1) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ماليس فيه فهو رد"(2) .وقال صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة"(3) .

فالإحداث في الدين بزيادة أو تعديل أو نقصان ابتداعاً مخالفاً للكتاب والسنة، وإجماع الأمة، كما أن تقديم الرأي على الشرع إفساد وهلكة، قال ابن قيم الجوزية:"وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم إنما ينشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه".

فهكذا تحدد التربية الإسلامية الإطار الإبداعي، بحيث تجعله يسير في مسار صحيح، بعيداً عن التخبط في متاهات طرق أهل الضلال والبدع.

وأما الإبداع في المجالات الأخرى فهو أمر مطلوب، بل متحتم على المؤسسات التربوية أن توليه جُلَّ اهتمامها، من جانبين:

1-

الجانب النوعي:

(1) سورة المائدة: آية رقم 3.

(2)

أبو داود 5/12.

(3)

مسلم 2/592.

ص: 254

والمقصود بالجانب النوعي: التوسع في قاعدة العلوم المعرفية في الطب والهندسة والحاسبات والصيدلة والفيزياء، ونحو ذلك، بما يحقق للأمة قوى بشرية مبدعة في تخصصاتها، وفق نظرة شمولية، ذات تطلعات مستقبلية، وبما لا يجعلها تركز على ما تحتاجه اليوم غافلة عن حاجاتها ليوم غدها.

فالدراسات المسحية تشير إلى أن مدخلات التعليم منصبة على الدراسات النظرية، دون التخصصات الأخرى، فقد بلغت نسبة التخصصات النظرية عام 1985م (75%) في حين أنها بلغت (25%) فقط في التخصصات الأخرى. كما أظهرت الإحصائيات لسنوات مختارة (1400، 1405، 1410،1415هـ) أن متوسط نسبة خريجي التعليم العالي من الدراسات النظرية بلغت (79،9%) . أي أن (20،1%) في التخصصات المعملية التجريبية.

فهذه الحدود الكمية قد تجعل عجزاً يواجه الأمة حالياً ومستقبلاً، وتقلل من نسبة الإبداع المعرفي في الجوانب الأخرى، لأن مقتضى التجربة والحكمة يؤكد أنه ليس كل من التحق بتخصص سيبدع فيه، كما أن قلة الملتحقين سيؤدي إلى قلة المبدعين، لذلك لا بد أن تعي المؤسسات التربوية الحدود الكمية وأثرها على النسبة النوعية للإبداع في كل تخصص أو فن.

2-

الجانب الخُلُقي:

يعتبر الجانب الخُلُقي أسّاً وركيزة لا غنى عنهما في الجانب الإبداعي، حتى تأخذ بأيدي المتفوقين فيما يتفتق عن أذهانهم وخبراتهم نحو الخير والبناء والإصلاح، لأن واقع الإبداع يشير إلى أن المتفوقين الذين فقدوا الجانب الأخلاقي، كانوا دماراً على المجتمعات بما أنتجوا من ابتكارات، فمخترع القنبلة الذرية رجل مبدع لا شك في ذلك، ولكن فقدان الجانب الأخلاقي جعله يسخر ذهنه في ابتكار ما يدمر به البشرية. وما نتج عن الهندسة الوراثية من التوصل لما يسمى بالاستنساخ البشري ما هو إلا نتيجة جنوح إبداعي غير أخلاقي.

ص: 255

ويشير إلى هذه المخاطر أحد المتخصصين في الدراسات الكيميائية: بأن طلب الحقيقة غير المرتبط بالالتزامات الشرعية يمكن أن يؤدي إلى هلاك البشرية، فهناك ميادين متزايدة في العلوم توضح صحة هذا الكلام، وميدان هندسة الوراثة واحد من هذه الميادين، فالقدرة على معالجة الجنس البشري بحيث يكون نسله ذرية من العمال أو الجنود العباقرة له عواقب مخيفة، والقدرة على استخدام الطاقة الذرية للتخريب اتضحت معالمها في (هيروشيما، ونجازاكي) والأبحاث في ميادين غازات الأعصاب والميكروبات المميتة قد تطورت الآن إلى مبيدات للبشرية، وقد استخدم الكثير منها في (فيتنام) .

ويظهر الآن ميدان من ميادين الكيمياء الانفعالية التي قد تؤدي في النهاية إلى السيطرة على الإرادة البشرية، بواسطة مركبات كيميائية مختلفة. والعلماء الذين يطورون مثل هذه يلعبون دوراً حاسماً في تسخير إبداعهم نحو تدمير البشرية.

والشعر نوع من الإبداع الأدبي لأنه ابتكار صياغات لفظية تحمل صوراً بلاغية مؤثرة، فإذا جاءت من مبدعٍ لا أخلاقي أثار بكلماته وصوره الخيالية ومحسناته البديعية المستمع أو القارئ إلى ما تدعو إليه القصيدة من انحراف عقدي، أو فكري، أو جنسي، أو غير ذلك.

لذا فإنه يتعين تحصين الإبداع في حدود ما ينفع البشرية، وفي ظل الضوابط الشرعية، وهذا ما يحتم على الجهات التعليمية إيلاء هذا الجانب غاية اهتمامها التربوي، وإلا أنتجت من لا يقيم وزناً لمعايير الإبداع وحدوده.

ص: 256

والتربية الإسلامية هي التي تكفل لأتباعها أن يسخروا إبداعهم وفق الضوابط الخُلُقية الشرعية، لأنها أولت ذلك عناية كبيرة، بما يربي في المسلم النظر إلى أبعاد إنتاجه الإبداعي، في سلبياته وإيجابياته، لأنه محاسب ومجزي على ذلك، فإن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (1) . وفي أدوات التعلم والمسؤولية عنها قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (2) . وقال صلى الله عليه وسلم في ثمرة عمل الإنسان: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أُجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(3) .

قال الإمام النووي: وفيه الحث على الابتداء بالخيرات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات.

معوقات الإبداع:

المقصود بمعوقات الإبداع، تلك العقبات التي تمنع الإنسان وتثبطه عن تطوير وتحسين مجال تخصصه والتفوق فيه.

والمعوقات الإبداعية كثيرة جدا، ولكن من أبرزها ما يلي:

1 -

قلة العلم أو عدم صحته:

إن قلة العلم، أو عدم صحته تشكل أكبر عائق يعيق الإنسان عن الإبداع والتفوق والتطوير، لأن قلة العلم تدلل على علو الجهل البسيط، الذي هو:"انتفاء إدراك الشيء". وعدم الإدراك للمعلومة يشكل العائق الأكبر للإبداع والتطوير، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وشتان ما بين العالم والجاهل، قال تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} (4) .

(1) سورة الزلزلة: آية رقم 7-8.

(2)

سورة الإسراء: آية رقم 36.

(3)

مسلم 2/705 برقم 69-1017.

(4)

سورة الزمر: آية رقم 9.

ص: 257

وأما إدراك المعلومة على غير وجهها الصحيح، فهو شر من الجهل البسيط، لأن صاحبه لديه جهل مركب، وهو:"اعتقاد جازم غير مطابق للواقع". فصاحب هذا النوع ينتفي منه الإبداع، لأنه أدرك المعلومة على غير حقيقتها، فكيف يولد منها حقيقة علمية؟ ولذلك فإن "التعلم من أهم وسائل نمو الخصائص العقلية، وبلوغ النضج العقلي، وصقل وتزكية القدرات، والملكات والمواهب والميول والهوايات، وبدونه يظل عقل الإنسان قاصراً، معطلاً، غير قادر على العطاء والإنتاج" والناس متباينون في نفس عقلهم الأشياء من بين كامل وناقص، وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير، وجليل ودقيق، وغير ذلك.

2 -

الاعتماد على الآخرين:

ويكون هذا الاعتماد في الإنتاج، وإيجاد الحلول، وفي التنظيم، والتخطيط وإعداد البرامج، سواء كان في مجال التربية والتعليم أو في مجال الإدارة، أو في البحث العلمي، أو في الصناعة، أو التجارة، أو في أي مجال آخر من المجالات.

والمنهج الإسلامي يربي في أتباعه أن يوطنوا لأنفسهم، قال صلى الله عليه وسلم:"لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤا فلا تظلموا"(1) .

وهذا يتطلب من المرء المسلم أن يكون ذا بصيرة، غير مقلد للناس في الجهل والسلوك الذي لا يحقق نفعا. وليس معنى هذا أن ينأى الفرد بنفسه عن الآخرين، ولكن لا يكن فرداً اتكالياً على غيره، ينتظر منهم أن يقدموا له الحلول والإنتاج، بل أن يكون عضواً فاعلاً إيجابياً، يجتهد ويعمل، ويفكر ويسترشد بمن هم أكثر منه علماً وتجربة.

3 -

الاكتفاء بالمتاح مع إمكانية إيجاد الأفضل:

(1) الترمذي 4/4/320 برقم 2007، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وقال الألباني: ضعيف، ضعيف الجامع الصغير وزياداته، ص 905.

ص: 258

مما يعيق عملية الإبداع الاكتفاء بالأشياء المتاحة فقط، دون البحث والتنقيب عن الأفضل، إذا كانت الفرصة متوفرة لإيجاد البديل الأحسن.

مثال ذلك أن يكتفي طالب العلم بقول معين في مسألة من المسائل، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن الدليل وصحته، وخلوه من المعارض، والقول الأرجح في المسألة.

وقد يكتفي الباحث بما توصل إليه الآخرون في مجال الطب أو الصيدلة مثلاً، فلا يكلف نفسه البحث عن الأحسن، وتطوير المتاح. ولو توقف الناس على ما ألفوه مما يسوغ البحث فيه، لما وصل العالم إلى ما وصل إليه من تقدم في كثير من المجالات. والمسلم أولى بالسبق والقيادة والريادة، لأن أمته أمة رائدة.

