المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌اللغة العربية ث. ذ. ظ وليس براض عنك ما لم تحرف الكلم - مجلة الحقائق - جـ ٥

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌اللغة العربية ث. ذ. ظ وليس براض عنك ما لم تحرف الكلم

‌اللغة العربية

ث. ذ. ظ

وليس براض عنك ما لم تحرف الكلم عن مواضعه فتجعل الثروة سروة والثمينة سمينة واللبث لبساً والأثاث أساساً والمثيل مسيلاً والنفوذ نفوزاً والذكي زكياً والحديث حديساً والثلاثة سلاسة والثمر سمرا والمأثورة مأسورة والثاني سانياً والثناء سناء والمثقف مسقفاً والكثير كسيراً.

هكذا يود منك جليسك وربما حاول موافقتك له على الباطل طامعاً في إقناعك بمجرد زعمه أن شهرة الخطأ وحدها تكفي للحكم بترجيحه على الصواب بدليل ما استفاض بين الناس مما رواه فلان بن فلان عن هيان بن بيان وهوان (الخطأ المشهور خير من الصواب المهجور) وليس أسخف وأحمق من واضع هذه الجملة البديهية البطلان إلا الذي يتلقاها بالقبول والتسليم كأنها قاعدة مطردة أو أصل متفق عليه مع وضوح كونها مصادمة للحقيقة من جميع الوجوه نقلاً وعقلاً وإلا نكى أنها تؤيد نفسها نفسها لأنها من الخطأ الشمهور ولذلك يتوهم بعضهم أنها مظنة الصحة وقد توقعه في ورطة الشبه والشكوك في مسائل لا مجال للريب فيها وهكذا شأن سائر البدع والنكرات إذا تطرقت إلى أقوام لا يتناهون عن منكر فعلوه فلا تزال تفشو بينهم وهي كلما زادت شيوعاً زادت تمكناً منهم واستحكاماً فيهم حتى تصير لهم عادة مألوفة يذم المرء على تركها بقدر ما كان يذم على فعلها ولذلك تأبى النفوس مستصعبة أن تنصاع للحق الذي جرت العادة بخلافه وهذا مما قضي علينا أن نستبشع استعمال الحروف اللثوية غير أن ذوي الفضل والنبل وأهل العلم والأدب ومنهم المتصدون للتعليم والمتصدرون للإرشاد ينبغي أن لا يستأسروا لهذه العادة المضرة ولا أقل من أن يتجنبوها في مواطن الإملاء والتدريس ولا سيما في أثناء دروس التفسير والحديث ولله در بعض العلماء حيث أتى إليه يوماً رجل فسأله عن قوله عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات) هل هو حديث صحيح أم لا؟ فقال له أما هذا الكلام الذي تلوكه بلسانك فتهذ الحديث هذا كما تلف البقرة الكلأ بلسانها فليس ذاك بكلام أفصح من نطق بالضاد وإنما هو حديث صحيح إذا سمعته فوعيته فاديته كما سمعته، وقرأته كما يقرؤه العربي الصميم أو الأعجمي الذي أتقن العربية فمابالك بمن يدخل التحريف على جوهر الحروف فيستحيل

ص: 1

المعنى والمبنى ويتخالف المراد والمؤدى وقد يتفق أن يكون للكلمة بعد تحريفها معنى فاحش يناقض مراد المتكلم كل المناقضة ويبعد عنه بعد الثري عن الثريا ومثل هذه الكلمة إذا وقعت في عبارة خالية عن قرينة تعضد إرادة المعنى المقصود فهناك الطامة الكبرى.

