المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلمة في المعضد - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ١

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌العقيدة الصحيحة وما يضادها

- ‌التوحيد وأنواعه

- ‌ أنواع التوحيد

- ‌الله خالق كل شيء وما سواه مخلوق

- ‌حقيقة العبادة التي خلق من أجلها الثقلان

- ‌وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه

- ‌حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقضأو مشتمل على بعض الخرافات

- ‌بيان الأدلة على كفر من طعن في القرآنأو في الرسول عليه الصلاة والسلام

- ‌ذكر كلام العلماء فيمن طعن في القرآن الكريم أو الرسول عليه أفضلالصلاة والتسليم

- ‌كشف الشبه المذكورة في الكلام المنسوب إلى القائلين به

- ‌تنبيه هام:

- ‌نواقض الإسلام

- ‌شرعية التخلق بما يحب الله التخلق بهمن معاني أسمائه وصفاته

- ‌إجابة عن أسئلة في العقيدة

- ‌الجواب عمن يقول بأن الله حال بين خلقه

- ‌النهي عن سب القدر

- ‌إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير اللهأو صدق الكهنة والعرافين

- ‌التحذير من البدع

- ‌الرسالة الأولىفي حكم الاحتفال بالموالد النبوية وغيرها

- ‌الرسالة الثانيةحكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج

- ‌الرسالة الثالثةحكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان

- ‌الرسالة الرابعةتنبيه هام على كذب الوصية المنسوبةللشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف

- ‌كلمة في المعضد

- ‌الأسورة النحاسية

- ‌التحذير من الرقى المخالفة للشرع

- ‌وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها

- ‌وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة

- ‌وجوب الاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلموالتحذير مما يخالفهما

- ‌عوامل إصلاح المجتمع

- ‌الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب

- ‌الصعود إلى الكواكب

- ‌حكم من يطالب بتحكيم المبادئ الاشتراكية والشيوعية

- ‌حكم الاحتكام إلى القوانين الوضعيةمع وجود القرآن الكريم

- ‌يجب تحكيم الشرع في الخاطفين

- ‌الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة

- ‌الأمر الأول: بيان حكم الدعوة إلى الله عز وجل وبيان فضلها:

- ‌الأمر الثاني: كيفية أدائها وأساليبها

- ‌الأمر الثالث: بيان الأمر الذي يدعى إليه

- ‌الأمر الرابع: بيان الأخلاق والصفات التي ينبغي للدعاة أنيتخلقوا بها وأن يسيروا عليها:

- ‌واجب المعلم

- ‌تعليق على محاضرة عن " منهج الإسلام

- ‌الإمام محمد بن عبد الوهابدعوته وسيرته

- ‌ ما هي الوهابية وهل هي مذهب خامس أم تتبع بعض المذاهب الأربعة

- ‌كلمة في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي

- ‌الرد على مصطفى أمين

- ‌الرد على صالح محمد جمال

- ‌حكم الإحداد على الملوك والزعماء

- ‌استنكار إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله

- ‌رسالة جوابية حول " الواو " في قوله تعالى {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}

- ‌حكم من زعم أن عيسى عليه السلام لم يرفع إلى السماءأو أنه لا ينزل آخر الزمان

- ‌التحذير من بناء المساجد على القبور

- ‌الإجابة عن أسئلة متفرقة

- ‌ البوذية:

- ‌ التصوير:

- ‌ سب الدين والرب:

- ‌ الأغاني:

- ‌ الأذان والإقامة عند القبر:

- ‌ التكبير من سورة الضحى إلى آخر القرآن:

- ‌ الدعاء عند تفريق الصدقة:

- ‌ مدع الكرامات والمعجزات:

- ‌ عقائر الإبل والغنم:

الفصل: ‌كلمة في المعضد

‌كلمة في المعضد

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم زاده الله من العلم والإيمان آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد، فكتابكم المؤرخ في 14\1\1385 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وقد سرني علم صحتكم الحمد لله على ذلك، كما سرني أيضا ما أبديتموه من الملاحظة على جوابي في المعضد ورغبتكم في بحث الموضوع من جميع النواحي إلى آخره.

