المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك - التفسير المظهري - جـ ٤

[المظهري، محمد ثناء الله]

الفصل: نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك

نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انّك مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير انّك على كلّ شيء قدير أنت ربّنا وربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ ونصلىّ ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّدنا ومولانا محمّد وعلى جميع النّبيّين والمرسلين وعلى عبادك الصّالحين 5.

‌سورة التّوبة

مدنيّة وهى مائة وتسع وعشرون اية او ماية وثلثون اية عن «1» ابى عطية الهمداني قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد وفي النور الحث على الحجاب وعن «2» عثمان بن عفان قال كانت البراءة والأنفال تدعيان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال 5 منه ولها اسماء سميت براءة لانها براءة عن الكافرين وسورة التوبة لان فيها توبة على المؤمنين والمقشقشة أخرجه ابو الشيخ وابن مردوية عن زيد بن اسلم عن عبد الله بن عمر لانها تقشقش اى بترأ من النفاق والمبعثرة أخرجه ابن المنذر عن محمد بن إسحاق لما كشفت عن سرائر الناس والبحوث أخرجه ابن ابى حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابى رشد الحراني عن المقداد بن الأسود والمثيرة أخرجه ابن المنذر وابو الشيخ وابن ابى حاتم عن قتادة لانها نبعثر النفاق وبتحت عنها وتثيرها وتظهر عوراتهم وتخفر عنها والمنكلة والمدمدمة وسورة العذاب اخرج ابن ابى شيبة والطبراني وابو الشيخ والحاكم وابن مردوية عن حذيفة رضى الله عنه قال التي تسمونها سورة التوبة هى سورة العذاب والله ما تركت

(1) عن ابى عطية للهمدانى قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سوره براءة وعلموا نسائكم سورة النور قلت لان في البراءة الحث على الجهاد وفي النور الحث على الحجاب 12 منه

(2)

وعن عثمان بن عفان قال كانت البراءة والأنفال تدعيان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم القرينتين فلذلك جمعتهما في السبع الطوال 12 منه-

ص: 131

أحد الا نالت فيه واخرج سورة العذاب ايضا ابو عوانة وابن المنذر وابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس عن عمرو الفاضحة لكونها فاضحة للمنافقين قال البغوي قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس سورة التوبة قال هى الفاضحة ما زالت تنزل وتنبئهم حتى ظنوا انها لم تبق أحدا منهم الا ذكرها فيها قال قلت سورة الأنفال قال تلك سورة بدر قال قلت سورة الحشر قال قل سورة النضير وفي وجه ترك البسملة عنها روى البغوي بسنده واحمد وابو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قلت لعثمان رضى الله عنه ما حملكم على ان عمدتم الى الأنفال وهى من الثاني وإلى براءة وهى من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال فقال عثمان رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فاذا نزل عليه الشيء يدعوا بعض من كان يكتب عنده فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكانت الأنفال مما نزلت بالمدينة وكانت براءة من اخر ما نزلت وفي لفظ وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة وكانت البراءة من اخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لها انها منها فمن ثم فرنت بينهما ولم اكتب سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال وقيل وجه ترك البسملة انها نزلت لرفع الامان وبسم الله الرّحمن الرّحيم أمان كذا اخرج ابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس قال سالت على ابن ابى طالب رضى الله عنه لم لم يكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم في براءة قال لان بسم الله الرّحمن الرّحيم أمان وبراة نزلت بالسيف وقيل اختلف اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم الأنفال وبراءة سورة واحدة نزلت في القتال ويعد السابعة من الطوال وهى سبع وقال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة قال البغوي قال المفسرون لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك كان المنافقون يرجعون الأراجيف يعنى يقولون أقوالا يضطرب بها المسلمون اضطرابا

ص: 132

شديدا وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وذلك لزعهم ان المسلمين لا يقاومون قتال قيصر ملك الشام فامر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنقض عهودهم فقال.

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «1» قال الزجاج يعنى قد برئ الله ورسوله اعطائهم العهود والوفاء بها إذا نكثوا فقوله براءة خبر مبتدا محذوف اى هذه براءة وهى ضد المعاهدة وهى مصدر كالنشاءة والدناءة ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف تقديره واصلة من الله ورسوله ويجوز ان يكون براة مبتدأ لتخصيصها بصفتها خبره إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ اى عاهدتموهم ايها الرسول والمؤمنون مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) بيان للموصول علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالرسول والمؤمنين للدلالة على انه يجب عليهم نبذ عهودهم.

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ فيه التفات حيث خاطب المشركين بعد ما ذكرهم على الغيبة او المعنى فقل لهم سيحوا اى سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين امنين غير خائفين أحدا من المسلمين والسياحة السير على مهل أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ اى غير فائتين ولا سابقين وان أمهلكم وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) اى مذلهم بالقتل والاسر في الدنيا والعذاب في الآخرة قال الزهري الأشهر الاربعة شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان الاية نزلت في شوال وقال اكثر المفسرين ابتدائها يوم الحج الأكبر وانقضائها الى عشر من شهر ربيع الاخر لقوله تعالى.

وَأَذانٌ اى اعلام فعال بمعنى الافعال كالامان والعطاء ومنه الاذان للصلوة يقال اذنته فاذن اى أعلمته فعلم وأصله من الاذن اى أوقعت في اذنه ورفعه كرفع براءة على الوجهين

(1) وقرئ رسوله بالجر للجوار عن ابن ابى مليكة قال قدم أعرابي في زمان عمر بن الخطاب فقال من يقرأني عما انزل الله على محمد فاقراه براءة فقال ان الله برئ من المشركين ورسوله بالجر فقال الاعرابى لقد برئ الله من رسوله ان يكن الله برئ من رسوله فانا ابرأ منه فتبع عمرو قالة الاعرابى ابترا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا امير المؤمنين انى قدمت المدينة ولا علم لى بالقران فسالت من يقرائنى فاقرانى هذه السورة براة فقال الله برى من المشركين ورسوله وقال الاعرابى وانا والله ابرا مما برا لله منه فامر محمد بن الخطاب ان لا يقرا الناس الا عالم باللغة وامر الأسود فوضع النحو 12. [.....]

ص: 133

مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ «1» الْأَكْبَرِ قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس انه يوم عرفة قال وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عمرو ابن الزبير «2» رضى الله عنهم وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن المسيب قلت ومستند هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة أخرجه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم والدار قطنى والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن معمر واخرج ابن ابى حاتم عن مسور ابن مخرمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم عرفة وهذا يوم الحج الأكبر قال البغوي قال جماعة هو يوم النحر روى عن يحيى بن الخراز قال خرج على رضى الله عنه يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة فجاء رجل أخذ بلجام دابته وساله عن يوم الحج الأكبر فقال يومك هذا خل سبيلها اخرج الترمذي عن على قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر قال وبروى ذلك عن عبد الله بن ابى اوفى والمغيرة ابن شعبة وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير والسدى قلت واخرج ابو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر قال البغوي وروى ابن جريح عن مجاهد يوم الحج الأكبر حين الحج ايام منى كلها وكان سفيان الثوري يقول يوم الحج الأكبر ايام منى كلها مثل يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث يراد به الحين والزمان فان هذه الحروب دامت أياما كثيرة ووصف الحج بالأكبر لان العمرة يسمى بالحج الأصغر كذا قال الزهري والشعبي وعطاء والله اعلم قالوا هذه الآية تدل على ان ابتداء الأشهر الاربعة يوم الحج الأكبر قلت ليس في آية الاذان الواقع يوم الحج الأكبر التقييد باربعة أشهر حتى يدل على ان ابتداء الأشهر من ذلك اليوم بل قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر أَنَّ اللَّهَ اى بان الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 5 وَرَسُولُهُ قرأ يعقوب رسوله بالنصب عطفا على اسم ان او لان الواو بمعنى مع والباقون بالرفع

(1) وعن الحسن انه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال ذاك عام حج فيه ابو بكر استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج بالناس واجتمع فيه المسلمون والمشركون فلذلك سمى الحج الأكبر ووافق عبد اليهود والنصارى 12

(2)

عن الشعبي ان أبا ذر والزبير بن العوام سمع أحدهما من النبي صلى الله عليه وسلم انه قرأها يوم الجمعة على المنبر فقال لصاحبه متى أنزلت هذه الاية فلما قضى صلوته قال له عمر بن الخطاب لا جمعة لك فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال صدق عمر 12

ص: 134

عطفا على المستكن في برئ او على الابتداء والخبر محذوف اى ورسوله برئ وهذا تعميم بعد تخصيص فان الاية الاولى فيها براءة مختصة بالذين عوهدوا والمراد به الناكثين منهم بدليل الاستثناء الآتي وفي هذه الآية براءة عامة الى المشركين أجمعين عاهدوا ثم نكثوا او لم يعاهدوا منهم ولذا قال الى الناس فلا تكرار غير ان الذين عاهدوا ولم ينكثوا خارجون عن هذه البراءة ايضا لقوله تعالى فاتموا إليهم عهدهم وليس في هذه الاية الأمر بالسياحة اربعة أشهر حتى يلزم اعتبار ابتداء المدة من هذا اليوم وعندى ان قوله تعالى براءة من الله ورسوله وان الله برئ وان كانت نازلة في المشركين الموجودين في ذلك الوقت الناكثين عهودهم في غزوة تبوك وغير المعاهدين منهم لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد فالآية محكمة ناطقة لوجوب قتال الناكثين وغير المعاهدين ابدا فالمراد بقوله تعالى فسيحوا في الأرض اربعة أشهر من كل سنة وهى الأشهر الحرم بدليل قوله تعالى فاذا انسلخ الأشهر الحرم الآية وقوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها اربعة حرم فان قيل قال قوم القتال في الأشهر الحرم كان كبيرا ثم نسخ بقوله تعالى قاتلوا المشركين كافة كانه يقول فيهن وفي غيرهن وهو قول قتادة وعطاء الخراسانى والزهري وسفيان الثوري وقالوا لان النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وحاصر في شوال وبعض ذى القعدة قلنا هذا لقول عندى غير صحيح لان قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة من تتمة قوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ولا بد في الناسخ من التراخي والقول بالتخصيص هاهنا غير متصور والقول بان معنى قوله تعالى قاتلوا المشركين كافة فيهن وفي غيرهن باطل لانه يدل على تعميم الافراد دون تعميم الزمان وحصاره صلى الله عليه وسلم الطائف في بعض ذى القعدة ثابت بأحاديث الآحاد ولا يجوز نسخ الكتاب بها كيف وسورة التوبة نزلت بعد غزوة الطائف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة

ص: 135

يوم النحر في حجة الوداع قبل وفاته بثمانين يوما ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق السّموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم ثلث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان الحديث رواه الشيخان في الصحيحين من حديث ابى بكرة ويحتمل ان يكون جواز حصار الطائف في ذى القعدة مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم أبيح له القتال فيها كما أبيح له القتال في الحرم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السّموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال لاحد قبلى ولم يحل لى الا ساعة من نهار الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس وفي الصحيحين من حديث ابى شريح العدوى فان أحد ترخص بقتال رسول الله فيها فقولوا له ان الله قد اذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما اذن لى فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس- (قصّة) لما نزلت هذه في شوال سنة تسع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ليقرأها على الناس في الموسم روى النسائي عن جابر انه صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج فاقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب «1» بالصبح فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره ووقف عن التكبير فقال هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء لقد بد الرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج فلعله ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلى معه فاذا على عليها فقال له ابو بكر امير أم رسول قال لا بل رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة اقرأها على الناس في مواقف الحج «2» فقدمنا مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام ابو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على

(1) تثويب الصلاة خير من النوم گفتن در أذان فجر 12.

(2)

عن عروة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الناس سنة تسع وكتب سنن الحج وبعث معه على بن ابى طالب بآيات من براءة فامره ان يوذن بمكة وبمنى وبعرفات والمشاعر كلها بانه بريت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك حج بعد العام او طاف بالبيت عريانا وأجل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد اربعة أشهر رسار على راحلة والناس كلهم يقرأ عليهم القران براءة من الله ورسوله وقرأ عليهم يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد واخرج الترمذي عن انس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع ابى ثم دعاه فقال لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي فدعا عليا فاعطاه إياها وعن سعد بن ابى قاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة الى اهل مكة ثم بعث عليا على اثره فاخذنا منه وقال ابو بكر وجد في نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لا يودى عنى الا انا او رجل منى 12.

ص: 136

الناس براءة حتى ختمها ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام ابو بكر فخطب الناس فعلمهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم كان يوم النحر فافضنا فلما رجع ابو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها فلما كان يوم النفر الاول قام ابو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون يعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها قال البغوي بعث أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ثم بعث بعده عليا على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر سورة براءة وامره ان يوذن بمكة ومنى وعرفات ان قد برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فرجع ابو بكر فقال يا رسول الله بابى أنت وأمي اانزل في شانى شىء قال لا ولكن لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي اما ترضى يا أبا بكر انك كنت معى في الغار وانك صاحبى على حوضى قال بلى يا رسول الله فسار ابو بكر رضى الله عنه أميرا على الحج وعلى رضى الله عنه ليؤذن براءة فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب ابو بكر الناس وورثهم عن مناسكهم واقام للناس الحج والعرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحج حتى إذا كان يوم النحر قام على ابن ابى طالب رضى الله عنه فاذن في الناس بالذي امر وقرأ عليهم سورة براءة «1» وقال زيد ابن تبغ سالنا عليا باى شىء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع لا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو الى مدته ومن لم يكن له مدة فاجله اربعة أشهر ولا يدخل الجنة الا نفس مومنة ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا روى الشيخان في الصحيحين عن حميد بن عبد الرحمن عن ابى هريرة قال بعثني ابو بكر رضى الله عنه في تلك الحجة في مؤذنى يوم النحر يؤذن بمنى الا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال حميد بن عبد الرحمن ثم اردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فامره ان يؤذن ببراءة قال ابو هريرة فاذن معنا على في اهل منى يوم النحر لا يحج بعد

(1) واخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وامره ان يناوى بهؤلاء الكلمات ثم اتبعه عليا وامره ان يناوى بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجا فقام على في ايام التشريق فنادى ان الله برى من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض اربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريانا ولا يدخل الجنة الا مومن فكان على ينادى فاذا عيى قام ابو بكر فناوى بها 12

ص: 137

العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان- (فائدة) هذه القصة صريح في ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعزل أبا بكر عن امارة الحج وانما بعث عليا ينادى بهذه الآيات وكان السبب في هذا ان العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العقود ونقضها ان لا يتولى ذلك الا سيدهم او رجل من رهط فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه فينا في نقص العهود وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغى لاحد ان يبلغ هذا الا رجل من أهلي اخرج هذا اللفظ احمد والترمذي وحسنه من حديث انس رضى الله عنه وما ذكرنا من القصة بعضها في سند احمد وبعضها في الدلائل للبيهقى من حديث ابن عباس وبعضها في تفسير ابن مردوية من حديث ابى سعيد الخدري وغيره رضى الله عنهم فَإِنْ تُبْتُمْ رجعتم من الكفر وأسلمتم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فى الدنيا والآخرة من كل شىء وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن التوبة والإسلام فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا وتقدير الكلام وان توليتم يعذبكم الله في الدنيا والآخرة لانكم غير معجزيه وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) بالقتل والاسر في الدنيا وبالنار في الآخرة.

إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً من عهدهم الذين عاهدتموهم عليه وَلَمْ يُظاهِرُوا اى لم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم قال البغوي هم بنو حمزة من بنى كنانة وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر وهم لم ينقضوا العهد فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ اى الى تمام مدتهم الذي عاهدتموهم عليه ولا تجروهم مجرى الناكثين ولا مجرى من لا عهد بينكم وبينهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) تعليل وتنبيه على ان إتمام عهدهم من باب التقوى قوله تعالى الا الذين عاهدتم إلخ استثناء من المشركين بمعنى الاستدراك كانه قيل انما أمرتم بنبذ العهد الى الناكثين او بقتال من لا عهد بينكم وبينهم من المشركين لا بقتال المعاهدين مدة معلومة او مؤيدة غير ناكثين.

ص: 138

فَإِذَا انْسَلَخَ اى انقضى واصل الانسلاخ خروج الشيء مما هو لابسه من سلخ الشاة الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ قال مجاهد وابن إسحاق هى شهور العهد فمن كان له عهد فعهده اربعة أشهر ومن لا عهد له فاجله الى انقضاء المحرم خمسين يوما وقيل لها حرم لان الله حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم فان قيل هذا القدر بعض الأشهر الحرم والله تعالى يقول فاذا انسلخ الأشهر قيل لما كان هذا القدر متصلا بما مضى اطلق عليه اسم الجميع ومعناه مضت المدة المعلومة المضروبة التي يكون مع انسلاخ الأشهر الحرم ولا يخفى ما فيه من التكلف والظاهر ما قلنا ان المعنى إذا انسلخ الأشهر الحرم من كل سنة فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ غير من عوهدوا ولم ينقضوا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قال اكثر المفسرين في تفسيره في حل او حرم وهذا يناقض قوله صلى الله عليه وسلم ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وانه لم يحل القتال لاحد قبلى ولا يحل لى الا ساعة من النهار وقوله صلى الله عليه وسلم فان أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له ان الله قد اذن رسوله ولم يأذن لكم وانما اذن لى فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس والحديثان في الصحيحين وقد ذكرناهما من قبل وقوله عليه السلام الى يوم القيامة يمنع كونه منسوخا فالاولى ان يقال عموم الامكنة المفهوم من هذه الآية مخصوص بما سوى الحرم- (مسئله) القتال في الحرم والأشهر الحرام يحل ان بدأ المشركون بالقتال لقوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الآية وقد ذكرنا في سورة البقرة وَخُذُوهُمْ اى اسروهم والأخيذ الأسير وَاحْصُرُوهُمْ قال ابن عباس يريد ان تحصنوا فاحصروهم اى امنعوهم من الخروج حتى يضطروا الى القتل او الإسلام او قبول الجزية وقيل امنعوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ على كل طريق والمرصد الموضع الذي يرصد فيه العدو من رصدت الشيء ارصده إذا ترقبته يريد كونوا لهم رصدا لتاخذوهم من كل وجه توجهوا ولا تتركوهم ينبسطوا في البلاد ويدخلوا مكة

ص: 139

فَإِنْ تابُوا من الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ يعنى قبلوا اقام الصلاة وإيتاء الزكوة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن تاب رَحِيمٌ (5) قال الحسن ابن فضيل هذه الآية نسخت كل اية في القران فيها ذكر الاعراض والصبر على أذى الأعداء.

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين امرتك بقتالهم وقتلهم أحد مرفوع بفعل مضمر يفسره اسْتَجارَكَ استامنك وطلب منك جوارك فَأَجِرْهُ فامنه حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ويتدبره فيظهر له صدقك باعجازه ويعلم ما له وما عليه من الثواب ومن العقاب ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ اى موضع امنه ودار قومه ان لم يسلم فان قاتلك بعد ذلك فقاتله واقتله ان قدرت عليه ذلِكَ الا من او الأمر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) الحق من الباطل فلا بد لهم من سماع كلام الله تعالى حتى يعلموا قال الحسن هذه الآية محكمة الى يوم القيامة.

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ لا خبر يكون كيف وقدم للاستفهام او للمشركين او عند الله وهو على الأولين صفة للعهد او ظرف له او ليكون وكيف على الآخرين حال من العهد وللمشركين ان لم يكن خبرا فتبين والاستفهام للانكار والاستبعاد على وجه التعجيب استبعاد لان يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع كمال عنادهم وفسقهم او لان يفى الله ورسوله عهدهم وهم ينكثون إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ محله النصب على الاستثناء او الجر على البدل وجاز ان يكون الاستثناء منقطعا إن كان المراد بالمشركين الناكثين منهم اى ولكن الذين عدهدتم منهم عند المسجد الحرام فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ على الوفاء وما يحتمل الشرطية والمصدرية قال ابن عباس المراد بالدين عاهدتم عند المسجد الحرام قريش وقال قتادة هم اهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية امر الله رسوله بالتبرص في أمرهم ان استقاموا على العهد يستقام لهم على الوفاء فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بنى بكر على خزاعة فغزا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة ثم جعل لهم الامان وضرب لهم بعد الفتح اربعة

ص: 140

أشهر يختارون من أمرهم ما شاؤا الا ان يسلموا واما ان يلحقوا باى بلاد شاؤا فاسلموا قبل الاربعة الأشهر وقال السدى والكلبي وابن إسحاق هم من قبايل بكر بنو خزيمة وبنو مدلج وهو ضمرة وبنو الديل وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية فلم يكن نقض الا قريش وبنو الديل من بنى بكر فامر بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة قال البغوي هذا القول اقرب للصواب لان هذه الآية نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة فكيف يقول بشئ قد مضى فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم فانما هم الذين قال الله عز وجل الا للذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا كما نقضكم قريش ولم يظاهروا عليكم أحدا كما ظاهرت قريش بنو بكر على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) والاستقامة على إيفاء العهد من التقوى.

كَيْفَ تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد او بقاء حكم إيفاء عهدهم مع التنبيه على علة الاستبعاد وحذف الفعل للعلم به يعنى كيف يكون لهم عهد وحالهم انه وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ اى يظفروا بكم لا يَرْقُبُوا اى لا يحفظوا وقال الضحاك لا ينظروا وقال قطرب لا يراعوا فِيكُمْ إِلًّا قال قتادة حلفا وقال ابن عباس والضحاك قرابة وقال يمان رحما وقال السدى هو العهد وكذلك الذمة الا انه كرر لاختلاف اللفظين وقيل ربوبيته قال بيضاوى لعله اشتق للحلف من الال وهو الجوار لانهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا أصواتهم وشهروه ثم استعير للقرابة لانها تعقد بين الأقارب ما لا يعقد الحلف ثم لربوبيته ولتربيته وقيل اشتقاقه من ال الشيء إذا حدده أو أل البرق إذا لمع وقال ابو مجيز ومجاهد الال هو الله لفظ عبرى وكان عبيد بن عمير يقرأ جبرال بالتشديد يعنى عبد الله وفي الخبران ناسا قدموا على ابى بكر من قوم مسيلمة الكذاب فاستقرأهم ابو بكر كتاب مسيلمة فقرؤا فقال ابو بكر رضى الله عنه ان هذا الكلام لم يخرج من ال يعنى الله عز وجل والدليل على هذا التأويل قرأة عكرمة لا يرقبون في مؤمن الا يعنى الله عز وجل مثل جبرئيل وميكائيل وفي القاموس الال بالكسر العهد والحلف والجار والقرابة والأصل الجيد والمعدن والحقد والعداوة والربوبية

ص: 141

واسم الله تعالى وكل اسم آخره ال أو إيل فمضاف الى الله تعالى والوحى والامان والجزع عند المصيبة وَلا ذِمَّةً عهدا او حقا يعاب على إغفاله يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ اى يقولون أقوالا موجبة مرضائكم نفاقا وتقية من الوعد بالايمان والطاعة ووفاء العهد وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ما يتفوهون به ويستبطنون الكفر والمعاداة بحيث ان ظفروا خالفوا ما تفوهوا به جملة يرضونكم مستانفه لبيان أحوالهم المنافية لثباتهم على العهد المقتضية لعدم مراقبتهم عند الظفر ولا يجوز جعله حالا من فاعل لا يرقبوا فانهم بعد ظهورهم لا يرضون المؤمنين وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) المراد بالفسق هاهنا نقض العهد وكان بعض المشركين يوفون العهود ويستنكفون من نقضها ولذلك خصص الفسق بأكثرهم دون كلهم.

اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ استبدلوا بالقرآن ثَمَناً قَلِيلًا عوضا يسيرا من اعراض الدنيا قال البغوي ذلك انهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم باكلة أطعمهم ابو سفيان قال مجاهد اطعم ابو سفيان حلفاؤه فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ يعنى منعوا الناس من الدخول في دين الله والفاء للدلالة على ان اشترائهم أداهم الى الصد قال ابن عباس وذلك ان اهل الطائف امددهم بالأموال ليقووا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) اى عملهم هذا وما دل عليه قوله.

لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً فهو تفسير لقوله ما كانوا يعملون لا تكرير وقيل الاول عام في المنافقين وهذا خاص بالذين اشتروا وهم اليهود والاعراب الذين جمعهم ابو سفيان وأطعمهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) المجاوزون عن الحد في الشرارة.

فَإِنْ تابُوا عن الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ اى فهم إخوانكم فِي الدِّينِ لهم ما لكم وعليهم ما عليكم وَنُفَصِّلُ الْآياتِ تنبيها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) اعتراض للحث على تأمل ما فصل من احكام المعاهدين والتائبين قال ابن عباس حرمت هذه الاية دماء اهل القبلة وقال ابن مسعود أمرتم بالصلوة والزكوة فمن لم يزك فلا صلوة له روى البخاري وغيره عن ابى هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابو بكر وكفر من كفر من العرب

ص: 142

فقال عمر كيف تقاتل الناس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قالها فقد عصم منى ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله فقال ابو بكر والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكوة فان الزكوة حق المال والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر فو الله ما هو الا ان قد شرح الله صدر ابى بكر فعرفت انه الحق وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلوتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله رواه البخاري وفي الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويوتوا الزكوة فاذا فعلوا ذلك عصم منى دمائهم وأموالهم الا بحق الإسلام وحسابهم على الله الا ان مسلما لم يذكر وحسابهم على الله.

وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ اى نقضوا عهودهم مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ كما نكث كفار قريش وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ بالتكذيب وتقبيح الاحكام قال البغوي هذا دليل على ان الذي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد قلت وهذا الاستدلال ضعيف فان الشرط مجموع الامرين نقض العهد والطعن في الدين فلا يترتب الحكم على أحدهما فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ قرأ الكوفيون وابن عامر بهمزتين محققتين حيث وقع وفي رواية عن هشام انه ادخل بينهما الفا والباقون بهمزة وياء مختلسة الكسرة من غير مد وضع أئمة الكفر موضع الضمير والمعنى فقاتلوهم للدلالة على انهم صاروا بذلك ذوى الرياسة والتقدم في الكفر احقا بالقتل وقيل المراد بأئمة الكفر رؤس المشركين وقادتهم وهم اهل مكة ووجه تخصيصهم بالذكر اما ان قتلهم أهم وهم أحق به او للمنع عن مراقبتهم قال ابن عباس نزلت في ابى سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو عكرمة بن ابى جهل وسائر روساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد وهم الذين هموا بإخراج أهلها بعد إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ اى لا عهود لهم جمع يمين يعنى لا يجب عليكم وفاء عهودهم بعد ما نكثوا وقال قطرب لا وفاء لهم بالعهد وقرأ لا ايمان لهم بكسرة الهمزة اى

ص: 143

لا تصديق لهم ولا دين لهم وقيل هو من الامان اى لا تؤمنوا هم بل اقتلوهم حيث وجدتموهم لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) متعلق بقاتلوا وجملة انهم لا ايمان لهم معترضة بينهما اى ليكن غرضكم في المقاتلة ان ينتهوا عما هم عليه من الشرك والمعاصي لا إيصال الاذية بهم كما هو طريقة الموذين ولا إحراز المال والملك كما هو داب السلاطين ثم حث المسلمين على القتال فقال.

أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ يعنى نقضوا عهودهم وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ قيل المراد به اليهود وغيرهم من المنافقين وكفار المدينة نكثوا عهودهم حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك وهوا بإخراجه صلى الله عليه وسلم من المدينة حيث قالوا لعنهم الله ليخرجن الأعز منها الأذل وَهُمْ بَدَؤُكُمْ بالمعاداة حيث عاونوا المشركين عليه أَوَّلَ مَرَّةٍ قبل ان يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا اظهر لان السورة نزلت بعد غروة تبوك وقد اسلم اهل مكة قبل ذلك وايضا هموا بإخراج الرسول يدل على انهم هموا بذلك ولم ينالوا به بخلاف اهل مكة فانهم هموا قتله واضطروه الى الخروج فاخرجوا كما قال الله تعالى وإخراج اهله منه اكبر عند الله وقال بعض المفسرين المراد بالذين نكثوا ايمانهم الذين نقضوا صلح الحديبية وأعانوا بنى بكر على خزاعة وهموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة حين اجتمعوا في دار الندوة وهم بدأوكم بالقتال أول مرة لانه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعوة والزام الحجة بالكتاب والتحدي به فعدلوا عن معارصته الى المعاداة والمقاتلة حتى اجتمعوا في دار الندوة واجمعوا على قتله او لان أبا جهل قال يوم بدر بعد ما سلم العير لا ننصرف حتى نستاصل محمدا وأصحابه او لانهم بدأوا بقتال خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا التأويل لا يتصور الا إذا كان نزول هذه الآيات قبل فتح مكة وحينئذ يستقيم ما قال ابن عباس ان قوله تعالى وان نكثوا ايمانهم وطعنوا في دينكم نزلت في ابى سفيان وغيره المذكورين من قبل وقوله تعالى الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا المراد به قريش امر الله رسوله بالتربص في أمرهم ان استقاموا على العهد يستقام لهم لكنهم لم يستقيموا والله اعلم أَتَخْشَوْنَهُمْ أتتركون قتالهم خشية ان ينالكم مكروه منهم استفهام للانكار يعنى

ص: 144

لا ينبغى ذلك فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فى ترك امتثال امره فى قتال أعداءه والفاء للسببية فان كون الله تعالى أحق ان يخشى سبب للانكار على الخشية من غيره إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مؤمنين فلا تخشوا الا الله فان مقتضى الايمان هذا لان من يعتقد ان خالق الأشياء الجواهر والاعراض وافعال العباد ليس الا الله وان أحدا لا يستطيع النفع والضرر الا بمشية الله تعالى وإرادته لا يخشى أحدا غيره تعالى ثم لما وبخهم على ترك القتال جرد لهم الأمر به فقال.

قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ قتلا وَيُخْزِهِمْ ويذلهم اسرار وقهرا وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وعد لهم بالنصر والتمكن من قتل أعدائهم وإذلالهم وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ يعنى كربها ووجدها بمعونة قريش بنى بكر عليهم اخرج ابو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الآية نزلت في خزاعة حين جعلوا يقتلون بنى بكر بمكة واخرج عن عكرمة قال نزلت هذه الآية فى خزاعة واخرج عن السدى ويشف صدور قوم مؤمنين قال هم خزاعة خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشف صدورهم من بنى بكر وفي الآية معجزات وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ابتداء اخبار بان بعضهم يتوب عن كفره وكان ذلك ايضا معجزة وقد هدى الى الإسلام كثيرا من قريش مثل ابى سفيان وعكرمة بن ابى جهل وسهيل بن عمر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما كان وما يكون حَكِيمٌ (15) لا بفعل الا بمقتضى الحكمة قال البغوي روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح ارفعوا لا خزاعة من بنى بكر الى العصر.

أَمْ حَسِبْتُمْ خطاب للمومنين حين كره بعضهم القتال وقيل المنافقين وأم منقطعة بمعنى بل والهمزة والاستفهام للتوبيخ على الحسبان أَنْ تُتْرَكُوا فلا تومروا بالجهاد ولا تمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ يعنى لم يتحقق منكم من جاهد في سبيل الله نفى العلم وأراد نفى المعلوم للمبالغة فانه كالبرهان عليه من حيث ان تعلق العلم به مستلزم لوقوعه او على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فان وقوع شيء لا يمكن ان يتخلف من علم الله تعالى به وَلَمْ يَتَّخِذُوا

ص: 145

عطف على جاهدوا يعنى ولما يعلم الله الذين لم يتخذوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم وفي لما اشارة الى توقع وجود المجاهدين المخلصين في امة محمد صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال من أمتي امة قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك متفق عليه من حديث معاوية وروى ابن ماجة بسند صحيح عن ابى هريرة نحوها والحاكم وصححه عن عمر بلفظ لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقوم الساعة وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) فيه دفع لما يتوهم من ظاهر قوله تعالى ولما يعلم الله قال البغوي قال ابن عباس لما اسر العباس يوم بدر غيره المسلمون بالكفر وقطيعة الرحم واغلظ علىّ القول فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا فقال

على الكم محاسن قال نعم انا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحاج فانزل الله تعالى ردا على العباس.

ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ الآية أخرجه ابن جرير وابو الشيخ عن الضحاك واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق على بن ابى طلحة عنه بلفظ قال العباس ان كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ولقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج ونفك العاني فانزل الله تعالى هذه الآية يعنى ما صح للمشركين وما ينبغى لهم أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ «1» يعنى شيئا من المساجد فضلا عن المسجد الحرام فانه يجب على المسلمين منهم من ذلك لان مساجد الله انما يعمر لعبادة الله وحده فمن كان كافرا بالله فليس من شانه ان يعمرها فذهب جماعة الى ان المراد منه العمارة المعروفة من بناء المسجد ومرمته عند الخراب فيمنع منه الكافر حتى لو اوصى به لا ينفذ وحمل بعضهم العمارة هاهنا على دخول المسجد والقعود فيه اخرج احمد والترمذي وابن حبان والحاكم عن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رايتم الرجل بعامر المسجد فاشهدوا له بالايمان قال الله تعالى انما يعمر مساجد الله من أمن بالله وقال الحسن ما كان للمشركين ان يتركوا فيكونوا اهل المسجد الحرام قرأ ابن كثير وابو عمر ويعقوب مسجد الله على التوحيد

(1) عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنسة 12.

ص: 146

والمراد الجنس وقيل أراد به المسجد الحرام لقوله وعمارة المسجد الحرام ولقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام وذلك هو المراد بصيغة الجمع قال الحسن انما قال مساجد الله لانه قبلة المساجد كلها فكان عمارته عمارة الجميع وقال القراء ربما ذهبت العرب بالواحد الى الجمع وبالجمع الى الواحد الا ترى ان الرجل يركب البرذون ويقول أخذت في ركوب البراذين ويقال فلان كثير الدرهم والدينار يريد الدراهم والدنانير شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ اى مظهرين الشرك وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حال من ضمير يعمروا والمعنى ما استقام لهم ان يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره وقال الحسن لم يقولوا نحن كفار ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر وقال الضحاك عن ابن عباس شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للاصنام وذلك ان كفار قريش نصبوا الأصنام خارج البيت الحرام عند القواعد وكانوا يطوفون بالبيت عراة كلما طاقوا شوطا سجدوا لاصنامهم وقال السدى شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو ان النصراني يسال فيقال من أنت فيقول نصرانى واليهودي يقول يهودى ونحو ذلك أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي يفتخرون بها ويزعمونها محاسن من سقاية الحاج وعمارة البيت وفك العاني لانها ليست لله تعالى خالصا وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) لاجل الكفر والمعاصي وحبط الحسنات.

إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ قف اى لم يخف في الدين غير الله ولم يترك امر الله مخافة غيره والا فالخشية من المخاوف امر جبلى لا يكاد العاقل يتمالك عنها خص الله سبحانه عمارة المسجد بالمؤمنين فانهم هم الجامعون لهذه الكمالات العلمية والعملية وانما لم يذكر الايمان بالرسول لان الايمان بالله كما ينبغى لا يتصور الا أخذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله رسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله الحديث في الصحيحين عن ابن عباس في قصة وقد عبد القيس والمراد بعمارة المسجد ادامة العبادة والذكر فيه ودرس العلم والقرآن عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله

ص: 147

صلى الله عليه وسلم إذا رايتم الرجل يعتاد المسجد وفى لفظ يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالايمان فان الله تعالى قال انما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي والبغوي وعن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من غدا الى مسجد او راح أعد الله له منزلة من الجنة كلما غدا أو راح متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله وذكر فيهم رجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود فيه متفق عليه وعن سلمان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضاء في بيته فاحسن الوضوء ثم اتى المسجد فهو زائير الله حق على المزور ان يكرم زائيره رواه الطبراني وعبد الرزاق وابن جرير في تفسيرهما والبيهقي في شعب الايمان وعن عمرو بن ميمون قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ان بيوت الله في الأرض المساجد وان حقا على الله ان يكرم من زاره فيما رواه البيهقي في شعب الايمان وعبد الرزاق وابن جرير في تفسيرهما ومن عمارة المسجد بنائها وتزيينها وتنويرها بالسرج وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا والبيع والشراء وغير ذلك عن محمود ابن لبيد ان عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك وأحبوا ان يدعه قال عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وفي رواية بنى الله له كهيئته في الجنة وفي لفظ من بنى مسجدا ينبغى به وجه الله نبى الله له مثله في الجنة رواه احمد والشيخان في الصحيحين والترمذي وصححه وابن ماجة والبغوي وكذا روى ابن ماجة عن على وروى احمد عن ابن عباس بسند صحيح من بنى الله مسجدا ولو كقحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة والطبراني عن ابى امامة بسند صحيح من بنى الله مسجدا بنى الله له في الجنة أوسع منه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع رجلا ينشد ضانة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم وعن عايشة قالت امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور وان ينظف ويتطيب رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الاشعار في المسجد

ص: 148

وعن البيع والاشتراء فيه وان يتحلق الناس قبل الصلاة في المسجد رواه ابو داود والترمذي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رايتم من يبيع او يبتاع في المسجد فقولوا لا اربح الله تجارتك وإذا رايتم من ينشد ضالة فقولوا لا رد الله عليك رواه الترمذي والدارمي والله اعلم فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) المتمسكين بطاعة الله التي يؤدى الى الجنة ذكر بصيغة التوقع قطعا لاطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم وتوبيخا لهم في القطع بانهم مهتدون فان هؤلاء مع كمالهم إذا كان ابتدائهم دائرا بين عسى ولعل فما ظنك باضدادهم ومنعا

للمومنين بان يغتروا بأعمالهم ويتكلوا عليها اخرج ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى اوحى الى بنى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا انا أصيب عبد الحساب يوم القيامة أشاء أعذبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك ان لا تلقوا بايديكم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي والله اعلم اخرج مسلم وابن حبان وابو داود عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم ما أبالي ان لا اعمل الله عملا بعد الإسلام الا ان أسقي الحاج وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فانزل الله تعالى.

أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ الآية واخرج الفريابي عن ابن سيرين قال قدم على بن ابى طالب مكة فقال للعباس اى عم الا تهاجر الا تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اعمر المسجد الحرام واحجب البيت فانزل الله تعالى هذه الآية قال البغوي قال ابن عباس قال العباس حين اسر يوم بدر لئن سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج فانزل الله تعالى هذه الآية واخبر ان عمارتهم المسجد الحرام وقيامهم على السقاية لا ينفعهم مع الشرك بالله

ص: 149

والايمان بالله والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم خير مما هم عليه وقال البغوي قال الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وكذا اخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي انها نزلت في على بن ابى طالب والعباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة افتخروا فقال طلحة انا صاحب البيت بيدي مفاتيحه وقال العباس انا صاحب السقاية والقائم عليها وقال على ما أدرى ما يقولون لقد صليت الى القبلة ستة سنة يعنى قبل الناس وانا صاحب الجهاد فانزل الله أجعلتم سقاية الحاج وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

السقاية والعمارة مصدر ان من أسقي وعمر فلا بد هاهنا من تقدير ما يقال بحذف المضاف في المشبه او في المشبه به فيقال أجعلتم اهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن او يقال أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد كايمان من أمن بالله وجهاد من جاهدوا ما ان يقال المصدر بمعنى الفاعل يعنى ساقى الحاج وعامر المسجد الحرام كقوله تعالى والعاقبة للتقوى يويده قراءة عبد الله بن الزبير أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام

على جمع الساقي والعامر والاستفهام للانكار فان كان نزول الآية في اختلاف المؤمنين بالمشركين كما يدل عليه قول ابن عباس ومحمد بن كعب وغيرهما فلا خفاء في انكار المشابهة بين المشركين وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة وإن كان نزولها في اختلاف المؤمنين كما روى مسلم عن النعمان بن بشير فالمراد بعمارة المسجد بنائها دون ادامة الذكر والصلاة فيها فان دوام الذكر أفضل من الجهاد لقوله صلى الله عليه وسلم ما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله رواه مالك والترمذي وابن ماجة من حديث معاذ بن جبل ورواه البيهقي في الدعوات الكبير من حديث عبد الله بن عمر وزاد قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا ان يضرب بسيفه حتى ينقطع وقوله صلى الله عليه وسلم الا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله رواه احمد والترمذي

ص: 150

وابن ماجه عن ابى الدرداء ورواه مالك موقوفا على ابى الدرداء وعن ابى سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل اى العباد أفضل وارفع درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قيل يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار حتى ينكسر او يختضب دما فان الذاكر لله أفضل منه درجة رواه احمد والترمذي وقال حديث غريب والله اعلم لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ تقرير لعدم المشابهة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) هذا يؤيد قول من قال ان المراد عدم الاستواء بين فعل المؤمنين من الايمان والجهاد وفعل المشركين من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام والمعنى والله لا يهدى القوم الظالمين بالشرك فكيف يساوون الذين هديهم الله ووفقهم للحق والصواب وقيل المراد بالظلمين الذين يحكمون بالمساواة بينهم وبين المؤمنين والله اعلم (قصّه استقاء من زمزم) روى البخاري وغيره عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب الى أمك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها فقال اسقني فقال يا رسول الله انهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب منه ثم اتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فانكم على عمل صالح ثم قال لولا ان تغلبوا لنزلت حتى اصنع الحبل على هذه وأشار الى عاتقه وروى مسلم عن بكر بن عبد الله المزني قال كنت جالسا مع ابن عباس رضى الله عنهما عند الكعبة فاتاه أعرابي فقال مالى ارى بنى عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ امن حاجة بكم أم من بخل فقال ابن عباس رضى الله عنهما الحمد لله ما بنا من حاجة ولا بخل قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه اسامة فقال أحسنتم واجملتم كذا فاضعوا فلا نريد نغير ما امر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً أعلى رتبته واكثر كرامة عِنْدَ اللَّهِ من الذين افتخروا بعمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج او من لم يستجمع هذه الصفات من المؤمنين

ص: 151

وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) الناجون من النار الواصلون الى الجنة والدرجات العلى دون المشركين وان كانوا سقاة الحاج وعمار المسجد.

يُبَشِّرُهُمْ قرأ حمزة بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعل رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها اى في الجنات نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) دائم تنكير المبشر به للاشعار بانه وراء التعيين والتعريف.

خالِدِينَ فِيها أَبَداً أكد الخلود بالتابيد لانه قد يستعمل للمكث الطويل إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يستحقر دونه ما استوجبوا لاجله او نعم الدنيا والله اعلم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ قال البغوي قال مجاهد هذه الآية متصلة بما قبلها نزلت في قصة العباس وطلحة وامتناعهما من الهجرة وقال الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس لما امر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالهجرة فمنهم من تعلق به اهله وولده يقولون ننشدك بالله ان يقنعنا فيرق عليهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة فانزل الله تعالى هذه الآية وقال مقاتل نزلت في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة فنهى الله المؤمنين عن ولايتهم وانزل هذه الآية يعنى لا تتخذوهم اولياء بطانة وأصدقاء فتفشون إليهم اسراركم وتوثرون المقام معهم على الهجرة ان استحبوا اى اختار والكفر على الايمان كذا روى الثعلبي عنه وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فيطلعهم على عورات المسلمين ويؤثرون المقام

معهم على الهجرة والجهاد فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) لوضعهم الموالاة في غير موضعه فان محل موالاة المسلمين المسلمون قال البغوي لما نزلت الآية المذكورة قال الذين اسلموا ولم يهاجروا ان نحن هاجرنا ضاعت أموالنا وذهبت تجارتنا وخربت دورنا وقطعنا أرحامنا فنزلت.

قُلْ يا محمد للمتخلفين عن الهجرة إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ قرأ ابو بكر عن عاصم وعشيراتكم بالألف على الجمع والباقون بلا الف يعنى اقربائكم ماخوذ من العشرة وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها اى اكسبتموها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها اى فوت وقت رواجها ونفاقها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ

ص: 152

مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ

فقعدتم لاجله عن الهجرة والجهاد فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ جواب ووعيد قال عطاء بقضائه يعنى بالعقوبة العاجلة والاجلة وقال مجاهد ومقاتل بفتح مكة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) الخارجين عن طاعة الله تعالى اى لا يرشدهم قال البيضاوي المراد الحب الاختياري يعنى إيثار هذه الأشياء وترك امتثال أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم دون الحب الطبيعي فانه لا يدخل تحت التكليف والتحفظ عنه قلت وكمال الايمان ان يكون الطبيعة تابعة للشريعة فلا يقتضى الطبيعة الا ما يأمره الشريعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لله وابغض لله واعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان وفي رواية فقد استكمل إيمانه رواه ابو داود عن ابى امامة والترمذي عن معاذ بن انس مع تقديم وتأخير وفي الصحيحين عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يومن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعين والمراد لا يومن ايمانا كاملا وفيهما عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما ومن أحب عبدا لا يحب الا لله ومن يكره ان يعود في الكفر بعد ان أنقذه الله منه كما يكره ان يلقى في النار قلت وجدان حلاوة الايمان عبارة عن الاستلذاذ به كما يستلذذ الرجل بالشهوات الطبيعية وذلك كمال الايمان ولا يكتسب ذلك الا من مصاحبة ارباب القلوب الصافية والنفوس الزاكية رزقنا الله سبحانه وهذه الآية وما ذكرنا من الأحاديث «1» يوجب افتراض اكتساب التصوف من خدمة المشايخ رضى الله عنهم أجمعين ومعنى قوله تعالى والله لا يهدى القوم الفاسقين يعنى لا يرشدهم الى معرفته قال البيضاوي في الآية تشديد عظيم وقل من يتخلص عنه قلت ذلك القليل هو الصوفية العلية قال صاحب المدارك الآية تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين إذ تجد من

(1) عن عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال والله لانت يا رسول الله أحب الىّ من كل شيء الا نفسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يومن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه 12.

ص: 153

أورع الناس من يستجب دينه على الآباء والأبناء والأموال وحظوظ الدنيا قلت الا من أعطاه الله معرفته فيقول ما قال الشاعر بالفارسية.

آنكس كه ترا شناخت جان را چهـ كند

فرزند وعيال وخان ومان را چهـ كند

ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى

ديوانه تو هر دو جهانرا چهـ كند.

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ يوم بدر وقينقاع والأحزاب والنضير او قريظة والحديبية وخيبر وفتح مكة وغيرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على مواطن اما بتقدير المضاف في المعطوف يعنى مواطن حنين او في المعطوف عليه يعنى في ايام مواطن كثيرة او يفسر المواطن بالأوقات كمقتل الحسين رضى الله عنه إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ كانوا اثنى عشر الفا او اربعة عشر الفا كما سيجئى في القصة والكفار اربعة آلاف كذا جزم غير واحد وجزم الحافظ وغيره بانهم كانوا ضعف عدد المسلمين او اكثر من ذلك فعلى هذا كان المشركون اربعة وعشرين الفا او ثمانية وعشرين الفا وقوله إذا أعجبتكم بدل من يوم حنين ولم يمنع إبداله منه ان يعطف على موضع في مواطن فانه لا يقتضى مشاركتهما فيما أضيف اليه المعطوف حتى يقتضى كثرتهم وإعجابهم كثرتهم في جميع المواطن وحنين واد بين مكة والطائف الى جنب ذى المجاز قريب من الطائف بينه وبين مكة بضع عشر ميلا حارب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن وهو قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان بن الياس بن مضر وثقيف بطن منها (قصّة غزوة حنين) قال ائمة المغازي لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة مشت اشراف هوازن وثقيف بعضها الى بعض واشفقوا ان يغيروهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد فرغ لنا فلا ناحية «1» له دوننا والرأي ان نغزوه فاجمعوا أمركم فسيروا في الناس وسيروا اليه قبل ان يسير إليكم فاجتمعت هوازن وجمعها مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النضري واسلم بعد ذلك واجتمع اليه مع هوازن ثقيف كلها

(1) اى لا مانع 12.

ص: 154

ونصر وجشم كلها وسعد بن بكر ناس من بنى هلال وهم قليل لا يبلغون مائة ولم يشهدها من قيس بن غيلان ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب مشى فيها ابن ابى براء فنهاها عن الحضور وقال والله لو ناوى اى عادى محمد ما بين المشرق والمغرب لظهر عليهم وكان في جشم دريد بن الصمة ابن ستين ومائة سنة او عشرين ومائة سألوا دريدا الرياسة عليهم لرايه قال ما ابصر ولا استمسك على الدابة ولكن احضر معكم لان أشير عليكم براى على ان لا تخالفوني فان تخالفوني لا اخرج فجاءه مالك بن عوف وكان امر الناس اليه وهو ابن ثلثين سنة فقال لا نخالفك فلما اجمع مالك المسير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم امر الناس فخرجوا معهم باموالهم ونسائهم ثم انتهى الى أوطاس فعسكر به وجعلت الامداد تأتيه من كل جهة واقبل دريد بن الصمة فقال مالى اسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهيق الحمير ويعار الشاء وخوار البقر قالوا ساق مالك مع الناس أبنائهم ونسائهم وأموالهم فقال دريد لمالك لم سقت قال أردت ان اجعل خلف كل انسان اهله وماله

يقاتل عنهم فقال دريد هذا راعى ضان ماله وللحرب وصفق دريد احدى يديه على الاخرى تعجبا هل يرد المنهزم شيء انها انكانت لك لم ينفعك الا رجل بسيفه ورمحه وانكانت عليك فضحت في أهلك ومالك ارفع النساء والذراري والأموال الى عليا قومهم وممتنع بلادهم ثم الق القوم على متون «1» الخيل والرجال فانكانت لك لحق بك من ورائك وإن كان عليك فقد أحرزت أهلك ومالك قال مالك لا افعلي قد كبرت وكبر عقلك فغضب دريد ثم قال دريد يا معشر هوازن ما فعلت كعب وكلاب قالوا ما شهد منهم أحد قال غاب الحد «2» والجد «3» لو كان يوم علاء ورفعة «4» ما تخلفوا عنه يا معشر هوازن ارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء قابوا عليه قال فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك جذغان «5» من بنى عامر لا ينفعان ولا يقران قال لدريد هل من راى غير هذا قد امر القوم قال دريد نعم تجعل كمينا «6» يكونون لك عونا ان حمل القوم عليك جاءهم الكمين

(1) متون جمع متن بمعنى الظهر 12.

(2)

الحد بفتح الحاء المهملة المنع 12.

(3)

الجد يكسر الجيم الشجاعة 12.

(4)

عطف تفسير 12.

(5)

يعنى انهمك ضعيفان في الحرب نزلة الجذع 12.

(6)

اى الجيش المختفى 12. [.....]

ص: 155

من خلفهم وكررت أنت بمن معك وانكانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد فذلك حين امر مالك ان يكونوا كمنافى الشعاب وبطون الاودية فحملوا الحملة الاولى التي انهزم فيها اكثر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر هوازن وما عزموا عليه أراد التوجه الى قتالهم واستخلف عتاب بن أسيد أميرا على مكة وهو ابن عشرين سنة ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه وروى البخاري عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أراد حنينا منزلنا غدا إنشاء الله بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر واستعار من صفوان بن امية ادرعا وسلاحا فقال أغصبا يا محمد أم عارية قال بل عارية

مضمونة فاعطى له مائة درع بما يكفيهما من السلاح كذا روى ابن إسحاق عن جابر وابو داود واحمد عن امية بن صفوان قال السهيلي واستعار من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلثة آلاف رمح فقال كانى انظر الى رماحك هذه في تقصف ظهر المشركين فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر الف من المسلمين عشرة آلاف من اهل المدينة والفين من اهل مكة يوم السبت بست خلون من شوال سنة روى ابو الشيخ عن محمد بن عبيد الله الليثى كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهل المدينة عشرة آلاف اربعة آلاف من الأنصار ومن كل من جهينة ومزينة واسلم وغفار وأشجع الف ومن المهاجرين وغيرهم الف وقال عروة والزهري قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة باثنى عشر الف وأضيف إليهم الفان من الطلقاء فكانوا اربعة عشر الفا قال ابن عقبة ومحمد بن عمر لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين خرج معه اهل مكة لم يغادر منهم أحدا ركبانا ومشاة حتى خرجن معه النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون ان يكون الصدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه ابو سفيان بن حرب وصفوان بن امية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما ومع النبي صلى الله عليه وسلم زوجتيه أم سلمة وميمونة ضربت لهما قبة روى ابن إسحاق والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان عن الحارث بن مالك قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين

ص: 156

ونحن حديثوا عهد بالجاهلية وكانت لكفار قريش ومن سواهم شجرة عظيمة وعند الحاكم في الإكليل سدرة خضرا يقال لها ذات نواط «1» ياتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما قرابنا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضرا عظيمة فتنادينا يا رسول الله اجعل ذات نواط كما لهم ذات نواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اكبر الله اكبر قلتم والذي نفسى بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا الها كما لهم الهة قال انكم قوم تجهلون انها لسنن لتركبن سنن من قبلكم حذوا لقده بالقذة وعن سهيل بن حنظلة رضى الله عنه قال جاء فارس فقال يا رسول الله طلعت جبل كذا وكذا فاذا هوازن جاءت عن بكرة أبيها «2» بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين إنشاء الله تعالى ثم قال من يحرسنا الليلة قال انس بن مالك ابى مرثد انا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاركب واستقبل هذا الشعب حتى تكون أعلاه ولا تغرن من قبلك فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فاذا هو قد جاء فقال انى انطلقت حتى كنت في أعلا هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كلاهما فنظرت فلم ار أحدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجبت فلا عليك ان لا تعمل بعدها رواه ابو داود والنسائي وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حدرد ليكشف خبر هوازن فدخل فيهم فاقام فيهم يوما او يومين فسمع من مالك يقول لاصحابه ان محمدا لم يقاتل قوما قبل هذه المرة انما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فيظهر عليهم فاذا

كان السحر فصفوا مواشيكم ونسائكم وأبنائكم من ورائكم ثم يكون الجملة منكم واكسروا جفون سيوفكم فتلقون بعشرين الف سيف مكسورة الجفون واحملوا حملة رجل واحد واعلموا ان الغلبة لمن حمل اولا كذا روى ابن إسحاق عن جابر بن عبد الله وعمرو بن شعيب وعبد الله بن ابى بكر بن عمرو بن حزم وروى محمد بن عمر عن ابى بردة بن بيار قال كنا باوطاس

(1) من ناط ينوط إذا علقة وكلما علق من شيء فهو نوط 12.

(2)

عن بكرة أبيها بفتح الموحدة وسكون الكاف كلمة للعرب يريدون به الكثرة يعنى انهم جادا جميعا لم يتخلف منهم أحد وليس هذا البكرة على الحقيقة وهى التي يستقى عليها الماء 12.

ص: 157

نزلنا تحت شجرة عظيمة نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده رجل جالس فقال ان هذا الرجل جاءنى وانا نائم فسل سيفى ثم قام به على راسى فانتبهت وهو يقول يا محمد من يمنعك منى فقلت الله فسللت سيفى وقلت يا رسول الله دعنى اضرب عنق عدو الله فانه من عيون المشركين فقال لى اسكت يا با بردة فما قال له شيئا ولا عاقبه فقال يا أبا بردة ان الله مانعى وحافظى حتى يظهر دينه على الدين كله وروى ابو نعيم والبيهقي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى حنينا مساء الليلة الثلثاء لعشر خلون من شوال وبعث مالك بن عوف ثلثة من هوازن ينظرون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأمرهم ان يتفرقوا في العسكر فرجعوا إليهم وقد تفرقت أوصالهم فقال ويلكم ما شانكم فقالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق فو الله ما تماسكنا ان أصابنا ما ترى والله ما نقاتل اهل الأرض انما نقاتل اهل السماء وان اطعتنا رجعت بقومك فان الناس ان راوا مثل الذي راينا أصابهم مثل الذي أصابنا فقال أف لكم بل أنتم اجبن اهل العسكر فحبسهم عنده فرقا ان يشيع ذلك الرعب في العسكر وقال دلونى على رجل شجاع فاجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع اليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم فقال مثل الذي قالت الثلاثة قال محمد بن عمر لما كان ثلثا الليل عمد مالك بن عوف الى أصحابه فعبّاهم «1» في وادي حنين وهو واد أخوف خطوطه ذو شعاب ومضائق وفرق الناس فيها وقال لهم ان يحملوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حملة رجل واحد وعبّا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وصفهم صفوفا في السحر ووضع الالوية والرايات في أهلها وليس درعين والمغفر والبيضة واستقبل الصفوف وطاف عليها بعضها خلف بعض يتحدرون فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح ان صدقوا وصبروا وقدم خالد بن وليد في بنى سليم واهل مكة وجعل ميمنة وميسرة وقلبا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه روى ابو الشيخ والحاكم وصححه والبزار وابن مردوية عن انس قال لما اجتمع يوم حنين اهل مكة واهل المدينة أعجبتهم كثرتهم فقال القوم اليوم والله نقاتل

(1) عبّا تعبية اى رتبهم في مواضعهم وهياهم للحرب 12.

ص: 158

ولفظ البزار قال غلام من الأنصار لن تغلب اليوم من قلة فما هو الا ان لاقينا عدونا فانهزم القوم وولوا مدبرين وفي روايته يونس بن بكر في زيادات المغازي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا وما أعجبتهم كثرتهم وكذا روى ابن المنذر عن الحسن وذلك قوله تعالى إذ أعجبتكم كثرتكم فَلَمْ تُغْنِ اى الكثرة عَنْكُمْ شَيْئاً من الإغناء او من امر العدو وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ما مصدرية والباء بمعنى مع اى مع رحبها اى سعتها او المعنى ملتبسة برحبها على ان الجار والمجرور في موضع الحال كقولك دخلت عليه بثياب السفر اى ملتبسا بها يعنى ان الأرض مع سعتها لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب او لا تبوئون السفر اى ملتبسا بها يعنى ان الأرض مع سعتها لا تجدون فيها كمن لا يسعه مكانه ثُمَّ وَلَّيْتُمْ الكفار ظهوركم خطاب الى الذين انهزموا من المؤمنين مُدْبِرِينَ (25) منهزمين الأدبار الذهاب الى خلف ضد الإقبال روى ابن إسحاق واحمد وابن حبان عن جابر وابو يعلى ومحمد بن عمر عن انس قال جابر لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا من واد أخوف ذو خطوط له مضائق وشعب وقد كان القوم سبقونا الى الوادي فكمنوا في شعابه واخبانه ومضائقه وتهيئوا عدوا فو الله ما راينا ونحن منحطون الا الكثائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد وكانوا رماة وقال انس استقبلنا من هوازن شيء لا والله ما رايت مثله في ذلك الزمان قط من الكثرة وله بسواد وقد ساقوا نسائهم وأبنائهم وأموالهم ثم صفوا صفوفا فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال تم جاؤا بالإبل والبقر والغنم فجعلوها وراء ذلك لئلا يفروا بزعمهم فلما رائينا ذلك السواد حسبناه رجالا كلهم فلما انحدرنا من الوادي فبينا نحن فيه في غلس الصبح ان شعرنا الا بالكثائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة رجل واحد فانكشف أوائل الخيل بنى سليم مولية وتبعهم اهل مكة وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شيء وارتفع النقع فما منا أحد يبصر كفه قال جابر واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال ايها الناس هلم الى انا رسول الله انا محمد بن عبد الله

ص: 159

روى البخاري وابن ابى شيبة وابن مردوية والبيهقي عن ابن إسحاق قال رجل للبراء بن عازب يا با عمارة أفررتم يوم حنين قال لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه خرج شبان أصحابه حسرا ليس عليهم كثير سلاح فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا فاقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام كانها رجل جراد «1» ما يكادون يخطؤن واقبلوا هناك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابو سفيان بن الحارث يقود به فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا واستنصر وقال انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب وفى روايته قال البراء كنا إذا احمر البأس نتقى به وان الشجاع منا الذي يحاذيه يعنى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق لما انهزم الناس تكلم رجال في أنفسهم من الضغن «2» فقال ابو سفيان بن حرب وكان إسلامه بعد مدخولا لا ينتهى هزيمتهم دون البحر وان الأزلام لمعه في كنانة وصرح جبلة ابن الحنبل وقال ابن هشام كلدة بن الحنبل واسلم بعد ذلك وهو مع أخيه لامه صفوان بن امية وصفوان مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بطل السحر اليوم فقال له صفوان ان اسكت فو الله لان يرمينى رجل من قريش أحب الى من يرمينى رجل من هوازن روى ابن سعد وابن عساكر عن عبد المالك بن عبيد والطبراني والبيهقي وابن عساكر وابو نعيم عن عكرمة قالا قال شيبة بن عثمان لما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة وغزا حنينا قلت أسير مع قريش الى هوازن فعسى ان اختلطوا أصيب محمدا غرة وتذكرت ابى وقتله حمزة وعمى وقتله على ابن ابى طالب فقلت اليوم أدرك ثارى من محمد وأكون انا الذي قمت بثار قريش كلها وأقول لو لم يبق

من العرب والعجم الا اتبع محمدا ما تبعته ابدا فكنت مرصدا لما خرجت لا يزداد الأمر في نفسى الا قوة فلما انهزم أصحابه جئته من عن يمينه فاذا بالعباس قائم عليه درع بيضاء فقلت عمه لن يخذله فجئته عن يساره فاذا بابى سفيان بن الحارث فقلت ابن عمه لن يخذله فجئته من خلفه فلم

(1) بكسر الراء وسكون الجيم الجماعة الكثيرة من الجراد خاصة وهو جمع على غير لفظ الواحد 12.

(2)

اى الحقد يعنى كينه 12.

ص: 160

يبق الا ان اسوّره سورة بالسيف إذا ارتفع الى فيما بينى وبينه شواظ من نار كانه يرق فخفت ان يتمخشنى «1» فوضعت على بصرى خوفا عليه ومشيت القهقرى وعلمت انه ممنوع فالتفت الى وقال يا شيبة ادن منى فدنوت منه فوضع يده على صدرى وقال اللهم اذهب عنه الشيطان فرفعت اليه راسى وهو أحب الىّ من سمعى وبصرى وقلبى ثم قال يا شيبة قاتل الكفار قال فتقدمت بين يديه أحب والله ان أقيه بنفسي كلشيء فلما انهزمت هوازن ورجع الى منزله دخلت عليه فقال الحمد لله الذي أراد بك خيرا ثم حدثنى بما هممت به صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن عمر عن النضر بن الحارث كان يقول الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام ومنّ علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم نمت على ما مات عليه الآباء فذكر حديثا طويلا ثم قال خرجت مع قوم من قريش هم على دينهم بعد وابى سفيان بن حرب وسفيان بن امية وسهيل بن عمر ونحن نريد انكانت دبرة على محمد ان نغير عليه فيمن يغير عليه فلما تراءت الفئتان ونحن في خير المشركين حملت هوازن حملة واحدة ظننا ان المسلمين لا يجترونها ابدا ونحن معهم وانا أريد بمحمد ما أريد وعمدت له فاذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباؤ حوله رجال بيض الوجوه فاقبلت عامدا اليه فصاحوا بي إليك إليك فرعب فوادى وأرعدت جوارحى قلت هذا مثل يوم بدر ان الرجل لعلى حق انه لمعصوم وادخل الله قلبى الإسلام وغيّره عما كنت أهم به الحديث بطوله وروى محمد بن عمر عن ابى قتادة قال مضى سرعان الناس منهزمين حتى دخلوا مكة ساروا يوما وليلة يخبرون اهل مكة بهزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتاب بن أسيد يومئذ امير على مكة ومعه معاذ بن جبل فجاءهم امر غمهم وسرّ بذلك قوم من اهل مكة وأظهروا الشماتة وقال قائل منهم يرجع العرب الى دين آبائها وقد قتل محمد وتفرق أصحابه فتكلم عتاب بن أسيد يومئذ فقال ان قتل محمد صلى الله عليه وسلم فان دين الله قائم والذي يعبده محمد حى لا يموت فما امسوا من ذلك اليوم حتى جاء الخبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقع هوازن فسر عتاب بن أسيد ومعاذ بن جبل رضى الله عنهما وكبت الله من......

هناك ممن كان يسر بخلاف ذلك فرجع المنهزمون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أي يتخوفني.

ص: 161

فلحقوه باوطاس وقد راحل منها الى الطائف (فائدة) قال انس رضى الله عنه بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وقال العباس فيما روى عنه مسلم وابن إسحاق وعبد الرزاق كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت انا وابو سفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له شهباء فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلة قبل الكفار وانا أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفها ان لا يسرع وهو لا يألوا ما اسرع نحو المشركين وابو سفيان بن الحارث أخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أحاديث آخر انه بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة قال محمد بن يوسف الصالحي في الجمع بين الأقوال المراد انه بقي وحده متقدما مقبلا على العدو والذين ثبتوا كانوا وراءه والوحدة بالنسبة لمباشرة القتال وابو سفيان بن الحارث وعباس كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك واختلفوا في عدد الثابتين يوم حنين قال الكلبي كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس وروى البيهقي عن حارثة بن النعمان لقد حرزت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدبر الناس فقلت مائة وروى احمد والطبراني والحاكم وابو نعيم برجال ثقات عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا على أعقابنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وروى البزار عن انس ان أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضى الله عنهم ضرب كل منهم بضعة عشر ضربة وروى ابن مردوية عن ابى عمر لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مأته رجلا ولا منافاة بين نفي المائة واثبات ثمانين قال محمد بن عمر ايقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحارثة بن النعمان حين انكشف عنه الناس يوم حنين يا حارثة كم ترى الناس الذين ثبتوا فنظرت عن يمينى وعن شمالى فقلت هم مأته فما علمت انهم مأته حتى كان يوم مررت على النبي صلى الله

ص: 162

عليه وسلم وهو يناجى جبرئيل عند باب المسجد فقال جبرئيل يا محمد من هذا قال حارثة بن النعمان فقال جبرئيل هو أحد المائة الصابرة يوم حنين لو سلمت لوددت عليه فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة قال ما كنت أظن الا دحية الكلبي واقف معك وذكر النووي ان الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب ان الذين ثبتوا معه كانوا عشرة فقط قوله

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وفر من قد فر عنه فاقشعوا

وعاشرنا لاقي الحمام بنفسه

لما مسه في الله لا يتوجع

قال الصالحي قال الحافظ لعل هذا هو الا ثبت ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم وثبت اربع من النساء أم سليم بنت ملحان وأم عمارة نسيت وأم سليط وأم الحارث قال الله تعالى.

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ اى رحمته التي استقروا بها وأمنوا عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين انهزموا وانما ذكر الرسول لان السكينة انما نزلت على المنهزمين ببركة وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتوسطه نزلت على غيره وإعادة الجار للتنبيه على اختلاف حالهما وقيل المراد بالمؤمنين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفروا اخرج الطبراني والحاكم وابو نعيم والبيهقي في الدلايل عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين نزلت عليهم السكينة قال ابن عقبة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه الى الله تعالى يقول اللهم انى أنشدك ما وعدتني اللهم لا ينبغى لهم ان يظهر علينا انتهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس ناديا معشر الأنصار يا اصحاب السمرة يا اصحاب سورة البقرة قال العباس وكان رجلا ميتا فقلت يا على صوتى اين الأنصار اين اصحاب السمرة اين اصحاب سورة البقرة قال فو الله لكانما عطفتهم حين سمعوا صوتى عطفة البقر على أولادها وفي حديث عثمان بن ابى شيبة

ص: 163

عند ابى القاسم البغوي والبيهقي يا عباس اصرخ بالمهاجرين بايعوا تحت الشجرة وبالأنصار اللذين آووا ونصروا قال فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عطفة الإبل على أولادها حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانه في خرجة فلرماح الأنصار كانت أخوف عندى على رسول الله صلى الله عليه وسلم من رماح الكفار فقالوا يا لبيك يا لبيك الحديث وروى ابو يعلى والطبراني برجال ثقات عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم حنين كفا من حصى ابيض فرمى به وقال هزموا ورب الكعبة وكان على رضى الله عنه أشد الناس قتالا بين يديه وروى ابن سعد وابن ابى شيبة واحمد وابو داود والبغوي وغيرهم في حديث طويل عن ابى عبد الرحمن يزيد الفهري واسمه كرز ولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس انا عبد الله ورسوله فاقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه وحدثنى من كان اقرب اليه منى انه أخذ حفنة من تراب فخشاه في وجوه القوم وقال شاهت الوجوه قال يعلى بن عطاء أخبرنا أبنائهم عن آبائهم قالوا ما بقي منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه من التراب وسمعناه صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست فهزمهم الله تعالى قال الله تعالى- وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها روى ابن ابى حاتم عن السدى الكبير قال هم الملئكة وروى ايضا عن سعيد بن جبير قال في يوم حنين أمد الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملئكة مسومين وروى ابن إسحاق وابن المنذر وابن مردوية وابو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم قال رايت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود اقبل من السماء حتى سقط بين القوم فنظرت فاذا نمل اسود قد ملا الوادي ثم أشك انها الملئكة ولم يكن الا هزيمة القوم وروى محمد بن عمر عن يحيى بن عبد الله عن شيوخ قومه من الأنصار قالوا رأينا يومئذ كالبجد الأسود هوت من السماء ركاما فنظرنا فاذا نمل مبثوث فان كنا لننفضه عن

ص: 164

ثيابنا فكان نصر الله أيدنا به وروى مسدد في مسنده والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال حدثنى رجل كان من المشركين يوم حنين قال التقينا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة ان كفيناهم فبينا نحن نسوقهم في ادبارهم إذا التقينا صاحب البغلة فاذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية إذ بينا وبينه رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا وركبوا أكتافنا وكانت إياها وروى ابن مردوية والبيهقي وابن عساكر عن شيبة بن عثمان الحجبي قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ما خرجت إسلاما ولكن خرجت آنفا ان يظهر هوازن

على قريش فو الله انى لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت يا رسول الله انى لارى خيلا بلقا قال يا شيبة انه لا يراها الا كافر فضرب بيده على صدرى وقال اللهم اهد شيبة فعل ذلك ثلث مرات فو الله ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية حتى ما أجد من خلق أحب الى منه فالتقى المسلمون فقتل من قتل ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ باللجام والعباس أخذ بالثغر فنادى العباس اين المهاجرين اين اصحاب سورة البقرة بصوت عال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقبل المسلمون والنبي صلى الله عليه وسلم يقول

انا النبي لا كذب

انا ابن عبد المطلب

فجالدوهم بالسيوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن حمى «1» الوطيس وروى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال حدثنى عدة من قومى شهدوا ذلك اليوم يقولون لقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية من الحصباء فما من أحد الا يشكوا القذى في عينه ولقد كنا نجذ في صدورنا خفقانا كوقع الحصا في الطساس ما يهدى ذلك الخفقان ولقد راينا يومئذ رجالا بيضا على خيل بلق عليها عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم بين السماء والأرض كثائب كثائب اى لا يعقلون ما يليقون

... ولا تستطيع ان تتاملهم من الرعب منهم قال الله تعالى وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) روى ابن ابى حاتم عن السدى الكبير قال

(1) حمى الوطيس هو شىء كالتنور يخبز فيه شبه شدة الحرب به وقيل حجارة مدورة إذا حميت منعت الوطي عليها فضرب مثلا للام يشتد 12.

ص: 165

يعنى قتلهم بالسيف وروى البزار بسند رجاله ثقات عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين اجزروهم جزرا وأومى بيده الى الحلق وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال قتل من اهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر يعنى سبعين رجلا واستشهد بحنين ايمن ابن أم ايمن وسراقة بن الحارث ويتيم بن ثعلبة ويزيد بن زمعة وابو عامر الأشعري باوطاس كما سياتى وروى محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن صعصعة ان سعد بن عبادة جعل يصيح يا للخررج ثلثا وأسيد بن حضير يا للاوس ثلثا فثابوا من كل ناحية كانهم النحل يأوي الى يعسوبها قال اهل المغازي فنحق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى اسرع القتل في ذرارى المشركين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية الا لا تقتل الذرية فقال أسيد بن الخضير يا رسول الله أولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم او ليس خياركم أولاد المشركين كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنهما لسانها فابواه يهودانها وينصرانها قال محمد بن عمر قال شيوخ ثقيف ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا في ما نرى حتى ان الرجل منا ليدخل حصين الطائف وانه ليظن انه على اثره من رعب الهزيمة قالوا اهزم الله تعالى أعدائه من كل ناحية واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نسائهم وذراريهم وفر مالك بن عوف حتى بلغ حصين الطائف هو وأناس من اشراف قوم وقال ابن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما لما هزم الله هوازن أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم باوطاس وتوجه بعضهم نحور نخلة ولم يتتبع من سلك الثنايا وقتل ربيعة بن رفيع من بنى سليم دريد بن الصمة قال البغوي فلما هزم الله المشركين وولوا مدبرين انطلقوا حتى أتوا أوطاس وبها عيالهم وأموالهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأشعريين يقال له ابو عامر وامره على جيش الى أوطاس فسار إليهم فاقتتلوا وقتل الدريد بن الصمة وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيالهم وهرب مالك بن عوف النضري فاتى الطائف وتحصن بها وأخذ ماله

ص: 166

واهله فيمن أخذ وقتل امير المسلمين ابو عامر واسلم عند ذلك ناس كثير من اهل مكة حين راوا فصر الله رسوله وإعزاز دينه ومما جمعت الغنائم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينحدر الى جعرانة فوقف بها الى ان انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف قال ابن سعد وتبعه في العيون كان السبي ستة آلاف راس والأهل اربعة وعشرون الف بعير والغنم اكثر من أربعين الف شاة واربعة آلاف اوقية فضة وروى عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال سبى يومئذ ستة آلاف سبى بين امراة وغلام فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وقال البلاذري بديل بن ورقاء الخزاعي وقال ابن إسحاق جعل على المغانم مسعود بن عمر الغفاري قال ابن إسحاق ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب عسكره واشرف ثقيف على حصنهم ولا مثل له في حصون العرب وأقاموا وهم مأته رام فرموا بالسهام والمقاطيع من بعد حصنهم ومن دخل تحت الحصين ولوا عليه بسكك الحديد محماة من النار تطير منها الشرر فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كانه رجل جراد حتى أصيب ناس المسلمين بجراحة وقتل منهم اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجده اليوم الذي بنته ثقيف بعد إسلامهم وقال عمرو بن امية الثقفي واسلم بعد ذلك لا يخرج الى محمد أحد إذا دعى أحدا من أصحابه الى البراز ودعوه يقيم ما اقام ثم اقبل خالد بن الوليد فنادى من يبارز فلم يطلع عليه أحد ثم دعا فلم ينزل اليه أحد فنادى عبد يا ليل لا ينزل إليك أحد ولكنا نقيم في حصننا خباءنا فيه ما يصلحنا لسنين فاذا أقمت حتى ذهب ذلك الطعام خرجنا إليك بأسيافنا جميعا حتى نموت فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرمي وهم يقاتلونه بالرمي من وراء الحصين ولم

يخرج اليه أحد وكثرت الجراحات له من ثقيف بالنبل وقتل جماعة من المسلمين روى ابن إسحاق ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر فخرج من الحصن بضعة عشر رجلا فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر وشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال سلمان الفارسي

ص: 167

ارى ان تنصب المنجنيق فنصبه على حصين الطائف وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقطع أعنابهم وتخيلهم قال عروة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل من المسلمين ان يقطع خمس نخلات وخمس حيلات فقطع المسلمون قطعا ذريعا فنادت ثقيف لم تقطع أموالنا اما ان تأخذها ان ظهرت علينا واما ان تدعها لله وللرحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانى ادعها لله وللرحم قال ابن إسحاق وبلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابى بكر انى رايت ان أهديت قعبة مملوءة زبدا فنظرها ديك فهراق ما فيها فقال ابو بكر ما أظن ان تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ارى ذلك وروى محمد بن عمر عن ابى هريرة قال لما مضمت خمسة عشر من حصار الطائف استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الدئلي رضى الله عنه فقال يا نوفل ما ترى في المقام عليهم فقال يا رسول الله ثعلب في جحر ان أقمت عليه أخذته وان تركته لم يضرك وروى الشجال عن ابن عمر وعمر رضى الله عنهما قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف ولم ينل منه شيئا قال انا قافلون عذا إنشاء الله فثقل عليهم قالوا تذهب ولا نقبح فقال اغدوا فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا فاصابهم جراح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا قافلون غدا إنشاء الله تعالى قال فاعجبهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الصالحي انه استشهد من المسلمين بالطائف اثنا عشر رجلا روى البيهقي عن عروة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يسرحوا ظهرهم فلما أصبحوا ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودعا حين ركب قافلا اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم وروى الترمذي وحسنه عن جابر قالوا يا رسول الله احرفتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال اللهم اهدهم ثقيفا وايت بهم قال ابن إسحاق في رواية حاصر اهل الطائف ثلثين ليلة او قريبا من ذلك وفي رواية بضعا وعشرين ليلة وقيل عشرين يوما وقيل بضع عشرة ليلة قال ابن حزم هو الصحيح بلا شك وروى احمد ومسلم وعن انس انهم حاصروا الطائف أربعين ليلة واستغربه في الهداية قال البغوي حاصرهم بقية الشهر يعنى شوال

ص: 168

فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم قلت هذا يوافق ما قال ابن حزم وعلى هذا لا دلالة فيه على القتال في الشهر الحرام كما ذكر من ادعى نسخ حرمة القتال فيها فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة فاحرم منها بعمرة قال الله تعالى.

ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ ان يهديه الى الإسلام وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكر عن ابن عمر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وهم اربعة عشر رجلا ورأسهم زهير بن صرد وفيهم بويرقان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وقد اسلموا فقال يا رسول الله انا اصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال يا رسول الله ان ما في الحظائر «1» من السبايا عماتك وخالاتك يعنى من الرضاع وحواضنك «2» اللاتي كن يكفلنك ولو انا ملحنا للحارث بن ابى شمر يعنى ملك الشام من العرب او للنعمان بن المنذر يعنى ملك العراق من العرب ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عايدنهما وعطفهما وأنت يا رسول الله خير المكفولين ثم انشد بعض الشعر وروى الصالحي عن زهير بن صرد الجشمي يقول لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ويوم هوازن وذهب يفرق السبي والشاء أتيته فانشاءت أقول امنن علينا رسول الله في كرم فانك المرأ نرجوه وننتظر وقرأ اشعارا قال فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم وقالت قريش ما كان لنا فهو لله ولرسوله وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ورسوله قال الصالحي هذا حديث جيد الاسناد عال جدا رواه ايضا المقدسي في صحيحه ورجح الحافظ بن حجر انه حديث حسن وروى البخاري في الصحيح حديث مروان ومسور بن محزمة قالا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسالوه ان يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معى من ترون وأحب الحديث الىّ أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما السبي واما المال قالوا فانا نختار

(1) جمع حظيرة وهو الذرب الذي يصنع للابل والغنم وكان السبي في خطاء مثلها 12.

(2)

الحاضنة المرضعة جمع حواضن 12.