كما إذا جعلت الثاء سيناً بقولك (فلان ثابت على دينه) إذ يدل حينئذ على أن الرجل يهودي قد دخل في حكم يوم السبت وباشر إعمال العبادات المتعلقة به على حسب ما تجري عليه الملة اليهودية وكذلك في قولك (فلان له بيت لا مثيل له) إذ يدل على انه ليس له مجرى ليسيل المياه الجارية وكذلك في قولك (مات زيد ثم عمرو) إذ يدل على أن زيداً مات لمجرد انقضاء أجله بلا سبب خارجي وإن عمراً مات مسموماً وإذا جعلت الذال زاياً في قولك (فلان أكثر قومه نعماً إلا أنه لا يذكي) يدل على أنه لا يؤدي الزكاة التي هي صدقة مفروضة وإما بالزال فالمعنى أنه لا يذبح ولا ينحر ومنه المثل (شر المال ما لا يذكي ولا يذكي) وهو الحمير الأهلية ويحسن بنا أن نذكر هنا قصة وقعت لبعض أفاضل الأدباء وذلك أن رجل شكى إليه ذات يوم من لصوص طرقوا داره فسرقوا ما فيها من الأدوات والأمتعة البيتية، فقال له يا سيدي قد سرق اللصوص (أساس) داري ففهم ذلك الفاضل أن المسروق إنما هو أساس الجدران فأخذه المقيم المقعد من العجب والدهش فقال له وماذا يجذيهم (أساس) دارك وكيف تمكن من سرقته دون أن تشعر ويشعر جيرانك فقال له هكذا وقع الأمر وإذا نزل القدر عمى البصر فلم يزل معه في أخذ ورد حتى فهم أن مراده من الأساس (الأثاث) فحينئذ زال دهشه وعجبه وعلم أن عذره في عدم فهمه فوراً إنما هو فضله وأدبه وهذا الذي أوردناه قليل من كثير مما يوقع في الشبه ويوجب سوء الفهم ويحمل السامع على ضد ما يقصده المتكلم بنحو هذه الكلمات ذوات الثاء والذال وأما ذوات الظاء المشارة فلا حاجة إلى الإتيان بمثال لما ينشأ من تحريفها لأنها على الاستعمال العامي لا معنى لها البتة وهي مهمة مفقودة لا وجود لها في اللغة الفصحى ولذلك ترى انه لا سبيل لنا إلى كتابتها على الصورة المحكية اليوم إذ ليس في الهجاء العربي حرف يدل عليها بخلاف غيرها من الحروف الفاشي تخريفها فإن كلاً منها له صورة يرسل بها مع الاختلاف بين صورته في الأصل وصورته بعد التحريف.

والزهاوي الذي يريد أن يستعيض في الكتابة عن اللغة الفصحى بالسوقية المتداولة لاشك

ص: 2

أنه يقع في حيص بيص في مثل هذا الموطن حيث يجد نفسه مضطراً إلى اختراع رسم حرف جديد يدل على الظاء العامية بصورة تكفل بيانها وتقريبها للذهن.

إذ الظاء في اللغة المحكية أو لغة الزهاوي الكتابية ليست إلا عبارة عن زاي ضخمة غليظة مفخمة تفخيماً فاحشاً تكرار الزاي في الرسم يشعر بذلك وإما الظاء المنشودة في اللغة الفصحى فغن الزهاوي يضطر للحكم بإعدام صورتها كما حكم مع السوقة بإعدام لفظها الفصيح ونحن إذا كنا نعتبر هذا من قبيل المشخ لعرائس العربية فإن الزهاوي يعتبره من قبيل الترقي والتقدم.