وأفيدكم أن الأسباب تختلف وتتنوع كثيرا مع قطع النظر عن الاعتقاد، فمنها ما هو جائز، ومنها ما هو مكروه ويجوز عند الحاجة، ومنها ما هو محرم، وإن كان الفاعل يعتقد أنها أسباب وأن الشافي هو الله وحده.

فمن الأول: ما يتعاطاه الناس اليوم من الأدوية المباحة، كتناول الحبوب والإبر والضمادات، والأدهان ضد الأمراض التي يقرر الأطباء علاجها بذلك، وكالأشعة الكهربائية فهذه وأشباهها من الأسباب الجائزة، التي جربت وعرف نفعها من دون مضرة، إذا اعتقد متعاطيها أنها أسباب وأن الشفاء من الله وحده، ومن الأسباب المكروهة الكي؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الشفاء في ثلاث كية نار وشرطة محجم وشربة عسل وما أحب أن أكتوي (1) » وفي لفظ آخر «وأنا أنهى أمتي عن الكي (2) » . أخذ العلماء من هذا الحديث الشريف كراهة الكي، وأنه إنما يستعمل عند الحاجة، وينبغي أن يكون آخر الطب، عند تعذر أو تعسر غيره، ومن النوع الثالث: وهو التداوي بالأسباب المحرمة، التداوي بالخمر ولحوم السباع، وأشباه ذلك من الأطعمة

(1) مسند أحمد بن حنبل (6/401) .

(2)

صحيح البخاري الطب (5681) ، سنن ابن ماجه الطب (3491) ، مسند أحمد بن حنبل (1/246) .

ص: 201

والأشربة المحرمة فهذه الأشياء لا يجوز التداوي بها، ولو زعم بعض الناس أن فيها نفعا، ولو اعتقد أن الله هو الشافي وأنها أسباب، وما ذلك إلا للأدلة الدالة على تحريم التداوي بالنجاسات والمحرمات، ولو قدر أن فيها بعض النفع؛ لأن ضرره أكبر؛ ولأنه ليس كل ما فيه نفع يباح استعماله، بل لا بد من أمرين: أحدهما: أن لا يرد فيه نهي خاص عن الشارع عليه الصلاة والسلام. والأمر الثاني: أن لا تكون مضرته أكبر من نفعه، فإن كانت مضرته أكبر لم يجز استعماله، وإن لم يرد فيه نهي؛ لأن الشرع الكامل ورد بتحريم ما يغلب ضرره، كالخمر، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام (1) » وفي لفط آخر: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» وصح عنه صلى الله عليه وسلم «أن رجلا سأله عن الخمر يصنعها للدواء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدواء ولكنها داء (2) » ومما تقدم تعلمون أن المعيار في التحليل والتحريم ليس هو اعتقاد الإنسان، وإنما المعيار هو الأدلة الشرعية؛ لأن الإنسان قد يعتقد أن الشفاء من الله، ويتعاطى أسبابا محرمة كأهل الشرك فإنهم يتعلقون بآلهتهم ويعبدونها من دون الله، ويقولون إنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم لديه، ولا يعتقدون أنها تتصرف بذاتها في شفائهم، أو رد غائبهم أو الدفاع عنهم، كما قال الله سبحانه:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (3) الآية، وقال تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5) والأدلة في هذا المعنى كثيرة، وقد يتعاطى الإنسان أسبابا هي في نفسها جائزة، كالرقية الشرعية، وتناول الحبوب، والإبر المشتملة

(1) سنن أبو داود الطب (3874) .

(2)

صحيح مسلم الأشربة (1984) ، سنن الترمذي الطب (2046) ، سنن أبو داود الطب (3873) ، مسند أحمد بن حنبل (4/317) ، سنن الدارمي الأشربة (2095) .

(3)

سورة يونس الآية 18

(4)

سورة الزمر الآية 2

(5)

سورة الزمر الآية 3

ص: 202

على المواد المباحة، فيحرم عليه تناولها إذا اعتقد أنها هي الشافية وليس ربه وخالقه، وأنه هو الذي بيده الشفاء.

