المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رأينا في إصلاح المدارس - مجلة الحقائق - جـ ٥

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌رأينا في إصلاح المدارس

‌رأينا في إصلاح المدارس

لم يتفق العقلاء في شيء اتفاقهم على هذه الكلمة الجليلة (العلم حياة الإنسان والمدارس أس العمران) وقد كثر بحث الباحثين عن فضائل المدارس وتنوعت أساليبهم وكان نتيجة ذلك اتفاقهم على أنها باب العمران، وعنوان العرفان، والسبب الوحيد في توحيد الكلمة وتعزيز الجامعة، وحفظ الكلام، وترقية الأذهان، على أن هذا الأمر لا يختلف فيه اثنان، ولا يحتاج إلى بيان وليس من يطلب دليلاً عليه الأمكن يطلب دليلاً على كون الشمس منيرة والقمر مضيئاً.

تتنوع مدارسنا اليوم أنواعاً خمسة دينية وأهلية، أميرية وصناعية والخامسة أجنبية، يقصد من الأولى تحصيل العلوم الشرعية ووسائلها ومن الثانية ما يجعل في نفس الطالب استعداداً يمكنه بسببه أن يسلك أي مسلك أراد، ومن الثالثة وظائف الحكومة والانخراط في سلكها، ومن الرابعة ما يؤهل الطالب للخوض في معترك هذه الحياة، ومن الخامسة قالوا تعلم العلوم واللغات وغير ذلك ونقول إفساد العقائد والعادات وفوق ذلك، وها نحن أولاء نتكلم على هذه المدارس كلاماً عاماً ثم نعود فنتلكم على كل واحدة منها بالخصوص مبينين ما لها وما عليها وما يلزمها من أسباب الرقي إنشاء الله تعالى.

الأخلاق

أول شيء ينتقد على المدارس الأخلاق. وعدم التأدب بالآداب المرضية إذ لا نمتري بأن الكثير منهم أغفلوا ذلك الأمر بتاتاً، والباقون نظروا غليه نظراً ثانوياً، والتفتوا نحوه التفاتاً عرضياً، نعم تواطئوا على ذلك الحكم الجائر واتفقوا عليه حتى كاد أمر الخلاق يعفو ويصبح اسماً بلا مسمى وجسماً بلا روح على أننا نحن نجهر بأن اللوم في ذلك كله لا يجوز حمله على معلمي المدارس والقائمين بإصلاح المعارف فقط بل لابد من وضع قسم كبير منه على عاتق الآباء الأوصياء إذ أن التخلق بجميل الأخلاق لا يمكن إلا بالجود الآلهي أو المجاهدة والتدرب على أفعال أهل الكمال ومرافقتهم والنظر إلى أحوالهم، فإذا كان أقرباء الطالب أو عشراؤه ذووا فساد وشره، فماذا عسى ينفع نصح الناصح، وأي شيء يفيد تعليم المعلم لذلك نقول ما يجب على المعلمين يجب مثله على الأولياء والأقربين وما يؤاخذ به القسم الأول يؤاخذ به القسم الثاني ومن بينهما نخرج التلميذ نجيباً أديباً يطلب

ص: 5

الكمال ويسعى إليه المدرسة يقصد منها بحسب الوضع أمران التعليم والتربية فبالأول يكون الإنسان عالماً مطلق الفكر، لا تعتقد نفسه بنهاية للكمال، يطلب التقدم ما وجد إليه سبيلاً وبالثانية يكون شريف النفس، مهذب الأخلاق، يطلب ما ينفع ويبتعد عما يضره، ويعامل الناس بما يجب أن يعاملوه العلم وحده مجرداً عن الأخلاق يشقي صاحبه أو لا ينفعه ويكون به ممقوتاً بين النسا، فلا يغني عنه علمه شيئاً، خل عنك ما يحدثه من الضرر يوم ينبث صاحبه بين أفراد الأمة ويسعى باسم الإصلاح والإرشاد فمهما تصورت من الأضرار في الأخلاق من جانب الجهل فتصور مثله أيضاً من جانب التعليم الخالي عن الأخلاق وإحيائها إذ لولا فساد الأخلاق لما رأيت الفسق والفحش على مرأى من الأبصار، لولا فساد أخلاق لما رأيت الكذب وهو الصفة الوحيدة في الدلالة على الدنائة فاشياً بين طبقات الناس، لولا فساد الأخلاق لما رأيت الغيبة والبهتان والمداهنة والتعبير والتحقير وتزكية النفس والتكلم بما لا يعني والتنابز بالألقاب والظلم والعجب وقطع رحم الأهل وقطع رحم الوطن وغير ذلك أوصافاً لنا لا تفارقنا ولا نفارقها لولا فساد الخلاق لما رأيت العجلة وسرعة الحكم على الأمور من غير ترو ذائعاً بين رجال الطبقة العليا ومن يؤمل منهم خدمة الوطن لولا فساد الأخلاق لما رأيت منا من يهجر لغة دينه وقومه ويقبل على تعلم لغة أجنبية ليس بينه وبينها صلة ولا نسب، لولا فساد الأخلاق لما رأيت المئات من شبان مدارسنا عاكفين على مسارح الرقص والخلاعة وسائر الموبقات لما رأيتهم يتبرجون تبرج العانيات، ويتثنون تثني الراقصات لما رأيتهم يقلدون الغربيين في الضار من أقوالهم وأفعالهم، لما رأيتهم يدعون الحلف بالله تعالى إلى الحلف بالوجدان، لما رأيتهم يجهلون سيرة سيد الوجود ومن قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن بعده من سلف الأمة ويعلمون سيرة نابليون وغيره من ملوك الإفرنجة، لما رأيتهم يؤثرون الحكم الغربية على الحكم العربية، لما رأيتهم يهملون التحية الإسلامية ويحيون بالتحية الأوربية.

