الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 24
فهرس المحتويات
1-
وجوب الصدق والنصح في المعاملات: رئيس الجامعة الإسلامية عبد العزيز بن عبد الله بن باز
2-
من أعلام المحدثين - أبو الحسن الدارقطني 306 - 385 هـ: للشيخ عبد المحسن العباد
3-
أضواء من التفسير: للشيخ عبد القادر شيبة الحمد
4-
حديث مع زائر كريم:لفضيلة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي
5-
حكم من لم يحكم بكتاب الله: بقلم الشيخ عطية محمد سالم
6-
تمثيل رسول الله وتمثيل آل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم: لفضيلة الشيخ محمد المنتصر الكتاني
7-
العدوان على بنت عدنان: بقلم الدكتور يوسف عبد الرحمن الضبع
8-
زائرة الليث: بقلم الشيخ محمد المجذوب
9-
لا محاباة في الإسلام: لفضيلة الشيخ محمود عبد الوهاب فايد
10-
من أعلام الهدى: بقلم الشيخ عبد الله الغنيمان
11-
حول إعجاز القرآن الكريم - الابتداء بأسلوب: بقلم الدكتور علي حسن العماري
12-
قضايا أساسية في تطوير المكتبة العربية والإسلامية: بقلم عيد عبد الله السيد
13-
ليكن شعارنا الدائم الله وحده (2) : للشيخ السعيد الشربيني الشرباصي
14-
ليبلوكم أيكم أحسن عملا: لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي
15-
المسلمون في الولايات المتحدة - حقيقة أليجا محمد وجمعيته المسماة بـ (المسلمين السود) : بقلم المسلم الأمريكي عمر فاروق عبد الله
16-
هكذا دَربُنا: بقلم الشيخ عبد الله قادري
17-
برقية: رئيس الجامعة الإسلامية عبد العزيز بن عبد الله بن باز
18-
مذكرة جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت
19-
بين الكتب: إعداد العلاقات العامة
20-
من الصحف والمجلات: إعداد العلاقات العامة
21-
مقتطفات من كتاب الكنز المَرصود في قواعد التلمود (2) : ترجمه من اللغة الفرنساوية الدكتور يوسف حنا نصْر الله
22-
ندوة الطلبة - أضغاث أحلام: بقلم الطالب محمد محمود جاد الله
23-
أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة: للطالب محمد عزيزو المغربي
24-
وداعاً. . يا أماه! : بقلم الطالب سفر بن عبد الرحمن الحوالي
25-
الفتاوى: يتولى الرد على أسئلة القراء سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية
26-
أخبار الجامعة: إعداد العلاقات العامة
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م
وجوب الصدق والنصح في المعاملات
رئيس الجامعة الإسلامية عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين الصدق والنصح في جميع المعاملات وحرّم عليهم الكذب والغش والخيانة وما ذاك إلاّ لما في الصدق والنصح وأداء الأمانة من صلاح أمر المجتمع والتعاون السليم بين أفراده والسلامة من ظلم بعضهم لبعض وعدوان بعضهم على بعض ولما في الغش والخيانة والكذب من فساد أمر المجتمع وظلم بعضه لبعض وأخذ الأموال بغير حقها وإيجاد الشحناء والتباغض بين الجميع ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". خرجه مسلم في صحيحه. وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم."وفي الصحيحين أيضا عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما". وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غشنا فليس منا". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس منا.." فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب النصح والبيان والصدق في المعاملات وعلى تحريم الكذب والغش والخيانة في ذلك، كما تدل على أن الصدق والنصح من أسباب البركة في المعاملة، وأن الكذب والغش من أسباب
محقها. ومن النصح والأمانة بيان العيوب الخفية للمشتري والمستأجر، وبيان حقيقة الثمن والسوم عند الإخبار عنهما، ومن الغش والخيانة الزيادة في السوم أو الثمن ليبذل المشتري أو المستأجر مثل ذلك أو قريبا منه، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأعطى بها كذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفا وإن لم يعطه منها لم يف". فالواجب على جميع المسلمين تقوى الله في المعاملة والحذر من أسباب غضب الله وأليم عقابه الذي توعد به أصحاب الغش والخيانة والكذب كما يجب على الجميع التواصي بالصدق والنصح وتقوى الله في جميع الأمور؛ لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصفاء القلوب وصلاح المجتمع، وفي ذلك أيضا حصول البركة في المعاملة، والسلامة من أكل الحرام ومن ظلم المسلم لأخيه.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه" وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وأسأل الله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويجمع قلوبهم على التقوى، ويصلح قادتهم ويمنحهم جميعا الصدق والنصح في جميع الأمور، والتعاون على البر والتقوى. إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأله وصحبه
…
من أعلام الهدى
بقلم الشيخ عبد الله الغنيمان: المدرس بكلية الشريعة بالجامعة
ابن أبي زيد القيرواني أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النغزي القيرواني شيخ المالكية بالمغرب، كان إماماً بارعاً في العلوم، واسع الثقافة والاطلاع، متبعاً طريق السلف الصالح، داعياً إليه بالقلم واللسان والعمل، كثير الحفظ، واسع العلم والرواية، فصيح اللسان والقلم، يقول الشعر ويجيده مع صلاح وورع وعفة، قال عنه القاضي عياض:"حاز رياسة الدنيا والدين وكان يُسمى مالكا الصغير، انتفع به خلق كثير في العلم والأخلاق ورحل إليه من أقطار الأرض وكثر الآخذون عنه وعظم شأنهم، عُني بمذهب مالك فلخصه ونشره وملأ البلاد بتآليفه العظمية الفائدة.."
له مع أهل البدع والأهواء مواقف مشكورة ومواقع معروفة، وكان مع سعة علمه وكثرة حفظه ذا بيان ومعرفة بما يقول، بصيراً بالرد على أهل الزيغ والانحراف. وكان سريع الانقياد إلى الحق وحيث أنه كان شديد الحب للسنة والتعظيم لها اشتد نكيره على المخالفين لها، ولا سيما في الاعتقاد فرد عليهم وبيّن قبح فعالهم ولهذا نالوا منه بألسنتهم التي لم يسلم منها صاحب سنة، وشنعوا عليه كما هو شأن كل مصلح في أي وقت كان.
ثناء العلماء عليه:
تقدم قول القاضي عياض أنه جمع رياسة الدين والدنيا، وقال ابن فرحون فيه:"اجتمع فيه الورع والعلم والفضل والعقل"، وقال القابسي:"هو إمام موثوق به في ديانته ورايته"، وقال أبو الحسن بن عبد الله القطان:"ما قلدت أبا محمد حتى رأيت النسائي يقلده". وقال الذهبي:"كان ابن أبي زيد من العلماء العاملين وكان غاية في علم الأصول".
مؤلفاته:
ابن أبي زيد مؤلف مجيد واسع الفكر دقيق التحقيق وقد كثرت مؤلفاته في حياته وملأت البلاد، ذكر القاضي عياض له ما يقارب من ثلاثين مؤلف ثم قال:"وكل تواليفه مفيدة بديعة غزيرة العلم".
ومن شعره قوله:
تأبى قلوبٌ قلوب قوم.
وما لها عندها ذهوب.
وتصطفي أنفس نفوسا.
وما لها عندها نصيب.
ما ذاك إلا لمضمرات.
أضمرها الشاهد الرقيب.
عقيدته:
كان ابن أبي زيد رحمه الله سلفيا في عقيدته وسلوكه، بعيدا عن البدع والتحريف معتمدا على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير آبه بمن خالفهما كائنا من كان نصر السنة المحضة والطريقة السلفية لا يداهن في ذلك ولا يماري بل يقول الحق ويجهر به لا يخشى في الله لومة لائم، وشناعة مبتدع سليط اللسان فالله يجزيه خيرا.
أنموذج من كتابته في العقيدة:
قال في مقدمة رسالته المشهورة:
"باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات":
من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له. ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء لا يبلغ كنه صفته الواصفون ولا يحيط بأمره المتفكرون. يعتبر المفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} .
العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته [1] ، وهو بكل مكان بعلمه، خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين، على العرش استوى وعلى الملك احتوى وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه، تعالى أن تكون صفاته مخلوقة، وأسماؤه محدثة، كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه، وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله، وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد، والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل إلاّ وقد قضاه وسبق علمه به، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ، يضل من يشاء فيخذله بعدله ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنى، أو يكون خالقا لشيء، ألا هو رب العباد، ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم، الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بحمد نبيه صلى الله عليه وسلم فجعله آخر المرسلين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه كتابه الحكيم، وشرح به دينه القوي، م وهدى به الصراط المستقيم، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت، كما بدأهم يعودون، وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا إلى مشيئته، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
، ومن عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، يخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته، وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم وهي التي هبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه، وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته، وأن الله تبارك وتعالى يجئ يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابهم.
وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون سعيرا.
وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم. والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه ويذاد عنه من بدل وغير. وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون بها النقص وبها الزيادة ولا يكمل قول الإيمان إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة. وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة. وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين. وأن المؤمنين يفتتنون في قبورهم ويسألون، ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم. وإن ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه. وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم.
وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين. وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عمّا شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب.
والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم وترك المراء والجدال في الدين وترك كل ما أحدثه المحدثون وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليما كثيرا انتهى.
توفي ابن أبي زيد رحمه الله في النصف من شعبان سنة 386 هـ سنة وثمانين وثلاثمائة، ودفن في داره بالقيروان رحمه الله وعفا عنه.
((الصدق))
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة. وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب. فإن الكذب يهدي إلى الفجور. وإن الفجور يهدي إلى النار. وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا
…
" متفق عليه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
ذكر الحافظ الذهبي جماعة من السلف أطلق هذه العبارة، انظر كتاب العلو صفحة 171ط السلفية.
حول إعجاز القرآن الكريم
الابتداء بأسلوب
بقلم الدكتور علي حسن العماري: المدرس بكلية الشريعة بالجامعة
من الحقائق الثابتة المقررة التي لا سبيل إلى الشك فيها أن القرآن الكريم كتاب عربي مبين، وأن ألفاظه هي الألفاظ التي كان يستعملها العرب في نثرهم وشعرهم، _ وإن كان يمتاز بالدقة البالغة في اختيار اللفظ لموقعه الذي أريد له _ وأن تراكيب القرآن هي تراكيبهم، وأن الطرق التي سلكها في أداء أغراضه ومعانيه هي طرقهم، ولكنه يمتاز _ أيضا _ ويتفرد بسمو التراكيب، وعلو الطريقة، والروعة المعجزة في اختيار هذه وتلك.
غير أن القرآن الكريم خالف نهج العرب وطريقتهم في شيء واحد، هو ذلك البناء الكلي للآية، وللآيات، وللسور، فهو متميز ببناء فريد لم يكن قبله، ولم يأت بعده ما يماثله.
وقد أدرك فصحاء العرب ذلك منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن الكريم، فمما روي من ذلك ما جاء على لسان الوليد بن المغيرة حين سمع من النبي _ صلى الله عليه وسلم _ آيات من القرآن فكأنه رقّ لها، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوكه لئلا تأتي محمدا لتعرض لما قاله. قال الوليد: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم أحد أعلم بالشعر مني، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من ذلك [1] .
وفي رواية أخرى أن الوليد جاء يوماً إلى قريش، فقال: إن الناس يجتمعون غداً في الموسم، وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس، فهم سائلوكم عنه فمادا تردون عليهم؟ فقالوا: مجنون يخنق. فقال: يأتونه فيكلمونه، فيجدونه صحيحا فصيحا عادلا فيكذبونكم. لقد ولد بين أظهركم لم يغب عنكم ليلة واحدة ولا يوما فهل رأيتموه يخنق قط؟
قالوا: نقول: هو شاعر، قال: هم العرب، وقد رووا الشعر، وفيهم الشعراء. وقوله ليس يشبه الشعر فيكذبونكم. قالوا: نقول: هو كاهن. قال: إنهم لقول الكهان فإذا سمعوا قوله لم يجدوه يشبه الكهنة فيكذبونكم [2] .
ومن ذلك ما روي عن عتبة بن ربيعة حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتلو سورة (فصلت) ، وأنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما، فلما رجع إلى قريش، وسألوه ما وراءك؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً، والله ما سمعت بمثله قط، وما هو بالشعر، ولا السحر، ولا الكهانة [3] .
ويؤيد هذين ما جاء في إسلام (أبي ذر) _ رضي الله عنه _: روي أنه قال: "قال لي أخي أنيس: إن لي حاجة إلى (مكة) ، فانطلق، فراث، فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا يقول: إن الله تعالى أرسله. فقلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، ساحر، كاهن، قال أبو ذر: وكان أنيس أحد الشعراء. قال: تالله، لقد وضعت قوله على أقراء الشعر [4] ، فلم يلتئم على لسان أحد، ولقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
فهذه شهادات ذوات بال من هؤلاء الفصحاء تؤكد أن القرآن الكريم لون مختلف عن ألوان القول التي كان العرب يعرفونها.
هو شاعر، هو كاهن. هاتان التهمتان هما أول ما بدأ العرب يتهمون بهما الرسول _ صلى الله عليه وسلم _، وقد أبطل القرآن الكريم هاتين التهمتين بصورة قاطعة:{فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [5] .
فمشركو العرب ادعوا أن القرآن شعر، وادعوا أنه كهانة، ومعنى هذا أن شبه القرآن عندهم بالشعر، وبكلام الكهان هو الذي يمكن أن يذيعوه، وهم حريصون على أن يقولوا ما يمكن أن يُصدّقوا فيه، فهم _ بذلك _ يقرون أنه ليس كسائر الكلام، وإنما هو نوع خاص منه، وقد نفى بعض فصحائهم أن يكون القرآن شعراً، أو أن يكون قول كاهن، كما نفى القرآن الكريم ذلك، فثبت أن القرآن في أسلوبه وطريقة أدائه ومبناه الكلي مخالف لكلام العرب، ومتميز عنه، وإن كانت ألفاظه ألفاظهم، وتراكيبه تراكيبهم.
ومرت حقب، وظهر البحث في إعجاز القرآن الكريم، وفي بيان أسرار هذا الإعجاز، وفي الحديث عنه بعامة، وكادت تتفق كلمة العلماء على أن القرآن الكريم جاء بأسلوب جديد، غير الأساليب التي يعرفها العرب، فليس هو بشعر، وليس هو بخطابة، ولم يجئ على طريق الحكم والوصايا والأمثال التي أثرت عنهم، ولا الرسائل، ولكل من هذه الأنواع (قالب) خاص معروف لدى العرب، والقالب الذي جاء عليه القرآن الكريم غير كل هذه القولب.
ذكر عيسى بن علي الرماني (م 386 هـ) في رسالته (النكت في إعجاز القرآن) أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال: "وأما نقض العادة فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن، تفوق كل طريقة"[6] .
وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني فأطال القول في هذا المعنى، ومن ذلك قوله:"إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم، ومن ادعى ذلك لم يكن له بد من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر، ولا من قبيل السجع، ولا الكلام الموزون غير المقفى، لأن قوما من كفار قريش ادعوا أنه شعر، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً، ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون. فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب"[7] .
ثم أخذ الباقلاني يبرهن على أن القرآن مخالف لكل واحدمن هذه الأنواع، بل نراه يقول في بعض كلامه:"ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز". وفي موضوع ثالث يقول: "فاستدللنا بتحريهم في أمر القرآن على خروجه عن عادة كلامهم، ووقوعه موقعا يخرق العادة، وهذه سبيل المعجزات".
وظل يردد هذا كثير من العلماء حتى في عصرنا الحديث، فقد قال الدكتور طه حسين، وهو يتحدث عن النثر الفني: "ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثرا، كما أنه ليس شعرا، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يُسمى بغير هذا الاسم، ليس شعرا، وهذا واضح، فهو لم يتقيد بقيود الشعر، وليس نثرا لأنه مقيد بقيود خاصة به لا توجد في غيره، وهي هذه القيود التي يتصل بعضها بأواخر الآيات، وبعضها بتلك النغمة الموسيقية الخاصة، فهو ليس شعرا ولا نثرا، ولكنه:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} . فلسنا نستطيع أن نقول: إنه نثر، كما نص على أنه ليس شعرا.
كان وحيدا في بابه، لم يكن قبله، ولم يكن بعده مثله، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله، وتحدى الناس أن يحاكوه، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلا". [8]
وهذا تأييد لرأي المتقدمين من علمائنا، ولكن فيه بعض الأوجه التي يباين بها القرآن الكريم النثر العربي، فهو مقيد بما يتصل بأواخر الآيات، وهو ذو نغمة موسيقية خاصة _ وإن كنت لا أستريح لوصف ما نحسه في كلمات القرآن بأنه نغمة موسيقية.
ونستطيع أن نزيد على ما قاله الدكتور طه: (الجو الخاص) الذي تتسم به كل سورة على حدة، حتى إن المتذوق للقرآن يدرك بحسه أن لكل سورة روحا خاصة، وطابعا خاصا، وطعما خاصا _ إن صح هذا التعبير _ وهو يستطيع أن يدرك حتى ولو كان نسي ما حفظ من القرآن أن هذه الآية من هذه السورة أو ليست منها.
وهذا شيء وجدته في نفسي، فقد كانت تمر بي الآية لا أعرف مكانها من سور القرآن فإذا خطر لي أنها من سورة كذا اطمأنت النفس إلى ذلك، أو نفرت منه، لأن فيها جواً خاصاً لكل سورة تستطيع باستحضاره أن تحس بأن هذه الآية من هذا الجو أو ليست منه.
وهذا المعنى يجول في نفسي منذ زمن بعيد، وأحس به إحساسا قويا، وقد هممت أكثر من مرة أن أعبر عنه، وأكشف بأسلوب واضح عن جو كل سورة، ولكني لم أستطع، أو قل ولكن وضوح هذا في ذهني لم يكن بالدرجة التي تستطيع قدرتي في اللغة أن تكشف عنه، فهو واضح في حسي كل الوضوح، ولكنه غامض عندما يريد العقل أن يعبر عنه بألفاظ اللغة.
وكم تمنيت أن يستطيع أحد من المتذوقين للقرآن الكريم أن يعبر عن هذا الإحساس ولو بأسلوب مقارب، إن لم تسعفه قدرته اللغوية على أن يكشف بوضوح تام.
ولأضرب لذلك بعض الأمثلة، أنظر _ مثلاً _ في سورة (النبأ) ، وفي سورة (النازعات) وهما سورتان متجاورتان في المصحف، وفواصلهما أكثرها على الألف، ولكنك تجد إحساسك بإحداهما غير إحساسك بالأخرى، وأدل الدليل على ذلك أنك لو أخذت آية من إحداهما وأدخلتها بين آيات الأخرى لنبا بها مكانها، ليس فقط من جهة أن معناها ربما لا يتفق مع سياق الآيات التي أدمجت فيه، ولكن لأن نظمها وطابعها وطعمها، كل ذلك مختلف.
بل إن القصة القرآنية لها في كل سورة طابع غير طابعها في السورة الأخرى، مع اتحاد المضمون، وهي في ذلك متفقة مع الطابع العام للسورة، حتى إنك _ لو كنت متذوقا للقرآن _ تستطيع أن تقول إن هذه القصة بهذا الأسلوب تشبه أن تكون في سورة كذا.
ومما يقرب ذلك بعصر التقريب أنك لو فعلت ذلك في نثر أي كاتب من الكتاب المعرفين بأساليب خاصة. ففي كتاب العربية عدد قليل في القديم والحديث عُرف كل واحد منهم بأسلوب خاص، فلو أنك أخذت فقرة بل فقرات من رسالة كاتب من هؤلاء ووضعتها في رسالة أخرى له لم تشعر بأي تغيير في الأسلوب ما دامت المعاني متلائمة.
ومما امتاز به البيان القرآني التلاؤم التام بين مفرداته وتراكيبه ومعانيه، فلو أنك رفعت كلمة من موضعها ووضعت مكانها كلمة مرادفة لها لأدركت بذوقك وإحساسك _ لأول وهلة _ ما اعترى الكلام من الخلل والضعف.
نقل الزركشي في (البرهان) عن (ابن عطية) في مقدمة التفسير قوله: "وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب على لفظه أحسن منها لم توجد".
وكذلك لو عبر عن المعنى الذي تضمنته الآية بأي أسلوب آخر لكان الأداء ناقصا، لا سيما عندما ينعم الإنسان النظر فيما تحتويه الآية من معنى.
وعند (ابن حزم) الظاهري أن القرآن ليس من نوع بلاغة الناس [9] ، وأنه ليس من نوع كلام المخلوقين لامن أعلاه ولا من أدناه ولا من أوسطه [10] وأن آية ذلك الأقسام التي في أوائل السور، والحروف المقطعة التي لا يعرف أحد معناها، قال:"وبرهان هذا أن إنسانا لو أدخل في رسالة له أو خطبة أو تأليف أو موعظة حروف الهجاء المقطعة لكان خارجاً عن البلاغة المعهودة بلا شك، فصح أنه ليس من نوع بلاغة الناس أصلاً".
وذكر أن مما تميّز به القرآن عن بلاغة الناس (إدخال معنى بين معنيين ليس بينهما، كقوله تعالى:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِك} . وليس هذا من بلاغة الناس في ورد ولا صدر، ومثل هذا في القرآن كثير.
وابن حزم يوافق بذلك ما قاله الباقلاني، ولكنه أكد هذا المعنى لغرض آخر لم يتورع عن إظهاره، فعنده أن القرآن معجز، ولكن إعجازه جاء من منع الله العرب أن يعارضوه، ويسرف في ذلك إسارفاً غير مقبول ولا معقول حيث يقول:"وليس هو في أعلى درج البلاغة لأنه؛ لو كان كذلك _ وقد أبى الله عز وجل أن يكون _ ما كان حينئذ معجزا، لأن هذه صفة كل باسق في صفته، والشيء الذي هو كذلك، وإن كان قد سبق في وقت ما فلا يُؤمن أن يأتي في غد ما يقاربه، بل ما يفوقه، ولكن الإعجاز في ذلك إنما هو أن الله عز وجل حال بين العباد وبين أن يأتوا بمثله، ورفع عنهم القوة في ذلك"[11] .
ومن غريب ما ذكره هذا العالم الكبير في هذا الفصل أن كل كلمة قائمة المعنى إذا تليت على أنها من القرآن معجزة، لا يقدر أحد على المجئ بمثلها أبداً، وأن الكلمة المذكورة متى ذكرت في خبر على أنها ليست قرآنا فهي غير معجزة ". قال:"وهذا هو الذي جاء به النص، والذي عجز عنه أهل الأرض مذ أربعمائة عام وأربعمائة عام وأربعين عاما".
فابن حزم من القائلين (بالصرفة) وهو مذهب باطل، وقد أثبتُّ بطلانه في غير هذا الموضع [12] .
ثم إن من العلماء من اعتبر هذا التمايز هو سر الإعجاز، أو هو أحد وجوه الإعجاز، كما مرّ بنا في رأي الباقلاني، ومنهم من سلّم بالتمايز ولكنه أنكر أن يكون هذا هو سر الإعجاز، أو أحد الأسرار فيه.
ولقد عرض الفخر الرازي لهذا الرأي وفنده في كتابه (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز) قال: "ومن الناس من جعل الإعجاز في أن أسلوبه مخالف لأسلوب الشعر والخطب والرسائل لا سيما في مقاطع الآيات مثل يعلمون ويؤمنون. وهو _ أيضا _ باطل من خمسة وجوه:
الأول: لو كان الابتداء بالأسلوب معجزاً لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزاً.
الثاني: أن الابتداء بأسلوب لا يمنع الغير من الإتيان بمثله.
الثالث: يلزم أن الذي تعاطاه مسيلمة من الحماقة في: (إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وجاهر) وكذلك: (والطاحنات طحناً) في أعلى مراتب الفصاحة.
الرابع: أنا لما فاضلنا بين قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، وبين قولهم:(القتل أنفى للقتل) لم تكن المفاضلة بسبب الوزن. والإعجاز إنما يتعلق بما به ظهرت الفضيلة.
الخامس: وهو أن وصف بعض العرب القرآن "بأن له حلاوة، وإن عليه لطلاوة لا يليق بالأسلوب".
هذا. وقد ذكر صاحب (البرهان) من بين الآراء التي قبلت في الإعجاز رأيين:
الأول: الفصاحة وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب وغير ذلك مقترناً بالتحدي. قال:"واختاره الإمام فخر الدين".
الثاني: ما في القرآن من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم، واختاره القاضي أبو بكر [13] .
فيبدو أنه يفرق بين (غرابة الأسلوب) وبين (خروج القرآن عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب) أو كما عبّر عنه بعضهم (الابتداء بأسلوب جديد) .
فيبدو أنه يظهر الفرق بين الأمرين، وإنما الفرق بين هذين الوجهين أن القائل الأول يجعل (غرابة الأسلوب) أحد أسرار الإعجاز، فهو وجه منضم إلى غيره من الفصاحة والسلامة من جميع العيوب.
وقد سبق أن نقلت إبطال الرازي للوجه الثاني من هذين الوجهين، فهل هو قائل بالوجه الأول، كما نقل عنه السيوطي في (الإتقان) ؟.
الفخر في كتابه (نهاية الإيجاز) ذكر أربعة مذاهب في الإعجاز، وأبطلها جميعاً، وهي الصرفة (مذهب النظام ومن نهج نهجه) ، والأسلوب المخالف لأسلوب الشعر والخطب والرسائل، وعدم الاختلاف والتناقض في القرآن، وعدم اشتماله على العيوب.
ثم قال: "ولما بطلت هذه المذاهب، ولا بد من أمر معقول حتى يصح التحدي به، ويعجز عنه الغير، ولم يبق وجه معقول في الإعجازسوى الفصاحة علمنا أن الوجه في كون القرآن معجزاً هو الفصاحة".
ثم يفسر (الفصاحة) بأنها "المزايا التي ظهرت لهم في نظم القرآن، والبدائع التي راعتهم من مبادئ الآيات ومقاطعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظة وتنبيه وإعلام وتذكير".
على أن الرازي نهج في رده على القائلين بأن وجه الإعجاز هو الابتداء بأسلوب نهج القاضي عبد الجبار المعتزلي، فأكثر الردود التي ذكرها الرازي أخذها مما كتابه هذا المؤلف [14] .
وسواء كان الأسلوب المنفرد وجه الإعجاز، أو أحد الوجوه، أو ليس وجهاً في الإعجاز، فالذي لا شك فيه أن القرآن الكريم في بنائه مخالف لكل أبنية الأدب العربي، ولكنه _ مع ذلك _ لم يترك وجهاً من وجوه فصاحتهم وبلاغتهم إلا اشتمل عليه.
فهو من ناحية البناء الكلي متميز عن ضروب شعرهم وألوان نثرهم، ومن ناحية استخدام الألفاظ، واستعمال التراكيب آخذ بكل مظاهر بلاغتهم وفصاحتهم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
الإتقان في علوم القرآن ح2 ص117.
[2]
الرسالة الشافية للإمام عبد القاهر الجرجاني (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن) ص111.
[3]
المصدر السابق ص113.
[4]
الأقراء: القوافي. واحدها قرء.
[5]
سورة الحاقة 38_43.
[6]
ص 102 ضمن ثلاث رسائل.
[7]
إعجاز القرآن ص75. ط. دار المعارف. وتلاحظ أنه يجعل من الكلام (موزونا غير مقفى) ويبدو أنه يريد به (النثر الفني) .
[8]
من حديث الشعر والنثر ص31.
[9]
الفصل في الملل والنحل ح1 ص87.
[10]
المصدر السابق ح3 ص12.
[11]
ح1 ص87.
[12]
انظر كتابنا (حول إعجاز القرآن) .
[13]
ح2 ص97.
[14]
انظر كتاب المغني للقاضي عبد الجبار ح16 ص116،217.
قضايا أساسية في تطوير المكتبة العربية والإسلامية
بقلم عيد عبد الله السيد: خبير مكتبة الجامعة
تحدثنا في العدد السابق عن نشأة المكتبة الإسلامية وعن اهتمام الإسلام بالعلم وتدوينه وعن ازدهار المكتبات الإسلامية وانتشارها وضربنا أمثلة لذلك بخزانة الحكمة في بغداد وبالمكتبات الإسلامية في الأندلس وفي مصر الفاطمية. ثم تساءلنا عن مدى الاهتمام بالمخطوطات وتحدثنا عن خير الوسائل لحفظ التراث العربي الإسلامي. ثم تحدثنا عن ماهية المكتبة في العصر الحديث وعن موقع أمين المكتبة من الخدمة المكتبية وموقفه من المعرفة الإنسانية. وتحدثنا في شيء من الصراحة عن نواحي النقص الرئيسية التي تعاني منها المكتبات العربية. ثم تساءلنا بعد ذلك عمّا إذا كان من الممكن تقويم أداء المكتبة وبيان مدى ما تحققه من خدمة حالية وما يمكن أن تقدمه من خدمات مستقبلا؟
الجواب على هذا السؤال هو الذي نعالجه في مقالنا هذا إن شاء الله.
وبعد فإن أداء المكتبة - أي مكتبة - لوظيفتها يشمل تنظيم أقسام المكتبة وتوزيع الاختصاصات بينها وتحديد صلاتها بعضها ببعض ويشمل العمليات الإدارية المختلفة بالمكتبة من حيث الموظفون والمبنى والأثاث والأجهزة ويشمل كل العمليات المالية المتعلقة بإنفاق المكتبة لمخصصاتها ويشمل اختيار المواد العلمية من كتب ومطبوعات وغيرها ومن ثم إعدادها للاستعمال خلال إجراءات فنية خاصة ويشمل صيانتها وترميمها وتجليدها والتخلص من بعضها وتيسير استعمالها عن طريق إعارتها أوعن طريق إرشاد القراء لكيفية الانتفاع بها. وأداء الخدمة المكتبية قد يشمل فوق ذلك جهود المكتبة في توثيق التعاون مع مجتمعها أو مع غيرها من مكتبات أو مؤسسات علمية داخلية أو خارجية. ومن الجوانب الأساسية التي تثار عند تقويم مكتباتنا للحكم لها أو عليها.
1-
موارد المكتبة: (أي تمويلها ونظمها الإدارية وموظفيها ومجموعاتها من الكتب ومواد القراءة) .
2-
خدمات المكتبة: (وتشمل إعداد المجموعات وإعارتها وخدمة المراجع وإرشاد القراء وتعليم الكبار واستعمال المواد التي لا تعار والدعوة المكتبية. والمقصود بإعداد المجموعات في المكتبة هو العمليات الفنية بالمكتبة كالتصنيف والفهرسة والببليوجرافيات وغير ذلك من وسائل.
ويعتمد تقويم المكتبة على سجلاتها وإحصائياتها، إلاّ أن كثيرا من المكتبات في عالمنا العربي لا تعني بسجلاتها عناية كافية أو تجمعها على أسس خاطئة لا قيمة لها من حيث المدلول العلمي.
على أن استعمال المكتبة وخدماتها التعليمية وصلاتها الاجتماعية هي مجالات لم تحظ عندنا حتى الآن بإشراف أو تفتيش أو تقويم، بل ولم تتعرض لأي نوع من النقد الذاتي والتقويم الذاتي داخل مكتبات قد لا يدري أمناؤها حدود مهنتهم بمعناها الكامل في العصر الحديث، وفي أكثر الأحيان لأسباب لا دخل لهم فيها.
وسأقتصر هنا على تقويم إعداد المجموعات العلمية داخل المكتبة وبمعنى آخر سأخصص حديثي للأعمال الفنية في المكتبات العربية وبخاصة الفهرسة والتصنيف ورءوس الموضوعات.
أولا- الفهرسة الوصفية:
مهمة الفهرس في المكتبة هو الإجابة عن الأسئلة التي بذهن القارئ: أي كتاب يقرأ؟ لأي مؤلف يقرأ؟ في أي موضوع يقرأ؟ لكن في أي شكل يعد هذا الفهرس؟ هل يكون على شكل بطاقات؟ أو يكون فهرسا محزوما؟ أو يكون فهرسا مطبوعا؟ وأي أنواع هذه الفهارس أفضل للاستعمال؟ وأيسر للقارئ؟
تستخدم معظم المكتبات الفهرس البطاقي ومنها ما يستخدم الفهرس المصنف على شكل كتاب مطبوع ولا زال قليل من المكتبات تستخدم الفهرس المحزوم كما هو الحال في المكتبة العامة لجامعة القاهرة [1] .
وفهرس المكتبة بيان شامل لمحتوياتها من المطبوعات والمخطوطات والخرائط والمصورات وغير ذلك ينظم وفق ترتيب خاص ييسر الحصول على الكتاب المطلوب من المكتبة بأسرع ما يمكن.