إذا عرف هذا فمسألة المعضد، هل تلحق بالأسباب الجائزة كالإبر والحبوب، أو المكروهة كالكي ونحوه؟ أو تلحق بالأسباب المحرمة، كتعليق التمائم والحلقات والخيوط والودع، على الأولاد عن العين أو الجن أو بعض الأمراض؟ وكتعليق الأوتار على الدواب كما كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، وقد زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأخبر أنه من الشرك، مع أنهم يعتقدون أن الله سبحانه هو النافع الضار، وهو الذي يدبر الأمر، وهو الذي يكشف الضر ويجلب النفع، والدليل على ذلك قوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (1) فهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل المشركين عن هذه الأشياء وأخبر أنهم سيقولون أن فاعلها هو الله وحده ولهذا قال تعالى: {فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (2) المعنى أفلا تتقون الله في ترك الشرك به، وأنتم تعلمون أنه سبحانه هو المتصرف في هذه الأمور والمدبر لها وقال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهي دالة على أن المشركين يؤمنون بأن الله سبحانه هو النافع الضار، وهو الكاشف للضر، الجالب للنفع، وهو الذي يحيي ويميت، ويدبر الأمر، ولكنهم يعبدون آلهتهم من الأصنام والأشجار والأنبياء والأولياء والملائكة، بقصد الوساطة والشفاعة، وهكذا ما يتعاطونه من تعليق التمائم

(1) سورة يونس الآية 31

(2)

سورة يونس الآية 31

(3)

سورة الزمر الآية 38

ص: 203

والأوتار والحلقات، والخيوط على الأولاد والدواب، هو من باب الأسباب عندهم، لا أنها شافية بنفسها، ولكنها لما كانت أسبابا محرمة، تقتضي تعلق قلوبهم بها، والتفاتهم إليها، وغفلتهم عن الله سبحانه، أنكرها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وزجرهم عنها، ولأنها قد تجرهم إلى شرك أكبر، وفساد أعظم، ومن أجل ذلك اختلفت وجهة نظر المشايخ الذين بحثت معهم موضوع المعضد، هل يلحق بالأسباب الأخيرة؟ وقد بينت في الجواب الذي أرسلت صورته لكم، أن الأقرب إلحاقه بالأسباب الأخيرة المحرمة؛ لأنه من جنس الحلقات والتمائم والأوتار التي جاء فيها النهي؛ لأن الذين تعاطوها من أهل الجاهلية، ومن سلك سبيلهم، إنما استعملوها لظنهم أن فيها نفعا جعله الله فيها وخصها به، وإن كان الله هو النافع الضار، لكنه سبحانه خلق في مخلوقاته أنواع النفع، وأنواع الضرر، وفاوت بين ذلك على مقادير مختلفة، فمن أجل ذلك وقع الناس فيما وقعوا فيه، من تعاطي الأسباب الجائزة والمحرمة، ولا سبيل إلى التمييز بين هذا وهذا، إلا من طريق الشرع المطهر، فما عرف أنه من جنس الأسباب المحرمة فهو محرم، وإن قدر فيه بعض النفع، وما عرف أنه من جنس الأسباب الجائزة فهو جائز، وإن كان فيه بعض الضرر، إذا كانت منفعته أكثر، وما عرف أن الشرع نهى عنه ومنع منه فالواجب تركه مطلقا، كالخمر ولحوم السباع، ومعلوم أن لبس المعضد يبقى على الإنسان كما تبقى الحروز والتمائم، الأيام والليالي والسنوات، بخلاف الحبة التي يأكلها، ويفرغ منها، وبخلاف الإبرة التي يستعملها وينتهي منها، فليس المعضد من جنس هذه الأشياء، بل هو أشبه بلبس الحلقة التي ورد فيها حديث عمران بن حصين المذكور في الجواب الذي أشرفتم عليه، وهو أشبه أيضا بلبس التمائم والودع والأوتار، ومما تقدم تعلمون وجهة نظري ونظر المشايخ الذين قالوا بمنع لبسه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 204

ومما يؤيد ذلك أن تعاطي لبسه قد يفضي بالناس إلى لبس كل ما جاء من الغرب، مما يدعى فيه النفع، حتى تعظم المصيبة ويكبر الخطر، ويغفل الناس عما جاء به الشرع المطهر، في تنويع الأسباب وتفصيلها، ووجوب التحرز مما حرم الله منها، واسأل الله سبحانه أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لما فيه رضاه، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن، إنه على كل شيء قدير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 205