4 -

عدم الإتقان:

مما يعوق الإبداع أن يكتفي الإنسان بالحد الأدنى من المستوى الإنتاجي دون الوصول إلى أعلى درجات الإتقان والإبداع التي يستطيع أن يصل إليها، في حين أن الإسلام حث الإنسان على إتقان العمل.

والتربية الإسلامية تدعو إلى الأفضل والأحسن في كل ما فيه نفع الفرد أو المجتمع، فالإنسان مأجور – بإذن الله تعالى - على جهده المعرفي في سائر العلوم النافعة، يقول الشيخ ابن سعدي:"فعلوم الكون التي تسمى العلوم العصرية، وأعمالها، وأنواع المخترعات النافعة للناس في أمور دينهم ودنياهم، داخلة في ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومما يحبه الله ورسوله".

فالجهد العلمي في البحث عن الأفضل في الأمور التي تحتاجها الأمة، وينتفع بها الناس، يثاب صاحبها على ذلك إذا أخلص النية لله تعالى.

فالتربية الإسلامية تشجع على بذل الجهد المعرفي المبدع المفيد البناء.

5 -

الانشغال بملذات الدنيا:

ص: 259

إن الانشغال بملذات الدنيا ومطالب الجسد، وشهوات النفس، يكون موبقاً بين الإنسان والإبداع، ويغلق آفاق المبدعين ويوصدها، ويجعلها محجورة بين أقواس الشهوات، لا يفكر في الإنتاج المثمر فضلاً عن الإبداع في ذلك، لأن انشغال النفس بالملذات يجعلها كلما أصابت لذة، تاقت لما بعدها، فينتهي العمر، ولم يحز المرء على كل رغباته الدنيوية، إضافة إلى أن الترف يقود إلى حب الاسترخاء والتمادي فيه، والبعد عن الجدية في البحث والمطالعة والمدارسة، قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه:"إياكم والتنعم، وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا".

لذلك ينبغي البعد عن ترف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخي الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، فيصل المجدون لغايتهم، والمشغول بزيفها لم يبرح مكانه.

وليس المقصود هجر الطيبات، ولكن الاسترسال في الملذات، قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (1) .

6 -

عدم التشجيع:

إن التشجيع له دور كبير في ابراز أصحاب المواهب، كما أن عدم التشجيع يثبط الهمم، خاصة إذا صاحب ذلك التهوين من قدر الإنسان "والإسلام شجع الأفراد للاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم العملية في بناء الحضارة وعمارة الأرض على أساس من التعاون على البر والتقوى، ونبذ الحسد والتباغض" الذي قد يكون أحد أسباب عدم التشجيع.

وقد يرجع أسباب عدم التشجيع إلى يأس المعلمين والأسرة من أن يلحقوا بركاب التقدم التقني أو الزراعي أو التجاري أو الصحي أو التعليمي أو غير ذلك من الجوانب التي تأخرت فيها الأمة، وقد يكون سبب عدم التشجيع الجهل بعدم أهميته في كشف المواهب.

والدراسات التربوية تثبت أهمية التشجيع في صقل المواهب، وخطورة قهر الأفراد على اختيارات لا يرضونها"لأن الإنسان لا يركز انتباهه أو يعمل فكره، ويضاعف جهده إلا فيما يميل إليه، ويشعر بانجذاب شديد إلى ممارسته.

(1) سورة القصص: آية رقم 77.

ص: 260

ومنهج التربية الإسلامية يقوم على التشجيع للخير، والتحذير من الشر والباطل، وآيات الترغيب والترهيب كثيرة في القرآن الكريم، وفي نصوص السنة النبوية، التي ترغب في الخير وتحذر من الشر والفساد وإضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيه، قال صلى الله عليه وسلم:"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه"(1) .

ولما أن الإنسان مفطور على حب الخير لنفسه، وكره الشر والشقاء، فإنه يندفع في استجابة للمؤثرات الترغيبية والترهيبية، بشكل قوي، حيث إن الترغيب والترهيب أمران يقومان على الخوف والرجاء.

7 -

عدم رعاية الموهوبين:

إن التشجيع هو حث الأفراد على بذل أقصى الجهد فيما يقومون به من أنشطة، ولا يختص ذلك بشخص دون آخر. وأما رعاية الموهوبين، فهي بذل رعاية خاصة بمن تميزوا بين زملائهم، وتهيئة الجو العلمي الذي يساعدهم على تنمية طاقاتهم الإبداعية في مجال تخصصاتهم.

وأما عدم العناية بالموهوبين ورعايتهم فإنه يؤدي إلى وأد طاقاتهم، وربما أدى إلى نزوحهم إلى المجتمعات الغربية، وهو ما يسمى بهجرة العقول البشرية، فقد قرر أحد البحوث أن عدد الأطباء في العاصمة الأمريكية من إحدى الجنسيات العربية يفوق عدد زملائهم في ذلك القطر العربي. وفي المجالات العلمية النادرة هناك 950 عالماً من أحد المجتمعات العربية يعز الحصول عليهم لدولة واحدة على مدى عشر سنوات، يعيشون في الخارج.

فعدم التشجيع والعناية بأصحاب المواهب قد يؤدي إلى هجرة المبدعين عن الأوطان الإسلامية.

ومنهج التربية الإسلامية يؤكد أهمية إسدال الخير إلى الناس والعناية بشئونهم، فكيف إذا كان إسدال الخير إلى فئة يتوخى منها الخير للأمة، والإسهام في رفع مكانتها وشأنها؟

(1) الترمذي 4/529 برقم 2417.

ص: 261

فلا شك أن ذلك أدعى في إسدال الخير إليهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"أحب الناس إلى الله أنفعهم"(1) . وقال صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"(2) .

ورعاية الموهوبين تكون بالتشجيع والمكافأة، وبالرعاية الخاصة، وتوفير سبل التعلم المتقدمة، وتوفير المعامل، والكتب والأدوات العلمية، والمدرسين الأكفاء، وكفايتهم مؤنة المعيشة، وما يحتاجونه من أمور الحياة، إضافة إلى التوجيه التربوي البناء، والبناء الخُلُقي والديني، فهو الذي يضبط سلوكهم ويوجه نبوغهم إلى الخير والصلاح.

فوائد التربية الإبداعية:

إن للتربية الإبداعية أهمية كبيرة في مسيرة التفوق العلمي والصناعي والصحي والاقتصادي، وغير ذلك من المجالات، التي من أبرز فوائدها على وجه العموم ما يلي:

1-

الابتكار:

يعتبر الابتكار من أبرز ثمار التربية الإبداعية، لما فيه من الاختراع غير المسبوق، الذي يتولد عنه تقدماً في المجال الذي كان الابتكار في دائرته، سواء كان في الطب أو الصيدلة، أو في الهندسة، أو في الأنظمة، أو في أي مجال نافع آخر.

والابتكار لا يأتي في أغلب الأحوال وأظهرها إلا من أولئك الذين تلقوا تربية نموذجية متفوقة، أو أُتيحت لهم الفرصة للتعلم والتفكير، سيما إذا كان ذلك في إطار توجيه تربوي متألق فاعل.

لذلك فإن الدراسات النفسية تقرر أن الأطفال أفضل ما يتعلمون عندما يُعْطَون الفرصة للتعلم بطرائق تتناسب مع قابليتهم وحوافزهم، وبالتالي فإنه حين يغير المعلمون من طرقهم في التعليم إلى طرق ذات معنى يتوافق مع قابلية الطلاب، فإنما يحققون فيهم التربية الإبداعية المتألقة.

فيتحقق للأمة الفئة المبدعة المبتكرة في جميع الفنون، بما يخدم جميع المجالات التي تحقق لها قدراً من القوة والرفعة والسبق التربوي.

2-

التطوير:

(1) صحيح الجامع الصغير، الألباني 1/97، برقم 176-69.

(2)

مسلم 4/1726 برقم 61-2199.

ص: 262

التطوير هو: إدخال التحسين على الأشياء، بما يحقق فيها الانتفاع الأمثل.

وهذا التطوير من سمات التربية الإبداعية التي تحقق في أفرادها الميل إلى التطوير والتحسين والبحث عن ذلك مع عدم الوقوف عند المألوف والمعتاد، سيما في المجالات التي يخضع التقدم فيها لتطوير أدواتها، وإجراءاتها، وليس ذلك التطور محصوراً في الآليات الصناعية والكيميائية والفيزيائية والهندسية كما هو اعتقاد كثير من الناس، بل إن مجالات التطور أرحب من ذلك، فهي في الإدارة، وفي اللوائح والأنظمة، وفي طرق وأساليب البحث العلمي، وأدواته، ومنهجيته، وغير ذلك.

والنزعة التطويرية هي من ثمار التربية، إذا أحسنت المؤسسات التربوية استخدام الأساليب التدريسية والمعرفية التي تحقق ذلك.

3-

ترتيب الأولويات:

يعد ترتيب الأولويات حسب أهميتها، وحسب قوة تأثيرها، وحسب الحاجة إليها من الدلائل والإشارات الإبداعية عند الفرد، أو عند المجموعة، فالشخص الذي يُحسن ترتيب مفردات أقواله عند التحدث حسب تدرجها المنطقي، أو المؤثر، يعتبر شخصية مبدعة في عرض الآراء، فالتربية الإبداعية هي التي تُكَوِّنُ من الأفراد شخصيات تُحسن ترتيب الأشياء أو القضايا حسب الأولويات، حتى ينتج عن ذلك قوة التأثير وحسن الاستثمار للمتاح، وتوفير الوقت والجهد والتكلفة.