وقد شاع في المكتبات الإسلامية في عصر ازدهارها فهارس منظمة بدقة حسب محتوياتها كما كانت تلصق قائمة بأسماء الكتب التي تحتويها دواليب هذه المكتبات على كل دولاب بالمكتبة. بجانب كل كتاب في هذه القوائم رقمه الخاص به على أن هذه النظم وغيرها قد اندثرت عند اختفاء هذه المكتبات وتفرقها.
على أن أيسر الطرق لفهرسة الكتب في العصر الحاضر هي الطريقة التي ترتب الكتب في الفهرس حسب حروف الهجاء التي كتبت بها هذه الكتب.
وغالبا ما يكون في المكتبات في العصر الحاضر فهارس بالمؤلف وأخرى بالعنوان وثالثة بالموضوع وكلها تستخدم الترتيب الهجائي بالإضافة إلى نوع رابع من الفهارس هو الفهرس المصنف أي الذي يصف الكتب طبقا لأرقام تصنيفها.
ويستخدم في إعداد فهرس البطاقات بطاقات من أحجام مختلفة منها ما هي 12×7 سم أو 13×9سم وهذا المقياس يجري العمل به في معظم المكتبات في كل دول العالم وتثقب البطاقة في منتصف طرفها الأسفل لتجمع مع مثيلاتها في قضيب معدني ضمن صندوق البطاقات التي سبقت فهرستها ويمكن أن تكون هذه البطاقات من ألوان مختلفة فيكون اللون الأبيض للبطاقات الخاصة بالمؤلفين مثلا ولون آخر لبطاقات العناوين ولون ثالث لبطاقات الموضوعات، ومهمة ذلك التيسير على المطالع في التعرف على الفهارس بمعرفة ألوانها. ومن مزايا فهرس البطاقات سهولة الاستعمال وإضافة الكتب الجديدة التي ترد إلى المكتبة إليه في حينها دون تأخير وربما كان أطول عمراً من الفهارس المطبوعة نفسها.
وتعتمد معظم المكتبات في إعداد فهارسها على قواعد الفهرسة الوضعية المتبعة بمكتبة الكونجرس الأمريكية وعلى تلك التي أعدها الدكتور محمود الشنيطي والدكتور محمد المهدي في شكل كتاب باللغة العربية وربما استخدمت المكتبات في الفهرس المصنف [2] الجدول الثالث من نظام ديوي المعدل بمعرفة الدكتور الشنيطي والدكتور أحمد كابش.
وكانت المكتبات إلى عهد قريب تعتبر العنوان مدخلاً رئيسياً للكتاب كما كان الحال في دار الكتب المصرفية وغيرها حتى أكثر من عامين مع عمل بطاقات إضافية بالمؤلفين والموضوع وما إلى ذلك وفي إعادة إنشاء فهارس المكتبة يراعى حاليا آخر ما وصلت إليه قواعد الفهرسة الوصفية ومنها أن يكون المدخل الرئيسي للكتاب في بطاقات الفهارس بالمؤلف بدلاً من العنوان.
ومما يواجه المفهرس عند مزاولة عمله في أي مكتبة عربية مشكلة مداخل الأسماء العربية القديمة والحديثة وقد استقر رأي كثير من المفهرسين على أن يدخل الكتاب بالاسم الكامل للمؤلفيها عدا الأسماء العربية القديمة للكتب التي ألفت قبل سنة 1800 م أي سنة 1200هـ فهي تدخل في عرف هؤلاء المفهرسين تحت اسم الشهرة.
فمثلا كتاب (الأم) بن إدريس الشافعي يدخل في الفهرس البطاقي تحت اسم الشافعي مع عمل بطاقة إحالة (انظر) هكذا:
محمد بن إدريس الشافعي انظر الشافعي ............... وهكذا
أما كتاب (المكتبات العامة بين التخطيط والتنفيذ) لأحمد أنور عمر أستاذ علم المكتبات بجامعة القاهرة فيدخل تحت اسم أحمد أنور عمر دون تعديل أو تقديم أو تأخير في الاسم.
ولعل أفضل أن تكون مداخل الكتب باسم الشهرة في جميع الأسماء لأنها هي الأسماء المعروفة لدى القارئ والمعروف بها المؤلف حتى ولو كان قد ولد بعد سنة 1800 م. فمثلا كتاب (الميراث) للشيخ محمد عبد الرحيم منصور الكشكي وهو أستاذ معاصر بجامعة الأزهر ومعروف في الأوساط العلمية والطلابية بالشيخ الكشكي.
نرى أنه من المفضل أن يدخل تحت اسمه الذي اشتهر به وكذلك عباس محمود العقاد اشتهر بالعقاد ومصطفى صادق الرافعي بشهرته الرافعي. . . إلى غير ذلك من أمثلة كثيرة.
وفي رأيي أن اسم الشهرة أدل على صاحبه دائما أما ما عدا ذلك من أسماء فيكون المدخل بالاسم الكامل للمؤلف وتكتب الأسماء الأجنبية بالخط العربي باسم الأسرة (Family Name.) كما هو متبع في لغته الأصلية.
فمثلا كتاب ول. ديورانت (قصة الحضارة) يدخل تحت (ديورانت، ول.) ومؤلفات شكسبير تدخل تحت (شكسبير) وهكذا.
ولا خلاف في أن هناك كثيراً من التصانيف والتآليف تحتاج إلى معالجة خاصة في الفهرسة فبعض الكتب له حاشية وتعليق، وتعليق على التعليق وحاشية على الحاشية أي أنه يكون في الواقع عدة كتب في كتاب أو مجلد واحد. وتعالج هذه المشكلة وما يناظرها - غالباً - أسفل البطاقة الرئيسية ببيان ما يشير إلى ذلك باقتضاب واختصار.
فمثلاً يكتب في أسفل البطاقة بالكتاب: شروح وهوامش وتعليق. . . الخ من أمور تفيد في وصف الكتاب وتقرب صورته للقارئ.
ومن الأمور المهمة أن تعتمد المكتبات العربية في تحقيق الأسماء العربية على كتب التراجم وكتب الببليوجرافيا مثل تراجم الفقهاء وطبقات الشافعية وطبقات الصحابة ومعجم الأدباء والضوء اللامع وتاريخ بغداد والفهرست لابن النديم وكشف الظنون لحاجي خليفة. . .
ونحن ننتظر اليوم الذي نتمكن فيه من عمل قائمة خاصة بهذه الأسماء تفيد في هذه الأمور، إلا أن الجهاز الحالي بمكتباتنا العربية لا يمكنه إنجاز مهمة ضخمة كهذه، ومن ثمة فسنظل لوقت طويل نعتمد على كتب التراجم ما ذكرت منها وما لم أذكر إلى أن يتم عمل بديل لذلك.
هذا، وتصنف البطاقات في الفهرس دائماً هجائياً تحت اسم المؤلف وهجائيا تحت العنوان وهجائياً بالموضوع. أما فهارس المواد - غير الكتب - كالدوريات والخرائط والمواد السمعية والبصرية والأفلام والمخطوطات والاسطوانات وغير ذلك فليس لها وجود بكثرة في المكتبات العربية بل قد لا يكون لنفس هذه المواد وجود. وفي حالة وجودها والرغبة في فهرستها نرى اتباع الطريقة المستعملة بشأنها في دار الكتب المصرية ومكتبة الكونجرس الأمريكية.
ويمكن القول أن الفهرسة الوصفية في العالم العربي - حتى الآن - ليست موحدة ولا مقننة ونرى أن تبذل جهود جادة يتم بمقتضاها في القريب العاجل عمل الفهرس البطاقي الموحد لا بالنسبة لدولة عربية على حدة بل بالنسبة لكل الناطقين بالضاد كما هو الحال في مكتبة الكونجرس الأمريكية والمكتبات الأمريكية والإنجليزية الأخرى.
ثانيا - التصنيف:
يحتل التصنيف مكان الصدارة بين فروع علم المكتبات إذ هو يتناول التنظيم المقنن للمعرفة البشرية كما هي ممثلة في الكتب ومواد القراءة وهذه هي العملية الرئيسية الأولى من بين العمليات التي تقوم بها المكتبة لترتيب كتبها حتى يتيسر لها أداء الخدمة المكتبية للقارئ في أقل وقت ممكن ولهذا يعتبر الكثيرون أن التصنيف هو أساس علم المكتبات. لذا اهتم كثير من المشتغلين بالمكتبات بنظم التصنيف وخاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ففي سنة 1876 م صدرت الطبعة الأولى من التصنيف العشري للمكتبات الذي يعد بمثابة نقطة هامة بل وحاسمة في تاريخ علم المكتبات.
ولعل علماء التصنيف أو بالأحرى واضعي خطط التصنيف هم أشهر علماء المكتبات وقد أصبح (ملفل ديوي) علماً على هذه المهنة في أمريكا وفي أجزاء أخرى من بلدان العالم.
كما وضع (كنز) خطة التصنيف الواسعة التي تلافي فيها العيوب العملية في خطة ديوي في رأي كثير من الناقدين.
وفي بريطانيا وضع (براون) التصنيف الموضوعي رغبة منه في أن يفي باحتياجات المكتبة البريطانية التي أهملها ديوي. .
وقد حقق أوتليه ولافونتين في قارة أوروبا حلم الببليوجرافيا العالمية كما وضعت مكتبة الكونجرس الأمريكية نظاماً خاصاً بها.
وغير هؤلاء كثيرون نذكر منهم ريتشاردسون ثم رانجاناثان صاحب المدرسة الخاصة في التصنيف والذي تتلمذ عليه ملز صاحب كتاب.
Amodern out Line Library Classification
وقد ترجمه زميلنا الدكتور عبد الوهاب أبو النور مدرس علم المكتبات بجامعة القاهرة بعنوان (نظم التصنيف الحديثة في المكتبات) .
ولم تظهر حتى الآن مؤلفات كثيرة في التصنيف فيما يتعلق بالمكتبة العربية الإسلامية. وترتب الكتب بالمكتبات العربية النامية طبقا لخطة ديوي العشرية المعدلة وخاصة الجدول الثالث مضافا إلى ذلك الحرف الأول والثاني والثالث من اسم المؤلف وترتب على الرفوف طبقا لهذه الطريقة وربما استخدم الكثير من المكتبات حتى الآن الأرقام المسلسلة لورود الكتب في ترتيبها على الرفوف. وتستخدم بعض المكتبات الفهرس المصنف أو الفهارس الموضوعية ومن فوائد الفهرس المصنف أنه يفيد في جرد المكتبة وفي حصر عدد الكتب في مختلف فروع المعرفة بالمكتبة.
ونحن نرى أن التعديل الذي استحدثه الدكتور محمود الشنيطي وزميله الدكتور أحمد كابش والذي يعتمد على الطبعة الثامنة لخطة ديوي لا يكفي بشكله الحالي للعمل بالمكتبات العربية ولكنه يحتاج إلى تفريعات أدق. ونعتزم أن نقوم بذلك بجهودنا الذاتية أو بمعاونة من يهمه أمر تطوير العمل بالمكتبات العربية والإسلامية إن شاء الله.
على أن الأمر بالنسبة لتصنيف المكتبة العربية يحتاج بلا شك إلى خطة عربية خالصة تراعي طبيعة التراث الإسلامي والعربي وتعتمد في نفس الوقت على الخطط الأخرى المستعملة في التصنيف ما ذكر منها هنا وما لم يذكر، ونرى مشاركة في وضع أساس مثل هذه الخطة أن تتم على النحو التالي:
تقسم المعرفة الإنسانية عشرة أقسام أو أكثر دون التقيد بمنطق ديوي في المعالجة.
فمثلًا يمكن أن نبدأ الخطة بالديانات وتنتهي بالمعارف العامة وأن تبدأ بالموضوعات وتنتهي بالأعمال الشاملة وهي مخالفة أصلية وجوهرية لما بخطة ديوي العشرية.
فالديانات تقسم إلى:
1-
الدين الإسلامي. 2- الدين المسيحي. . . إلى غير ذلك من الديانات الأخرى مرتبة حسب أهميتها في التصنيف الحديث للمكتبات ومنتهية بالتفريعات التي تخص الدين عموماً. على أن يتم في الخطة وضع الفلسفة بعد الديانات لا قبلها لأن الديانات أسبق وجوداً من الفلسفة ثم التاريخ فالتراجم فالعلوم الاجتماعية والاقتصاد والقانون على أن تركز الخطة على معالجة التاريخ الإسلامي وفي كل ذلك تختم الخطة بالأعمال الشاملة في العلم بدلاً من البدء بها وإن كان ذلك لا يؤثر كثيراً في وضع التصنيف إلا أنه يعطي ملامح جديدة لخطة عربية خالصة.
يلي ذلك اللغة فالأدب فالفن ثم العلوم البحتة والتطبيقية ثم المعارف المتنوعة أو العامة في النهاية.
وبذلك يكون هذا التصنيف أكثر منطقية من تصنيف ديوي لأنه ربط بين التاريخ والعلوم الاجتماعية، وبين اللغة والأدب والفن، وبين العلوم البحتة والتطبيقية، وعالج الدين بما يستحق من تقدم على الفلسفة وجوداً وأثراً.
وفي النية إن شاء الله تقديم تصنيف يحمل مثل هذه السمات.
ثالثا - رؤوس الموضوعات:
ولكن الشيء المهم هو توحيد النظم الفنية في المكتبات العربية ومنها التصنيف ذلك أن تطبيق نظام شائع قد يفضل على نظام أكثر صحة ولا يتمتع بمثل ذلك الشيوع.
وبالنسبة لاختيار رؤوس الموضوعات والإحالات فيمكن للمكتبات بصفة مبدئية استخدام جداول ديوي المترجمة في هذا الصدد بالنسبة للكتب العربية وقائمة سيرز بالنسبة للكتب الإفرنجية ولا مانع أن تستعين المكتبة - في اختيار رؤوس الموضوعات - بالمعلومات الواردة في كتاب إحصاء العلوم للفارابي والفهرست لابن النديم وكشف الظنون لحاجي خليفة ومفتاح السعادة لطاس كبرى زاده وغير ذلك من الكتب العربية، وخاصة فيما يتعلق بالعلوم العربية والإسلامية ويمكن بالاستعانة بأمثال هذه الببليوجرافيات العربية عمل قائمة موحدة لرؤوس الموضوعات تستخدم في المكتبات العربية كلها.
ويجب أن نختار رؤوس الموضوعات الدقيقة مع استخدام مصطلح واحد للدلالة عليها وعمل الإحالات المناسبة إلى الموضوع المستخدم من المصطلحات الأخرى ولم تتضح بعد الحاجة الشديدة إلى رؤوس الموضوعات الأجنبية لخلو التراث الفكري في كثير من المكتبات العربية من كتب أجنبية ولأن قوائم رؤوس الموضوعات الأجنبية متوفرة ومستخدمة بالفعل.
إما عن طريقة صياغة رؤوس الموضوعات فبالنسبة للرؤوس المفردة يختار رأس الموضوع الأكثر دلالة عليه وترتب هذه الموضوعات هجائيا.
أما رؤوس الموضوعات المكونة من أكثر من كلمة أي التي من عدة كلمات كالصفة والموصوف والمضاف والمضاف إليه فتعالج كما هو ترتيبها في اللغة العربية بلا تغيير وذلك بالنسبة للكتب العربية وقد يكون الأمر عكس ذلك بالنسبة للغات أخرى كالإنجليزية وغيرها.
وقد يكون من المستحسن ألا تلجأ المكتبة كثيراً إلى القلب في رؤوس الموضوعات فيما عدا بعض الحالات بالنسبة للأفراد والهيئات ولا سيما الجغرافيا العربية التي قد تكون الضرورة ملحة لقلبها في بعض الحالات.
ويجوز أن تجزأ رؤوس الموضوعات في المكتبة حسب الشكل أو الزمان أو المكان وذلك حسب ما تقتضيه طبيعة الكتب أو المواد العلمية وما تفرضه كيفية استعمالها.
ولا بد أن تستخدم المكتبات الإحالات في رؤوس الموضوعات من الموضوع غير المستخدم إلى رأس الموضوع المستخدم، مستخدمة بطاقة (انظر) إذا كان رأس الموضوع مطابقاً للموضوع المستعمل، أما إذا كان قريباً منه أو يمت إليه بصلة معينة فنستخدم بطاقة (انظر أيضاً) .
ولا بد أن تراجع رؤوس الموضوعات المستخدمة باستمرار وأن تغير حسب الحاجة بالاستعانة بالكتب العربية القديمة كإحصاء العلوم وغيره مما ذكر.
والمشكلة التي تواجه أمناء المكتبات في اختيار رؤوس الموضوعات العربية هي بالضبط مشكلتهم بالنسبة لخطة تصنيف عربية إذ الأمر يحتاج إلى رؤوس موضوعات موحدة أو قوائم رؤوس موضوعات للمكتبات العامة وأخرى للمكتبات المتخصصة وثالثة للمكتبات الجامعية وهكذا.
ولا يمكن الاعتماد على الترجمة عن خطة أجنبية بالنسبة لقائمة رؤوس موضوعات عربية، بل لا بد من الرجوع إلى مصادر التراث العربية الببليوجرافي في هذا الشأن لمخالفة التراث العربي الإسلامي لغيره في الجوهر والشكل ونوعية الاهتمام.
فإلى كل غيور على مستقبل الثقافة العربية وحفظ التراث الإسلامي أكتب هذه الكلمات لعلنا نسعى إلى استجلاء ذلك المستقبل فنحاول شق الطريق إليه.
من مراجع هذا المقال وسابقه:
1-
الفهرست لابن النديم.
2-
كشف الظنون لحاجي خليفة.
3-
مقدمة ابن خلدون وتاريخه.
4-
السلوك للمقريزي.
5-
تاريخ التربية الإسلامية لأحمد شبلي.
6-
السنة قبل التدوين - محمد عجاج.
7-
المكتبة والبحث والمصادر - محمد عجاج.
8-
دراسات في الكتب والمكتبات - عبد اللطيف إبراهيم.
9-
تاريخ الكتاب - سفندال.
10-
المكتبات العامة بين التخطيط والتنفيذ - أحمد أنور عمر.
11-
نظم التصنيف الحديثة في المكتبات - ملز.
12-
موجز التصنيف العشري - ملفل ديوي.
13-
تاريخ مكتبة الإسكندرية - محمد حسين.
عدا الكتب الأجنبية.
(تجارة رابحة)
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
يراد بالمحزوم ذلك النوع من الفهارس الذي يشمل بطاقات طولية الشكل غالبا بها بيانات مطبوعة عن الكتاب تملأ بمعرفة المفهرس وترتب أبجديا ثم تخرم معا بطريقة تيسر وضع بطاقات أخرى إليها عند الضرورة.
[2]
يقوم تصنيف ديوي على تقسيم المعرفة الإنسانية إلى عشرة أقسام. وتفريع كل قسم إلى عشرة أفرع وتوزيع كل فرع إلى عشرة أجزاء وهكذا إلى ما لا نهاية.
وتجزئ الفروع إلى أجزاء هو ما يطلق عليه الجدول الثالث أو الرتبة الثالثة من نظام ديوي. أي المرحلة الثالثة من التقسيم.
ليكن شعارنا الدائم الله وحده (2)
للشيخ السعيد الشربيني الشرباصي
المدرس في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة
وإذا استقرت في نفوسها تلك الحقيقة الثابتة التي هي أم الحقائق وغاية الغايات ونهاية النهايات، وأصبحت محور وجودنا منها نندفع ولها نعمل وإليها نعود، فلم نر في هذا الوجود سوى الله وحده، وأن ما عداه صدر عنه ونشأ منه وخضع له واستكان لعزته ودان لسلطاته وخشع لجبروته، لا إله إلا هو الواحد القادر القهار، إذا استقرت في نفوسنا تلك الحقيقة أصبح الإيمان بالله هو الطاقة التي تخلق فينا الحياة، وتصنع لنا الوجود، وصار صدورنا له وورودنا منه وتلاشت الخلائق وما يبدو لها من قوة أو سلطان أو طغيان.
انظر معي عبر الزمن إلى فئات المعذبين من المؤمنين وهم حول محمد وعيسى وموسى وإخوانهم المرسلين ـصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وهم لا يقيمون وزناً لما يصيبهم من عدوان أو طغيان، وعندما كان يقال لهم: إن الناس قد جمعوا لكم. فما يزيدهم هذا التجمع إلا إيماناً على إيمان.
وانظر معي إلى قمم الهداية وهي تتعرض لعواصف الجهل وزوابع الكفر وحماقات الشرك فتلقى ذلك كله بالرضا والقبول، وتعطي في مقابل ذلك بسمات ودعوات وتضرعاً إلى صاحب السلطان ومالك الأمر والنهي متفقة بهم وهي تقول:"اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
وهكذا كان الجهل وعدم العلم هو سر الأسرار في انغلاق الأفهام والأبصار، ولو أن الإنسانية فتحت عيونها على الكون متجردة من الغرض والمرض لوجدت الحقيقة الباهرة التي تجذب الأنظار وتزلزل القلوب والمشاعر:
ولكن أين العقل؟ أين العقل والهوى غلاب، والشهوة تطغى، والضعف يعجز، والتقليد أيسر من الاجتهاد، أين العقل بل أين الرشاد؟
والإيمان قوة علوية تمد المؤمن بكل الطاقات التي تدفعه إلى التغلب على الصعاب والظفر بما يريد وأنه ليخلق في الفرد رقابة قوية تحاسبه وتسائله وتقيمه وتقعده، فإذا أحسن قصد بإحسانه وجه الله وحده، وذا اشتد كانت شدته غيرة على حدود الله تعالى وحده، وإن قسا كانت قسوته للإصلاح لا للانتقام.
وهذه الرقابة أعظم سلطة وأدق قانون وأكبر باعث على التنفيذ، ومعها لا تحتاج الجماعة إلى دعاة أو نهاة، ولا تحتاج الجيوش إلى إثارة حماس أو إلهاب مشاعر
…
...
والوحدانية شيء وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بداية لهذا الشيء العظيم وإشارة إلى هذه الحقيقة الكبرى. وإن مئات الملايين من المسلمين يرددون هذا القسم مرارا وتكرارا ولا أقول إنه صدر نفاقا أو رياء، بل إنه صدر عن تسليم ورضا، واعتراف وإذعان.
ولكن أين حقيقته؟
أين هؤلاء الاخوة الأحباب من حقيقة هذه الحقيقة؟ هل جعلوه الشعار العلوي لمبادئهم وأخلاقهم وتصرفاتهم؟ وهل تجردوا في أعمالهم وأقوالهم وقوانينهم من كل معارضة لهذا الشعار؟
في كل زمان يتخذ الناس أربابا من دون الله تسيطر على تفكيرهم، وتصرفهم عن حقيقة الحقائق ويحسون أنها تصرف أمورهم ولا أقول: إنهم يعترفون بهذه الآلهةو الحمد لله ـ أو يدينون لها ويصلون من أجلها، ولكنهم من غير اعتراف منهم يتصرفون بوحي منها، وبتأثيرها عليهم، ناسين المصدر الأعلى والمنبع الزاخر لكل حس وكل نفس وكل حركة، وصدق الله العظيم حين كشف هؤلاء
…
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} . فالقوة الحقيقية لله، والقوة الفعالة له وحده..
وكثيرون يتخذون هؤلاء الأنداد وهم لا يشعرون
…
هذا الذي يثق في عون فلان، أو يخيل له أن فلاناً هذا يقدم أو يؤخر وينفع أو قد يضر.. ثم هؤلاء المرؤوسون الذين يطأطئون رؤوسهم لسادتهم وكبرائهم ويصدرون عن رغباتهم وأهوائهم ولو تعارضت مع العدل أو تناطحت مع الحق، وما يصح أن تحنى الرؤوس إلا لخالقها، أو تميل ركوعاً إلا لموجدها.
لقد حارب الإسلام بصورة رائعة كل هذا الانحراف منذ البداية، وضرب أمامنا القدوة الكريمة وأعطى العظة البالغة للتخلص من كل شبهة والتجرد لله وحده، والقرآن يحدد وضعه فيقول:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} .
ثم لماذا نميل يمنة أو يسرة ونحن نرى الله أقرب إلينا من حبل الوريد، نجده تجاه عيوننا، وفي قلوبنا وأبصارنا. وحقيقة الحقائق تطالعنا في كل ضوء مع كل ظل، ولا تعزب عن خاطر المنصف لحظة..
انظر معي هذه الشمس التي تملأ الدنيا ضياء، وهي مع ما تعطي من دلالات عن مصدرها وخلقها تعطي في الوقت نفسه دلالات أصلية على صدق هذه الحقيقة بحركتها وانتقالها وأشعتها، فالضوء والظل وهما ظاهرة مستمرة دائبة تعطي لنا هذه الظاهرة قصة حزينة عن طبيعة هذا العلم المتغير الفاني.
إن الظل يمثل الحياة تماماً، وهو في امتداده لا يستقر على حال بل وفي لحظات استقراره -كما يخيل لنا- يتحرك وينتقل ويتغير.. وفي مقابله الضوء يقوم بمثل هذه التغييرات.. وما هي إلا ساعات وتنقلب الحال، ويأخذ النور مكان الظلام، ويأخذ الظلام مكان النور، وتصبح الشمس في المغرب بعد أن كانت في المشرق.
هذا البرمج اليومي الذي تعرضه العناية الإلهية بالضوء والحس كل يوم لا يحتاج فقط إلى توجيه او تنبيه. وإنما يحتاج فقط إلى (لحظة تأمل) فتحة عين، نظرة فكر، وعلى أثر ذلك تحدث الهزة النفسية والإشراقة الروحية والتفتح القلبي لرؤية النور ولمعرفة الطريق.
وما هو إلا تجرد من الأوهام وتخلص من الجمود وانطلاق من الجهالة إلا ونرى الحقيقة العميقة، الحقيقة الرائعة ونسعد بالإيمان الصحيح يتبعه اعتراف صادع بعظمة الخلاق وإقرار قوي بسلطته المطلقة التي لا يشاركه فيها سواه.
إني أطلب تركيز هذه الحقائق في نفوسنا وضمائرنا ومشاعرنا لتظل عيوننا معلقة بالسماء، مقدرة لحق الله تعالى، فلا تنصرف إلى سواه ولا تتعلق بما عداه. {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. .}
أيها الإيمان العظيم حينما تنزل إلى قلوبنا وتستقر بين جوانحنا نستطيع أن نكون قوة فعالة تستعذب المر، وتستطيب العلقم وتستذل الجبروت وتحتقر كل متاع الوجود، وتغير جهالات العالم، وتطهر دروبها، وتنير آفاقها. .
ليبلوكم أيكم أحسن عملا
لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي: الدراسات العليا بمكة المكرمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله إمام الموحدين وقائد الغر الميامين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وبعد: فإن الله العليم الحكيم في خلقه وشرعه وقدره وفي أقواله وأفعاله قد خلق هذا الكون الكبير السموات والأرض وما فيها من آيات عظيمة مما يشاهد وما لا يشاهد وما يعلمه الإنسان وما لا يعلمه لحكمة عظيمة وغاية جليلة هي ابتلاء البشر في هذه الحياة الدنيا واختبارهم أيهم أحسن عملاً، كما ذكر ذلك في محكم ذكره {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} ، وهذا الابتلاء هو المذكور في قوله:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} وهو المقصود في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} ومن هنا يعلم الإنسان مكانته في هذا الوجود ويعرف قيمته.
وأن هذا الامتحان والابتلاء الذي أعده الله له أمر له خطره بحيث سخر من أجله هذا الكون العلوي والسفلي فالسماوات بأفلاكها وكواكبها وشمسها وقمرها قد سخرت لك أيها الإنسان لتقوم بأداء هذا الامتحان على أكمل الوجوه، قال الله تبارك وتعالى:{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وشكر الله المذكور في الآية يتحقق بالقيام بتلك الغاية التي خلقت من أجلها، والتفكير الجاد يؤدي إلى القيام بهذا الشكر، والله تباك وتعالى يلفت أنظار عباده إلى حسن عنايته بالإنسان {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} ، فيها حض لعباده الواعين الذين أدركوا المهمة التي خلقوا من أجلها أن يغتنموا الفرصة التي أتيحت لهم فلا يضيعوها، ثم بيّن لهم أنه قد أعدّ لهم كل ما من شأنه أن يساعدهم على القيام بواجبهم على أتم الوجوه وأن لهم منزلة عظيمة عند الله بحيث أن ما يشاهدونه مما بين أيديهم وما خلفهم من السموات والأرض قد سخر لهم حتى يشعروا بعظم النعمة وجسامة المسؤولية {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ
لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} .
إمكانية الإنسان
وإن الله سبحانه قد زود الإنسان بطاقات ومواهب ترفعه إلى مستوى المسؤولية التي ألقيت على كاهله وتؤهله للخلافة في الأرض فزوده بما يلي:
1-
بالعقل الذي يميز به بين الحق والباطل والضار والنافع وأناط التكاليف وربطها بوجوده ورفع التكاليف عند فقدانه.
2-
وهيأ تكوينه وتركيبه الجسمي أحسن تهيئة وأعده أحسن إعداد وخلقه في أحسن تقويم يتلائم تمام التلاؤم والموافقة مع ما كلفه الله به من أعمال وواجبات فيزاولها ويقوم بها بسهولة ويُسر فهو يختلف عن سائر الحيوانات بهذا التركيب الجميل الممتاز والتقويم الأحسن، كلفه بالطهارة على اختلاف أنواعها وتكوينه الجسمي يساعده على القيام بها. وكلفه بالصلاة وهيئته قد أعدها الله أحسن إعداد للقيام بهذا الواجب فهو يستطيع كل أفعال الصلاة من قيام وركوع وسجود كما يستطيع أن يؤدي كل الأقوال من قراءة وتسبيح وسائر الأذكار.
3-
وزوده إلى جانب ما ركزت فيه من فطرة الاعتراف بالله بإرسال الرسل وإنزال الكتب التي فيها يترتب تفاصيل وبيان كل الواجبات والتكاليف التي يجب أن ينهض بها وما يترتب عليها من سعادة ونعيم وجزاء حسن إن هو قام بها وأداها على الوجه المطلوب، وقبل هذا زوده إلى جانب ما فُطر عليه من فطرة الله وما يؤيد هذه المعرفة من آيات كونية باهرة يشاهدها بعينه ويسمعها بأذنه فتوحي إلى قلبه بما فيها من روعة وجمال وعظمة وإبداع بقدرة خالقها الهائلة وعمله المحيط الشامل وحكمته العليا التي تضع كل شيء في موضعه، زوده بما يعرف به من صفات خالقه ونعوت جلاله مما يزيده علماً وبصيرة ومحبة وتعلقاً بهذا الرب العظيم، وعلى ضوء ما سبق من ذكر الخالق العظيم الموصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال، ومن ذكر العبد الذي زوده الله بوسائل عظيمة تؤهله لمعرفة الله وعبادته والقيام بالخلافة في أرضه نستطيع أن نقول إن توحيد الله الذي جاءت به الرسل ودعت إليه ونزلت لبيانه الكتب السماوية نوعان:
1-
توحيد المعرفة والإثبات.
2-
توحيد الطلب والقصد.
فتوحيد المعرفة والإثبات - وهو يشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله على أساس تنزيهه عن مشابهة المخلوقين، وهذا المبدأ وهو مبدأ التنزيه يرتكز على أدلة وبراهين من القرآن العظيم مثل قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} .
وبتعبير آخر نقول إنه يجب الإيمان بما ورد في القرآن والسنة من صفات الله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهذا المنهج هو منهج السلف الصالح وهو الصراط المستقيم الذي يضمن للمؤمن السلامة من التخبط في ظلمات التشبيه والتعطيل، إذا المشبه كما يُقال يعبد صنماً والمعطل يعبد العدم، وأدلة هذا النوع من التوحيد كثيرة جداً نذكر ما يتيسر، قال تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، جمعت هذه الآية بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وقال تعالى:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، هو هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الحديد. وقال تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. إِلَاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى. تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى. الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَى. لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى. وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} .
