المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تصدير ـ[مذكرات شاهد للقرن]ـ كتاب أخرجه فيلسوفنا مالك بن نبي عام 1966 - مذكرات شاهد للقرن

[مالك بن نبي]

الفصل: ‌ ‌تصدير ـ[مذكرات شاهد للقرن]ـ كتاب أخرجه فيلسوفنا مالك بن نبي عام 1966

‌تصدير

ـ[مذكرات شاهد للقرن]ـ

كتاب أخرجه فيلسوفنا مالك بن نبي عام 1966 بالفرنسية، وطبع في الجزائر. وكان قد أودعني نسخة على الآلة الكاتبة في ذلك التاريخ، رغبة منه في إصداره مترجماً باللغة العربية.

هكذا اتفقت مع الدكتور عبد المجيد النعنعي مدير فروع الجامعة اللبنانية في طرابلس- لبنان، ليعمل على ترجمته، ولأعمل معه على صياغة النص بما يتفق وروح المؤلف ومرامي أفكاره.

وأنجز الدكتور النعنعي المهمة مشكوراً، يدفعه إلى ذلك حماسته للفكر العربي والإسلامي معاً، إنما سبقنا إلى تمام العمل ترجمة أخرى للأستاذ مروان قنواتي، صدرت في نهاية الستينات.

وهكذا توقفنا .....

وفي بداية السبعينات صدر الجزء الثاني من (مذكرات شاهد للقرن) وهو الجزء الذي يتحدث عن مرحلة الدراسة في باريس ابتداء من عام 1930، وقد آثر الأستاذ مالك- رحمه الله أن يترجمه بنفسه إلى العربية، حين آنس في الترجمة الأولى شيئاً من حواجز الصياغة تحول بين القارئ وإحساس المؤلف، الذي أودعه في كتابه وهو يصوغه بالفرنسية.

ومرت الأيام ......

ص: 7

وحين بدأنا في إعادة طبع مؤلفات الأستاذ مالك بن نبي من جديد، عدت إلى ترجمة الدكتور النعنعي وقد مضى عليها قرابة الخمسة عشر عاماً، ثم تأملت في ترجمة الأستاذ مروان قنواتي، وقد حوت كثيراً من التوضيحات حول الأسماء التي ذكرها الأستاذ مالك.

وما كنت لأعدل عن ترجمة الأستاذ قنواتي التي بذل فيها من علمه ومعرفته ما يشكر عليه، لولا أنني أردت أن أوائم بين القسم الأول من الكتاب، والقسم الثاني الذي كتبه الأستاذ مالك بالعربية مباشرة.

فالترجمة الحاضرة للقسم الأول من الكتاب ترتكز في أساسها على النص الفرنسي وعمدتها ترجمة الدكتور النعنعي، لكننا استفدنا كثيراً من جهود الأستاذ مروان قنواتي.

وقد حاولنا قدر الاستطاعة أن نسلك في ترجمتنا للقسم الأول من (مذكرات شاهد للقرن)، أسلوب الأستاذ مالك في ترجمته للقسم الثاني من هذه المذكرات، ذلك أن القسمين سيصدران في كتاب واحد في هذه الطبعة وكانا قد صدرا قبلُ في كتابين منفصلين. فعسى أن نكون قد حققنا هدفنا في التنسيق بين فصول هذه المذكرات التي يأخذ بعضها برقاب بعض.

ومذكرات مالك بن نبي، مذكرات شاهد يتحدث إلينا خلف ستار، وهو يحاول أن ينقل إلينا تبصّره بالأحداث، وما هذه التفاصيل التي يقصها علينا إلا ليجسد رؤيته الفكرية عبرها. فشاهدنا شاهد بصر وبصيرة معاً.

وهي بصيرة صاغتها أحاسيس جزائري امتد به عمق الحضارة الإسلامية إلى حدود الحضارة الغربية الحديثة، فكان نقطة اتصال وتحول كما يقول في بداية شهادته.

فأجيال الحضارة تتناقل دائماً رسالة سرية ذات رموز، ويحقّ لكل جيل أن يقرأ هذه الرسالة قراءة تختلف عن الجيل السابق، لأن لكل جيل مصطلحاً خاصاً به يفك رموز تلك الرسالة.