لأن المرء يلمح الكثير من الناس في شؤون الإدارة، أو حتى في المذاكرة والدراسة من يرتب قضاياه المتعلقة بذلك ترتيباً لا يشعر فيه بحسن تحديد الأوائل والأواخر والأواسط، وهذا نتيجة التربية التي لم تولد عند المتربي الاهتمام بالتصنيف التصاعدي حسب الأهمية، وحسب الارتباط، مما قد يولد عند الفرد التشتت الذهني، وعدم الاكتراث بحسن التدبير.

ص: 263

ولذلك فإن من جملة التعامل مع الحقائق ترتيب الأولويات في القضايا التي تحتاج إلى معالجة، وهذا الترتيب لا ينبع إلا من إدراك عميق لطبيعة القضايا والظرف العام الذي تجري فيه المعالجة ففي مجال الدعوة التي تحتاج إلى فقه ترتيب الأولويات إذا فقدها الشخص، قد لا ينجح في التأثير على المدعوين.

ومنهج التربية الإسلامية مبني على ترتيب الأولويات، كما قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – في نزول القرآن الكريم: "

إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً. ولو نزل لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً

".

وقد سُئل صلى الله عليه وسلم: "أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده"(1) . وسأله رجل: "أي الإسلام خير؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"(2) . فتأمل الترتيب حسب حاجة الأشخاص.

فترتيب الأولويات باب واسع، وللتربية أثر فاعل في تحقيقه لدى المتربي، من خلال الأساليب التعليمية المتنوعة التي إذا أُحسن استخدامها أفرزت النتائج المرجوة.

4-

حسن الاختيار:

اختيار الفاضل على المفضول في زمن أو مكان تكتنفه عوامل من الغموض أو التشابه، أو مغبة أمر غير ظاهرة، دليل حذق الفرد ونباهته وعلو إبداعه الاختياري للأشياء.

(1) المرجع السابق 1/21 برقم 11.

(2)

المرجع السابق 1/21 برقم 12.

ص: 264

وهذا الأمر يمكن أن ينطبق على الكثير من معاملاتنا وتعاملنا مع الأحداث، وفي قراراتنا المتتالية، فكم من الطلاب يتخرجون من المرحلة الثانوية، ويقتدون ببعضهم في الالتحاق بالدراسات الجامعية، ثم يكتشف كثير منهم بعد مضي سنتين أو أكثر أنه أساء الاختيار لمجاراة الأتباع والخلان. وهنا يأتي عمق التربية المدرسية في توليد وتحقيق الإبداع في حسن الاختيار، الذي يحفظ وقت وجهد الإنسان من الضياع والتبديد.

ومنهج التربية الإسلامية يحث أتباعه على حسن الاختيار، وتَحَمُّل تَبِعَات إساءة الاختيار، قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) . وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (2) .

ويقول صلى الله عليه وسلم في الحث على اختيار الخير للنفس: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز"(3) . ويقول صلى الله عليه وسلم في جانب اختيار الزوجة، بعد بيان مجالات الاختيار:"تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"(4) .

5 -

تحقيق المنهج العلمي:

تحقق التربية الإبداعية في المنهج الإسلامي البعد عن الأهواء، مع الاعتماد على الأدلة وتقريرها، مما يبعد المرء المسلم عن الانجراف وراء التيارات، وبريق المزيفات، من الأعمال والأقوال والمنتجات، فيحفظ ذلك عليه وقته وماله وجهده، ومن جانب آخر يربي فيه المنهجية العلمية.

(1) التكوير: آية رقم 28-29.

(2)

سورة الشمس: آية رقم 9-10.

(3)

مسلم 4/2052 برقم 34-2664.

(4)

البخاري 4/360، برقم 509، ومسلم 2/1086، برقم 56-1466 واللفظ له.

ص: 265

والنصوص الشرعية التي تأمر باتباع البراهين والأدلة كثيرة جداً، منها قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} (1) . وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) . وقال تعالى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3) .

وقد جاء لنبي الله سليمان عليه السلام الهدهد يخبره بأخبار بلقيس، ملكة سبأ، ولكن نبي الله سليمان عليه السلام لم يقتنع حتى يتأكد من ذلك ببرهان مبين، فقال: كما جاء في القرآن الكريم: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (4) .

فالتأكد والاعتماد على الدليل والبرهان الصادق من منهج التربية الإسلامية، ولذلك ظهر المنهج الاستدلالي عند المسلمين، الذي يسار فيه من مبدأ إلى قضايا تنتج عنه بالضرورة دون الصيرورة إلى تجربة.

ولذلك اعتمد المسلمون منهج القياس، بمد سلطان النص بعد إدراك علة الحكم المستفادة منه، ليشمل بحكمه كل ما توفرت فيه علة النص الأصلي، وظروف تطبيقه كما ظهر عندهم المنهج التجريبي، ومنهج علم الرجال، للتثبت من نقولاتهم ورواياتهم، مما جعل المسلمين منفردين بدراسة الرجال، فأبدعوا ابتكاراً وتطبيقاً وتقعيداً بشروط وضعوها للرواة، فظهر عندهم علم مصطلح الحديث،"وهو علم وضع لحفظ الحديث النبوي من الخلط والدس والافتراء عليه، وهو منقسم إلى رواية ودراية، وكل منهما ينقسم إلى عشرات الأقسام".

6 -

الاستنارة بالشرع والسير في هديه:

(1) سورة النساء: آية رقم 174.

(2)

سورة المؤمنون: آية رقم 117.

(3)

سورة البقرة: آية رقم 111.

(4)

سورة النمل: آية رقم 27.

ص: 266

مما يُعَرِّجُ بالإبداع إلى التدمير والخسران المبين عدم وجود المرجعية الشرعية للجهد البشري، أو تجاهل لتلك المرجعية، والسير خارج محيط دائرتها، مما يجعل المبدع ينحو بفكره واختراعه وابتكاره منحى تنزلق به الأقدام، وتكثر فيه الويلات، ولا أدل على ذلك من الاختراعات المعاصرة التي عمل أصحابها في بعد عن المرجعية الشرعية، فخرجوا بمخترعات كانت دماراً وهلاكاً على البشرية، كالقنبلة البيولوجية والذرية والنووية، والهندسة الوراثية، وغير ذلك من الابتكارات المنكرة.

في حين نجد أن المنهج الإسلامي يحث المرء على أن يعمل جهده، وفق الدلالات والتوجيهات الشرعية التي تربي في المسلم بذل الجهد لفعل الخير، ودفع الشر، قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (1) . وقال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} (2) . وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (3) .

فهذه الآيات وأمثالها تربي في المسلم استشعار مسؤولية الأعمال والأقوال، مما يُنَشِّئ فيه الاستهداء والاستنارة بالشرع الحنيف، والسير في هديه، خشية المسؤولية التي يُحاسب عليها ممن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

7-

البعد عن التقليد غير البصير:

التقليد على ضربين: تقليد على بصيرة وهدى، من معرفة التابع للمتبوع، ومعرفة منهجه ودليله، فيسلك سلوكه، ويتبع منهجه، قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (4) .

(1) سورة الزلزلة: آية رقم 7-8.

(2)

سورة المزمل: آية رقم 20.

(3)

سورة المدثر: آية رقم 38.

(4)

سورة يوسف: آية رقم 108.

ص: 267

وتقليد على ضلال وجهل، دون معرفة من التابع للمتبوع، وصحة منهجه، فهذا التقليد مرفوض باطل لأنه لا يأتي إلا بالشر، قال عليه الصلاة والسلام:"لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤا فلا تظلموا"(1) .

ومنهج التربية الإسلامية يربي أتباعه على البعد عن التقليد الأعمى الذي يئد الإبداع، ويزج بالإنسان في مهاوي الجهل والضلال، بل يربي فيهم الوعي في مسلكهم وسلوكهم وأقوالهم وأفعالهم وعباداتهم، وفي كل شؤونهم.

فإذا وعت المؤسسات التربوية هذه الخاصية وربت المتربين على ذلك غرست فيهم هذه الجوانب التي تعتبر ثمرة وفائدة إبداعية تربوية.

ومن خلال بيان تلك الفقرات يتضح عناية الإسلام بمنهجية الإبداع التربوي، الذي يحقق تلك الفوائد التي تنعكس على نتاج الأعمال الإبداعية، فتحقق فيها فوائد عظيمة تعود بالنفع المبين على الفرد والمجتمع، بل والبشرية أجمع. وهذا ما تفقده وتفتقر إليه التربيات الأخرى.

المبحث الثاني

العقل في منظور التربية الإسلامية

يعتبر العقل في الإنسان المحور الذي من خلاله تلج المناهج التربوية والأساليب التربوية إليه، لتفتق أذهان التلاميذ نحو الإبداع المعرفي، وبقدر معرفة الجهات التربوية للعقل وأهميته توليه اهتمامها وعنايتها، ولذلك جاء هذا المبحث ليلقي الضوء على هذا الجانب في النقاط التالية:

مفهوم العقل:

العقل: هو "القوة المتهيئة لقبول العلم" وأصل العقل الإمساك والاستمساك، كعقل البعير بالعقال وسمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك.

والعقل من حيث الاستفادة منه نوعان:

1-

عقل إدراك:

وهو العقل الذي عند كل أحد ما لم يكن مسلوباً بجنون، أو قاصراً لصغر السن، وهو الذي يميز به الناس بين الأشياء في الكثرة والقلة والأعداد، والأحجام، ونحو ذلك. وهذا عند المسلم والكافر وليس له علاقة بالديانة.

(1) الترمذي 4/320 برقم 2007.