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ، يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} السجدة. وقال تعالى: {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، وقال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، دلت هذه الآيات على صفات كمال تليق بجلاله وعظمته وهي الإلهية وعلم الغيب والشهادة والرحمة والملك والقدوسية والهيمنة والعزة والجبروت والكبرياء وكونه السلام المؤمن الخالق البارئ المصور والمختص بالأسماء الحسنى وخضوع أهل السماوات والأرض له والعزة والحكمة الأولية والتفرد بالإحياء والإماتة والقدرة الشاملة والأولية المطلقة التي لم يسبقها شيء والآخرية التي ليس بعدها شيء والاستواء على العرش وكونه في السماء على الوجه اللائق به وله صفات أخرى مثل السمع والبصر والإرادة دلت عليها أدلة أخرى من الكتاب والسنة لا يتسع المقام لذكرها كلها يجب أن يكون موقف المؤمن إزاءها موقف الإيمان الكامل والتسليم المطلق وأن يتلقاها بصدر رحب ونفس مطمئنة لا يتسرب إليها حرج
أو شك، إلا أنه مع الأسف قد لعب الشيطان برؤوس أناس اختلفت نظراتهم ومواقفهم من هذه الصفات ما بين غال في الإثبات إلى أن انحدر إلى مستوى لا يليق به فشبه الله بخلقه ولم يقرأ مثل قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، مما يفيد التنزيه وما بين معطل جريء جحد صفات الكمال ونعوت الجلال وهم ما بين شجاع أعلى هذا الجحد وأبدى صفحته غير هياب ولا متلعثم وما بين مختف وراء ستار من التحريفات سميت تأويلات، وبين ذلك الإفراط وهذا التفريط منهج السلف الصالح وعلى رأسهم رسول الله وصحابته الكرام والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى، هذا المنهج هو كما قدمنا الإيمان بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ولنذكر هنا ثلاث صفات يتجلى له من خلال الكلام عليها أن الحق كان فيها حليف أهل السنة والجماعة وأن طريقهم هو الطريق المستقيم الذي لا يجوز العدول والإنحراف عنه.
أولا: صفتا العلو والاستواء على العرش، أما صفة الاستواء فقد وردت في القرآن الكريم في سبعة مواضع، في سورة الأعراف.2- وفي سورة يونس. 3- وفي سورة هود. 4- وفي سورة طه. 5- وفي سورة السجدة. 6- وفي سورة الرعد. 7- وفي سورة الحديد. وأما صفة العلو فقد دلت عليها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة مثل قوله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم} ، وقوله:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية "أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة"، وقصة معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله في السماء، وقد ألفت كتب في موضوع العلو والاستواء؛ مثل اجتماع الجيوش الإسلامية للإمام ابن القيم، والعلو للعلي الغفار للذهبي بلغت الأدلة فيها ما يقارب ألف دليل، والواقع أن القليل منها يكفي المؤمن الصادق ويقنعه ويفرض عليه الإيمان بهاتين الصفتين العلو والاستواء.
ثانيا: صفة الرحمة، قال بعض العلماء وهو ابن الوزير وقد أخذته الدهشة من موقف الأشاعرة كيف تجرؤوا على تأويل صفة الرحمة وقد وردت في القرآن أكثر من خمسمائة مرة بأسلوبي التأكيد التكرار، والتأكيد والتكرار عند علماء البلاغة يرفعان احتمال المجاز لو قلّ هذا التكرار والتأكيد فكيف لا يرتفع المجاز عن كلام الله وإن أكد وكرر بالمئين.
فمن ذينك الأسلوبين- التكرار والتأكيد- قوله تعالى في صدر كل سورة ما عدا سورة التوبة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مائة وثلاث عشرة مرة، وفي أثناء سورة النمل بعض آية {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم اختتام كثير من الآيات القرآنية باسمه تعالى الرحيم وإنه لموقف مدهش غريب ولون من التناقض غريب من قوم يدعون أنهم هم أهل السنة والجماعة، وقد ألفت كتب كثيرة جداً في بيان الطريق الصحيح في الإيمان بصفات الله والرد على المعطلة والمشبهة، منها كتاب التوحيد لإمام الأئمة ابن خزيمة، والسنة للإمام أحمد بن حنبل، والرد على بشر المريسي لعثمان بن سعيد الدارمي، والسنة للالكائي، وغيرها من المؤلفات، وفي تراجم أمهات السنة منها ما هو صريح في الرد على الجهمية وهم المعطلة فتجد مثل الإمام أبي داود يقول- عقب حديث أورده فيه ذكر صفة الاستواء والنزول-:"وفي هذا رد على الجهمية"، وابن ماجه يقول في ترجمة في كتابه أورد تحت هذه الترجمة أحاديث في الصفات قال في الترجمة:"باب الرد على الجهمية" ويورد تحتها كثيراً من الأحاديث في الصفات ممّا يشجع طالب الحق على التمسك بكل ما ورد في الكتاب والسنة من الصفات، والعض عليها بالنواجذ.
وأما توحيد الربوبية وهو الإيمان بأن الله وحده هو الخالق الرازق المحي المميت والمدبر لشؤون الكون فأدلته كثيرة جداً، منها ما تقدم ذكره في الآيات السابقة ومنها قوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} ، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} ، {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} ، {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} ، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} ، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} ، والآيات الكونية السماوات وما فيها من كواكب وأفلاك وإبداع صنعها وروعة جمالها ونظم سير السيارات منها في دقة مدهشة والأرض وما فيها من جبال راسية، وبحار زاخرة وما فيها من حيوان وأشجار ونبات وأزهار من أعظم الأدلة على خالقها العليم القدير الحكيم وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، وقال أعرابي حينما سئل عن الله أن البعرة تدل على البعير والسير يدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير، فهذا النوع من التوحيد من الأمور البديهية المسلمة عند جميع الأمم وفي جميع النحل إلا من كابر عقله وفطرته، وقد قصّ الله علينا في القرآن موضوع رسالات جميع الرسل إنه توحيد العبادة، وإن الرسل إنما كانوا يدعون أممهم إلى عبادة الله وحده، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ} ، وحكى عن المشركين أنهم كانوا معترفين بوجود الله، وأنه خالق السماوات والأرض، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} . ومن الأدلة على هذا النوع وأن لهذا الكون خالقا أنشأه وأوجده؛ قانون السببية؛ وهو أنه لا بد لكل حادث من محدث، وإليه يرمز قوله تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ؟} أي أوجدوا من غير موجد أم هم أوجدوا أنفسهم؟ أي لا هذا ولا هذا بل الله أوجدهم، وظاهرة العناية والحكمة في هذا الكون تدل على الخالق الحكيم، وأنه لا مجال للمصادفة العمياء التي يزعمها عمي القلوب والأبصار الصم والبكم الذين لا يعقلون.
أما توحيد العبادة فهو محور جميع الرسالات السماوية ومعناه إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة، والعبادة هي الخضوع المطلق لله وتوجيه العبادات والمطالب والرغبات كلها إليه، أو بتعبير آخر هي أمر جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، وتوجيه أيّ عبادة لغير الله المعبود الحق يعتبر شركاً به ومخالفة دنيئة لما فرضه الله على عباده وانحرافاً شنيعاً عن الغاية الرئيسية التي خلق الله الإنسان من أجلها وسخر له ما في السموات والأرض كي يتسنى له القيام بها على الوجه المطلوب، وإذا استعرضنا القرآن نجد أن مدار جميع الرسالات وهدفها الأصيل هو إرجاء الناس إلى هذه الغاية الخطيرة كلما انحرفوا عنها قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ، وقال:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} ،وقال:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} ، وقال تعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} . وهذا النوع من التوحيد هو معنى لا إله إلا الله؛ فإن قولهم جميعاً {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} هو نفس معنى لا إله إلا الله، والمعنى الحقيقي لهذه الكلمة: لا معبود بحق إلا الله، وليس معناها لا خالق ولا رازق إلا الله، كما يتوهم بعض الناس ممن لا يفهم معناها، بل معناها ما ذكرنا لا معبود بحق إلا الله كما نقل ذلك عن ابن عباس وجماعة من أهل التفسير واللغة.
ونرى لزاماً علينا أن نكشف عن معنى العبادة وأنواعها التي هي مدلول لا إله إلا الله، وأن صرفها لغير الله يُعد شركاً به وإبطالاً لمضمون هذه الكلمة، فمنها الدعاء قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ، وقال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، وقال تعالى- زاجرا عن دعاء غيره من ميت وغائب-:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} ، وقال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} . وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار"، ومنها الاستعانة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله"، ومنها الاستغاثة وهي دعاء في حال الشدة، ومن الأدلة عليها ما تقدم في الدعاء ومنها قوله تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} ، ومنها الذبح قال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله".
ومنها الرجاء قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ومنها الإنابة قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} ، ومنها التوكل قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، ومنها المحبة قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} ومنها الخشية والخوف {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} ، وقال تعالى في مدح الأنبياء:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ، ومنها الركوع والسجود قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
ومنها الخشوع قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} . ونستخلص من الأدلة السابقة أن الدعاء عبادة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء عبادة".
والاستعانة بالمخلوق في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله عبادة والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة.
والصلاة والذبح والنحر والرجاء والإنابة والتوكل والمحبة والخشية والرغبة والرهبة والركوع والسجود والخشوع هذه الأمور كلها عبادات لا يجوز أن يتوجه بها العبد إلا لله ولا يصرفها إلا لجلاله، وإن صرفها لغير الله يعد شركاً به في خالص حقه، وإن منهاج جميع الرسل وهدف كل الرسالات هو إفراده سبحانه بالعبادة التي لم يخلقوا إلا لكي يقوموا بها لله وحده مخلصين له الدين.
مكارم الأخلاق
قال أبو تمام:
إذا جاريت في خلق دنيئاً.
فأنت ومن تجاريه سواء.
رأيت الحر يجتنب المخازي.
ويحميه عن الغدر الوفاء.
وما من شدّة إلا سيأتي.
لها من بعد شدتها رخاء.
لقد جربت هذا الدهر حتى.
أفادتني التجارب والعناء.
يعيش الحر ما استحيا بخير.
ويبقى العود ما بقي اللحاء.
فلا والله ما في العيش خير.
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
إذا لم تخش عاقبة الليالي.
ولم تستحي فاصنع ما تشاء.
المسلمون في الولايات المتحدة
حقيقة أليجا محمد وجمعيته المسماة بـ (المسلمين السود)
بقلم المسلم الأمريكي: عمر فاروق عبد الله
عدد المسلمين التقريبي في الولايات المتحدة الآن أكثر من نصف مليون بعضهم من المهاجرين الذين هاجروا إلى أمريكا من البلاد الإسلامية المختلفة، وحوالي نصفهم الآخر أو أكثر من الأمريكيين الذين أسلموا وكانوا مسيحيين أو يهود من قبل، وأغلبية هؤلاء من الافرو_ أمريكيين أو (السود) فمن الممكن أن يمثل هذا العدد أكثر من 90% منهم. بسبب حرية الأديان في الدستور الأمريكي.
وليس للحكومة الأمريكية طريقة شرعية مباشرة ضد هؤلاء المسلمين، ففي معظم الأحيان إذا أرادت الحكومة الأمريكية أو أي منظمة أخرى أن تتخذ إجراء ضد المسلمين يجب عليها أن تجد طريقة غير مباشرة، فمن أكبر الموانع ضد انتشار الإسلام الصحيح في الولايات المتحدة الآن وجود حركة اليجيا _ أو_ الياس محمد المعروفة في العالم الإسلامي باسم (المسلمين السود) وللأسف نجد كثيراً من المسلمين يريدون أن يبرروا هذه الحركة على الرغم من أنهم لا يعرفون شيئا عنها أو عن دورها الذي تلعبه في الولايات المتحدة ضد انتشار الإسلام الصحيح.
فمن المهم أن نعلم أولاً أن جمعية الياس محمد لا تمثل الإسلام أبداً ولا يستحق أعضاؤها اسم (مسلمين) . إن إلياس محمد يدعي أنه رسول الله ويقول إنه يمثل النبي الياس في التوراة والنبي محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن.
وتعاليم هذا الرجل الكذاب تعاليم عنصرية، فمن تعاليمه: أن الرجل الأبيض شيطان والرجل الأسود إله.. ويعلم الياس محمد أيضاً أن الله عز وجل قد ظهر إليه في مدينة ديترويت في الولايات المتحدة في شكل رجل اسمه فرد محمد، فعلمه فرد محمد كل ما يعلم عن الإسلام وأسرار الغيب.
والياس محمد ينكر وجود الآخرة ولا يسمح لأتباعه أن يقرؤوا القرآن الكريم، ولقد أخذ بعض الآيات من القرآن وجمعها في كتاب دعاه بـ (قرآن الياس محمد) وكان في أغلب الأحيان يعتمد على الإنجيل والتوراة.
ولا يسمح الياس محمد لأي شخص غير أسود أن يدخل جمعيته وفي نفس الوقت لا يسمح لكل رجل أسود أن يدخل في هذه الجمعية، فيختار الياس محمد وأصحابه المقربون هؤلاء الذين يمكن أن يدخلوا هذه الجمعية، إنه يريد فقط هذا النوع من الناس الذين يطيعون كل أمر ويؤمنون بكل عقيدة من عقائد جمعيته دون تفكير ودون برهان ودون منطق وبانقياد أعمى. فعند بعض المسلمين في العالم الإسلامي حسن الظن بالياس محمد، ويظنون أنه لو علم الياس محمد حقيقة الإسلام وتعاليمه الصحيحة لأسلم وأصبح عاملاً كبيراً في خدمة الإسلام وانتشاره في الولايات المتحدة.
وقد زار كثير منهم هذا الرجل الكذاب في بيته أو في مركزه في شيكاغو أو في غيرها وكل هذا دون نتيجة تذكر، فكان هذا الرجل يعلم الإسلام الحقيقي من قبل، ولكنه يعمل ضده وكان الياس محمد ممن دخل في حركة القادياني في الثلاثينات من قبل أن يؤسس جمعيته.
وفي رأيي كمسلم أمريكي أن الياس محمد يمثل أكبر مانع ضد انتشار الإسلام الصحيح عند الأمريكيين لأسباب مختلفة؛ منها أنه يمثل الإسلام في عين الرجل العادي من الافرو_أمريكيين أو بعض الأمريكيين الآخرين، فعندما يفكر الأمريكيون في الإسلام أو يهتمون بتعاليم هذا الدين الحنيف يذهب فكرهم إلى التعليم الناقص، ومن ناحية أخرى ولعلها تكون الأهم يمارس الياس محمد وتابعوه الضغط والبطش ضد المسلمين الحقيقيين من الأفرو_أمريكيين فمثلاً في العام الماضي قتل ثمانية من المسلمين السنيين الافرو_أمريكيين في مدينة واشنطن على أيدي جمعية الياس محمد فكان رب هذا البيت يهتم بالدعوة الإسلامية في شوارع واشنطن فقال للناس عموما: أن الياس محمد لا يمثل الإسلام وأن تعاليم الإسلام الحقيقي شيء آخر تماماً. وأرسل بعض الرسائل لإلياس محمد وأكبر رجال جمعيته قال فيها إن الياس محمد رجل كذاب وشيطان
…
الخ
…
ودعا الناس إلى الإسلام الحقيقي وبعد ذلك ذهب إلى بيت هذا المسلم المجاهد ثمانية رجال من جمعية الياس محمد فقتلوا زوجته وبناته الثلاث وشاباً واحداً وأغرقوا في حمامه ثلاثة أطفال.
وليست هذه أول حادثة من هذا النوع فمن المعروف أنه إذا أسلم تابع لإلياس محمد وأصبح مسلماً صحيح الإسلام فمن المحتمل أنه يكون هذا الرجل وعائلته في خطر القتل على أيدي جمعية الياس محمد، ومن المعروف أيضاً أن الحاج مالك (مالكم اكس) قتل بأيدي هذه الجمعية وذلك لأنه كان أحدها أعضائها ثم تركها وأصبح مسلماً حقيقياً وأدى فريضة الحج، ثم رجع إلى أمريكا ودعا الناس إلى الإسلام الصحيح وإلى التخلص من تعاليم الياس الباطلة، فكان نتيجة ذلك أن قتل على أيدي جماعة الياس محمد كما ذكرت آنفا، ومن المحتمل أن سبب قتله يعود لنشاطه السياسي عند الافرو أمريكيين ونشاطه الإسلامي، ومن المحتمل أن تكون الحكومة قد استعملت جمعية الياس محمد كوسيلة غير مباشرة ضد الحاج مالك.
والواجب على كل مسلم أن يعرف حقيقة جمعية الياس محمد ودورها ضد انتشار الإسلام في أمريكا ويجب عليه ألا يبرر هذه الجمعية، فهي من أكبر الموانع ضد انتشار الإسلام في أمريكا وعلى أيديها أريق دم بعض إخواننا الذين كانوا يدعون الأمريكيين للإسلام الصحيح.
هكذا دَربُنا
بقلم الشيخ عبد الله قادري: مدير الاشراف الاجتماعي بالجامعة
درب المصلحين من الأنبياء والمرسلين، والدعاة إلى الله من العلماء العاملين واحد: قتل، تشريد، مضايقة في الأهل والمال والولد، ولكن القافلة مستمرة والطريق مسلوك دائماً:"لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله". كلما رحل إلى الله رائد حل مكانه قائد وكلما التحقت بالرفيق الأعلى جماعة حلت محلها أخرى سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا. والعاقبة للمتقين، والويل لأعداء الدين.
لقد قدم الدعاة إلى الله الشهيد تلو الشهيد، وكلما استشهد واحد أنار الطريق لإخوانه بدمه فواصلوا السير غير عابئين بما في الطريق من أشواك وما به من عقبات (هكذا دربنا) .
ومن أفراد هذه القافلة أخونا في الله الشيخ حسين بن أحمد الهجرة اليمني الذي تخرج في الجامعة الإسلامية وذهب إلى بلاده يلاحق الملحدين بالعلم والعمل مجاهداً مناضلاً صابراً محتسباً حتى أقض مضاجعهم وأقلق بالهم ووضع سداً منيعاً لحماية أهل بلاده من الملحدين الذين دربتهم قوى الإلحاد الشيوعي بواسطة ثلة من الصبيان المارقين من أبناء الجنوب. ومن عادة أعداء الإسلام أنهم لا يقر لهم قرار ما دام في الأرض مناضل ضد كفرهم خبير بمداخلهم ومخارجهم.
إن ناظرهم ألقمهم الحجة، وإن حذر من خداعهم كشف عوارهم وعرى الخبث الذي تنطوي عليه ضمارئهم، وإن حمل ضدهم السلاح أرهبهم وأخافهم، فلم يبق لأعداء الله إلا الاغتيال الخفي في أماكن الأمن والسلام، عندما يضع الداعي يده اليمنى على اليسرى متوجها إلى ربه يناجيه أو يضع جبهته إلى الأرض في خشوع وتذلل، هنا تسنح الفرصة لأعداء الله فيطلقون نار حقدهم الدفين لينقلوا الداعي إلى الله من الدنيا إلى الآخرة الباقية إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وهكذا كان الشيخ حسين الهجرة رحمه الله، لقد حاولوا اغتياله من قبل في مصلاه وكان أجله لم ينته فلم يصيبوه بأذى وبقي حربة في نحورهم حتى أدى واجبه، وهذه المرة كان الأجل قد انتهى فقضى نحبه شهيداً _ إن شاء الله _ في صلاته رحمه الله رحمة واسعة وهدى أبناء بلده إلى السير في طريقه حتى يكتب الله لهم النصر والشهادة، وهذه أبيات قليلة أنشدت بمناسبة نعيه:
جاءك الخير فاغتبط بلقاه
وأتى المجد باسطاً يمناه
إنه الفوز إن تيسر إلى الله
شهيداً مصلياً لرضاه
جاءك الغر بالرسالة يسعى
زاعماً أنه أصاب مناه
لو درى النكس ما بها من معان
لانثنى راجعاً يجر خطاه
إنها دعوة لضيف عزيز
يكرم الله أثرها مثواه
في نعيم تتوق حور حسان
لعريس مطيب بدماه
هكذا دربنا يضاء بشمع
من دمانا ليستمر سناه
إنه الحق يا ذويه فيسروا
في ثبات فغيرنا قد قلاه
طبت نفساً فقيدنا ثم طابت
أنفس مثلها اشتراها الإله
برقية
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
لاهور- باكستان
فخامة رئيس مؤتمر القمة الإسلامي بلاهور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تشكر لله تعالى أن وفق ملوك المسلمين ورؤساءهم للاجتماع تحت راية الإسلام معتصمين بحبل الله تعالى في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الأمة الإسلامية، وهي إذ تحيي بتحية الإسلام كل من أسهم في الدعوة لهذا المؤتمر، وكل من يحضره من قادة المسلمين تطلب من فخامتكم أن تنقلوا إليهم رغبة القائمين على أمر الجامعة وهيئة التدريس بها وطلابها الذين يمثلون أكثر من ثمانين دولة رغبتهم الصادقة في أن يكون لهذا المؤتمر أثره العملي الناجز في النهوض بالأمة الإسلامية والعودة بها إلى ماضيها المجيد وإعلان الجهاد في سبيل الله، وأنتم تعلمون جميعاً كما يعلم كل مسلم أنه لا صلاح لهذه الأمة إلا بما صلح به أولها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تعمل بهما وتطبق أحكامهما. فالشريعة الإسلامية هي فطرة الله التي فطر الناس عليها وكل خروج عنها إنما هو خروج عن الفطرة السليمة، وكل حكم بغير ما أنزل الله إنما هو بوار وجور.
قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، وما تأخرت الأمة الإسلامية، ولا اضطربت أمورها الداخلية، ولا طمع فيها أعداؤها إلا لأن بعض قادتها تنكروا لشريعة الله، وآثروا عليها القوانين المخالفة لها والمبادئ الضارة التي وفدت علينا من أقطار لا تريد بنا إلا شرّاً، فمن أول ما تدعو إليه شرعة الإسلام جمع كلمة المسلمين وتوثيق الروابط بينهم، وقد حاول أعداؤنا بكل أساليبهم الخبيثة بث الفرقة وإشعال نار العداوة بين المسلمين فتفرقت الكلمة وتصدع البناء وتداعت علينا الأمم، واليوم نشهد بحمد الله تعالى حركة جادة مخلصة لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم ليقفوا في وجه أعدائهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ولا تتم وحدة المسلمين حتى يخضعوا جميعاً لحكم الله عز وجل كما قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ، وذروة الإسلام الجهاد فما تركه قوم إلاّ ذلوا.
وقد تألب على الإسلام جشع الاستعمار الغربي والشرقي وكلب الصهيونية فوقعت أجزاء من بلادنا بين براثنهم ودنست أقدامهم بعض مقدساتنا ولا خلاص من هذا الزحف الوحشي إلا بالجهاد المقدس والسماح لكل مسلم يرغب في الدفاع عن دينه ومقدساته أن يغبر قدميه في سبيل الله وفي بعض الأقطار يتعرض إخوان لنا لأقسى أنواع الاضطهاد والتعذيب والإبادة كما هو الحال في الفليبين وبلغاريا وواجب الأخوة الإسلامية يهيب بنا أن نسارع لنجدتهم، وأن نبذل النفس والنفيس لتخليصهم من أيدي جلاديهم.
إن المسلمين في كل أقطارهم يتطلعون بأمل الواثق في وعد الله للصادقين إلى ما يسفر عنه مؤتمركم من خطوات عملية ناجزة لجمع كلمة المسلمين وتطبيق شريعة الله في كل شؤونهم، وجهاد أعدائهم، ونصرة اخوتهم، واستخلاص المسجد الأقصى من أيدي الغاصبين وسائر الأرض السليبة، قال الله تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .
وإنها لفرصة عظيمة هيأها الله لكم، ولعله اذخر لمؤتمركم هذا مكرمة سامية أن تعيدوا للأمة الإسلامية مجدها وعزتها، إن العظائم كفؤها العظماء.
وفقكم الله وسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . .
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مذكرة جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت
إلى ملوك ورؤساء الدول الإسلامية. . في مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد بلاهور _ باكستان في 30 محرم 1394 هـ الموافق 22 فبراير 1974 م.
السلام عليكم ورحمة الله وبراكته، وبعد:
جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت تحييكم، وترجو الله لكم التوفيق والسداد في مؤتمركم هذا. . وتتقدم بهذه المذكرة. . كمساهمة شعبية إسلامية في إنجاح المؤتمر.
فمنذ انفراط عقد الخلافة الأخيرة انفرط عقد المسلمين. . في العالم. وانقضت عليهم القوى عليهم القوى الطامعة كما جاء في الحديث الشريف: "يأتي عليكم زمان تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها"، وظل المسلمون يتطلعون إلى قيام وحدة إسلامية تحقق نداء الآيات القرآنية. . وتصون مصالح المسلمي،. وتنشئ لهم وزناً دولياً مرهوب الجانب في عصر التكتلات _ العقائدية والاقتصادية والسياسية.
فلما ظهرت في الأفق بوادر التجمع الإسلامي على مستوى الحكومات استبشر المسلمون خيراً وأخذوا يتابعون مسيرة التجمعات الإسلامية بانتباه وإشفاق.
انتباه لما يجري. . . وإشفاق على التجربة الوليد.
ومؤتمركم هذا يمثل حلقة من حلقات التجمع الإسلامي في العصر الحديث.
وبمقدار القضية. . تكون المسؤولية.
إن الشعوب الممثلة في هذا المؤتمر لا تستطيع أن تنهض وتحقق آمالها في التقدم والتعاون الإسلامي إلا من خلال شكل الحكومة، وصلاحياتها.
فلقد أصبحت الحكومة في العصر الحديث تهيمن على كل شيء في المجتمع الذي تحكمه.
تهيمن على التربية، والإعلام، والسياسة الخارجية، وتتحكم في نوع النظام الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي.
ومن هنا يتضح عظم المسؤولية التي يضطلع بها ملوك ورؤساء الدول الإسلامية المجتمعون في مؤتمر لاهور.
إن الوحدة بين الشعوب الإسلامية قائمة بحكم العقيدة الإسلامية عقيدة التوحيد، والشريعة الواحدة، والقبلة الواحدة.
وإن أمام الملوك والرؤساء المحافظة على التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، وتنحية الأشكال الرسمية التي تعيق تحقيق هذه الوحدة أو الاتحاد، وأمام المؤتمر جملة قضايا جديرة بالبحث والاهتمام: قضية فلسطين:
قضية فلسطين: فلا شك أنكم تتابعون المحاولات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، والاعتراف _ من ثم _ بالكيان الصهيوني في الأرض المحتلة.
من ناحية إسلامية هذه المحولات يحرمها الإسلام تحريماً قاطعاً ويدين أصحابها في الدنيا. . والآخرة.
ومن ناحية قانونية: الاعتراف بالكيان الصهيوني يعتبرخرقاً للقانون الدولي الذي لا يقر الاستيلاء على أرض الغير بالقوة.
ومن ناحية شعبية: فإن شعوب العالم الإسلامي ترفض هذه المحاولات بحزم وشدة.
وموضوع القدس: وضرورة هيمنة السيادة الإسلامية المطلقة عليه، وضرورة إعلان الجهاد لتحريره. .
لقد أذن الله في الآيات الأولى من سورة الإسراء بانتقال مواريث النبوة في القدس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه..} .
وأمة الرسول عليه الصلاة والسلام هي الوريثة الوحيدة لنبيها محمد عليه الصلاة والسلام.
وفي ضوء هذه الحقيقة الراسخة تقدم عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ ففتح القدس، وتقدم صلاح الدين الأيوبي _ رحمه الله _ فحرره من الاستعمار الصليبي.
إن تدويل القدس كلياً أو جزئياً اتجاه يرفضه الإسلام وترفضه شعوبه في قارات الأرض كلها.
إن أكثر من سبعمائة مليون مسلم يطالبون بعودة فلسطين والقدس وكل الأراضي المغتصبة إلى السيادة الإسلامية.
المسلمون في الفيليبين:
وهناك قضية اضطهاد المسلمين في الفليبين: ففي الوقت الذي ينعقد فيه مؤتمركم في لاهور يقصف الطيران الكاثوليكي الفليبيني مسلمين الفليبين بالطائرات.
ومع خطبة الافتتاح لو أرسلتم الطرف إلى أرخبيل سولو وغيره في الفيليبين لوجدتم أجساد الموحدين _ رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً _ محترقة في العراء. .وبين أطلال البيوت المحطمة والمساجد المهدمة.
إن جمعية الإصلاح الاجتماعي تناشدكم الله أن تقفوا وقفة رجل واحد في وجه حكومة الفيليبين لوقف حرب الإبادة ضد المسلمين ومطالبتها بمنح الحكم الذاتي لهم. . فلقد ثبت بالوقائع الدامية أن الحكومة الكاثوليكية تستغل شكلها الرسمي لمحو الإسلام من الفليبين.
إن المقاطعة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية من قبل المؤتمرين جميعاً لها أثر فعال بالإبقاء على حياة المسلمين في الفيليبين أهل البلاد الأصليين. . وتشعر أن إخوانهم في العقيدة يقفون إلى جانبهم.
وهناك قضية التبشير النصراني، وغزوه المستمر للعالم الإسلامي على نطاق واسع منظم يتمثل بمدارسه وهيئاته ومستشفياته ورجاله الذين يبثهم في العالم الإسلامي.
إن إندونيسيا تتعرض لحملات تبشير واسعة النطاق تستخدم فيها الأساطيل البحرية والجوية، وفي الحبشة، والسنغال،. ومصر، والسودان، وتونس، وباكستان، والخليج العربي، واليمن،. ولبنان وغيرها.. غزو تبشيري خطير مدعم بالمال والرجال يستهدف العقيدة الإسلامية.
إن مقاومة هذا التبشير تتطلب الجهود والأموال والدعاة والإمكانيات والأجهزة.
والعمل الجماعي أفضل من العمل الذي تقوم به كل دولة على حدة.
إن هذه المشكلة تستحق تشكيل لجنة خاصة مزودة بكل الإمكانات. . . تقاوم التبشير بجدارة وكفاءة وإخلاص.
وهناك قضية الحريات العامة. . فالإسلام لا ينتعش ودعاته لا يستطيعون الانطلاق الكامل إلا في جو الحرية، ومناخها الآمن.
ويرتبط بقضية الحريات العامة إطلاق سراح دعاة الإسلام ورجاله المعتقلين والمسجونين في كل وطن إسلامي.
وهناك قضية التنمية والانتعاش الاقتصادي؛ فقد تحكمت القروض الأجنبية في مقادير العالم الإسلامي.
فعبر القرض جاء الغزو العقائدي، والسيطرة السياسية والاقتصادية، وليس من المستطاع تحرير المسلمين بغير النهضة الشاملة والتنمية الكاملة، في قطاعات الزراعة والصناعة والعلم والتقنية.
والعالم الإسلامي لا يشكو فقراً؛ ولكنه يشكو سوء توزيع ثرواته.
ولا يشكو ندرة الخبرة الفنية. . ولكنه يشكو هجرتها.
إن قيام تعاون اقتصادي بين دول العالم الإسلامي يحرر هذا العالم من السيطرة الأجنبية وينعش اقتصاديات المسلمين في كل مجال.
أيها الملوك والرؤساء في مؤتمر لاهور:
إن مسؤوليتكم أمام الله عظيمة.
وإن الأمانة بين أيديكم جد خطيرة.
نناشدكم التوصل إلى نتائج إيجابية في مؤتمركم. . نتائج لا تفقد المسلمين الثقة بالتجمعات الإسلامية الرسمية، وتحقق خطوات إيجابية في طريق الوحدة الإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . .
جمعية الإصلاح الاجتماعي
في الكويت.
بين الكتب
إعداد العلاقات العامة
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد وضعت عقوباتها لمحاربة الجريمة والإجرام؛ فإن هذا وحده لا يكفي لإثبات صلاحية الشريعة وتفوقها على القوانين الوضعية، وإنما يجب أن يثبت بعد ذلك أن هذه العقوبات كافية للقضاء على الإجرام. إذ العبرة في هذا الأمر ليست بالوسائل أو الغايات، وإنما العبرة بكفاية الوسائل لإدراك ما وضعت له من غايات، والقوانين الوضعية نفسها قد قصدت لمحاربة الإجرام والجريمة ووضعت عقوبات معينة لهذا الغرض، ولكنها فشلت في القضاء على الإجرام، والتجربة وحدها هي التي تبين قيمة الأنظمة الجنائية. ولا عبرة بالمنطق المزوق الذي يصح مرة ويخيب أخرى ولست آتي بجديد حين أقول هذا، وإنما أكرر ما قاله علماء القوانين الوضعية مجتمعين في اتحاد القانون الدولي حيث قرّروا أن أحسن نظام جنائي هو الذي يؤدي عملاً إلى نتائج أكيدة في كفاح الجريمة وأن التجارب هي وحدها الكفيلة بإبراز هذا النظام المنشود.
ولقد أبرزت التجارب الحديثة أحسن الأنظمة الجنائية، وتبين أن هذا النظام المنشود هو الشريعة الإسلامية، وكانت التجارب التي امتحنت فيها عقوبات الشريعة على نوعين: كلية وجزئية.