ص: 169

سبيا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاثنى على الله بما هو اهله ثم قال اما بعد فان إخوانكم قد جاؤ تائبين وانى رايت ان أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم ان يطيب بذلك فليفعل ومن أحب ان يكون على حظه لغطيه إياه من أول ما يفى الله علينا فليفعل فقال الناس قد طبنا ذلك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لا أدرى من اذن منكم في ذلك فمن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفائكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفائهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه فاخبروه انهم قد طيبوا وأذنوا روى ابو داود والبيهقي وابو يعلى عن ابى الطفيل قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بالجعرانة لحما فجاءت امراة بدوية فلما دنت من النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها ردائه فجلست عليه فقلت من هذه فقالوا امه التي ارضعته وروى ابو داود في المراسيل عن عمرو بن السائب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا يوما فجاءه أبوه من الرضاعة فوضع بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت امه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر ثم جائه اخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسه بين يديه وقال محمد بن عمر لما هزم المشركون يوم حنين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلب العدو وقال لخيله ان قدرتم على بجاد رجل من بنى سعد فلا يفلتن منكم وقد كان أحدث حدثا عظيما كان اتى رجلا مسلما فاخذه فقطعه عضوا عضوا ثم حرقه بالنار وكان قد عرف جرمه فهرب فاخذته الخيل فضموه الى الشيما بنت الحارث بن عبد العزى اخت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى من الرضاعة واتبعوها في الساق فجعلت شيما تقول انى والله اخت صاحبكم فلم يصدقوها فاتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا محمد انى أختك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علامة ذلك فارته عضة بابها مها فقالت عضة عضضيتها وانا متوركتك «1» بوادي السرب ونحن نرعى بهم أبيك وابى وأمك وأمي وقد نازعتك الثدي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فوثب قائما بسط ردائه ثم قال اجلسي عليه وترحب بها ودمعت عيناه وسألها عن امه وأبيه فاخبره بموتهما فقال ان أحببت أقيمي عندنا محيته مكرمة وان أجبت ان ترجعى الى قومك وصلتك ورجعتك الى قومك قالت بل ارجع الى قومى فاسلمت فاعطاها

(1) اى جعلتك على وركي 12.

ص: 170

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثة اعبد وجارية وامر لها ببعير او بعيرين وقال لها ارجعي الى الجعرانة تكونين مع قومك فانى امضى الى الطائف فرجعت الى جعرانة ووافاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها نعما وشاء ولمن بقي من اهل بيتها وكلمته في بجاد ان يهيه لها ويعفو عنه ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق في رواية يونس بن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من رد سبايا هوازن ركب بعيره وتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا فيئا حتى اضطروه الى شجرة فانتزعت ردائه فقال يا ايها الناس ردوا على روائى فو الذي نفسى بيده لو كان عندى شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما القيتمونى بخيلا ولا كذا بالحديث قال ابن إسحاق اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا اشرافا من اشراف العرب يأتلف بهم قلوبهم قال محمد بن عمر بالأموال فقسمها واعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس قال الصالحي فمنهم من اعطى مائة بعير ومنهم من اعطى خمسين وجميع ذلك يزيد على خمسين رجلا ثم ذكر الصالحي اسمائهم فذكرهم سبعا وخمسين رجلا روى الشيخان في الصحيحين عن حكيم بن حزام قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين مائة من الإبل فاعطانيها ثم سالته مائة فاعطانيها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حكيم ان هذا المال حلوة فمن أخذ بسخاوة نفس بورك فيه ومن اخذه بإسراف نفس لم يبارك فيه وكان كالذى يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول فقال حكيم والذي بعثك بالحق لا ازرى أحدا بعدك شيئا فكان عمر بن الخطاب يدعوه الى عطائه فيابى ان يأخذ فيقول عمر ايها الناس أشهدكم على حكيم بن حزام ادعوه الى عطائه فيابى ان يأخذ قال ابن ابى الزياد أخذ حكيم المائة الاولى فقط وترك الباقي واعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمر مائة وابو سفيان بن حرب ماية من الإبل وأعطاه أربعين اوقية فضة وابنه معاوية مائة من الإبل وأربعين اوقية فضة ويزيد بن ابى سفيان مائة بعير وأربعين اوقية وهكذا روى البخاري عن صفوان قال ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينى من غنايم حنين وهو ابغض الخلق الىّ حتى ما خلق الله شيئا أحب الى منه وفي صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من النعم ثم

ص: 171

ماية ثم مائة قال محمد بن عمر يقال ان صفوان طاف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء الله على رسوله فيه غنم وابل ورعاء مملوا فاعجب صفوان وجعل ينظر اليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبك هذا الشعب يا أبا وهب قال نعم قال هو لك بما فيه فقال صفوان اشهد انك رسول الله ما طابت بهذا نفس أحد قط الا نبى روى احمد ومسلم والبيهقي عن رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى المؤلفة قلوبهم من سبى حنين كل رجل منهم مائة من الإبل وذكر الحديث وفيه اعطى العباس بن مرداس دون المائة فانشاء العباس يقول أتجعل نهبى ونهب العبيد بين عيينة والأقرع فما كان حصين ولا جالس يقومان مرداس في الجمع الى اخر الأبيات فاتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم المائة واعطى عثمان بن وهب وعدى بن قيس وعمير بن وهب وعلاء بن جارية ومخرمة بن نوفل وغيرهم كلواحد منهم خمسين بعيرا ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهمانهم لكل رجل منهم اربعة من الإبل او أربعين شاة فانكان فارسا أخذ اثنى عشر من الإبل او عشرين ومأته شاة وإن كان معه اكثر من فرس واحد لم يسهم له قلت عطائه صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم يبلغ اربعة آلاف بعيرا وزايدا عليه وقد مر فيما سبق ان ابل المغنم كانت اربعة وعشرين الف بعيرا الغنم اكثر من أربعين الف شاة وهى تساوى اربعة آلاف بعير فصار المجموع ثمانية وعشرون الف بعير فخمسة يكون

اقل من خمسة آلاف بعير فعطا المؤلفة لا يخلوا اما ان يكون من راس الغنيمة او من جميع الخمس ولا يمكن ان يكون من خمس الخمس سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلزم من هذا اما التنفيل بعد الاحراز بلا شرط سبق والصرف الخمس الى صنف واحد وجعل المؤلفة صنفا من الفقراء والله اعلم ولما كان رجال العسكر اثنى عشر الفا او ستة عشر الفا ومنهم الفرسان وصار سهم الراجل اربعة بعير والفارس اثنى عشر بعيرا فهذا يقتضى ان يبلغ الغنيمة ستين الف بعيرا واكثر او اقل ولعل ذلك بضم قيمة العروض والنقود الى المواشي والله اعلم قال محمد ابن إسحاق حدثنى محمد بن الحارث التيمي ان قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه قال

ص: 172

محمد بن عمر هو سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصين والأقرع بن حابس مأته وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والذي نفسى بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصين والأقرع بن حابس ولكنى اتالفها ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة الى إسلامه وروى البخاري عن عمرو بن ثعلب قال اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما ومنع آخرين فكانهم عتبوا فقال انى لاعطى أقواما أخاف هلعهم وجوعهم وأكل أقواما الى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن ثعلب قال عمرو فما أحب ان لى بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم وفي هذا المقام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لاعطى الرجل وغيره أحب الى منه خشية ان يكبه الله في النار على وجهه رواه البخاري عن سعد بن ابى وقاص روى ابن إسحاق واحمد عن ابى سعيد الخدري واحمد والشيخان من طرق عن انس ابن مالك والشيخان عن عبد الله بن يزيد بن عاصم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب غنائم حنين وقسم المتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم وفي رواية طفق يعطى رجالا المائة من الإبل ولم يكن في الأنصار منها شىء قليل ولا كثير وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم المقالة حتى قال قائلهم يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا لهو العجب يعطى قريشا وبتركنا وسيوفنا يقطر من دمائهم إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا ودوننا ممن كان هذا فان كان من الله صبرنا وإن كان من رسول الله استعتبناه فقال رجل من الأنصار لقد كنت أحدثكم ان لو استقامت الأمور لقد اثر عليكم فردوا عليه ردا عنيفا قال انس فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فقال ابو سعيد فمشى سعد بن عبادة فقال يا رسول الله ان هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم قال فبم قال فيما كان من قسمك هذا الغنائم في قومك وفي ساير العرب ولم يكن فيهم من ذلك شىء فقال اين أنت من ذلك يا سعد قال ما انا الا امرا من قومى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمع لى قومك في هذه الحظيرة فخرج سعد يصرح فيهم حتى جمعهم فجاء رجل من المهاجرين فاذن له فيهم وجاء آخرون فردهم حتى

ص: 173

إذا لم يبق من الأنصار أحد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ثم قال يا معشر الأنصار الم تكن ضلالا فهداكم الله وعالة فاغناكم الله واعداء فالف بين قلوبكم قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل فما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا الا قالوا الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال لا تجيبون يا معشر الأنصار قالوا وما نقول يا رسول الله وبماذا نجيبك أمن لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم قال والله لو شئتم لقلتم وصدقتم وصدقتم جئتنا طريدا فاويناك وعائلا فآسيناك وخائفا فامنك ومخذولا فنصرناك ومكذبا فصدقناك فقالوا المن لله ولرسوله فقال فما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار اما رأسنا فلم يقولوا شيئا واما أناس منا حديثة أسنانهم

قالوا يغفر الله لرسوله يعطى قريشا وتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لاعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم وفي رواية ان قريشا حديثوا عهد لجاهلية ومصيبة وانى أردت ان اجبرهم في رواية من الجبر ضد الكسر وفي رواية براء معجمة من الجائزة وأتألفهم اوجدتم يا معشر الأنصار في نفوسكم في لعاعة من الدنيا «1» تألفت بها قوما اسلموا ووكلتكم الى ما قسم الله لكم من الإسلام أفلا ترضون يا معشر الأنصار ان يذهب الناس الى رحالهم بالشاء والبعير وفي لفظ بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم الى رحالكم تحوزورنه الى بيوتكم فو الذي نفسى بيده لو ان الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار أنتم الشعار والناس الدثار الأنصار كرشى «2» وعيبتى «3» ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا رضينا بالله وبرسوله حظا وقسما وذكر محمد بن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد حينئذ ان يكتب بالبحرين يكون خاصة بعده دون الناس وهى يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فابوا وقالوا لا حاجة لنا بالدنيا بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم ستجدون بعدي اثرة «4» شديدة فاصبروا حتى تلقونى على الحوض قال اهل المغازي قال

(1) هى لقلة خضراء ناعمة شبه الدنيا لقلة بقائها 12.

(2)

الكرش مجمع العلف من الحيوان 12.

(3)

عينه مستودع الثياب 12.

(4)

اى استأثر عليكم بما لكم فيه اشتراك في الاستحقاق 12. [.....]

ص: 174

رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول الله هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروه انه ان يأتي مسلما رددت اليه اهله وماله وأعطيته مأته من الإبل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بحبس اهل مالك بمكة عند عمتهم أم عبد الله بنت ابى امية فلما بلغ مالكا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وان اهله وماله موفور وقد خاف مالك ثقيفا على نفسه وخاف ان يسمعوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال فيحبسونه فامر براحلته فقدمت له بوحناء وامر بفرس له فاتى به ليلا فخرج من الحصن فجلس على فرسه ليلا فركضه حتى اتى وحناء فركب بعيره فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فادركه بالجعرانة او بمكة فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اهله وماله وأعطاه مأته من الإبل واسلم فحسن إسلامه فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من اسلم من قومه من تلك القبائل من هوازن ودوسا وثقيفا وثمالة وكان قد ضوى اليه قوم مسلمون واعتقد لواء فكان يقاتل بهم من كان على الشرك ويميل بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم ولا يخرج لثقيف سرح إلا غار عليه وكان لا يقدر على سرح الا اخذه ولا على رجل الا قتله وكان يبعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخمس مما يغنم مرة مائة بعير ومرة الف شاة ولقد أغار على سرح لاهل الطائف فاستاق لهم الف شاة في غداة واحدة قال ابن إسحاق في رواية يونس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثقيف في رمضان سنة تسع فاسلموا وذلك بعد غزوة تبوك والله اعلم قال الله تعالى.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ مصدر من نجس ينجس على وزن سمع يسمع او كرم يكرم ولذا لا يثنى ولا يجمع ويستوى فيه الذكر والأنثى وحمله اما على المبالغة او بتقدير ذو في القاموس النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد

ضد الطاهر قلت وهو ما يستقذره الطبع السليم ويطلق عليه النجاسة الحقيقية كالقاذورات والدم والحق بها الشارع النجاسات الحكمية من الحدث والجنابة وانقطاع الحيض والنفاس فهو ما يستقذره الشرع فالكافر نجس شرعا لانه خبيث لخبث باطنه ليستقذره الشرع

ص: 175

ويجب الاجتناب عنه كما يجب على المصلى الاجتناب عن النجاسة الحقيقية فلا يجوز موالاتهم قال الضحاك وابو عبيدة نجس يعنى قذر قال البغوي أراد به نجاسته الحكم لا نجاسة العين سموا نجسا على الذم وقال قتادة سماهم نجسا لانهم يجتبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضؤن ولا يجتنبون من النجاسات وعن ابن عباس ان أعيانهم نجسة كالكلاب اخرج ابو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صافح شركا فليتوضأ او ليغسل كفيه وهذا القول متروك بالإجماع فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ قالت الحنفية المراد به النهى عن الحج والعمرة لا عن الدخول مطلقا بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضى الله عنه ينادى في الموسم لا يحج بعد العام مشرك فظهر ان المراد منعهم عن الحج والعمرة فيجوز عنده دخول الكافر المسجد الحرام ودخول غيره بالطريق الاولى وورد النهى عن الاقتراب للمبالغة وقالت الشافعية هو نهى عن دخولهم الحرم لانهم إذا دخلوا بالحرم فقد اقتربوا من المسجد الحرام وهذا كما قال الله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام وأراد به الحرم لانه اسرى به من بيت أم هاني قال البغوي رضى الله عنه جملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلثة اقسام أحدها الحرم فلا يجوز للكافران يدخله ذميا كان او مستامنا لظاهر هذه الآية وإذا جاء رسول من دار الكفار الى الامام والامام في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم بل يبعث اليه من يسمع رسالته خارج الحرم والقسم الثاني من بلاد الإسلام الحجاز فلا يجوز للكافر الاقامة فيها اكثر من مقام السفر وهو ثلثة ايام لكن جاز له دخولها لما روى عن عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لئن عشت إنشاء الله لا خرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع الا مسلما فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم واوصى فقال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب فلم يتفرغ لذلك ابو بكر واجلاهم عمر رضى الله عنهما في خلافته وأجل لمن يقدم منهم تاجرا ثلثا وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين الى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والاها من ساحل البحر الى الشام في العرض والقسم الثالث ساير بلاد الإسلام

ص: 176

يجوز للكافر ان يقيم فيها بذمة او أمان ولكن لا يدخلون المساجد الا بإذن مسلم وقال الحافظ ابن حجر المروي عن الشافعي التفضيل بين المسجد الحرام وغيره من المساجد فلا يجوز له دخول المسجد الحرام ويجوز له دخول غيرها من المساجد وعند المالكية والمزني لا يجوز للكافر دخول شيء من المساجد قياسا على المسجد الحرام وعقد البخاري بابا على دخول المشرك المسجد يعنى على جواز دخوله وذكر فيه حديث ابى هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا بل تجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد وقد ذكرنا حديث قصة ثمامة بن أثال وإسلامه في سورة الأنفال في مسئلة جواز المن على الأسارى وهذا الاستدلال ضعيف لان قصة ثمامة بن أثال كان قبل فتح مكة وقد منع الكفار عن الحج او الدخول في المسجد الحرام في سنة تسع حيث قال الله تعالى بَعْدَ عامِهِمْ هذا ط يعنى العام الذي نزلت فيه سورة التوبة وحج فيه ابو بكر ونادى علىّ ببراءة وهى سنة تسع من الهجرة وقيل يوذن للكتابى خاصة بدخول المسجد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري في باب دخول المشرك المسجد ان حديث الباب يرد على هذا القول فان ثمامة بن أثال لم يكن من اهل الكتاب والله اعلم قال البيضاوي في هذه الآية دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع نظرا الى انه سبحانه نهاهم عن اقتراب المسجد وهذا ليس بشيء فان الخطاب في الاية للمؤمنين حيث قال الله تعالى يا ايها الذين أمنوا انما المشركون نجس الآية فالمومنون مامورون بمنعهم عن المسجد الحرام وإن كان ظاهر الآية نهيا للكفار كيف ولو كان الكفار مخاطبين بالفروع

كانوا مخاطبين مامورين بالحج إذ الحج من الفروع مع ان الآية يمنعهم عن الدخول والحج فيلزم التناقض ولو كانوا مخاطبين بهذه الاية بعدم الدخول وترك الحج لكانوا ممتثلين بتركهم الحج فيلزم ان يكونوا ماجورين مثابين في ذلك وذلك باطل والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس وابن جرير وابو الشيخ عن سعيد بن جبير وعكرمة وعطية العوفى والضحاك وقتادة وغيرهم انه كان المشركون يجيئون الى البيت ويجيئون معهم بالطعام فلما نهوا عن إتيان البيت ونزلت انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم

ص: 177

هذا شق على المسلمين وقالوا من يأتينا بالطعام وبالمتاع فانزل الله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ ايها المسلمون من اهل مكة عَيْلَةً يعنى فقرا وفاقة يقال عال يعيل عيلة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ قيده بالمشية لينقطع بالآمال اليه ولينبه على انه متفضل في ذلك وان الغنى الموجود يكون لبعض دون بعض وفي عام دون عام إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بأحوال عباده حَكِيمٌ (28) فيما يعطى ويمنع قال عكرمة فاغناهم الله بان انزل عليهم المطر مدرارا فكثر خيرهم وقال مقاتل اسلم اهل جدة وصنعاء وجرش من اليمن وجلبوا الميرة «1» الكثيرة الى مكة فكفاهم الله تعالى ما كانوا يخافون وقال الضحاك وقتادة عوضهم الله منها الجزية فاغناهم بها وذلك قوله تعالى.

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ قال مجاهد نزلت هذه الآية حين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك فان قيل اهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الاخر أجيب بانهم لا يؤمنون على ما ينبغى فانهم إذا قالوا عزير بن الله والمسيح بن الله لم يكن ايمانهم بالله على حقيقة ولم يعتقدوا كونه أحدا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإذا قالوا لا يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى وان النار لا يمسهم الا أياما معدودات واختلفوا في نعيم الجنة اهو من جنس نعيم الدنيا او غيره وفي دوامه وانقطاعه وقال بعضهم لا أكل فيها ولا شرب لم يكن ايمانهم بالآخرة على حقيقة فايمانهم كلا ايمان وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اى ما ثبت تحريمه بالكتاب والسنة وقيل المراد برسوله الذي يزعمون اتباعه والمعنى انهم يخالفون اصل دينهم المنسوخ اعتقادا وعملا فان موسى وعيسى امرا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ اى لا يدينون الدين الحق أضاف الاسم الى الصفة وقال قتادة الحق هو الله اى لا يدينون دين الله فان الدين عند الله الإسلام وقيل الحق الإسلام والمعنى دين الإسلام وقال ابو عبيدة معناه لا يطيعون الله طاعة اهل الحق مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بيان للذين لا يؤمنون يعنى اليهود والنصارى

(1) هى الطعام ونحوه مما يجلب للبيع 12.

ص: 178

حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وهى في اللغة الجزاء وانما بنيت على فعلة للدلالة على الهيئة وهى هيئة الاذلال عند العطاء على ما ستعرف والمراد به الخراج المضروب على رقابهم وقيل هى مشتق من جزى دينه إذا قضاه عَنْ يَدٍ حال من الضمير اى عن يد مواتية غير ممتنعة يعنى منقادين او عن يد من يعطى خراجه يعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايدى غيرهم كذا قال ابن عباس ولذلك يمنع من التوكيل في أداء الجزية او المعنى عن قهر وذل قال ابو عبيدة يقال لكل من اعطى شيئا كرها من غير طيب نفس أعطاه من يد وقيل معنى عن يد نقد الانسية وقيل عن اقرار بانعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم عوضا عن القتل وَهُمْ صاغِرُونَ (29) أذلاء مقهورون قال عكرمة يعطون الجزية قياما والقابض جالس وعن ابن عباس قال يوخذ ويوطا عنقه وقال الكلبي إذا اعطى صفع في قفاه وقيل يوخذ بلحيته فيضرب في لهزمته وقيل يليب ويجر الى موضع الإعطاء بعنف وقيل إعطائه إياه وهو الصغار وقال الشافعي الصغار هو جريان احكام الإسلام عليهم ظاهر هذه الآية يقتضى ان انتهاء القتال بإعطاء الجزية مختص باهل الكتاب ولاجل هذه لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر رواه البخاري في صحيحه من حديث بجالة بن عبدة واختلف كلام الشافعي في بجالة فقال في الحدود مجهول وقال في الجزية حديث ثابت ولاجل هذا الحديث انعقد الإجماع على جواز أخذ الجزية من المجوس- (مسئلة) اختلف العلماء في باب الجزية فقال ابو حنيفة توخذ من اهل الكتاب على العموم عربيا كان او أعجميا ومن مشركى العجم على العموم مجوسيا كان او وثنيا الا المرتدين وقال ابو يوسف يوخذ من اهل العجم دون اهل العرب كتابيا كان او مشركا وقال مالك والأوزاعي يوخذ من كل كافر عربيا كان او أعجميا الا مشركى قريش خاصة والمرتدين وذهب الشافعي الى ان الجزية على الأديان لا على الإنسان فيوخذ من اهل الكتاب عربا وعجما ولا يوخذ من اهل الأوثان بحال واما المجوس فهم عنده اهل كتاب لما روى مالك في الموطإ والشافعي في الام عنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عمر قال ما أدرى ما اصنع في أمرهم يعنى المجوس

ص: 179

فقال له عبد الرحمن بن عوف اشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة اهل الكتاب وقال الشافعي ثنا سفيان عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن نوفل على ما يوخذ الجزية من المجوس فليسوا باهل كتاب فقام اليه المستورد فاخذ بلبته وقال يا عدو الله أتطعن أبا بكر وعمر وامير المؤمنين يعنى عليا وقد أخذوا منهم الجزية فذهب الى القصر فخرج عليهم على فقال ايته انا اعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وان ملكهم سكر فوقع على ابنته او امه فاطلع عليه بعض اهل مملكته فلما صحا جاؤا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعى اهل مملكته فقال تعلمون دينا خيرا من دين آدم قد كان آدم ينكح بنيه ببناته فانا على دين آدم وما يرغب بكم عن دينه فبايعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فاصبحوا وقد اسرى علمائهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم وهم اهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر منهم الجزية ذكر الحديث ابن الجوزي في التحقيق وقال سعيد بن مرزبان مجروح قال يحيى بن سعيد لا استحل ان يروى عنه وقال يحيى ليس بشى ولا يكتب حديثه وقال القلاس متروك الحديث وقال ابو اسامة كان ثقة وقال ابو ذرعة صدوق مدلس قلت وذكر ابو يوسف في كتاب الخراج قال حدثنا سفيان بن عيينة عن نضر بن عاصم الليثي عن على بن ابى طالب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أخذوا الجزية من المجوس وقال انا اعلم الناس بهم كانوا اهل كتاب يقرؤنه وعلم يدرسونه فنزع من صدورهم قال ابو يوسف وحدثنا نصر بن خليفة ان فروة بن نوفل الأشجعي قال ان هذا الأمر عظيم يوخذ من المجوس الخراج وليسوا أبا هل الكتاب قال فقام

اليه مستوردين الأحنف قال طعنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتب والا قتلتك وقال قد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجوس اهل هجر الخراج قال فارتفعا الى على رضى الله عنه فقال انا احدثكما بحديث ترضيانه جميعا عن المجوس ان المجوس كانوا امة لهم كتاب يقرونه وان ملكا شرب حتى سكر فاخذ بيد أخته فاخرجها من القرية واتبعه اربعة رهط فوقع عليها وهم ينظرون اليه فلما أفاق من سكره قالت له أخته انك صنعت كذا وفلان وفلان

ص: 180

وفلان وفلان ينظرون إليك فقال ما علمت ذلك قالت فانك مقتول الا ان تطيعنى قال فانى أطيعك قالت فاجعل هذا دينا وقل هذا دين آدم وقل حواء من آدم وادع الناس اليه واعرضهم على السيف فمن بايعك فدعه ومن ابى فاقتله ففعل فلم يتابعه أحد فقتلهم يومئذ حتى الليل فقالت له انى ارى الناس قد احتروا على السيف وهم على النار لكع فاوقد لهم نارا ثم اعرضهم علينا ففعل وهاب الناس من النار فبايعوه قال على رضى الله عنه فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج لاجل كتابهم وحرم مناكحهم وذبائحهم لشركهم وروى ابن الجوزي في التحقيق ان ابن عباس قال ان اهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية والجواب ان قوله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة اهل الكتاب لا يدل على كونهم من اهل كتاب ولا على ان يفعل بهم كل ما يفعل باهل الكتاب بل يدل على جواز أخذ الجزية منهم للاجماع على انه لا يجوز مناكحه نسائهم ولا أكل ذبائحهم وما ذكر من حديث على حجة لنا لا علينا لانهم وإن كان أسلافهم اهل كتاب يدرسونه لكنهم منذ تركوا ذلك الدين والعمل بالكتاب ورفع العلم منهم وكتب لهم إبليس المجوسية لم يبقوا اهل كتاب ومن هاهنا اتفق العلماء على ان المجوس ليسوا باهل كتاب الا في قول للشافعى وفي قول هو مع الجمهور انهم ليسوا باهل كتاب قلت ولو كفى كون أسلافهم من اهل الكتاب لكان عبدة الأوثان من اهل الهند اولى بهذا الاسم فانهم يقرؤن الكتاب ويدرسونه ويسمونه بيد وهى اربعة اجزاء ويزعمونه من عند الله تعالى ويوافق أصولهم في كثير من الأمور بأصول الشرع وما يخالف الشرع فذلك من اختلاطات الشيطان كما تفرق فرق الإسلام الى ثلث وسبعين فرقة بتخليطه الشيطان ودعوتهم هذا مؤيد من الشرع حيث قال الله تعالى وان من امة الا خلا فيها نذير فهم اولى من المجوس في كونهم اهل كتاب لان ملك المجوس لما سكر وزنا بأخته ترك دينه وكتابه وادعى دين آدم وهؤلاء الكفار لم يفعلوا ذلك الا انهم كفروا بتركهم الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر لى ان في الجزء الرابع من بيد بشارة ببعثة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم حتى اسلم بعض من قرأ ذلك الجزأ والله اعلم وقد يحتج للشافعى على ان الوثني

ص: 181

لا يوخذ منهم الجزية بان القتال واجب بقوله تعالى قاتلوهم حتى لا تكون فتنة الا انا عرفنا جواز تركه في حق اهل الكتاب بالكتاب وفي حق المجوس بالخبر يعنى انه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس الهجر فبقى من ورائهم على الأصل قلنا قوله تعالى قاتلوا المشركين خص منه المجوس بالإجماع فجاز تخصيصه بالمعنى وبالحديث اما المعنى فان عبدة الأوثان في معنى المجوس فانهم مشركون كهيئتهم وكون أصولهم من اهل الكتاب لا يفيدهم وايضا يجوز استرقاقهم بالإجماع فيجوز ضرب الجزية عليهم إذ كلواحد منهما يشتمل على سلب النفس منهم فانه يكتسب ويودى الى المسلمين ونفقته في كسبه واما الحديث فحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا امر أميرا على جيش او سرية أوصاه في خاصة بتقوى الله

ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تقلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلث خصال او خلال فايتهم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فان أجابوك فاقبل منهم وكف ثم ادعهم الى التحول من دارهم الى دار الهجرة فاخبرهم انهم ان فعلوا ذلك فلهم ما

للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فان أبوا ان يتحولوا منها فاخبرهم انهم يكونون كاعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذي يجرى على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفى شيء الا ان يجاهدوا مع المسلمين فان هم أبوا فسلهم الجزية فان هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فان هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم الحديث رواه مسلم والحجة على جواز أخذ الجزية من الكتابي العربي حديث انس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى أكيدر دومة فاخذوه فاتوا به فحقن دمه وصالحه على الجزية رواه ابو داود وروى ابو داود والبيهقي من حديث يزيد بن رومان وعبد الله بن ابى بكر ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد الى البدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا على دومة فذكره مطولا وفيه انه صالحه على الجزية قال الحافظ ان ثبت ان أكيدر كان كنديا ففيه دليل على ان الجزية لا يختص بالعجم من اهل الكتاب لان أكيدر عربى وإذا ثبت ان الجزية لا يختص باهل الكتب ولا باهل

ص: 182

العجم ثبت مذهب ابى حنيفة ومالك غير ان أبا حنيفة يقول لا يجوز أخذ الجزية من عبدة الأوثان من اهل العرب ولا استرقاقهم اخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري انه صلى الله عليه وسلم صالح عبدة الأوثان الا من كان من العرب قال ابو حنيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين اظهر العرب والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم اظهر فلا يقبل منهم الا الإسلام او السيف وكذا المرتد فانه كفر بربه بعد ما هدى الى الإسلام ووقف على محاسبه فلا يقبل منه الا الاستلام او السيف ذكر محمد بن الحسن عن مقسم عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال لا يقبل من مشركى العرب الا الإسلام او القتل وإذا ظهر على عبدة الأوثان من العرب او المرتدين يسترق نسائهم وصبيانهم لان النبي صلى الله عليه وسلم استرق ذرارى أوطاس وهوازن وهم من مشركى العرب وكذا ذرارى بنى المصطفى وغيرهم وابو بكر استرق ذرارى بنى حنيفة لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين وكانت منهم أم محمد بن على بن ابى طالب وأم زيد بن عبد الله بن عمر ثم ان ذرارى المرتدين ونسائهم يجبرون على الإسلام بعد الاسترقاق بخلاف ذرارى عبدة الأوثان وقال الشافعي يسترق ذرارى عبدة الأوثان من العرب والجواب لابى يوسف ان أخذ الجزية من كفار العرب كتابيا كان او مشركا وان ثبت بحديث أخذ الجزية من أكيدر لكنه نسخ بالأحاديث الواردة في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وان لا يترك فيها الا مسلما فان أخذ الجزية من كفار العرب فرع تركهم فيها عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اوصى بثلث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بما كنت اجيزهم قال ابن عباس وسكت عن الثالثة او قال نسيتها متفق عليه وعن جابر بن عبد الله قال أخبرني عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لاخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع فيها الا مسلما رواه مسلم وروى مالك في الموطإ عن ابن شهاب مرسلا لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ووصله صالح بن ابى الأخضر

عن الزهري عن سعيد عن ابى هريرة أخرجه إسحاق في مسنده وروى احمد والبيهقي عن ابى عبيدة بن الجراح آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ان قال اخرجوا اليهود من

ص: 183

الحجاز واهل نجران من جزيرة العرب- (مسئلة) اختلفوا في قدر الجزية فقال ابو حنيفة ان وضع الجزية بالتراضي والصلح فيقدر بحسب ما يقع عليه الصلح كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل نجران على الفى حلة روى ابو داود عن ابن عباس قال صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل نجران على الفى حلة النصف في صفر والنصف في رجب وقال ابو يوسف في كتاب الخراج وابو عبيدة في كتاب الأموال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل نجران الى ان قال الفى حلة كل حلة اوقية يعنى قيمة اوقية قال ابن همام فقول الولوجى كل حلة خمسون درهما ليس بصحيح لان الاوقية أربعون درهما والحلة ثوبان إزار ورداء

ويعتبر هذه الحلل في مقابلة روسهم وأراضيهم قال ابو يوسف الفاحلة على أراضيهم وعلى جزية رؤسهم يقسم على روس الرجل الذين لم يسلموا وعلى كل ارض من أراضي نجران وان كان بعضهم قد باع ارضه او بعضها من مسلم او ذمى او تغلبى والمرأة والصبى في ذلك سواء في أراضيهم واما جزية روسهم فليس على النساء والصبيان وروى ابن ابى شيبة انه صالح عمر نصارى بنى تغلب على ان يؤخذ منهم ضعف ما يوخذ من المسلم المال الواجب وان غلب عليهم الامام واقرهم على املاكهم فيضع على الغنى الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعين درهما يأخذ منهم في شهر اربعة دراهم وعلى وسط الحال اربعة وعشرون درهما في كل شهر درهمان وعلى الفقير المعتل اثنا عشر درهما في كل شهر درهم إذا كان صحيحا في اكثر السنة عند ابى حنيفة رحمه الله وقال مالك في المشهور عنه على الغنى والفقير جميعا اربعة دنانير في السنة او أربعين درهما لا فرق بينهما وقال الشافعي الواجب دينار يستوى فيه الغنى والفقير وعن احمد اربع روايات أحدها كقول ابى حنيفة والثانية انها مفوضة الى راى الامام وليست بمقدرة وبه قال الثوري والثالثة انه يقدر الأقل منها بدينار دون الأكثر والرابعة انها في اهل اليمن خاصة مقدر بدينار دون غيرهم اتباعا لحديث ورد فيهم عن معاذ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجهه الى اليمن امره ان يأخذ من كل حالم دينارا او عدله المعافر ثياب يكون بايمن رواه ابو داود والترمذي والنسائي والدار قطنى وابن حبان والحاكم وبه أخذ الشافعي على الإطلاق قال

ص: 184

ابو داود وحديث منكر وقال بلغني عن احمد انه كان ينكره وذكر البيهقي الاختلاف فيه فبعضهم رواه عن الأعمش عن ابى وائل عن مسروق عن معاذ وقال بعضهم عن الأعمش عن ابى وائل عن مسروق ان النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ الحديث وأعله ابن حزم بالانقطاع وان مسروقا لم يلق معاذا وقال الحافظ ابن حجر فيه نظر وقال الترمذي حديث حسن وذكر ان بعضهم رواه مرسلا وانه أصح ومذهب ابى حنيفة منقول عن عمر وعثمان وعلى ذكر الاصحاب في كتبهم عن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن الحكم ان عمر بن الخطاب وجه حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف الى السواد فمسحا ارضها ووضعا عليها الخراج وجعلا الناس ثلث طبقات على ما قلنا فلما رجعا أخبراه بذلك ثم عمل عثمان كذلك وروى ابن ابى شيبة ثنا على بن مسهر الشيباني عن ابن عون محمد بن عبد الله الثقفي قال وضع عمر بن الخطاب في الجزية على رؤس الرجال على الغنى ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط اربعة وعشرون وعلى الفقير اثنى عشر درهما وهو مرسل ورواه ابن زنجويته في كتاب الأموال ثنا مندل عن الشيباني عن ابن عون عن المغيرة بن شعبة ان عمر وضع الحديث الى آخره وطريق آخر رواه ابن سعد في الطبقات الى نضرة ان عمر بن الخطاب وضع الجزية على اهل الذمة فيما فتح البلاد فوضع على الغنى الى آخر ما ذكر ومن طريق آخر أسنده عبد القاسم بن سلام الى حارثة بن مضر عن عمر انه بعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين واربعة وعشرين واثنا عشر وقد كان ذلك بمحضر من الصحابة بلا نكير فحل محل الإجماع وقال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى السرى بن اسمعيل عن عامر الشعبي ان عمر بن الخطاب مسح السواد فبلغ ستة وثلثين الف الف جريب وانه وضع على جريب الزرع درهما وقفيزا على الكرم عشرة دراهم وعلى الرطبة خمسة دراهم وعلى الرجل اثنى عشر درهما واربعة وعشرون وثمانيته وأربعون درهما قال وحدثنى سعيد بن ابى عروية عن قتادة عن ابن مجلز قال بعث عمر بن الخطاب عمار بن ياسر على الصلاة والحرب وبعث عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال وبعث عثمان بن حنيف على مساحة الأرض وجعل بينهم شاة كل يوم شطرها وبطنها لعمار وربعها لعبد الله بن مسعود والربع الاخر لعثمان بن حنيف

ص: 185

وقال انى أنزلت نفسى وإياكم بهذا المال بمنزلة والى

اليتيم فان الله قال من كان غينا فليستعفف ومن كان فقيرا فلياكل بالمعروف والله ما ارى أرضا يوخذ منها شاة في كل يوم الا سيسرع ضرابها قال فمسح عثمان الأرضين فجعل على جريب العنب عشرة وعلى جريب النخل ثمانية وعلى جريب القصب ستة وعلى جريب الحنطة اربعة وعلى جريب الشعير درهمين وعلى الراس اثنا عشر درهما واربعة وعشرين وثمانية وأربعين وعطل من ذلك النساء والصبيان قال سعيد وخالفنى بعض أصحابي فقال على جريب النخل عشرة وعلى جريب العنب ثمانية قال وحدثنى محمد بن إسحاق عن حارثة بن مطرف عن عمر انه أراد ان يقسم السواد بين المسلمين فامر بهم ان يحصوا فوجد الرجل نصيبه الاثنين والثلاثة من العلاجين فشاور اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال على رضى الله عنه وعنهم يكونون مادة للمسلمين فبعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين واربعة وعشرين واثنا عشر وأجاب الحنفية عن حديث معاذ انه محمول على انه كان صلحا فان اليمن لم يفتح عنوة بل صلحا فوقع على ذلك وبان كان اهل اليمن اهل فاقة والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ففرض عليهم ما على الفقراء يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابي نجيح قلت لمجاهد ما شان اهل الشام عليهم اربعة دنانير واهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبل اليسار ووجه قول الثوري واحمد انه صلى الله عليه وسلم امر معاذا بأخذ الدينار وصالح نصارى نجران على الفى حلة وجعل عمر الجزية على ثلث طبقات كما قال ابو حنيفة وصالح بنى تغلب على ضعف ما يوخذ من المسلمين فهذا يدل على انه لا تقدير فيه بل هو مفوض الى راى الامام- (مسئلة) لا يوخذ الجزية من فقير غير معتمل عند ابى حنيفة ومالك واحمد وللشافعى فيه اقوال أحدها انه لا يوخذ منه والثاني انه يجب عليه لكن يطالب عند يساره والثالث انه إذا حال عليه الحول ولم يتيسر له الحق بدار الحرب له اطلاق قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ خذ من كل حالم ولنا ان عثمان بن حنيف لم يوظف الجزية على فقير غير معتل روى ابن رنجوية في كتاب الأموال ثنا الهشيم بن عدى عن عمر بن نافع حدثنى ابو بكر العنبسى صلة بن زفر قال ابصر عمر شيخا كبيرا من اهل الذمة ليال فقال له مالك قال ليس لى

ص: 186

مال وان الجزية يوخذ منى فقال له عمر ما انصفناك أكلنا شبيبتك ثم ناخذ منك الجزية ثم كتب عمر الى عماله ان لا تأخذوا الجزية من شيخ كبير «1» وقد جاء في بعض طرقه وعلى الفقير المكتسب اثنا عشر أخرجه البيهقي قال ابو يوسف حدثنى عمرو بن نافع عن ابى بكر قال مر عمر بن الخطاب بباب قوم وعليه سائل شيخ كبير ضرير البصر فذكر نحوه وقال فوضع عنه الجزية وعن ضربائه قال ابو بكر انا شهدت ذلك من عمر ورايت ذلك الشيخ وقال ابو يوسف حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب انه مر بطريق الشام هو راجع في مسيره من الشام على قوم قد اقيموا في الشمس يصب على روسهم الزيت فقال ما بال هؤلاء قالوا عليهم الجزية لم يؤدوا فهم يعذبون حتى يؤدوا قال عمر فما يقولون ما يعتذرون في الجزية قالوا يقولون لا نجد قال فدعوهم لا تكلفوهم مالا يطيقون فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تعذبوا الناس فان الذين يعذبون الناس في الدنيا يعذبهم الله يوم القيامة وامر بهم فخلى سبيلهم وقال ابو يوسف وحدثنى بعض المشيخة المتقدمين يرفع الحديث الى النبي صلى الله عليه وسلم انه ولى عبد الله بن أرقم على جزية اهل الذمة فلما ولى من عنده ناداه فقال الا من ظلم معاهدا وكلفه فوق طاقته او ينقصه او أخذ منه شيئا بغير طيبة نفسه فانا حجيجه يوم القيامة وهذا الحديث يؤيد مذهب احمد ان الجزية مفوض الى راى الامام ينظر طاقة الذمي ولا يكلفه فوق طاقته- (مسئلة) لو وجبت الجزية على كافر بتمام السنة بعد عقد الذمة فلم يؤدها حتى اسلم فعند الشافعي يوخذ منه جزية ما مضى لان الجزية اجرة الدار وقد استوفى سكنى الدار كما هو أحد قوليه او وجبت بدلا عن العصمة الذي يثبت للذمى بعقد

الذمة كما هو قوله الآخر وقد وصل اليه المعوض وهو حقن دمه وسكناه فتقرر البدل دينا عليه في ذمته فلا يسقط عنه كساير الديون وعند ابى حنيفة ومالك واحمد يسقط الجزية بإسلامه لان الجزية عقوبة على الكفر ولا عقوبة بعد التوبة وهى غاية للقتال منه

لهذه الاية

(1) وروى عن عمر بن الخطاب انه مر برجل من اهل الكتاب مطروح على باب قال استكدونى وأخذوا منى الجزية حتى كف بصرى فليس أحد يعود على بشيء فقال عمر ما انصفنا إذا ثم قال هذا من الدين قال الله انما الصدقات للفقرا والمساكين ثم امر له برزق يجرى عليه.