رأينا أكثر دروس هذه المدارس فلم نر فيها وياللأسف درساً للأخلاق ولا بحثاً للآداب، كأن أمر الأخلاق ليس بالكبير الفائدة، وليست ناشئتنا بحاجة إليه أو كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليتمم مكارم الأخلاق. يخ يخ اهتمام يحسدنا عليه الأخلاقيون، واعتناء يعجب منه الحكماء الراسخون، جهلنا حقيقة مكارم الأخلاق وما يترتب عليها من الفوائد العامة

ص: 6

والخاصة ولو علمنا أن صاحب الخلق الحسن يحي حياة طيبة، يحي فتسعد به أمته ووطنه لأقللنا من تهاملنا ولأدركنا أنا عن أمر الأخلاق معرضون، يكفي من فوائد الأخلاق أن صاحبها لا يجادل ولا يظلم ولا يخاصم، يسع الناس بحمله ويسالمهم بأخلاقه، عكس فاسد الأخلاق، فإن القلم ليمل من وصف مرارة عيشه وسخط الناس جميعاً عليه وبالجملة حسن الأخلاق مدعاة كل خير، وفسادها منشأ كل شر ومن تأمل قول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام (وإنك لعلى خلق عظيم) يعلم ما للأخلاق من القدر والشأن فعلى علمائنا ومحبي الإصلاح منا أن يتكرموا بنشر ما تجود به قرائحهم من فضائل الأخلاق وما لها من المنافع الدينية، والفوائد العمرانية، وعلى رؤساء المدارس بأنواعها أن يتداركوا هذا الأمر العظيم، ويرتقوا هذا الفتق الكبير فيضموا إلى دروسهم هذا الدرس المفيد ويختاروا له معلمين عاملين به، عالمين بطرائقه إذ أن من الجهل الفادح اعتقاد هون المر، وسهولة هذا الخطب حتى نرضى لتربية أحداثنا كل دعي في التهذيب وسالك مسلك المعلمين رؤساء المدارس اتقوا الله في اختيار المعلمين الأخيار فإن ذلك من أهم الأمور وأوكدها والتلامذة عندكم وديعة وأمانة، وقلوبهم الطاهرة جواهر خالية عن كل نقش وصورة قابلة لكل نقش وصورة فإن عودتموهم الخير سعدوا في الدنيا والآخرة وأنتم شركاؤهم، وإلا فأنتم السبب في هلاكهم وإحباط مستقبلهم ياتيكم الطالب من داره وقد طرأ مسمعه آلاف الكلمات البذيئة ورأت عينه أنواع العادات الضارة مما عليه أمه وأخوه، وابن عمه وذووه فيرى من عادات بعض من جعلتموهم أنتم معلمين ما يثبت في نفسه تلك العادات السافلة ويجعلها بحيث توازى السجية وتستحكم استحكام الطبع وهناك البلية العظمى.

المعلم الأمين هو الذي يهذب الأطفال بعاداته كما يهذبهم بأقواله نحن لا نعتقد أنا إهمالنا لانتقاء المعلمين الأخيار متى بلغنا أن فلاناً على شيء من المعرفة أو أنه انفرد بإتقان علم من العلوم، أو أن لديه شهادة من بعض المدارس العالية، أو أنه اشتهر بأنه من أصحاب الأفكار نخف إليه مسرعين ونخوله التربع على كرسي التعليم ونسلم إليه مئات القلوب من أولادنا غير ملتفتين إلى أخلاقه وعاداته وميوله وأهوائه رأينا بعض من خولتهم المعارف التدريس في بعض مدارسها يشرب الماء في نهار رمضان عمداً وهو صحيح الجسم بدعوى أن الصيام يجب أن لم يحدث مشقة، وسمعنا أن بعضهم ينكر وجود السموات

ص: 7

وبعضهم يتجاهر بارتكاب الموبقات والمفسدات بل أن بعض مديري المدارس يأمر الطلبة بالذهاب إلى الروايات وما شاكلها ومن ثم يمنحهم من لدنه ورقة تؤذن بالنسبة إلى ذلك المكتب ليؤخذ منهم نصف الأجرة ولا يخفي ما في ذلك من الضرر والأضرار كيف يقوم أمر من أمامه في إعوجاج؟ كيف يبصر من مرشده في عماء؟ كيف يسجد ويركع من معلمه لا يقول بالفقه ولا الفقهاء؟

اللهم أن هذا هو الخذلان المعلم والأستاذ والمرشد والناصح كلمات رشيقة اللفظ. عظيمة المعنى. فالواجب رعاية لمعناها أن يختار لها أئمة عالمون وقادة مصلحون يربون الطلبة بالأعمال قبل الأقوال وما ذلك على أرباب الهمة بعزيز.

لها بقية

ص: 8