فأما التجربة الكلية فقد بدئت في الحجاز من حوالي عشرين عاماً [1] حيث طبقت الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً، ونجحت نجاحاً منقطع النظير في القضاء على الإجرام وحفظ النظام والأمن، ولا يزال الناس يذكرون كيف كان الأمن مختلاً في الحجاز بل كيف كان الحجاز مضرب الأمثال في كثرة الجرائم وشناعة الإجرام؛ فقد كان المسافر فيه كالمقيم لا يأمن على ماله ولا على نفسه في بدو أو حضر في نهار أو ليل، وكانت الدول ترسل مع رعاياها الحجاج قوات مسلحة لتأمين سلامتهم ورد الاعتداء عنها. وما كانت هذه القوات الخاصة ولا القوات الحجازية بقادرة على إعادة الأمن وكبح جماح العصابات عن سلب الحجاج أو الرعايا الحجازيين وخطفهم والتمثيل بهم. وظل حماة الأمن في الحجاز عاجزين عن حماية الجمهور حتى طبقت الشريعة الإسلامية فانقلبت الحال بين يوم وليلة وساد الأمن بلاد الحجاز وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين وانتهى عهد الخطف والنهب وقطع الطريق وأصبحت الجرائم القديمة أخباراً تروى فلا يكاد يصدقها من لم يعاصرها أو يشهدها، وبعد أن كان الناس يسمعون أشنع أخبار الإجرام عن الحجاز أصبحوا يسمعون أعجب الأخبار عن استتباب الأمن والنظام، فهذا يفقد كيس نقوده في الطريق العام فلا يكاد يذهب إلى دار الشرطة حتى يجد كيسه كما فقد منه معروضاً للتعرف عليه، وهذا يترك عصاه في الطريق فتنقطع حركة المرور حتى تأتي الشرطة لرفع العصا من مكانها، وهذا يفقد أمتعته وييأس من ردها ولا يبلغ عنها ولكنه يجد الشرطة يبحثون عنه ليردوا إليه ما فقد منه، وبعد أن كان الأمن يعجز عن حفظه قوات عسكرية عظيمة من الداخل وقوات عسكرية كبيرة من الخارج أصبح الأمن محفوظاً بحفنة من الشرطة المحليين.
تلك هي التجربة الكلية الكاملة وكفى بها دليلاً على أن النظام الجنائي في الشريعة الإسلامية يؤدي عملاً إلى قطع دابر الجريمة وأنه النظام الذي يبحث عنه ويتمناه اتحاد القانون الدولي.
أما التجربة الجزئية فقد قامت بها إنجلترا وأمريكا ومصر وبعض الدول الأخرى ثم قامت بها أخيراً كل دول العالم تقريباً وقد نجحت هذه التجربة الجزئية أيضاً نجاحاً منقطع النظير.
وقد سمينا هذه التجربة بالتجربة الجزئية لأنها جاءت قاصرة على عقوبة واحدة من عقوبات الشريعة وهي عقوبة الجلد. فإنجلترا تعترف بالجلد عقوبة أساسية في قوانينها الجنائية والعسكرية، ومصر تعترف بها في قوانينها العسكرية، وأمريكا وبعض الدول تجعل الجلد عقوبة أساسية في الجرائم التي يرتكبها المسجون، ثم جاءت الحرب الأخيرة فقررت كل الدول تقريباً عقوبة الجلد على جرائم التموين والتسعير وبعض الجرائم الماسة بالنظام أو الأمن العام. وهذا اعتراف عام عالمي بأن عقوبة الجلد أفضل من أية عقوبة أخرى، وأنها الوحيدة التي تكفل حمل الجماهير على طاعة القانون وحفظ النظام، وأن كل عقوبات القوانين الوضعية لا تغني عن عقوبة الجلد شيئا في هذا الباب. وهذا الاعتراف العالمي هو في الوقت نفسه اعتراف بنجاح الشريعة الإسلامية في محاربة الجريمة؛ لأن عقوبة الجلد هي إحدى العقوبات الأساسية في الشريعة.
عن كتاب: التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي
للدكتور الشهيد عبد القادر عودة رحمه الله
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
أي حين كتب المؤلف هذا الفصل من كتابه النفيس، وظاهر أن تطبيق الشريعة في الحجاز بدأ منذ فتح الملك عبد العزيز آل سعود مكة والمدينة عام 1345.
من أعلام المحدثين
أبو الحسن الدارقطني 306 - 385 هـ
للشيخ عبد المحسن العباد: نائب رئيس الجامعة الإسلامية
نسبه:
هو على بن عمر بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله، هكذا نسبه ابن السبكي في طبقات الشافعية، وابن كثير في البداية والنهاية، وقبلهما الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
كنيته ونسبته:
كنيته أبو الحسن واشتهر بالدراقطني نسبة إلى دار القطن محلة ببغداد.
ولادته:
ولد الدارقطني سنة ست وثلاثمائة.
ممن روى عنهم:
سمع الدارقطني أبا القاسم البغوي وأبا بكر بن أبي داود ويحيى بن صاعد وبدر بن الهيثم القاضي وأحمد بن إسحاق بن البهلول وعبد الوهاب بن أبي حية والفضل بن أحمد الزبيدي وأبا عمر محمد بن يوسف القاضي وأحمد ابن قاسم وأبا سعيد العدوي ويوسف ابن يعقوب النيسابوري وأبا حامد بن هارون الحضرمي ومحمد بن نوح الجنديسابوري وأحمد بن عيسى بن السكين البلدي وإسماعيل بن العباس الوراق وإبراهيم بن حماد القاضي وعبد الله بن محمد بن سعيد الجمال وأبا طالب أحمد بن نصر وغيرهم.
ممن رووا عنه:
روى عنه أبو نعيم الأصبهاني وأبو حامد الاسفرائيني الفقيه وأبو عبد الله الحاكم وعبد الغني بن سعيد المصري وتمام الرازي وأبو بكر البرقاني وأبو ذر الهروي وأبو محمد الخلال وأبو القاسم التنوخي وأبو طاهر بن عبد الرحيم الكاتب والقاضي أبو الطيب الطبري وأبو الحسن العتيقي وحمزة السهمي وأبو الغنائم بن المأمون وأبو الحسن بن المهتدي بالله وأبو محمد الجوهري وغيرهم.
رحلته في طلب الحديث:
قال الذهبي في التذكرة: وارتحل في كهولته إلى مصر والشام. وفي طبقات الشافعية لابن السبكي: روى عن خلق كثير ببغداد والكوفة والبصرة وواسط ورحل من الكوفة إلى الشام ومصر.
من ثناء الأئمة عليه:
وقد اتفقت كلمة أهل العلم على الثناء عليه، وبيان عظم منزلته، وخدمته التامة للسنة، رواية ودراية. قال فيه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد:"وكان فريد عصره وقريع دهره ونسيج وحده وإمام وقته انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث، منها القراءات؛ فإن له فيها كتابا مختصا موجزا، جمع الأصول في أبواب عقدها في أول الكتاب، وسمعت بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول: "لم يسبق أبو الحسن إلى طريقته التي سلكها في عقد الأبواب المقدمة في أول القراءات، وصار القراء بعده يسلكون طريقته في تصانيفهم ويحذون حذوه". ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء؛ فإن كتاب السنن الذي صنفه يدل على أنه كان ممن اعتنى بالفقه لأنه لا يقدر على جمع ما تضمنه ذلك الكتاب إلا من تقدمت معرفته بالاختلاف في الأحكام. وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الاصطخري، وقيل بل درس الفقه على صاحب لأبي سعيد، وكتب الحديث عن أبي سعيد نفسه. ومنها أيضا المعرفة بالأدب والشعر، وقيل إنه كان يحفظ دواوين جامعة من الشعراء وسمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق يقول: "كان أبو الحسن الدارقطني يحفظ ديوان السيد الحميدي في جملة ما يحفظ من الشعر فنسب إلى التشيع لذلك".
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الإمام شيخ الإسلام، حافظ الزمان، الحافظ الشهير"، وقال ابن كثير المتوفي سنة 774 في البداية والنهاية:"الحافظ الكبير أستاذ هذه الصناعة قبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع الكثير وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد وكان فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديل وحُسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والاطلاع التام في الرواية، له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله، وله كتاب العلل بيّن فيه الصواب من الدخل، والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل، وكتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابذة الجياد، وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد، وكان من صغره موصوفا بالحفظ الباهر والفهم الثاقب والبحر الزاخر جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس: إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ. فقال الدارقطني: فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر ثم قال له الرجل: أتحفظ كم أملى حديثا؟ فقال: إنه أملى ثمانية عشر حديثا؟ إلى الآن، والحديث الأول منها عن فلان عن فلان ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئا، فتعجب الناس منه وقال: "قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: "لم يرَ الدارقطني مثل نفسه". وقال ابن الجوزي: "وقد اجتمع له مع معرفة الحديث العلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعدالة وصحة العقيدة"، وفي تذكرة الحفاظ للذهبي قال الحاكم: "صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع وإماما في القراء والنحويين وأقمت في سنة سبع وستين -أي وثلاثمائة- ببغداد أربعة أشهر وكثر اجتماعنا فصادفته فوق ما وصف لي وسألته عن العلل
والشيوخ، وله مصنفات يطول ذكرها، فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله".
وقال أبو ذر الهروي: "قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم يرَ مثل نفسه فكيف أنا".
وكان عبد الغني بن سعيد المصري إذا ذكر الدارقطني قال: أستاذي. وفي تاريخ بغداد قال القاضي أبو الطيب الطبري:"كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث وما رأيت حافظا ورد بغداد إلاّ مضى إليه وسلم له". يعني فسلم له التقدمة في الحفظ وعلو المنزلة في العلم.
وقال عبد الغني بن سعيد المصري: "أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: علي ابن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، وعلي بن عمر الدارقطني في وقته".
وقال ابن العماد في شذرات الذهب: "الحافظ الكبير شيخ الإسلام إليه النهاية في معرفة الحديث وعلومه وكان يدعى فيها: أمير المؤمنين".
وقال العراقي في طرح التثريب: "وكان أحفظ أهل زمانه، صنف السنن والعلل والمؤتلف والمختلف وغير ذلك".
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: "الحافظ المشهور كان عالما حافظا فقيها على مذهب الإمام الشافعي"، وقال:"وانفرد بالإمامة في علم الحديث في عصره ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه"، وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية:"الحافظ المشهور الاسم صاحب المصنفات إمام زمانه وسيد أهل عصره وشيخ أهل الحديث".
آثاره:
وقد ترك الدارقطني بعده للأمة الإسلامية كتباً قيمة، ألفها وأحسن في تأليفها، وقد أثنى كبار المحدثين وجهابذتهم على هذه الكتب، فمنها كتاب العلل الذي قال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ:"وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام فطالع العلل له فإنك تندهش ويطول تعجبك".
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "له كتابه المشهور- يعني السنن - من أحسن المصنفات في بابه لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلاّ من استمد من بحره وعمل كعمله، وله كتاب العلل بيّن فيه الصواب من الدخل، والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل، وكتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابذة الجياد وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد".
ومن مؤلفاته الكثيرة النافعة:
1-
كتاب السنن وهو مطبوع.
2-
كتاب العلل الذي نوه به الذهبي وابن كثير في كلامهما المتقدم.
3-
كتاب أحاديث الموطأ وذكر اتفاق الرواة عن مالك واختلافهم وزيادتهم ونقصهم وهو مطبوع. وهو أيضا مخطوط في المكتبة الظاهيرية بدمشق ورقمه 525 حديث.
4-
كتاب الضعفاء والمتروكين، وهو من مخطوطات الظاهرية بدمشق في المجموع رقم 124.
5-
أخبار عمرو بن عبيد المعتزلي وكلامه في القرآن وإظهار بدعته، وهو من مخطوطات الظاهرية بدمشق في المجموع رقم 106.
6-
كتاب المؤتلف والمختلف يوجد منه الجزء الثاني في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة تحت رقم 843 فهرس التاريخ.
7-
رجال البخاري ومسلم يوجد مخطوطاً في الآصفية بجيد أباد وصورته في معهد المخطوطات بالقاهرة رقم 1062 فهرس التاريخ.
8-
كتاب الأفراد يوجد بعضه مخطوطاً في ظاهرية دمشق في المجموع رقم 35 و 56.
9-
كتاب في التصحيف، قال عنه أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث ص 252:"هذا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ والدارقطني منهم وله فيه تصنيف مفيد".
10-
كتاب في الذين رووا عن الشافعي الحديث، قال أبو إسحاق الشيرازي في كتابه طبقات الفقهاء ص104:"وأما من روى عنه الحديث فخلق كثير ذكرهم الدارقطني في جزءين".
11-
كتاب الاستدراك على الصحيحين.
وفاته:
توفي الدرقطني يوم الخميس لثمان خلون من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة أرخه بهذا ابن السبكي وقال: "قال أبو نصر بن ماكولا: رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة فقيل لي: ذلك يُدعى في الجنة الإمام".
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: "توفي يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة، وقيل ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ببغداد، وصلى عليه الشيخ أبو حامد الاسفرائيني الفقيه المشهور ودفن قريبا من معروف الكرخي في مقبرة باب حرب رحمه الله".
ممن ترجم له:
1-
ترجم للدارقطني الحافظ الذهبي في العبر3/28، وفي تذكرة الحفاظ 3/199.
2-
ابن كثير في البداية والنهاية 11/317.
3-
السمعاني في الأنساب 217 مخطوط.
4-
الخطيب في تاريخ بغداد 12/34.
5-
ابن العماد في شذرات الذهب 3/116.
6-
ابن خلكان في وفيات الأعيان 2/459.
7-
ابن الأثير في اللباب 1/404.
8-
ابن السبكي في طبقات الشافعية 2/310.
9-
الخطيب التبريزي في الإكمال 3/805 آخر المشكاة.
10-
العراقي في مقدمة طرح التثريب 1/86.
11-
صديق خان في التاج المكلل82.
12-
عمر كحالة في معجم المؤلفين 7/157.
من الصحف والمجلات
إعداد العلاقات العامة
في بلغاريا ما يقارب المليون ونصف المليون من المسلمين يشكلون نسبة تزيد على 15% من مجموع السكان البالغ ثمانية ملايين نسمة. وقد قضى بعضهم نحبه بسبب صمودهم على عقيدتهم. ولكن مائة وخمسين ألفاً من مسلمي بلغاريا ليسوا من أصل تركي وهم (البرماك) والبوماك هم الهدف الرئيسي لمحاولات النظام لقمع الإسلام وهم موجودون بصورة رئيسية في جبال (رودب) في جنوب غرب بلغاريا حيث صمدوا في وجه الاهتمام الصارم الذي بذلته دائرة النشاط والدعاية في الحزب الشيوعي في المنطقة.
ويقول فاسيل زنفوف: "إن الإسلام هو عقبة في وجه التربية الشيوعية للشعوب العاملة"، وأعلن نيكولاي ميزوف في صحيفة الإسلام في بلغاريا، وهي نشرة صدرت عام 1966 تهدف إلى تحويل المسلمين عن دينهم. "إن الإسلام يشمل من مظاهر الحياة الفردية والعائلية لأتباعه أكثر بكثير مما تشمله المسيحية"وجاء في دراسة نشرها في صحيفة (نارودنا كولتورا) التي صدرت في صوفيا في كانون الثاني (يناير) عام 1966 م إن ذلك هو أيضاً الأساس لدراسة الإسلام وكذلك للنضال من أجل إزالته.
ولقد أوجز غابوروف السكرتير - الأول للحزب الشيوعي في تركستان السوفياتية - مخاوف كل من موسكو وصوفيا عندما اشتكى من سوء نوع العمل الدعائي.
"إن عدد الناس الذين يمارسون الشعائر الدينية لا يتدنى في جمهوريتنا ولذا فلا بد من كفاح حثيث وعنيد ضد حاملي بقايا جراثيم الماضي، فالديانة الإسلامية لا يمكن إلا أن تكون مصدر قلق لنا؛ وذلك نتيجة لميزاتها الخاصة، وكما هي الحال في الديانات الأخرى فإن الإسلام يكتسب عادة دور (الحافظ) على العادات الوطنية الرجعية والتقاليد ويثير مشاعر وطنية اقتصادية معتمداً الوطنية كغطاء". (توركمنكا يا أيسكرا 3نيسان إبريل عام 1973) .
(عن مجلة المجتمع الكويتية - العدد 186 محرم 1394هـ)
دعت الخطة الخمسية الأولى في (بنجلاديش) إلى جعل الإجهاض عملاً مشروعاً ودعت إلى فرض عقوبات على كل من ينجب أكثر من طفلين؟.
لأول مرة منذ خمسين سنة في المدارس الابتدائية والمتوسطة في تركيا يفرض درس الدين كمادة إجبارية على الطلاب. . . وقد لاقى هذا القرار استحساناً كبيراً لدى الشعب التركي المسلم. . . وكان أول ثمرة لفوز حزب السلامة الوطني.
(عن مجلة المجتمع الكويتية - العدد 189 صفر 1394) .
مقتطفات من كتاب
الكنز المَرصود في قواعد التلمود (2)
ترجمه من اللغة الفرنساوية الدكتور: يوسف حنا نصْر الله
القسم الأول: عقائد اليهود بحسب التلمود
للدكتور روهلنج المدرس في مدرسة براج في فرنسا
الكتاب الأول: في معلومات عموميات
الفصل الأول: التلمود
أخذ الربيون والحاخامات تعاليمهم ومبادئهم عن الفريسيين الذين كانوا متسلطين على الشعب أيام المسيح، يحضونه على اتباع ظواهر شريعة موسى، ويحفظون لأنفسهم تفسير التقليدات المتصلة إليهم.
وبعد المسيح بمائة عام وخمسين خاف أحد الحاخامات المسمى يوضاس أن تلعب أيدي الضياع بهذه التعاليم، فجمعها في كتاب سماه (المشنا) .
وكلمة مشنا، معناها الشريعة المكررة لأن شريعة موسى المرصودة في الخمسة كتب التي كتبها مكررة في هذا الكتاب. أما الغرض من المشنا فهو إيضاح وتفسير ما التبس في شريعة موسى، وتكملة الشريعة على حسب ما يدعون وقد زيد في القرون التالية على كتاب المشنا الأصلي شروحات أخرى صار تأليفها في مدارس فلسطين وبابل.
ثم علق علماء اليهود على المشنا حواشي كثيرة وشروحات مسهبة دعوها باسم (غاماراة) . فالمشنا المشروحة على هذه الصورة مع الغاماراة كونت التلمود فكلمة التلمود معناها: كتاب تعليم ديانة وآداب اليهود.
وهذه الشروحات مأخوذة عن مصدرين أصليين:
(أحدهما) المسمى بتلمود أورشليم، وهو الذي كان موجوداً في فلسطين سنة (230) .
(وثانيهما) تلمود بابل وهو الذي كان موجوداً بها سنة (500) بعد المسيح ولا يحتوي على أقل من أربع عشرة ملزمة. وهو تارة يكون بمفرده وأخرى مضافاً مع المشنا وتلمود بابل. وهو المداول بين اليهود والمراد عند الإطلاق.
ويوجد في نسخ كثيرة من التلمود المطبوع في المائة سنة الأخيرة بياض أو رسم دائرة بدلاً عن ألفاظ سب في حق المسيح والعذراء، والرسل كانت مذكورة في النسخ الأصلية. . ومع ذلك لم تخل من طعن في المسيحيين. فإنه يُستفاد من الشروحات أن كل ما جاء في التلمود بخصوص باقي الأمم غير الأمة اليهودية كلفظ (أميين، أو أجانب، أو وثنيين،) المراد منها المسيحيين.
ولما أطلع المسيحيون على هذه الألفاظ هالهم الأمر، وتذمروا ضد اليهود فقرر المجمع الديني لليهود وقتئذ في مدينة بولونيا سنة 1631 أنه من الآن فصاعداً تترك محلات هذه الألفاظ على بياض أو تعويض بدائرة على شرط أن هذه التعاليم لا تعلم إلا في مدارسهم فقط فيشرحون للتلميذ مثلاً أن المسيحيين مجبولون على الخطايا ولا يجب استعمال العدل معهم ولا محبتهم أصلا!!
وقال (المحامي هارت روسكي) أنه يوجد كثير من اليهود لم يطلعوا على التلمود ولم يعلموا ما فيه. ولكن من اطلع منهم يعتقد أنه كتاب منزل، ويبذل الجهد في نشر قواعده المضرة بين أبناء جنسه، وهؤلاء يبجلونها ويستعملونها في الغالب.
وقد اعتني بطبع التلمود طبعات مختلفة. والمستعمل منها هي النسخ التي طبعت منها في مدينة البندقية وهي الطبعة الكاملة. أما ما طبع في مدينة (أمستردام) في سنة (1644) ، وفي (سلزباج) سنة (1769) وفي (فارسوفيا) سنة (1863) وفي مدينة (براغ) سنة (1839) فكلها مشطورة وما لم يذكر من الألفاظ السالفة الذكر إلا في النسخ المطبوعة في مدينة البندقية يشيرون إليه في باقي النسخ بلفظة (بند) ، أي أن ما هو محذوف في هذه النسخة موجود في النسخ المطبوعة في مدينة البندقية، فعليك بمراجعتها.
ندوة الطلبة
أضغاث أحلام
بقلم: محمد محمود جاد الله: الطالب بكلية الشريعة بالجامعة
يا إخوتي ما القول في الأمر.
في موثق يختال في الأسرِ.
في هذه الدنيا بزخرفها.
من حولنا في ثوبها المغرى.
نحيا بها فتظل تفتننا.
وتميتنا من حيث لا ندري.
والمرء يمضي نحو غابته.
حتى يوارى ظلمة القبر.
ونخالها في أوج زينتها.
دنيا البقاء وصحبة الدهر.
ولكم سبانا حسن مظهرها.
وفؤادها قد قُدّ من صخر.
إنْ أقبلت فالغي موردها.
أو أدبرت فالخير في الصبر.
ولو أنها نصفو لساكنها.
أو أنها تبقى لذي مكر.
لرأيتنا نزداد في نَهَمٍ.
ولأمعن الإنسان في الكبر.
لكنها وكما علمت رؤىً.
نقتاتُ أطيفها مدى العمرِ.
أضغاث أحلام تعاودنا.
ونحبها في العسر واليسر.
ما الناس فيها غير مرتقبٍ.
هماً يلوح وكُربة تفري.
دنيا الشقاء بكل رونقهاً.
دنيا الفناء بعيشها المر.
أيامنا تسعى لغايتها.
وهي التي انكشفت لذي خُبْر.
فاللهُ يرقبنا ويرصُدنا.
ويميز ما في السر والجهر.
وطريقنا لله قد وضحت.
بالسنة الغراء والذكر.
وإلهنا الرحمن ألْهمنا.
دربين درب الخير والشر.
فلنتبع أهداهما نَهَجاً.
سبل الهدى مضمونة الأجر.
والشر درب ضل سالكه.
يا بؤسه في موقف الحشرِ.
فالله ثم اللهَ في جسدٍ.
لا يستطيع تحمل الجمر.
والخيرُ كل الخيرِ في عملٍ.
يُدنيك من جناته الخُضرِ.
أهمية صلاة الاستسقاء في الإسلام والاستغاثة المشروعة
للطالب محمد عزيزو المغربي: الطالب بالمعهد الثانوي بالجامعة
لقد أعلن جلالة الملك فيصل حفظه الله وأطال عمره لخدمة الإسلام والمسلمين، عن إقامة صلاة الاستسقاء في أنحاء المملكة نظراً لتأخر نزول المطر، وسمع الناس النداء الملكي عن طريق الإذاعة والتلفزيون وفي المساجد، وعُيّن اليوم المشهود لذلك. ولكن مع كامل الأسف والحسرة تخلف الكثير من المسلمين وكأن الأمر لا يعنيهم. ففُتحت المتاجر وعُرضت السلع والبضائع أمام مرأى المارين الممتثلين الأمر والقاصدين المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. هذا المسجد العظيم الذي لم يمتلئ يوْمَها. وكان ينبغي أن يعمره المسلمون فيضيق بهم. وما ذلك التخلف إلا لجهلهم بحكمة وشدة حاجة الملة إلى هذه الشعيرة التعبدية العظيمة.
والاستسقاء هو طلب السقي أو الماء أو الغيث كما سماه الله تعالى في كثير من آيات كتابه العزيز. ولا يُطلب الغيث إلا من المغيث سبحانه وتعالى الذي يقدر وحده على إنزاله. وليس إنزال المطر مجرّد بُخار البحر تحت تأثير حرّ الشمس كما تدعيه عقولٌ مؤمنةٌ بالطبيعة إيماناً أعمى وكافرةٌ وجاحدةٌ لوجود الله، خالق الكون كله ورب العالمين. ثم هذه الطبيعة من خلقها وأوجدها؟ وهل تسمع وتبصر وتعطي وتمنع أم هي صمّاء وعمياء عاجزة لا تقدر؟ ولماذا لم تخلق البشر على صورة واحدة وطبع واحد؟ أأخطأت التقدير أم أساءت التدبير؟ أين عقولكم يا قوم؟
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ".
هذا الحديث انفرد به البخاري عن مسلم.
ويقول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} . فسمى الله الغيث رحمة إذ تهتز به الأرض وتربو وتنبت من كل زوج بهيج فتسر الناظرين بعد أن لكانت يابسة ميْتة فينتفع بها الناس والحيوان. والله تعالى ينزل الغيث لحكمة ويؤخره أو يمنعه لأخرى، في الوقت الذي يشاء فيصيب به جهة دون جهة وقوما دون آخرين. ويسلّطه عقاباً أليماً على عباد له عصَوْه وفسقوا عن أمره:{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}
ولا يهمني في عرض هذا الحديث ذكر صفة هذه الصلاة لأن كتب الحديث والفقه هي المرجع الوحيد، بقدر ما يهمني جوهرها. وأعني بالجوهر هو الدعاء والتضرع المشروع فيها، والإنابة والتوبة المرجُوّة منها، والاستقامة على أمر الله ليحصل المقصود منها. أجل إن الدعاء هو العبادة ولُبها. فإن مظهر هذه الصلاة بما فيه من خطبة ووقوف وتحويل للأردية ورفع للأيدي مع الضراعة إلى الله غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، بقلوب منيبة معترفة بالخطأ والتقصير نحو الله جلّ وعلا، نادمة وعازمة على الإقلاع عن المعاصي والمخالفات التي تغضب رب الكائنات _ إذ الغضب صفة من صفاته _ مع عدم الرجوع إلى المنهيات؛ وبذلك تَتِمُ شروط توبتها إلى بارئها. هذا المظهر بمافيه من رفع الأيدي السائلة، والعيون الدامعة الذارفة، والأصوات الخافتة، لَهُوَ صورة حية ناطقة وشاهدة على إعلان العباد الافتقار إلى رحمة الله والاحتياج إلى مغفرة الله. وربنا يحب _ إذ المحبة صفة أخرى من صفاته التي تليق بجلاله وعظيم سلطانه _ أن يرى عبده متذللاً خاضعاً، ومنكسر القلب حياء من الرب. ومتى كان العباد صادقين في الطلب وإخلاص الدعاء له، استجاب لهم ربهم ومالكهم وهذا عام في كل العبادات. مِصْداق هذا قوله تعالى على لسان عبده ورسوله نوح عليه السلام {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا} . الآية.. . وقوله تعالى:{وإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} . وكان السلف الصالح _ رضي الله عنهم _ لا يبرحون مصلاهم حتى تنالهم رحمة الله ويُسقون. وما ذلك الفضل إلاّ لإخلاصهم الدعاء لله تعالى. وإذا أردنا أن نقارن أنفسنا بهم وبمن بعدهم فلا وجه للمقارنة بيننا وبينهم. كم سنزن بجانبهم؟ إذا حاولنا ذاك استصغرنا أنفسنا واحتقرناها وضِعْناَ. فلنستغفر
ربنا ولنتب إليه ولنستقم على دينه وشريعته إننا عندما نصلي صلاة الاستسقاء في المساجد وغيرها، إحياء لهذه السنة الكريمة، تمضي الشهور ولا نرى قطرة من الماء تنزل من السماء، بل قد ينقشع السحاب الذي جلل وغطى السماء ونتوقع منه المطر والسقي إذا أذن له خالقه. وليس هناك فرق بين زماننا وزمان الصدر الأول بالنسبة للمظاهر الكونية بل إن الثابت والمشاهد أن الله تعالى بسط علينا من نعمه ما لم يبسطه عليهم مع تميزهم علينا بتقوى الله وطاعته بالتزام كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، في حين أننا قد هجرنا تحكيم الكتاب والسنة ونبذناهما وراء ظهرنا.
فاللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً.
وبالمناسبة أشرح بإيجاز حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الاستسقاء بالعباس بن عبد المطلب، عم الرسول صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً؛ لأن كثيرا ممن ينتسب إلى العلم، وكل العوام الذين ما حققوا توحيد الله بأنواعه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم علماً ومعرفة فأحرى تطبيقاً _ يغلطون ويغالطون أنفسهم وغيرهم ويحتجون بهذا الحديث _ وبحديث الأعمى الذي جاء يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له ليرد عليه بصره [1]_ يحتجون به في جواز التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم أي بذاته. والحقيقة أنهم ما عقلوا معناه. وإليك أخي المسلم الحائر الجواب، والله الهادي للصواب.
أصاب المدينة _ عام الرمادة _ قحط أجدب الأرض، على عهد الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فاجتمع الناس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقدم عمر أمير المؤمنين، وقد تيقن أنه فقد أغلى كنز وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما دعا الله إلاّ واستجاب له. فتواضعاً منه رضي الله عنه وهو الإمام في الدين والدنيا، التمس أتقى الناس وأخيرهم لأن جلال الموقف وعِظَم الخطب يقتضي ذلك، فعيّن العباس لأنه من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يدعو الله تعالى. فقام العباس رضي الله عنه وتوضأ _ والوضوء وسيلة وعمل صالح تعبدنا الله به إذ هو مكفر للصغائر _ ودعا الله عز وجل، ولتطمئن أخي المسلم من صحة ما بينت لك، إليك هذا النقل الوارد في كتاب فتح الباري شرح البخاري، الجزء الثاني ص396 _ و399 في (باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء) .
"وقد بيّن الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلاّ بذنب ولم يكشف إلاّ بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس". وأخرج من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر بن الخطاب عام الرمادة أن عمر استسقى بالعباس بن عبد المطلب فذكر الحديث. وفيه فخطب الناس عمر فقال: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله". وفيه فما برحوا حتى سقاهم الله. انتهى الحديث.
وورد أيضا: "حدثنا الحسن بن محمد حدثنا ابن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان إذا قُحِطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيُسقوْن". رواه البخاري.
قلت: قوله: "اللهم إنا كنا نستسقي بنبينا فتسقنا": أي بدعاء نبينا وهو صلى الله عليه وسلم حي يتلقى الوحي وبدليل أنه كان يدعو الله ويتضرع إليه وهو الذي شرع لنا الدعاء ولو شرع لنا غيره لما وسعنا إلاّ اتباعه لأنه أعطانا قاعدة جليلة وميزاناً منصفاً: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها.
وقوله: "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"والعباس يومئذ حي يُرزق وقام وتوضأ ودعا. ثم في الحديث محذوف فُهِم من السياق (ودعاء نبينا، ودعاء عم نبينا) . واعلم أخي المتطلع إلى طريق الحق أن التوسل يكون بالأعمال الصالحة المشروعة وبالدعاء. وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناصح الأمين، إيضاح ذلك في حديث الثلاثة نفر الذين آواهم المبيت إلى غار في الجبل فانحدرت صخرة من أعلى الجبل فسدت عليهم الغار إلى آخر الحديث [2] .
وأما الوسيلة التي يدافع عنها بعضهم ويعادي فيها _ حتى في موسم الحج وقد جاء لمغفرة الذنوب وتصحيح العقيدة في مهبط الوحي ومهد أنصار السلفية _ وهي التوسل بذوات الأموات والأحياء فهي غير مشروعة من هنا نعلم أنها باطلة لا تجدي نفعاً.
وأما المشروعة هي أن تقول: اللهم إني أتوسل إليك وأتقرب إليك بإيماني بنبيك، وأنت مؤمن به، أو تقول: بمحبتي لنبيك وأنت تحبه، بأتباعي لنبيك وأنت صادق تتبعه.
وفي الحديث [3] الذي رواه المقدسي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
وفقني الله والمسلمين لمعرفة الحق واتباعه.
وختاماً أخي المؤمن، إن وجدت قوماً قد ساقوا إبلاً أو أبقاراً أوخرفاناً أو غيرها إلى قبر أو حجر لذبحها عنده، زعماً منهم أنهم بذلك يرضون الله ويعملون عملاًصالحاً، فانصحهم وبيّن لهم عدم مشروعية ما يصنعون، وامنعهم وردهم على أعقابهم إن استطعت إلى ذلك سبيلاً. وإياك أن تشاركهم أو تحضر معهم تكثيراً لسوادهم فإن ذلك من شهادة الزور. وعباد الرحمن _كما تعلم عن ربك في كتابه القرآن الكريم _لا يشهدون الزور.