ص: 187

وقد انتهى القتال بالإسلام وكون الجزية اجرة الدار ممنوع فانه يسكن دار ملكه لنا حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم جزية رواه احمد والترمذي وابو داود قال ابو داود سئل سفيان الثوري عن هذا فقال يعنى إذا اسلم فلا جزية عليه وباللفظ الذي فسر به سفيان الثوري رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اسلم فلا جزية عليه وضعف ابن القطان من رواة حديث ابن عباس قابوس بن ابى الظبيان وليس قابوس في سند الطبراني قال ابن همام هذا الحديث بعمومه يوجب سقوط ما كان استحق عليه قبل إسلامه بل هو المراد بخصوصه لانه موضع الفائدة إذ عدم الجزية على المسلم ابتداء من ضروريات الدين في الاخبار به من جهة الفائدة ليس كالاخبار بسقوطها في حال البقاء قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنى شيخ من علماء الكوفة قال جاء كتاب عمر بن عبد العزيز الى عبد الحميد بن عبد الرحمن كتبت الى تسالنى عن أناس من اهل الحيرة يسلمون من اليهود والنصارى والمجوس وعليهم جزية عظيمة وتستأذن في أخذ الجزية منهم وان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم داعيا الى الإسلام ولم يبعثه جابيا فمن اسلم من اهل تلك الملل فعليه في ماله الصدقة ولا جزية عليه فان قيل ما الفرق بين الخراج والجزية والاسترقاق مع ان كلواحد منها عقوبة على الكفر فكيف يقولون بسقوط الجزية وعدم سقوط الخراج والرق قلنا في الجزية ذل ظاهر ومبناه على الصغار والخراج فيه معنى المئونة فان صاحب الأرض لا يتمكن من الزراعة من غير حماية السلطان والمقاتلة فكانه يعطى اجر مؤنتهم واما الرقيق فقد تعلق به ملك شخص معين بخلاف الجزية فانه لم يتعلق بها ملك شخص معين بل فيه استحقاق للعامة والحق الخاص فضلا عن العام ليس كالملك الخاص- (مسئلة) الجزية يجب باول الحول عند ابى حنيفة وهى رواية عن مالك فيجوز مطالبة جزية سنة فورا بعد عقد الذمة وقال الشافعي واحمد يجب ما جزه وهو المشهور عن مالك فلا يملك المطالبة حتى يمضى السنة فان مات في أثناء السنة او بعد تمامها ولم يؤد

ص: 188

الجزية سقطت بموته عند ابى حنيفة واحمد وقال مالك والشافعي لا تسقط والوجه لهما ما ذكرنا انه بدل للسكنى او لحقن الدم وقد استوفى المعوض فصار البدل دينا يوخذ من تركته ولنا انه عقوبة دنيوية والعقوبات الدنيوية تسقط بالموت كالحدود- (مسئلة) إذا لم يؤد الذمي الجزية سنتين او اكثر يتداخل ويوخذ منه جزية واحدة عند ابى حنيفة واحمد وقال الشافعي يوخذ لكل سنة جزية له ما ذكرنا انه استوفى المعوض فصار العوض دينا ولنا انها عقوبة محضة وليس الغرض منها المال بل الاذلال ولذالك لا يوخذ من يد نائبه كما ذكرنا من قبل وكفارات الفطر مع انها عبادة فيه معنى العقوبة تتداخل فكيف الجزية فانها عقوبة محضة والاذلال يحصل يأخذها مرة والله اعلم- (مسئلة) ولا جزية على الصبيان والمجانين اتفاقا فانهم ليسوا أهلا لعقوبة ولا على النساء ايضا اجماعا قال ابو يوسف في كتاب الخراج حدثنا عبيد الله عن نافع عن اسلم مولى عمر قال كتب عمر ان اقبلوا الجزية ممن جرت عليه المواشي ولا تأخذوا من امرأة ولا صبى ولا تأخذوا الجزية الا اربعة دنانير او أربعين درهما يعنى لا تأخذوا اكثر منه وروى البيهقي من طريق زيد بن اسلم عن أبيه ان عمر كتب الى أمراء الأجناد لا تضربوا الجزية الا على من جرت عليه المواشي وكان لا يضرب على النساء والصبيان وروى من طريق آخر بلفظ لا تضعوا الجزية على النساء والصبيان- (مسئلة) ولا جزية على المملوك قنا كان او مكاتبا او مدبرا او ابنا لام الولد إذ لا مال لهم ولا يتحمل عنهم مواليهم لانهم تحملوا الزيادة لاجلهم يعنى وجب عليهم جزية الاعتباء بسبيهم وما روى ابو عبيدة في كتاب الأموال عن عروة قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اهل اليمن انه من كان على يهودية ونصرانية فانه لا ينتزع عنها وعليه الجزية على كل حالم ذكرا او أنثى عبدا او امة دينارا وقيمته وروى ابن زنجوبة عن الحسن فذكر نحوه مرسلان ضعيفان يقوى

أحدهما الآخر لكن الامة ترك العمل بهما اجماعا فلا عبرة بهما وكذا ما روى ابو عبيد عن عمر قال لا تشتر رقيق اهل الذمة فانهم اهل خراج يؤدى بعضهم عن بعض-

ص: 189

(مسئلة) إذا امتنع الذمي من أداء الجزية او امتنع من اجراء حكم من احكام الإسلام او قتل مسلما او اجمع على القتال او زنى بمسلمة وأصابها باسم نكاح او افتن مسلما عن دينه او قطع عليهم الطريق او صار للمشركين جاسوسا او أعان على المسلمين بدلالة او كتب الى المشركين اخبار المسلمين وأطلعهم على عوراتهم ينقض عهده عند احمد في اظهر الروايتين لما روى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرت ان أبا عبيدة بن الجراح وأبا هريرة قتلا كتابيين أرادا امراة على نفسها مسلمة وروى البيهقي من طريق الشعبي عن سويد بن غفلة قال كنا عند عمر وهو امير المؤمنين بالشام إذا نبطى مضروب مسح يستعدى فغضب وقال لصهيب انظر من صاحب هذا فذكر القصة فجاء به وهو عوف بن مالك فقال رايته يسوق بامراة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم يصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار فغشيها ففعلت به ما ترى قال عمر والله ما على هذا عاهدناكم فامر به فصلت ثم قال ايها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له وفي رواية عن احمد لا ينتقض الا بالامتناع من بذل الجزية واجراء أحكامنا عليه وقال الشافعي ينتقض بمنع الجزية وامتناع اجراء احكام الإسلام وبالإجماع على قتال المسلمين لا غير الا إذا شرط عند عقد الذمة هذه الأمور المذكورة فح ينتقض عهده بإتيانها وقال مالك لا ينتقض بالزنا بمسلمة ولا باصابتها باسم النكاح ويقطع الطريق وينتقض بما سوى ذلك وقال القاسم من أصحابه بقطع الطريق ايضا وقال ابو حنيفة ينتقض عهده بان يلتحق بدار الحرب او كان له منعة وغلب على موضع وأراد المحاربة لانهم صاروا حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وفيما سوى ذلك لا ينتقض عهده لان الغاية التي ينتهى به القتال التزام الجزية لا أدائها والالتزام باق ومن لا منعة له لا عبرة بامتناعه فان الامام يقدر عليه بالحبس والضرب وغير ذلك- (مسئلة) وفي ذكر الله عز وجل بما لا يليق بجلاله او ذكر كتابه المجيد او ذكر دينه القويم او ذكر رسوله الكريم بما لا ينبغى ينتقض عهده عند احمد سواء شرط منه ذلك اولا وكذا قال مالك انه إذا ذكر منهما بغير ما كفروا به ينتقض عهده وقال اكثر اصحاب

ص: 190

الشافعي ان لم يشترط لا ينتقض عهده وان شرط ينتقض وذكر صاحب الهداية مذهب الشافعي انه ينتقض لان المؤمن ينتقض به إيمانه فالذمى ينتقض به امانه إذ عقد الذمة خلف عن الايمان وذكر صاحب الهداية مذهب ابى حنيفة ان بسب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقض عهده لان سبه عليه السلام كفر والكفر المقارن لا يمنعه فالطارى لا يرفعه قال ابن همام يويده ما روى عن عايشة ان رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال وعليكم قالت ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة فقال صلى الله وسلم مهلا يا عايشة فان الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله قالت فقلت يا رسول الله الم تسمع ما قالوا قال عليه السلام قد قلت وعليكم وفي رواية عليكم بغير واو متفق عليه وفي رواية رددت عليهم فيستجاب لى فيهم ولا يستجاب لهم في قال ابن همام ولا شك ان هذا سب منهم له عليه الصلاة السلام ولو كان نقضا للعهد لقتلهم وفي الفتاوى من مذهب ابى حنيفة ان من سب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل ولا يقبل توبته سواء كان مؤمنا او كافرا وبهذا يظهر انه ينتقض عهده ويؤيده ما روى ابو يوسف عن حفص بن عبد الله بن عمر ان رجلا قال له سمعت راهبا سب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لو سمعته لقتلته انا لم نعطهم العهود على هذا وقال ابن همام والذي عندى ان سبه عليه السلام او نسبته الى ما ينبغى الى الله تعالى ان كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد الى الله تعالى الذي يعتقده النصارى واليهود إذا أظهروا يقتل به وينتقض عهده وان لم يظهروا ولكنه عثر عليه وهو يكتمه فلا

لان دفع القتل والقتال عنهم بقبول الجزية الذي هو المراد بالإعطاء مقيد بكونهم صاغرين أذلاء بالنص ولا خلاف ان المراد استمرار ذلك لا عند مجرد القبول واظهار ذلك منه ينافى قبول الجزية الدافع لقتله لانه الغاية في التمرد وعدم الالتفات والاستخفاف بالإسلام والمسلمين فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتال وهو ان يكون صاغرا ذليلا واما اليهود المذكورون في حديث عايشة فلم يكونوا اهل ذمة بمعنى.... اعطائهم الجزية بل كانوا اصحاب موادعة بلا مال يوخذ منهم دفعا لشرهم الى ان أمكن الله منهم لانه لم يوضع قط جزية على اليهود المجاورين من قريظة

ص: 191

والنضير قال ابن همام هذا البحث يوجب انه إذا استعلى ذمى على المسلمين على وجه صار مستمرا عليه حل للامام قتله او يرجع الى الذل والصغار والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن اوفى وابو انس ومحمد بن دحية وشاس بن قيس ومالك بن الضيف فقالوا كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وانك لا تزعم ان عزير ابن الله فانزل الله تعالى.

وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ قرأ عاصم والكسائي ويعقوب عزير بالتنوين على انه عربى مصغر وقيل انه أعجمي لكنه اسم خفيف يشبه المصغر ولذلك صرف مثل نوح وهود ولوط وعزير مبتدأ ما بعده خبره وليس بصفة له وقرأ الباقون بلا تنوين اما لمنع الصرف للعجمة والتعريف او لالتقاء الساكنين تشبيهما للنون بحرف اللين او لان الابن وصف والخبر محذوف مثل معبودنا او صاحبنا قال البيضاوي هذا القول مزيف لانه يودى الى تسليم النسب وانكار الخبر المقدر قال عبيد بن عمير انما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازورا وهو الذي قال ان الله فقير ونحن اغنياء وقال البغوي روى عطية العوفى عن ابن عباس انما قالت اليهود عزير بن الله لاجل ان عزيرا كان فيهم وكانت التوراة عندهم والتابوت فيهم فاضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق فرفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم فدعا الله عزيز وابتهل اليه ان يرد الذي نسخ من صدورهم فبينما هو يصلى مبتهلا الى الله نزل نور من السماء فدخل فعاد اليه التوراة فاذن في قومه وقال يا قوم قد آتاني الله التوراة وردها فعلق الناس به يعلمهم فمكثوا ما شاء الله ثم ان التابوت نزل بعد ذهابه منهم فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله فقالوا وما اوتى عزير هذا الا انه ابن الله وقال الكلبي ان نجت نصر لما ظهر على بنى إسرائيل وقتل من قرأ التوراة وكان عزير إذ ذاك صغيرا فلم يقتله فلما رجع بنو إسرائيل الى بيت المقدس وليس فيهم من يقرأ التوراة بعث الله عزيرا ليجدد لهم التوراة ويكون له آية بعد ما أماته مائة عام وقد ذكرنا القصة في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى او كالذى مر على قرية وهى خاوية

ص: 192

راحلتى هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن لا اركب بعيرا ليس لى قال هو لك ولكن بالثمن الذي ابتعتهما به قال أخذتها بكذا وكذا قال أخذتها بذلك قال هى لك وعند البخاري في غزوة الرجيع انها الجدعاء وأفاد الواقدي ان الثمن ثمانمائة قالت عايشة فجهزناهما أحب الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب وأفاد الواقدي انه كان في السفرة «1» شاة مطبوخة فقطعت اسماء بنت ابى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين وفي رواية ذات النطاق «2» قال محمد بن يوسف الصالحي المحفوظ في هذا الحديث ان اسماء شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد واقتصرت على الآخر ومن ثم قيل لها ذات النطاق وذات النطاقين فالتثنية والافراد بهذين الاعتبارين وعند ابن سعد انها شقت نطاقها فاوكت بقطعة منه الجراب وشدت في القربة بالباقي فسميت ذات النطاقين واستاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر رجلا من بنى الديل وهو على دين كفار قريش واسلم بعد ذلك وكان هاديا خريتا يعنى ماهرا بالهداية فامناه فدفعا اليه راحليتهما وواعداه غار ثور بعد ثلث براحلتيهما واعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.... عليا بخروجه وامره ان يتخلف بعده حتى يودى عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه الا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته قالت عائشة ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر في غار في جبل ثور في حديث عمر عند البيهقي انها خرجا ليلا وذكر ابن إسحاق والواقدي انهما خرجا من خوخة «3» في ظهر بيت ابى بكر وروى ابو نعيم عن عايشة بنت قد أمته ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقينى ابو جهل فاعمى الله عز وجل بصره عنى وعن ابى بكر حتى مضينا قالت اسماء وخرج ابو بكر بماله كله خمسة آلاف درهم قال البلاذري كان مال ابى بكر يوم اسلم أربعين الف درهم فخرج الى المدينة للهجرة وما ماله الا خمسة آلاف درهم او اربعة

(1) سفرة الطعام السفر.

(2)

النطاق ما يشد به الوسط وكانت المرأة تلبس ثوبا ثم تشد وسطها بحبل ثم ترمل الأعلى على الأسفل فذلك الحبل النطاق 12.

(3)

باب صغير 12.

ص: 209

فبعثه ابنه عبد الله فحملها الى الغار قالت فدخل علينا جدى ابو قحافة وقد ذهب بصره فقال والله انى لاراه قد ذهب بماله مع نفسه قالت قلت كلا يا أبت انه ترك لنا خيرا كثيرا قالت فاخذت احجارا فوضعتها في كوة البيت كان ابى يضع ماله فيها ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت ضع يا أبت يدك على هذا المال قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس ان كان ترك لكم هذا فقد احسن وفي هذا بلاغ لكم ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت ان اسكن الشيخ روى البيهقي ان أبا بكر لما خرج هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغار جعل يمشى مرة امام النبي صلى الله عليه وسلم ومرة خلقه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يا رسول الله اذكر الرصد فاكون امامك واذكر الطلب فاكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا أمن عليك فلما انتهيا الى فم الغار قال ابو بكر والذي بعثك بالحق نبيا لا تدخله حتى ادخله قبلك ما كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخله فجعل يلتمس بيده فكلما رأى حجرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الحجر حتى فعل ذلك بثوبه اجمع فبقى حجر فوضع عقبه عليه ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت الحيات يلسعن أبا بكر وجعلت دموعه يتحدر وروى ابن ابى شيبة وابن المنذر عن ابى بكر رضى الله عنه انهما لما انتهيا الى الغار إذا جحر فالقمه ابو بكر رجليه فقال يا رسول الله إن كان لدغة او لسعة كان بي وروى ابن مردوية عن جندب بن سفيان قال لما انطلق ابو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغار قال ابو بكر يا رسول الله لا تدخل الغار حتى استبرئه «1» فدخل ابو بكر الغار فاصاب يده شيء فجعل يمسح الدم عن يده ويقول هل أنت الا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وفي حديث انس عند ابى نعيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح قال لابى بكر اين ثوبك فاخبر بالذي صنع فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر معى في درجتى في الجنة فاوحى الله اليه قد استجاب الله لك وروى زرين عن عمر انه ذكر عنده ابو بكر فبكى وقال وددت ان عملى كله مثل عمله يوما واحدا من أيامه وليلة واحدة من لياليه

(1) استبرأت الشيء طلبت آخره لقطع الشبهة عليه عنى 12.

ص: 210

اما ليلته فليلة سار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغار فلما انتهيا اليه قال والله لا تدخله حتى ادخل قبلك فانكان فيه شيء أصابني دونك فدخل فكسحه ووجد في جانبه ثقبا فشق إزاره وسدها به فبقى فيها اثنان فالقمها رجليه ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجره ونام فلدغ ابو بكر في رجله من الحجر ولم يتحرك مخافة ان ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه وكان سبب موته واما يومه فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا نؤدى زكوة فقال لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تالف الناس وارفق بهم فقال لى إجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام انه قد انقطع الوحى وتم الدين أينقص وانا حى روى ابن سعد وابو نعيم والبيهقي وابن عساكر عن ابى مصعب المكي قال أدركت انس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون ان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الغار أنبت الله شجرة الراه فنبت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترته وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بينها فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وامر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار واقبل فتيان «1» قريش من كل بطن بعصيهم وهراوليهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعا جعل بعضهم ينظر في الغار فلم ير الا حمامتين وحشيتين فعرف انه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف ان الله تعالى قد درأ عنه بهما فبارك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وفرض جزاء بهن والخدرتا في الحرم فافرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم وروى احمد بسند حسن عن ابن عباس ان المشركين قصوا «2» اثره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلث ليال وروى الحافظ احمد ابو بكر بن سعيد القاضي شيخ النسائي في مسند الصديق عن الحسن البصري قال جاءت قريش يطلب النبي

(1) جمع كثرة للفتى وهو الشاب الحدث 12.

(2)

أي طنبوا اثار اقدامه 12.

ص: 211

صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا أرادوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا لم يدخله أحد وكان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلى وابو بكر يرتقب فقال ابو بكر يا رسول الله هؤلاء قومك يطلبونك اما والله ما على نفسى ابكى ولكن مخافة ان ارى فيك ما اكره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لا تخف ان الله معنا وفي الصحيحين عن ابى بكر الصديق قال قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو ان أحدهم نظر الى قدمه لابصر ما تحت قدمه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وروى ابو نعيم في الحلية عن عطاء بن ميسرة قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داؤد حين كان طالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وذكر البلاذري في تاريخه وابو سعيد ان المشركين استاجروا رجلا يقال له علقمة بن كرز بن هلال الخزاعي واسلم عام الفتح فقفا لهم الأثر حتى انتهى الى غار ثور وهو بأسفل مكة فقال هنا انقطع اثره ولا أدرى أخذ يمينا او شمالا ثم صعد الجبل فلما انتهوا الى فم الغار قال امية بن خلف ما أريكم في الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ثم جاء قبال وروى البيهقي عن عروة ان المشركين لما فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في كل وجه يطلبونه وبعثوا الى اهل المياه يأمرونهم ويجعلون لهم الجعل العظيم وأتوا على الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر أصواتهم فاشفق ابو بكر وبكى واقبل عليه الهم والحزن والخوف فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى بكر لا تحزن ان الله معنا

أقسمت بالقمر المنشق ان له

من قلبه نسبة مبرورة القسم

وما حوى الغار من خير ومن كرم

وكل طرف من الكفار عنه عمى

فالصدق في الغار والصديق لم يرما «1»

وهم يقولون ما بالغار من ارم

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت

على خير البرية لم تنسج ولم تحم

وقاية الله اغنت عن مضاعفة

من الدروع وعن ال من الأطم

(1) لم يبرحا 12.

.

ص: 212

قال الله تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ اى على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لا تحزن ان الله معنا كذا ذكر البلاذري وروى ابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال فانزل الله سكينته على ابى بكر يعنى بقوله صلى الله عليه وسلم لا تحزن فان النبي صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السكينة من قبل وهذا اولى لان فاء فانزل يدل عليه وايضا إرجاع الضمير الى الأقرب اولى وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وهم الملئكة يضربون وجوه الكفار وأبصارهم عن رئية روى ابو نعيم عن اسماء بنت ابى بكر ان أبا بكر رأى رجلا مواجه الغار فقال يا رسول الله انه يرانا قال كلا ان الملئكة يستره الآن بأجنحتها فلم ينشب ان قعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا وقيل القوا الرعب في قلوب الكفار حتى رجعوا وقال مجاهد والكلبي أعانه الملئكة يوم بدر اخبر انه صرف عنه كيد الأعداء في الغار ثم اظهر نصره بالملائكة يوم بدر روى ابن عدى وابن عساكر عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان هل قلت في ابى بكر شيئا قال نعم فقال قل وانا اسمع فقال وثانى اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو إذ صاعدوا الجبلا وكان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال يا حسان هو كما قلت قالت عايشة فكمنا «1» في الغار ثلث ليال وكان عبد الله بن ابى بكر يبيت عندهما وهو غلام شاب «2» ثقف لقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت لا يسمع امرا يكاد ان به الا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك اليوم حين يختلط الظلام وعند ابى استحق ان اسماء بنت ابى بكر كانت تأتيهما من الطعام إذا امست بما يصلحهما وكان عامر بن فهيرة يرعى غنما لابى بكر في رعيان اهل مكة فاذا امسى راح عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل «3» ورضيفهما يفعل ذلك كل ليلة من الليالى فلما مضت الثلث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استاجرا ببعيرهما فركبا وانطلق معهما عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله ابن الطفيل

(1) اى يطلب لهما من مكروه من الكيد 12.

(2)

اى يخرج من السحر 12.

(3)

رسل شير تازه رضيف شير گرم 12.

ص: 213

ابن سنجره أخو عايشة لامها ليخدمها في الطريق فاخذ بهما الدليل طريق الساحل أسفل من غسفان ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق على أمج روى احمد والشيخان عن البراء بن عازب انه قال لابى بكر كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق فلا يرى فيه أحد رفعت لنا صخرة طويلة بها ظل لم يأت عليه شمس بعد فنزلنا عندها فاتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ثم بسطت له فروة كانت معى ثم قلت يا رسول الله نم وانا «1» انفض لك ما حولك فنام وخرجت انفض له ما حوله فاذا انا براع مقبل بغنمه الى الصخرة يريد منه الذي أردنا فلقيته فقلت له لمن أنت يا غلام فقال لرجل من اهل مكة فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قلت فاحتلب لى قال نعم فاخذ شاة فقلت انقض الضرع من التراب والقذى فحلب لى في تعب معه كثبة «2» من لبن وسعى اداوة ارتوى «3» فيها للنبى صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ وعلى فمها خرقة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكرهت ان أوقظه من نومه فوقفت حتى استيقظه فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله فقلت يا رسول الله اشرب من هذا اللبن فشرب حتى رضيت ثم قال ألم يأن الرحيل قلت بلى قال فارتحلنا بعد ما زالت الشمس روى الطبراني والحاكم وصححه وابو نعيم وابو بكر الشافعي عن سليط بن عمر والأنصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج مهاجرا الى المدينة هو وابو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهم مروا على خيمة أم معبد الخزاعية وهى لا تعرفه وكانت برزة «4» جلدة تجلس بفناء القبة ثم تسقى وتطعم فسالوها لحما وتمرا يشتروا منها فلم يجدوا عندها شيئا من ذلك وإذ القوم مرملو «5» مسنتون فقالت والله لو كانت عندنا شيء ما أعوزناكم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى شاة في كسر الخيمة

(1) اى أتجسس وتعرف ما فيه مما يخاف وفي النهاية اى احرس وأطوف هل ارى طلبا يقال نفضت المكان واستنفضة او أنظرت جميع والنفضة بفتح الفاء وسكونها قوم يبعثون متجسسين بل يرون غددا او خوفا 12.

(2)

كثبه اى قدر قدح وقيل جلته خفيفة 12. [.....]

(3)

ارتوى فيها اى آب مى اوردم در ان 12.

(4)

برزة امراة كهلة لا يحجب كالشواب وهى مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم 12.

(5)

مرملون هم الذين نفد زادهم وأصله من الرمل كانهم لصقوا بالرمل 12.

ص: 214

فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها لبن قالت هى اجهد من ذلك قال أتأذنين لى ان احلبها قالت بابى أنت وأمي ان رايت بها حلبها فو الله ما ضربها من فحل قط فشانك «1» بها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وظهرها وسمى الله ودعا لها في شانها فتفاجت عليه ودرت ودعا باناء يربض «2» الرهط فحلب فيه ثجا «3» حتى علاه البهاء سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب صلى الله عليه وسلم وقال ساقى القوم آخرهم شربا ثم حلب فيه ثانيا بعد بداء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ثم تابعها وارتحلوا عنها وروى ابن سعد وابو نعيم عن أم معبد قالت بقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها حتى كان زمان الرمادة وهى سنة ثمان عشرة من الهجرة زمن عمر بن الخطاب وكنا نحلبها صبوحا «4» وغبوقا وما في الأرض قليل ولا كثير وروى البيهقي من وجه آخر قصة أم معبد بزيادة ونقصان وفيه عند الماء جاء ابنها باعنز يسوقها فقالت له انطلق بهذه العنزة والشفرة «5» الى هذين الرجلين فقل لهما يقول لكما ابى اذبحا هذه وكلا وأطعما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انطلق بالشفرة وجئنى بالقدح قال انها عنزة وليس بها لبن قال انطلق فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها ثم حلب ملأ القدح الحديث وفيه قال ابو بكر فلبثنا ليلتين ثم انطلقنا وكانت تسميه المبارك وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا الى المدينة فمر ابو بكر فرأه ابنها فعرفه فقال يا أمته ان هذا الرجل الذي كان مع المبارك فقامت اليه فقالت يا عبد الله من الرجل الذي كان معك قال هو نبى الله قالت فادخلنى عليه فاطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساها وأسلمت قال هشام بن جيش فلما لثبت حتى جاءها زوجها ابو معبد يسوق أعنزا حبالى عجافا «6» فلما راى اللبن عجب وقال من اين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب ولا حلوب في البيت قال لا والله الا انه مر رجل

(1) فشانك منصوب بفعل مقدر اى أصلح او نحو ذلك 12.

(2)

يربض اى يرويهم ويثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض من ربض بالمكان إذا لصق به 12.

(3)

اى لنا كثيرا حتى علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيص رغوته 12.

(4)

صبوح ما يشرب أول النهار غبوق ما يشرب اخر النهار 12.

(5)

جمع حامل وهى التي لم تحمل فيدل على العي 12.

(6)

اى بعيد المرعى لا تنود الى المرج في الليل 12.

ص: 215

مبارك من حاله كذا وكذا قال صفية يا أم معبد قالت رايت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه نجلة ولم تزرئه صعلة وسيما قسيما في عينيه رعج وفي اشفاره وطف وفي صوبة صحل او قالت صهل وفي عنقه سطح وفي لحيته كثافة أزج اقرن ان صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب فصل لا نزر ولا هذر كان منطقه خرزات نظمن يتحدون ربعة لا يشناه طول ولا تفتحمه عين من قصر غضبا بين غصنين فهو انظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدر اله رفقاء يحفون به ان قال انصتوا لقوله وان امر ابتدروا الى امره محفود محشود لا عابس ولا معتد فقال ابو معبد هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من امره بمكة ولقد همت ان اصحبه ولافعلن ان وجدت الى ذلك سبيلا قالت اسماء رضى الله عنها لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر أتانا رجال من قريش فيهم ابو جهل فوقفوا على باب ابى بكر فخرجت إليهم فقالوا اين أبوك يا ابنة ابى بكر قلت لا أدرى والله اين ابى فرفع ابو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدى لطمة طرح منها قرطى قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلثة ايام ما ندرى اين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غنا العرب وتبعه الناس يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول جزا الله رب العرش خير جزائه رفيقين قالا «1» خيمتى أم معبدهما نزلاها بالهدى فاهتدى به وقد فاز من امسى رفيق محمد فيا لقصى مازوى «2» الله عنكم به من فقال لا تجارى وسود وليهن بنى كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمومنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وانائها فانكم ان تسالوا الشاة تشهدوا دعاه بشاة حائل فتحلبت اليه بصريح ضرة «3» الشاة مزيد فغادرها رهنا لديه لحالب «4» يردها في مصدر ثم مورد وفي رواية عند البيهقي بسند حسن في فضة أم معبد انه طلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد فسالوها عنه فقالوا ارايت محمدا من خلقه كذا فوصفوه لها فقالت ما تقولون قد ضافنا حالب الحائل قالت قريش فذاك الذي أردنا قال البيهقي يحتمل انه صلى الله عليه وسلم راى الشاة التي

(1) قال من القيلوة.

(2)

زوى جمع وقبض صرع اللبن الخالص.

(3)

ضرة اصل الفرع زيد اى علاه الزبد 12.

(4)

يعنى يحلبها مرة بعد اخرى 12.

ص: 216

فى كسر الخيمة ثم رجع ابنها باعنز ثم جاء زوجها ووصفته له قلت ولعل ذلك جاءت قريش في طلبه صلى الله عليه وسلم (قصة سراقه) روى احمد والشيخان في الصحيحين عن سراقة بن مالك واحمد ويعقوب بن سفيان عن ابى بكر قال سراقة جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول صلى الله عليه وسلم وابى بكر دية كل واحد منهما مائة ناقة من الإبل لمن قتله او اسره فبينا انا جالس في مجلس من قومى بنى مدلج اقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال يا سراقة انى رايت آنفا اسودة «1» بالساحل وفي لفظ ركبة ثلثة ولا أراها الا محمد او أصحابه قال سراقة فعرفت انهم هم فاوميت اليه ان اسكت فسكت حتى قمت فدخلت بيتي وأمرت جاريتى ان تخرج فرسى الى بطن الوادي وأخرجت سلاحى من وراء حجرتى فخططت برمحى وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسى فركبتها فدفعتها تقرب فرأيت اسودتهما فلما دنوت منهم عثرت بي فرسى فخررت منها فقمت فاهويت بيدي كنانتى فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم اولا أضرهم فخرج الذي اكره ان لا أضرهم وكنت ارجوا ان أرده فآخذ المائة ناقة فركبت فرسى وعصيت الأزلام فدفعتها تقرب بي حتى إذا سمعت قرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وابو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسى في الأرض حتى بلغت الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما استوت قائمة إذ لا تريد بها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي اكره ان لا أضرهم فعرفت انه قد منع منى وانه ظاهر فناديتهما بالأمان «2» وقلت انظرونى فو الله لا اوذينكم ولا يأتيكم منى شيء تكرهونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى بكر رضى الله عنه قل له ماذا تبغى قلت ان قومك قد جعلوا فيك الدية واخبرتهما اخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهما الزاد والمتاع فلم يرزانى ولم يسالنى الا ان قال أخف عنا فسالته ان يكتب لى كتاب أمن قال اكتب له يا أبا بكر وفي رواية فامر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من آدم ثم مضى رسول الله صلى الله

(1) اسودة جمع سواد وهو الشخص 12. [.....]

(2)

اى لم ينقصاتى مما معى شيئا 12.

ص: 217

عليه وسلم فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من اهل حنين خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لالقاه ومعى الكتاب الذي كتب لى فبينا انا عامد له دخلت بين ظهرى كثيبة من كثايب الأنصار قال فطففوا يقرعوننى بالرماح ويقول إليك حتى دنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته انظر الى ساقه في غرزه كانها جمادة فرفعت يدى بالكتاب فقلت يا رسول الله هذا كتابك وانا سراقة بن مالك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟؟ رم وفاء وبر أدنه فدنوت منه فاسلمت ثم ذكرت شيئا أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم اذكره الا ان قلت يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضى وقد ملأتها من الإبل هل لى من اجر قال نعم في كل ذات كبد حرا اجر قال فرجعت الى قومى فسقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتى وقال ابو بكر وتبعنا سراقة بن مالك فنحن في جدد الأرض فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت قال وما يبكيك قلت اما والله ما على نفسى ابكى ولكن ابكى عليك قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اكفناه بما شئت قال فساخت به فرسه في الأرض الى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد قد علمت ان هذا علمك فادع الله ان يبحينى مما انا فيه فو الله لا عمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتى فخذ منها سهما فانك ستمر بإبلي وغنمى بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في إبلك وغنمك ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق راجعا الى أصحابه لا يلقى الا قال قد كفيتم ولا يلقى أحدا إلا رده ووفى لنا وعند ابن سعد ان سراقة لما رجع قال لقريش قد عرفتم بصرى بطريق وقد سرت فلم ار شيئا فرجعوا قال ابن سعد والبلاذري عارضهم السراقة بقديد يوم الثلاثاء وروى عروة والحاكم عنه عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم لقى الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضاء وروى البيهقي عن موسى بن عقبة انه صلى الله عليه وسلم لما دنا المدينة قدم طلحة بن عبيد الله من الشام عامدا الى مكة فلما لقيه أعطاه الثياب فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر روى البيهقي عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 218

قال لابى بكر مدخله المدينة الاغنى؟ الناس فانه لا ينبغى لبنى ان يكذب فكان ابو بكر إذا سئل من أنت قال باغي حاجة وإذا قيل من الذي معك قال هاد يهدينى ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه ابو بردة الأسلمي في سبعين من قومه بنى سهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنت قال بريدة قال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قال من اسلم قال لابى بكر سلمنا ثم قال ممن قال من سهم قال خرج سهمك فلما أصبح قال بريدة للنبى صلى الله عليه وسلم لا تدخل المدينة الا ومعك لواء فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مضى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم تواترت الاخبار ان خروجه من مكة كان يوم الاثنين ودخول المدينة يوم الاثنين الا ان محمد بن موسى الخوارزمي قال خرج من مكة يوم الخميس قال الحافظ يجمع بينهما بان خروجه من مكة يوم الخميس وخروجه من الغار ليلة الاثنين لانه اقام فيه ثلث ليال ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وخرج في أثناء ليلة الاثنين قلت ولعل ليلة الخميس هى الليلة التي أراد قريش قتله صلى الله عليه وسلم بعد ما مكروا به في دار الندوة فخرج صلى الله عليه وسلم من بيته الى بيت ابى بكر واستصحبه ثم خرج من خوخة ظهر بيته والله اعلم- وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كلمة الشرك او دعوتهم الى الكفر السُّفْلى ط وذلك بتخليص الرسول صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الكفار الى المدينة او بتأييده

إياه بالملائكة في المواطن او بحفظه ونصره حيث حصروا وَكَلِمَةُ اللَّهِ يعنى كلمة التوحيد ودعوة الإسلام قرأ يعقوب بالنصب عطفا على كلمة الذين كفروا والباقون بالرفع على انه مبتداء خبره هِيَ الْعُلْيا ط وفيه اشعار بان كلمة الله عالية في نفسها وان فاق غيرها فلا ثبات لتفوقه ولذلك وسط الفصل وقيل كلمة الذين كفروا ما قدروا بينهم في الكيد به ليقتلوه وكلمة الله وعده انه ناصره وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) فى امره وتدبيره.

قال الله تعالى انْفِرُوا خِفافاً يعنى حين يخف ويسهل لكم الخروج الى الجهاد بصحة البدن والشباب والقوة والنشاط ووجود الزاد والراحلة والأعوان والاسلحة وَثِقالًا يعنى حين يثقل عليكم لاجل المرض او الشيب او الضعف او عدم النشاط او شاغل من الأهل

ص: 219

والمال والضيعات وقلة الزاد والسلاح والكراع والمتاع والى ما ذكرنا يرجع ما قال الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة شبابا وشيوخا وما قال ابن عباس نشاط وغير نشاط او اهل اليسر والعسر او مقلين من السلاح ومكثرين منه وما قال عطية العوفى ركبانا ومشاة وابن زيد ان الثقيل الذي له الضيعة يكره ان يدع ضيعته والحكيم بن عتبة مشاغيل وغير مشاغيل والهمداني أصحاء ومرضى ويمان غرابا ومتاهلين او مقلين الاتباع والحواشي ومستكثرين وقال ابو صالح خفافا من المال اى فقراء وثقالا اى اغنياء وقيل خفافا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير وثقالا بعد التروي فيه والاستعداد له قال الزهري خرج سعيد بن المسيب الى الغزو وقد ذهبت احدى عينيه فقيل له انك عليل صاحب ضر فقال استنفر الله الخفيف والثقيل وان لم يمكننى الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع قال عطاء الخراسانى عن ابن عباس نسخت هذه الآية قوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقال السدى لما نزلت هذه الآية اشتد شانها على الناس فنسخها الله تعالى وانزل ليس على الضعفاء ولا على المرضى الآية قلت لعل المراد بالنسخ في قول ابن عباس والسدى التخصيص لكون نزول الآيتين جميعا بلا فصل في غزوة تبوك فخرج من هذا الحكم من لا يستطيع الخروج من الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون او ما يركبون عليه ولا يستطيعون الشيء وبقي من يستطيع الخروج ولو بنوع مشقة وذلك لاجل النفير العام ويمكن ان يكون نزول قوله تعالى ليس على الضعفاء للآية بفصل يوم او يومين ولو في غزوة تبوك بعد ما اشتد شانها على الناس فيكون نسخا والله اعلم- وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ اى بما أمكن لكم منهما كليهما او أحدهما فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ من الاستمتاعات الدنيوية وترك الجهاد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) الخير من الشر علمتهم انه خير لكم او ان كنتم تعلمون انه خير واخبار الله به صدق فبادروا اليه قال محمد بن عمر حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة يعنى لتجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك وكان أول من جاء بماله ابو بكر الصديق باربعة آلاف درهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لاهلك شيئا قال أبقيت لهم الله ورسوله وجاء عمر بنصف ماله فقال رسول الله صلى الله

ص: 220

عليه وسلم هل أبقيت لاهلك شيئا قال نعم مثل ما جئت به وحمل العباس طلحة بن عبيد الله وسعد بن عبادة وحمل عبد الرحمن بن عوف مائتى اوقية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصدق عاصم بن عدى تسعين وسقا من تمر وجهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش حتى كان يقال ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم قال محمد بن يوسف الصالحي كان ذلك الجيش زيادة على ثلثين الفا فيكون رضى الله عنه جهز عشرة آلاف وذكر ابو عمرو في الدرر وتبعه في الاشارة ان عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها وقال ابن إسحاق أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها وفقل ابن هشام عمن يثق به ان عثمان أنفق في جيش العسرة عشرة آلاف درهم قال محمد بن يوسف الصالحي يعنى غير الإبل والزاد وما يتعلق بذلك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارض عن عثمان فانى راض عنه وروى احمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارا قال ابن عقبة وتخلف المنافقون عن غزوة تبوك وحدثوا أنفسهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجع إليهم ابدا

فاعتذروا وقال محمد بن عمر وجاء ناس من المنافقين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاذنوه في القعود من غير علة فاذن لهم وكانوا بضعة وثمانين رجلا فانزل الله تعالى فيهم.