ص: 268

2-

عقل رشد:

وهو الذي يعلم به صاحبه فيعمل، وهو العقل الصحيح الذي يقبل الحق إذا علمه، ويبعد عن الشر إذا عرفه، فالذي يعلم الحق ولا يعمل به ليس لديه عقل رشد، وإنما لديه عقل إدراك، حيث أدرك به العلم، ولم يسترشد بذلك ويرشد، قال ابن تيمية رحمه الله: فالعقل لا يسمى به مجرد العلم الذي لم يعمل به صاحبه، ولا العمل بلا علم، بل إنما يسمى به العلم الذي يعمل به، والعمل بالعلم، ولهذا قال أهل النار:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (1) . وأيضا قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (2) . وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (3) .

فهؤلاء الكفار لديهم عقل إدراك الذي هو مناط التكليف، ولكنهم فقدوا عقل الرشد بسبب عدم اتباعهم الحق بعد أن تبين لهم.

مكان العقل:

(1) سورة الملك: آية رقم 10.

(2)

سورة الحج: آية رقم 46.

(3)

سورة الأعراف: آية رقم 179.

ص: 269

وأما مكان العقل من البدن، فهل هو متعلق بالدماغ، أم متعلق بالقلب؟ فإننا نجد أن الدلائل القرآنية والأحاديث النبوية تدل على أن مكانه القلب، قال الله تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} (1) فجعل عقل الشيء وتدبره في القلب، وقال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (2) . قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره. وقال صلى الله عليه وسلم:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"(3) .

وخُص القلب بذلك لأنه أمير البدن، وسائر الأعضاء حجبة له، توصل إليه من الأخبار ما لم يكن يأخذه بنفسه، فالعين والأُذن وحاسة الشم، وحاسة اللمس، توصل إليه ما لا يدركه إلا بها، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه.

(1) سورة الحج: آية رقم 46.

(2)

سورة ق: آية رقم 37.

(3)

البخاري 1/34 برقم 52.

ص: 270

وقال الخطيب البغدادي: "وأما العقل فهو ضرب من العلوم الضرورية، محله القلب". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه غريزة، والحكمة فطنة، وقيل إنه ضرب من العلوم الضرورية، وكلاهما صحيح، فإن العقل في القلب مثل البصر في العين وقيل لابن عباس رضي الله عنهما بماذا نلت العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول. فدل ذلك على أهمية القلب وعلى أنه هو الذي يعقل به الإنسان، وهذا إذا ما أُريد بالقلب المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن، وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقاً، فإن قلب الشيء باطنه، كقلب الحنطة واللوزة، فإذا أُريد بالقلب هذا، فالعقل متعلق بدماغه أيضاً، ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ، كما يقوله كثير من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب، فإذا كمل انتهى إلى الدماغ.

والعقل يُراد به العلم والعمل كما مر معنا، وأصلهما من الإرادة، والإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد، فلا بد أن يكون القلب متصوراً، ويكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ، وآثاره صاعدة للدماغ، وكلا القولين له وجهة صحيحة.

ومن ذلك يمكن القول بأن هناك ارتباطاً بين الدماغ والقلب في إدراك الأشياء وعقلها، فالدماغ يُدرك الأشياء بالحواس، أو بالتفكير فيها، ثم يعقلها القلب فيرفضها أو يقبلها، فترجع للدماغ مرة أخرى محملة بالقرار من القلب، ويرسل الإشارة اللازمة بسلوك معين، أو بقرار معين، بحسب ما جاء من القلب، ولذلك فإن الإنسان إذا فكر كثيراً فإنه يشعر بالألم أو التعب في دماغه الواقع في الرأس، وإذا ضرب على رأسه اختل تفكيره وإدراكه، فإذاً هناك ارتباط قوي بين القلب والدماغ، وأن مكان العقل هو القلب، والدماغ وسيط. والله تعالى أعلم.

العقل الفطري والمكتسب:

ص: 271

أساس العقل أنه فطري مطبوع في الإنسان، وهو العقل الذي يعقل ويدرك به، ويعقل به العلم، وبالعلم والدربة يحصل العقل المكتسب، فالعقل الغريزي وسيلة لحصول العقل المكتسب، ولا يمكن أن يكتسب الإنسان عقلاً وهو فاقد العقل الغريزي، قال عبد الله بن المعتز:"العقل كشجرة، أصلها غريزة، وفرعها تجربة، وثمرتها حمد العاقبة، والاختيار يدل على العقل، كما يدل توريق الشجرة على حسنها، وما أبين وجوه الخير والشر في مرآة العقل إن لم يصدها الهوى".

أفرأيت الرجل الذي لا يتقن حرفة معينة، فإنه لا يستطيع أن يبدع فيها ويفكر في أحسن الطرق لأدائها، ولكن بعد أن يتعلمها ويتمرسها، قد يبدع فيها، فما حصل له من خبرة ومن كشف أحسن الطرق لأدائها هو ما يسمى بالعقل المكتسب، أي هو نتيجة تنمية القوى العقلية الغريزية.

فالعقل عقلان: عقل غريزيّ وهو أب العلم ومربيه وثمرته، وعقل مكتسب مستفاد، وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته، فإذا اجتمعا في العبد فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، واستقام له أمره، وأقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب، وإذا فقد أحدهما فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه، وإذا انفرد انتقص الرجل بنقصان أحدهما.

وأما آفة فقدهما، أن صاحب العقل الغريزي الذي لا علم ولا تجربة عنده آفته التي يؤتى منها الإحجام، وترك انتهاز الفرصة، لأن عقله يعقله عن انتهاز الفرصة لعدم علمه بها.

وأما صاحب العقل المكتسب فيؤتى من الإقدام بما ليس عند سابقه، فإن علمه بالفرص وطرقها، يلقيه على المبادرة إليها، وعقله الغريزي لا يطيق رده عنها، فإذا رُزق العقل الغريزي عقلا إيمانيا مستفادا من مشكاة النبوة لا عقلاً معيشياً نفاقياً، فإن صاحبه يكون على نقيض أهل العقول المعيشية النفاقية الذين يرون العقل أن يُرضوا الناس على طبقاتهم ويستجلبوا مودتهم على حساب الدين.

علاقة الإبداع بالعقل:

ص: 272

إن العلاقة بين الإبداع والعقل مترابطة جداً، فالعقل هو الجهاز الذي يفكر به الإنسان، والتفكير هو محور الإبداع، لذلك فإن العلاقة بينهما قوية، كما أن مجالات الإبداع تتنوع بحسب القدرات العقلية المتعددة مثل:"القدرة على الإدراك، والقدرة على التذكر، والقدرة على التخيل، والقدرة على الاستنباط والاستنتاج، والقدرة على التحليل، والقدرة على التركيب، والقدرة على الاستقراء، والقدرة اللغوية، والقدرة العددية أو الحسابية، والقدرة العملية، ونحوها".

ولذلك نلاحظ أن البعض لديه القدرة على الحفظ، لكنه ضعيف مثلا في جانب التحليل، والبعض لديه مهارة وقدرة في الجوانب الحسابية، لكنه ضعيف في جانب آخر، والبعض قد وفقه الله تعالى بأن جمع له قدرات متعددة.

ولما أن العقل غريزي ومكتسب، فإن محور عمل التربية يتركز على تنمية العقل المكتسب، من خلال المناهج الدراسية، وأساليب طرق التدريس التي تحرك عقل المتعلم نحو التفكير الجيد البناء، وأن لا يكون أداة للاستماع فقط، فإذا نجحت التربية في هذا استطاعت أن تسهم في تنمية الجوانب الإبداعية لدى المتعلمين.

أهمية العقل:

إن العقل نعمة عظيمة من الله تعالى، وله أهمية كبيرة في حياة الإنسان وذلك لاعتبارات عديدة يمكن تلخيصها فيما يلي:

1-

أن العقل مناط التكليف في الإسلام كما جاء في الحديث من قول علي لعمر رضي الله عنهما: "أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ". فكونه مناط التكليف يدل على أهميته إذ يترتب على وجوده المسئولية والمساءلة من الله تعالى.

2-

أن العقل أحد الضروريات الخمس التي حافظ عليها الشرع، "فإنه أشرف ما في الإنسان، ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة، صيانة لعقولها".

ص: 273

3-

أنه وسيلة الإدراك والتعلم والتفكير، حيث إن "القلب للعلم كالإناء للماء، والوعاء للعسل، والوادي للسيل" وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف، وينكر به المنكر". فمن ضعف نقده ووهن تمييزه، وقل تفكيره، استسهل السهل لسهولته وإن كان فيه هلكته، واستثقل الثقيل لثقله على نفسه وإن كان فيه فوزه ونجاته في حياته ومعاده.

4-

أن سلوك الإنسان وتصرفاته نتيجة أفكاره، وتصوراته، وإدراكه، لأن أصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن التفكير مبدأ الإرادة والطلب في الزهد، والترك والحب والبغض، وأنفع الفكر، الفكر في مصالح المعاد، وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها.

وخير وسيلة لتصحيح الفكر والتصورات التزود بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتدبرهما.

5-

أن العقل أحد أسس الإبداع، فمن ضعف عقله ووهن تفكيره، قل إدراكه وضاقت تصوراته، فقل إبداعه، ومن نمّا فكره وقوي إدراكه، اتسعت تصوراته فكثر إبداعه، وزاد ونما.

6-

أن العقل يُفرق به بين الإنسان والحيوان، حيث إن الحيوان لا يعقل ولا يدرك، وقد شبه الله تعالى من لا يفقه ويتبصر، ويستخدم حواسه وعقله في إدراك الحق كالأنعام، بل أضل من ذلك، لأن الأنعام معذورة لعدم توفر العقل الذي هو وسيلة الإدراك، ولم تكلف، قال تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (1) .

النظرة البشرية للعقل:

(1) سورة الأعراف: آية رقم 179.

