المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الحذر على النفس مخافة سوء المنقلب والمقت - محاسبة النفس لابن أبي الدنيا

[ابن أبي الدنيا]

الفصل: ‌باب الحذر على النفس مخافة سوء المنقلب والمقت

‌بَابُ الْحَذَرِ عَلَى النَّفْسِ مَخَافَةَ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ وَالْمَقْتِ

ص: 110

87 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَبْكِي فَتَقُولُ لَهُ أَهْلُهُ: لَوْ قَتَلْتَ قَتِيلًا ثُمَّ جِئْتَ لِأَهْلِهِ تَبْكِي لَعَفَوْا عَنْكَ فَيَقُولُ: «إِنَّمَا قَتَلْتُ نَفْسِي»

ص: 110

88 -

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ زُفَرٍ، حَدَّثَنِي بَهِيمٌ الْعِجْلِيُّ، قَالَ:" رَكِبَ مَعَنَا شَابٌّ مِنْ بَنِي مُرَّةَ الْبَحْرَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ فَجَعَلَ يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَعَاتَبَهُ أَهْلُ الْمَرْكَبِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا: ارْفُقْ بِنَفْسِكَ قَلِيلًا قَالَ: إِنَّ أَقَلَّ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِي عِنْدِي أَنْ أَبْكِيَهَا وَأَبْكِيَ عَلَيْهَا أَيَّامَ الدُّنْيَا لِعَمَلِي بِمَا يَمُرُّ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ غَدًا قَالَ: فَمَا بَقِيَ فِي الْمَرْكَبِ أَحَدٌ إِلَّا بَكَى "

ص: 110

89 -

حُدِّثْتُ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَدَنِيِّ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَامَرْدَ الْأَزْرَقَ الْعَدَنِيَّ وَكَانَ عَابِدًا يَقُولُ: «

[الْبَحْر الرجز]

وَيْلِي وَوَيْحِي مِنْ تَتَابُعِ جُرْمِي

لَوْ قَدْ دَعَانِي لِلْحِسَابِ حَسِيبُ

وَالْوَيْلُ لِي وَيْلٌ أَلِيمٌ دَائِمٌ

إِنْ كُنْتُ فِي الدُّنْيَا أَخَذْتُ نَصِيبِي»

قَالَ: وَزَادَ فِيهِ غَيْرُهُ:

وَاسْتَيْقِظِي يَا نَفْسُ وَيْحَكِ وَاحْذَرِي

حَذَرًا يُهَيِّجُ عَبْرَتِي وَنَحِيبِي

ص: 110

90 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْخَبَّابِ، ثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: كَانَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ إِذَا رَأَيْتُهُ قُلْتُ: رَجُلٌ قَدْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ وَلَقَدْ قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُ بِنَفْسِكَ؟ تَبْكِي اللَّيْلَ عَامَّتَهُ لَا تَكَادُ أَنْ تَسْكُتَ لَعَلَّكَ يَا بُنَيَّ أَصَبْتَ نَفْسًا قَتَلْتَ قَتِيلًا فَيَقُولُ: «يَا أُمَّاهُ، أَنَا أَعْلَمُ بِمَا صَنَعَتْ نَفْسِي»

ص: 111

91 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَبَاحٌ الْقَيْسِيُّ يَوْمًا فَقَالَ: «هَلُمَّ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَجِيءُ حَتَّى تَبْكِيَ عَلَى مَمَرِّ السَّاعَاتِ وَنَحْنُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ» قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَى الْمَقَابِرِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْقُبُورِ صَرَخَ ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ فَجَلَسْتُ وَاللَّهِ عِنْدَ رَأْسِهِ أَبْكِي فَأَفَاقَ فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟» قُلْتُ: لِمَا أَرَى بِكَ قَالَ: لِنَفْسِكَ فَابْكِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «وَانَفْسَاهُ وَانَفْسَاهُ ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ»

ص: 111

92 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْقَيْسِيُّ، وَكَانَ ذَا قَرَابَةٍ لِرَبَاحٍ قَالَ: كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَبْكِي وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ الْبَيْتَ وَهُوَ يَبْكِي وَآتِيهِ فِي الْجِبَالِ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: أَنْتَ دَهْرَكَ فِي مَأْثَمٍ قَالَ: فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: «يَحِقُّ لِأَهْلِ الْمَصَائِبِ وَالذُّنُوبِ أَنْ يَكُونُوا هَكَذَا»

ص: 111

93 -

حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَأَلْتَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مَا لَا نَمْلِكُ فَأَعْطِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مَا يُرْضِيكَ عَنَّا حَتَّى تَأْخُذَ رِضَا نَفْسِكَ مِنْ أَنْفُسِنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