لَوْ كانَ اسم كان مضمر اى لو كان ما دعوا اليه عَرَضاً قَرِيباً اى متاعا دنيويا او المعنى غنيمة قريبته المتناول وَسَفَراً قاصِداً اى متوسطا لَاتَّبَعُوكَ لوافقوك في الخروج طلبا للغنيمته وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ يعنى المسافة فانها تقطع بمشقة وقيل الشقة الغاية التي يقصدونها وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ متعلق بسيحلفون او هو من جملة كلامهم والقول مراد في الوجهين يعنى سيحلفون بالله قائلين لو استطعنا لخرجنا او سيحلفون المتخلفون إذا رجعت من تبوك معتذرين يقولون بالله لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ ساد مسد جواب القسم والشرط

ص: 221

ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة او استطاعة الأبدان كانهم تمارضوا وهذه معجزة لكونه اخبارا عما وقع قبل وقوعه يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بدل من سيحلفون يعنى انهم يهلكونها بايقاعها في العذاب بترك امتثال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم والكذب واليمين الفاجرة وجاز ان يكون حالا من فاعل خرجنا يعنى لخرجنا معكم وان أهلكنا أنفسنا بالمسير في الحر والقياها في التهلكة وجاء به على لفظ الغائب لانه مخبر عنهم الا ترى انه لو قال سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان ايضا سديدا يقال حلف بالله ليفعلن ولا فعلن فالغيبة على حكم الاخبار والتكلم على الحكاية وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (46) في ذلك لانهم كانوا مستطيعين للخروج.

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ «1» قال سفيان بن عيينه بدأ بالعفو قبل ان يعيره بالذنب لطفا به وإكراما له قلت او لانه تعالى ذكر العفو قبل المعاتبة تحرزا من ان يهلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لكمال خوفه وخشيته من الله تعالى وقيل افتتح الكلام بالدعاء كما يقول الرجل لمن خاطبه إذا كان كريما عنده عفا الله عنك ما صنعت في حاجتى ورضى الله عنك الا زرتنى وقيل معناه ادام الله لك العفو لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فى القعود حين استأذنوك وهلا توقفت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فى الاعتذار وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) فيها يعنى من لا عذر له قال ابن عباس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين يومئذ اخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون قال اثنان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يومر بهما اذنه المنافقين في القعود واخذه الفدية من أسارى يدر فعاتبه الله كما تسمعون.

لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فى التخلف كراهة أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ والمعنى لا يستاذنونك في ان يجاهدوا بل يبادرون اليه ولا ينتظرون الاذن فضلا ان يستاذنوا في التخلف

(1) قال القاضي عياض في الشفاء ليس عفا هاهنا بمعنى غفر بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق ولم تجب عليهم قطاى لم يلزمكم ذلك ونحو للقشيرى وقال انما يقول العفو لا يكون الا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب وقال معنى عفا الله عنك لم يلزمك ذنبا قال القاضي لم يتقدم للنبى صلى الله عليه وسلم فيه من الله نهى فيعد معصية ولاعد الله عليه معصية بل لم يعده اهل العلم معاتبه وغلطوا من ذهب الى ذلك قال نفطويه وقد حاشا الله من ذلك بل كان مخيرا بين أمرين 12.

ص: 222

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) شهادة لهم بالتقوى ووعدوا بثوابه.

إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ في التخلف الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذكر الايمان بالله واليوم الآخر في الموضعين اشارة الى ان الايمان يقتضى محبة الجهاد طمعا في الثواب بحيث لا يستاذن في إتيانه وعدم الايمان يقتضى تركه لعدم رجاء الثواب وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فشكت في الدين ونافقت فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) يتحيرون فتارة يريدون الخروج كيلا يردا من المسلمين أذى لو ظفروا وتارة عدم الخروج لزعمهم ان الرسول لا يرجع إليهم ابدا.

وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ معك لَأَعَدُّوا لَهُ ليهيؤا للخروج او للجهاد عُدَّةً ما يعد للسفر والجهاد من المتاع والسلاح والكراع وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ استدراك عن مفهوم قوله ولو أراد والخروج كانه قال ما خرجوا ولكن تثبطوا لانه تعالى كره ولم يرد نهوضهم للخروج فَثَبَّطَهُمْ فحبسهم بالجبن والكسل وَقِيلَ اقْعُدُوا فى بيوتكم مَعَ الْقاعِدِينَ (46) يعنى مع المرضى والزمنا وقيل مع النساء والصبيان تمثيل لا لقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم او وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود او حكاية قول بعضهم لبعض او اذن الرسول لهم قصة خروجه صلى الله عليه وسلم وتخلف اكثر المنافقين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب سنة تسع فعسكر بثنية الوداع ومعه زيادة من ثلثين الفا قاله محمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ابن سعد وكذا روى الحاكم في الإكليل عن معاذ بن جبل ونقل الحاكم في الإكليل عن ابى ذرعة الرازي قال كانوا بتبوك سبعين الفا وجمع بين الكلامين ان سبعين التابع والمتبوع وكانت الخيل عشرة آلاف فرس روى عبد الرزاق وابن سعد انه خرج الى تبوك يوم الخميس وكان يستحب ان يخرج يوم الخميس قال ابن هشام واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وذكر الدراوردي انه استخلف عام تبوك سباع بن عرفظة زاد محمد بن عمر بعد حكاية ما تقدم ويقال ابن أم مكتوم قال والثابت عندنا محمد بن مسلمة الأنصاري ولم يتخلف عنه في غزوة غيرها وقيل على ابن ابى طالب قال ابو عمر وتبعه ابن دحية وهو الا ثبت روى عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح عن سعد

ص: 223

بن ابى وقاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج الى تبوك استخلف على المدينة على بن ابى طالب قال ابن إسحاق وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن ابى طالب على اهله وامره بالإقامة فيهم فاوجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتحققا منه فلما قالوا ذلك أخذ على سلاحه وخرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فاخبره بما قالوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوا ولكن خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفنى في أهلي وأهلك فلا ترضى يا على ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدي فرجع على رضى الله عنه وهذا الحديث متفق عليه وعسكر عبد الله بن ابى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حدة عسكرة أسفل منه نحوذ باب «1» فاقام الى ما اقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو تبوك تخلف ابن ابى راجعا الى المدينة فيمن تخلف من المنافقين وقال يغز ومحمد بنى الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد الى ما لا طاقة له به يحسب محمد ان قتال بنى الأصفر معه اللعب والله لكانى انظر الى أصحابه مقرنين في الجبال ارجافا «2» برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه فانزل الله

تعالى في ابن ابى ومن معه قوله تعالى.

لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ بخروجهم شيئا إِلَّا خَبالًا اى شرا وفسادا بايقاع الجبن في المؤمنين بتهويل الأمر او باعانة الكفار في حالة الجهاد والغرة بالمؤمنين ونحو ذلك ولا يستلزم الآية وجود الفساد الآن وزيادة الفساد عند خروجهم لان الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء ولاجل هذا التوهم جعل بعضهم الاستثناء منقطعا وليس كذلك لانه لا يكون حينئذ مفرغا وَلَأَوْضَعُوا اى اسرعوا ركائبهم بالنميمة او الهزيمة او التخذيل من وضع البعير وضعا إذا اسرع خِلالَكُمْ اى وسطكم وقيل اوضعوا خلالكم اى اسرعوا فيما يخل بكم يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ اى يريدون ان يفتنوكم بايقاع الخلاف فيما بينكم او الرعب من العدو في قلوبكم والجملة حال من فاعل اوضعوا وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ اى ضعفة يسمعون قولهم ويطيعون

(1) ذباب جبل بقرب المدينة 12.

(2)

رجافا يعنى قالوا ذلك حتى يضطرب المسلمون 12.

ص: 224

كذا قال قتادة او الجواسيس يسمعون حديثكم للنقل إليهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) اى يعلمه ضمايرهم وما يتأتى منهم فيجازيهم عنه.

لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ اى طلبوا تشتت أمرك وتفرق أصحابك وتخذيل المؤمنين مِنْ قَبْلُ هذا اليوم يوم أحد حين انصرفوا عنك ابن ابى بأصحابه وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ اى دبروا لك المكايد والحيل ودور والآراء فى ابطال أمرك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ اى جاء نصر الله وتائيده للدين الحق وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ أعلا دينه على زعم منهم وَهُمْ كارِهُونَ (48) ظهور الدين وعلوه.

وَمِنْهُمْ اى من المنافقين الذين استأذنوا فى التخلف مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي فى التخلف وَلا تَفْتِنِّي وذلك جد بن قيس المنافق روى ابن المنذر والطبراني وابن مردوية وابو نعيم فى المعرفة عن ابن عباس وابن ابى حاتم وابن مردوية عن جابر بن عبد الله ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وابن عقبة عن شيوخهم ان جد بن قيس اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد معه نفر فقال يا رسول الله ائذن فى القعود فانى ذو ضيعة وعلة فيها عذر لى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجهز فانك موسر لعلك تحقب من بنات بنى الأصفر قال الجد او تأذن لى ولا تقتنى فو الله لقد عرف قومى ما أحد أشد عجبا بالنساء منى وانى لاخشى ان رايت بنات بنى الأصفر لا اصبر عنهن فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد اذنا لك زاد محمد بن عمر فجاءه ابنه عبد الله بن جد وكان بدر يا وهو أخو معاذ بن جبل لامه فقال لابيه لم ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فو الله ما فى بنى سلمة أحد اكثر مالا منك فلا تخرج ولا تحمل فقال يا بنى مالى وللخروج فى الحر الشديد والريح والعسرة الى بنى الأصفر والله ما أمن خوفا من بنى الأصفر وانا فى منزلى افاذهب إليهم اغزوهم انى والله يا بنى عالم بالدوائر فاغلظ له ابنه فقال لا والله ولكنه النفاق والله لينزلن على رسوله قران يقرأ به فرفع نعلم؟؟ فضرب بها وجه ولده فانصرف ابنه ولم يكلمه فانزل الله هذه الاية للطبرانى وابن مردوية وابو نعيم انه قال عليه السلام لجد بن قيس ما تقول فى مجاهدة بنى الأصفر فقال يا رسول الله انى امرأ صاحب النساء ومتى ارى نساء بنى الأصفر افتتن فأذن لى ولا تفتنى فنزلت وذكر البغوي انه صلى الله عليه وسلم قال يا أبا وهب هل لك فى جلاد بنى الأصفر تتخذ منهم

ص: 225

سرارى ووصيفا فقال جد يا رسول الله لقد عرف قومى انى رجل مغرم بالنساء وانى أخشى ان رايت بنات الأصفر ان لا اصبر عنهن ائذن لى فى القعود ولا تفتنى بهن وأعينكم بمالى واخرج الطبراني بوجه اخر عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اغزوا تغتنموا بنات بنى الأصفر فقال ناس من المنافقين انه ليفتنكم بالنساء فانزل الله تعالى هذه الاية ومعنى قوله لا تفتنى على ما تقتضيه الروايات المذكورة ان لا تفتنى ببنات نبى الأصفر يعنى أقع فى الإثم والفتنة لاجل حبهن وعدم المصابرة عنهن وقيل معناه لا تفتنى بسبب ضياع المال والعيال إذ لا كافل لها بعدي وقيل معناه ائذن لى فى القعود ولا توقعنى فى الفتنة يعنى العصيان لمخالفة أمرك بان لا تأذن لى واقعد وفيه اشعار بانه لا محالة متخلف اذن به او لا يأذن أَلا فِي الْفِتْنَةِ اى الشرك والعصيان سَقَطُوا وقعوا يعنى الفتنة هى التي سقطوا فيها وهى فتنة التخلف وظهور النفاق وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) مطبقة بهم جامعة لهم يوم القيمة او الان لاحاطة أسبابها.

إِنْ تُصِبْكَ يا محمد فى بعض غزواتك حَسَنَةٌ ظفر وغنيمة تَسُؤْهُمْ لفرط حدهم وَإِنْ تُصِبْكَ فى بعضها مُصِيبَةٌ كسرة او شدة كما أصاب يوم أحد فرحوا بتخلفهم واستحمدوا آرائهم يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا اى ما كان أصلح لنا يعنى القعود من الغزو مِنْ قَبْلُ وقوع هذه المصيبة وَيَتَوَلَّوْا عن متحدثهم بذلك ومجتمعهم او عن الرسول صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فَرِحُونَ (50) مسرورون بمصيبة المؤمنين بعداوتهم.

قُلْ يا محمد لهم لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا فى اللوح المحفوظ من النصرة او الشهادة ولم يقل ما كتب الله لنا او علينا للاشعار يكون كلا التقديرين خيرا لنا هُوَ يعنى الله الذي كتب مَوْلانا ناصرنا ومتولى أمرنا فكيف يكون تقديره شرا لنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خير اله وان أصابته ضراء صبر فكان خير اله رواه احمد ومسلم عن صهيب وروى البيهقي عن سعد نحوه وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) متعلق بمحذوف اى ليتوكل المؤمنون على الله

ص: 226

فليتوكلوا عليه وفيه تأكيد وبالفاء اشعار بانه لا ينبغى لهم ان يتوكلوا على غيره وهو وليهم والقدير على كل شىء.

قُلْ لهم يا محمد هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا فيه حذف أحد التاءين أصله تتربصون يعنى ما تنتظرون بنا ايها الكفار او المنافقون إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ اى احدى العاقبتين كل منهما حسنى العواقب وذلك القتل فى سبيل الله وذلك وإن كان قبيحا على زعمكم لكنه احدى العاقبتين الحسنين فى حقنا أحدهما هذه وهى شهادة مورثة للجنة والحيوة المؤبدة وثانيهما النصر والغنيمة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتدب الله لمن خرج فى سبيله لا يخرجه الا ايمان لى وتصديق برسلى ان ارجعه بما نال من اجر وغنيمة او ادخله الجنة متفق عليه والترديد مانعة الخلو دون الجمع وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ احدى السوئتين ان لا تتوبوا أحد لهما أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ يوم القيامة ان ظفرتم فى الدنيا وثانيهما ما قال أَوْ بِأَيْدِينا اى او بعذاب بايدينا وهو القتل على الكفر المفضى الى عذاب النار وهذا على تقدير كون الخطاب لمطلق الكفار وعلى تقدير كونه للمنافقين خاصة فاحدى السوئتين ان يصيبكم الله بعذاب من عنده اى يهلككم كما أهلك الأمم الخالية فيعذبكم فى النار ان متم على النفاق وثانيهما القتل على الكفر ان أظهرتم ما فى قلوبكم فَتَرَبَّصُوا ما هو عاقبتنا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) ما هو عاقبتكم وقال الحسن تربصوا مواعيد الشيطان انا متربصون مواعيد الرحمن من اظهار دينه.

قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً نصب على الحال اى طائعين من غير الزام من الله ورسوله او مكرهين اى ملزمين سمى الإلزام اكراها لانهم كانوا منافقين فكان إلزامهم الانفاق شاقا عليهم كالاكراه وهذا صيغة امر بمعنى الخبر تقديره لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ نفقاتكم سواء أنفقتم طوعا او كرها وفائدته المبالغة فى الحكم بتساوي الانفاقين فى عدم القبول كانهم أمروا ان يمتحنوا فينفقوا مرة طوعا ومرة كرها وينظروا هل يتقبل منهم شىء منها وهو جواب لجد بن قيس حيث قال ائذن لى ولا تفتنى وأعينك بمال ونفى التقبل بوجهين أحدهما انه لا يقبل منهم رسول الله

ص: 227

صلى الله عليه وسلم وكذا الائمة بعده لا يقبلون الصدقة ممن يعلمون انه منافق وثانيهما انه تعالى لا يتقبل منهم ولا يثيب عليه إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (53) اى خارجين من زمرة المسلمين تعليل لعدم التقبل على سبيل الاستيناف وما بعده بيان وتقرير له.

وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لان الفاعل مونث غير حقيقى اعنى نَفَقاتُهُمْ ان يقبل مفعول لمنع وفاعلا إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا يعنى ما منع من قبول نفقاتهم الا كفرهم بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى يعنى متثاقلين لمراة الناس عطف على كفروا وَلا يُنْفِقُونَ نفقة فى سبيل الله إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54) لانهم لا يرجون بها ثوابا ولا يخافون على تركها عفا بايعدون الزكوة مغرما وتركها مغنما فان قيل وصفهم بالطوع فى قوله أنفقوا طوعا او كرها وسلبه هنا بالكلية فكيف التوفيق قلنا المراد بالطوع هناك بذلهم من غير الزام الرسول كما ذكرنا وليس ذلك البزل إلا رياء فليس ذلك الا عن كراهة واضطرار لا عن رغبة واختيار او يقال وصفه بالطوع هناك على سبيل الفرض وسلبه هاهنا على التحقيق.

فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ الاعجاب هو السرور بما يستحسن يعنى لا يستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد فان ذلك استدراج ووبال لهم كما قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ باعطائهم الأموال والأولاد لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بسبب ما يتكايدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب وفى إنفاقها من المكاره وفى تخليفها عند من لا يحمده من الحسرات وقال مجاهد وقتادة فى الآية تقديم وتأخير تقديرها فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فى الحيوة الدنيا انما يريد الله ان يعذبهم بها فى الآخرة على كسبها وجمعها وحفظها وإنفاقها على وجه غير مشروح وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55) واصل الزهوق الخروج بصعوبة يعنى تخرج أنفسهم متحسرا متاسفا على تركها مشتغلون بالتمتعات عن النظر فى المبدأ والمعاد فيكون ذلك استدراجا والآية دلت على بطلان القول بوجوب الأصلح لانه تعالى اخبر انه اعطى الأموال

ص: 228

والأولاد للتعذيب والاماتة على الكفر.

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ اى من المسلمين وَما هُمْ مِنْكُمْ لكفر قلوبهم وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) يخافون منكم ان تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين.

لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً اى حصنا يلجئون اليه او قوما يأمنون فيهم أَوْ مَغاراتٍ فى الجبال جمع مغارة وهى الغار يعنى الموضع الذي يغور فيه اى يستتر وقال عطاء سراديب أَوْ مُدَّخَلًا أصله مدتخل مفتعل من الدخول اى موضع يدخلون فيه بصعوبته كنفق اليربوع لَوَلَّوْا إِلَيْهِ لادبروا اليه هربا منكم وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) اى يسرعون فى اباء نفور لا يردهم شىء كالفرس الجموح ومعنى الآية انهم كارهون من مصاحبتكم أشد الكراهة لو يجدون مخلصا منكم لفارقوكم.

وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ اى يعيبك يقال لمزه وهمزه إذا عابه قرأ يعقوب بضم الميم حيث كان فِي الصَّدَقاتِ اى قسمتها يعنى يقولون لا تعدل فى القسمة روى الشيخان والبيهقي عن ابن مسعود قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن يوم حنين آثر ناسا من اشراف العرب فقال رجل من الأنصار يعنى من قومهم ان هذه لقسمة ما عدل فيها او ما أريد فيها وجه الله فقلت والله لاخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرته فتغير وجهه حتى صار كالصرف «1» وقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر قال محمد بن عمر الرجل المبهم هو معتب بن قشير المنافق وروى ابن إسحاق عن ابن عمر والشيخان واحمد عن جابر والبيهقي عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يقسم غنائم هوازن إذ قام اليه رجل قال ابن عمر وابو سعيد من تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه صلى الله عليه وسلم قال فكيف رايت قال لم أرك عدلت اعدل وفى رواية فقال الرجل يا رسول الله اعدل فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويلك من يعدل إذا لم اعدل قد خبت وخسرت ان لم أكن اعدل وفى رواية إذا لم يكن العدل عندى فعند من يكون فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله وعنى اقتل هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله

(1) الصرف صيغ يصبغ به الأديم 12 منه.

ص: 229

عليه وسلم معاذ الله ان يتحدث الناس اقتل أصحابي دعه فان له أصحابا يحتضر أحدكم صلوته مع صلوتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر الى نصله فلا يوجد فيه شىء ثم ينظر الى ارصافه فلا يوجد فيه شىء ثم ينظر الى نضيه

«1» فلا يوجد فيه شىء ثم ينظر الى قدده فلا يوجد فيه شىء وقد سبق الفرث والدم آيتهم رجل اسود احدى عضديه مثل ثدي المرأة او مثل البضعة تدرور ويخرجون على خير فرقة من الناس قال ابو سعيد فاشهد انى سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم واشهد ان على ابن ابى طالب قاتلهم وانا معه فامر بذلك الرجل فالتمس فاتى به فنظرت اليه على لعت النبي صلى الله عليه وسلم قال البغوي وصاحب اسباب النزول نزلت الآية فى ذى الخويصرة التميمي يعنى المذكور فى هذا الحديث واسمه خرقوص بن زهير اصل الخوارج فظاهر الآية يابى عن هذا القول لان المذكور فى الآية لمن الصدقات وقصتها ذى الخويصرة التميمي ومعتب بن قشير المذكورين فى الحديثين الصحيحين المذكورين فى قسمة غنائم حنين وهذه الآية نزلت فى غزوة تبوك بعد غزوة حنين وعندى الآية نزلت فى قسمة صدقات جاء بها المسلمون لتجهيز جيش العسرة والله اعلم وقال الكلبي نزلت الاية فى رجل من المنافقين يقال له ابو الحواص قال لم يقسم بالسوية قال الله تعالى فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) إذا للمفاجات نائب مناب الفاء الجزائية قيل معناه وان اعطوا كثيرا رضوا وفرحوا وان اعطوا قليلا سخطوا نظرا الى قوله تعالى.

وَلَوْ ثبت أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يعنى بما أعطاهم الرسول من الصدقة والغنيمة وذكر الله تعالى للتعظيم والتنبيه على ان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان بامره تعالى وعلى انه يجب الرضا والتسليم بما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما يجب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ كفانا من فضله سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من وجه آخر ما يحتاج اليه وَرَسُولُهُ من صدقة او غنيمة اخرى إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) فى ان يغنينا من فضله والاية بأسرها

(1) وهو قدحيه.

ص: 230

فى حيز الشرط والجواب محذوف تقديره لكان خيرا لهم ثم بين مصارف الصدقات قطعا لاطماع رجال كانوا يطمعون فيها ولم يكونوا من أهلها وتصويبا لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال.

إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ قال البيضاوي وهو دليل على ان المراد باللمز لمزهم فى قسمة الزكوة دون الغنائم قلت المراد بالآية والله اعلم ان مصرف الصدقات هم الفقراء فقط دون الأغنياء فالفقير هو المحتاج ضد الغنى سواء كان له قليل من المال او لم يكن وهو أعم من المسكين وغيره من الأصناف وقال اكثر الحنفية الفقير من له مال دون النصاب وما قلت أوفق لمذهب ابى حنيفة رحمه الله حيث يعتبر الفقر فى الغارم والغازي وغيرهما والدليل على ما قلت من عموم الفقر وشموله للاصناف قصة معاذ روى الشيخان واصحاب السنن من حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا الى اليمن قال انك ستاتى قوما اهل كتاب فادعهم الى شهادة ان لا اله الا الله وانى رسول الله فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم ان الله قد افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم ان الله قد افترض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فان هم أطاعوا لذلك فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب وبهذا الحديث اعتبر صفة الايمان فى الزكوة المفروضة فلا يجوز دفع الزكوة الى فقير كافر ذميا كان او حربيا لاجماع وأجاز الزهري وابن شرمة الدفع الى اهل الذمة ويؤيد قول الزهري وابن شبرمة ما روى عن عمر فى قوله تعالى انما الصدقات للفقراء قال هم زمنا اهل الكتاب وقد اضمحل خلافهما بإجماع من بعدهما فان قيل هذا حديث احاد كيف يجوز على اصل ابى حنيفة زيادة الايمان فى الفقراء المنصوصين بنص الكتاب قلنا خص من ذلك الآية الحربي بالإجماع مستندا الى قوله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين فجاز تخصيصه بعد ذلك بخبر الآحاد وجاز دفع الصدقة النافلة الى الذمي اجماعا لقوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين الآية وحديث معاذ فى الزكوة المفروضة خاصة دون النافلة واما الى الحربي فلا يجوز

ص: 231

دفع النافلة ايضا لقوله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم واما الصدقات الواجبة كالفطرة والكفارات والنذور فحكمها حكم المفروضة عند الائمة الثلاثة فانهم لا يفرقون بين الفرض والواجب وعند ابى حنيفة يجوز دفعها الى الذمي لانحطاط درجة الواجب عن الفريضة عنده وعدم شمول حديث معاذ إياها فان معاذا كان عاملا لاخذ الزكوة فحسب والله اعلم وإذا كان الفقير أعم من المسكين وغيره من الأصناف فحينئذ عطف قوله تعالى وَالْمَساكِينِ وما بعده على الفقراء من قبيل عطف الخاص على العام كما فى قوله تعالى حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى فهو لزيادة الاهتمام فلنذكر معانى الألفاظ من المساكين وغيرها حتى يظهر منها وجه الاهتمام بذكرها اما المساكين فالمراد به الفقير الذي لا يسال الناس إلحافا مشتق من السكون والسكينة اى لا يتحرك لاجل السؤال والدليل عليه ما رواه الشيخان فى الصحيحين من حديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين الذي يطوف على الناس يرده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسال الناس فظهر ان المسكين نوع من الفقير وإعطاءه اولى من إعطاء غيره من الفقراء فهو أهم قال الله تعالى للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا والحاف الإلحاح فان قيل قد يطلق المسكين على الفقير السائل ايضا كما فى حديث متفق عليه عن ابى هريرة فى قصة ثلثة من بنى إسرائيل أبرص واقرع وأعمى الحديث بطوله وفيه رجل مسكين قد انقطعت بي الجبال فى سفرى فلا بلاغ لى اليوم الا بالله ثم بك أسألك بالذي اعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا يبلغ وفى سفرى قلنا اما ان يكون فى الحديث السابق بيان المراد من الآية لا بيان الغنى اللغوي واما ان يكون فى الحديث الثاني لفظ المسكين مجاز او ليس المأخوذ فى مفهوم المسكين ان يكون له قليل من المال كما قال به بعض الشافعية ان الفقير من ليس له مال أصلا والمسكين من له قليل من الأعمال لان قوله تعالى فاطعام عشرة مساكين واطعام ستين

ص: 232

مسكينا فى الكفارات المراد به اجماعا الفقير مطلقا سواء كان

له قليل من المال او لم يكن له مال أصلا وايضا قوله تعالى او مسكينا ذا متربته يعنى من لصق بالتراث من فقره يرد قول من قال ان المسكين من له قليل من المال وكذا ليس المأخوذ فى مفهوم المسكين ان لا يكون له مال أصلا كما قال به بعض الحنفية لان قوله تعالى اما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر تدل على ان السفينة كانت لهم ملكا ومع ذلك سماهم الله تعالى مساكين والقول بانها كانت لهم بالاجارة او العارية او اطلق عليهم لفظ المساكين ترحما صرف للنص عن الظاهر بلا دليل وقد يستدل على ان المسكين احسن حالا من الفقير بان النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وذلك متفق عليه من حديث عايشة وفى الباب عن ابى هريرة عند ابى داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم وعندهما من حديث ابى بكرة وابى سعيد وانس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا رواه الترمذي من حديث انس وابن ماجة عن ابى سعيد والجواب ان الفقر المستعاذ منه هو فقر النفس وفى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الغنى غنى النفس او المستعاذ منه فتنة الفقر لا حاله وكذا المسئول ليس نفس المسكنة بل بعض صفاته من الصبر والتوكل والرضا او يقال اسناد حديث انس وابى سعيد ضعيفان كذا قال الحافظ ابن حجر وذكره ابن الجوزي فى الموضوعات لما رأه مباينا للحال الذي مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم لانه كان مكفيا وقد قال الله تعالى ووجدك عائلا فاغنى والله اعلم- وَالْعامِلِينَ عَلَيْها اى على الصدقات عد الله سبحانه من اصناف الفقراء عاملى الصدقة وأعوانهم مجازا سواء كانوا اغنياء او فقراء لانهم وكلاء للفقراء فى أخذ الصدقات وتقسيمها مشغولون بامورهم فيجب عليهم مؤنتهم فهم فقراء حكما واختلفوا فى قدر ما يعطى للعامل من الزكوة فقال الشافعي يعطى له ولاعوانه الثمن من الصدقات قل عمله او كثر بناء على انه يجب عنده صرف الزكوة الى الأصناف الثمانية على السوية وسنذكر الرد عليه وقال ابو حنيفة واكثر الأئمة يعطى له كفاية بقدر عمله فان عمل

ص: 233

يوما يعطى له كفاية يومه وان عمل سنة يعطى له كفاية سنة لانه ليس للغنى حق فى الزكوة وانما يعطى العامل اجر عمله الذي وجب على الفقراء فيعطى ذلك القدر من مال الزكوة الذي هو حقهم ولا يجوز دفع جميع مال الزكوة الى العامل اجماعا وان استغرقت كفاية جميع مال الصدقة بل حينئذ يعطى له النصف لا يزاد عليه إذ لو يعطى اكثر من النصف وللاكثر حكم الكل يكون هو عاملا لنفسه لا للفقراء فيفوت المقصود ولا يجب عليه مؤنته قال الله تعالى وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قال البغوي وهم قسمان قسم مسلمون وقسم كفار فاما المسلمون فقسمان قسم دخلوا فى الإسلام ونيتهم ضعيفة فيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم تألفا كما اعطى عيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس او اسلموا ونيتهم قوية فى الإسلام وهم شرفاء فى قومهم مثل عدى بن حاتم والزبرقان بن بدر فكان يعطيهم تألفا لقومهم وترغيبا لامثالهم فى الإسلام فهولاء يجوز للامام ان يعطيهم من خمس خمس الغنيمة والفى سهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من ذلك ولا يعطيهم من الزكوة والقسم الثاني من المؤلفة المسلمين ان يكون قوم من المسلمين بإزاء قوم كفار فى موضع لا يبلغه جيوش المسلمين الا بمؤنته كثيرة وهم لا يجاهدون اما لضعف نيّتهم او لضعف حالهم فيجوز للامام ان يعطيهم من سهم الغزاة من مال الصدقة وقيل من سهم المؤلفة من الصدقات روى ان عدى بن حاتم جاء أبا بكر بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه فاعطاه أبا بكر منها ثلثين بعيرا اما الكفار من المؤلفة فهو من يخشى شره منهم او يرجى إسلامه فالامام يعطى هذا حذرا من شره ويعطى ذلك ترغيبا له فى الإسلام فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من خمس الخمس كما اعطى صفوان ابن امية لما راى ميله الى الإسلام واما اليوم فقد أعز الله تعالى الإسلام وله الحمد وأغناه عن ان يتالف عليه رجال فلا يعطى مشرك تألفا

بحال وقد قال بهذا كثير من اهل العلم ان المؤلفة منقطعة وسهمهم ساقط روى ذلك عن عكرمة وهو قول الشعبي وبه قال مالك والثوري وإسحاق بن راهويه واصحاب الرأي وقال قوم سهمهم ثابت يروى ذلك عن الحسن وهو

ص: 234

قول الزهري وابى جعفر محمد بن على بن الحسين عليهم السلام وابى ثور وقال احمد يعطون ان احتاج المسلمون الى ذلك انتهى كلامه وفى اكثر الكتب انهم اختلفوا فى حكم المؤلفة قال ابو حنيفة قد سقط منهم المؤلفة قلوبهم لانه تعالى أعز الإسلام واغنى وبه قال مالك وهى رواية عن الشافعي وعن مالك رواية اخرى ان احتيج إليهم فى بلد او ثغر استأنف الامام لوجود العلة وهى رواية عن احمد وقال الشافعي واحمد فى أصح المختار عند اكثر اصحاب الشافعي ما فى المنهاج ان المؤلفة من المصرف قال وهو من اسلم ونيته ضعيفة اوله شرف يتوقع بإعطائه اسلام غيره وقلت وبهذا ظهر ان الشافعي ايضا لا يجوز إعطاء الزكوة للكافر من المؤلفة كما لا يجوز للكافر من الفقراء والمساكين وغيرهم وابو حنيفة ومن معه لا ينكرون إعطاء مسلم فقير من المؤلفة وانما الكلام فى المسلم الغنى من المؤلفة فعند الشافعي يعطى له من الزكوة بناء على زعمه ان الفقر غير معتبر فى سائر الأصناف وعند ابى حنيفة لا يعطى له الزكوة بناء على اعتبار الفقر فى سائر الأصناف فظهر انه لا خلاف بينهم فى ان حكم جواز إعطاء الزكوة للمؤلفة باق غير منسوخ وكيف يحكم بالنسخ مع عدم الناسخ ولو حمل قول ابى حنيفة على إعطاء الكافر من المؤلفة منسوخ لكان له وجه لكن لم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى أحدا من الكفار للايلاف شيئا من الزكوة فان قيل روى مسلم والترمذي عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن امية فى قصة فقال أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم ولانه ابغض الناس الى فما برح يعطينى انه لاحب الناس الى وهذا صريح فى انه كان يعطيهم فى حالة الكفر وقد جزم ابن اثير فى الصحابة انه أعطاه قبل إسلامه قلت قال النووي إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن امية كان من غنائم حنين وصفوان يومئذ كافر قال الحافظ ابن حجر ودعوى الرافعي انه اعطى صفوان ذلك من الزكوة وهم والصواب انه من الغنائم من خمس خمس التي كان للنبى صلى الله عليه وسلم وبذلك جزم البيهقي وابن سيد الناس وابن كثير وغيرهم وقال ابن الهمام فى بيان النسخ أسند الطبراني قول عمر بن الخطاب حين جائه عيينة بن حصين الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن

ص: 235

شاء فليكفر يعنى ليس اليوم مؤلفة واخرج ابن ابى شيبة عن الشعبي انما كانت المؤلفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ولى ابو بكر انقطعت وقال ابن الهمام جاء عيينه والأقرع يطلبان أرضا الى ابى بكر فكتب له الخط فمزقه عمر وقال هذا شىء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم على الإسلام واللآن فقد أعز الله الإسلام واغنى عنكم فان ثبتهم على الإسلام والا فبينا وبينكم السيف فرجعوا الى ابى بكر فقالوا الخليفة أنت أم عمر فقال هو ان شاء ووافقه ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة قلت لا يخفى ان قول عمر لا يحتمل ان يكون ناسخا وليس فى قوله تعالى فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر دلالة على نسخ سهم المؤلفة كيف وهو اقدم نزولا من آية سهم المؤلفة فان سورة التوبة آخر القرآن نزولا وسورة الكهف مكية وليست القصة فى الزكوة بل فى أقطاع الأرض فكيف يحكم بنسخ سهم المؤلفة وإذا ثبت ان حكمه باق غير منسوخ لكن الكافر من المؤلفة ليس بمراد بل الحكم مخصوص بالمسلمين منهم ولذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إعطائه من الزكوة كافرا من المؤلفة فنقول إذا خص الكافر من المؤلفة فلا بد ان يخص الغنى ايضا بالأحاديث الواردة فى عدم حل الزكوة للغنى وبما ذكر فى حديث معاذ قوله صلى الله عليه وسلم توخذ من أغنيائهم وترد الى فقرائهم وإذا خص المسلم الغنى من المؤلفة بقي الحكم فى المؤلفة الفقراء فظهر ان المؤلفة ايضا صنف من الفقراء عطف عليه

عطف الخاص على العام لزيادة الاهتمام قوله تعالى وَفِي الرِّقابِ عدل عن اللام الى فى للايذان بان الاربعة اللاحقة ارسخ فى استحقاق التصدق عليهم من المساكين والعاملين والمؤلفة لان فى للوعاء فنبه على انهم أحقاء بان يوضع فيهم الصدقات والمراد بهم المكاتبين عند ابى حنيفة والشافعي واحمد وهى رواية ابن وهب عن مالك وهم فقراء البتة وانكانت عندهم نصاب لا يكفى لاداء كتابتهم فيعان فى فك رقابهم قال الله فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي أتاكم وقال مالك الرقاب العبيد الأرقاء فعنده يشترى من الزكوة رقبة كاملة فيعتق وهى رواية عن احمد لكنه رجع احمد عنها واحتج مالك بأثر ابن عباس روى ابو عبيدة فى كتاب الأموال من طريق ابى الأشرس

ص: 236

عن مجاهد عنه انه كان لا يرى بأسا ان يعطى الرجل من زكوة ماله فى الحج وان يعتق منه الرقبة أخرجه عن ابى معوية عن الأعمش عنه واخرج عن ابى بكر بن ابى عياش عن الأعمش عن ابى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال أعتق من زكوة مالك قال وتابع أبا معوية عبدة بن سليمان رويناه فى فوايد يحيى بن معين رواية ابى بكر بن على المروزي عن عبده عن الأعمش عن ابى الأشرس ولفظه كان يخرج زكوة ثم يقول جهزونا منها الى الحج وقال الميموني قلت لابى عبد الله يشترى الرجل من زكوة ماله الرقاب فيعتق ويجعل فى ابن السبيل قال نعم ابن عباس يقول ذلك ولا اعلم شيئا يدفعه قال الجلالي أخبرنا احمد بن هاشم قال قال احمد كنت ارى ان يعتق من الزكوة ثم رجعت عن ذلك فاحتج عليه بحديث ابن عباس فقال هو مضطرب ثم عند مالك الولاء للمسلمين وفى رواية عنه الولاء للمعتق قال الحافظ انما وصف احمد اثر ابن عباس بالاضطراب لاختلاف فى اسناده عن الأعمش قال الحافظ وفى تفسير الرقاب قول ثالث ان سهم الرقاب يجعل نصفين نصف لكل مكاتب يدعى الإسلام ونصف يشترى بها رقاب من صلى وصام أخرجه ابن ابى حاتم وابو عبيدة فى الأموال بإسناد صحيح عن الزهري انه كتب ذلك لعمر بن عبد العزيز والله اعلم قلت قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ تأخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم يابى قول مالك فان فى شراء الرقيق لم يوجد الرد

على الفقراء وقول ابن عباس مضطرب كما قال احمد ولو صح فهو رأى ليس برواية فليس بحجة وما ذكرنا فى تفسير الرقاب بالمكاتبين يدل عليه ما أخرجه الطبراني فى تفسيره من طريق محمد بن إسحاق عن الحسن البصري ان مكاتبا قال لابى موسى الأشعري وهو يخطب يوم الجمعة فقال له ايها الأمير حث الناس علىّ فحث عليه ابو موسى فالقى الناس عليه هذا يلقى عمامة وهذا يلقى قلادة وهذا يلقى خاتما حتى القى الناس عليه سوادا كثيرا فلما راى ابو موسى ما القى عليه قال اجمعوه ثم امر به فبيع فاعطى المكاتب مكاتبة ثم اعطى الفضل فى الرقاب ولم يرده على الناس وقال ان هذا أعطوه فى الرقاب فان قيل روى احمد وغيره ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دلنى على عمل يقربنى الى