واعلم أن الله تعالى إن أنزل الغيث في تلك الساعة أو بعدها فإنما يريد أن يبتلي إيمانهم ويُمحص قلوبهم، وليس إنزاله المطر استجابة لما قدموا من عمل الجاهلية، أو يريد أن يزيدهم ضلالاً على ضلالهم لتعلقهم بأصحاب القبور وغيرهم ولصرفهم العبادة إلى غيره، إن عَلم سبحانه وتعالى في قلوبهم إعراضاً عن توحيده وإخلاص العبادة له وحده، وإقبالاً على غيره خوفاً وطمعاً ورهبة ورجاء، فتزهق أواحهم وهم كافرون. فنعوذ بالله من الشرك بأنواعه. وربك لا يظلم أحداً، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ} من سورة الأنفال.
الله أسأل أن يصلح أحوال المسلمين ويوفقهم للعمل بالكتاب والسنة؛ فهما النجاة من نقمة الجبار وفيهما السعادة العاجلة والآجلة. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
راجع الحديث في باب الدعوات للترمذي.
[2]
أنظر صحيح البخاري في باب البيوع رقم 98 وانظر الفتح الجزء السادس ص367.
[3]
رواه الإمام المقدسي في كتاب الحجة على تارك المحجة بإسناد صحيح حسب ما ذكره النووي.
وداعاً. . يا أماه!
بقلم سفر بن عبد الرحمن الحوالي
الطالب بكلية الشريعة بالجامعة
سكن الوجود ولم تنم عيناه.
ومضى الهزيع وحظه ينعاه.
في خيمة نصب الشقاء حبالها.
والهمّ فيها قد أطال سراه.
والنجم في نهر المجرة خافق.
كفؤاده حين ادّكار أساه.
واساه في السهر الطويل وليته.
فيما أصاب فؤاده واساه.
يتذكر الخطب الأليم إذا غفا.
فتشب نار الحزن من ذكراه.
خطب ألمّ وما أشد خطوبه.
سرقت عليه شبابه وصباه.
والرعب يعشي ناظريه وقد بدت.
تلقاءه أشباحه ورؤاهُ.
لا صبر لا سلوان يربط قلبه.
لا صاحبٌ يشكو إليه نواه.
لم يبق غير حنان أمٍ برة.
من بعد ما قتل العداة أباه.
مسحت بأنملها الرقيقة دمعه.
وبكت بحزن لا يُحدّ مداه.
وتوسّلت: نم يا بني، وما مضى.
ولّى وآن الآن أن تنساه.
فتنهد القلب المعذّب قائلاً.
كُفّي _ هداكِ الله _ يا أماه.
هل تذكرين سقوط مسجد قريتي.
وبه أُبينت أذرعٌ وجباه.
أو تذكرين القدس كنت أزورها.
واليوم طافت حولها الأشباه.
أو تذكرين الكوخ: كوخ جدودنا.
إذ أضرم الأعداء فيه لظاه.
أو تذكرين النهر: نهر حقولنا.
إذ غيّروا عن أرضنا مجراه.
أماه، هل أنسى رفاق طفولتي.
في موطنٍ تحنو عليّ رباه.
إذ نحن نجني من زهور حقوله.
ونبل أنفسنا ببرد نداه.
ونسير والأفراح تكتنف الربّا.
ما بين لطف نسيمه وصباه.
ونظل بين رياضه ومياهه.
تشدو القلوب وتنشد الأفواه.
لا والذي بالقدس شرف أرضه.
ما كان لي يا أمّ أن أسلاه.
لا والذي بالطهر أنقى تربه.
ما كنت أرضى أن يُداس حماه.
كم في خيام الذل من فتياننا.
من ناله ما نالني ودهاه.
لكنني عفت الحياة مشرداً.
ورضيت درباً لا أريد سواه.
لا تمسحي دمعي ولكن ودّعي.
بطلاً يُبارك ربه مسعاه.
لا تجزعي فلقد يطول غيابه.
عن مقلتيك وتختفي رؤياه.
وإلى اللقاء لدى الإله وخلده.
في عالم الأرواح يا أماه.
…
ومضى الفدائي الشهيد لربه.
عجلاً إليه كي ينال رضاه.
((كلام العرب))
قال عتبة بن أبي سفيان: "إن للعرب كلاماً هو أرق من الهواء. وأعذب من الماء. مرق من أفواههم مروق السهام من قسيّها، بكلمات مؤتلفات، إن فسرت بغيرها عطلت، وإن بدلت بسواها من الكلام استصعبت، فسهولة ألفاظهم توهمك أنها ممكنة إذا سمعت، وصعوبتها تعلمك أنها مفقودة إذا طلبت.
الفتاوى
يتولى الرد على أسئلة القراء سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
رئيس الجامعة الإسلامية
حكم زكاة الحلي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد فقد تكرر السؤال من كثير من الناس عن حكم زكاة الحلي من الذهب والفضة وما ورد في ذلك من الأدلة ولتعميم الفائدة أجبت بما يلي والله الموفق والهادي إلى الصواب.
لاريب أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم وقد دل الكتاب والسنة على وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ، وإذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب والسنة وجدناهما يدلان دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي النساء من الذهب والفضة وإن كانت للاستعمال أو العارية سواءً كانت قلائد أو أسورة أو خواتيم أو غيرها من أنواع الذهب والفضة ومثل ذلك ما تحلى به السيوف والخناجر من الذهب والفضة إذا كان الموجود من ذلك نصاباً أو كان عند مالكه من الذهب أو الفضة أو عروض التجارة ما يكمل النصاب وهذا القول هو أصح أقوال أهل العلم في هذه المسألة والدليل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} .
ومن السنة المطهرة ما ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"، فهذان النصان العظيمان من الكتاب والسنة يعمّان جميع أنواع الذهب والفضة ويدخل المخصص لهذا العموم لو لم يرد إلا العموم في هذه المسألة فكيف وقد ورد في هذه المسألة بعينها أحاديث صحيحة دالة على وجوب الزكاة في الحلي منها ما خرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما "أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتعطين زكاة هذا"قالت: لا، قال:"أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامةسوارين من نار"فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله"، قال الحافظ ابن القطان: إسناده صحيح، وخرج أبو داود بإسناد جيد عن أم سلمة رضي الله عنهما "أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكى فليس بكنز".
ففي هذا الحديث فائدتان جليلتان أحدهما اشتراط النصاب وأن ما لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه ولا يدخل في الكنز المتوعد عليه بالعذاب.
والفائدة الثانية أن كل مال وجبت فيه الزكاة فلم يزك فهو من الكنز المتوعد عليه بالعذاب وفيه أيضاً فائدة ثالثة وهي المقصود من ذكره وهي الدلالة على وجوب الزكاة في الحلي لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت عن ذلك كما هو صريح الحديث، ومن ذلك ما ثبت في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليها فتخات من فضة فقال:"ما هذا يا عائشة؟ "قالت: صنعتهم أتزين لك يا رسول الله، فقال:"أتؤدين زكاتهن؟ "قلت: لا أو ما شاء الله قال: "هو حسبك من النار"، ففي هذه النصوص الدلالة الظاهرة على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة وإن أعدت للاستعمال أو العارية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة والمرأة المذكورة في حديث عبد الله به عمرو ترك زكاة حليهما وهما مستعملتان له ولم يستثن صلى الله عليه وسلم من الحلي شيئاً لا المستعار ولا غيره فوجب الأخذ بصريح النص وعمومه ولا يجوز أن تخصص النصوص إلا بنص ثابت يقتضي التخصيص وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس في الحلي زكاة"، فهو حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ولا يقوى على معارضة وتخصيص هذه النصوص المتقدم ذكرها بل قال الحافظ البيهقي:"إنه حديث باطل لا أصل له"، نقل عنه ذلك الحافظ الزيلعي في نصب الراية والحافظ ابن حجر في التلخيص.
ولتكميل الفائدة نوضح للقارئ نصاب الذهب والفضة حتى يكون على بصيرة فنقول:
أما نصاب الذهب فهو عشرون مثقالاً ومقدار ذلك من العملة الموجودة حالياً من الذهب أحد عشر جنيهاً سعودياً وثلاثة أسباع جنيه لأن زنة الجنيه الواحد بتحرير أهل الخبرة من الصاغة مثقالان إلا ربعاً، وأما نصاب الفضة فهو مائة وأربعون مثقالاً ومقدار ذلك من العملة الفضية الحالية ستة وخمسون ريالاً سعودياً فضة، فمن ملك المبلغ المذكور من الذهب أو الفضة أو ملك من النقود الورقية أو عروض التجارة ما يساوي المبلغ المذكور من الذهب والفضة فعليه الزكاة إذا حال عليه الحول وما كان دون ذلك فليس فيه زكاة، والحجة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"فيما دون خمس أواق صدقة"، والأوقية: أربعون درهماً والدرهم نصف مثقال وخمس مثقال بتحرير أهل العلم والدرهم السعودي الفضي مثقالان ونصف.
فإذا نظرت في زنة الستة والخمسين الدرهم السعودي وجدتها تبلغ خمس أواق وهي مائة وأربعون مثقالاً، ومن الأدلة على ذلك أيضاً ما رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن واللفظ لأبي داود عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب فلك وليس في مال الزكاة حتى يحول عليه الحول". انتهى. والدينار عملة ذهبية وزنته مثقال واحد بتحرير أهل العلم فيكون النصاب من الذهب عشرون مثقالاً كما تقدم والله أعلم
…
س-من الأخ ع. أ.ح -يقول فيه:
امرأة سافرت قبل طواف الإفاضة فما الحكم وهل لزوجها وطؤها؟
والجواب: يلزمها العودة إلى مكة فوراً مع القدرة لأداء طواف الإفاضة لأنه ركن من أركان الحج وإن أحرمت بالعمرة عند وصولها إلى الميقات فذلك أفضل فتطوف للعمرة وتسعى ثم تطوف لحجها السابق ثم تقصر وتحل وإن قدمت طواف الحج على طواف العمرة وسعيها فلا بأس وليس لزوجها وطؤها حتى تطوف طواف الإفاضة لأن الوطء لا يجوز إلا بعد الحل الكامل من الحج وهو لا يحصل إلا بالطواف والسعي لمن عليه سعي والرمي لجمرة العقبة والحلق أو التقصير.
س -من الأخ ح. س. م -يقول فيه:
رجل صائم اغتسل باللي وبواسطة قوة ضغط الماء، دخل الماء إلى جوفه من غير اختياره فهل عليه القضاء؟
والجواب: ليس عليه قضاء لكونه لم يتعمد ذلك فهو في حكم المكره والناسي.
س -من الأخ س. ص.ط -يقول فيه:
امرأة نامت وبجوارها طفلتها وبعد اليقظة وجدتها ميتة فماذا عليها؟
والجواب: إذا كانت لم تتيقن أنها ماتت بسببها فليس عليها شيء؛ لأن الأصل براءة الذمة من الواجبات ولا يجوز أن تشغل إلا بحجة لا شك فيها أما إن تيقنت موتها بسببها فعليها الدية والكفارة لأن هذا القتل في حكم الخطأ والواجب في ذلك عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أما الإطعام فليس له دخل في كفارة القتل.
س -من الأخ ر. أ. ز -يقول فيه:
نرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا عن تعدد الزوجات، وحقوق المرأة في الإسلام.
إن الكتاب والسنة جاءا بالتعدد وأجمع المسلمون على حله، قال الله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} الآية. .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تسع نساء ونفع الله بهن الأمة وحملن إليها علوماً نافعة وأخلاقاً كريمة وآداباً صالحة، وكذلك النبيان الكريمان داود وسليمان عليهما السلام -فقد جمعا بين عدد كثير من النساء بإذن الله وتشريعه، وجمع كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأتباعهم بإحسان، وقد كان التعدد معروفاً في الأمم الماضية ذوات الحضارة وفي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام، فجاء الاسلام وحدد ذلك وقصر المسلمين على أربع، وأباح للرسول صلى الله عليه وسلم -أكثر من ذلك لحكم وأسرار ومصالح اقتضت تخصيصه صلى الله عليه وسلم -بالزيادة على أربع، وفي تعدد الزوجات -مع تحري العدل -مصالح كثيرة، وفوائد كثيرة، وفوائد جمة، منها عفة الرجل وإعفافه عدداً من النساء، ومنها كثرة النسل الذي يترتب عليه كثرة الأمة وقوتها، وكثرة من يعبد الله منها، ومنها إعالة الكثير من النساء والإنفاق عليهن، ومنها مباهات النبي صلى الله عليه وسلم -بهم الأمم يوم القيامة، إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة التي يعرفها من يعظم الشريعة وينظر في محاسنها وحكمها وأسرارها، وشدة حاجة العباد إليها بعين الرضا والمحبة والتعظيم والبصيرة، أما الجاهل أو الحاقد الذي ينظر إلى الشريعة بمنظار أسود وينظر إلى الغرب والشرق بكلتا عينيه معظماً مستحسناً كل ما جاء منهما، فمثل هذا بعيد عن معرفة محاسن الشريعة وحكمها وفوائدها ورعايتها لمصالح العباد رجالاً ونساءاً، وقد ذكر علماء الإسلام أن تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية، ومن رعايتها لمصالح المجتمع وعلاج مشاكله، وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة رغم عداوتهم لها إقراراً بالحق واضطراراً للاعتراف به، فمن ذلك ما نقله صاحب المنار في الجزء الرابع من تفسيره صفحة-360 -عن جريدة (لندن ثروت) بقلم بعض الكاتبات ما ترجمته ملخصاً: (لقد كثرت الشاردات من
بناتنا وعم البلاء وقلّ الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزناً وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعاً إذ لا فائدة إلا في العمل بما ينفع هذه الحالة الرجسة، ولله درّ العالم (توس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة، وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاً وعالة وعاراً على المجتمع الإنساني فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين، ونقل صاحب المنار أيضاً -في صفحة _361 -من الجزء المذكور عن كاتبة أخرى أنها قالت:"لأن تشغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف، والطهارة حيث الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال فما بالنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها"انتهى.
وقال غيره، قال (غوستاف لوبون) :"إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه ويزيد الأسر ارتباطاً وتمنح المرأة احتراماً وسعادة لا تجدهما في أوروبا،.. ."
ويقول برناردشو الكاتب: "إن أوروبا ستضطر إلى الرجوع إلى الإسلام قبل نهاية القرن العشرين شاءت أم أبت".
هذا بعض ما اطلعت عليه من كلام أعداء الإسلام في محاسن الإسلام وتعدد الزوجات، وفيه عظة لكل ذي لب، والله المستعان.
أما سؤالك عن جواز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات أخرى غير العربية؟
فالجواب: أن ذلك جائز لمسيس الحاجة إليها، ولأنه ليس في الأدلة الشرعية ما يمنع ذلك، ولأن ذلك من وسائل التبليغ عن الله ورسوله وهو مأمور به شرعاً، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم -أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليترجم كتبهم للنبي صلى الله عليه وسلم -فدل ذلك على أن جنس الترجمة من العربية وإليها أمر مطلوب عند الحاجة إليه، بشرط أن يكون المترجم عالماً باللغتين أميناً في ذلك.
أما سؤالك عن صحة ما سمعت من أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه -كان اسمه (محمد) ؟
فلا نعلم أن أحداً من أهل العلم قال إنه قد سمي محمد، بل إن اسمه علي من الصغر، ولعلّ هذا القول صدر من بعض الشيعة للتلبيس على المسلمين، وتأييد قول من قال من الرافضة -قبحهم الله ولعنهم -"إن الرسالة كانت لعلي ولكن جبريل خان فصرفها لمحمد".
ونسأل الله تعالى أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه إنه جواد كريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . .
أخبار الجامعة
إعداد العلاقات العامة
* بناءاً على موافقة جلالة الملك المعظم الرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية فقد تقرر أن يعقد المجلس الأعلى الاستشاري للجامعة دورته السادسة في مقر الجامعة ابتداء من يوم السبت الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الثاني عام 94هـ. لبحث بعض الأمور المتعلقة بمصلحة الجامعة ويجيء عقد هذه الدورة بعد مضي خمسة أعوام على دورته السابقة المنعقدة في شهر صفر عام 1389 هـ. وجدير بالذكر أن المجلس الاستشاري يتألف من سماحة رئيس الجامعة - الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رئيساً. وعضوية كل من:
نائب رئيس الجامعة عبد المحسن بن حمد العباد واثنين من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وهما في هذه الدورة فضيلة الشيخ الدكتور سيد محمد الحكيم - الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر والمعار للتدريس بالجامعة الإسلامية وفضيلة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي المدرس بكلية الشريعة بالجامعة، وقد وجهت الدعوة للحضور إلى بقية الأعضاء من خارج الجامعة الإسلامية وعددهم سبعة عشر عضواً هم:
1-
معالي وزير المعارف الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ.
2-
سعادة مدير جامعة الرياض الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الفدا.
3-
فضيلة الدكتور محمد أمين المصري المشرف على قسم الدراسات العليا بمكة المكرمة.
4-
فضيلة الشيخ محمد المبارك المستشار في جامعة الملك عبد العزيز.
5-
فضيلة الشيخ محمد محمود الصواف مستشار وزارة المعارف.
6-
فضيلة الدكتور كامل الباقر الأستاذ بكلية التربية بالرياض.
7-
معالي الشيخ عبد العزيز محمد عيسى وزير شؤون الأزهر.
8-
فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً.
9-
فضيلة الشيخ عبد الله غوشة رئيس قضاة الأردن.
10-
فضيلة الشيخ محمد بهجة الأثري مدير الأوقاف العامة بالعراق سابقا.
11-
فضيلة الشيخ عبد الله العقيل مدير الشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت.
12-
فضيلة الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة عميد الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس.
13-
فضيلة الشيخ مصطفى العلوي مدير دار الحديث الحسنية بالرباط في المغرب.
14-
فضيلة الشيخ أبي الأعلى المودودي رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان.
15-
فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي رئيس جمعية العلماء بلكنو بالهند.
16-
فضيلة الشيخ أبي بكر جومي رئيس قضاء نيجيريا الشمالية.
17-
فضيلة الشيخ محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين سابقاً ورئيس الهيئة العليا لفلسطين.
أكثر من عشر محاضرات عامة تقيمها الجامعة الإسلامية خلال الأشهر الثلاثة الماضية
* حرصاً من المسؤولين في الجامعة على نشر الوعي الإسلامي والثقافة العامة بين طلبة الجامعة وغيرهم، فقد دأبت الجامعة على إقامة محاضرات عامة في مدرسة دار الحديث بالمدينة التابعة للجامعة الإسلامية يحضرها أعداد كبيرة، وقد بدأ الموسم هذا العام في أوائل شهر محرم حيث افتتح بمحاضرة لفضيلة الشيخ عطية محمد سالم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة المنورة وكانت على أثر وفاة العلامة الكبير فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله وموضوعها مع صاحب الفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي نشأته وحياته، وقد نشرت هذه المحاضرة في العدد الماضي من مجلة الجامعة الإسلامية ثم توالت المحاضرات على النحو التالي:
المحاضرة الثانية لفضيلة الشيخ محمد محمد أبو فرحة المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين وموضوعها (الصهيونية ومخططاتها للسيطرة على العالم) .
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري المدرس بكلية الشريعة بالجامعة وموضوعها (هؤلاء هم اليهود فاعتبروا يا أولي الأبصار) .
المحاضرة الرابعة لفضيلة الشيخ محمد المجذوب المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة وموضوعها (النصرانية مصادرها وواقعها) .
المحاضرة الخامسة لفضيلة الشيخ زهير الخالد المدرس في المعهد الثانوي التابع للجامعة، وموضوعها (علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية) .
المحاضرة السادسة لفضيلة الشيخ محمد شريف الزيبق المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين، وموضوعها (زهد الصالحين وتفلسف المتصوفين) .
المحاضرة السابعة لفضيلة الشيخ عبد الفتاح عشماوي أبو النصر المدرس في معهد الثانوي التابع للجامعة، وموضوعها (ماذا نقول نحن وماذا يقول خصومنا عن الغيب وصلته بالتوحيد) .
المحاضرة الثامنة لسماحة رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. وموضوعها (توحيد المرسلين وما يضاده من الكفر والشرك) .
المحاضرة التاسعة لسعادة البرفسور داود كون أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة لندن في بريطانيا، وموضوعها (الدراسات العربية والإسلامية القديمة منها والحديثة في المملكة المتحدة) .
المحاضرة العاشرة لنائب رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد. وموضوعها (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضلها وكيفيتها) .
المحاضرة الحادية عشرة لفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد الباحث في الجامعة، وموضوعها (البهائية إحدى مطايا الاستعمار والصهيونية) .
المحاضرة الثانية عشرة لفضيلة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي المدرس في كلية الشريعة بالجامعة، وموضوعها (كيف نعد المدرس الصالح) .
المحاضرة الثالثة عشرة لفضيلة الشيخ عبد العزيز عبد الفتاح القارئ المدرس في المعهد الثانوي التابع للجامعة، وموضوعها (المستشرقون في الميزان) .
وهناك محاضرات أخرى سيتم إلقاؤها إن شاء الله في خلال شهر ربيع الثاني.
هذا، وتقوم الجامعة بتوزيع كتب ورسائل مفيدة على مستمعي هذه المحاضرات الذين يبلغ عددهم في كل محاضرة ستمائة شخص تقريباً.
وستقوم الجامعة بحول الله بطباعة هذه المحاضرات في كتاب مستقل وتوزيعه لتعميم الفائدة.
كتب دينية مفيدة تطبعها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للتوزيع مجاناً
* لم تقتصر مهمة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على تقديم المنح الدراسية لأبناء العالم الإسلامي ولم تكن فوائدها وقفاً على الطلبة المستفيدين من هذه المنح بل تجاوزت ذلك إلى ما هو أعم وأشمل، ولما كان تيسير الكتب النافعة للمسلمين وتمكينهم من الحصول عليها للاستفادة منها من أهم الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق أهداف الجامعة لا سيما في حق من لم تتح له فرصة الالتحاق بها فقد حرص سماحة رئيس الجامعة على تخصيص مبلغ كبير من المال في ميزانية الجامعة لشراء وطبع بعض الكتب المفيدة للتوزيع وقد لقيت هذه الرغبة لدى جلالة الملك فيصل حفظه الله والمسؤولية في حكومته قبولاً كما في عادة جلالته في كل ما يعود على المسلمين بالمنفعة والخير فرصد لهذا الغرض في ميزانية الجامعة للعام المالي الحالي أكثر من مائة ألف ريال وقد جرى تأمين كميات كبيرة من الكتب المفيدة عن طريق الشراء مثل كتاب (مجموعة التوحيد) الذي أمنت الجامعة منه أكثر من ألف نسخة، كما تم الاتفاق بين الجامعة وبين إحدى مؤسسات الطباعة على طبع كميات كبيرة من الكتب التالية: كتاب الكبائر، وكتاب أصول الإيمان، وكتاب فضل الإسلام الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وكتاب الصلاة لابن القيم، وكتاب الحسبة في الإسلام وكتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، وهما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومحاضرة في المصالح المرسلة لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، وتبلغ تكاليف طبع هذه الكتب أكثر من أربعين ألف ريال.
دليل الخريجين
* تقوم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بطبع دليل الخريجين. وهو عبارة عن كتاب يحتوي على أسماء الخريجين من كليتي الشريعة والدعوة وأصول الدين منذ بدء التخرج في عام 84- 85 هـ وحتى نهاية عام 92- 93 هـ مع بيان جنسياتهم وتقديراتهم ومتى تخرجهم، ويتوقع أن يكون الكتاب في حوالي 10 ملازم. ومما تجدر إليه الإشارة أن عدد الخريجين في السنوات التسع الماضية بلغ 845 خريجاً ينتسبون إلى (54) قطراً من أقطار العالم المختلفة. وسيوزع الكتاب على السفارات الأجنبية والهيئات الرسمية، وسفارات جلالته في الخارج وبعض المسؤولين في المملكة.
* صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بترقية فضيلة الشيخ عبد الله الفوزان إلى المرتبة العاشرة على وظيفة باحث بالجامعة وكان فضيلته يعمل مديراً للمعهدين الثانوي والمتوسط بالجامعة طيلة ثلاث سنوات الماضية.
أضواء من التفسير
للشيخ عبد القادر شيبة الحمد: المدرس بكلية الشريعة
المناسبة:
بعد أن قص الله تعالى ما كان من مسارعة الملائكة لأمر الله بالسجود لآدم وامتناع عدوه إبليس عن السجود. بيّن هنا السبب الذي دعا إبليس للامتناع وهو الاستكبار، وبيّن أن هذا الاستكبار أورثه الذل الأبدي والشقاء السرمدي.
القراءة:
قرأ الجمهور {لِمَا} بكسر اللام وتخفيف الميم. وقرئ {لَماّ} بفتح اللام وتشديد الميم. وقرأ الجمهور {بِيَدَيَّ} على التثنية. وقرئ بيدي على الإفراد. وقرأ الجمهور {أَسْتَكْبَرْتَ} بهمزة الاستفهام. وقرئ {استكبرت} بإسقاط الهمزة.
المفردات:
{الْعَالِينَ} جمع عال وهو الرفيع الشريف. {خَيْرٌ} أعلى وأفضل. {َاخْرُجْ} أي اهبط. {رَجِيمٌ} أي مطرود. {لَعْنَتِي} أي إبعادي إياك عن الرحمة. {الدِّينِ} الجزاء. وفي المثل: كما تدين تدان. ومنه قول الشاعر:
ولم يبق سوى العدوا.
ن دناهم كما دانوا.
{َأَنْظِرْنِي} أمهلني وأخرني. {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} يوم القيامة. {الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} الزمن المعين يعني لبعث الخلائق أو لفنائها.
التراكيب:
قوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} ما استفهامية للإنكار والتوبيخ. وأن تسجد في تأويل مصدر مجرور بمن المحذوفة قياسا وتقديره: أي شيء منعك من السجود. وما في قوله: {لِمَا} على قراءة الجمهور موصولة بمعنى الذي. وخلقت جملة الصلة والعائد محذوف. وعلى هذا فما مستعملة هنا للعاقل. وقال قوم إنها مصدرية، فهي مع مدخولها في تأويل مصدر بمعنى اسم المفعول يعني لمخلوق بيدي. وعلى قراءة {لَمّا} بالتشديد فهي بمعنى حين، وقوله:{بِيَدَيَّ} إشارة إلى شرف آدم عليه السلام. وقوله: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} على قراءة الجمهور بإثبات همزة الاستفهام المقصود منه الإنكار والتوبيخ. وأم على هذا متصلة معادلة للهمزة.
ونقل ابن عطية عن أكثر النحويين أنها لا تكون معادلة للهمزة مع اختلاف الفعلين كهذه الآية، وإنما تكون معادلة إذا دخلت على فعل واحد كقوله أقام زيد أم عمر وقولك أزيد قام أم عمرو؟ وهذا الذي حكاه ابن عطية فاسد، فجمهور النحاة على خلافه، وفي مقدمتهم سيبويه. وأما من قرأ {استكربت} بإسقاط الهمزة فيحتمل أن يكون الكلام على سبيل الاستفهام أيضا وقد حذفت همزته لدلالة أم عليها كقول الشاعر:
فوالله ما أدري وإن كنت داريا.
بسبع رمين الجمر أم بثمان.
وعليه فتكون أم متصلة معادلة للهمزة المحذوفة أيضا. ويحتمل أن يكون الكلام خبرا على سبيل التقريع وأم منقطعة بمعنى بل. والمعنى أنت متعاط للكبر بل أنت من العالين عند نفسك. وهذا على سبيل الاستخفاف والتوبيخ. وقوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} جواب للاستفهام وتعليل للمانع من السجود. ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا. وقوله: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} مستأنف لبيان الخيرية كأنه سئل ما وجه الخيرية؟ فأجاب: خلقتني من نار وخلقته من طين، أو تعليل لما ادعاه من الفضل. وقوله:{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا} الفاء فصيحة، والضمير في قوله منها للجنة. وإنما أتى بضميرها - وإن لم يسبق لها ذكر - لشهرة كونه من سكانها. وقوله:{فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} تعليل للأمر بالخروج. أي لأنك مطرود من الجنة عليك الذلة والصغار. ولا تكرار بين قوله: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} وقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} فإن الأول طرد من خصوص الجنة. والثاني إبعاد من عموم الرحمة. وقوله: {إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} ليس غاية للعنة تنتهي عنده بل للإيذان بأن اللعنة مع كمال فظاعتها ليست كافية في جزاء جنايته، بل إنه سيلقى يومئذ من ألوان العذاب وأنواع العقاب ما تنسى عنده اللعنة وتصير كالزائل. والفاء في قوله:{فَأَنْظِرْنِي} فصيحة كأنه قال: إذا جعلتني رجيما فأمهلني إلى يوم القيامة. والضمير في {يُبْعَثُونَ} لآدم وذريته، والفاء في قوله:{فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} لترتيب الإخبار بكونه من المنظرين على قوله: {َأَنْظِرْنِي} كما في قوله: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . وكما في الشطر الأول من قول الشاعر:
فإن ترحم - فأنت لذاك أهل.
وإن تطرد فمن يرحم سواكا
فإن كونه أهلا للرحمة لا يترتب على رحمته الداعي فقط بل هو أهل للرحمة أزلا. فالآية إخبار بالانظار المقدر له أزلا، لا إنشاء لانظار خاص به وقع إجابة لدعائه. قيل إنه طلب تأخير موته إلى يوم القيامة فأخبر بأنه مؤجل إليه لحكمة يعلمها الله. وعليه فيوم الوقت المعلوم هو الوقت الذي قدره الله وعينه لفناء الخلائق. وقيل إن الذي طلبه هو تأجيل العقوبة فأخبر بأنه مؤجل مع المؤجلين إلى يوم القيامة. والله أعلم.
المعنى الإجمالي:
قال يا إبليس ما المانع من سجودك لآدم الذي كونته بيدي فنال بذلك شرفا عظيما. أتعاطيت الكبر وأنت لا تستحقه! أم أنت رفيع في ذاتك كبير عند نفسك. قال: أنا خير وأفضل منه أنا مخلوق من نار وهو مخلوق من طين والنار أشرف من الطين. قال أنت لا تستحق الكرامة فاخرج من الجنة لأنك مطرود ذليل ولأنك مبعد من رحمتي. قال: سيدي ومالكي: إذا جعلتني رجيما فأمهلني إلى يوم القيامة. قال: فأنت ممهل مع غيرك إلى الوقت المعين للإماتة أو للعقوبة.
ما ترشد إليه الآيات:
1-
توبيخ إبليس على امتناعه من السجود. 2- شرف آدم. 3-إثبات اليدين لله عز وجل من غير تمثيل ولا تكييف. 4- تكبر إبليس. 5- إبليس مخلوق من نار. 6- حرمانه من أنواع الكرامة. 7- بيان أنه مؤجل. 8- معرفة الجن لأمر البعث.
المناسبة:
لما ذكر الله تعالى السبب الذي دعا إبليس إلى الامتناع عن السجود وما أورثه ذلك من الذل الأبدي واللعن السرمدي وما كان من تأجيل اللعين، بيّن هنا ما أقسم عليه عدو الله من إضلال الخلائق إلاّ من أخلص لله تعالى، وبيّن حال الضالين.
القراءة:
قرأ الجمهور {الْمُخْلَصِينَ} بفتح اللام على صيغة اسم المفعول. وقرئ {المخلِصين} بكسر اللام على صيغة اسم الفاعل وقرأ الجمهور {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} بنصبهما. وقرئ برفعهما. وقرئ بجرهما وقرئ برفع فالحق ونصب والحق.
المفردات:
{بعِزَّتِكَ} أي بقهرك وسلطانك. {لأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم. {الْمُخْلَصِينَ} بفتح اللام أي الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته. وبكسر اللام أي الذين أخلصوا قلوبهم وأعمالهم لله تعالى. {فَالْحَقُّ} إما اسمه تعالى أو هو نقيض الباطل. {مِنْكَ} أي من جنسك وذريتك. {تَبِعَكَ} انقاد لك. {مِنْهُمْ} من ذرية آدم.
التراكيب:
قوله: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} الفاء لترتيب مضمون الجملة على الإنظار. والباء للقسم. ولأغوينهم جواب القسم. وقوله: {أَجْمَعِينَ} توكيد للمفعول في {لأُغْوِيَنَّهُمْ} وقوله: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} بنصبهما على أن الأول مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب كقول الشاعر:
إن عليك الله أن تبايعا.
