الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إمارة مكة المكرمة
بشرتنا البرقيات بصدور الإرادة السلطانية بتعيين حضرة الشريف علي حيدر باشا أميراً لمكة المكرمة مع توجيه رتبة الوزارة السامية إلى عهدة دولته فكان لهذا التوجيه رنة مسرور وابتهاج في أندية الشام يقدرها من عرف صاحب الدولة الشريف علي حيدر باشا في شمائله الذكية وأخلاقه الملائكية وفرط صداقته للدولة العلية وشدة استمساكه بعروة الخلافة العثمانية فضلاً عن مكانة الشريف من بنوة النبوة وسلالة البيت الذي نزلت بتطهيره الآيات المتلوة ولا يخفى أن هذه الإمارة منذ أيام الحسن ابن أبي نمي أي منذ نحو ثلاثمائة سنة كانت قد انحصرت في هذا البيت الكريم المعروفين بذوي زيد يتوارثونها خلفاً عن سلف وكابراً عن كابر ولا ينازعهم فيها منازع ولا يكابرهم في الحجاز مكابر إلى أن حصلت ألفتنة النجدية واتسع فتق ابن عبد الوهاب وقام بدعوته ابن سعود واستولى على نجد وجانب من اليمن فأرسل النجديون بعض علمائهم إلى الحرمين فناظرهم علماء الحرمين وأقاموا عليهم البرهان وكتبوا عليهم حجة عند قاضي الشرع في مكة تتضمن الحكم عليهم فأمر بحبسهم أمير مكة وكان الشريف مسعود بن سعيد بن سعد بن زيد المتوفى سنة خمس وستين ومائة وألف فوصل الخبر إلى ابن سعود فازدادت العداوة وصار النجديون يغيرون على بعض القبائل الداخلة تحت طاعة أمير مكة وفي سنة خمس بعد المائتين والألف انتشبت الحرب بينهم وبين أمير مكة وكان الشريف غالب بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد وقتل من ألفريقين خلق كثير.
وما زال النجديون يتقدمون حتى دان لهم أكثر الغربان الذين في طاعة أمير مكة وفي سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف هجموا على الطائف بجموع كثيرة وأخذوه وقتلوا أهله رجالاً ونساءً ولما انصرف الحجيج تلك السنة قصدوا مكة ورأى الشريف غالب أنهم سيملكونها فسار إلى جدة فقصدوه فضربهم من هناك بالمدافع وهزمهم وعضدته الدولة العلية بعسكر مع والي جدة شريف باشا فساروا وأخرجوهم من مكة سنة 1218 واستقر الشريف غالب في الأمارة ثم أعادوا الهجوم بجيوش كثيرة وأطاعتهم العربان التي حول مكة المكرمة وحصروا البلد الأمين من كل الجهات وقطعوا عنه الميرة فاشتد بأهله الجوع واضطر الشريف غالب إلى الصلح معهم على أن يبقى أميراً بمكة ورضي بذلك مصانعة لهم ورفقاً بالأهالي الذين بلوا منهم بالداهية العظمى ودخل عصاة النجديين مكة 122.
واستولوا على المدينة المنورة ولبثوا في الحرمين سبع سنين والدولة مشغولة عنهم بالحروب مع دول أوروبا إلى سنة 1226 فصدر الأمر السلطاني إلى محمد علي باشا والي مصر بقتالهم فسير ولده طوسون باشا بجيش ملك الينبع وحأول أن يتقدم فاجتمعت عليه العرب وهزموه ولم يرجع من جيش مصر إلا القليل ولم يكن المصريون هذه المرة قد راسلوا الشريف غالب في أمر عربان الحجاز وقتلت أرض جاهلها فلما بلغ ذلك محمد علي سير جيشاً آخر سنة 1227 ومعه عدة مدافع وراسلوا الشريف غالب سراً فأشار عليهم بما يجب أن يفعلوه من سياسة العرب فاستمالوا مشايخ حرب بالمال واستولوا على المدينة وعلى جدة ثم على الطائف وكان أكثر ذلك بحسن تدبير الشريف غالب ووصلت البشائر باسترداد الحجاز إلى الأستانة ومصر فتزينت دار الخلافة ومصر وسائر البلاد فرحاً وسروراً.
وفي سنة 1228 سار محمد علي بنفسه إلى مكة وأخذ يرتب الأمور ويبعث بالزحوف إلى بلاد عسير وغامد وزهران لقطع دابر السعوديين فأخمد جمرتهم وأناط من هناك معرتهم وأغرس نعرتهم لكنه عزل الشريف غالباً وأقام مكانه ابن أخيه الشريف يحيى بن سرور بن مساعد وتوجه الشريف غالب إلى دار السعادة وتوفي في سلانيك سنة 1231 وكان مدة إقامته هناك معززاً مكرماً وآلت أخيراً إمارة مكة إلى محمد بن عون من الأشراف الحسينية لكنه ليس من بيت الإمارة المتسلسلة فيهم وإنما أنهى له بها محمد علي باشا وجاءه التقليد من دار الخلافة ومن ثم صارت إمارة مكة مراوحة بين هذين البيتين الكريمين ذوي زبد وذوي عون تارة يتولاها أحد أبناء الشريف محمد بن عون وطوراً تعود إلى أصلها في ذوي زبد ويستقر الأمر في نصابه إلى أن كانت إمارة الشريف عبد المطلب جد الشريف حيدر باشا الأمير الجديد فتولاها ثم عزل عنها وآخر مرة جرت بحقه دسائس لم يأخذ منها حذره فعزل وخلفه الشريف عون الرفيق باشا من ذوي عون فبقي فيها مدة طويلة إلى أن توفاه الله فخلفه أخوه المرحوم الشريف عبد الإله باشا ولكن ما كاد يبلغ الإرادة السنية بتقليده إمارة مكة حتى توفي وأسندت الإمارة إلى ابن أخيه الشريف علي باشا فلما حصل انقلاب الشريف المشار إليه عن كرسي الإمارة فذهب وأقام بمضر وتولى مكانه ابن عمه الشريف حسين باشا وهو فيها منذ بضع سنين.
والأمير الجديد هو الرئيس الثاني لمجلس الأعيان وقد كان تولى نظارة الأوقاف وهو من أركان الدولة الذين عليهم المعول ولهم المقام الأول وهو رئيس مجلس الإدارة للجمعية الخيرية الإسلامية التي هي تحت حماية سمو ولي عهد السلطنة نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل كل أيام الحجاز في أيامه مواسم كما جفل ثغور الأهلين بتوليته بواسم وأن يذلل لديه الصعاب ويمهد أمامه العقاب ويجعل التوفيق رفيقه في حله وشده ويمكنه من ناصية كل عاص حتى إن أبى أن يقف عند حده أغمد فيه سيف جده.
دمشق:
شكيب أرسلان