ص: 274

لقد تشعب الناس إلى طوائف من حيث نظرتهم لمكانة العقل وأهميته، وبناء على ذلك جاءت تصرفاتهم واهتماماتهم بحسب نوعية وجودة الغذاء المعرفي، وترتب على ذلك أن ظهرت تربيات متنوعة بحسب تباين المفاهيم، ويمكن بيان تلك الأقسام على النحو التالي:

1 -

نوع من الناس ألّه العقل التابع لهواه، وجعله هو المرجع الرئيس والحاكم على الأشياء، والقائد والمشرع، والموجه والمنظم لحياة الإنسان، وعطله عن معرفة الحق وإدراكه، فهؤلاء يعيشون لشهواتهم، وهؤلاء هم أهل الكفر بجميع أصنافه، قال تعالى:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} (1) . وقال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} (2) .

قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسله، فنقضوا تلك العهود والمواثيق واتبعوا آراءهم وأهواءهم، وقدموه على الشرائع، فما وافقهم منها قبلوه، وما خالفهم ردوه.

وهذا النوع من الناس هم الذين الَّهوا العقل، وجعلوه حاكماً على قضاياهم وأعمالهم ونتاجهم.

وهذا النوع من الناس ورثوا هذا المنهج الضال عن إبليس لعنه الله، فهو أول من عارض أوامر الله تعالى بالعقل وقدمه عليه، فإن الله تعالى عندما أمره بالسجود لآدم، عارض أمر ربه بقياس عقلي مركب من مقدمتين.

(1) سورة المائدة: آية رقم 70.

(2)

سورة المائدة: آية رقم (70) .

ص: 275

قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا َّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (1) . وهاتان المقدمتان هما:

1-

إحداهما قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} وتقدير ذلك أنا الفاضل فكيف أسجد للمفضول.

2-

والثانية: معلومة من أساس التفاضل التي اعتمد عليها على حد زعمه، وهي المادة التي خُلِق منها، فمن خلق من نار فهو أفضل، فكيف يسجد لمن خُلُق من طين.

فهما قياسان متداخلان، وباطلان أيضاً، من عدة وجوه، كما وضح ذلك ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى:

- أنه قياس في مقابلة النص، والقياس إذا صادم النص وقابله كان قياساً باطلا.

- أنه قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} وهذا كذب، ومستنده في ذلك باطل، إذ لا يلزم من تفضيل مادة على مادة، تفضيل المخلوق منها على المخلوق من الأخرى.

فالعبيد والموالي الذين آمنوا بالله ورسوله خير وأفضل عند الله ممن ليس مثلهم من قريش وبني هاشم، وأن صالحي البشر أفضل من الملائكة، وإن كانت مادتهم نورا، ومادة البشر تراباً، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.

أن التراب أفضل من النار لعدة اعتبارات، منها:

- أن طبع النار الطيش والخفة، والأرض الثقل والرزانة.

- أن طبع النار العلو والإفساد، وطبع الأرض الخشوع والإخبات، والله لا يحب المفسدين، ويحب المخبتين.

- أن الأرض مادة الحيوان والنبات والأقوات، والنار بخلافه، فهي حارقة لذلك.

- أن الأرض تعطيك من البركة أضعاف ما تودعه من الحب والنوى، والنار تحرقه. والمعتزلة، والمدارس العقلانية تقدم العقل على النقل، فضلت وأضلت.

(1) سورة الأعراف: آية رقم 11-12.

ص: 276

2 -

وصنف عطل العقل، فلا يتدبرون ولا يتفكرون، وإنما حياتهم حياة بهيمية، لا يتدبرون آيات الله المبثوثة في الكون وفي أنفسهم ولا يتفكرون في مآلهم ونهاية حياتهم قال تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (1) .

وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (2) .

3 -

وأمة من الناس قدمت الشرع على العقل، وأصبح الشرع بمثابة ضوء الشمس للعين، وتحقق عندهم لصحة عقولهم وصفاء منهجهم عدم تعارض العقل السليم والنقل الصحيح. وهؤلاء هم أهل الحق، وهم أهل السنة والجماعة، عرفوا قدر الشرع وأهميته، وحاجة الناس إليه فاتبعوه، وعرفوا أهمية العقل فلم يعطلوه.

وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه.

المبحث الثالث

جوانب التربية العقلية والإبداعية

وسائل حفظ وتربية العقل:

أن هناك مفسدات مادية وثقافية تواجه الإنسان وتفتك بعقله وتحرفه عن الصواب، مما يؤكد حاجة الإنسان لما يحفظ عقله من الزيغ والضلال، وينميه، حتى ينتج ويبدع، وهذا يتطلب بيان ما يأتي:

1 -

وسائل حفظ العقل.

2 -

وسائل تربية العقل.

3 -

المفسدات العقلية

أولاً: وسائل حفظ العقل:

(1) سورة الحج: آية رقم 46.

(2)

سورة الأعراف: آية رقم 179.

ص: 277

إن هناك حاجة ماسة لحفظ العقل البشري من وسائل الهلاك والدمار التي تواجهه من خلال وسائل مختلفة، وفي جوانب متعددة، تهوي به في الاتكالية على جهود الآخرين، أو تعطله عن مهامه بإشغاله فيما يضره ولا ينفعه، كوسائل اللهو المكثفة، والمخدرات المتنوعة، والبث المباشر الذي تسلل للبيوت، فانشغل الإنسان بالباطل عن الحق، وبالضار عن النافع، وبالمفضول عن الفاضل، مما يجعل المهام الملقاة على كاهل التربية ضخمة المسؤولية، من خلال المسجد والمدرسة والمنزل، والهيئات التربوية الأخرى.

وإزاء هذه التحديات التي في صراع مع منابع التربية يتأكد أهمية الوقوف على وسائل حفظ هذا العقل ليؤدي مهامه المطلوبة منه، فضلاً عن الإبداع المأمول، ويمكن إيضاح ذلك في النقاط التالية.

1-

الأخذ بكل ما تضمنه القرآن الكريم والسنة النبوية، دون قيد أوشرط، والإيمان بهما والعمل بمقتضاهما، دون الرجوع إلى أي منهج آخر للاحتكام إليه، قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) . وهذا أمر قطعي لابد من الإيمان والعمل به، ويقتضي هذا عدم تقديم العقل على الشرع، لأن العقل محدود، ناقص، وقد أثبت الله تعالى كمال الشرع وحاكميته عليه، ولا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل، لأنه خلاف المعقول والمنقول، بل ضد القضية، وهو الموافق للأدلة، فلا معدل عنه.

وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا رأوا رأياً ووجدوا أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك عدلوا عن رأيهم ورجعوا للسنة.

والتربية القائمة على هذا المبدأ تغرس في أفرادها الانقياد للشريعة الإسلامية، والإذعان لتوجيهاتها، مما ينمي في الفرد جوانب إبداعية من أبرزها:

- الدقة في التعامل مع نتائج الحضارات وفق النصوص الشرعية.

- صحة الفهم لمقاصد الشريعة التي تجعل المبدع يسخر إنتاجه لخدمة البشرية وصلاحها، لا لدمارها وإفسادها.

(1) سورة الحشر: آية رقم 7.

ص: 278

- سلامة المعلومات وصحتها من عدم تعارضها مع ما قررته الشريعة.

- بذل الوسع في التحقق من صحة الاستنباطات والاستنتاجات.

- صدق التحليل والتفسير للظواهر والوقائع والحوادث الكونية والتاريخية في منأى عن الهوى والنزعات الشخصية.

2 -

أن لا يكون العمل إلا بدليل شرعي فيما يخص الأعمال العقدية والتعبدية، والمعاملات، ولا يكون توجه الإنسان واجتهاده في حياته وأعماله العامة والخاصة إلا وفق المنهج الإسلامي.

وهذا يجسد عند المسلم أهمية البحث العلمي وفق قواعده المعتبرة، مما ينعكس على إنتاجه الذي يرقى به إلى الدقة.

3 -

محاربة البدع والشبه، عن محيط المجتمع الإسلامي، وتوعية الأمة بالعلم الصحيح، حتى لا ترتكس في بؤرة الجهل الذي يحجبها عن العمل الصحيح. فما انحطاط كثير من المجتمعات الإسلامية إلا لكثرة البدع والشبه، وتفشي الجهل الذي حط بظلامه وركابه بينهم.

4 -

محاربة المسكرات والمخدرات بجميع أنواعها، واختلاف مسمياتها، لأنها حجاب فولاذي عن العمل والتفوق.

5 -

أن يعرف الإنسان محدودية عقله، وأن لعقله حدوداً لا يستطيع أن يتجاوزها، قال الشاطبي رحمه الله "إن الله جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبلاً إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان، وما يكون ومالا يكون إذ لو كان كيف كان يكون؟ فمعلومات الله تعالى لا تتناهى، ومعلومات العبد متناهية، والمتناهي لا يساوي مالا يتناهى".

وهذه الحقيقة قاعدة تربوية عظيمة الأثر، إذ تؤكد أن الإنسان وإن كان مبدعاً في جانب، فلا يعني تفوقه في كل الجوانب، وإذا كان قاصراً في جانب، فقد يكون مبدعاً في جانب آخر، لو بحث عنه لتفوق فيه، وهذا ما يجهله كثير من الناس، حيث يُرَاد من الكل أن يتفوقوا في جانب معين، أو جوانب محددة، فمن أخفق فيها حُكِم عليه بالغباء.

ص: 279

6-

احتضان وتنمية المواهب والقدرات العلمية في جميع المجالات سواء ما يتعلق بأمور التقنية الحديثة، أو التخصصات العلمية، في الطب والهندسة، أو سواها من التخصصات التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية. لأن عدم احتضانها وتنميتها وتوجيهها قد يؤول بها إلى الانحراف، نتيجة غياب التوجيه، وما انحراف كثير من الدراسات عن جادة الطريق إلا لسوء توجيه الدارسين.