ص: 111

94 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ النَّقْدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقُلْتُ لَهَا: يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَخْبِرِينِي عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ:" أَفْعَلُ وَلَوْ كَانَ حَيًّا مَا فَعَلْتُ، إِنَّ عُمَرَ رحمه الله كَانَ قَدْ فَرَّغَ نَفْسَهُ وَبَدَنَهُ لِلنَّاسِ كَانَ يَقْعُدُ لَهُمْ يَوْمَهُ فَإِنْ أَمْسَى وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ حَوَائِجِ يَوْمِهِ وَصَلَهُ بِلَيْلِهِ إِلَى أَنْ أَمْسَى مَسَاءً وَقَدْ فَرَغَ مِنْ حَوَائِجِ يَوْمِهِ فَدَعَا بِسِرَاجِهِ الَّذِي كَانَ يُسْرَجُ لَهُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْعَى وَاضِعًا رَأْسَهُ عَلَى يَدِهِ تَسَايَلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ يَشْهَقُ الشَّهْقَةَ فَأَقُولُ: قَدْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ وَانْصَدَعَتْ كَبِدُهُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ لَيْلَتَهُ حَتَّى بَرَقَ لَهُ الصُّبْحُ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَتْ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِشَيْءٍ مَا كَانَ قَبْلَ اللَّيْلَةِ مَا كَانَ مِنْكَ؟ قَالَ: أَجَلْ فَدَعِينِي وَشَأْنِي وَعَلَيْكِ بِشَأْنِكِ قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي أَرْجُو أَنْ أَتَّعِظَ قَالَ: إِذًا أُخْبِرُكِ إِنِّي نَظَرْتُ إِلَيَّ فَوَجَدْتُنِي قَدْ وُلِّيتُ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا وَأَسْوَدِهَا وَأَحمْرِهَا ثُمَّ ذَكَرْتُ الْغَرِيبَ الضَّايِعَ وَالْفَقِيرَ الْمُحْتَاجَ وَالْأَسِيرَ الْمَفْقُودَ وَأَشْبَاهَهُمْ فِي أَقَاصِي الْبِلَادِ وَأَطْرَافِ الْأَرْضِ فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُسَائِلِي عَنْهُمْ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم حَجِيجِي فِيهِمْ فَخِفْتُ أَنْ لَا يُثْبَتَ لِي عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ وَلَا يَقُومَ لِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّةٌ فَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي خَوْفًا دَمَعَتْ لَهُ عَيْنِي وَوَجِلَ لَهُ قَلْبِي فَأَنَا كُلَّمَا ازْدَدْتُ لَهَا ذِكْرًا ازْدَدْتُ لِهَذَا وَجَلًا وَقَدْ أَخْبَرْتُكِ فَاتَّعِظِي الْآنَ أَوْ دَعِي "

ص: 112

95 -

حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْعَثِ، سَمِعَ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عز وجل {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النِّسَاء: 29] قَالَ: «لَا تَغْفُلُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ غَفَلَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَدْ قَتَلَهَا»

ص: 113

96 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ:" كَانَ الرَّجُلُ مِنَ السَّلَفِ يَلْقَ الْأَخَ مِنْ إِخْوَانِهِ فَيَقُولُ: يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تُسِيءَ إِلَى مَنْ تُحِبُّ فَافْعَلْ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَوْمًا: وَهَلْ يُسِيءُ الْإِنْسَانُ إِلَى مَنْ يُحِبُّ؟ قَالَ: «نَعَمْ نَفْسُكَ أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكَ فَإِذَا عَصَيْتَ اللَّهَ فَقَدْ أَسَأْتَ إِلَى نَفْسِكَ»

ص: 113

97 -

حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْمُؤَدِّبُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ السَّعْدِيُّ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّازٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ:" كَانَ يُقَالُ: مَا أَكْرَمَ الْعِبَادُ أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ طَاعَةِ اللَّهِ وَلَا أَهَانَ الْعِبَادُ أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل "

ص: 113

98 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُسَيْمٍ الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَةً تَقُولُ:

[الْبَحْر الوافر]

دَعَتْنِي النَّفْسُ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرٍو

إِلَى اللَّذَّاتِ تَطَّلِعُ اطِّلَاعَا

فَقُلْتُ لَهَا عَجَّلْتِ فَلَنْ تُطَاعِي

وَلَوْ طَالَتْ إِقَامَتُهُ رُبَاعَا

أحَاذرُ أَنْ أُطِيعَكِ سَبَّ نَفْسِي

وَمَخْزَاةً تُحَلِّلُنِي قِنَاعَا

فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: «مَا الَّذِي مَنَعَكِ مِنْ ذَلِكَ؟» قَالَتِ: الْحَيَاءُ وَإِكْرَامُ رُوحِي فَقَالَ عُمَرُ: «إِنَّ فِي الْحَيَاءِ لَهَنَاتٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ مَنِ اسْتَحْيَى اخْتَفَى وَمَنِ اخْتَفَى اتَّقَى وَمَنِ اتَّقَى وُقِيَ»

ص: 113