مما يتشدق به أشياع اللغة السوقية قولهم أن إخراج الحروف اللثوية من مخارجها الأصلية ينبو عنه الذوق العصري الجديد فهو على الاستعمال المتبذل أخف وأرشق ويجدر بنا أن نقول لهؤلاء المتشدقين لو كان التمدن يدخل أيضاً في مخارج الحروف لكان الإفرنج أولى بذلك منكم وها هي الأمة الإنكليزية على ما تعتقدون فيها من العراقة في الحضارة والمدنية ومجاراة الأحوال العصرية وتقدمها في فنون الابتداع وأساليب الاختراع وتشبعها بالأفكار الجديدة ومع ذلك كله فإن في لغتها نظير هذه الأحرف اللثوية وها هي تنطق بها كما ينطق بها صرحاء العرب الخلص فيقولون (ثري) بمعنى ثلاثة (ثرد) بمعنى الثالث (ثانك يو) بمعنى شكراً لك (ثميبل) بمعنى الحديدة المجوفة التي يضعها الخياط في إصبعه ليدفع بها الإبرة (باث) بمعنى الطريق (ثنك) بمعنى تفكرو (بريث) بمعنى نفس (ذس) بمعنى هذا هذه (ذات) بمعنى تلك ذلك (ذم) بمعنى هم (ذي) بمعنى لام التعريف (بوذ) بمعنى خيمة خص وقد تفخم الذال في اللغة الإنكليزية فتلفظ كالظاء العربية مثل (مظر) بمعنى والدة ولو حرف الإنكليزي هذه الحروف تحريفها الجاري في لغتنا المحكية لآض هزأة بين قومه ولأصبح عندهم موضع التهكم ومناط السخرية مع انه لم ينزل بلغتهم كتاب مقدس يحذرون أن يتطرق إليه شيء من آفات ذلك التحريف كما نخذره نحن معاشر المسلمين على التنزيل القرآني العزيز وأن كنا نعتقد أنه مصون محفوظ بعناية الله جل جلاله كما قال فيه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) فغن اعتقادنا هذا لا ينبغي أن يحملنا على التساهل في لغة ذلك القرآن الكريم الذي يتحتم علينا تقويم السنتنابه بأن نتلوه حق تلاوته ونتحري قراءته كما انزل بلسان عربي مبين ولا يخفى إننا إذا تعمدنا في

ص: 3

قراءته تحريف الثاء سيناً والذال زاياً والظاء أيضاً زاياً مفخمة مع قدرتنا على النطق بالصواب يشملنا حينئذ قوله تعالى (يحرفون الكلم عن مواضعه) إذا لكلم تطلق على الحروف كما تطلق على ما يتركب منها ومواضعها تشمل مخارجها كما تشمل مدلولاتها التي تفهم منها بواسطة الوضع.

ولا عذر في مثل هذا الأمر لأحد من المسلمين سواء كان عربياً أو أعجمياً اللهم إلا رجلاً تحقق عجزه عن التخلص من هذا الخطأ والحروف في الحروف اللثوية وتعذر عليه إخراجها من مخارجها الصحيحة فاستعصي عليه لسانه بعدما حاول أن يلينه وبعد أن مارس تعويده وتمرينه ويندر جداً بلوغ اليبوسه والصلابة إلى هذا الحد في بعض الألسنة وقد ساوى الخالق جلت حكمته بين جميعها في تكوينها من أعصاب وعضلات ومع ذلك نرى كثيراً من الناس يدعون أنهم مضطرون إلى هذا التخريف للعجز عن إقامة ألسنتهم على الصواب ولعل أكثر هؤلاء إذا دققوا على أنفسهم يجدون انهم يجيدون النطق بها كما هو شأن عامة مواطننا السوريين ومهما تمحل بعضهم من المعازير في التسامح بمثل هذا الخطأ الجاري في اللغة المحكية فليس في وسع أحد من العقلاء أن يتهجم بمثل ذلك على قراءة التنزيل العزيز ويجب علينا أن نتذكر دائماً ولا ننسى ما أصاب الكتب العربية من وخامة مغبة هذا التحريف الفاشي فإن فيها كثيراً من سوء أثاره لأن النساخ وعملة المطابع قلما يوجد بينهم من يفرق بين الحروف اللثوية والحروف التي تحرفت إليها وزد على ذلك قلة الانتباه لوجود انتقاء الأكفاء من رجال التصحيح الإخصائيين بالعناية في تنقيح الكتب أثناء طبعها وتدارك أغلاطها وتلافي سقطتها قبل انتشارها على علاتها والذي زاد هذا الخطب تفاقماً واستفحالاً أن أكثر المعلمين والأساتذة إن لم نقل كلهم لا يتحاشون من هذا التحريف المخل أثناء دروسهم التي يلقونها على التلاميذ فيشب هؤلاء على التهاون بذلك ومن شب على شيء شاب عليه فنلفت أنظار رجال المدارس والمكاتب كما نلفت أنظار العلماء إلى هذا الأمر الذي يظهر في بادئ الرأي أنه جزئي بسيط وهو في الحقيقة من أضر المصائب على لغتنا الكتابية التي يسعى الزهاوي إلى محوها من بين أبناء العرب في جميع أقطار العالم.

ص: 4