الجنة ويباعدنى من النار فقال أعتق

ص: 237

النسمة وفك الرقبة فقال اوليسا سواء قال لا عتق الرقبة ان تنفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين فى ثمنها قلت هذا لا يدل على ان فى الرقاب المذكور فى الآية ما قاله مالك والله اعلم وَالْغارِمِينَ وهم المديونون بالاتفاق لكن الشافعي واكثر الائمة جعل المديون على ثلثة اقسام قسم أدانوا أنفسهم من غير معصية فانهم يعطون من الصدقة إذا لم يكن مالهم مال يفى بدينهم فانكان عندهم وفاء فلا يعطون وقسم أدانوا فى المعروف وإصلاح ذات البين فانهم يعطون من الصدقة ويقضى ديونهم وإن كانوا اغنياء وقسم أدانوا فى معصية الله والإسراف فلا يدفع اليه شىء وقال ابو حنيفة رحمه الله يدفع الى كل مديون لم يكن مالكا لنصاب فاضل عن وفاء دينه لعموم اللفظ ولا شك انه فقير فان ماله مشغول بدينه والخلاف فيه كالخلاف فى رخص السفر وكل مديون كان له نصاب فاضل عن وفاء دينه لا يجوز دفع الزكوة اليه عند ابى حنيفة ومالك واحمد خلافا للشافعى فى مديون ادان فى الطاعة قوله تعالى وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ كرر

كلمة فى لترجيح الصنفين للاحقين على الرقاب والغارمين قال الشافعي وابو يوسف وجمهور العلماء المراد به منقطع الغزاة وقال احمد ومحمد بن الحسن منقطع الحاج والحجة لاحمد ما رواه احمد وابو داود من حديث أم معقل قالت كان ابو معقل حاجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم قالت أم معقل قد علمت ان علىّ حجة فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله علىّ حجة وان لابى معقل بكرا فقال ابو معقل صدقة جعلته فى سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطها فلتحج عليه فان الحج فى سبيل الله وفيه ابراهيم بن مهاجر يتكلم فيه وفى بعض الروايات انه كان بعد وفات ابى معقل رواه ابو داود واحمد بسند آخر عن أم معقل قالت لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعل ابو معقل فى سبيل الله وأصابنا مرض وهلك ابو معقل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجته جئته فقال يا أم معقل ما منعك ان تخرجى معنا قالت لقد تهيانا فهلك ابو معقل وكان لنا جمل هو الذي يحج عليه فاوصى به ابو معقل فى سبيل الله قال فهلا خرجت عليه فان الحج فى سبيل الله واحتج الشافعي بحديث

ص: 238

ابى هريرة المتفق عليه وفيه واما خالد فانكم تظلمون خالدا فانه قد احتبس ادراعه واعتده قلت ولما كان الفقر ماخوذا فى جميع الأصناف فالاولى ان لا يخص فى سبيل الله بالحج ولا بالغزو بل يترك أعم منهما ومن ساير أبواب الخير فمن أنفق ماله فى طلبة العلم صدق انه أنفق فى سبيل الله قوله تعالى وَابْنِ السَّبِيلِ وهو المسافر فاعلم ان المسافر اما ان يكون مالكا لنصاب يمنع أخذ الزكاة اولا وعلى الثاني يعطى له الزكوة اتفاقا سواء كان فى أثناء السفر او مريدا للسافر كمن لم يكن مسافرا لكونه فقيرا وعلى التقدير الاول إن كان له مال فى يده بقدر النصاب وبقدر ما يبلغ بلدا يريد دخوله لا يعطى له الزكوة اتفاقا سواء كان فى أثناء السفر اولا وإن كان له مال كثير فى وطنه لا معه وهو فى أثناء السفر فقير يدا ليس عنده ما يبلغ نصابا ولا ما يبلغ به وطنه الذي فيه ماله يعطى له الزكوة اتفاقا وهو المراد بابن السبيل فى هذه الآية عند ابى حنيفة رحمه الله فالفقر المعتبر لاباحة أخذ الزكوة هو الفقر يدا فمالكية المال لا ينافى جواز أخذ الزكوة ان لم يكن المال فى يده فالمقيم فى الوطن الذي له مال فى وطنه بمنزلة ابن السبيل والدائن الذي مديونه مقر مفلس كابن السبيل كذا فى المحيط وإن كان له مال كثير فى وطنه وعنده مال قليل لا يبلغ نصابا لكن يمكن ان يبلغ به مكانه الذي فيه ماله لا يجوز له أخذ الزكوة اتفاقا لانه قادر على الوصول الى ماله فكانه فى يده وإن كان له مال فى يده يبلغ نصابا لكن ليس بقدر ما يقطع به المسافة المقصورة سواء هو فى أثناء السفر او هو مريد للسفر وسواء كان له مال بعيد منه او لا يكون لا يجوز له أخذ الزكوة عند ابى حنيفة وقال الشافعي يجوز لابى حنيفة ان المبيح لاخذ الزكوة انما هو الفقر وهو ليس بفقير وقال الشافعي ارادة السفر ايضا مبيح لاخذ الزكوة ان لم يكن عنده ما يقطع به السفر لان ابن السبيل صنف آخر غير الفقير لا يعتبر فيه الفقر والله اعلم قلت الأصناف السبعة انواع للفقراء والمصرف هم الفقراء ولا يجوز دفع الزكوة الى هؤلاء الأصناف الا بشرط الفقر الا العاملين فانه يجوز اعطائهم وإن كانوا اغنياء فان المعطى لهم حينئذ فى الحقيقة هم الفقراء وهم يأخذون من مال الفقراء ما يجب لهم مؤنتهم عليهم اجرة عملهم لهم ولا تنحصر الفقراء فى هذه الأصناف وانما ذكر الله تعالى هذه

ص: 239

الأصناف اهتماما بها فان لهذا الأصناف مزية على غيرهم من الفقراء فالمراد من الآية والله سبحانه اعلم ان المصرف هم الفقراء لكن الاولى ان يلتمس لاعطاء الزكوة سببا يترجح به المعطى له على غيره من الفقراء فالمسكين الذي لا يسأل الناس اولى من السائلين لكونه أفقر والمسافر الفقير أفقر وأشد حاجة من المقيم والغازي والحاج

والكاتب والمؤلف للاسلام أحرى لان يعطوا من غيرهم لان فى اعطائهم اعانة على الحج الذي هو أحد اركان الإسلام والجهاد الذي هو ذروة سنامه وعلى فك الرقبة الذي هو مفرغ لكثير من الخيرات ولا دلالة فى الآية على ان اسباب المزية منحصرة فى هذه الأمور بل للمزية اسباب غيره ايضا وانما ذكرت هذه الأمور تمثيلا فان منها القرابة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول رواه البخاري من حديث ابى هريرة ومسلم من حديث حكيم بن حزام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا نفقته فى سبيل الله ودينار تصدقته به على رقبة ودينار تصدقته به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها اجرا الذي أنفقته على أهلك رواه مسلم من حديث ابى هريرة وعن ميمونة بنت الحارث انها اعتقت وليدة فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لاجرك متفق عليه وعن سليمان بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذى الرحم ثنتان صدقة وصلة رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وعن انس قال قال ابو طلحة ان أحب مالى الى بيرحاء وانه صدقة لله تعالى ارجوا برها ذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارى ان تجعلها فى الأقربين فقسمها ابو طلحة فى أقاربه وبنى عمه متفق عليه غير انه لا يجوز دفع الزكوة الى من بينها ولادا وزوجية عند ابى حنيفة رحمه الله لان منافع املاكهم متصلة شرعا وعرفا فلا يتحقق التمليك على الكمال قال الله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يعنى بمال خديجة وقال عليه السلام أنت ومالك لابيك قال ابن همام وسائر القرابات غير الولاد يجوز الدفع معه بل اولى لما فيه من

ص: 240

الصلة مع الصدقة فالاخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ولو كان بعضهم فى عياله ولم يفرض القاضي نفقته عليه فدفعها اليه ينوى الزكوة جاز عن الزكوة وان فرضها فدفعها ينوى الزكوة لا يجوز عن الزكوة لانه أداء واجب فى واجب اخر فلا يجوز الا إذا لم يحتسبها فى النفقة لوجود التمليك على الكمال وقال الشافعي ومالك واحمد لا يجوز دفع الزكوة الى من يجب نفقته عليه وعلة المنع عندهم لزوم المئونة ووجوب النفقة على المعطى وقد ذكرنا مسئلة وجوب نفقة الأقارب فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وعلى الوارث مثل ذلك وقال ابو يوسف ومحمد مثل ما قال ابو حنيفة ان علة المنع اتصال الاملاك وذلك فى الولاد والزوجية غير انه يجوز عندهما للزوجة دفع زكوتها الى زوجها على خلاف القياس اتباعا لحديث زينب امراة ابن مسعود قالت كنت فى المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال تصدقن ولو من حليكن وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام فى حجرها فقالت لعبد الله سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزئ عنى ان أنفق عليك وعلى أيتام فى حجرى من الصدقة قال سلى أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار حاجتها مثل حاجتى فمر علينا بلال فقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزئ عنى ان أتصدق على زوجى وأيتام لى فى حجرى وقلنا لا تخبرنا فدخل فساله فقال من هما قال زينب قال اى الزيانب قال امراة عبد الله قال نعم لها أجران اجر القرابة واجر الصدقة رواه البخاري ومسلم والنسائي والطحاوي وغيرهم وفى رواية النسائي على أزواجنا وأيتام فى حجورنا وفى رواية للطيالسى انهم بنو أخيها وبنو أختها وللنساى من طريق علقمة لاحدهما فضل مال وفى حجرها بنو أخ لها أيتام وللاخرى فضل مال ولها زوج خفيف «1» ذات اليد قالا قولها أيجزي عنى يدل على ان الصدقة كانت واجبة لان الاجزاء انما يستعمل فى الواجبة وأجاب الحنفية بان ذلك كان فى الصدقة النافلة لانها هى التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول

«2» بالموعظة والحث عليها وقولها يجزى وإن كان فى عرف الفقهاء الحادث

(1) اى فقير قليل المال والحظ من الدنيا 12.

(2)

اى يتعهد من قولهم فلان خائل مال وهو الذي يصلحه ويقوم 12.

ص: 241

لا يستعمل غالبا الا فى الواجب لكن فى ألفاظهم لما هو أعم من الفضل لانه بمعنى الكفاية فالمعنى هل يكفى التصدق عليه فى تحقق مسمى الصدقة وتحقيق مقصودها من التقرب الى الله فسلم القياس من المعارضة واحتج الطحاوي على هذا التأويل يعنى ان الصدقة فى الحديث صدقة التطوع بروايات اخرى روى الطحاوي بسنده عن رابطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود وكانت امراة صنعاء وليس لعبد الله بن مسعود مال وكانت تنفق عليه وعلى ولده منها فقالت لقد شغلتنى والله أنت وولدك عن الصدقة فما أستطيع معكم بشئ فقال ما أحب ان لم يكن لك فى ذلك اجر ان تفعلى فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم هى وهو فقالت يا رسول الله اننى امراة ذات صنعة أبيع منها وليس لولدى ولا لزوجى شىء فيشغلونى ولا أتصدق فهل فيهم اجر فقال فى ذلك اجر ما أنفقت عليهم فانفقى عليهم قال الطحاوي رابطة هذه هى زينب امراة عبد الله إذ لا يعلم ان عبد الله كانت له امرأة غيرها فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي بطريقين عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الصبح يوما فاتى على النساء فى المسجد فقال يا معشر النساء ما رايت من ناقصات عقل ودين اذهب لعقول ذوى الألباب منكن وانى قد رايت انكن اكثر اهل النار يوم القيامة فتقربن الى الله عز وجل بما استطعتن وكانت فى النساء امرأة ابن مسعود فانقليت الى ابن مسعود فاخبرته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت جلبابها فقال ابن مسعود اين تذهبين بهذا الحلي فقالت أتقرب به الى الله عز وجل والى رسوله صلى الله عليه وسلم لعل الله لا يجعلنى من اهل النار قال هلمى ويلك تصدقى به علىّ وعلى ولدىّ فقالت لا والله حتى اذهب به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقى به عليه وعلى بنيه فانهم له موضع وروى البخاري من حديث ابى سعيد الخدري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اضحى او فطر الى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال ايها الناس تصدقوا فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فانى اريتكن اكثر اهل النار قلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث الى ان

ص: 242

قالت امراة ابن مسعود عندى حلى فاردت ان أتصدق به فزعم ابن مسعود انه وولده أحق من تصدقت به عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم قال الطحاوي هذه الروايات تدل على كون الصدقة نافلة لان فى الحديث الاول كنت امراة صنعاء اصنع بيدي فابيع من ذلك وذلك صريح انها لم تكن مالكة نصاب يجب فيه الزكوة والحديث الثاني يدل على انها تصدقت بكل الحلي وذلك من التطوع دون الزكوة ولان الأحاديث الثلاثة تدل على جواز دفع صدقتها على ولدها وقد اجمعوا على انه لا يجوز للمرأة ان ينفق على ولدها من زكوتها وأجاب الحافظ ابن حجر عن الاستدلال الطحاوي بان إجماعهم على انه لا يجوز للمرأة ان ينفق على ولدها من زكوتها ممنوع لان المانع من إعطاء الزكوة عند الجمهور وجوب نفقة المعطى له على المعطى والا لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه وعن الاستدلال يتصدق كل الحلي ان كل الحلي يمكن ان يكون قدر الواجب الذي وجب إخراجه عليها قلت حمل أحاديث امراة ابن مسعود على قصة واحدة تكلف والظاهر انها قصتان بل قصص كذا قال الحافظ لان قصة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المصلى فى اضحى او فطر غير قصة وعظه صلى الله عليه وسلم بعد الانصراف من صلوة الصبح فى المسجد وقصة الانفاق على أيتام هم بنو أخيها وأختها غير قصة إنفاقها على أولادها وفى بعض الطرق قال ابن مسعود تصدقى علىّ وعلى أولادي وفى بعضها ما أحب ان لم يكن لك فى ذلك اجر ان تفعلى وإذا فرضناها قصتان فالظاهر ان السؤال فى أحدها عن الصدقة الواجبة إذ بعد العلم بالحكم فى الصدقة التطوع لا يحتمل ان تسأل زينب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصدقة التطوع مرة ثانية

وايضا اطلاق قوله صلى الله عليه وسلم نعم لها أجران فى جواب قولها أيجزئ عنى ان أتصدق على زوجى من غير فصل يدل على عموم اجزاء الصدقة والله اعلم- ومن اسباب المزية الجوار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه رواه احمد والبخاري ومسلم وابو داود والترمذي وكذا روى احمد والشيخان واصحاب السنن عن عايشة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طبخت مرقة فاكثر مائها وتعاهد

ص: 243

جيرانك رواه مسلم عن ابى ذر ومنها شدة الحاجة لاجل العيال او نحوها عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ان تشيع كبدا جايعا رواه البيهقي فى شغب الايمان ومنها سوال السائل قال الله تعالى واما السائل فلا تنهر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وان جاء على فرس رواه احمد وابو داود وايضا بسند صحيح عن الحسين وابو داود عن على والطبراني عن الهرماس بن زياد وعن أم بجيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا السائل ولو بظلف محرق رواه مالك والنسائي ورواه الترمذي وابو داود مرسلا وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أخبركم بشر الناس رجل يسال بالله ولا يعطى به ومنها اليتم والاسر قال الله تعالى يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وغيرها من اسباب المزية يعرف بالآيات والأحاديث وما رويت ان الأصناف كلها اصناف للفقراء يوافق رأى ابى حنيفة واكثر الائمة حيث شرطوا الفقر فى جميع الأصناف وقال الشافعي الأصناف الثمانية المذكورة كل منها مستحق للزكوة برأسها ولا يعتبر فى جميعها الفقر بل يجوز ان يعطى للمولف والمكاتب والمديون والغازي وابن السبيل مع كونهم اغنياء واحتج على ذلك بحديث عطاء بن يسار مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى الا لخمسة لغازى فى سبيل الله او لعامل عليها او لغارم او لرجل اشتراها بماله او لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فاهدى المسكين للغنى رواه مالك وابو داود قلت فى هذا الحديث اضطراب فى السند والمتن اما السند فاختلف على زيد بن اسلم فقيل عنه عن عطاء مرسلا كما قال مالك فى الموطإ وروى عنه ابو داود وقيل عن زيد قال حدثنى الليث وقيل عن زيد عن عطاء عن ابى سعيد ذكر الروايات ابو داود وأماني المتن ففى الرواية المذكورة كما ذكرنا وفى رواية لابى داود عن عمران البارقي عن عطية عن ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى الا فى سبيل الله عز وجل او ابن السبيل او جاز فقير تصدق عليه فهدى لك او يدعوك قال ابن همام هذا الحديث قيل لم يثبت ولو ثبت لم يقوقوة حديث معاذ فانه رواه اصحاب الكتب الستة ولو قوى قوته ترجح حديث معاذ بانه مانع وهذا مبيح مع انه دخله التأويل عندهم حيث قيدوا اباحة الاخذ للغازى بان لا يكون له

ص: 244

شىء فى الديوان ولا أخذ من الفيء وهو أعم من ذلك وذلك يضعّف الدلالة بالنسبة الى ما لا يدخله التأويل وحديث زياد بن الحارث الصدائ قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فذكر حديثا طويلا وفيه فاتاه رجل فقال أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى لم يرض بحكم نبى ولا غيره فى الصدقات حتى حكم فيها فجزاها ثمانية اجزاء فان كنت من تلك الاجزاء أعطيتك رواه ابو داود قلت الحديث ضعيف لانه من رواية عبد الله بن عمر بن غانم الافريقى قال الذهبي مجهول الحال واتهمه ابن حبان وشيخه عبد الرحمن بن زياد ضعفه ابن معين والنسائي وقال الدار قطنى ليس بالقوى دوهاه احمد بن حنبل وإذا كان المصرف الفقراء والأصناف الباقية انواع منه فعلى هذا لا شبهة فى جواز دفع جميع مال الزكوة الى صنف واحد منها او الى شخص واحد وكذا لو فرضناها أصنافا مغايرة للفقراء وقال الشافعي لا يجوز صرفها الى بعضهم مع وجود ساير الأصناف فعنده يجب استيعاب الأصناف ان

قسم الامام وهناك عامل والا فالقسمة على سبعة سوى العامل وذكر البغوي انه يقسم على ستة اصناف لاجل سقوط سهم المؤلفة فان فقد بعضهم فعلى الموجودين ويجب التسوية بين الأصناف فى حصة كل صنف فاذا قسم الامام استوعب من الزكوة الحاصلة عنده احاد كل صنف وكذا يستوعب المالك ان انحصر المستحقون فى البلد ووفى بهم المال والا فيجب إعطاء ثلثة ان وجد منهم ثلثا او اكثر فان لم يجد من بعض الأصناف الا واحد اصرف حصة ذلك الصنف اليه ما لم يخرج عن حد الاستحقاق فاذا انتهت حاجته وفضل شىء رده الى الباقين ويجب التسوية بين الأصناف لا بين احاد الصنف الا ان يقسم الامام فيحرم عليه التفصيل مع تساوى الحاجات قال الشافعي فى الام اللام فى قوله تعالى للفقراء للاستحقاق فقد ذكر الله سبحانه الاستحقاق لثمانية اصناف فوجب إعطاء كل صنف وذكر كل صنف بلفظ الجمع المحلى بلام الاستغراق فيجب استيعاب افراد كل صنف ان أمكن ذلك بان كان افراد كل صنف منحصرة فى البلد وكان المال يفى بهم وان لم يمكن الاستيعاب يصرف الى ثلثة لبقاء الجمعية على حالها قلنا لام التعريف فى الآية ليست للاستغراق للاجماع على انه لا يجب صرف كل صدقة على فقراء العالم وتخصيص الاستغراق بفقراء بلده امر اختراعى وايضا إذا

ص: 245

لم يمكن حصر فقراء البلد ولا يجب صرف الزكوة الى جماعة اكثر من الثلاثة اجماعا ولو كان اللام للاستغراق لوجب استيعاب الكل او استيعاب ما أمكن منهم مثلا لو كان مائة درهم حصة كل صنف ولا يمكن حصر فقراء البلد فلا بد ان يجب الصرف الى مائة فقير مثلا لا الاقتصار على ثلثة فظهر ان اللام للجنش ولام الجنس ينافى الجمعية فالمعنى يستحقها جنس الفقير اى فرد كان ولو سلمنا ان الجمعية باق فمقابلة الجمع بالجمع يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد وايضا كون لام الجر للاستحقاق ممنوع بل حقيقة اللام للاختصاص والاختصاص أعم من الملك والاستحقاق وكونهم مصر فادون غيرهم ويدل على ما ذهبنا اليه الأحاديث والآثار منها ما رواه البيهقي والطبراني عن ابن عباس وابن ابى شيبة عن عمر فى اى صنف وضعته أجزأك وروى الطبراني عن عمر انه كان يأخذ الفرض من الصدقة فيجعله فى صنف واحد قال ابو عبيدة فى كتاب الأموال ومما يدل على صحة ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بعد ذلك مال فجعله فى صنف واحد وهم المؤلفة قلوبهم اقرع بن حابس وعيينة بن حصين وعلقمة بن علاثه وزيد بن الجبل قسم فيهم الذهيبة التي بعثها معاذ من اليمن وانما يوخذ من اهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر فجعله فى صنف آخروهم الغارمون فقال لقبيصة بن المخارق حين أتاه وقد تحمل حمالة يا قبيصة أقم حتى يأتينا الصدقة فنامر لك بها قال ابن همام ولم يرو عن غيرهم ما يخالفهم قولا ولا فعلا قال البيضاوي وعن عمرو حذيفة وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم جواز صرفها الى صنف واحد وبه قال الائمة الثلاثة واختاره بعض أصحابنا يعنى الشافعية وبه كان يفتى شيخى ووالدي رحمه الله على ان الآية بيان ان الصدقة لا يخرج منهم لا إيجاب قسمتها عليهم- (مسئلة) لا يجوز دفع الزكوة الى غنى ليس من الأصناف المذكورة اجماعا واما الغنى من الأصناف المذكورة فقد مر الخلاف فيه واختلفوا فى حد الغنى الذي لا يجوز له أخذ الزكوة فقال ابو حنيفة هو الذي يملك نصابا من اى مال كان وقال بعض العلماء من وجد ما يغد به ويغشيه لا يحل له الزكوة لقوله صلى الله عليه وسلم من سال وعنده ما يغنيه فانما يستكثر من النار وفى رواية من نار جهنم فقالوا يا رسول الله وما يغنيه وفى رواية وما الغناء الذي

ص: 246

لا ينبغى معه المسألة قال قدر ما يغديه ويعشيه رواه ابو داود من حديث سهيل بن حنظله وصححه ابن حبان وقال بعضهم من ملك أربعين درهما لا يحل له الزكوة لحديث ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال وله قيمة اوقية فقد الحف فقلت ناقتى الياقوتة هى خير من اوقية فرجعت فلم اساله زاد هشام وكانت الاوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما رواه ابو

داود والنسائي وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال وله أربعون درهما فهو الملحف وقال بعضهم من ملك خمسين درهما لم يحل له الصدقة وهى رواية عن احمد وبه قال إسحاق وابو ثور لحديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وخموش «1» او خدوش او كدوح فى وجهه فقيل يا رسول الله ما الغنى قال خمسون درهما او قيمتها من الذهب رواه ابو داود والنسائي وغيرهما والحديث ضعيف والجواب ان ما ذكرتم من الأحاديث يدل على حرمة السؤال لمن يجد ما يغديه ويعشيه او أربعين درهما او خمسين لا عدم جواز أخذ الزكوة بغير سوال ونحن نقول بان من يجد ما يكفيه فى وقته لا يحل له السؤال لكن لو أعطاه أحد صدقة بلا سوال جاز له أخذها لما فى الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينى العطاء فاقول أعطه من هو أفقر منى فقال خذه إذا جاءك من هذا المال شىء وأنت غير مشرف «2» ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك فان هذا الحديث يدل على ان عمر كان يجد ما يغديه وما يعشيه والا لكان هو أفقر الناس وقد امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ الصدقة من غير سوال وقال مالك والشافعي واحمد الاعتبار فى حرمة الزكوة بالكفاية فله ان يأخذ مع عدمها وإن كان له قنطار وليس له ان يأخذها مع وجودها وان قل ماله فيكون الرجل غنيا بدرهم مع الكسب وقد لا يغنيه الف مع ضعفه وكثرة عياله وذكر البغوي مذهب مالك والشافعي ان يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة لحديث فبيصة بن مخارق عن رسول

(1) خموش خدوش كدوح بمعنى خراشها با اندك تفاوت 12.

(2)

يقال أشرفت الشيء وأشرفت عليه اى اطلعت عليه من فوق أراد ما جاءك منه وأنت غير متطلع لا طامع فيه 12.

ص: 247

الله صلى الله عليه وسلم انه قال المسألة لا يحل الا لثلثة رجل تحمل حمالة قوم فسأل فيها حتى يوديها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة «1» اجتاحت ماله فسأل فيها حتى يصيب قواما من عيش ثم يمسك ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلثة من ذى الحجى من قومه لقد أصابت فلان فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا رواه مسلم وحديث حسين بن على بن ابى طالب عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وان جاء على الفرس رواه احمد وابو داود وغيرهما وجه الاحتجاج ان الحديث الاول يدل على ان اباحة السؤال ينتهى بان يصيب قواما من عيش وهو الكفاية فمن كان له نكاية ولو لم يكن له أربعون درهما لا يحل له الصدقة والحديث الثاني يدل على ان السائل وان كان على فرس فله حق ولا شك ان ذلك مع الحاجة فظهر ان من كان له حاجة وكان له ما كان الف درهم مثلا جاز الا عطاء له والجواب ان هذين الحديثين لا مساس لهما بالمدعى لان الحديث الاول فى اباحة السؤال وحرمته وحاصلة ان السؤال بلا حاجة حرام ومع الحاجة جايز فمن أصابته فاقة يسأل حتى يصيب قواما من عيش قلت وذا بكفاية يوم وليلة كما فى حديث سهيل بن حنظلة فاذا أصاب قواما من عيش لا يحل له المسألة ويحل له الصدقة ان اعطى بلا سوال لعموم قوله تعالى الصدقات للفقراء واما الحديث الثاني ففى بيان حق السائل وقوله ولو جاء على الفرس محمول على المبالغة وايضا الفرس قد يكون من حوائجه الاصلية إذا كان الرجل غازيا وقد يكون صاحب الفرس مديونا وقد لا يبلغه فرسه نصابا وبمثل هذه الدلالة مع ما ذكرنا من الاحتمالات لا يمكن ان يقال لجواز الإعطاء من الزكوة الغنى مع النصوص القاطعة على منعه وقال ابو حنيفة الغنى من لا يكون له نصابا فاضلا عن حوائجه الاصلية لحديث معاذ تأخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فانه يدل على ان من يردّ عليه غير من يوخذ منه فثبت انه من يجب عليه الزكوة لا يجوز الدفع اليه غير انه لا فرق فى المال النامي وغير النامي فى المنع عن دفع الزكوة اليه لما ثبت فى حديث ابى سعيد وغيره ان الاوقية وما يكون على قيمته حكمهما سواء وانما الفرق بينهما فى وجوب الزكوة لقوله عليه السلام

(1) جائحة آونة التي يهلك الثمار 12.

ص: 248

ليس فى العوامل ولا فى الحوامل ولا فى العلوفة صدقة فظهر ان الله سبحانه جعل القدرة الميسرة شرط الوجوب الزكوة وانما شرطنا فى المنع من إعطاء الزكوة اليه كون النصاب فارغا عن حوائجه الاصلية لان النصاب المشغول بالحاجة كالمعدوم نظيره جواز التيمم مع وجود الماء المعد للعطش فجاز للمديون المالك للنصاب أخذ الزكوة إذا لم يكن نصابه فاضلا عن دينه وكذا الغازي وابن السبيل وفرس يركبه يبلغ نصابا او عالم له كتب يحتاج إليها فى المطالعة والتدريس او رجل له بيت يبلغ نصابا يسكنه وهذا محمل قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى الا لخمسة الغازي فى سبيل الله والغارم وابن السبيل والله اعلم- (مسئلة) الفقير إذا كان قادرا على الكفاية بالكسب يجوز دفع الزكوة اليه لعموم قوله تعالى انما الصدقات للفقراء وقال الشافعي واحمد لا يجوز لحديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سوى رواه احمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ورواه ابو داود والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمر بن العاص بسند حسن ورواه الدار قطنى فى العلل وابو يعلى عن طلحة وحديث جابر قال جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة فركبه الناس فقال ايها الناس لا يصلح لغنى ولا لصحيح سوى ولا نعامل قوى رواه احمد والدار قطنى وحديث عبيد الله بن عدى ان رجلين أخبراه انهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر ورأهما جلدين فقال ان شئتما اعطيتكما ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب رواه احمد وابو داود ونسائى وقال صاحب التنقيح حديث صحيح وقال احمد ما أجوده من حديث هو أحسنها اسنادا وفى الباب عن ابن عمر فى كامل ابن عدى وعن حبشى بن جنادة فى سنن الترمذي ورواه احمد من طريق ابى زميل عن رجل من بنى هلال به وعن عبد الرحمن فى الطبراني قلنا قوله صلى الله عليه وسلم ان شئتما اعطيتكما ولا حظ فيها لغنى صريح فى انه يجوز دفع الزكوة الى فقير قوى والا لم يقل ان شيئتما اعطيتكما ولنا ايضا حديث عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينى العطاء فاقول أعطه من هو أفقر اليه منى قال خذه إذا جاءك من هذا المال شىء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه

ص: 249

نفسك متفق عليه من حديث سالم عن ابن عمر عنه وفى رواية لمسلم خذه فتموله وتصدق به قال سالم فمن ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه فان قيل ان عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر كان بسبب العمالة لا لاجل الفقر ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم خذه فتموله وتصدق به لما روى مسلم عن ابى حميد الساعدي انه قال استعملني عمر بن الخطاب على الصدقة فلما فرغت منها وأديتها اليه أمرني بعمالة فقلت انما عملت لله اجرى على الله فقال خذ ما أعطيت فانى عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملنى فقلت مثل قولك فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعطيت شيئا من غير ان تسأل فكل وتصدق قلت العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص الحادثة واللفظ عام إذا جاءك من هذا المال شىء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومن تتبع الأحاديث ظهر له صراحة او دلالة ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى من سأل الصدقة وهو صحيح سوى روى مسلم من حديث انس قال كنت امشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجرانى غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة نظرت الى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لى من مال الله الذي عندك فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم امر له بعطاء قال الحافظ ابن حجر واكثر أحاديث الباب شاهدة لذلك وقلت وما ذكرنا من الأحاديث جملتها تدل على ان دفع الصدقة الى فقير قوى يجوز سواء سأل الفقير او لا

يجوز له ان لم يكن بسوال لكن يكره له السؤال والاخذ بالسؤال فنفى حل الصدقة فى قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل الصدقة لذى مرة سوى يرجع الى نفى حل السؤال ونفى حل الصدقة التي تعطى بالسؤال والظاهر ان الأحاديث التي ينفى الحل وردت فى حادثة السؤال والله اعلم- (مسئلة) لم يكن الصدقة حلالا للنبى صلى الله عليه وسلم لا واجبة ولا نافلة عند اكثر الأئمة وحكى عن الشافعي فى التطوع قولان وكذا فى رواية احمد والحجة للجمهور حديث انس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة فى الطريق فقال لولا انى أخاف ان يكون من الصدقة لاكلتها متفق عليه وحديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتى به بطعام

ص: 250

سأل عنه أهدية أم صدقة فان قيل صدقة قال لاصحابه كلوا ولم يأكل وان قيل هدية ضرب بيده فاكله معهم متفق عليه وروى الطحاوي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده نحوه وكذا لآل محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن الصدقة حلال لحديث ابى هريرة قال أخذ الحسن بن على تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ليطرحها ثم قال اما شعرت انا لا ناكل الصدقة متفق عليه- (مسئلة) اختلفوا فى تحريم الصدقة على أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على اربعة اقوال الاول الجواز مطلقا فريضة كانت او نافلة وهى رواية عن ابى حنيفة ورواية عن مالك وهذا قول لا يصاعده دليل شرعى غير انهم يقولون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل خمس الخمس من الغنيمة لاقاربه عوضا عن الصدقة فلما سقط خمس الخمس بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط حرمة الصدقة الثاني المنع مطلقا فريضة كانت او نافلة وبه قال ابو يوسف ومحمد واختاره الطحاوي وابن همام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم انا آل محمد لا ناكل الصدقة وفى رواية لا يحل لنا الصدقة رواه مسلم والطبراني والطحاوي من حديث عبد الرحمن بن ابى ليلى ومن حديث رشد بن مالك وكذا عند احمد والطحاوي فى قصة الحسن بن على من حديث الحسن نفسه الثالث جواز الفريضة دون النافلة ولم يذهب اليه غير مالك يقول ان الواجب حق لازم لا يلحق بأخذه ذلة بخلاف التطوع وهذا القول مردود بما ذكرنا من الأحاديث الرابع جواز النافلة دون الفريضة وهو المشهور من مذهب ابى حنيفة والمصحح عند الشافعي والحنابلة ورواية عن مالك فعن مالك اربعة اقوال كلها مشهور وجه هذا لقول ان الأحاديث المذكورة محمولة على الصدقة المفروضة وكذا حديث المطلب بن ربيعة بن الحارث قال اجتمع ربيعة والعباس بن عبد المطلب فقالا لو بعثنا هذين الغلامين لى وللفضل بن عباس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهما على هذه الصدقة فاصابا مما يصيب الناس فقال على لا ترسلوهما فانطلقنا حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ عند زينب بنت حجش فقلنا يا رسول الله قد بلغنا النكاح وأنت ابر الناس وأوصل الناس جئناك لتامرنا

ص: 251

على هذه الصدقة فنؤدى إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون قال فسكت طويلا ثم قال ان الصدقة لا ينبغي لال محمد انما هى أوساخ الناس ادعو الى محمية بن جزء رجلا من بنى اسد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمله على الأخماس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فقال لمحمية انكح هذا الغلام ابنتك للفضل «1» ابن العباس فانكحه وقال لنوفل بن الحارث انكح هذا الغلام ابنتك فانكحنى فقال لمحمية اصدق عنهما من الخمس كذا وكذا رواه مسلم وهذا الحديث يدل على انه لا يحل الصدقة للهاشمى وإن كان عاملا على الصدقات على طريق العمالة ايضا فكيف إذا لم يكن عاملا لكن الحديث فى الصدقة المفروضة لانها هى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الناس لاخذها والدليل على جواز الصدقة ما رواه الطحاوي من حديث ابن عباس قال قدمت عير المدينة فاشترى منه النبي صلى الله عليه وسلم متاعا فباعه بربح أواق فضة فتصدق بها على أرامل بنى عبد المطلب ثم قال لا أعود ان اشترى بعدها شيئا وليس ثمنه عندى وما رواه

الشافعي عن ابراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام انه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقال أتشرب من الصدقة قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة والقول بان حكم صدقات الأوقاف خلاف حكم سائر الصدقات امر لا دليل عليه وايضا لو كان كذلك لقال الامام حكم صدقات الأوقاف خلاف حكم سائر الصدقات ولم يقل كذلك بل قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة وما روى البخاري وغيره قوله صلى الله عليه وسلم لا تورث ما تركناه صدقة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى اهل بيته فى حياته نفقة سنتهم وما بقي يجعله مجعل مال الله وكذلك كان ابو بكر وعمرو على وعباس بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملون بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر انه ليس كل صدقة على بنى هاشم حراما- (مسئلة) لا يجوز للهاشمى ان يأخذ الزكوة من الهاشمي عند اكثر الائمة وقال ابو يوسف جاز ذلك لان الصدقة انما حرم عليهم لانها من أوساخ الناس والمراد بالناس غيرهم فلا بأس لو أكلوا صدقات أنفسهم قلنا شرفهم يقتضى حرمة أوساخ الناس عليهم كلهم هاشميا كان او غيرهم مسئلة الذين يحرم عليهم الصدقة هم بنو هاشم خمسة بطون ال على وعباس

(1) للفضل ابن العباس فانكحه وقال لنوفل بن الحارث انكح هذا الغلام ابنتك 12.

ص: 252

وجعفر وعقيل والحارث بن عبد المطلب عند ابى حنيفة ومالك وقال الشافعي بنو المطلب ايضا معهم حيث اشركهم النبي صلى الله عليه وسلم فى سهم ذوى القربى من الخمس كما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم فى مسائل الخمس- (مسئلة) ويحرم الزكوة على مواليهم عند ابى حنيفة ومحمد وهو الأصح من مذهب الشافعي ومالك وقال بعضهم لا يحرم على مواليهم وقال ابو يوسف لا يصرف غير بنى هاشم الى مواليهم لنا حديث ابى رافع ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فقال لابى رافع الا تصحبنى فتصيب منها قال فقلت حتى اذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال انا آل محمد لا يحل لنا الصدقة وان مولى القوم منهم رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم ورواه الطبراني من حديث ابن عباس واسم الى رافع أرقم بن ابى الأرقم والله اعلم- (مسئلة) يكره نقل الصدقة من بلد الى بلد آخر لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ توخذ من أغنيائهم وترد على فقرأهم وحكى عن عمر بن عبد العزيز انه رد صدقة حملت من خراسان الى الشام الى مكانها من خراسان قوله تعالى فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد لما دل عليه الآية اى فرض لهم الصدقات فريضة او حال من الضمير المستكن فى الفقراء وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمصلحة حَكِيمٌ (60) فى القسمة يضع الأشياء فى مواضعها والله اعلم- اخرج ابن ابى شيبة وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن مجاهد واخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن الصامت ومخشى بن حمير ووديعة بن ثابت فارادوا ان يقعوا فى النبي صلى الله عليه وسلم فنهى بعضهم بعضا وقالوا انا نخاف ان يبلغ محمدا فيقع لكم فقال بعضهم انما محمد اذن نحلف فيصدقنا قال الخلاس بل نقول ما شئنا ثم ناتيه وننكو ما قلنا وتحلف فيصدقنا بما نقول فانما محمد اذن فانزل الله تعالى.

وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ اى يغتابونه ويتقولون حديثه ويقولون فيه ما لا ينبغى وَيَقُولُونَ إذا نهوا عن ذلك لئلا يبلغه صلى الله عليه وسلم هُوَ يعنى النبي صلى الله عليه وسلم أُذُنٌ اى يسمع كل ما يقال له ويصدقه سمى بالجارحة

ص: 253

للمبالغة كانه من فرط استماعه صار جملته فمعز الدولة للسماع كما يسمى الجاسوس عينا او تقديره ذو اذن سامعة او يقال اذن مشتق فعل من اذن اذنا إذا استمع واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس اليه يسمع وينقل حديثه الى المنافقين فانزل الله هذه الآية وقال محمد بن إسحاق كان نبتل رجلا ادلم ثائر «1» الراس احمر العينين اسفع الخدين مشوه الخلق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من أحب ان ينظر الى الشيطان فينظر الى هذا وكان يتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المنافقين فقيل له لا تفعل فقال انما محمد اذن فمن حدثه شيئا صدقه فنقول ما شئنا ثم ناتية ونحلف له فيصدقنا فانزل الله تعالى هذه الاية وقال الله تعالى فى جوابهم قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ قرأ العامة بالاضافة وهو كقولك رجل صدق يريد الجودة والصلاح كانه قيل نعم هو اذن ولكن نعم الاذن هو او المعنى انه مستمع خير لكم وصلاح لا مستمع شر وفساد فيسمع عذر من اعتذر ولا يسمع الغيبة والنميمة ونحو ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن عز كريم والفاجر خبث ليئم رواه ابو داود والترمذي والحاكم وصححه عن ابى هريرة ويجوز ان يريد هو اذن فى الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بإذن فى غير ذلك وقرأ الأعمش والبرجمي عن ابى بكر اذن خير مرفوعين مئوفين على ان خير صفة اذن او خبر ثان يعنى ان يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من ان يكذب قولكم ثم مدحه بقوله يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ اى يصدق لِلْمُؤْمِنِينَ اى لن يظهر الايمان بناء على حسن الظن او المعنى يصدق المؤمنين المخلصين دون المنافقين لكن يقبل اعذارهم إعراضا عنهم عدى فعل الايمان بالباء الى الله لانه قصد ضد الكفر وباللام الى المؤمنين لانه قصد به التصديق لهم ضد تكذيبهم وَرَحْمَةٌ قرأ حمزة بالجر عطفا على خير يعنى اذن خير ورحمة والباقون بالرفع عطفا على اذن لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يعنى لمن اظهر الايمان حيث يقبله ولا يكشف سره وفيه تنبيه على انه ليس يقبل قولكم

(1) ثائر الراس اى منتشر شعر الراس من ثار الشيء يثور إذا انتشر وارتفع ومشوه الخلق قبيحة ومنه شاهت الوجود اى قيمت السفع نوع السواد وليس بالكثير 12.

