الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقفة في الأجداث
حاطت بليل اليأس مني غياهب
…
تضيءُ من الآمال فيها كواكب
وجاءت أخيراً من همومي سحائب
…
فحجبت الآمال تلك السحائب
فما بان لي إلاّ شبحاً متكاثف
…
ولا لاح لي إلاّ دجلاً متراكب
فيا لك من ليل هناك حالكٍ
…
بأهواله ضاقت عليّ المذاهب
وطال إلى أن لاح لي في سمائه
…
على الأفق فجرٌ من رجائي كاذب
قول لعيني حين جفت دموعها
…
أأمسكت لما أفجعتنا النوائب
لقد غاب من تهوين مرأى وجوههم
…
كأنهم زهر النجوم الغوارب
وما كان ظني أنه بعد ساعة
…
تجف كذا منك الدموع السواكب
جمودك يا عيني وقد وقع النوى
…
على غير ما وعدٍ لهم لا يناسب
وأني على هذا الجمود وطوله
…
ألومك يا عيني وإني عاتب
فلست براض عنك يا عين بعدهم
…
لأنكِ ما أديتِ ما هو واجب
وللقلب مني بعد أن كرّ راجعاً
…
وقد رحلت أظعانهم والركائب
عهدتك تمشي أيها القلب خلفهم
…
فقل لي لماذا أنت يا قلب آيب
سألتك يا قلبي عن السبب الذي
…
رجعت له إني لعودك عاجب
فما لك تجثو راجفاً متغيراً
…
وما لك ترنو ساكتاً لا تجاوب
أجئت تعزيني لأني آسفٌ
…
وإني مفجوعٌ وإني خائب
فقال بصوت هزَّ أوتاره الأسى
…
فرنت رنيناً أكبرته المصائب
تبعتهم حتى ثووا في حفائر
…
وحجبهم عني من الترب حاجب
وقفت على الأجداث حيث تغيبوا
…
وصحت فما ردَّ الجواب مجاوب
فجئتك كيما أخبر الحال أنها
…
شجتني فمرني بالذي أنت طالب
ورأيي أن نسعى معاً لقبورهم
…
فقلت له يا قلب رأيك صائب
أصبت نعم يا قلب فيما رأيته
…
فلي بني هاتيك القبور مآرب
تقدَّم أمامي ماشياً لتدلني
…
عليهم فسرنا والحنين مصاحب
فلما وصلنا ساء عيني أن ترى=هنالك أجداثاً عفاهن حاصب
سطور قبور في العراء تناسقت
…
كما نمق العنوان في الطرس كاتب
قبورٌ بها نامت أوانس خرَّدٌ
…
ونامت بها في جنبهن الذوائب
فجاشت هناك النفس من لاعج الجوى
…
وقلت لهاتيك القبور أخاطب
هنا فيك قد غابت حسان كواعب
…
فما فعلت تلك الحسان الكواعب
وما فعلت تلك السوالف في الثرى
…
وما فعلت في الترب تلك الترائب
إلى من تشير اليوم فيك عيونها
…
وفوق العيون النجل تلك الحواجب
نجوم جمالٍ أمعنت في غروبها
…
وأنت لهاتيك النجوم المغارب
وكانت مشيدات القصور بروجها
…
فمن أين جاءتها تصيب المعاطب
لقد كنّ أما ودهن فحاضرٌ
…
قريبٌ وأما صدهن فعازب
وفي كل يوم كان للزي مطلبٌ
…
لهن تجلى منه فيما يناسب
ولكنكما اليوم انتهت لتعاستي
…
بثوب الأكفان تلك المطالب
وكنَّ كأزهار الربيع مبادياً
…
أهذي لهاتيك المبادي عواقب
قد انتزعتها من حياتي يبد الردى
…
كما ينهب العقد المفصل ناهب
هنالك جادت أعيني بدموعها
…
فهن على الخدين مني سوارب
هنالك من نفسي وصدق طويتي
…
تمنيت لو أن المنون تقارب
نظرت إلى قلبي وكان بجانبي
…
إذا هو من فرط الكآبة ذائب
فلملمت ذوب القلب ثم سكبته
…
على جدث فيه حبيبي غائب
وألفيت في نفسي العزاء كمعبدٍ
…
قد انهدَّ منه جانب ثم جانب
وفارقني لبي لهيبة مصرعي
…
فأبعد عني في الفلا وهو هارب
وجدت على الأيام والطب والغنى
…
وقلت لهم إني عليكم عاتب
وأوحشت الدنيا كأن بيوتها
…
بعيني وإن كانت قصوراً خرائب
مكثت إلى أن أقبل الليل زاحفاً
…
وأظلم منه في عيوني الجوانب
فأبت لي داري وفي شعب الحشى
…
لهيبٌ من الحزن المبرّح لاهب
وليس معي في أوبتي لا نهىً ولا
…
عزاءٌ ولا قلب لشخصي صاحب
سوى نفس في الصدر مني مردد
…
فذلك طول الليل آت وذاهب
ستبسم في وجهي المنون كأنّها
…
محب يسي أو صديق يراقب
وتدركني قبل الصباح ونهضه
…
فأنجو من الهمّ الذي هو ناصب
بغداد
ج. ص