ثانياً: وسائل التربية الإبداعية والعقلية:

إذا تم الحفاظ على العقل، فثمة أمر آخر، وهو القيام بتنميته ليكون مثمراً مبدعاً، وهذه الوسائل قد تشتمل على ما يساعد على حفظه أيضاً، وذلك لصعوبة الفصل بينها فصلاً دقيقاً، ويمكن عرض ذلك فيما يلي:

1-

تدبر آيات الله القرآنية:

إن تدبر آيات الله القرآنية عبادة وفقه وتنمية للعقل على الخير، كما أن في ذلك حفظاً لعقل الإنسان من طرق الهلاك والضلال، وقد أمر الله تعالى بتدبر القرآن الكريم، فقال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (1) .

فإن المعرضين عن كتاب الله تعالى، لو تدبروا القرآن الكريم لدلهم على كل خير، ولحذرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان، ولأوصلهم إلى المطالب العالية، والمواهب الغالية ومن يمتلئ قلبه بالإيمان والإيقان ويعرف طريق الخير، وطريق الشر، يتوجه للخير، وفعل الخير على أحسن وجه.

وفي تدبر آيات الله القرآنية تفتيح للعقول، وهداية وتوفيق وعون لها نحو التفوق. والمرء بأمس الحاجة إلى توفيق الله وعونه ليحقق مبتغاه في علمه ومهنته وإدارته، وفي جميع شؤونه.

2 -

تدبر آيات الله الكونية:

(1) سورة محمد: آية رقم 24.

ص: 280

إن الإنسان يستطيع أن يشاهد ويلاحظ ما تستطيع حواسه أن تدركه من آيات الله الكونية المبثوثة في الكون، كالجبال والسهول والأودية والأشجار والنجوم، وغيرها من آيات الله الكونية، وهي آيات عظيمة تدل على عظمة الخالق تبارك وتعالى، فتربي الإنسان على صحة التوجه وسعة النظر، وكلما تأمل المؤمن في مخلوقات الله تعالى ازداد إيمانه واتسعت آفاقه وتفكيره، وقد بين تبارك وتعالى أن آياته تدل على الحق، قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (1) .

فليتأمل الإنسان مثلاً: الحكمة البديعة في تيسيره سبحانه وتعالى على عباده ما هم أحوج إليه، فكل ما كانوا أحوج إليه كان أكثر وأوسع، وكلما استغنوا عنه كان أقل، وإذا توسطت الحاجة توسط وجودها، فاعتبر هذا بالأصول الأربعة: التراب والماء والهواء والنار، وتأمل سعة ما خُلِقَ منها وكثرته، فتأمل سعة الهواء وعمومه ووجوده بكل مكان، ولولا كثرته وسعته وامتداده في أقطار العالم لاختنق العالم من الدخان والبخار المتصاعد، وتأمل حكمة ربك في أن سخر لها الرياح، فإذا تصاعد أحاله سحاباً أو ضباباً، فذهب عن العالم شره، فسل الجاحد من الذي دبر هذا التدبير؟ وهل يقدر العالم لو اجتمعوا أن يحيلوا ذلك سحاباً ويذهبوه عن الناس؟ ولو شاء الله تعالى لحبس الرياح فاختنق من على وجه الأرض.

فهذا التدبر إذا وسعته المناهج الدراسية أحدثت عند المتربي بُعْد النظر، وسعة الأفق، وحُسن الاستنتاج والاستنباط، وسلامة التحليل والتفسير، وربط الأسباب بالمسببات، وبخالق الأسباب ومدبر الأحوال.

3 -

تدبر العواقب:

(1) سورة فصلت، آية رقم 53.

ص: 281

مما يساعد الإنسان على نمو الجانب التفكيري وحسن الإبداع تعقل الأمور وتدبر عواقب ما يريد أن يقدم عليه، فينظر ما هي عواقبه ونتائجه عليه في دار معاده ومعاشه، وهل هي لذة وقتية يتبعها ألم دائم وحسرة قد لا تنقطع، أو ضد ذلك؟

فمثلاً: من طبيعة "الفضائل أنها مستحسنة مستثقلة، والرذائل مستقبحة ومستخفة" فمن ضعف تفكيره ووهن تميزه وقل نقده استسهل السهل لسهولته وإن كان فيه هلكته، واستثقل الثقيل لثقله على نفسه وإن كان فيه فوزه ونجاته.

كما أن في تدبر العواقب تدريباً للذهن على القياس، وربط نتائج الصور المتشابهة، واستنتاج القواعد من الحوادث المتماثلة، وفي هذا تدريب للعقل على التفكير والإبداع.

4-

حسن النقد والتمييز:

إن من أهداف التربية تهذيب الإرادة، وتنمية التفكير ليميز الغث من السمين، والحسن من القبيح، واختيار الفضائل وتجنب الرذائل حتى لا يكون عبد شهوته من جهة، وإمعة من جهة أخرى، ويغتر بكل قول، ويجذبه كل ناعق، وقد جاء في الحديث أن يوطن الإنسان لنفسه، قال صلى الله عليه وسلم:"لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا"(1) .

وتصرفات الإنسان هي وليدة أفكاره "وأصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد، وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها".

لذلك على المربين أن يشجعوا الأبناء على ممارسة التقويم الذاتي بأنفسهم، حتى تكون لديهم قدرة الاعتماد على النفس واختيار الأفضل والأحسن في ضوء المنهج الإسلامي.

وهذا يربي فيهم سلامة التفكير، وحُسن المنطق، والقدرة على الاستفادة من الأوقات.

(1) الترمذي 4/320 برقم 2007، وقال: حديث حسن غريب، وقال الألباني: حديث ضعيف، ضعيف الجامع الصغير، برقم 6271-113 ص 905.

ص: 282

5-

تدبر الماضي التاريخي:

إن التاريخ حصيلة تجارب الأمم، وعبرة يعتبر بها الإنسان، ويستفيد منها، وقد نبه القرآن الكريم إلى أهمية استشراف التاريخ، والتعرف على السنن الطبيعية والاجتماعية، والإفادة من ذلك في الاعتبار، وبناء الحضارة، والمحافظة عليها من السقوط.

ولكن كشف هذه السنن المطردة لا يمكن أن يتم إلا بالاستقراء التاريخي، ودراسة أحوال الأمم الماضية، والوقوف على عوامل تقدمها، وأسباب سقوطها.

والآيات القرآنية التي تحث على الاعتبار كثيرة ومن ذلك حثه سبحانه وتعالى على الاعتبار من عاقبة الأمم التي كذبت الرسل، وكانوا أصحاب أموال وقوة وعمران، فلما بغوا جاءهم العذاب فلم تنفعهم قوتهم، قال تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} (1) .

وأما أسلوب عرض الوقائع والأحداث التاريخية دون استجلاء العبر والسنن الإلهية في التمكين والنصر وفي الهزيمة، فلا يزيد شيئاً في الجانب التفكيري، وفي تقوية الجانب الإيماني، وفي الاعتبار والاستفادة، ولذلك فإن الدراسات التاريخية تحتاج إلى هذا النوع البناء من استجلاء العبر، وربط السنن الكونية بالسنن الشرعية الواردة في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.

إضافة إلى إبراز مظاهر الحضارة الإسلامية وعمقها، وما أنتجته وأسهمت به في تقدم الأمم، لأن في ذلك باعثاً للهمم نحو التطلع لتحقيق المجد التليد، والاقتداء بِسِيَرِ الأولين في الجد والاجتهاد.

6-

أن تكون التفسيرات للأحداث في ضوء الشرع:

(1) سورة فاطر: آية رقم 44.

ص: 283

إن تفسير الحوادث الكونية والتاريخية والاجتماعية في معزل عن الشرع يُحدث تصدعاً في البنية المعرفية عند الإنسان، ويتبعها نظرة معملية لذلك، فيفقد بها المتربي المعرفة الشرعية، وربط الأسباب بمسبباتها، وربط ذلك كله بإرادة الله وحكمته وكمال تدبيره سبحانه وتعالى، فينعكس ذلك على الجانب الاعتقادي.

وبالتالي يحجم تفكيره عن الإبداع وسبر غور الأحداث، خاصة في المجال التاريخي والاجتماعي.

ومثال ذلك "السنن الاجتماعية التي أوضحها الله تعالى في القرآن الكريم، أن فشو الظلم وغياب العدل من الأسباب الموجبة لهلاك الأمم، وسقوط الحضارات". قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ} (1) .

فإذا دُرس سقوط الأمم من خلال العثرات الاقتصادية التي وقعت فيها، وأودت بهلاكها، أو بالهزائم العسكرية وحدها، دون النظر إلى الأسباب الشرعية التي كانت أساساً للأسباب المادية كانت تلك الدراسة التاريخية مادية، لا تبني في صاحبها ولا في القارئ بُعد النظر الذي هو شعلة الإبداع المعرفي.

7-

عدم الاتكالية:

إن الاتكال على الآخرين في كل شيء، والاعتماد عليهم في التنظيم والتخطيط وإيجاد الحلول والبدائل، يجعل عقل الإنسان عقيماً، بعيداً عن التفكير البناء، ويعيق نشاط الذهن الذي يثمر الإبداع الجيد الصحيح.

وعدم الاتكالية إحدى خطوات البحث العلمي الواعي، وهذا الأمر ليس مطلقاً، لأن الآخرين إما نقطة نبدأ منها للبناء، أو للهدم، أو نستعين بها، ولكن الخطأ في الاتكال الكلي دون أن يبذل الإنسان ما في وسعه. ولذلك اشْتُرِط للعمل الإبداعي أن يتحقق فيه أحد الشروط التالية:

- أن يكون النتاج الفكري جديداً، وذا قيمة.