ص: 254

جهلا يحالكم بل ترفقا وترحما عليكم او المعنى رحمة للذين أمنوا منكم مخلصين حيث استنقذهم من الكفر الى الايمان ويشفع لهم فى الآخرة ويستنقذ من النار الى الجنة.

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) لا يفيد لهم تسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم واعتذارهم قال مقاتل والكلبي نزلت فى رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوه يعتذرون ويحلفون فانزل الله تعالى.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ على معاذيرهم فيما قالوا وتخلفوا لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ عنهم والخطاب للمومنين وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ بالطاعة والإخلاص والضمير راجع الى الله تعالى لان إرضاء الله تعالى لا يتحقق بالايمان الكاذبة بل بالطاعة والإخلاص فالتقدير والله أحق ان يرضوه والرسول كذلك وقيل الضمير راجع الى كل منهما وانما وحد الضمير لانه لا تفاوت بين رضاء الله ورضاء رسوله فكانهما فى حكم شىء واحد وقيل الضمير راجع الى الرسول صلى الله عليه وسلم لان الكلام فى إيذاء الرسول وارضائه إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (22) صدقا شرط حذف جزائه لما يدل عليه السياق يعنى إن كانوا مومنين صدقا فليرضوا الله ورسوله بالطاعة والإخلاص لكنهم لم يرضوا الله ورسوله ولم يخلصوا ايمانهم.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ الضمير للشان مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى يخالف الله ورسوله بالمعصية والتخلف عن الغز وبعد الاستنفار مفاعلة من الحد بمعنى الجانب فان المخالف لاحد يكون فى جانب مغاير لجانبه فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها «1» على حذف الخبر اى الحق ان له نار جهنم او على تكرير ان للتاكيد ويحتمل ان يكون معطوفا على انه ويكون الجواب محذوفا تقديره من يحادد الله ورسوله يهلك ذلِكَ اى دخول النار والهلاك الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) هذه الآية فى مقام التعليل لقوله الله ورسوله

(1) عن يزيد بن هارون انه خطب ابو بكر الصديق فقال فى خطبته يوتى بعيد قد أنعم الله عليه وبسط له فى رزقه وأصح بدنه وقد كفر نعم ربه فوقف بين يدى الله فيقال له ماذا عملت ليومك هذا ما قدمت لنفسك فلا يجده قدم خيرا فيبكى حتى ينفذ الدموع ثم يعيرو يجزى ما ضيع من طاعة الله فينتجب حتى يسقط صدقاته على وجنتيه وكل واحد منهما فرسخ ثم يعير ويجزى حتى يقول يا رب ابعثني الى النار وارخى من مقامى هذا وذلك قوله تعالى ومن يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم الى الاية 12. [.....]

ص: 255

أحق ان يرضوه فان عدم إرضاء الله ومخالفته يفضى الى النار دون عدم إرضاء غيره وما احسن قول الشاعر-

ليتك تحلوا والحيوة مريرة

وليتك ترضى والأنام غضاب

ليت الذي بينى وبينك عامر

وبينى وبين العالمين خراب

وذكر البغوي قول قتادة والسدى ان قوله تعالى يحلفون بالله لكم ليرضوكم نزلت فى جماعة من المنافقين فيهم خلاس بن سويد وقعوا فى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا ان كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير وذكر عامر بن قيس رضى الله عنه هذه المقالة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنذكر القصة فيما بعد إنشاء الله.

يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ يعنى المؤمنين بِما فِي قُلُوبِهِمْ اى قلوب المنافقين من الحسد والعداوة للمؤمنين ويهتك عليهم استارهم ويجوز ان يكون الضمائر للمنافقين فان النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث انه مقرو ومحتج به عليهم قال البغوي كانوا يقولون فيما بينهم ويستترون ويخافون الفضيحة بنزول القران فى شانهم وذلك يدل على انهم كانوا مترددين فى امر الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذرون الفضيحة على تقدير صدقه عليه السلام وقيل انه خبر بمعنى الأمر والمعنى ليحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة وقيل كانوا يقولون ذلك فيما بينهم استهزاء لقوله تعالى قُلِ اسْتَهْزِؤُا امر تهديد إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ اى مظهر ما تَحْذَرُونَ (64) اى ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم او تحذرون إظهاره من مساويكم قال ابن عباس رضى الله عنهما انزل الله تعالى ذكر سبعين رجلا من المنافقين بأسمائهم واسماء آبائهم ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة على المؤمنين لئلا يعير بعضهم بعضا لان أولادهم كانوا مومنين قال البغوي نزلت هذه الآية فى اثنى عشر رجلا من المنافقين وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها فاخبر جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وسلم (قصّة) ذلك ما روى احمد عن ابى الطفيل والبيهقي عن حذيفه وابن سعد

ص: 256

عن جبير بن مطعم رضى الله عنهم وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن الضحاك والبيهقي عن عروة وعن ابن إسحاق ومحمد بن عمر عن شيوخه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم ان يطرحوه من عقبة فى الطريق وفى رواية اجمعوا ان يقتلوه فجعلوا يلتمسون غرته فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يسلك العقبة أرادوا ان يسلكوها معه قالوا إذا أخذ فى العقبة رفعناه عن راحلته فى الوادي فاخبر الله تعالى رسوله بمكرهم فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العقبة نادى مناديه للناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ للعقبة فلا يأخذها واحد واسلكوا بطن الوادي فانه أسهل لكم وأوسع فسلك الناس بطن الوادي الا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا «1» وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وامر عمار بن ياسر ان يأخذ بزمام الناقة ويقودها وامر حذيفة بن اليمان ان يسوق من خلفه فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير فى العقبة إذ سمع حس القوم فدعسوه «2» فنفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط بعض متاعه وكان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وكانت ليلة مظلمة قال حمزة فتور لى فى أصابعي الخمس وأضاءت حتى كنا نجمع ما سقط السوط والحبل واشباههما وامر حذيفة ان يردهم فرجع حذيفة إليهم وقد رأى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم وقال إليكم إليكم يا اعداء الله فعلم القوم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس واقبل حذيفة حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار فاسرعوا حتى استويا بأعلاها وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقبة ينتظر الناس وقال لحذيفة هل عرفت أحدا من أولئك الذين رددتهم قال يا رسول الله قد عرفت رواحلهم كان القوم متلثمين فلم ابصرهم من أجل ظلمة الليل قال هل علمتم ما كان من شانهم وما أرادوا قالوا لا والله يا رسول الله قال فانهم مكروا ليسيروا معى فاذا طلعت العقبة

(1) تلثموا اى شد الفم باللثام للغبار 12.

(2)

الداعسه المطاعنة بالرماح 12.

ص: 257

رهونى فطرحونى منها ان الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم واسماء آبائهم ومما خبركم بهم إنشاء الله تعالى قال أفلا تأمرهم يا رسول الله إذا جاءك الناس ان تضرب أعناقهم قال اكره ان يتحدث الناس ويقولوا ان محمدا قد وضع يده فى أصحابه وذكر البغوي بلفظ اكره ان يقول العرب لما ظفر بأصحابه اقبل يقتلهم بل يكفينا الله بالدبيلة «1» فسماهم لهما ثم قال اكتماهم فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أسيد بن الحضير يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من العقبة فقال يا أبا يحى أتدري ما أراد بي المنافقون وما هموا به قالوا لتبعه فى العقبة فاذا اظلم الليل عليه قطعوا الشاع راحلتى وتحسوها حتى كادوا يطرحونى عن راحلتى قال أسيد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اجتمع الناس ونزلوا فمر كل بطن ان يقتل الرجل الذي هم بهذا فيكون الرجل فى عشيرته هو الذي يقتله وان أحببت والذي بعثك بالحق فنبئنى فلا أبرح حتى آتيك برؤسهم قال يا أسيد انى اكره ان يقول الناس ان محمدا لما انقطعت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده فى قتل أصحابه فقال يا رسول الله ليسوا باصحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس يظهرون شهادة ان لا اله الا الله قال بلى ولا شهادة لهم قال فعديت عن قتل أولئك قال ابن إسحاق فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة ادع عبد الله بن سعد بن ابى السرج وأبا حاضر الاعرابى وعامر أبا عامر والحلاس بن سويد بن الصامت وهو الذي قال لا ننتهى حتى نرمى محمدا من العقبة الليلة ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا انّا إذا الغنم وهو الراعي ولا عقل لنا وهو العاقل وامره ان يدعوا مجمع بن حارثة ومليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام فانطلق هاربا فى الأرض فلا يدرى اين ذهب وامره ان يدعوا حيصر بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك ما حملك على هذا قال حملنى عليه انى أظن ان الله لا يطلعك عليه فاما إذا اطلعك الله عليه فانى اشهد اليوم انك لرسول الله صلى الله وانى لم او من بك قبل الساعة فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الذي قال وامر

(1) هى دمل كبير يظهر فى الجوف تقتل صاحبها غالبا 12.

ص: 258

حذيفة ان يأتيه بطعمة ابن أبيرق وعبد الله بن عيينة وهو الذي قال لاصحابه اسهروا هذه اللية تسلموا الدهر كله فو الله مالكم امر دون ان يقتلوا هذا الرجل فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحك ما كان ينفعك من قتلى لوانى قتلت فقال عدو الله يا نبى الله والله ما نزال بخير ما اعطاك الله النصر على عدوك انما نحن بالله وبك فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لحذيفة ادع مرة بن الربيع وهو الذي ضرب بيده على عاتق عبد الله بن ابى ثم قال تمطى او قال تميطى والنعيم لنا من بعده كائن تقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامة عامة بقتله مطمئنين فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحك ما حملك ان تقول الذي قلت فقال يا رسول الله ان كنت قلت شيئا من ذلك انك العالم به وو ما قلت شيئا من ذلك فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اثنى عشر رجلا الذين حاربو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فاخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم واطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك بعلمه وذلك قوله تعالى وهموا بما لم ينالوا ومات الاثنا عشر منافقين محاربين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال حذيفة فيما رواه البيهقي ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ارمهم بالدبيلة قال شهاب من نار يقع على نياط «1» قلب أحدهم فيهلك وروى مسلم عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى أصحابي اثنا عشر رجلا منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سلم الخياط ثمانية تكفيهم الدبيلة سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم قال البيهقي وروينا عن حذيفة انهم كانوا اربعة عشر او خمسة عشر وهذه القصة وقعت فى مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك الى المدينة قال الله تعالى.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لام قسم اى والله لئن سالتهم عن استهزائهم بك وبالقرآن وهم سائرون معك فى غزوة تبوك لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) يعنى قل ذلك توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به وإلزاما للحجة عليهم ولا تعبا باعتذارهم

(1) نياط القلب هو عرق به علق القلب من الوتين إذا قطع مات صاحبه 12.

ص: 259

الكاذب فجعلوا كانهم معترفون باستهزائهم حتى وبخوا بأخطائهم موضع الاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلى حرف التقرير وذلك يكون بعد ثبوت الاستهزاء كذا قالوا قلت قولهم انما كنا نخوض ونلعب اعتراف منهم بالاستهزاء ومعناه كنا نقول ما يفهم منه الاستهزاء لقطع مسافة الطريق على سبيل اللعب لا على قصد الاستهزاء اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عمر قال قال رجل فى غزوة تبوك فى مجلس ما راينا مثل قراينا هؤلاء لا ارغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا اجبن عند اللقاء فقال له رجل كذبت ولكنك منافق لا خبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال ابن عمرو انا رأيته متعلقا بحقب نافة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكيه وهو يقول انما «1» كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ثم أخرجه من وجه آخر عن ابن عمر نحوه وسمى الرجل عبد الله بن ابى كذا ذكر البغوي عن عمر رضى الله عنه واخرج ابن جرير عن قتادة ان ناسا من المنافقين قالوا فى غزوة تبوك يرجوا هذا الرجل ان يفتح قصور الشام وحصونها هيهات فاطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فاتاهم فقال قلتم كذا وكذا قالوا انما كنا نخوض ونلعب فنزلت قال البغوي سبب نزول هذه الاية على ما قال الكلبي ومقاتل وقتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير فى غزوة تبوك وبين يديه ثلثة نفر من المنافقين اثنان يستهزءان بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والثالث يضحك قيل كانوا يقولون ان محمدا يزعم انه يغلب الروم ويفتح مداينهم وما أبعده من ذلك وقيل كانوا يقولون ان محمدا يزعم انه نزل فى أصحابنا المقيمين فى المدينة قرآن وانما هو قوله وكلامه فاطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال احبسوا علىّ الركب فدعاهم فقال لهم قلتم كذا وكذا فقالوا انما كنا نخوض ونلعب اى كنا نتحدث ونخوض فى الكلام كما يفعل الركب يقطع

(1) عن شريح بن عبيد ان رجلا قال لابى الدرداء يا معشر القراء ما بالكم اجبن منا وأبخل إذا سئلتم وأعظم لقما إذا أكلتم فاعرض عنه ابو الدرداء ولم يرد شيئا فاخبر بذلك عمر بن الخطاب فانطلق عمر الى الرجل الذي قال ذلك فقال بثوبه وخنقه وقاده الى النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل انما كنا نخوض ونلعب فاوحى الله الى نبيه صلى الله عليه وسلم ولين سالتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب 12.

ص: 260

الطريق بالحديث واللعب وهذه القصة وقعت فى رواحه صلى الله عليه وسلم من المدينة الى تبوك وقال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر كان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك لم يخرجوا الا رجاء الغنيمة منهم وديعة بن ثابت أخو بنى عمرو بن عوف والجلاس بن الصامت ومخشى بن حمير من أشجع حليف لبنى سلمة زاد محمد بن عمرو ثعلبة بن حاطب فقال بعضهم بعضا مكانى بكم غدا مقرنين فى الجبال ارجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم وترصيبا للمومنين وقال الجلاس بن عمرو كان زوج أم عمير وكان ابنها عمير فى حجره والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير فقال عمير وأنت شر من الحمير ورسول الله الصادق وأنت الكاذب فقال مخشى بن حمير والله لوددت انى اقاضى على ان يضرب كل رجل منا «1» مائة جلدة واننا ننقلب من ان ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر أدرك القوم فانهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فان أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا فانطلق عمار إليهم فقال لهم ذلك فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون اليه فقال وديعة بن ثابت وقد أخذ حقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاه تنسفان الحجارة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته وهو يقول يا رسول الله انما كنا نخوض ونلعب فانزل الله فيهم ولئن سالتهم ليقولون انما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون.

لا تَعْتَذِرُوا اى لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فانها معلومة الكذب قَدْ كَفَرْتُمْ اى أظهرتم الكفر بايذاء الرسول والطعن فيه بَعْدَ إِيمانِكُمْ اى اظهاركم الايمان إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ لتوبتهم وإخلاصهم قال محمد بن إسحاق الذي عفى عنه رجل واحد وهو مخشى بن حمير الأشجعي فقال هو الذي كان يضحك ولا يخوض وكان يمشى مجانبا لهم وينكر بعض ما يسمع فلما نزلت هذه الآيات تاب من نفاقه قال اللهم لا أزال اسمع آية تقربها عينى وتقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم اجعل وفاتي قتلا فى سبيلك لا يقول أحد انا غسلت انا دفنت فاصيب يوم اليمامة فما أحد من

(1) يعنى جلد كل منا مأته ولا ينزل فينا قرآن يفضحنا 12.

ص: 261

المسلمين الا عرف مصرعه غيره وقال مخشى يا رسول الله فعدلى اسمى واسم ابى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن او عبد الله نُعَذِّبْ طائِفَةً قرأ عاصم نعف بفتح النون وضم الفاء وتعذب بضم النون وكسر الذال على صيغة المتكلم المبنى للفاعل وطائفة بالنصب والباقون بالياء المضمومة وفتح الفاء فى الاول وبالتاء الفوقانية وفتح الذال فى الثاني على صيغة الغائب المبنى للمفعول وطائفة بالرفع بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) بالإصرار على النفاق وإيذاء الرسول والاستهزاء.

الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ جنس بَعْضٍ فى الشرك والنفاق والبعد عن الايمان وفيه تكذيب لحلفهم بالله انهم لمنكم وتقرير لقوله وما هم منكم وما بعده كالدليل عليه فانه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين وتشابه حال بعضهم لبعض يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ اى بالشرك والمعصية وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ اى عن الايمان والطاعة يقولون لا تنفروا فى الحر وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عن الانفاق فى سبيل الله وقبض اليد كناية عن الشح نَسُوا اللَّهَ كانهم لا يعلمون لهم خالقا يسألهم عما يفعلون وغفلوا عن ذكره وتركوا طاعته فَنَسِيَهُمْ فتركهم الله من توفيقه وهداية فى الدنيا ورحمته فى الآخرة وتركهم فى عذابه إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) الخارجون عن دائرة الايمان والطاعة بالكلية.

وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها اى مقدرة الخلود هِيَ اى النار حَسْبُهُمْ عقابا وجزاء على كفرهم ونفاقهم ان يعذبوا فى الدنيا فيه دليل على عظم عذابها وانه بحيث لا يزاد عليه وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وابعدهم من رحمة وأهانهم وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) دائم لا يقطع والمراد به ما وعدهم فى الآخرة او ما معهم فى الدنيا وهو ما يقاسونه من تعب النفاق والظاهر المخالف للباطن خوفا من المسلمين وما يحذرونه ابدا من الفضيحة ونزول العذاب ان اطلع على أسرارهم.

كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الكاف محلها رفع خير لمبتدأ محذوف اى أنتم ايها المنافقون مثل الذين كانوا من قبلكم من كفار الأمم الماضية او نصب على المصدرية تقديره

ص: 262

نعلتم ايها المنافقون فعلا مثل فعل الذين كانوا من قبلكم من العدول عن امر الله فلعنتم كما لعنوا كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً بطشا ومنعة وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً بيان لتشبههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم فَاسْتَمْتَعُوا يعنى فتمتعوا وانتفعوا بِخَلاقِهِمْ اى بنصيبهم من الدنيا ولذاتها واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فان الخلاق ما قدر لصاحبه فَاسْتَمْتَعْتُمْ ايها المنافقون بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ذم الأولين باستمتاعهم بالحظوظ الدنية الفانية الغير المرضية لله تعالى معرضين عن تحصيل لذائر الباقية القوية المرضية تمهيدا الذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء آثارهم وَخُضْتُمْ اى دخلتم فى الباطل واللهو كَالَّذِي خاضُوا يعنى كالخوض الذي خاضوا او كالفوج الذي خاضوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لم يستحقوا عليها ثوابا فى الدارين وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) الذين خسروا الدنيا والآخرة يعنى كما حبطت أعمالهم وخسروا كذلك حبطت أعمالكم وخسرتم عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن وفى رواية ابى هريرة فهل الناس الا هم رواه البخاري وروى الحاكم عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ذراعا بذراع حتى لو ان أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم ولو ان أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه قال البغوي قال ابن مسعود أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا تتبعون عملهم حذو القدة بالقدة غير انى لا أدرى أتعبدون العجل أم لا قوله تعالى.

أَلَمْ يَأْتِهِمْ يعنى المنافقين التفات من الخطاب الى الغيبة نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ انهم عصوا رسلنا وخالفوا أمرنا فعذبناهم وأهلكناهم ثم ذكرهم فقال قَوْمِ نُوحٍ مع ما عطف عليه بدل من الموصول يعنى اهلكوا بالطوفان لكفرهم وَعادٍ اهلكوا بالريح وَثَمُودَ اهلكوا بالرجفة وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ بسلب النعمة وإهلاك نمرود بنملة وإهلاك أصحابه وَأَصْحابِ مَدْيَنَ

ص: 263

قوم شعيب اهلكوا بالنار يوم الظلة وَالْمُؤْتَفِكاتِ قريات قوم لوط ايتفكت بهم اى انقلبت فصار عاليها سافلها وامطروا حجارة من سجيل أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الظاهرة فكذبوهم فاهلكوا فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ اى لم يكن عادة الله ان يعذبهم بلا جرم منهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) حيث كذبوا الرسل وعصوهم كما فعلتم فاخذناهم بالعذاب فاحذروا ان ينزل بكم مثل ما نزل بهم.

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يؤيد بعضهم بعضا فى طاعة الله وإعلاء دينه يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالايمان والطاعة وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشرك والنفاق ومعصية الرسول واتباع الشهوات وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى كل ما أمروا به أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ لا محالة فان السين موكدة للوقوع إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب على كل شىء لا يمتنع عنه امر حَكِيمٌ (71) يضع الأشياء مواضعها.

وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً يطيب فيها العيش او يستطيبها النفس فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ قيل معناه اقامة وخلود يقال عدن بالمكان إذا قام به قال صاحب المدارك عدن علم بدليل قوله تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن وقد عرفت ان كلمة الذي والتي وضعتا لوصفت المعارف بالجمل فهى مدينة فى الجنة قلت يؤيد كونه علما ما اخرج ابن المبارك والطبراني وابو الشيخ عن عمران بن حصين وابى هريرة رضى الله عنهما قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ومساكن طيبة فى جنات عدن قال قصر من لؤلؤ فى ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء فى كل دار سبعون بيتا من زمرد خضراء فى كل بيت سرير على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش زوجة من الحور العين فى كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة ويعطى المؤمن كل غداة من القوة ما يأتي على ذلك كله اجمع واخرج ابو الشيخ فى كتاب العظمة عن ابن عمر قال خلق الله تبارك وتعالى أربعا بيده العرش وعدن والقلم وآدم ثم قال لكل شىء كن

ص: 264

فكان واخرج البراز وابن جرير والدار قطنى فى الموتلف والمختلف وابن مردوية من حديث ابى الدرداء قوله صلى الله عليه وسلم عدن دار الله التي لم ترها عين ولم يخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلثة النبيين والصديقين والشهداء يقول الله طوبى لمن دخلك وفى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن واخرج احمد والطيالسي والبيهقي هذا الحديث بلفظ جنات الفردوس اربع جنتان من ذهب الحديث قال البيهقي فى قوله رداء الكبرياء استتاره بصفة الكبرياء والعظمة لانه لكبريائه وعظمته لا يراه أحد من خلقه الا باذنه قال البغوي قال ابن مسعود هى يعنى جنات عدن بطنان الجنة اى وسطها وقال عبد الله بن عمرو بن عمرو بن العاص ان فى الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج «1» له خمسة آلاف باب لا يدخله الا نبى او صديق او شهيد وقال الحسن قصر من ذهب لا يدخله الا نبى او صديق او شهيد او حكم عدل وقال عطاء ابن السائب عدن نهر فى الجنة جنانه على حافيته وقال مقاتل والكلبي عدن أعلى درجة فى الجنة وفيها عين التسنيم والجنان حولها محدقة بها وهى مغطاه من حين خلقها الله تعالى حتى ينزلها أهلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن شاء الله تعالى وفيها قصور الدر والياقوت والذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فيدخل عليهم كثائب «2» المسك الأبيض قال القرطبي قيل الجنان سبع دار الخلد ودار الجلال ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة نعيم والفردوس وقيل اربع فقط لحديث ابى موسى فانه لم يذكر فيه سوى اربع كلها يوصف بالمأوى وخلد وعدن والسلام وهذا ما اختاره الحكيم فقال ان الجنتين للمقربين والجنتين الأخريين لاصحاب اليمين وفى كل جنة درجات ومنازل وأبواب ومرجع العطف فى الاية يحتمل ان يكون الى تعدد الموعود لكل واحد او للجميع على سبيل التوزيع او الى تغائر وصفه كانه وصفه اولا بانه من جنس ما هو ابهى الأماكن يعرفونها ليميل

(1) المرج الأرض الواسعة إنبات كثير تمرج فيها الدواب اى تخلى ويشرح مختلطه كيف شاءت واصل

المرج الخلطة 12.

(2)

كثائب جمع كثيب وهو الرمل المستطيل المحدودب 12.

ص: 265

اليه طباعهم أول ما يقرع أسماعهم ثم وصفه بانه محفوف بطيب العيش معرى عن شوائب الكدورات التي لا يخلوا عن شىء منها أماكن الدنيا وفيها ما تشتهى الا نفس وتلذ الأعين ثم وصفه بانه دار اقامة وثبات فى جوار العليين لا يعتريهم فيها فناء ولا تغير ثم وعدهم بما هو اكبر من ذلك فقال وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ اى شىء من رضوان الله أَكْبَرُ نعمة من سائر النعم فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا ترضى وقد أعطيتنا ما لم

تعط أحدا من خلقك «1» فقال انا أعطيتكم أفضل من ذلك قالوا وما أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم ابدا واخرج الطبراني فى الأوسط

وصححه عن جابر يرفعه إذا دخل اهل الجنة الجنة قال الله تعالى هل تسألون شيئا فازيدكم قالوا يا ربنا فما خير مما أعطيتنا قال رضوان من الله اكبر ذلِكَ الرضوان او جميع ما تقدم هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) الذي يستحقر دونه ما سواه.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف وَالْمُنافِقِينَ قال ابن عباس والضحاك يعنى باللسان وترك الرفق وتغليظ الكلام وقال الحسن وقتادة بإقامته الحدود وقال ابن مسعود يجاهدهم بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وقال لا يلقى المنافق الا بوجه مكفهر وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ فى الآخرة جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) هى قال عطاء نسخت هذه الآية كل شىء من العفو والصفح والله تعالى اعلم- اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فى ظل شجرة فقال انه سياتيكم انسان ينظر بعينين شيطان فطلع رجل ازرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علام تشتمنى أنت وأصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم فانزل الله تعالى.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا واخرج ابن ابى حاتم عن ابن

(1) الظاهر ان المراد من الخلق فى قوله أعطيتنا ما لم يعط أحدا من خلقك الملائكة إذ لا يجوز ان ير أحد التفصيل على اهل النار من الانس والجن ولا على ما لا يعقل والله اعلم منه.

ص: 266

عباس قال كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وقال لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فرفع عمير بن سعد ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف بالله ما قلت فانزل هذه الاية فزعموا انه تاب وحسنت توبته ثم اخرج عن كعب بن مالك نحوه وكذا اخرج ابن إسحاق عنه واخرج ابن سعد فى الطبقات نحوه عن عروة وكذا ذكر البغوي قول الكلبي قال نزلت فى جلاس بن سويد وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم بتبوك فذكر المنافقين فسماهم رجسا وعابهم فقال جلاس لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير فسمعه عامر بن قيس فقال أجل ان محمدا صلى الله عليه وسلم لصادق وأنتم شر من الحمير فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة أتاه عامر بن قيس فاخبره بما قال الجلاس فقال الجلاس كذب يا رسول الله علىّ فامرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند المنبر بعد العصر فحلف بالله الذي لا اله الا هو ما قاله ولقد كذب علىّ عامر ثم قام عامر فحلف بالله الذي لا اله الا هو لقد قاله وما كذبت عليه ثم رفع عامر يديه الى السماء وقال اللهم انزل على نبيك الصادق منا الصدق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أمين فنزل جبرئيل عليه السلام قبل ان يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ فان يتوبوا يك خيرا لهم فقام الجلاس فقال يا رسول الله اسمع الله قد عرض علىّ التوبة صدق عامر بن قيس فيما قاله لقد قلته وانا استغفر الله وأتوب اليه فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه ثم تاب وحسنت توبته واخرج ابن ابى حاتم عن انس بن مالك قال سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ان كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير فرفع ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم فجحد القائل فانزل الله هذه الاية واخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان رجلين أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حلفاء الأنصار وظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن ابى الأوس انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا ومثل محمد الا كما قال القائل سمن كلبك يا ذلك لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسعى رجل من المسلمين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسل اليه فسأله فجعل

ص: 267

يحلف بالله ما قال فانزل الله تعالى يحلفون بالله ما قالوا الآية وهذه قصة غزوة بنى المصطلق وقد ذكرنا القصة فى سورة المنافقين وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ قيل هى سب النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هى قول الجلاس لان كان محمد صادقا لنحن شر الحمير وقيل قولهم لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ اى أظهروا الكفر بعد ما أظهروا الإسلام وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا قيل هم اثنا عشر رجلا من المنافقين وقفوا على العقبة فى طريق تبوك ليفتكوا «1» برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء جبرئيل وامره ان يرسل إليهم من يضرب رواحلهم فارسل حذيفة لذلك وقد مر القصة واخرج الطبراني عن ابن عباس قال همّ رجل يقال له الأسود بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية وقال مجاهد همّ المنافقون بقتل المسلم الذي سمع قولهم لنحن شر من الحمير كيلا يفشيه وقيل هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من المدينة فى قصة غزوة بنى المصطلق وقال السدى قالوا إذا قدمنا المدينة عقدنا على راس عبد الله بن ابى تاجا فلم يصلوا اليه وَما نَقَمُوا اى ما كرهوا وما وجدوا ما يورث نقمتهم ويقتضى انتقامهم شيئا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ يعنى الا الإحسان بهم وذلك شىء محبوب عند القلوب يوجب المحبة والانقياد دون العداوة والانتقام والجملة حال من فاعل هموا بيان لكمال شرهم وخبثهم حيث أساءوا فى مقابلة الإحسان اخرج ابن جرير وابو الشيخ عن عكرمة ان مولى بن عدى بن كعب قتل رجلا من الأنصار فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثنى عشر

الفا قال البغوي مولى الجلاس قتل فامر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية اثنى عشر الفا فاستغنى وفيه نزلت هذه الآية وقال الكلبي كان اهل المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فى ضنك من العيش فلما قدم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم استغنوا بالغنائم فَإِنْ يَتُوبُوا من نفاقهم وكفرهم يَكُ ذلك التوب خَيْراً لَهُمْ قد مر ان هذه الاية حمل الجلاس على التوبة وَإِنْ يَتَوَلَّوْا اى يعرضوا عن التوبة والإخلاص يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً

(1) الفتك ان يأتي الرجل حاجته وهو غافل فيقتله 12.

ص: 268

أَلِيماً فِي الدُّنْيا بالخزي والفضيحة او القتل وَالْآخِرَةِ بالنار وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) حتى ينجيهم من القتل والخزي روى البغوي بسنده وكذا ابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية والطبراني والبيهقي فى شعب الايمان عن ابى امامة الباهلي قال جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقنى مالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما لك فى رسول الله أسوة حسنة والذي نفسى بيده لو أردت ان تسير الجبال معى ذهبا لساوت ثم أتاه بعد ذلك فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقنى مالا والذي بعثك بالحق نبيا لان رزقنى الله مالا لاعطين كل ذى حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا قال فاتخذ غنما فنمت كما ينموا الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزلت واديا من أوديتها وهى تنموا كما ينموا الدود وكان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر ويصلى فى غنمه سائر الصلوات ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد الا الجمعة ثم كثرت ونمت فتباعد ايضا حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة فكان إذا كان يوم الجمعة يخرج يتلقى الناس يسألهم عن الاخبار فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال ما فعل ثعلبة قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنما يسعها واد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح «1» ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة فانزل الله تعالى آية الصدقات فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى سليم رجلا من جهينة وكتب لهما أسنان الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما مرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بنى سليم فخذا صدقاتهما فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسالاه الصدقة وأقرأه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا الى فانطلقا وسمع بهما السلمى فنظر الى خيار أسنان ابله فعزها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما راؤها قالوا ما هذا عليك قال خذاه فان نفسى بذاك طيبة فمرا على الناس وأخذا الصدقات ثم رجعا الى ثعلبة فقال أروني كتابكما فقرأه فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية اذهبا حتى ارى رأيى قال فاقبلا فلما راهما رسول الله

(1) هى كلمة ترحم وترجع يقال لمن وقع فى هلكته لا يستحقها 12.

ص: 269

صلى الله عليه وسلم قبل ان يكلماه قال يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثم دعا للسلمى بخير فاخبراه بالذي صنع ثعلبة فانزل الله فيه.

وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ فيه ادغام التاء فى الصاد وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) واخرج ابن جرير وابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس نحوه يعنى يعمل عمل اهل الصلاح من صلة الرحم وأداء الزكوة والنفقات الواجبة والمستحبة فى سبيل الله.

فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ اى بالمال ومنعوا حق الله وَتَوَلَّوْا عن طاعة الله ورسوله وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) اى هم قوم عادتهم الاعراض عنها.

فَأَعْقَبَهُمْ الله او البخل اى جعل عاقبة أمرهم نِفاقاً اى سوء اعتقاد فِي قُلُوبِهِمْ حيث لم يروا امتثال امر الله تعالى فى أداء الزكوة واجبا وأنكروا وجوب الزكوة وزعموها اخت الجزية إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ اى يلقون الله بالموت او يلقون عملهم اى جزائه وهو يوم القيامة او فى القبر يعنى حرمهم الله التوبة الى ان ماتوا على النفاق بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ اى بسبب اخلافهم ما وَعَدُوهُ من التصدق والصلاح وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) اى بكونهم كاذبين فان خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المنافق ثلث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان متفق عليه من حديث ابى هريرة زاد مسلم بعد قوله ثلث وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا وروى البغوي وابن جرير وغيره فى حديث ابى امامة المذكور فيما قبل انه نزلت الآية وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال ويحك يا ثعلبة لقد انزل الله عز وجل فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى اتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله ان يقبل صدقته فقال ان الله منعنى ان اقبل منك صدقتك فجعل يحثوا على راسه التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عملك قد امرتك لم تطعنى فلما ابى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقبض صدقته رجع الى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتى أبا بكر رضى الله عنه فقال اقبل صدقتى فقال ابو بكر لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اقبلها فقبض ابو بكر

ص: 270

ولم يقبلها فلما ولى عمر أتاه فقال اقبل صدقتى فقال لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ابو بكر انا اقبلها منك فلم يقبلها ثم ولى عثمان فاتاه فلم يقبلها وهلك ثعلبة فى خلافة عثمان وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة

اتى ثعلبة مجلسا من الأنصار فاشهدهم لان أتاني الله من فضله أتيت منه كل ذى حق حقه وتصدقت منه وصلت منه القرابة فمات ابن عمر له فورثه مالا فلم يف بما قال فانزل الله تعالى هذه الآية وقال الحسن ومجاهد نزلت فى ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وهما من بنى عمرو بن عوف خرجا على ملاء قعود وقالا والله لان رزقنا الله من فضله لنصدقن فلما رزقهما الله بخلا به.

أَلَمْ يَعْلَمُوا اى المنافقون او من عاهد الله حين أظهروا خلاف ما اضمروا والاستفهام للتوبيخ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ يعنى ما يسرون من النفاق او العزم على الأخلاف وَنَجْواهُمْ اى يتناجون فيما بينهم من المطاعن او تسمية الزكوة جزية وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) فلا يخفى عليه شىء روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن مسعود قال لما نزلت اية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشئ كثير فقالوا يعنى المنافقين مراء وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا ان الله لغنى عن صدقة هذا فنزل.

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ اى يعيبون الموصول مرفوع على الذم او منصوب او بدل من الضمير فى سرهم او مبتدأ خبره سخر الله منهم الْمُطَّوِّعِينَ أصله المتطوعين اى الراغبين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إكثار الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يتصدقون به إِلَّا جُهْدَهُمْ اى طاقتهم اى ما يطيقون ويقدرون عليه من المال القليل وقال البغوي قال اهل التفسير حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف باربعة آلاف درهم وقال يا رسول الله مالى ثمانية آلاف جئتك باربعة آلاف فاجعلها فى سبيل الله وأمسكت اربعة آلاف لعيالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك الله ما فى ماله حتى انه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين الف درهما وفى رواية صولحت احدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين الف درهم وكان حقها اكثر مما صولحت عليه وتصدق يومئذ

ص: 271

عاصم بن عدى العجلاني بمائة وسق من تمر وجاء ابو عقيل الأنصاري واسمه الحجاب بصاع من تمر فقال يا رسول الله بت ليلتى اجر بجرير «1» الماء حتى نلت صاعين من تمر فامسكت أحدهما لاهلى وأتيتك بالاخر فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينثره فى الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا ما اعطى عبد الرحمن وعاصم الا رياء وان كان الله ورسوله لغنيين عن صاع ابى عقيل ولكنه أحب ان يذكر بنفسه ليعطى من الصدقة فانزل الله هذه الآية وعنى بالمطوعين عبد الرحمن وعاصم وبالذين لا يجدون الا جهدهم أبا عقيل قلت روى القصة احمد وابن جرير وابن مردوية عن ابن عباس وقصة مصالحة احدى امرأتيه الطبراني واسمه تماضر من حديث ابى عقيل وورد نحو هذه القصة من حديث ابى هريرة وابى سعيد الخدري وابى عقيل نفسه وعميرة بنت سهل بن رافع أخرجها كلها ابن مردويه قال الله تعالى عز شانه فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ يستهزؤن بهم سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ اى جازا هم على السخرية واخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال لاحدهم فيجئى بكر به وغمه فاذا جاء غلق دونه فما زال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال لهم هلم فما يأتيه من الإياس وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) بكفرهم واستهزائهم قال البيضاوي روى عن عبد الله بن عبد الله بن ابى المنافق كان من المخلصين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرض موت أبيه المنافق ان يستغفر له ففعل فنزلت.

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ امر بمعنى الاخبار بالتسوية بين استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم للمنافقين وعدمه فى عدم الافادة كما نص عليه بقوله إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لازيدن على السبعين فنزلت سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم كذا اخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر معناه واخرج ابن المنذر عن عروة ومجاهد وقتادة واخرج ابن المنذر من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الاية قال النبي صلى الله عليه وسلم

(1) الجرير الحبلى والمعنى استقى للناس على اجرة صاعين 12.