تؤخذ كرها أو تجئ طائعا.
وجواب القسم {لأَمْلأَنَّ} وما بينهما اعتراض. وقيل هو منصوب على الإغراء أي فالزموا الحق، ولأملأن جواب قسم محذوف. والحق الثاني منصوب بأقول وقدم عليه للحصر. وأما على قراءة رفعهما فالأول مبتدأ وخبره محذوف أي فالحق قسمي أو هو خبر مبتدأ محذوف والتقدير أنا الحق أو قولي الحق. ولأملأن جواب القسم محذوف ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره جملة أقول. والرابط محذوف أي أقوله كقراءة ابن عامر {وَكُلاّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ، وكقول أبي النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعى.
علي ذنباً كلّه لم أصنع.
برفع كل ليتأتى عموم السلب وشمول النفي المقصود للشاعر. وأما على قراءة جرهما فالأول مجرور بواو قسم محذوفة والثاني مجرور بالعطف عليه كقولك فوالله والله. وجواب القسم لأملأن. وأقول (اعتراض بين القسم وجوابه) وأما على قراءة رفع الأول ونصب الثاني فتخرج على أن الأول رفع على أنه مبتدأ أو خبر كما تقدم وعلى أن الثاني مفعول لأقول وقدم عليه للحصر أي لا أقول إلا الحق. والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
وقوله: {أَجْمَعِينَ} توكيد للضمير في {مِنْكَ} والضمير في {مِنْهُمْ} والمعنى لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين.
المعنى الإجمالي:
قال إبليس: فأقسم بسلطانك وقهرك لأضلنهم كلهم إلاّ من أخلصته لعبادتك أو أخلص قلبه لك. قال الله فأنا الحق ولا أقول إلا الحق، لأملأن جهنم من جنسك ومن أتباعك من ذرية آدم لا أفرّق بين متبوع وتابع بل أدخلهم فيها أجمعين.
ما ترشد إليه الآيات:
1-
اعتراف إبليس بعزة الله مع تكبره. 2- إصراره على إضلال الخلق. 3- يأسه من المخلصين. 4- وعيد الله له بجهنم مع أتباعه. 5- ستمتلئ جهنم بالكافرين. 6- أن الكفار كلهم في النار.
المناسبة:
هذا عود على بدء لتعظيم القرآن وتمجيده كما هو الملاحظ في السور المبدوءة بالفواتح المفرقة إذ تبدأ بعد الحرف بتعظيم القرآن وتمجيده ثم تذكر اختلاف الناس عليه ثم ما يؤول إليه حال الفريقين ثم يعود إلى تمجيده وتعظيمه ليكون مسك الختام.
المفردات:
{أَسْأَلُكُمْ} أطلب منكم. {أَجْرٍ} جُعل. {الْمُتَكَلِّفِينَ} المتصنعين المتحلين بما ليسوا من أهله. {إِنْ} بمعنى ما. (أي القرآن) . {ذِكْرٌ} عظة وتذكير. {لِلْعَالَمِينَ} للثقلين كافة. {وَلَتَعْلَمُنَّ} ولتعرفن. {نَبَأَهُ} خبره الصادق. {بَعْدَ حِينٍ} بعد زمان.
التراكيب:
مرجع الضمير في {عَلَيْهِ} للقرآن وقيل على تبليغ الوحي. والظاهر الأول. وقوله: {مِنْ أَجْرٍ} من حرف جر صلة جيء به لاستغراق النفي وأجر هو المفعول الثاني لسأل وهو منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر. وقوله: {لِلْعَالَمِينَ} جمع عالم وهو ما سوى الله عز وجل فهو بعمومه يشمل جميع المخلوقات التي نصبت علامة ودلالة على الخالق عز وجل. لكن لما كان المراد بالذكر الموعظة والتخويف وتذكير العواقب كان خاصا بالمكلفين وهما الثقلان خاصة. وقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} اللام موطئة للقسم، وعلم بمعنى عرف فهو متعد لمفعول واحد، وهو نبأه. وقيل إن علم على بابه فهو متعد لمفعولين الأول نبأه والثاني هو قوله بعد حين.
ما ترشد إليه الآيات:
1-
لفت نظر الكفار لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم. 2- أنه لا يطلب أي أجر على تبليغ القرآن. 3- إن سيما التصنع غير معهودة فيه. 4- هذا القرآن لتذكير الإنس والجن. 5- الوعد بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم. 6- وعيد قريش وتهديدهم. 7- أن الله متم نوره.
حديث مع زائر كريم
لفضيلة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة
زارنا جماعة من أساتذة الأزهر وكنت ألقي درسا في الأديان موضوعه التلمود. فرجعت إلى أول الدرس ليكون الكلام مفهوما. فبدأت بذكر معنى تلمود لغة واصطلاحا، وبعد ذلك شرعت في ذكر بعض ما تضمنه التلمود فقال لي أحد الأساتذة الضيوف: حسبك. وبدا لي أن له كلمة يريد أن يقولها قبل الانصراف وكنت أظن أنه يريد أن يوجه نصيحة للطلبة لأني التمست منه ذلك من قبل، فإذا به يريد أن يستدرك علي شيئا، ظن أني أغفلته وكان ينبغي أن أذكره، وسأذكره هنا معنى ما قلته ثم أذكر استدراكه وجوابي عنه:
قلت إن كلمة تلموذ بالذال المعجمة في اللغة العبرانية مشتقة من المصدر (لاموذ) وهو مصدر الفعل الثلاثي المعروف عند علماء هذا الشأن باسم (قال) وذكرت بعض مشتقاته من الثلاثي اسم الفاعل (لومذ) أي متعلم (يلمذ) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه ومعناه يتعلم والفعل الرباعي (لمذ) بكسر اللام والميم المشددة ومعناه عَلّم من التعليم ومضارعه (يلمّذْ) واسم الفاعل (مِلَمّذْ) فهو تفعول بزيادة التاء والواو ومعناه في اللغة التعليم وذكرت أن الذال المعجمة لا وجود لها في اللغة العبرانية أصالة وإنما توجد الدال المهملة ويعرض لها الاعجام إذا جاءت بعد حركة ممدودة أو غير ممدودة أو سكون ناقص. ثم قلت ومشتقاته مادة ل م د في اللغة العبرانية كثيرة، وأما في اللغة العربية التي هي أصلها على الصحيح وقيل هي أختها الكبرى والأصل ضائع فلم يُستعمل من هذه المادة إلا تلميذ وهذا شأن اللغات التي تكون فروعا لأصل واحد كالإيطالية والإسبانية مثلا وهما فرعان من فروع اللغة اللاتينية بعض الكلمات تهمل في إحداهما وتوجد في الأخرى وبعضها تقل فروعها ومشتقاتها في إحدى الأختين وتكثر في الأخرى. وأزيد هنا أن بعض المؤلفين من المحدثين استعملوا من هذه المادة فعلا فقالوا فلان تتلمذ لفلان ولا يوجد هذا في كتب اللغة. أما في الاصطلاح فمعناه كتاب فقه اليهود الذي استنبطه أحبارهم من التوراة ثم بينت أن الطائفتين الباقيتين إلى هذا الزمان من طوائف اليهود وهما الربانيون والقراؤون لا تتفقان على الإيمان بالتلمود، فالربانيون يؤمنون به ويحكمون به وأما القراؤون فإنهم ينكرونه ولا يؤمنون إلا بالتوراة ثم لا يؤمنون إلا بنسختهم الخاصة ويطعنون في نسخة الربانيين وأكثر اليهود في هذا الزمان ربانيون وهم الذين أنشؤوا الحركة الصهيونية. أما القراؤون فإنهم يسكنون في نابلس من الضفة الغربية لنهر الأردن وبينهم وبين الربانيين عداوة دينية. لذلك بقوا مع العرب إلى الحرب
الأخيرة التي وقعت بين العرب واليهود فاستولى اليهود على مدينة نابلس والظاهر من أحوالهم أنهم مع ذلك محافظون على عقيدتهم. وحاصل ما استدركه علي فضيلة الأستاذ:
أنه قال: إنك ذكرت الفعل (لَامذْ) ولم تذكر ضميرا قبله نحو (أني لَامذْ) فقلت له أيها الأستاذ أنا أتكلم في معنى الفعل وتصريفه ولا أريد أن أنشئ جملة فوافق على ذلك. ولم أرد أن أذكرله أمام الطلبة والزائرين أن اللفظ الذي قاله فاسد. لأن قولها بالعبرانية (أنيِ لَامَذْ) كقولنا (أنا تعلم) أو (أنا قام) والعربية والعبرانية كلتاهما تبدأ الجملة الفعلية فيهما بالفعل ولا يلزم أن نذكر اسما قبل الفعل لا ضميرا ولا ظاهرا. فنقول طلعت الشمس وظهر الحق، ولو ذكرنا ضمير (أنا) قبل الفعل الماضي لم يصح إسناد الفعل إليه بل تتصل به وجوبا تاء متكلم فنقول في العربية أنا تعلمت وفي العبرانية (أنيِ لاملذْتِ) بكسر التاء لأن تاء المتكلم في العبرانية مكسورة وإنما يتحتم ذكر اسم ظاهر أو ضمير في اللغة العبرانية قبل الفعل الحاضر وهو (لُومِذْ) بكسر الميم فنقول (أني لومذ) أي أنا متعلم أو أتعلم الآن. لأن الفعل المضارع المبدوء بحرف من حروف أنيت عندهم في الأزمنة المتأخرة يختص بالمستقبل.
ورب قائل يقول ما حاجتك إلى بيان معنى هذه الكلمة في لغتها الأصلية فإن لغة اليهود لا تستحق كل هذه العناية. فأقول على رسلك "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود فقال عليه الصلاة والسلام لزيد: تعلم السريانية فإنها تأتيني كتب من يهود ولا آمن يهود على كتابي. قال زيد: فتعلمتها في نصف شهر". رواه أحمد والبخاري في صحيحه تعليقا. ولما قرأت صحيح البخاري لأول مرة ورأيت هذا الحديث استشكلته لأن المعروف أن لغة اليهود هي العبرانية لا السريانية فكيف يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتعلم السريانية ليقرأ له كتب اليهود ويكتب الأجوبة. ولم أجد من يحل لي هذا الإشكال حتى شرعت أدرس تاريخ اللغات السامية في البلاد الجرمانية (ألمانيا) فانكشف لي أن اللغة العبرانية ماتت منذ تشتت اليهود وخروجهم من فلسطين بل ماتت قبل ذلك بمدة طويلة فإن بني إسرائيل في زمان عيسى عليه السلام كانوا يتكلمون باللغة السريانية في أمور دينهم ودنياهم ولم يبقَ عندهم من العبرانية إلا أدعية الصلوات، وباللغة السريانية ألّف التلمود ونزل الإنجيل. قال تعالى: في سورة إبراهيم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
والإشكال الثاني: كيف استطاع زيد أن يتعلم هذه اللغة في نصف شهر؟ والجواب عن هذا الإشكال حسبما يظهر لي أن زيدا لم يتعلم اللغة السريانية في نصف شهر وإنما تعلم كتابتها وقراءتها لأن هذه اللغات الثلاث: العربية والعبرانية والسريانية متقاربة جدا في جملها ومفرداتها حتى في هذا الزمان الذي ضعفت فيه اللغة العربية. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى التي طبعت أخيرا: "إن اللغة العبرانية قريبة جدا من اللغة العربية حتى إن بعض مسلمة أهل الكتاب كان يقرأ عليّ التوراة فأفهم ما يقرأه دون أن أحتاج إلى ترجمة". فإذا كان هذا في شيخ الإسلام ابن تيمية فما بالك بزمان النبي صلى الله عليه وسلم؟ وإلى يومنا هذا لو أن شخصا تكلم باللغة العبرانية الفصحى القديمة وتمهل في كلامه لفهم أكثر ما يقول أو كثير منه ودونك جملة تسهل عليك فهم ما تقدم (إنيِ قُوري بسّفّرْ هَزِي) معناه أنا أقرأ في هذا الكتاب، جملة أخرى (أني لُومِذ هلْ لاشون ها عَرْبيت) معناه: أنا أتعلم اللسان العربي. فموسى أرسله الله إلى بني إسرائيل بلغتهم العبرانية وأنزل عليه التوراة بها. وعيسى أرسله الله إلى بني إسرائيل باللغة السريانية التي هي لسانهم في زمانه وأنزل عليه الإنجيل بها وهذا قول أكثر المؤرخين وهو صحيح.
وبهذه المناسبة أذكر أني قرأت في كتاب الأبريز المنسوب إلى الشيخ عبد العزيز الدباغ ومؤلفه هو أحمد بن المبارك السجلماسي وكلاهما من المغرب كلاما يتعلق باللغة السريانية أريد أن أتحف القراء بذكره بمناسبة ذكر اللغة السريانية وهو من المضحكات المبكيات كما قال الشاعر:
أمور يضحك السفهاء منها
ويبكي من عواقبها اللبيب
فمن ذلك أنه زعم أن شيخه عبد العزيز الدباغ أخبره بالأمور التالية:
1-
قال المؤلف المذكور في كتاب الإبريز صفحة 217: "وسمعته رضي الله عنه يقول من تأمل كلام الصبيان الصغار وجد السريانية كثيرا في كلامهم فكان آدم عليه السلام يحدث أولاده في الصغر ويسكتهم بها ويسمي لهم أنواع المآكل والمشارب بها فنشأوا عليها وعلموها أولادهم وهلم جرا"ثم مضى إلى أن قال "وقد سبق أن لغة الأرواح هي السريانية". ثم قال:"ومن أسمائه تعالى لفظة أغ التي ينطق بها الصبي الرضيع وهو اسم يدل على الرفعة والعلو واللطف والحنان فهو بمنزلة من يقول يا علي يا رفيع يا حنان يا لطيف"، قال محمد تقي الدين: أقول في هذا سبحانك هذا بهتان عظيم وقد كنت نشرت في صحيفة الأخبار التي كانت تصدر في تطوان منذ سبع وعشرين سنة مقالا كذبت فيه ما ادعاه مؤلف كتاب الابريز من أن الحرف الواحد من السريانية يساوي كلمة من اللغات الأخرى كالعربية مثلا وذكرت أربعين كلمة من السريانية وقابلتها بالكلمات العربية فكانت إما مساوية للكلمات العربية في عدد الحروف أو تزيد عليها وبينت أن السريانية والعربية والعبرانية أخوات مشتركات في الضمائر وأغلب القواعد التي يعتمد عليها في تركيب الجمل وأن آلافا من الكلمات مشتركة بين اللغات الثلاث. فتحير في ذلك مقدم التيجانية أحمد الرهوني وأجاب من سأله وأحرجه بأن السريانية التي تتكلم بها الأرواح ويتكلم بها الأولياء في ديوانهم الذي يجتمعون فيه كل يوم قبل طلوع الفجر بغار حراء ليدبروا شئون العالم هي سريانية أخرى خاصة بالأولياء وليست هي السريانية المعروفة التي يتكلم بها السريانيون إلى يومنا هذا، والتي تكلم بها اليهود كما تقدم في أزمنتهم المتأخرة وهذا الجواب في غاية الوقاحة. فالسريانية شعب من الشعوب ولهم لغتهم، كما أن العرب شعب ولهم لغتهم والعبرانيون شعب من الشعوب ولهم لغتهم، فلما خنقته الحجة اخترع سريانية جديدة لم يذكرها أحد من الناس قبله. أما ما زعمه مؤلف كتاب الابريز أنه نقله عن شيخه من أن
اسم الله بالسريانية أغ وأنه من بقايا لغة الروح يجري على لسان الصبيان الرضع فهو من أعظم الكذب والبهتان فإن اسم الله بالسريانية (الاها) هذا عند السريانيين الغربيين وعند السريانيين الشرقيين (ألاهو) . والسبب في ذلك أن جميع الأسماء عند السريانيين الغربيين تختم بألف مثل (بيتا) بيت، (ماي) ماء، (شمايا) سماء، (عليما) غلام. وهكذا.. أما السريانيون الشرقيون فإن الأسماء تختم عندهم بواو قبلها ضمة واسمه تعالى باللغة العبرانية (إلوهم) ولا تختلف الشعوب السامية فيما نعلم في اسم الله تعالى إلا فيما رأيت من تغيير الحركات ثم قال:"وإذا أراد الصبي أن يتغوط أعلم أمه وقال ع ع وهو موضوع في السريانية لإخراج خبث ذات الصبي"، قال محمد تقي الدين: يا أسفا على العقول التي تصدق مثل هذا الهذيان ومن سوء الحظ أن كثيرا ممن يدعون أو يدعى لهم أنهم علماء في المغرب وفي مصر يصدقون هذا البهتان فنقول لهذا المخبول: إذا كانت السريانية بزعمك لغة الأرواح أي أرواح بني آدم كلهم وأن الصبيان الرضع لقرب عهدهم بعالم الأرواح بقيت على ألسنتهم هذه الكلمة السريانية فما بال صبيان العالم الرضع لا يتكلمون بها في أي شعب من الشعوب إلا في المغرب الأقصى فلعل صبيان المغاربة حفظوا ما نسيه جميع صبيان العالم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: "إن مما بقي من كلام النبوة الأولى (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ". على أن حرف العين خاص بالشعوب السامية التي خرجت من جزيرة العرب ولا يوجد عند غيرهم، فالشعوب التي ليس في لغتها عين كالأوروبيين مثلا لا يستطيع الشخص الذي لم يسمع العين ولم يتدرب عليها مدة طويلة لا يستطيع أن ينطق بها أبدا إلاّ إذا خالط شعبا ساميا كالعرب والسريانيين والآشوريين والعبرانيين والقبط والبربر مدة طويلة وقد يخالطهم زمانا طويلا ولا يستطيع أن ينطق بها. والحق أن الكلمات المختصرة التي ينطق بها الصبيان في بعض البلدان إنما تلقنوها من
أمهاتهم يضعنها لهم مختصرة ليسهل نطقهم بها في بعض البلدان فيسمون الخبز بابّ، والماء أمبوا، والتمر نينى أو نان، والطفل الصغير الذي هو مثلهم موم، وهنا في المدينة يقلبون الميم نونا فيقولون (نون) وقد جمع بعض المستشرقين لغة صبيان العرب من مثل ما تقدم فاجتمع عنده مائة وخمسون كلمة وهذا كما تقدم من تلقين الآباء والأمهات ولا علاقة له بالسريانية ولا بلغة الأرواح وذكر المؤلف كلمات أخرى من هذا القبيل لا نطيل بذكرها، ومن أراد الاطلاع عليها فلينظرها في الكتاب المذكور.
ثم قال مؤلف كتاب الابريز: "وسألته رضي الله عنه عن سؤال القبر هل يكون بالسريانية أم بغيرها وقد قال الحافظ السيوطي في منظومته:
ومن غريب ما ترى العينان
أن سؤال القبر بالسرياني
قال شارح هذه المنظومة نقلا عن كتاب للسيوطي سمّاه شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور. "وقع في فتاوى شيخ الإسلام علم الدين البلقيني إن الميت يجيب السؤال بالسريان". قال الناظم: "ولم أقف له على سند". قال محمد تقي الدين: عفا الله عن السيوطي كيف ينقل شيئا لا يعتقد صحته، ولم يجد له دليلا، وهو من أمور الغيب ثم لا يرده، بل يكتفي باستغرابه. وقوله: ومن غريب ما تقرؤه العينان من الآراء في الكتب قول البلقيني أن سؤال القبر بالسرياني يدل عليه قوله في البيت الذي يلي البيت السابق:
كذا يقول شيخنا البلقيني
ولم أره لغيره بعيني
فيه تكلف لأن العينين لا تريان سؤال القبر. ثم قال وقد سئل الحافظ ابن حجر عن ذلك فقال: "ظاهر الحديث أنه باللسان العربي ويحتمل مع ذلك أن يكون خطاب كل واحد بلسانه وهو متجه".اهـ. فقال رضي الله عنه يعني شيخه عبد العزيز الدباغ. نعم سؤال القبر بالسريانية لأنها لغة الملائكة والأرواح ومن جملة الملائكة ملائكة السؤال وإنما يجيب الميت عن سؤالهما روحه وهي تتكلم بالسريانية كسائر الأرواح؛ لأن الروح إذا زال عنها حجاب الذات عادت إلى الميت حالتها الأولى. قال رضي الله عنه: والولي المفتوح عليه فتحا كبيرا يتكلم بها من غير تعلم أصلا لأن الحكم لروحه فما ظنك بالميت فلا صعوبة عليه في التكلم بها. فقلت يا سيدي نريد من الله ثم منكم أن تمنوا علينا بذكر كيفية السؤال وكيفية الجواب باللغة السريانية؟
فقال رضي الله عنه: أما السؤال فإن الملكين يقولان له بلفظ السريانية (مرازهو) وضبطه بفتح الميم وبها تشديد ضعيف وبفتح الراء المهملة وبعدها ألف وبعد الألف زاي مسكنة وبعد الزاي هاء مضمومة بعدها واو ساكنة سكونا ميتا. فله ذلك ومعنى هذه الحروف المسئول بها يعرف بأصل وضع الحروف في اللغة السريانية فأما الميم المفتوحة وهي الحرف الأول فإنها وضعت لتدل على المكونات كلها والمخلوقات بأسرها، وأما الحرف الثاني وهو الراء فإنه وضع للخيرات التي في تلك المكونات، وأما الزاي فإنها وضعت للشر الذي فيها. وأما الهاء التي بعدها صلة فإنها وضعت لتدل على الذات المقدسة الخالقة للعوالم كلها سبحانه لا إله إلا هو.
ثم قال وأما الجواب فإن الميت إذا كان مؤمنا فإنه يجيبهما بقوله مراد أزيرهو، وضبطه بفتح الميم وفيها تشديد ضعيف وبعدها راء مفتوحة بعدها ألف ساكنة بعد الألف دال ساكنة وبعد الدال همزة مفتوحة وبعد الهمزة زاي مكسورة بعدها ياء ساكنة سكونا ميتا وبعد الياء راء ساكنة وبعد الراء هاء موصولة بواو ساكنة سكونا ميتا.
ومعنى هذه الحروف: أن الحرف الأول أشير به كما سبق إلى المكونات كلها والمخلوقات بأسرها، وأشير بالحرف الثاني إلى نور محمد صلى الله عليه وسلم وإلى جميع الأنوار التي تفرعت منه كأنوار الملائكة والأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأنوار اللوح والقلم والبرزخ وكل ما فيه نور، وأشير بالحرف الثالث وهو الدال المسكنة إلى حقيقة جميع ما دخل تحت الحرف الذي قبله فكأنه يقول: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حق وسائر الأنبياء حق وسائر الملائكة حق لا شك في جميع ذلك وجميع ما دخل تحت الحرف السابق، وأشير بالحرف الرابع وهو الهمزة المفتوحة إلى مدلول ما بعدها فالهمزة المفتوحة في لغة السريانية من أدوات الإشارة كلفظة هذا أو هذه في العربية، والزاي التي بعدها وضعت لتدل على الشرك كما سبق فيدخل فيها جهنم وكل ما فيه ظلام وشر، وأشار بالراء المسكنة إلى حقيقة كل ما يدخل تحت الحرف الذي قبله وهي الزاي المكسورة المشبعة بالياء الساكنة، وأشير بالهاء الموصولة إلى الذات العلية من حيث أنها خالقة ومالكة ومتصرفة وقاهرة ومختارة فحاصل معنى الجواب أنه قيل جميع المكونات ونبينا الذي هو حق وسائر الأنبياء الذين هم حق وكافة الملائكة الذين هم حق وجميع الأنوار التي هي حق وعذاب جهنم الذي هو حق وكل الشر الذي هو حق هو سبحانه خالقها ومالكها ومتصرف فيها المختار فيها وحده لا معاند له ولا شريك ولا راد لحكمه. قال رضي الله عنه فإذا أجاب الميت بهذا الجواب الحق قال له الملكان عليهما الصلاة والسلام ناصر. وضبطه بفتح النون في أوله بعدها ألف وبعد الألف صاد مكسورة وبعد الصاد راء ساكنة ومعناه يُعلم مما وضعت له حروف في السريانية فالحرف الأول وهو نا بالنون المفتوحة بعدها ألف للنور الساكن في الذات المشتعل فيها والحرف الثاني وهو الصاد المكسورة وضعت لتدل على التراب، والراء الساكنة تدل على حقيقة المعنى السابق، فمعنى هذا الكلام حينئذ نور إيمانك الساكن
في ذاتك الترابية. أي التي أصلها من التراب صحيح حق مطابق لا شك فيه فهو قريب من قوله في الحديث: "نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا".
وسألته رضي الله عنه عن كلمات من القرآن اختلف العلماء فيها هل هي سريانية أم لا؟ فمنها أسفارا، قال الواسطي في الاشاد هي الكتب بالسريانية وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال هي الكتب بالقبطية قاله في الإتقان في علوم القرآن. فقال رضي الله عنه هي سريانية وهي الكتب كما قال الواسطي رحمه الله ومعنى الكلمة تلك محاسن الأشياء التي ليست طوق البشر لأن الهمزة المفتوحة إشارة لما يليها كما سبق. والسين المسكنة وضعت لمحاسن الأشياء. والفاء المفتوحة اسم لما ليس في طوق البشر، والراء المفتوحة إشارة أخرى إلى تلك المحاسن فكأنه يقول إن الكتب فيها هذه المحاسن التي لا تطاق والله أعلم.
قال محمد تقي الدين كلمة (سفر) بكسر السين وسكون الفاء من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية التي نعرفها ففي السريانية (سفرا) سواء أكان نكرة أم معرفة لأن كل اسم في السريانية ينتهي بالألف وليس فيها أداة تعريف، وبالعبرانية إذا لم تضف هذه الكلمة تلفظ (سفر) بكسر السين والفاء، وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية. أما الجمع فيختلف ففي العربية وحدها لا في أختيها يجمع على أسفار، ومؤلف كتاب الابريز توهم أن السفر يجمع على أسفار في اللغة السريانية فاخترع لكل حرف معنى حسبما تقدم من زعمه أن كل حرف في السريانية له معان وهو باطل كما أشرت إليه سابقا، فحرف التهجي في السريانية كغيرها ليس له معنىً ، ومن المعلوم أن أكثر الكلمات في اللغات السامية سواء أكانت فعلاً أم اسماً لا يقل عددها في الكلمة الواحدة عن ثلاثة أحرف، وما جاء ناقصا؛ كيَدٍ ودَمٍ فالحرف الثالث فيه مقدر يظهر في الجمع نحو (اغسلوا أيديكم) وسالت دماء الأعداء، فهمزة دماء منقلبة عن ياء والأصل دماي وعلماء اللغات السامية متفقون على هذا ولكن أحمد بن المبارك اللمطي ظن أن اللغة السريانية ماتت موتا تاما وانقرض أهلها ولم يبق أحد يعرفها على وجه الأرض فافترى ماشاء له الخيال أن يفتري. ولم يدر أن قرىً كثيرة في شمال العراق لا تزال تتكلم بالسريانية، وقرى أخرى هناك تتكلم بالآشورية التي أختها الشقيقة، وما أحسن ما قال الشاعر:
في مثل هذا المفتري يحق إنشاده:
يا لك من قبرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
قد ذهب الصياد عنك فابشري
لا بدّ من أخذك يوما فاحذري
وقد رأيت في خزانة الكتب ببرلين مجلدين ضخمين يشتملان على أسماء الكتب السريانية المخطوطة الموجودة في هذه الدار وحدها فما بالك بخزائن الكتب التي توجد عند السريانيين في الشام والعراق وقد زرت مدرستهم في الموصل، والتدريس فيها باللغة السريانية وهي مؤسسة لتخريج القسيسين، ولما قال لي مدير المدرسة وهو قسيس: اسأل التلاميذ عمّا تريد. فقلت لا أريد أن أخجلهم. فقال: لا بل اسألهم. فأشرت إلى تلميذ عمره خمس عشرة سنة تقريبا يلبس لباس الرهبان كسائر التلاميذ وقلت له تستطيع أن تترجم أبياتا عربية بالسريانية فقال نعم. فقلت له ترجم الأبيات التالية:
تعلم فليس المرء يولد عالما
وليس أخ علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التفت عليه المحافل
وإن صغير القوم والعلم عنده
كبيرا إذا ردت إليه المسائل
فترجمها شعرا بالسريانية أحسن ترجمة.
ثم قال: ومنها (شهر) ذكر الجواليقي أن بعض أهل اللغة ذكر أنه سرياني فقال رضي الله عنه ليس بسرياني والشهر في لغة السريانيين اسم للماء، قلت ومن عرف تفسير حروفه لم يشك في ذلك، قال محمد تقي الدين وهذا أيضا افتراء، فإن الشهر موجود في السريانية بلفظ (سهرا) ومعناه الهلال والقمر. أما الماء الذي زعم أنه في السريانية شهر فقد كذب فالماء في السريانية ماي وجمعه مايي أي مياه، وأقتصر في الرد على هذا المفتري على هذا القدر. وهذا الرجل أحمد ابن المبارك اللمطي السجلماسي من كبار علماء وقته في مدينة فاس في القرن الثاني عشر للهجرة وقد حمله حب الشهرة أن اتّخذ رجلاً من آل البيت اسمه عبد العزيز الدباغ كان يعد من الصالحين وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب اتخذه شيخا ونسب إليه أجوبة كثيرة عن معاني الآيات والأحاديث لا يتسع المقام لذكرها وزعم أنه كان يقرأ اللوح المحفوظ ويجيب عن كل ما يُسأل عنه وهذا يدل على ذهاب العلم والعلماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس بعد أن أعطاهموه وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتّخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". وإذا أردت أيها القارئ أن تزداد علما بما ينسب من كلمات القرآن إلى غير لغة العرب فعليك بقراءة مقالي المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية في الجزء الثالث من السنة الثالثة (محرم 91هـ) والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
حكم من لم يحكم بكتاب الله
بقلم الشيخ عطية محمد سالم
القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة
تقدم في أول مبحث من له حق الحكم والتشريع ومن المستحق للسمع والطاعة والإذعان والانقياد لأوامره. وأنه هو الله تعالى وحده. وبيان موجز بأن من شرع ما لم يأذن به الله فقد نصب نفسه شريكا مع الله ومن أطاعهم في تشريعهم واستحله فهو مشرك شرك الطاعة المعروف. وفي هذا المقام نورد تفصيل ذلك مما ورد في مجموع نصوص صريحة:
أولا- لما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك} إلى آخر الآية. جاء بعدها في السياق {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . فجعلهم شركاء تشريع بتشريعهم ما لم يأذن به الله؛ لأن التشريع حق لله ولا يملك هذا الحق إلا الله.
ثانيا- لما حرم الله الميتة جاء الشيطان لأوليائه من كفار مكة فأوحى إليهم بما يحاولون به في تحريمها ويدعون إلى تحليلها فقال لهم: قولوا لمحمد: الشاة الميتة من قتلها فقال لهم: الله قتلها فقال قولوا لهم ما قتله الله يكون حراما وما قتلتموه أنتم يكون حلالا فذبيحتكم إذا أحسن من ذبيحة الله التي ذبحها بسكين من ذهب بيده الكريمة.. فأنزل الله قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} .
وقد بيّن فضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين في أضواء البيان فيما يكتبه حفظه الله للجزء السابع وسمح بالنقل عنه أوسع بيان في ذلك. فقد ساق هذه القصة ببيانه المفصل وختمه بقوله تعليقا على الآية بقوله: وقوله تعالى: {لَفِسْقٌ} أي خروج عن طاعة الله واتباع لتشريع الشيطان. {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} أي بقولهم: ما ذبحتموه حلال وما ذبحه الله حرام. فأنتم إذاً أحسن من الله وأحل تذكية. ثم بيّن الفتوى السماوية من رب العالمين في الحكم بين الفريقين في قوله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فهي فتوى سماوية من الخالق جل وعلا، ثم صرح فيها بأن متبع تشريع الشيطان المخالف لتشريع الرحمن مشرك بالله.
وهذه الآية الكريمة مثل بها بعض علماء العربية لحذف اللام الموطئة للقسم. لحذف الفاء من الجواب وعدم اقترانه بها. وساق فضيلته مناقشة عربية في ذلك. ثم ذكر بعدها الآيات المتعلقة بالموضوع فقال: ومن الآيات الدالة على ما دلت عليه آية الأنعام قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} . فصرح بتوليهم للشيطان أي باتباع ما يزين لهم من الكفر والمعاصي مخالفا لما جاءت به الرسل.. ثم صرح بأن ذلك إشراك به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} . وصرح أن الطاعة في ذلك الذي يشرعه الشيطان لهم ويزينه عبادة للشيطان. ومعلوم أن من عبد الشيطان فقد أشرك بالرحمن. قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ..} ويدخل فيهم متبعوا نظام الشيطان دخولا أوليا: (ولعل مما يشهد لأولية هذا الدخول ما سبق تقديمه من قوله تعالى فيمثل هذا المقام: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} . ثم يبين المصير الأخير لمن كان يعبد الشيطان في دار الدنيا في قوله: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} .