- أن يتضمن تغييراً للأفكار السابقة، إذا كانت خاطئة.

- أن يكون النتاج الفكري عميقاً، أو فيه إثارة شديدة.

- أن تكون صياغة المشكلة مزيلة للغموض.

(1) سورة الأنبياء آية رقم 11.

ص: 284

وهذه الشروط تؤكد أهمية الابتكار في الإبداع.

8-

تعلم العلم:

إن العلم لقاح العقول، ينميها ويربيها وينير فيها روح الإبداع والبحث العلمي الواعي الرشيد، وأنفع العلوم في لقاح العقول وأكملها علم الشريعة، ثم العلوم التي يحتاجها الإنسان في بناء أمته ومجتمعه، كالاقتصاد والعلوم الزراعية والصناعية والتجارية والإدارية والطبية، وغيرها من العلوم النافعة، فكلما ازداد الإنسان معرفة في مهنته ازداد إبداعاً وتألقاً في ميدان تخصصه، إذا واكب ذلك رغبة وتطلعاً للأحسن والأكمل.

ومن الأمور المعينة على الإبداع في مجال العلم والتعلم ما يلي:

أ- الاستقراء:

وهي الطريقة التي ينقل بها المعلم ذهن المتعلم من المعلوم إلى المجهول، ومن المحسوس إلى المعنوي، ومن الملموس إلى غير الملموس، وذلك بتدرجهم في الانتقال من الجزء إلى الكل، حتى يستطيع المتعلم أن يصل من الحقائق الجزئية إلى التعميم، أي بتمكين المتعلم باستقرائه للحقائق الجزئية إلى استنباط المبدأ العام، أو القاعدة الكلية.

ب- الطريقة الكلية:

وهي عكس الطريقة السابقة، حيث ينتقل بذهن المتلقي من القاعدة إلى جزئياتها الأصلية، ومن الكل إلى الجزء، مثل دراسة تعريف معين عن طريق تفتيت مركباته وعناصره الأصلية.

وفي هذه الطريقة يعرض المعلم على المتعلم الحادثة التاريخية - مثلاً - على نحو كلي شمولي، ثم يوضحها ويفسر أجزاءها، وتفصيلاتها بالدليل والبرهان، أو بتحليل الحوادث، أو بضرب الأمثلة.

ج- القياس:

هو تسوية فرع بأصل في الحكم لوجود علة جامعة بينها "وهو أحد الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية" في الفقه الإسلامي.

ص: 285

والقياس لا ينحصر في الأدلة والأحكام الشرعية بل في كثير من فنون العلم والمهارات. وسواء كان في مجال الفقه أو في مجال الأمور العامة، فإنه وسيلة للإبداع، وحاجة يحتاج إليها الإنسان، فإن تربية المتعلمين على هذا الجانب، يقوي لديهم ربط وقياس الأمور المتشابهة بعضها ببعض، إذا وجدت العلة الجامعة بين الفرع والأصل، أو بين المقيس والمقاس عليه.

د- الحفظ:

ومن الأمور الجديرة بالاهتمام عملية الحفظ والاستذكار، حيث تجعل العلم في متناول الحافظ، يسير معه أين ما حل وارتحل، بعكس الذي يعتمد على الكتب فقط، فإنه يصبح أسيراً لها، لا يفكر إلا بوجودها.

والحقيقة إن هذا لا يعني التقليل من أهمية الكتاب، وإنما القصد أن يتمكن الإنسان بمحفوظه، وأن يتحرر من قيود ارتباطه بالكتاب في كثير من المواقف الطارئة، والمواقف التي لا يتوفر فيها الكتاب.

وفي الحفظ تدريب الذاكرة على ذلك مع سرعة الاسترجاع، وهذا في حد ذاته إبداع، يُعين المرء على التحليل والاستنتاج والقياس، والاستقراء دون ارتباط مباشر بالكتاب. قال أبو هلال العسكري "وإذا كان ما جمعته من العلم قليلاً وكان حفظاً كثرت المنفعة به، وإذا كان كثيراً غير محفوظ قلت منفعته".

وأما من زعم من الناس أن الحفظ ليس له قيمة ولا أثر على الإبداع، وأنه يجعل من الإنسان كتاباً ناطقاً، فإنها دعوة باطلة غير صحيحة، ودليل ذلك أن السلف كانوا يهتمون بالحفظ اهتماماً بليغاً حتى برز منهم مبرزون في الحفظ، فكان لهم قدم علم وفقه، مثل: الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسعيد ابن المسيب وسليمان بن داود الطيالسي وأبي داود وسفيان الثوري وغيرهم.

وقد بين السلف أهمية الحفظ في كسب العلم، حيث تطالع ذلك في مصنفاتهم مثل كتاب الحث على الحفظ لابن الجوزي.

كما أنه لا بد أن يلازم الحفظ الفهم السليم الذي يولد الوعي وحُسن الإدراك عند المتلقي، ويرتقي بدرجة حفظه إلى ما يقود للإبداع المعرفي.

ص: 286

9-

الحوار والمناقشة:

إن للأسلوب الحواري في تصحيح المعلومات الخاطئة، والتصورات الباطلة أثراً كبيراً في تقبل صحيح المعلومات والتصورات، وإزالة الملابسات، والمتعلقات الذهنية الخاطئة، لأن فيه قرع الحجة بالحجة، وتفتيح الذهن، وفك ما غلق واستصعب من الفهم والإدراك.

وقد اشتمل القرآن الكريم على آيات كثيرات مبنية على الحوار، وكذا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وأما أسلوب فرض المعلومات والآراء والأفكار على الآخرين فقد يقبلونها ولكن على غير رضى واقتناع، إما رهبة من عاقبة رد ذلك أو هيبة لذي السن والجاه، ولكن هذا الأسلوب يقتل الإبداع، ويميت حسن التفكير.

10-

ضرب الأمثال:

إن ضرب الأمثال وتعقلها يثير الجانب الذهني عند الإنسان بتوسعة أفقه، لأن في ضرب الأمثال تقريب المعنى للأذهان وتدريباً على حُسن القياس، وقد اشتمل القرآن الكريم والسنة النبوية على الكثير من الأمثال ألتي جاءت مؤثرة لقوة بيانها ووضوحها وترابط الممثل به والممثل عليه، ومثال ذلك:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (1) .

ومثال ذلك من السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة"(2) .

(1) سورة الحج: آية رقم 73.

(2)

البخاري 3/463، برقم 5534، ومسلم 4/2026، برقم 146-2628.

ص: 287

فتلك بعض الوسائل التربوية التي تساعد على حفظ العقل من الزيغ والضلال، وتعمل على تربيته وزيادة مقدرته في الفهم وحسن الإنتاج والإبداع، وهذا الأمر لا تكفي فيه الجهود الفردية، بل يتطلب الأمر أن تكثف جهود البيئات التربوية: كالمدرسة والأسرة وكافة الجهات التربوية الأخرى لبناء الإنسان المسلم بناء صحيحاً، يحقق أهداف التربية الإسلامية، المتمثل في تحقيق العبودية لله تعالى، وعمارة الكون بما يرضي الله تبارك وتعالى.

ثالثاً: المفسدات العقلية:

إن صاحب العقل السليم يستطيع أن يستفيد من هذه النعمة الكريمة الكبيرة التي تميزه عن سائر الكائنات الحية، لكن بعض الناس اجتالتهم مفسدات العقل، فعطلت عقولهم، وغيرت وجهتهم الحسنة إلى وجهة سيئة، فانعكس ذلك على سلوكهم وتصرفاتهم، ويمكن إيضاح تلك المفسدات المهلكات فيما يلي:

1-

مفسدات فكرية:

وهي أن يتصور الإنسان الأمور الغيبية من غير منهج الله تعالى، وأن يتلقى الأوامر والنواهي المتعلقة بتوجيه الجانب العقدي والتعبدي، ونشاطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي من غير منهج الله تعالى.

ومما يفسد العقل فكراً وتصوراً، إثارة الشبه بين الناس، وإشغالهم، وافتتانهم بها، وكذا الترويج للشعوذة والكهانة، والنظريات الباطلة في التربية والسياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق، ونشر اللهو عن طريق وسائل متعددة: كالكتاب والمجلة والصحيفة والمسرح والقصص والسينما والرائي والمذياع، وغير ذلك من الوسائل ذات التأثير الفاعل.

وهذه المفسدات العقلية تنحو بفكر الإنسان منحى يبعده عن مساره الصحيح الذي يحقق فيه الجدية المعرفية أو المهنية التي هي روح الإبداع.

2-

مفسدات حسية:

ص: 288

وهي تلك المفسدات المادية كالخمور والمخدرات والمسكرات بجميع أنواعها، وقد حرمها الإسلام بنصوص شرعية كقوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (1) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة"(2) .

وهذه المفسدات تقوم بتعطيل العقل عن دوره، وحجبه عن مصالحه، وتعتيم الأمور عليه، حتى لا يدرك الخير من الشر، وبالتالي ينحرف بتصرفاته عن مواصفات الرجل العاقل المتزن الذي يقيم الأمور ويعالجها بحكمة وروية.

ومن أهم ما تحجبه عنه معرفة الحق وإدراكه والأخذ به، فتبعده عن طاعة الله تعالى التي خُلِقَ الإنسان من أجل تحقيقها.

كما تبعده عن التفكير في منافعه الدنيوية، والتوجه بجهده العقلي والبدني نحو تنمية قدراته ومواهبه نحو الإبداع والتفوق في المجال الذي يعمل فيه، سواء كان في الإدارة، أو الصناعة، أو الزراعة، أو الهندسة، أو نحو ذلك.