ص: 8

هكذا يقول بن نبي في شهادته، وكأنما يريد أن يمنحنا من جديد مصطلحات رموز هذه الرسالة، بعد أن افتقدنا هذا المصطلح، وباتت رسالة حضارتنا رمزاً لا نستطيع له إدراكاً يلج في أعماق جيلنا المعاصر.

مالك بن نبي يحدثنا عن حدود التلاقي بين حضارة مندفعة تحتاح ما أمامها، وحضارة أسلمت مقاليدها للتاريخ وغدت أجيالها في مهب الريح.

كذلك كانت الجرائر وقد اجتاحها الاستعمار الفرنسي. لكن الجزائر عينة من عينات ذلك العالم الإسلامي الذي استقال من مهمته التاريخية، وغدت بقية التراث أشلاء مبعثرة هنا وهناك، لا تصمد أمام طوفان الحضارة الغربية وجحافلها المنتصرة.

هكذا ينقل إلينا مالك بن نبي صوراً من شهادته، إذا صدقت على أجيال الجزائريين من أبناء جيله، فهي صادقة أيضاً على أجيال العالم الإسلامي، والعالم المتخلف بأجمعه منذ بداية هذا القرن.

ولذا فهو شاهد أحداث هذا القرن فيها يروي.

والشهادة هذه ليست شهادة لمعاناة مجتمع مغلوب على أمره، وهي ليست شهادة على مجتمع لا يدرك لدفاعه فعالية الوسائل فحسب، بل إنها أيضاً شهادة على ما أرست حضارة الغرب الحديثة من مصطلحات ومفاهيم ومنجزات، تزري بمسيرة الإنسانية وهي تنشر ثقافتها وجيوشها.

فمالك بن نبي- وهو يروي أدق التفاصيل- لا يغفل عن إبراز القيم الأساسية التي ما يزال يحتفظ بها رجل الفطرة، وقد ورثها من أجيال سابقة حفظت التراث والقيم. وهو في الوقت نفسه يطرح أمامنا تهافت مثقفينا؛ الذين انغمسوا في الثقافة الغربية ومصطلحاتها وواقعها، فانقلبوا في حركتهم التقدمية إلى الوراء، واتخذوا من السياسة سبيلاً إلى قيادة تسير نحو العدم، لأنهم افتقدوا في

ص: 9

ذلك الصخب الذي عانته مجتمعاتنا الإسلامية منذ بداية هذا القرن، سبل الفعالية في المبادرة والاتجاه، وهكذا فاتهم قطار التاريخ.

هذا الكتاب يحمل إلينا دفء الأصالة، ويهزّنا حين يروي لنا صفاء الراعي والبدوي ووفاءه للقيم، والتزامه بما استقر في ضميره من تقاليد هي أقرب إلى روح الحضارة وأرسخ في خطا التقدم.

فالذي حمله المثقفون الجزائريون من الجامعات والمعاهد الفرنسية، والذي نقله الاستعمار من الهياكل الإدارية إلى أرض الجزائر، قد أفسد الرؤية وأنقص قيمة الإنسان، وأحل مكان خرافة المرابطي شيخ الطريقة خرافةَ الزعيم، وهكذا تحطمت بمنطق السهولة المبادرات البناءة التي بدأتها حركة الإصلاح بقيادة (بن باديس).

هذا الكتاب يكشف لنا مكونات فكر بن نبي، وهاجسه العميق الذي رافقه طيلة حياته.

إنه هاجس الحضارة ومشكلاتها. وما كان لبن نبي أن يروي لنا شهادته، لولا أنه قد رغب في تأصيل الأساس الفكري لنهضتا، وآثر الحقيقة والتزم جانب الصدق والكفاح حتى أسلم الروح، لم تفتر له عزيمة في بيان ولم يهن له عزم في كشف كل زيف، تروج بضاعته في أسواق الثقافة ومراكز التوجيه.

إنه شاهد قرن ومبلغ فيه لما شهد. والتبليغ في منعطفات التاريخ رؤية فكرية وروحية معاً. في صيغته وضوح المعالم، وفي حرارته شرارة الإقلاع.

طرابلس- لبنان

22 جمادى الثانية 1403هـ

5 نيسان (ابريل) 1983

عمر مسقاوي

ص: 10