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً} فقوله: لا تعبد الشيطان أي باتباع ما يشرعه من الكفر والمعاصي مخالفا لما شرعه الله.
وقال تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَاّ شَيْطَاناً مَرِيداً} . فقوله وإن يدعون إلا شيطانا يعني وما يعبدون إلا شيطانا مريدا.
وقوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} فقوله تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} أي يتبعون الشياطين ويطيعونهم فيما يشرعون ويزينون لهم الكفر والمعاصي على أصح التفسيرين.
والشيطان عالم بأن طاعتهم له المذكورة إشراك به كما صرح بذلك وتبرأ منه في الآخرة كما نص الله عليه في سورة إبراهيم في قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} إلى قوله: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} فقد اعترف بأنهم كانوا مشركين به من قبل أي في دار الدنيا ولم يكفر بشركهم إلا يوم القيامة. وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الذي بيناه في الحديث لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} . كيف اتخذوهم أربابا وأجابه صلى الله عليه وسلم "أنهم أحلوا لهم ما حرّم الله وحرموا عليهم ما أحل الله" فاتبعوهم وبذلك الاتباع اتخذوهم أرباباً. ومن أصرح الأدلة في هذا أن الكفار إذا أحلوا شيئا يعلمون أن الله حرمه وحرّموا شيئا يعلمون أن الله أحله فإنهم يزدادون كفراً جديداً بذلك مع كفرهم الأول وذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه} أي بالقتال وما لا يجوز في الأشهر الحُرم إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} .
وعلى كل فكل من أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرعه الله فقد أشرك به مع الله كما يدل لذلك قوله:
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ} . فسماهم شركاء لما أطاعوهم في قتل الأولاد وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . فقد سمى تعالى الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله شركاء.
ومما يزيد ذلك إيضاحا أن ما ذكره الله عن الشيطان يوم القيامة من أنه يقول للذين كانوا يشركون في دار الدنيا {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُْ} أن ذلك الإشراك المذكور ليس فيه شيء زائد على أن دعاهم إلى طاعته فاستجابوا له كما صرح بذلك في قوله: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} .. الآية. وهو واضح كما ترى.
فتحصل من هذا السياق الوافي والبيان الكافي وقد زاده إيضاحا قوله حفظه الله في مطلع هذا البحث بقوله: "فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته؛ قال في حكمه: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} . وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا يشركْ في حكمه أحدٌ} بصيغة النهي وقال في الإشراك به في عبادته: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ، فالأمران سواء". اهـ.
وقد سيق إيراد النصوص التي جمعت الحكم والعبادة والحكم والولاية معا.
ولعلنا بهذا العرض وهذا الإيراد لما ذكره فضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين في هذا المبحث نكون قد أعطينا الضوء الكافي لمن أراد أن يبصر طريق الحق إلى مطلع النور والهدى والحكم بما أنزل الله من كتاب وحكمة.
ومن عجب كل العجب أن يعرض الإنسان عن شرع ربه وخالقه ومحييه ومميته وكادح إليه فملاقيه وموقفه بين يديه يأتونه فرادا كما خلقهم أول مرة في يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لا ملجأ من الله إلا إليه قد شرع له ما يصلح دنياه ويسعد آخرته.
وهو مع هذا يعرض ويتولى. وما ذلك إلا ضياع منه لنفسه ونسيان لحظه وتمرد على ربه: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} . نسي خلقه من نطفة مخلقة فمضغة حتى إذا كان يافعا فتيا ناصب ربه العداء وشرع لخلق الله ما أراد.
وخير ما نختتم به هذا البحث الإنذار من الله لخلقه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . وإن حقيقة الإسلام لا تتحقق إلا بكمال الاستسلام كما قيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت
له الأرض تحمل صخرا ثقالا.
دحاها فلما استوت شدها.
سواء وأرسى عليها الجبالا.
وأسلمت وجهي لمن أسلمت.
له المزن تحمل عذبا زلالا.
إذا هي سيقت إلى بلدة
أطاعت فصبت عليها سجالا.
وأسلمت وجهي لمن أسلمت.
له الريح تصرف حالا فحالا.
ومن أبرز النصوص في موضوع من لم يحكم بما أنزل الله ما جاء متتاليا في سورة المائدة ثلاث مرات {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} والثانية {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وفي الثالثة {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
وجميع المفسرين والكتاب وعلماء الكلام فيهم الطحاوي يتناولون هذه النصوص بالبحث من وجهات علمية ثلاث تتلخص فيمن نزلت؟ ، وبمن اختصت؟ ، وعلامَ دلَّت؟. واتفقوا أنها نزلت في اليهود والنصارى أما بمن اختصت. فالبعض يخصها بمن نزلت فيهم والأكثرون يعمون بها على أساس أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأن شرع من قبلنا شرع لنا. وأنها ما ذكرت لنا في شرعنا إلا من أجلنا لنحذر مما حذرت منه. أما مدلولها فالبعض أيضا على أن الألفاظ الثلاثة قد تكون مترادفة المعنى وكلها تأتي بمعنى الشرك وبمعنى العصيان وعليه هل هذا الكفر والظلم والفسق مخرجة من الملة أم هي كفر دون كفر وفسق عصيان وظلم في الفروع؟.
وقد بحث هذا الموضوع شارح الطحاوية بما نصه: قال: "وهنا أمر يجب أن يتفطن له وهو: أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة. ويكون كفرا. إما مجازيا وإما كفرا أصغر على القولين المذكورين. وذلك بحسب حال الحاكم: فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، واستهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر. ون اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق العقوبة. فهذا عاص. ويسمى كافرا كفرا مجازيا أو كفرا أصغر. وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه، فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور" هـ..
فقد أوجز الحكم على من حكم بغير ما أنزل الله بناء على اعتبارات مختلفة في نفس الحاكم من اعتقاده أو غير وجوبه وعلمه وجهالته ونحو ذلك.
وقد بحث هذه النصوص الثلاثة فضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين في أضواء البيان في الجزء الثاني على قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} في سورة المائدة قد استوفى البحث مما يغني عن أقوال جميع المفسرين () الموضوع نسوقه بتمامه لتمام فائدته. ثم نعرض وجهة نظر في الموضوع إن شاء الله.
قال حفظه الله: " قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} . اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة هل هي في المسلمين أو في الكفار؟ ، فرُوي عن الشعبي أنها في المسلمين. وروي عنه أنها في اليهود. وروي عن طاوس أيضا أنها في المسلمين. وأن المراد بالكفر فيها كفر دون كفر. وأنه ليس في الكفر المخرج من الملة. وروي عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: "ليس الكفر الذي تذهبون إليه". رواه عنه ابن أبي حاتم والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قاله ابن كثير. قال بعض العلماء والقرآن العظيم على أنها في اليهود لأنه تعالى ذكر فيما قبلها أنهم يحرفون الكلم من بعض مواضعه وأنهم يقولون {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} يعني الحكم المحرف الذي هو غير حكم الله فخذوه. وإن لم تؤتوه أي المحرف بل أوتيتم حكم الله الحق فاحذروه. فهم يأمرون بالحذر من حكم الله الذي يعلمون أنه الحق. وقد قال تعالى بعدها {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية.. تدل على أن الكلام فيهم.
وممن قال بأن الآية في أهل الكتاب كما دل عليه ما ذكر (البراء بن عازب- وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وأبو مجلز، وأبو رجاء العطاردي، وعكرمة، وعبيد الله بن عبد الله، والحسن البصري وغيرهم. وزاد الحسن وهي علينا واجبة. نقله عنهم ابن كثير. ونقل نحو قول الحسن عن إبراهيم النخعي. وقال - القرطبي- في تفسيره {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ - والظَّالِمُونَ - والْفَاسِقُونَ} : "نزلت كلها في الكفار. ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء. وقد تقدم وعلى هذا المعظم.
فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة. وقيل فيه: (أي ومن لم يحكم بما أنزل الله) رداً للقرآن وجحدا لقول الرسول صلى الله وعليه وسلم فهو كافر قاله ابن عباس ومجاهد.
فالآية عامة على هذا. قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار. أي معتقدا ذلك ومستحلاً له. فأما من فعل ذلك- وهو معتقداً أنه مرتكب محرما فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فقد فعل فعلا يضاهي أفعال الكفار. وقيل أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر. فأما من حكم بالتوحيد، ومن لم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية. والصحيح الأول، إلا أن الشعبي قال: هي في اليهود خاصة. واختاره النحاس قال: ويدل على ذلك ثلاثة أشياء:
منها أن اليهود ذكروا قبل هذا في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ هَادُوا} فعاد الضمير عليهم. وفيها أن سياق الكلام يدل على ذلك ألا ترى أن بعده {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} . فهذا الضمير لليهود بالاجماع. وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقضاء. فإن قال قائل (من) إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها، قيل له (من) هنا بمعنى (الذي) مع ما ذكرناه من الأدلة والتقرير، واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. فهذا من أحسن ما قيل في هذا.
ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أي في بني إسرائيل فقال: نعم هي فيهم ولنسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل - وقيل: {الْكَافِرُونَ} للمسلمين، و {الظَّالِمُونَ} لليهود، و {الْفَاسِقُونَ} للنصارى. وهذا اختيار أبي بكر بن العربي. قال: لأنه ظاهر الآيات.
وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وابن شبرمة والشعبي أيضا. قال طاووس وغيره: "ليس بكفر ينقل عن الملة. ولكنه كفر دون كفر". وهذا يختلف إن حكم ما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة الخ.. الغفران للمذنبين.
قال القشيري: "وقد ذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر". وعزا هذا إلى الحسن والسدي. وقال الحسن أيضا: أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء:
1-
ألا يتبعوا الهوى. 2- وأن لا يخشوا الناس ويخشوه. 3- وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا". انتهى كلام القرطبي.
قال مقيدة عفا الله عنه: الظاهر المتبادر من سياق الآيات: أن آية {هُمُ الْكَافِرُونَ} نازلة في المسلمين؛ لأنه تعالى قال قبلها مخاطبا لمسلمي هذه الأمة {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} . ثم قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
فالخطاب للمسلمين كما هو ظاهر متبادر من سياق الآية. وعليه فالكفر إما كفر دون كفر وإما أن يكون فعل ذلك مستحلا له، أو قاصدا به جحد أحكام الله وردها مع العلم بها.
أما من حكم بغير حكم الله وهو عالم أنه مرتكب ذنبا، فاعلا قبيحا، وإنما حمله على ذلك الهوى فهو من سائر عصاة المسلمين. وسياق القرآن ظاهر أيضا في أن آية {هُمُ الظَّالِمُونَ} في اليهود لأنه قال قبلها:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .
فالخطاب لهم لوضوح دلالة السياق عليه كما أنه ظاهر أيضا مع أن آية: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في النصارى لأنه قال قبلها {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
واعلم أن تحرير المقام في هذا البحث أن الكفر والظلم والفسق كل واحد منها ربما أطلق في الشرع مراد به المعصية تارة، والكفر المخرج من الملة تارة أخرى.
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} معارضة للرسول صلى الله عليه وسلم وإبطالا لحكم الله. فظلمه وفسقه وكفره كلها مخرج عن الملة. ومن لم يحكم بما أنزل الله معتقدا أنه مرتكب حراما فاعل قبيحا فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملة. وقد عرفت أن ظاهر القرآن يدل على أن الأولى في المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى. والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. وتحقيق أحكام الكل هو ما رأيت. والعلم عند الله تعالى ". اهـ من الأضواء بلفظه قبل طبعه.
وبعد هذا العرض من كلام شارح الطحاوية الموجز وكلام الأضواء المفصل، فإني أورد وجهة نظر في هذه النصوص الثلاثة مما توحي الآيات بسياقها:
أولا - الآية الأولى: جاءت تبعا لسباق مكتمل عن اليهود، بدأ من التحذير منهم، {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} إلى قوله تعالى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُم} إلى قوله: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّه} إلى قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ..} وإلى هنا كله في اليهود.. وفي عموم التوراة يحكم بها النبيون ثم جاء في السياق {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} وهنا خطاب للأمة، ثم جاء بعد هذا مباشرة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ..}
ولكن بالنظر إلى ما أعقبه من قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} .. فإن {عَلَيْهِمْ} راجع لليهود قطعا، و {فِيهَا} راجع للتوراة قطعا.. وقوله:{بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} مجمل بالنسبة إلى القرآن أو التوراة، فيكون عطف عليهم فيها في السباق أقرب إلى اعتبار ما أنزل الله هو التوراة. وهذا على الأقل يرجح أن قوله تعالى:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} يعني اليهود: أي نزلت فيهم.. أما حكمها عامة أو خاصة فهذا مبحث آخر..
أما الثانية: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} : تصريح النص والسياق إنها في اليهود لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى آخر: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .
وكذلك الثالثة: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} لقوله: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . فهذه في النصارى لذكر الإنجيل.
ومن ناحية أخرى: إننا لو نظرنا إلى لفظتي (كافرون) و (فاسقون) ، لوجدناهما جاءتا بعد ذكر الكتابين التوراة والإنجيل، أو عموم ما أنزل الله أي أنها في الحكم على من لم يحكم حكما عاما ويأخذ بعموم التشريع بما فيه العقائد والعبادات وتحكيمه ككل لا كجزء.
أما لفظة: (الظالمون) فجاءت عقب تفصيل جزئي في تشريع جانبي خاص بحق الإنسان أي في حق خاص لا في حق عام..
والحق الخاص مبني على القصاص، وهو المساواة أو التسامح، فإن أسقط الإنسان حقه سقطت فيه المطالبة، فمن تصدق به فهو كفارة له.. بخلاف العقائد والعبادات فهي لازمة لا يملك المكلف إسقاطها ولا التصدق بشيء منها.
فهي حق دائر بين المسامحة والمطالبة، {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه} ، و {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ..} ومن طالب بحقه فلا بدّ فيها كلها من القصاص والمماثلة. {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ..} إلى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} . وإذا لم ينفذ هذا ويحكم بمقتضاه كان الظلم لا محالة؛ لأنه إذا أخذت اليد بالعين والسن بالأنف لم تقع المساواة، وإن أخذت عروض وأموال في أحدها..
والحال أن الجاني معتد فإن الظلم لم يرتفع؛ لأن المال عوض العضو وبقي حق الاعتداء، فأي عقوبة بغير القصاص ستكون ظلما؛ لأنها إما زائدة عن العضو فيظلم الجاني، وإما ناقصة فيظلم المجني عليه ولا يرتفع الظلم إلا بالمقاصة. {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} . وهذا أيضا يجعل هذا الوصف وإن كان خاصا في اليهود إلا أنه عام في كل أمة، إذا لم ينفذ حكم القصاص في النفس والأطراف والجروح فهي ظالمة. ولا تكون بذلك وحده كافرة، أي أن هذا جور في الحكم وحيف في الحق وهذا من المعاصي وليس من الكفر والشرك.
وذلك مع اعتبار ما قاله شارح الطحاوية من معتقد الحاكم المتقدم تفصيله وبالله التوفيق.. وهذا ما يتعلق بالمسلمين حاكمين ومحكومين.
أما المواطنين غير المسلمين فإنهم لا يكون إلا محكومين ولكنهم يكونون متساوين مع المسلمين في التقاضي من العدالة والمساواة والإنصاف وضمان الحقوق، قياما لله بالحق {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
حق المواطنين غير المسلمين في التحاكم:
لقد رأينا في المقدمة ما كان عليه حال البلاد المسلمة حينما كانت تحت حكم الاستعمار وما كان عليه حال المستعمرين من تمييز وحماية ثم اختصاص بمحاكم خاصة في ظل الغلبة والقوة.
أما الإسلام فليس فيه شيء من ذلك في نشر العدالة وميزان الحكم كما في قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً} أي لأنهم أضعف من ذلك. ومع هذا الضعف {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي ولو كان المحكوم عليه أو له عدو مخالف. وهكذا يعامل المسلم وغير المسلم على حد سواء. وفي قصة عمر بيان شاف لماّ تحاكم يهودي ومنافق فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد لعلمه أنه لا يأخذ الرشوة. وقال المنافق: نتحاكم إلى فلان، وأخيرا تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم لليهودي ولكن المنافق لم يقبل، فذهب به إلى أبي بكر رضي الله عنه فحكم بما حكم به صلى الله عليه وسلم فلم يقبل وذهب به إلى عمر رضي الله عنه فسبقه اليهودي بالقول وأخبره بما كان من حكمين سابقين فاستمهلهما ودخل فأتى بسيفه وقتل من لم يرضَ بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الحكم لليهودي..
وفي قصة شريح في قضية علي بن أبي طالب مع اليهودي في الدرع أعظم مثَلٍ للقضاء والمتقاضين والحكم النزيه. افتقد عليٌ درعَه سقط عن بعيره فأخذه يهودي فادعاه به فلم يعطه وقال درعي وفي يدي فاحتكما إلى شريح فطلب شريح من عليٍ البينة فقال: ليس عندي إلا الحسن والخادم. فقال له أما الحسن فولدك ولا تقبل شهادته لك، فقال علي: ويحك ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، قال: بلى والله أعلم، ولكن لا بد لك من شاهد آخر، فقال: ليس عندي، فقال لليهودي: انطلق بالدرع، فلما خرج قال: واعجباً والله قاضي المسلمين وإمامه أمير المؤمنين ولم يقبل شهادة ولده له وهو ابن بنت رسول الله، هذا والله هو العدل، يا علي هذا الدرع لك سقط عن بعيرك فأخذته ولكن أردت أن أنظر ماذا سيصنع قاضيك لك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ففرح علي وقال: خذ الدرع فهو لك وخذ هذه مائتا درهم لك.
هذه هي عدالة الإسلام ومساواته بين جميع المواطنين في الحقوق أمام القضاء مما لم يعرف له العالم مثيلاً، لا قديما ولا حديثا.
وقد وضع الفقهاء أبوابا لأهل الذمة في تآليفهم لبيان ما لهم في ظل الإسلام وتحت حكم المسلمين. وقضية الجيش في سمرقند وقضاؤه فيها بأمر أمير المؤمنين الخليفة عمر بن عبد العزيز أعظم شاهد على ذلك وسيأتي التنبيه على محاسن الشريعة ومساوئ القوانين فيما بعد إن شاء الله.
تمثيل رسول الله وتمثيل آل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم
لفضيلة الشيخ محمد المنتصر الكتاني
المستشار العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة
تمثيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرام لا يجوز، بنصوص القرآن والسنة النبوية وإجماع المسلمين وقد يكون ذلك كفرا وزندقة.
وكما لا يجوز تمثيله صلوات الله عليه، لا يجوز حضور تمثيله، ولا الموافقة عليه، ولا مساعدة مرتكب ذلك بأي نوع من أنواع المساعدة إذناًله، أو تصوير الكعبة المشرفة، أومكة المكرمة، والضريح النبوي، والمدينة المنورة، أو أي شيء في معناها ليظهر حاكيه عليه الصلاة والسلام في منزل الوحي، ودار ولادته، ومرتع صباه، ودار هجرته ومدفنه صلوات الله وسلامه عليه.
ومرتكب ذلك بالتمثيل نفسه، أو الحضور فيه، أو معاونته، أو الموافقة عليه بفتوى، أو جاه، أو نفوذ أو أي شيء يكون منه لعمل ذلك التمثيل، فاعل ذلك بنفسه، أو بتأييده، ولو باللسان، فضلا عن المشاركة ملعون بلعنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ومع اللعنة يعاقب أيضا بالطرد من بلده والنفي من بين قومه وعشيرته.
وكذلك لا يجوز ويحرم تمثيل آل بيت النبوة، وأصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويجب احترامهم بأمر الله تعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والممثلون أهل لعب ومجون، وأهل كذب واستخفاف، وقد يصل بهم اللعب في التمثيل والكذب إلى الاستخفاف بمن يجعلونه غرضا لذلك التمثيل وهدفاً، وإذ ذاك يصبح التمثيل كفرا وزندقة، عقوبته القتل بلا استتابة، ولا يبقى حكمه عدم الجواز والحرمة فقط، ولا يكفي في عقوبته اللعنة لمرتكبه والساعي فيه والنفي من البلاد فقط.
ونص التحريم من القرآن الكريم قوله تعالى لمن جعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هدفا للعبهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} .
قال ابن العربي المعارفي: "لا يخلوا أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة".
ونص التحريم من السنة النبوية، قصة الحكم بن أبي العاص الأموي، ومحاكاته للنبي صلوات الله وسلامه عليه، قال ابن عبد البر الأندلسي: "كان الحكَم يحاكي النبي صلى عليه وسلم في مشيته وبعض حركاته، أي كان الحكم يمثل النبي صلوات الله عليه، وكان الحكم من مسلمة الفتح ومطلقيهم.
ذكروا أن النبي صلوات الله وسلامه عليه كان إذا مشى يتكفأ، وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه – يمثله-، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فرآه يفعل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:"فكذلك فلتكن"، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ.
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: "كان الحكم يجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم، فبصر به عليه الصلاة والسلام، فقال: "كن كذلك"، فما زال يختلج حتى مات".
وروى الفاكهي: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص ونفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة إلى الطائف.
وروى ابن أبي خيثمة وغيره بعدة أسانيد عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لمروان: "فاشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه"، ورواه النسائي والحاكم وابن مردويه وغيرهم، ورواه الإسماعيلي وسكت عنه الحافظ، وهو بسكوته عنه يعتبر صحيحا حسب قاعدته، وكذلك قال له أخوها عبد الرحمن:"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك" رواه البزار وحسنه الهيثمي.
وورد ذلك عن الحسن والحسين ابني علي عند أبي يعلى في مسنده.
وورد أيضا عن ابن الزبير عند أحمد والبزار في مسنديهما، والطبراني في معجمه، وصححه الهيثمي، وعن عمرو بن مرة الجهني رفعه: فعلى -الحكم- لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ورواه الطبراني ووثقه الهيثمي، وورد لعنه عن عبد الرحمن بن عوف عند الحاكم، وعن عبد الله بن عمر عند الطبراني، وعن عطاء الخراساني مرسلا عند الفاكهي، فهو برواته العشر متواتر، وصححه الحاكم والحافظ والهيثمي.
وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب بسنده إلى قاسم بن أصبغ في سننه، عن عبد الله بن عمر وابن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يدخل عليكم رجل لعين، قال: فدخل الحكم ابن أبي العاص" ورواه احمد والبزار في مسنديهما والطبراني في معجمه، وصححه الهيثمي.
وهجا عبد الرحمن بن حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مروان ولد الحكم فقال:
إن اللعين أبوك فارم عظامه
إن ترم ترم مخلجاً مجنونا
يمسي خميص البطن من عمل التقى
ويظل من عمل الخبيث بطينا
وقال الحافظ في الفتح: "وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان.. أخرجهما الطبراني وغيره، بعضها جيد."
وروى الطبراني من حديث حذيفة بن اليمان: "لما ولي أبو بكر الصديق الخلافة، كُلِم في الحكم أن يرده من الطائف إلى المدينة فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقصة الحكم في محاكاته وتمثيله للنبي صلوات الله وسلامه عليه بمشيته وحركاته، دليل على عين النازلة كما يقول الفقهاء وعلماء المناظرة.
وتمثيل الحكم للحركات النبوية والمشية النبوية، إما أن يكون ذلك منه استهزاء برسول الله والرسالة، ولو كان استهزاء لكان الحكم مرتداً، وجزاء المرتد المستهزئ برسول الله والرسالة، القتل بإجماع الأمة، كان المستهزئ مسلماً أو ذمياً، كما نص على ذلك علماء جميع المذاهب، وفي هذه المسألة صنف أبو العباس ابن تيمية كتابه الكبير: الصارم المسلول على شاتم الرسول.
وإما أن يكون الحكم بتمثيله للحركات النبوية والمشية النبوية متلاعبا فقط، واكتفاء رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بلعنه ونفيه، دليل على اعتباره له يلعب، ولذلك لم يقتله، وبذلك يتم المقصود من أنه لعب وليس استهزاء.
فصح بهذا الدليل أن التمثيل برسول الله والرسالة لعب، واللعب بذلك حرام لا يجوز، ملعون اللاعب بفعله وحضوره وتأييده، ومع اللعنة حكمه أن ينفى من بلاده إلى بلاد لا عشيرة له فيها ولا أهل، كما نفى الحكم من المدينة المنورة من بين أهله وولده وعشيرته إلى الطائف، حيث عاش غريبا مطرودا بقية حياة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وفي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي خلافة عمر الفاروق رضي الله عنه، وإلى سنوات من الخلافة العثمانية.
والممثل يتخيل ويكذب في كلامه على الذين يمثلهم، يكذب عليهم قولاً فيما تخيل عنهم أنهم قالوه، ويكذب عنهم في محاكاةحركاتهم وتصويرها للناس في حركات أعضائه من قيام وقعود وضحك وبكاء وحزن وفرح، فالممثل كاذب في تمثيله بحاله ومقاله، والممثل لرسول الله يكون كاذبا على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
وفي الحديث المتواتر عن مائتي صحابي عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
وكما قال أبو العباس ابن تيمية: "وليس يخفى أن من كذب على من يجب تعظيمه - كرسول الله - فإنه مستخف به مستهين بحقه".
وعقوبة الكاذب على رسول الله القتل، لقد أجمع الفقهاء على ذلك كما قال ابن تيمية، وقتل الخلفاء الكذبة على رسول الله في عهود مختلفة.
وقد أمر الله تعالى الناس كل الناس بتعظيم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، واحترامه وتعزيره وتوقيره، زيادة على الإيمان بنبوته ورسالته وأنه خاتم الأنبياء، وأنه مرسل إلى الناس كافة إلى يوم القيامة، فمن مثله بشخصه الكريم جسما أو كلاما أو حركات يكون متلاعبا، والتلاعب منافٍ للتعزير والتوقير والتعظيم والاحترام.
قال أبو العباس ابن تيمية: "إن الله سبحانه وتعالى أوجب لنبينا صلى الله عليه وسلم على القلب واللسان والجوارح حقوقا زائد ة على مجرد التصديق بنبوته". قال:
"ومن حقه: أن يكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} .
ومن حقه: أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه ووالده وجميع الخلق.
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} . وفي الصحيحين: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده وولده والناس أجمعين".
ومن ذلك أن الله أمر بتعزيره وتوقيره، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} . قال: "والتعزير اسم جامع لنصره وتأييده من كل ما يؤذيه.. والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والاكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.
ومن ذلك أنه حرم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرم رفع الصوت فوق صوته، وأن يجهرله بالملام كما يجهر الرجل للرجل، وأخبر أن الذين ينادونه وهو في منزله لا يعقلون، لكونهم رفعوا أصواتهم عليه، ولكونهم لم يصبروا حتى يخرج إليهم. قال: وأخبر أن ذلك سبب حبوط العمل، فهذا يدل على أنه يقتضي الكفر، لأن العمل لا يحبط إلا به.
وأخبر أن الذين يغضون من أصواتهم عنده هم الذين امتحنت قلوبهم للتقوى، وأن الله يغفر لهم ويرحمهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . قال:
ومن ذلك: أن الله حرّم على الناس أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضا، تمييزا له، مثل أن ينكح أزواجه من بعده {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} . قال:
ومن ذلك أنه خصه بالمخاطبة بما يليق به فقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} . فنهى الله أن يقول أحد من الناس: يا محمد، أو: يا أحمد، أو: يا أبا القاسم، ولكن يقولون: يا رسول الله، يا نبي الله.
قال أبو علي: وإذا ذكر في غيبته حيا أو ميتا يقولون: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نبي الله صلى الله وعليه وآله وسلم، فقد قال:"البخيل كل البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي".
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: "وكيف لا يخاطبه الناس بذلك والله سبحانه وتعالى أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدا من الأنبياء، فلم يدعه باسمه في القرآن قط، بل يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ..} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} ، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ} ، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} ". قال: "مع أنه سبحانه وتعالى قد قال للأنبياء قبله: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} ، {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم} ، {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ، {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} ، {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاس} ، {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} ، {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} ، قال:
"وقد أوجب الله على جميع الخلق أن يقابلوه من الصلاة والسلام والثناء والمدحة والمحبة والتعظيم والتعزير والتوقير والأدب معه في الكلام والطاعة للأمر والنهي. قال:
"ومن ذلك أن الله رفع له ذكره فلا يذكر الله سبحانه إلا ذكر معه، ولا تصح للأمة خطبة ولا تشهد حتى يشهدوا أنه عبده ورسوله، وأوجب ذكره في كل خطبة، وفي الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام، وفي الصلاة التي هي عماد الدين". قال:
"وقرن الله ذكره بذكره، وجمع بينه وبينه في كتابة واحدة، وجعل بيعته بيعة له، وأذاه أذى له، إلى خصائص لا تحصى.
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} ، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} قال:
"وكان من ربه بالمنزلة العليا التي تقاصرت العقول والألسنة عن معرفتها ونعتها، وصارت غايتها من ذلك بعد التناهي في العلم والبيان، الرجوع إلى عيها وصحتها". قال:
"فمن ذلك أن الله تعالى أمر بالصلاة عليه والتسليم بعد أن أخبر أن الله ملائكته يصلون عليه، والصلاة تتضمن ثناء الله عليه، ودعاء الخبر له، وقربته منه ورحمته له، والسلام عليه يتضمن سلامته من كل آفة، فقد جمعت الصلاة عليه والتسليم جميع الخيرات، ثم إنه يصلي سبحانه عشرا على من يصلي عليه مرة واحدة، حضا للناس على الصلاة عليه، ليسعدوا بذلك، وليرحمهم الله بها.
ويقول أبو علي - كما أبو العباس رحمه الله:"فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ولواء الحمد الذي تحته كل حماد، صلى الله عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأعلاها وأكملها، وأنماها كما يحب سبحانه وتعالى أن يصلى عليه، كما ينبغي أن يصل على سيد البشر، والسلام على النبي ورحمة الله وبركاته أفضل تحية وأحسنها وأولاها وأبركها وأطيبها وأزكاها، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الثناء، باقيين بعد ذلك أبدا رزقا من الله ما له من نفاذ".
فممثل رسول الله متلاعب به ومتماجن، ومفتر عليه كاذب، ومستهين برسول الله وحقه، لا أدب عنده معه وغير معظم له، ولا محترم ولا معزز له ولا موقر، ومن كان كذلك من الناس فهو عاص لله ولرسوله، مخالف لكتاب الله وسنة نبيه، وعليه ما على العصاة من لعنة وطرد وعقوبة ومقت.
وبذلك صح الاجماع من الأمة على أن التمثيل برسول الله حرام، والاجتماع حجة ثالثة، وكتاب ابن تيمية الصارم المسلول، هو بصفحاته الستمائة بيان لهذا الإجماع ودليل تفصيلي عليه.
وأما تمثيل آل بيت نبينا، وهو كذلك استهتار بهم وسوء أدب معهم، لم تطهرهم من رجس اللعب والمجون من الكذب عليهم والافتراء بالقول والحركات والملامح والشارات - من مثلهم أو مثل واحدا منهم وقد قال تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً..}
وقد ورد في تفسير الآية عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فيما صح عنه وتواتر ورواه عنه عشرة من الصحابة رجالا ونساء ودونته عنه أمهات السنّة.
فعن أم سلمة أم المؤمنين عند سنن الترمذي وصححه، وصحيح الحاكم، وسنن البيهقي، وغيرهم قالت:"في بيتي نزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} . وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام، فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا".
وروته عائشة أم المؤمنين عند أحمد في المسند، ومسلم في الصحيح، ورواه أبو سعيد الخدري عند معجم الطبراني، وسعد عند صحيح الحاكم، وواثلة بن الأسقع عند أحمد في المسند، والحاكم في الصحيح، والبيهقي في السنن، وغيرهم، وأنس عند جامع الترمذي وصححه، ومسند أحمد، وصحيح الحاكم وغيرهم، وزيد بن أرقم عند صحيح مسلم، وابن عباس في معجم الطبراني ودلائل أبي نعيم، ودلائل البيهقي وأبو الحمراء عند تفسير ابن جرير، وتفسير ابن مردويه، قال الترمذي: وفي الباب عن معقل بن يسار فهو برواته العشر متواتر قال أبو العباس ابن تيمية: "وقد أوجب الله على جميع الخلق رعاية حرمة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، في أهل البيت والأصحاب، بما لا خفاء به على أحد من علماء المؤمنين".