3 -

المعاصي والهوى:

ومما يفسد العقل الانغماس في المعاصي، واتباع الهوى، فينشغل بذلك عن معرفة مصالحه في دار معاشه ومعاده. وقد حذر الله تعالى من اتباع من اتبع هواه وذلك لفساده وفساد منهجه، فقال تعالى:{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (3) .

والذي يحول بين القلب وبين الحق في غالب الأحوال اشتغال القلب بغير الحق من مفاتن الدنيا، ومطالب الجسد، وشهوات النفس، فهو في هذه الحال كالعين الناظرة إلى وجه الأرض لا يمكنها مع ذلك أن ترى الهلال.

أو هو يميل إليه فيصده عن اتباع الحق، فيكون كالعين التي فيها غذى لا يمكنها رؤية الأشياء.

(1) سورة المائة: آية 90.

(2)

مسلم 3/1587، برقم 73-2003.

(3)

سورة الكهف: آية رقم 28.

ص: 289

ثم الهوى قد يعترض له قبل معرفة الحق فيصده عن النظر فيه، وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف الحق فيجحده ويعرض عنه.

وفي الجوانب العامة من مطالب الحياة، قد يفتن الهوى صاحبه، فلا يفكر في مصالحه ليبدع فيها، وإنما ينصب تفكيره في حسد الآخرين، والتطلع إلى ما عندهم، فينشغل بغيره عن ما ينفعه في دار معاشه ومعاده.

الخاتمة

مما سبق يتضح أهمية الإبداع في التقدم والتطور في كثير من المجالات، وقد اهتمت التربية الإسلامية بالجانب الإبداعي، مع توجيهه التوجيه الصحيح، وتحديد إطاره الذي يسير فيه.

ولما أن هناك علاقة بين الإبداع والجانب العقلي الذي هو مناط التكليف، وهو القوة التي يدرك بها الإنسان الأمور، وهو عامل أساسي في الجانب الإبداعي، فقد اهتمت التربية الإسلامية بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، حفظاً وتنمية، وحذرته ومنعته من كل ما يحجبه عن معرفة الحق، أو يعيقه ويعطله عن دوره، بل جعلت حفظه أحد الضروريات الخمس التي لا يستغني عنها الإنسان.

كما أنها حددت للعقل مساره الصحيح، والحدود التي لا ينبغي له أن يتجاوزها، وجعلت الشرع نبراسه ونوره، وهو يسير خلفه وفي ضوئه، ويستنير بتوجيهاته.

وهي بذلك تقدم أصولاً تربوية عميقة الفائدة، لمن يسبر غورها، ففاقت جميع التربيات، وأصبح الإنسان مفتقراً إليها غاية الافتقار، ولا سعادة له في دار الدنيا والآخرة إلا بها.

هذا وأحمد الله تعالى على فضله وتوفيقه وامتنانه، واستغفره من أخطائي وتقصيري، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس المراجع

- القرآن الكريم.

- ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم: أسد الغابة (د. م) : الشعب،1970م.

- الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد: المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، بيروت: دار المعرفة (د. ت) .

- أكرم ضياء العمري، الإسلام والوعي الحضاري، ط1، جدة: دار المنارة، 1407هـ - 1987م.

ص: 290

- البخاري، محمد بن إسماعيل: الجامع الصحيح، شرح وتحقيق محب الدين الخطيب، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، نشر ومراجعة قصي محب الدين الخطيب، ط1، القاهرة: المطبعة السلفية، 1400هـ.

- بكر بن عبد الله أبو زيد، حلية طالب العلم، ط2، الرياض: دار الراية، 1409هـ- 1988م.

- البلاذري، أبو العباس أحمد بن يحي، فتوح البلدان، تحقيق عبد الله أنيس، وعمر أنيس الطباع، بيروت: مؤسسة المعارف 1407هـ- 1987م.

- الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: الجامع الصحيح، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكة المكرمة: دار الباز (د. ت) .

- ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، تحقيق محمد رشاد سالم، الرياض: مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،1401هـ- 1981م.

- ابن تيمية: الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن محمد العاصمي النجدي وساعده ابنه محمد، (د. م) ، (د. ت) 1398هـ.

- ابن تيمية، الاستقامة، تحقيق محمد رشاد سالم، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، (د. ت) .

- ابن الجوزي: الحث على حفظ العلم، بيروت: دار الكتب العلمية،1405هـ- 1985م.

- ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق عبد العزيز بن باز، تبويب محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار المعرفة (د. ت) .

- ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد: الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية، 1405هـ- 1985م.

- حكمة نجيب عبد الرحمن، دراسات في تاريخ العلوم عند العرب، ط4، الموصل: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، (د. ت) .

- حلمي المليجي، علم النفس المعاصر، ط2، بيروت: دار النهضة العربية، 1972م.

- الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية، 1400هـ - 1980م.

- أبو داود، سليمان بن الأشعث الأزدي: سنن أبي داود، إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد، ط1،بيروت: دار الحديث، 1388هـ- 1969م.

ص: 291

- الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط6، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406هـ- 1986م.

- السعدي، عبد الرحمن بن ناصر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، جدة: دار المدني،1408هـ- 1988م.

- السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، القواعد والأصول الجامعة، ط1، (د. م) دار الوطن للنشر، 1413هـ.

- ابن سعد، الطبقات الكبرى، بيروت: دار صادر، 1405هـ- 1985م.

- الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم اللخمي: الموافقات في أصول الأحكام، (د. م) دار الفكر،1341هـ.

- الشاطبي، أبي إسحاق إبراهيم اللخمي، الاعتصام، مكة المكرمة، المكتبة الفيصلية، (د. ت) .

- شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي، الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان، تحقيق خليل الميس، بيروت: دار الكتب العلمية، 1403هـ- 1983م.

- عباس محجوب، الفكر التربوي الإسلامي، ط1، عجمان: مؤسسة علوم القرآن، 1408هـ- 1987م.

- عبد الحميد الصيد الزنتاني: أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ليبيا، تونس: الدار العربية للكتاب،1984م.

- ابن عثيمين، محمد بن صالح: الأصول من علم الأصول، ط2، الرياض: دار طيبة للنشر،1409هـ- 1988م.

- عبد الرزاق إبراهيم، التعليم الجامعي وظاهرة البطالة بين خريجي الجامعات، المجلة العربية للتعليم العالي، العدد الأول، شعبان 1416هالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

- عبد الله أحمد قادري، الإسلام وضروريات الحياة، ط1، جدة: دار المجتمع، 1406هـ- 1986م.

- عبد الكريم بكار، فصول في التفكير الموضوعي، ط2، دمشق، بيروت، دار القلم، دار الشامية، 1419م.

- علي سعيد الهزاع القرني، التعليم العالي في المملكة العربية السعودية، مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الأمانة لعامة للاحتفال، الرياض7-11 شوال1420هـ.

ص: 292

- عطاء الرحمن، التربية العلمية في الدول الإسلامية، سلسلة التعليم الإسلامي، العلوم الطبيعية والاجتماعية، إعداد إسماعيل راجي الفاروقي، وعبد الله عمر نصيف، ترجمة عبد الحميد الخريبي، جدة: عكاظ، ط1، 1404هـ- 1984م.

- فاخر عاقل، الإبداع وتربيته، بيروت: دار العلم للملايين، 1983م.

- الفتوحي، تقي الدين أبي الفداء محمد شهاب الدين: شرح الكوكب المنير، تحقيق محمد حامد الفقي، القاهرة: مطبعة السنة الحمدية، 1372هـ- 1953م.

- ابن قيم الجوزية: إغاثة اللهفان، تحقيق محمد سعيد كيلاني، بيروت: النور الإسلامية (د. ت) .

- ابن قيم الجوزية: الفوائد، تحقيق عبد السلام شاهين، بيروت: دار الكتب العلمية، 1408هـ- 1988م.

- ابن قيم الجوزية: مفتاح دار السعادة، بيروت: دار الكتب العلمية، (د. ت) .

- ابن قيم الجوزية، الصواعق المنزلة على الطائفة الجهمية والمعطلة، تحقيق أحمد عطية الغامدي، وعليّ ناصر فقيهي، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، 1407هـ.

- ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين، مراجعة طه عبد الرؤف سعد، بيروت: دار الجيل، (د. ت) .

- ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل: تفسير القرآن العظيم، ط2، بيروت: دار المعرفة،1407هـ- 1987م.

- محمد عطية الأبراشي، روح التربية والتعليم، ط4، (د. م) دار احياء الكتب العربية، 1369هـ- 1950م.

- محمد قطب، رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، ط1، الرياض: دار الوطن، 1411هـ- 1991م.

- مقداد يالجن: جوانب التربية الإسلامية، بيروت: مؤسسة دار الريحاني، 1406هـ - 1986م.

- مسلم، ابو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري: صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة: دار الحديث (د. ت) .

- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب، بيروت: دار صادر (د. ت) .

- عبد الرحمن النحلاوي، أصول التربية الإسلامية، ط1، دمشق: دار الفكر، 1399هـ.

ص: 293

- النووي، محي الدين أبو زكريا يحي بن شرف، صحيح مسلم بشرح النووي، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407هـ- 1987م.

- ابن هشام، أبو محمد عبد الملك محمد بن هشام بن أيوب الحميري: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، بيروت: دار القلم (د. ت) .

- أبو هلال العسكري: الحث على طلب العلم، تحقيق مروان قباني، بيروت: المكتب الإسلامي،1406هـ - 1986م.

- أبو هلال العسكري، الأوائل، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1407هـ- 1987م.

ص: 294