فحرمتهم حرمة رسول الله، ومحبتهم محبة لرسول الله، والأدب معهم أدب مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
ومن مثلهم أو مثل واحدا منهم لم يحترم رسول الله، ولم يحبه، ولم يتأدب معه، وكان من العصاة المستهزئين، وعليه ما على العصاة والجناة من أدب وتعزير.
وآل البيت قد أمر النبي صلوات الله وسلامه عليه بالتمسك بهم، وقرن التمسك والهداية بهم، بالتمسك والهداية بكتاب الله، وإن التمسك بهما منقذ من الضلال، وإنهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، إلى لقاء رسول الله بهم في الجنة قال ذلك وخطب به في مائة ألف أو يزيدون من أصحابه يوم حجة الوداع.
ورواه عنه جماعة من الصحابة، وقرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبه بحب الله، وحب آل البيت بحبه.
فعن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم قال: "قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ ". أخرجه الترمذي في السنن وحسنه.
ورواه جابر بن عبد الله فقال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي". أخرجه الترمذي في السنن وحسنه وقال: "وفي الباب عن أبي ذر، وحذيفة ابن أسيد".
وعن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وىله وسلم: "أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي". أخرجه الترمذي في السنن وحسنه، والحاكم في الصحيح.
فمن مثل آل البيت لم يتمسك بهم، ولم يهتد بهديهم، ولم يقرنهم بالقرآن الكريم اهتداء وأسوة، وكان متلاعباً ماجناً عاصياً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ووجب عليه لذلك العقوبة والتعزير.
وتمثيل الصحابة كذلك مجون ولعب، قد أعرض عن حبهم واحترامهم من مثل بهم، وكذب في تمثيله عنهم، وافترى عليهم بتخيلاته عنهم قولا، وبحركاته التمثيلية لهم فعلا، وارتكب فاعل ذلك، المستهتر بهم مخالفة الله تعالى في رضاه عنهم مهاجرين وأنصاراً، واستبدل الدعاء لهم كما أمره الله، باللعب بهم، وعدم الأدب معهم.
قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} . وقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .
وقد أوصى بهم صلى الله عليه وسلم، وأمر أن لا يتخذوا غرضا وهدفا في اللعب والإستهتار بهم، وأوجب حبهم، وقرنه بحبه، وحرم بغضهم، وقرنه ببغضه، وجعل أذاهم أذاه.
فعن عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بأصحابي". رواه أحمد في المسند، والترمذي في الجامع، والحاكم في الصحيح، وعن عبد الله بن المغفل المزني قال رسول الله لى الله عليه وسلم:"الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه". رواه أحمد في المسند والترمذي في الجامع.
وقد قال أبو العباس ابن تيمية: "قد أوجب الله على جميع الخلق رعاية الحرمة في أهل البيت والأصحاب بما لا خفاء به على أحد من علماء المؤمنين".
فتمثيل الصحابة لعب بهم، ومن اتخذهم هدفا وغرضا للعبه أبغضهم ولم يحبهم ولم يقم بحقهم، وكان في ذلك آذاهم، ومن آذاهم آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه الله وينتقم منه، ولكن الله يمهل ولا يهمل، حتى إذا أخذ الفاجر لم يفلته، وجعله عبرة للمعتبر.
فتمثيل رسول الله موجب للعنة الله، ويعاقب بالنفي مع اللعنة.
وتمثيل آل بيت رسول الله موجب لغضب رسول الله مع التعزير.
وتمثيل أصحاب رسول الله إذاية لرسول الله وإذاية رسول الله مقت ومع المقت التعزير.
كل هذه العقوبات والتعزيرات إذا كان الممثل يلعب، أما إذا كان يستهزئ والاستهزاء برسول الله وما كان بسبيل من رسول الله كفر أو ردة، وعقوبة ذلك القتل بلا استتابة.
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} ، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} .
مراجع الحكم والفتوى:
1-
كتاب الله. 2- تفسير ابن جرير. 3- تفسير القرطبي. 4- جامع البخاري. 5- صحيح مسلم. 6 - صحيح الحاكم. 7- جامع الترمذي. 8- مسند أحمد. 9- دلائل النبوة لأبي نعيم.10-دلائل النبوة للبيهقي. 11 - سنن البيهقي الكبرى. 12- مجمع الزوائد للهيثمي. 13- فتح الباري للحافظ. 14- شرح مسلم للنووي. 15- عارضة الأحوذي لابن العربي. 16- الاستيعاب لابن عبد البر. 17- الإصابة للحافظ. 18- الصارم المسلول لابن تيمية.
العدوان على بنت عدنان
بقلم الدكتور يوسف عبد الرحمن الضبع
المدرس بكلية الشريعة بالجامعة
لقد سبقت كلمتنا في تبيان خطأ ما تلهج به الألسنة وتطالعنا به الصحف من جمع ما يوازن (مفعول) على (مفاعيل) مثل مشروع وموضوع ومكتوب ومنشور. وأن الصواب العدول بها وبأمثالها عن جمع التكسير على وزن (مفاعيل) فلا يستقيم وفق كلام العرب (مشاريع ومواضيع ومكاتيب ومناشير) وإنما يستقيم ويتعين في لغة الضاد جمعها جمع تصحيح لمذكر بالواو والنون رفعا وبالياء والنون نصبا وجرا إذا توفرت فيها شروط مفرده من علم أو صفة مما هو مسطور في كتب النحو وسيطها وبيسطها ولا يستعصى رجعه إلى نظم العلامة ابن مالك:
وارفع بواو واجرر بيا وانصب
سالم جمع عامر ومذنب
وألمعت إلى ما أفاده المحقق الصبان ماتحا من عباب الإمام ابن هشام، وسقت عشر آيات محكمات يسير على نارها من يروم الرشاد. وأبنت استحسان رجع جمع طائفة منها بالألف والتاء في أحواله الثلاثة إذا نبا به جمع المذكر السالم، وعليه فيقال في الفصيح: مشروعات لا مشاريع وموضوعات لا مواضيع ومكتوبات ومنشورات لا مكاتيب ولا مناشير، وغير خاف أن مفرد مناشير منشار لا منشور مثل مفاتيح ومصابيح جمع مفتاح ومصباح.
ولعله غير خاف أن موازن مفعول من الأسماء الآنفة، منقول من الوصف إلى الموصوف فهي صفة موصوف محذوف مثل {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أي دروعا سابغات نظير {أَيَّامٍ مَعْدُودَات} ، {وَقُدُورٍ رَاسِيَات} ، مما ذكر فيه الموصوف. وذلك باب يسلم قارعه إلى نبراس القياس الذي جلاه الإمام الشاطبي في أرجوزته العذبة:
وقسه في ذي التا ونحو ذكرى
ودرهم مصفر وصحرا
وزينب ووصف غير العاقل
وغير ذا مسلم للناقل
وما أجمل هندسة النحاة ومن ذاق عرف في تنسيقهم جنس الكساء بين الرجال والنساء وفق الشريعة الغراء {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُّنْثَيَيْن} . حيث أجرى الله على لسان ناظمهم:
وما بتا وألف قد جمعا
يكسر في الجر وفي النصب معا
وبديهي أن الكسرة نصف الياء التي يعرب بها ما سلم فيه بناء مفرده من جمع المذكر نصبا وجرا وإلى ذلك الإشارة من قول ابن مالك:
وبيا اجرر وانصب
سالم جمع عامر ومذنب
فإن قال نحوي عصري إن الواو وليدة الضمة، وإن الكسرة أم الياء، فكيف يفوق الفرع أصله، فقل لهذا الأعشى وأنت لا تخاف ولا تخشى: إن بين علامات الإعراب وأشراط الساعة نسبا وصهرا فلا بدع أن تلد الأمة ربتها ولا غرابة في سمو بنت عدنان كما سما برسول الله عدنان.
وإن لغة القرآن لتتوارى من القوم من سوء ما ينطقون به وتلوكه ألسنتهم من جمع كلمة (مدير) على (مدراء) ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير حيث يستعيضون عن السمحة بالسمحاء في وصف شريعة السماء، وهذان لحنان فاحشان يأباهما القياس الصحيح وينفر منهما ذوق العربي السليم ولا تقرهما نظرية الإمام ابن جني في خصائصه ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب.
فإن كان الكرام الكاتبون يقيسون السمحاء على الغراء والبيضاء فقد طاش قياسهم لأن موازن أفعل فعلاء مذكرا ومؤنثا إنما يطرد فيما دل على لون أو عيب أو حيلة، من ذلك قول أفصح من نطق بالضاد عليه الصلاة والسلام:"تركتكم على المحجة البيضاء". وقول الواصف العربي (يوم أغر وليلة غراء) وسوى ذينك كثير مما فاضت به ألسنة الشعراء وسالت معه أودية الكتاب والخطباء.
ومحور المادة (سمح) الذي إليه ترد وتدور حوله إنما هو الجود والسهولة وهما مصدر ما انتزع منها مشتقاً من السماح والسماحة وغلب استعمال الثانية على الأولى قديما وحديثا مدلولا بها على نسبة معناها تسير جنبا إلى جنب مع الفضيلة كلقبين مرموقين من ألقاب نابهي العلماء، وقد سلك بصاحب السماحة طريق معين هذا العصر في مصر فصار علماً بالغلبة على لون خاص وما لبث أن انطلق به إلى ساحة السعودية فلز في قرن ألقاب المفتي الراحل غفر الله له الشيخ محمد بن إبراهيم تغمده الله برحمته ثم ورثه من بعده بحق خليفته وابنه الروحي العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز مدّ الله في حياته النافعة ويكاد زيته يضيء فتشرق به أسماء ثلة من رجالات القضاء.
وقد جاء لفظ السماحة درة في عقد مدائح الشعراء قديماً طوقوا بها أعناق ممدوحهم وفي طليعتهم أمير نيسابور عبد الله بن الحشرج الذي ود أن يكون كثير حينما جعل له لسان صدق في الآخرين حامل علم القريض معاراً مكروراً:
إن السماحة والمروءة والندى
في قبة ضربت على ابن الحشرج
بيت دعائمه أعز وأطول في باب المديح من قول تربه:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
ولا يساميه إلا قول صنوه:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
ونعود بالقارئ الكريم إلى مستقر المادة فنجد مذكرها مذكوراً في مضمار المديح:
والسمح في الناس محمود خلائقه
والجامد الكف لا ينفك ممقوتاً
كما نلقى مؤنثها بالتاء لا غير مسطوراً في وصف إحدى المعطرات الهاطلات:
ديمة سمحة القياد سكوب
مستغيث بها الثرى المكروب
وليست هناك علامة ثالثة للتأنيث سوى التاء والهمزة المقصورة والممدودة.
قال العلامة ابن مالك في ألفيته:
علامة التأنيث تاء أو ألف.
ويقصد بالألف الهمزة بنوعيها السالفين فكلمة السمحاء التي يسرف في استعمالها الخاطئون المخطئون ليست من بين الألفات الممدودة التي تتدرج تحت وزن فَعْلاء لأن هذا الوزن محصور في الأسماء الجامدة كصحراء وفي المصادر كرغباء وفيما يدل معناه على الجمع كطرفاء اسم جنس جمعي واحدته طرفاءة وطرفة لشجرة الأثل وبها لقب الشاعر عمرو (طرفة بن العبد) .
ويأتي صفة لمؤنث مذكره على وزن أفعل ويطرد في الألوان والحلي والعيوب مثل أبيض وبيضاء وأفلج وفلجاء وأعور وعوراء. وقد لا يكون لذلك الوزن من المؤنث مذكر من لفظة على وزن أفعل، مثل حسناء توصف به الغادة ولا يوصف منه المذكر فلا يقال في مقابلها أحسن ومثل سحابة هطلاء فلم يسمع منه سحاب أهطل.
أما كلمة (مدراء) التي تطالعنا بها الصحف فأنا نراها نكراء بتراء تأباها الجموح القياسية وتلوى دونها أعنة الجموع السماعية وإن مفاتيح كنوز الصرف من لدن معاذ الهراء إلى عصر البهاء لم تدع دفيناً إلاّ جلّته ولا صدأ إلاّ جَلَته ولا خطأ يكون له وجه من الصواب إلا برأته. ألم ترَ إلى النحاة كيف نعوا على البهاء زهير إطلاق كلمة (الست) على حليلته بديلاً عن سيدة بيد أنه التمس لها تعليلاً حسناً ووجهاً متقبلاً معقولاً واتجه إلى أوديتهم مناجياً ومنادياً:
بروحي من أناديها بستي
فينظر لي النحاة بعين مقت
يرون بأنني قد قلت لحناً
وكيف وإنني لزهير وقتي
ولكن غادة ملأت جهاتي
فلا لحن إذا ما قلت ستي
ومن قبله علماء الكوفة وقد لهجو بالأشعار والتندر بالقصص والأخبار على حين استبق الباب لحقول النحو عقول مشيخة البصرة فعقلوا شوارده وقيدوا أوابده وأرسوا قواعده على أسس قويمة من شواهد متواترة وأدلة متضافرة من كتاب الله وسنة رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم يضيفون إليها ما صافح أسماعهم من مشافهة فصحاء البادية ويضفون عليها حلة الحكمة من ينابيع الشعراء الأقدمين.
وهذا طابع مذهب البصريين في قواعدهم وذلك منهجهم في القياس أدلة وبراهين يأخذ لاحقها بيد سابقها.
فلما أفاق الكوفيون من سباتهم وهم من جلدتهم ويتكلمون بألسنتهم كبر عليهم أن يتخلفوا عن ذوي قرباهم في ميدان النحو مروض اللسان وفتقت لهم منافستهم عن حيلتهم في استخلاص قواعد الصرف من مسائل النحو بعد أن أقبلوا إليه يزفون وفي أوديته يهيمون وكانت لهم إلى استنباط قواعد الصرف مشاركة للداتهم من أبناء البصرة في مذهب نحوي كوفي جديد على حين أنهم فتحوا باب السماحة والتسامح على مصراعيه كما تحروا رشداً في شواهدهم واستدلالهم لقواعدهم بل كانوا يستدلون بنصف البيت ولو كان مجهول القائل كشاهد نحوي مما جعل قياسهم يغشاه القيل والقال.
ولقد عنيت بمراجعة صيغ الجموع وصيغ منتهى الجموع بعد دراسة تحليلية تفصيلية لعلي أجد على النار هدىً لتصويب جمع (مدير على مدراء) من عهد الإمام الأول لفن الصرف معاذ الهراء فكنت كالراقم على الماء والناقش في الهواء ثم أبت إلى التراكيب وإنه ليحزنني أن توصف بالأساليب التي تدع المخطئين الخاطئين إلى استعمال هذا الجمع النائي عن الصواب فوجدتها تأتي بعد ذكر الأمراء والوزراء وظني وهو يصدق أحيانا أن الذي طوع جمع مدير على مدراء لزها في قرن الأمراء والوزراء قياسا فاسدا عليهما مع البون الشاسع بينها وبينهما حيث إنه بوزن المفرد يتجلى الفرق لأن وزن أمير ووزير (فعيل) لأن فعليهما (أمر) و (وزر) وكلاهما ثلاثي غير مزيد فيه فيجمعان جمع تكسير على وزن فعلاء فيقال وزراء وأمراء. أما (مدير) فوزنها (مُفْعِل) بميم زائدة لأن فعلها (أدار) بهمزة زائدة في أوله فلا تجمع هذا الجمع لأنه خاص بمثل أمير ووزير وما تضمن معنى يضاهي ما تضمناه من صفة لازمة وكان على وزن فاعل مثل عالم وشاعر. قال العلامة ابن مالك:
ولكريم وبخيل فعلا
كذا لما ضاهاهما قد جعلا
ولقائل أن يقول: فعلام تجمع إذن كلمة مدير وأمثالها؟ ، وإنا لنعم المجيبون إن لها في جمعي التصحيح مراغماً كثيراً وسعة وهي في أفيائهما مجمعة مرصعة، منيبين إليه واتقوه. ألا ترى أيها القارئ الكريم أن (مجيبون) جمع مرفوع مفرده (مجيب) وفعله أجاب على وزن أفعل وتصريفها في اسم الفاعل في كل منهما على نسق واحد حيث أعلا بنقل حركة الواو وهي الكسرة إلى ما قبلهما ثم أعلّى بقلب الواو ياء لسكونها بعد كسرة وتلك قاعدة حرفية مطردة ومثلهما كلمة (منيبين) منصوبة ومجرورة. {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} ، والويل كل الويل لمن {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} الآية.
زائرة الليث
بقلم الشيخ محمد المجذوب
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة
يقول صحبي وأولو الفضل لي:.
أين الذي أعددت للمحفل؟.
وقد دروا بأنني مثلهم.
لا أنا بالسّالي ولا بالخلي.
لكنها الفجأةُ قد ضيقتْ.
مذاهب القول على المجتلي.
أفي لُيَيْلاتٍ قِصارِ المدى.
يقتحم الشعرُ حِمى الفيصل!.
وأين من أمجاده منطقي!.
وأين من وجدي به مِقْولي [1] .
مَلْكٌ حباه الله ما لم يُتَحْ.
لحاكمٍ من خُلُقٍ أمْثل.
أحيا به الأنموذج المقتدى.
من معجزاتِ السّلف الأول.
بصيرةٌ زوّدها ربُها.
بكل ما يُفضي إلى الأفضل.
وحكمةٌ مهما ادلهمّ الدجى.
واشتدّ وقعُ الخطبِ لم تُفْلل.
إذا هوى ذوو القُوى ذهّلاً.
في غمرةِ الأحداثِ لم تذهل.
كأنه منها _ ولو مفرداً _.
في قمة عَصماءَ أو جحفل.
وخشيةٌ للهِ قد ذلّلَتْ.
لهُ الصِعابَ اللاءِ لم تُذْلَل.
زفّت له قلوبَ أهلِ التقى.
ومَزّقتْ حُشاشةَ المُبْطِل.
فهذهِ أمةُ خير الورى.
تَحُفُه بحبها الأكمل.
من كل صوبٍ تقتضي إثرَه.
كظاميء يهفو إلى المنهل.
ترجو به عَوْداً إلى ربها.
غِبّ ضَياعٍ طال في المَجهل.
وبعد طغيان دجا ليلُه.
من مِحَنٍ لمّا تكدْ تنجلي.
دسّ لظاها بين أحنائها.
كلُ غوٍ من صفوةِ الجُهّل.
دمّرَ بالتضليل طاقاتِها.
وسامها الخسفَ ولم يَحفل.
ويزعم العقل رقيقاً له.
وهو الذي مذ كان لم يعقل.
حتى إذا الهولُ طغى قاصفاً.
يوشكُ أن يَعصفَ بالمشعل.
وطاشت الأحلامُ واستحكمتْ
.
براثن الباطل في العُزّل.
واستيأس العُرْبُ، وقد طَوّحَبْ.
بهم رياح الغربِ والشّمْأل.
فأصبحوا منهبةً للورى.
ومغنماً للطامعِ المعجل.
يعدو عليهم كلُ ذي مِخلبٍ.
وعاث فيهم كل ذي مُنْصُل.
حتى غدوا، وبأسُهم بينهم،.
كخابطٍ ضلّ عن الموئل.
هناك، والأرزاءُ في أوجها.
قد طَمَسَتْ حتى الصراط الجلي.
دَوّى نداءُ الفيصل المجتبي.
بالحق يحيي مَيّتَ المَأمل.
يُهيبُ بالعرْب: ألا هَبّةً.
تغسلُ عارُ السابعِ المخجل.
وهاكمو نفسي وآلي، ولو.
سألتم الأرواحَ لم نبخل.
ما النفط إلاّ بعضُ أسيافنا.
لنصركم. . فأومئوا يُبْذَل.
وانطلقتْ من مكة صيحةٌ.
تهتف: لا.. بالغاشمِ الحُوّلِ.
زأرةُ ليثٍ قولُهُ فعلُهُ.
كنفخةِ الصورِ سَرَتْ من عَل.
تقولُ للسّادرِ في غَيّهِ:.
أسرفتَ في الكِبْرِ.. ألا فانزل.
فلم يكن إلاّ كخفق الرُؤى.
حتى أُصيبَ البغيُ في المَقْتَل.
فسلْ بعزم فيصلٍ (نِكْسُناً) .
وكلّ غلابٍ لدى المُعضِل.
واسألْ به (كِسِنْجِراً) والأولى.
وراءه من طغمة الكَرْمَل.
واستنطقِ الدنيا تُحَدّثْ بما.
قد خبرت من حزمهِ المُذهِل.
فكم بواشنطنَ من نائحٍ.
وكم بأوروبّةَ من مُعْوِل.
كُلّهمُ يَندبُ أحلامَه.
وناعمَ العيش الذي قد بَلي.
والطاقةَ التي بها سلّطوا.
على الحياةِ شِرعةَ السُفّل.
مصانعٌ قد جمدتْ فجأةً.
وقد تلاها جَمَدُ الأرجل.
وما ظلمناهم، وقد جاوزوا.
بالظلمِ حتى قسوةِ الجندل.
والثأرُ حقٌ، فإذا ما غلا.
في ردهِ الموتورُ لم يبْذَل
.
وفي جنيفٍ_ ليتها لم تكن _.
قد وُضع السيفُ على المَفصلِ.
والويلُ للغربِ إذا لم يَشُبْ.
لمنهجِ الرشد، ولم يَعدل.
مآثرٌ عمّ بها فيصلٌ.
دنيا الأعاريبِ ولم يأتلي.
ألنيلُ والأردنُ من فيضِها.
وَبَرَدى في سُحُبٍ هُطّل.
فيا لها من هِمّةٍ حيّرَتْ.
أولي النهى، ولم تزل تعتلي.
ردّتْ إلى قومي إيمانَهم.
بوثبةٍ نحو الغد الأفضل.
وليسَ ينفكُ لهم دائباً.
يرأبُ صدعَ الاخوةِ الغُفّل.
حتى غدا التضامنُ المرتجى.
قائدَهم لِلموعدِ المُقْبلِ.
قد عرفوا في ضوئهِ دربَهم.
تحتَ لواءِ الصادقِ المرسَل.
يمضي بهم للنصر قُدْماً، ومن.
ينصرْ كتابَ اللهِ لا يُخْذَل.
فكل أرضٍ فوقها مُسلمٌ.
أو منصفٌ تُثني على فيصل.
فلا يلمني عاذلٌ إنْ رأى.
قصورَ شعري عن مداه العلي.
عجزُ بياني دونهُ حجةٌ.
عذري بها فوق مُنى العُذّل.
وفي حمى البيت تجيش الرؤى.
ويَشمُس الفكرُ على المِقول [2] .
وعيدُنا العيدُ الذي زانه.
معلّم المجد بأبهى الحلي.
والشعر فيض القلب قد تفرضُ ال.
ـعِيّ عليه هيبةُ المحفل.
فكيف.. والمَلْكُ إمامُ الهدى.
أخو الليوث وأبو الأشْبُل!.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
المِقول هنا: اللسان.
[2]
المِقول هنا: القول البليغ.
.
لا محاباة في الإسلام
لفضيلة الشيخ محمود عبد الوهاب فايد
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة
أخرج الإمام أحمد في مسنده ج1 ص106 عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معه بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف ورحيين وسقاء وجرتين. فقال علي لفاطمة رضي الله عنهما ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري قال: وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بك أي بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله فأتيناه جميعا فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله. والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة رضي الله عنها: قد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا فقال رسول الله صلى الله. عليه وسلم: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوي بطونهما لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما. فثارا فقال: مكانكما ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ ، قالا: بلى، فقال: كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام فقال: تسبحان في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين. قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق ولا ليلة صفين".
ما أبدع هذا الحديث! وما أجمله!
فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم يزفها والدها إلى زوجها بجهاز متواضع، جهاز لا يساوي سوى دراهم معدودة، جهاز لا يغريهما بالركون إلى الدنيا، والاشتغال بلذائذها، بل يزهدهما فيها ويباعد بينهم وبين الافتتان بها.
فاطمة هذه هي بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي هو ابن عمه، وزوج ابنته، يسقي للناس حتى آذاه برد الماء، جاء فجلس إلى جوار شريكته في الحياة، يسر إليها نجواه، ويبث إليها شكواه فلا يكاد ينتهي من شكايته حتى تبادله الشكوى من مثل ما اشتكى منه كلاهما يشكو من الفقر والتعب والمرض، كلاهما يهدده هذا الثالوث الرهيب ما العلاج؟ وما الدواء؟ فكر عليٌ ولم يطل تفكيره فقد سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه سبي، وامتدت عينه، وتطلعت نفسه إلى خادم يعينه ويعينها على أعباء الزوجية، ومشاق الحياة، وذهبت فاطمة إلى أبيها بتحريض من زوجها لكنها لا تكاد ترى وجه والدها الحنون حتى يغلب عليها الحياء ويتملكها الخجل فلا تزيد على السلام وهو _ عليه الصلاة والسلام _ لا يزيد على الرد، وتعود فاطمة كما بدأت تجر أذيالها، لم تستطع أن تعرض أمرها، وعلى من؟ على أبيها وهو أملها الباقي بعد وفاة أمها. ما أعظم الهيبة، وما أجمل هذا الحياء، عادت فاطمة إلى زوجها لتقول له: إنها استحيت أن تسأله ولكن عليا رضي الله عنه يخشى أن تفوته الفرصة، ويحرص على ألا تضيع، وهو يفهم قول الشاعر
انتهز الفرصة إن الفرصة
تكون إن لم تنتهزها غصة
وهل كل يوم يجود الزمان بسبي؟ وهل تهب الرياح دواماً بما تشتهيه السفن؟ بادر معها بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا لو شكا بنفسه إليه؟ أليس هو ابن أبي طالب الذي كفل النبي صلى الله عليه وسلم في صغره، ونافح عنه بعد كبره؟ أليس هو مع ذلك زوج ابنته المحبوبة؟ فأي حرج في أن يشكو القريب إلى ذي قرابته، والزوج إلى أبي زوجته؟ وإلى من يشتكي إذا لم يشتك هؤلاء؟.
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع ليس هناك ما يدعو إلى التحفظ، ويحمل على التهيب، فالقرابة والمصاهرة والحاجة كلها تفتح باب الأمل، وتعبد طريق الرجاء، وتشجع على العرض، وهي مع ذلك تحفظ السر، وتصونه من الذيوع، وابتدأ علي رضي الله عنه يعرض شكايته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثنت فاطمة كذلك، كلاهما يبثه شكواه بعد أن تعسرت عليه سبل الحياة، كلاهما ممتلئ القلب بالأمل في أن يجد فرجا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذه المرة تجرأت فاطمة، وتدفع عن نفسها تهمة التقصير، فصرحت بكل ما يدور في خلدها، ويجول في خاطرها، وأبدت رغبتها في أن يجود عليها أبوها بخادم يخفف عنها متاعب البيت، والرسول صلى الله عليه وسلم ينصت إليهما ويصيخ لهما في هدوء وأناة حتى إذا ما انتهيا لقنهما درساً لم يك في الحسبان، ألقى عليهما درساً قاسياً، لا يستطيعون له نسياناً ولا تناسياً، فاجأهما بدرس فيه عظة وعبرة، درس قضى على المحسوبية، وأتى على بنيانها من القواعد، درس ينادي ألاّ محاباة ولا مجاملة ولا استثناءات، درس يفيض محبة وحناناً ورأفة بالفقراء والمساكين وشفقة على البؤساء والمحتاجين، درس يسجله التاريخ بنِقْس الإعجاب على مر الأيام، وكر الأعوام، ينادي جهرة بفم الزمان "والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم".
يا له من شعور دقيق بالمسئولية، وإحساس رقيق بالتبعة، ليس هناك شعور يحاكيه ولا إحساس يدانيه.. إنه إحساس النبوة وشعور الرسالة، والرسالة رحمة للعالمين، فلا عجب إذا لمسنا هذه الرحمة وقد مست القريب والبعيد، بل آثرت البعيد على القريب واكتفت بأذكار يتسلى بها الأهل، ويأنس الآل بتردادها صباح مساء. وليس هناك أحد أحرص على ما سمع من أهل بيت النبوة وخريجي دار الرسالة، وحسبهم وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم بها سلوة وأعظم سلوة.
ما أحلى هذا الحديث، وما أحوجنا في هذه الأيام أن نفهم معناه ونسير على مقتضاه، كأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى الحجب، ويرقب بعينيه النفاذتين حال هذا العصر وصورة أهل هذا الزمان؛ أولئك الذين يلون أمور العباد فيصرفونها على هواهم، ويحرمون من بعد عنهم، حتى سلب النفعيون من ذوي الحقوق حقوقهم، وتقدموا عليهم دون أن يكون لهم سبق في فضل أو خلق أو خبرة أو معرفة إلا معرفتهم بما يرضي أسيادهم من الملق والنفاق والرياء والدس والوشاية حتى انتشرت الرذائل وعمّ الفساد، وضج الناس بالشكوى.
أرأيت كيف حارب الرسول صلى الله عليه وسلم الفساد، حتىلم يدع له طريقاً يسلكه، أو باباً يطرقه، وكيف بدأ بأهله فقطع أطماعهم، وعوّدهم الرضا والقناعة، وعلّمهم أن يتعبوا ويكدوا ويتحملوا حتى يستريح ضعفاء المسلمين، ويهنأ بال الفقراء والمساكين.
لقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال المسلمين، وحجبها عن أنظار الأقارب والمقربين، وأوجب أن تصرف حسب حاجة المحتاجين، وبدأ يطبق هذه المبادئ على ابنته الوحيدة التي لم يبق له سواها، ولم يبق لها سواه، ولم يشفع لها أنها ابنة خديجة زوجته المحبوبة التي آزرته بمالها وجاهها وعقلها، وقابلت ربها راضية مرضية بعد أن أنفقت ما تملك في سبيل دين الله، ولم يبق لابنتها من ثرائها المشهور ما تستعين به على نوائب الحياة، أنقول: أنه صلى الله عليه وسلم قد تنكر لجميل أمها بعد أن ماتت أم نقول: إن زوجاته قد شغلنه عن خديجة وبنت خديجة؟ لا. لا. فقد كان عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى في الوفاء.
روى أحمد بسنده عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى فأحسن الثناء، قالت: فغرت يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين! قد أبدلك الله خيرا منها. قال: ما أبدلني خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس".
وفي رواية أخرجها الشيخان والترمذي قالت عائشة: "ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة وربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلاّ خديجة؟ فيقول: إنها كانت، وكانت، وان لي منها ولد. قالت: وتزوجني بعدها بثلاث سنين".
وفي رواية للبخاري في الأدب المفرد عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بهدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة رضي الله عنها، إنها كانت تحب خديجة".
وفي رواية للحاكم من حديث عائشة قالت: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها فلما خرجت قال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان".
إذن فما الذي يمنعه أن يطيب خاطر فاطمة بنت خديجة بتحقيق مرامها وهو الحريص على أن يكرم صدائق أمها؟ ، أليست ابنتها أولى بالكرم وأجدر بالعطف وأحق بالرعاية؟ ، بلى، وليس هو في حاجة إلى من يذكره بحق ابنته أو زوجته فهو المثل الأعلى والقدوة الحسنة في بر الأهل وصلة الرحم، بيد أنه أراد أن ينقش في أذهان الناس أنه ما كان انتماء فاطمة إليه، وما كان انتسابها لخديجة يشفع لها في الحصول على أموال الله فالحاجة عند الرسول صلى الله عليه وسلم هي الشفيع الأول والأخير، وهناك من هم أحوج من ابنته فما كان له أن يدعهم ويشتغل ببنته عنهم وهو القدوة التي يجب أن يتأسى بها المسلمون جميعاً.
لقد اعترف عليه الصلاة والسلام بحق البطون وأصاخ إلى طلبها، فأبى أن يذعن لعطفة الأبوة، وعهد الزوجية، وصلة المصاهرة، وجاع هو وأهله في سبيل أن يوصل للرعية قوتها، ويقضي طلبتها، ويسد احتياجاتها، وأوصل لذوي الحق حقوقهم قبل أن يطلبوها، وفكر في شئونهم قبل أن يفكروا فيها، وكد هو وأهله من أجل لقمة العيش فلم يتعطل واحد منهم اعتماداً على أموال المجاهدين، ولم ينلهم مها على الرغم من فقرهم ونصبهم ومرضهم ما نال أهل الصفة وضعفاء المسلمين.
أيها الفقراء:
لقد جاع الرسول صلى الله عليه وسلم ليشبعكم، وتعب ليريحكم، وضيق على نفسه وأهله ليوسع عليكم، وقدم إليكم القوت قبل أن تطالبوا به، ووفر لكم ما يلزمكم قبل أن تثوروا في وجهه، فمم تفرون؟ ، وإلامَ تلجئون؟ ، {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} .