ص: 272

اسمع ربى وقد رخص لى فيهم فو الله لاستغفرن اكثر من سبعين مرة لعل الله ان يغفر لهم فنزلت استغفرت لهم أم تستغفر لهم قال البيضاوي فهم النبي صلى الله عليه وسلم من السبعين العدد المخصوص لانه الأصل فجوز ان يكون ذلك حدا يخالفه حكم ما ورائه فبين له ان المراد به التكثير دون التحديد وقد شاع استعمال السبعة والسبعين وسبعمأة ونحوها فى التكثير لاشتمال السبعة على جملة اقسام العدد فان العدد قليل وكثير فالقليل ما دون الثلث والكثير الثلث فما فوقه وادنى الكثير ثلثه ولا غاية لا قصاه وايضا العدد نوعان شفع ووتر وأول الاشفاع اثنان وأول الأوتار ثلثة وواحد ليس بعدد والسبعة أول الجمع الكثير من النوعين لان فيها أوتارا ثلثة واشفاعا ثلثة والعشرة كمال الحساب لان ما جاوز العشرة فهو اضافة الآحاد الى العشرة كقولك اثنا عشر ثلثة عشر الى عشرين والعشرون تكرير العشرة مرتين والثلاثون تكريرها ثلث مراة وهكذا الى ماءة فالسبعون يجمع الكثرة والنوع والكثرة منه وكمال الحساب والكثرة منه فصار السبعون ادنى الكثير من العدد من كل وجه ولا غاية لاقصاه فجاز تخصيص السبعين بهذا المعنى فكانه العدد باسره ذلِكَ الياس عن المغفرة بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يعنى ليس ذلك لبخل منا ولا لقصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) المتمردين فى كفرهم وهو كالدليل على الحكم السابق فان مغفرة الكافر انما هو بالإقلاع عن الكفر والإرشاد الى الحق والمنهمك فى كفره المطبوع عليه لا ينقطع ولا يهتدى.

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ عن غزوة تبوك والمخلف المتروك بِمَقْعَدِهِمْ اى بعقودهم عن الغزو خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ قال ابو عبيدة اى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل خلاف بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة او الحال يعنى فرحوا لاجل مخالفة الرسول وحال كونهم مخالفين له وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيه تعريض بالمؤمنين الذين حصلوا رضائه تعالى ببذل الأموال والأنفس واثروا رضاه على الأموال والأنفس وَقالُوا اى قال بعضهم لبعض وللمؤمنين تثبيطا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان

ص: 273

ينبعثوا معه وذلك فى الصيف فقال رجل يا رسول الله الحر الشديد ولا تستطيع الخروج فلا تنفر فى الحر فانزل الله تعالى قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا وقد اثرتموها بهذه المخالفة فيه استجهال لهم لانه من يصون نفسه من مشقة ساعة ووقع بسبب ذلك فى مشقة أشد واغلظ الموبد كان أجهل من كل جاهل لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) اى يعلمون قال البغوي كذلك هو فى مصحف ابن مسعود يعنى لو كانوا يعلمون ان ما بهم إليها او انها كيف هى ما اختاروها بايثار الدعة على الطاعة قال محمد بن يوسف الصالحي جعل جد بن قيس وغيره من المنافقين يثبطون المسلمين عن الخروج وقال الجد لجبار بن منحر ومن معه من بنى سلمة لا تنفروا فى الحر رهادة فى الجهاد وشكافى الحق وارجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى قل نار جهنم أشد حرا واخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حر شديد الى تبوك فقال رجل من بنى سلمة لا تنفروا فى الحر فانزل الله قل نار جهنم أشد حرا الآية واخرج البيهقي فى الدلايل من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر ابو قتادة وعبد الله بن ابى بكر بن حزم قال رجل من المنافقين لا تنفروا فى الحر فنزلت هذه الآية والله اعلم- قال الله تعالى.

فَلْيَضْحَكُوا اى المنافقون حين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله قَلِيلًا يعنى ضحكا قليلا او فى زمان قليل يعنى فى الدنيا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً فى الآخرة اخبار عما يؤل اليه حالهم فى الدنيا والآخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على انه حتم واجب والضحك والبكاء اما محمولان على الحقيقة او هما كنايتين عن السرور والغم وجاز ان يكون المراد بيان حالهم فى الآخرة والمراد من القلة العدم جَزاءً مصدر فعل محذوف اى يجزون جزاء بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فى الدنيا اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى فليضحكوا قليلا قال الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤا فاذا انقطعت الدنيا وصاروا الى الله فليستانفوا البكاء بكاء لا ينقطع ابدا واخرج ابن ماجة وابو يعلى والبيهقي وهناد عن انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يرسل البكاء على اهل النار فيكون حتى ينقطع الدموع ثم يكون الدم ثم توتى فى وجوههم كهيئة الأخدود ولو أرسلت فيها السفن لجرت واخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان اهل النار ليبكون

ص: 274

حتى لو أجريت السفن فى دموعهم لجرت وانهم يسكبون الدم واخرج ابن ابى الدنيا والضياء كلاهما فى صفة النار عن زيد بن رفيع رفعه ان اهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ثم يكون القيح زمانا فيقول لهم الخزنة يا معشر الأشقياء تركتم البكاء فى الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به فيرفعون أصواتهم يا اهل يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا وكنا طول الموقف عطاشا ونحن اليوم عطاش فافيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله فيدعون أربعين لا يجيبهم ثم يجيبهم انكم ماكثون فيئسوا من كل خير قلت وجاز ان يكون معنى الآية فليضحكوا اى الناس أجمعين فى دنياهم قليلا امر اباحة يشعر كراهة كثرة الضحك فان كثرة الضحك يميت القلب وليبكوا فى الدنيا كثيرا من خشية الله حتى يكون البكاء جزاء وعوضا بما كانوا يكسبون يتهافت به سياتهم عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا رواه احمد والشيخان فى الصحيحين والترمذي والنسائي وابن ماجة ورواه البخاري ايضا عن ابى هريرة ورواه الحاكم وصححه عن ابى ذر وزاد ولما ساغ لكم الطعام ولا الشراب وروى الطبراني والحاكم والبيهقي عن ابى الدرداء مرفوعا بلفظ لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ولخرجتم الى الصعدات تجارون «1» الى الله تعالى لا تدرون تنجون او لا تنجون وروى الحاكم عن ابى هريرة وصححه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا يظهر النفاق ويرتفع الأمانة ويقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين أناخ بكم الشرف الجون الفتن كامثال الليل المظلم وروى البغوي بسنده عن انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس ابكوا فان لم تستطيعوا فتباكوا فان اهل النار يبكون فى النار حتى يسيل دموعهم فى وجوههم كانها جداول حتى ينقطع الدموع فيسيل الدماء ويفرج العيون فلو ان سفنا أجريت فيها لجرت وروى احمد والترمذي وابن ماجة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم الى الصعدات تجارون الى الله وروى ابن ماجة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد مومن يخرج من

(1) جار الى الله اى تضرع 12.

ص: 275

عينيه دموع وان كان مثل راس الذباب من خشية الله ثم يصيب من خروجه الا حرمه الله على النار.

فَإِنْ رَجَعَكَ اى ردك اللَّهُ إِلى المدينة وفيها طائِفَةٍ مِنْهُمْ اى من المخلفين يعنى منافقيهم فان كلهم لم يكونوا منافقين او من بقي منهم بعد ما تاب بعضهم وهلك بعضهم فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك الى غزوة اخرى بعد تبوك فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي بسكون الياء والباقون بفتحها أَبَداً فى سفر وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بسكونها عَدُوًّا اخبار فى معى النهى للمبالغة إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعنى فى غزوه تبوك والجملة تعليل للنهي وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) مع النساء والصبيان والمرضى والزمنى لعدم لياقتهم للجهاد وقال ابن عباس مع الذين تخلفوا بغير عذر وقيل مع المخالفين قال القراء يقال صاحت خالف إذا كان مخالفا روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر قال لما توفى عبد الله بن ابى جاء ابنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ان يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فاعطاه ثم سأله فقام ليصلى عليه فقام عمر فاخذ بثوبه فقال يا رسول الله اتصلي عليه وقد نهاك ربك ان تصلى على المنافقين فقال انما خيرنى الله فقال استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة وسازيده على السبعين فقال انه منافق فصلى عليه فانزل الله تعالى.

وَلا تُصَلِّ المراد بالصلوة الدعاء والاستغفار للميت فيشتمل صلوة الجنازة ايضا لانها مشتملة على الدعاء والاستغفار عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ظرف لتصل وقيل ظرف لمات يعنى مات موتا موبدا على الكفر فان احياء الكافر للتعذيب دون التمتع فكانه لم يحيى وبهذا المعنى قال الله لا يموت فيها ولا يحيى وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ للدفن او للزيارة قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له ولذا ورد النهى عن القيام على قبره إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ

(84)

تعليل للنهى او لتائيد الموت وروى البخاري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب انه قال لما مات عبد الله بن ابى ابن سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى على ابن ابى وقد قال يوم كذا كذا ويوم كذا كذا اعدد عليه قال انى خيرت

ص: 276

فاخترت لو اعلم انى لو زدت على السبعين غفر له لزدت عليها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث الا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن ابى بعد ما ادخل حفرته فامر به فاخرج فوضعه على ركبته ونفث فيه ريقه والبسه قميصه وفى الصحيحين عن ابن عمر ان عبد الله بن عبد الله بن ابى كان من المصلحين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرض أبيه ان يستغفر له ففعل فنزلت وروى الحاكم وصححه والبيهقي فى الدلائل عن اسامة بن زيد ان ابن ابى دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه فسأله ان يستغفر له ويكفنه فى شعاره الذي يلى جسده ويصلى عليه فلما مات أرسل قميصه ليكفن فيه وذهب ليصلى فنزلت هذه هذه الآية واخرج البخاري من حديث جابر انه قال لما كان يوم بدر واتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن ابى يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي البسه يعنى كان ذلك مكافاة له قال البغوي روى ان النبي صلى الله عليه وسلم كلم فيما فعل بعبد الله بن ابى فقال صلى الله عليه وسلم وما يغنى عنه قميصى وصلاتى من الله والله انى كنت ارجوا ان يسلم به الف من قومه قال وروى انه اسلم الف من قومه لما راؤه يتبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم قال البغوي فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية على منافق ولا قام على قبره حتى قبض.

وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85) تكرير للتاكيد والأمر حقيق به فان الابصار طامحة الى الأموال والأولاد والنفوس مغطبتة عليها ويجوز ان يكون هذا فى فريق غير الاول.

وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من القرآن ويجوز ان يراد بها بعضها أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ اى بان أمنوا ويجوز ان يكون ان مفسرة والظاهر ان المراد بالايمان هاهنا امتثال امره صلى الله عليه وسلم فى الجهاد وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ فى القعود أُولُوا الطَّوْلِ اى ذووا الغنا والسعة مِنْهُمْ اى من المنافقين وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) فى رحالهم بعذر.

رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ اى النساء اللاتي يخلفن فى البيوت جمع خالفة وقد يقال

ص: 277

الخالفة الذي لا خير فيه فلان خالفة قومه إذا كان دونهم يعنى مع ارزال الناس الذين لا خير فيهم وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ طبع الله عليها فلا يدركون حسن الخيرات وسؤالسيات فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) ما فى الجهاد وموافقة الرسول من السعادة وما فى المخالفة عنه من الشقاوة.

لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مخلصين جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ يعنى ان تخلف الخوالف ولم يجاهدوا فلا منقصة فى الدين فقد جاهد من هو خير منهم وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ ز اى منافع الدارين وقيل الخيرات الحور العين قال الله تعالى فيهن خيرات حسان جمع خيرة وحكى عن ابن عباس ان الخير لا يعلم معناه الا الله عز وجل كما قال جل ذكره فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين قلت مراد ابن عباس انه يعم جميع المنافع وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) بيان لما لهم فى الاخرة من الخيرات.

وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ اى المعتذرون بالجهد وكثرة العيال ادغم التاء فى الذال ونقل حركتها الى العين كذا قال الفراء او المعنى المقصرون فيه الموهمون ان لهم عذر ولا عذر لهم عذر من التفعيل اى قصر وقرأ يعقوب ومجاهد المعذرون بالتخفيف من اعذر إذا اجتهد وبالغ فى العذر مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ فى القعود قال محمد بن عمر جاء ناس من المنافقين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنونه فى القعود من غير علة فاذن لهم وروى ابن مردوية عن جابر بن عبد الله استاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من المنافقين حين اذن لجد بن قيس يستاذنونه يقولون يا رسول الله ايذن لنا فانا لا نستطيع ان ننفر فى الحر فاذن لهم واعرض عنهم ونزل هذه الآية فلم يعذرهم الله تعالى قال ابن إسحاق هم نفر من بنى غفار وقال محمد بن عمر كانوا اثنين وثمانين رجلا منهم خفاف بن أيما انزل الله فيهم وإذا أنزلت سورة ان أمنوا الى قوله وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون قال الضحاك المعذرون هم رهط عامر بن الطفيل جاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم وقالوا يا نبى الله ان نحن غزونا معك تغير اعراب طى على حلائلنا وأولادنا ومواشينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نبأني الله من اخباركم وسيغنى

ص: 278

الله عنكم وقال ابن عباس هم الذين تخلفوا العذر بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى ارعاء الايمان يعنى المنافقين فعلى هذا التأويل الفريق الاول غير مسيئين والظاهر ان المراد بهؤلاء هم الأولون كذب الله المنافقين المعذرين بالباطل او يقال المعذرون أعم من هؤلاء فان منهم من اعتذر بكسله لا لكفره قال ابو عمرو بن العلاء كلا الفريقين مسيئين قوم تكلفوا عذرا بالباطل وهم الذين عناهم الله عز وجل بقوله وجاء المعذرون وقوم تخلفوا من غير تكلف عذر فقعدوا جرأة على الله وهم المنافقون فاوعدهم الله تعالى بقوله سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من الاعراب او من المعذرين فان منهم من اعتذر بكسله لا لكفره عَذابٌ أَلِيمٌ (90) اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال كنت اكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت اكتب براءة وانى لواضع القلم على اذنى إذ امر بالقتال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال كيف بي يا رسول الله وانا أعمى فنزلت.

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ قال ابن عباس يعنى الزمنى والمشايخ والعجزة وقيل الصبيان وقيل النسوان وَلا عَلَى الْمَرْضى العميان وغيرهم وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ لفقرهم حَرَجٌ اى ضيق فى القعود عن الغزو وما ثم إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بالايمان والطاعة فى السر والعلانية كما يفعل الموالي والناصح او بما يقدروا عليه فعلا وقولا يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انهم منخرطون فى سلك المحسنين غير معاتبين مِنْ سَبِيلٍ الى معاتبتهم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) لهم او للمسى فكيف للمحسن قال البغوي قال قتادة نزلت فى عابد بن عمر وأصحابه وقال الضحاك نزلت فى عبد الله بن أم مكتون وكان ضرير البصر روى البخاري وابن سعد عن انس وابن سعد عن جابر رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا المدينة قال ان بالمدينة أقواما ما سرتم سيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر.

وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عطف على الضعفاء او على المحسنين قال ابن عباس سالوه ان يحملهم على الدواب

ص: 279

وقيل سالوه ان يحملهم على الخفاف المرقوعة والنعال المحضوفة ليفروا معه قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ حال من الكاف فى أتوك بإضمار قد تَوَلَّوْا جواب إذا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ اى تسيل مِنَ الدَّمْعِ اى دمعها ومن للبيان وهى مع مجرورها فى محل النصب على التميز وهو ابلغ من تفيض دمعها لانه يدل على ان العين صارت دمعا فياضا حَزَناً نصب على العلة او الحال او المصدر لفعل دل عليه ما قبله أَلَّا يَجِدُوا اى لئلا يجدوا متعلق بحزنا او يتقيض ما يُنْفِقُونَ (92) فى غزوتهم روى ابن جرير وابن مردوية عن ابن عباس وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وابن إسحاق وابن المنذر وابو الشيخ عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن بكر وعاصم بن محمد بن عمر وقتادة وغيرهم رحمهم الله ان عصابة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤه يستحملونه وكلهم معسر ذو حاجة لا يحب التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ان لا يجدوا ما ينفقون قال محمد بن يوسف الصالحي اختلفوا فى اسمائهم فالذى اتفقوا عليه سالم بن عمير من بنى عمرو بن عوف الأوسي وعلية بن زيد وابو ليلى بن عبد الرحمن بن كعب وهرمى بن عبد الله والذي اتفق عليه القرضى وابن إسحاق والواقدي وتبعهم ابن سعد وابن حزم وابو عمرو السهيلي ولم يذكر الأخير عرباض بن سارية جزم بذلك ابن حزم وابو عمرو ورواه ابو نعيم عن ابن عباس والدي اتفق عليه القرظي وابن إسحاق عمرو بن حمام بن الجموح والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة وابن إسحاق عبد الله بن مغفل روى ابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن ابى حاتم عن ابن مغفل قال انى لاجد الرهط الذين ذكر الله تعالى ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم وفى حديث ابن عباس أخرجه ابن ابى حاتم من طريق العوفى قال امر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ان ينبعثوا غازين معه فجاءت عصابة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عبد الله بن مغفل المزني قالوا يا رسول الله احملنا فقال والله ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم بكاء وعزّ عليهم ان يحبسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا فانزل الله تعالى عذرهم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية والذي اتفق عليه القرظي وابن عمر سلمة بن صخر ولفظ القرظي سلمان والذي اتفق عليه القرظي وابن عقبة عمرو بن عنمة بن عدى وعبد الله بن عمرو المزني حكاه ابن إسحاق قولا بدلا

ص: 280

عن ابن مغفل وانفرد القرظي يذكر عبد الرحمن بن زيد ابو علية من بنى حارثة وبذكر حرمى بن عمرو من بنى مازن وقال محمد بن عمرو يقال ان عمرو بن عوف منهم قال ابن سعد وفى بعض الروايات من يقول فيهم معقل بن يسار وذكر فيهم الحاكم حرمى بن مبارك بن النجار وذكر ابن عابد فيهم مهدى بن عبد الرحمن وذكر فيهم محمد بن كعب سالم بن عمرو الواقفي قال ابن سعد وبعضهم يقول البكاءون بنو مقرن السبعة وهم من مزينة انتهى وهم النعمان وسويد ومغفل وعقبل وسنان ذكر ابن إسحاق فى رواية يونس وابن عمران علية بن زيد لما فقد ما يحمله ولم يجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحمله خرج من الليل فصلى من ليلة ما شاء الله تعالى ثم بكى وقال اللهم انك أمرت بالجهاد ورغبت فيه وانى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال او جسدا وعرض ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اين المتصدق هذه الليلة فلم يقم اليه أحد فقام اليه ناخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابشر فو الذي نفسى بيده لقد كتبت فى الزكوة المتقبلة قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر لما خرج البكاءون من عند رسول الله

صلى الله عليه وسلم وقد أعلمهم انه لا يجد ما يحملهم عليه بقي يامين بن عمرو النضري أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال ما يبكيكما قالا جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نقوى به على الخروج ونحن نكره ان يفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعطاهما ناضحا له وزود كلواحد منهما صاعين من تمر زاد محمد بن عمرو حمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين وحمل عثمان بن عفان منهم ثلثة نفر بعد الذي كان جهز من الجيش قلت لعله لما سقط السبعة من الستة العشر المذكورين وسقط اثنان منهم لاجل شك الراوي فبقى من لم يخرج الى الغزو لفقد ما يحمله سبعة وهم الذين قال الله تعالى فيهم انه لا سبيل عليهم بالمعاتبة والله اعلم روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من الأشعريين ليحملنا وفى رواية أرسلني أصحابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اساله لهم الحملان فقلت يا رسول الله ان أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم على شىء وما عندى ما أحملكم عليه ووافقته وهو غضبان

ص: 281

ولا أشعر فرجعت حزينا من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن محافة ان يكرن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد فى نفسه علىّ فرجعت الى أصحابي فاخبرتهم بالذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب ابل فلم البث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادى اين عبد الله بن قيس فاجبته فقال أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيته قال هذين القرينين «1» وهذين القرينين لستة ابعرة اتباعهن حينئذ من سعد فانطلق بهن الى أصحابك فقل ان الله او قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء فاركبوهن قال ابو موسى فانطلقت الى أصحابي فقلت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هولاء ولكن والله لا أودعكم حتى ينطلق معى بعضكم الى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سالته لكم ومنعه فى أول مرة ثم إعطائه إياي بعد ذلك لا تظنوا انى حدثتكم شيئا لم يقله فقالوا لى والله انك عندنا لمصدق ولنفعلن ما أحببت قال فانطلق ابو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه إياهم ثم إعطائه بعد ذلك فحدثوهم بمثل ما حدثهم ابو موسى ثم قلنا والله لا يبارك لنا فرجعنا فقلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انا ما حملتكم ولكن الله حملكم ثم قال والله انى إنشاء الله لا احلف على يمين فارى غيرها خيرا منهما الا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يمينى.

إِنَّمَا السَّبِيلُ بالعقاب والمعاتبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ واجدون الاهبة رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ استيناف ببيان ما هو السبب لاستيذانهم من غير عذرهم وهو رضاهم بالدناة والانتظام فى جملة الخوالف وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ حتى غفلوا عن وخامة العاقبة فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) سوى ما اختاروه من القعود على الجهاد وموافقة الرسول.

يَعْتَذِرُونَ يعنى المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وقد ذكرنا انهم كانوا بضعة وثمانين نفرا إِلَيْكُمْ ايها الرسول والمؤمنون إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ من غزوة تبوك الى المدينة وفى الاية معجزة فانهم جاؤا بعد ذلك يعتذرون بالباطل قال الله تعالى قُلْ لا تَعْتَذِرُوا بالمعاذير الكاذبة لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ لن نصدقكم

(1) القرينين الجملان المشدود ان أحدهما الى الآخر 12. [.....]

ص: 282

علة للنهى لان غرض المعتذر ان يصدق فيما يعتذر به ثم بين علة عدم التصديق وقال قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ أعلمنا بالوحى الى نبيه صلى الله عليه وسلم بعض اخباركم وهو ما فى ضمايركم من الشر والفساد وما زورتم من الاعتذارات الكاذبة وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ فى المستقبل من الزمان هل تتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه فيه استتابة وامهال للتوبة ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ بعد الموت وضع الوصف موضع الضمير للدلالة على انه مطلع على سرهم وعلتهم لا يفوت شىء من ضمائرهم وأعمالهم من علمه فَيُنَبِّئُكُمْ بالتعذيب بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ولا تعاتبوهم.

فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ولا تعاتبوهم ولا تصاحبوهم إِنَّهُمْ رِجْسٌ اى لانهم أرجاس لخبث باطنهم فلا يجوز معهم المؤانسة والمصاحبة ولا ينفعهم المعاتبة لعدم صلاحيتهم للتطهر والمقصود عن المعاتبة انما هو التطهير بالحمل على الانابة وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ من تمام التعليل كانه قال انهم أرجاس من اهل النار فلا تصاحبوهم ولا تعاتبوهم جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) يجوز ان يكون مصدر الفعل محذوف اى يجزون جزاء او يكون علة لكون ماواهم جهنم قال البغوي قال ابن عباس نزلت فى جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما كانوا ثمانين رجلا من المنافقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لا تجالسوهم ولا تكلموهم وقال مقاتل نزلت فى عبد الله بن ابى حلف للنبى صلى الله عليه وسلم بالله الذي لا اله الا هو ان لا يتحلف عنه بعدها وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ان يرضى عنه فانزل الله هذه الاية.

يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ يحلفهم فتستديموا على ما كنتم تفعلون بهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96) اى عنهم وضع المظهر موضع المضمر ليدل على موجب عدم الرضا يعنى ان لبسوا عليكم ورضيتم بهم لا يمكنهم ان يلبسوا على الله ويرضوه مع كفرهم ولا ينفعهم رضائكم مع سخط الله تعالى فانه ينزل بهم الهوان فى الدنيا والعذاب فى الآخرة والمقصود من الآية النهى عن الرضاء عنهم والاغترار بمعاذيرهم.

الْأَعْرابُ يعنى اهل البادية

ص: 283

أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً من اهل البلد لتوحشهم وقساوتهم وعدم اختلاطهم باهل العلم وقلة استماعهم الكتاب والسنة وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا اى أحق بان لا يعلموا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ من الشرائع فرائضها وسنتها ومباحاتها ومحرماتها ومكروهاتها لا يميزون بعضها من بعض لجهلهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ يعلم حال جميع خلقه حَكِيمٌ (97) فيما يفعل بهم فى الدنيا والآخرة.

وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ اى يزعم ما يُنْفِقُ فى سبيل الله مَغْرَماً اى غرامة وخسرانا قال عطاء لا يرجون لاعطائه ثوابا ولا على إمساكه عقابا انما ينفقون خوفا ورياء وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ اى ينتظرون بكم تقلب الزمان بان يموت الرسول ويظهر المشركون حتى يتخلصوا عن الانفاق الذي ينفقونها رياء وخوفا عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصون بالمؤمنين او اخبار بما يقع بهم نحو ما يتربصون بالمؤمنين والدائرة فى الأصل مصدر او اسم فاعل من داريد ورسمى عقبة الزمان التي يأتي بالخير مرة وبالشر اخرى قرأ ابن كثير وابو عمرو السوء هنا وفى سورة الفتح بالضم السين ومعناه الضر والمكروه والباقون بفتح السين وهو مصدر أضيف اليه للمبالغة كقولك رجل صدق وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقولون عند النفاق فيما بين شياطينهم عَلِيمٌ (98) بما يضمرون قال البغوي نزلت الآية المذكورة فى اعراب اسد وغطفان وبنى تميم وكذا اخرج ابو الشيخ عن الكلبي الا انه لم يذكر فيه بنى تميم ثم استثنى الله سبحانه من الاعراب المذكورين حال بعضهم فقال.

وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وقال البغوي اخرج ابن جرير عن مجاهد انها نزلت فى بنى مقرن من مزينته الذين نزلت فيهم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم واخرج عن عبد الرحمن بن معقل قال كنا عشرة ولد مقرن وقال الكلبي اسلم وغفار وجهينة من تميم واسد بن خزيمة وهوازن وغطفان وفى الصحيحين عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفار غفر الله لها واسلم سالمها الله وعصية عصمت الله ورسوله وفيهما عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينته واسلم وغفار أشجع موالى ليس لهم مولى دون

ص: 284

الله ورسوله وفيهما عن ابى بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلم وغفار ومزينة وجهينة خير من تميم ومن بنى عامر والحليفين اسد وغطفان وروى البغوي عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلم وغفار وشىء من جهينه ومزينة خير عند الله يوم القيامة من تميم واسد بن خزيمة وهوازن وغطفان وَيَتَّخِذُ اى يزعم ما يُنْفِقُ فى سبيل الله سبب قُرُباتٍ وهى ثانى مفعولى يتخذ عِنْدَ اللَّهِ صفة لقربات او ظرف ليتخذ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ اى سبب دعائه صلى الله عليه وسلم واستغفاره اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عباس قال صلوات الرسول استغفاره صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم صل على ال ابى اوفى حين جاء عبد الله بن ابى اوفى بصدقته كذا اخرج الجماعة الا الترمذي من حديث عبد الله بن ابى اوفى أَلا إِنَّها اى النفقة قُرْبَةٌ لَهُمْ ط عند الله تعالى قرأ نافع برواية ورش قربة بضم الراء والباقون بسكونها وهذه شهادة من الله تعالى بصحة معتقدهم وتصديق لرجائهم على الاستيناف مع حر فى التنبيه والتأكيد سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ السين لتحقيق الوعد فِي رَحْمَتِهِ اى جنته. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ الذين هجروا قومهم وعشائرهم وفارقوا أوطانهم وأموالهم يعنى من قريش مكة وَالْأَنْصارِ الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأووه وأصحابه حين أخرجه قومه يعنى من اهل المدينة واختلفوا فى السابقين من الفريقين قال سعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين وجماعة هم الذين صلوا الى القبلتين وقال عطاء بن ابى رباح هم اهل بدر وقال الشعبي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان بالحديبية وقيل هم من المهاجرين ثمانية ففر الذين سبقوا الى الإسلام ثم تتابع الناس فى الدخول فى الإسلام بعدهم وهم أبو بكر وعلى وزبير بن الحارثة وعثمان بن عفان وزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وطلحة بن عبيد الله قال البغوي واختلفوا فى أول من أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد امرأته خديجة مع اتفاقهم على انها أول من أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم على ابن ابى طالب وهو قول جابر بن عبد الله ويؤيده قول على

ص: 285

رضى الله عنه (شعر)

سبقتكم الى الإسلام طرا

غلاما ما بلغت او ان حلم

قال مجاهد وابن إسحاق اسلم على وهو ابن عشر سنين وقال بعضهم أول من أمن به بعد خديجة ابو بكر الصديق وهو قول ابن عباس وابراهيم النخعي والشعبي ويشهده قول حسان بن ثابت فى اشعاره فى مدح ابى بكر وتسليم النبي صلى الله عليه وسلم إياه وقال بعضهم أول من أمن به زيد بن حارثة وهو قول الزهري وعروة ابن الزبير وكان إسحاق بن ابراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول أول من اسلم من الرجال ابو بكر ومن النساء خديجة ومن الصبيان على ومن العبيد زيد بن الحارثة رضى الله عنهم أجمعين قال ابن إسحاق فلما اسلم ابو بكر اظهر إسلامه ودعا الى الله والى رسوله وكان رجلا محببا سهلا وكان انسب قريش وأعلمها بما كان فيها وكان تاجر إذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير

واحد من الأمر لعلمه وحسن مجالسته فجعل يدعوا الى الإسلام من وثق به من قومه فاسلم على يديه فيما بلغني عثمان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اسلموا وصلوا ثم اسلم غيرهم حتى بلغ المسلمون من الرجال والنساء الى تسع وثلثين فى سبع سنين ثم اسلم عمر بن الخطاب فهو منهم أربعين فاذا اسلم عمر قال المشركون اليوم انتصف منا ثم شاع الإسلام وتقوى بإسلام عمر بعد سبع سنين ومن هاهنا قال على رضى الله عنه صليت قبل الناس بسبع سنين والسابقون من الأنصار هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانوا ستة فى العقبة الاولى وقيل سبعة واثنى عشر فى العقبة الثانية والسبعون فى العقبة الثالثة كما سنذكر والذين أمنوا حين قدم عليهم ابو زرارة ومصعب بن عمير يعلمهم القرآن فاسلم خلق كثير وجماعة من النساء والصبيان قرأ يعقوب والأنصار بالرفع عطفا على قوله والسابقون وهى قرأة ابى أخرجها ابن جرير وابو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي والحاكم وابو الشيخ عن اسامة ومحمد بن ابراهيم التيمي

ص: 286

وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ قيل هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين وقيل هم الذين سلكوا سبيلهم فى الايمان والهجرة والنصرة الى يوم القيامة قلت ويمكن ان يكون المراد من السابقين المقربين الذين قال الله تعالى فيهم والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين يعنى من الصحابة والتابعين واتباعهم فانهم الأولون من هذه الامة وقليل من الآخرين اى آخري هذه الامة يعنى بعد الالف وهم ارباب كمالات النبوة فانهم كثيرون فى الصدر الاول قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه الصحابة كلهم كانوا من ارباب كمالات النبوة واكثر التابعين وبعض من اتباع التابعين وقيل بعد الالف من الهجرة قلت فعلى هذا قوله تعالى من المهاجرين والأنصار بيان للسابقين الأولين وليست كلمة من للتبعيض والذين اتبعوهم بإحسان يشتمل السابقين الآخرين واصحاب اليمين الذين هم ثلة من الأولين من الصدر الاول ومن بعدهم وثلة من الآخرين الى ما بعد الالف الى يوم القيامة وقال عطاء الذين اتبعوهم بإحسان هم الذين يذكرون الصحابة بالترحم والدعاء قال ابو صخر حميد بن زياد أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له ما قولك فى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جميع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجنة محسنهم وسيئهم فقلت له من اين تقول هذا قال أقرأ قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار «1» الى ان قال رضى الله عنهم ورضوا عنه قال والذين اتبعوهم بإحسان شرط فى التابعين شريطة وهو ان يتبعوهم فى أفعالهم الحسنة دون السيئة قال ابو صخر فكانى لم يقرأ هذه الاية قط وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علىّ محمد بن كعب قلت واولى بالاحتجاج على كون جميع الصحابة فى الجنة قوله تعالى لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد

(1) وعن حبيب الشهيد عن عمر بن عامر الأنصاري ان عمر بن الخطاب قرأ او السابقون الأولون من المهاجرين والأنصاري الذين اتبعوهم بإحسان فرفع الأنصار ولم يلحق الواو فى الذين فقال له زيد بن ثابت والذين فقال الذين فقال زيد امير المؤمنين اعلم فقال ايتوني بالى بن كعب فاتاه فسأله عن ذلك فقال والذين فقال فنعم إذا فتابع أبيا 12.

ص: 287

وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى فانه صريح فى ان جميع الصحابة أولهم وآخرهم وعدهم الله تعالى الحسنى يعنى الجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسى بيده لو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه متفق عليه من حديث ابى سعيد الخدري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمس النار مسلما رأنى او راى من رأنى رواه الترمذي عن جابر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد من أصحابي يموت بأرض الا بعث قائدا ونور الهم يوم القيامة رواه الترمذي من حديث بريدة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم وَرَضُوا عَنْهُ ربا وعن الإسلام دينا ومحمد رسولا ونبيا بما القى الله حبه فى قلوبهم وبما نالوا من نعم الدنيوية والدينية وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ قرأ ابن كثير من تحتها كما هو فى ساير المواضع وكذلك فى مصاحف اهل مكة والباقون بحذف من خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وهم من مزينة وجهينة وأشجع واسلم وغفار أخرجه ابن المنذر عن عكرمة كان منازلهم حول المدينة وكون بعضهم منافقين كما يدل عليه من التبعيضية لا ينافى ما مر من الأحاديث فى مناقب غفار واسلم وأشجع وغيرها.

وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يعنى من الأوس والخزرج عطف على ممن حولكم وقوله تعالى مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ صفة للمنافقين فصل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر او كلام مبتدأ بيان لتمرنهم فى النفاق وجاز ان يكون الظرف خبر المحذوف وجملة مردوا صفة لمبتدأ محذوف تقديره ومن اهل المدينة قوم مردوا على النفاق اى مرنوا وثبتوا عليه يقال تمرد فلان على ربه اى عتى ومرد على معصية اى مرن وثبت عليها واعتادها ومنه المريد والمارد قال ابن إسحاق اى لجوا فيه وأبوا غيره وقال ابن زيدا قاموا عليه ولم يتوبوا فى القاموس مرد كنصر وكرم مرودا ومرادة فهو مريد ومارد ومتمرد اقدم وعتا او هو يبلغ الغاية التي يخرج إليها من جملة ما عليها ذلك الصنف

ص: 288

أجنحتها رضى لطالب العلم وان العالم يستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض والحيتان فى جوف الماء وان فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه أخذ بخظ وافر رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة.

الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ هم المصلون ذكرهم باللفظين كانه كرر ذكره للدلالة على فضل الصلاة على سائر العبادات عن ابن مسعود قال سالت النبي صلى الله عليه وسلم ايّ الأعمال أحب الى الله قال الصلاة لوقتها قلت ثم اى قال بر الوالدين قلت ثم اى قال الجهاد فى سبيل الله متفق عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين رواه ابو نعيم عن الفضل بن دكين وقال الصلاة نور المؤمن رواه ابن عساكر عن انس وقال الصلاة قربان كل تقى رواه القضاعي عن على وقال عليه السلام اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء رواه مسلم وابو داود والنسائي عن ابى هريرة الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالايمان والطاعة وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشرك والمعصية وقيل المعروف السنة والمنكر البدعة ذكر العاطف بينهما للدلالة على ان مجموعهما خصلة واحدة وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ اى فيما بينه وبين الله تعالى من الحقائق والشرائع قيل أورد العاطف هاهنا للتنبيه على ان ما قبله تفصيل الفضائل وهذا اجمالها قلت لعل الله سبحانه أورد العاطف هاهنا لان الله سبحانه ذكر اولا إتيان الحسنات المذكورات ثم ذكر محافظة حد كل منها بلا زيادة من قبل نفسه رهبانيته ابتدعوها وبلا نقصان صورة ولا معنى فكان الأشياء المذكورة قبلها مجموعها شىء واحد يعبر عنها بإتيان الشرائع وهذا شىء اخر كناية عن الإخلاص والحضور التام المستفاد من صحبة ارباب القلوب فان محافظة الحدود لا يتصور الا بحضور تام دائم والله اعلم وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) يعنى الموصوفين بتلك الفضائل وضع المؤمنين موضع ضميرهم للدلالة على ان ايمانهم دعاهم الى ذلك وان المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كانه قيل بشرهم بما لا يدركه الافهام ولا يحيط الكلام ولم يسمعه الاذان والله اعلم روى الشيخان فى الصحيحين عن سعيد

ص: 305

بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن ابى امية بن المغيرة فقال اى عم قل لا اله الا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله فقال ابو جهل وعبد الله بن ابى امية أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد انه بتلك المقالة حتى قال ابو طالب اخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وزاد فى رواية وابى ان يقول لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لاستغفرن لك ما لم انه عنك فنزلت.

ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) بان ماتوا على الكفر فيه دليل على جواز الاستغفار لاحيائهم فانه طلب لتوفيقهم للايمان وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه قل لا اله الا الله اشهد لك يوم القيامة قال لولا ان يعير قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع لاقررت بها عينك فانزل الله تعالى انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وروى البخاري عن ابى سعيد الخدري انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه فقال لعله ينفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح «1» من نار يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه هذا الحديث المذكور يدل على ان الاية نزلت بمكة فى ابى طالب واخرج الترمذي وحسنه والحاكم عن على قال سمعت رجلا يستغفر لابويه وهما مشركان فقلت له اتستغفر لك لابويك وهما مشركان فقال استغفر ابراهيم لابيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية ولعل هذه القصة قارنت قصة موت ابى طالب فنزلت الاية فيهما وما يدل على ان الاية نزلت فى امنة أم النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله أبيه فلا يصلح منها شيء وليس شيء منها ما يصلح ان يعارض ما ذكرنا فى القوة فيجب ردها منها ما رواه الحاكم والبيهقي فى الدلائل من طريق أيوب بن هانى عن مسروق عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الى المقابر وخرجنا معه فامرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى الى قبر منها فناجاه طويلا

(1) الضحضاح ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار 12.

ص: 306

ثم ارتفع باكيا فبكينا لبكائه ثم اقبل علينا فتلقاه عمر فقال يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد ابكاناها وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال افزعكم بكائي قلنا نعم قال ان القبر الذي رايتمونى اناجى فيه قبر امنة بنت وهب وانى استأذنت ربى فى زيارتها فاذن لى فاستاذنته فى الاستغفار لها فلم يأذن لى ونزل علىّ ما كان للنبى والذين أمنوا معه ان يستغفر وللمشركين الآيتين فاخذنى ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني قال الحاكم هذا حديث صحيح ونعقبه الذهبي فى شرح المستدرك وقال أيوب بن هانى ضعفه ابن معين ومنها ما اخرج الطبراني وابن مردوية من حديث ابن عباس قال لما اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك واعتمر هبط من ثنية عسفان فنزل على قبر امه فذكر نحو حديث ابن مسعود وفيه ذكر نزول الاية قال السيوطي اسناده ضعيف لا تعويل عليه وقال البغوي قال ابو هريرة وبريدة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة اتى قبر امه امنة فوقف عليه حتى حميت الشمس رجاء ان يؤذن له فيستغفر لها فنزلت ما كان للنبى الاية هذه وكذا اخرج ابن سعد وابن شاهين من حديث بريدة بلفظ لما فتح رسول الله مكة اتى قبر امه فجلس فذكر نحوه وفى لفظ عند ابن جرير عن بريدة كما ذكر البغوي قال ابن سعد فى الطبقات بعد تخريجه هذا غلط وليس قبرها بمكة وقبرها بالأبواء واخرج احمد وابن مردوية واللفظ له من حديث بريدة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ وقفت على عسفان فابصر قبر امه فتوضأ وصلى وبكى ثم قال انى استأذنت ربى ان اشفعه لها فنهيت فانزل الله تعالى ما كان للنبى الاية هذه قال السيوطي طرق الحديث كلها معلولة وقال الحافظ ابن حجر فى شرح البخاري من حكم بصحة حديث ابن مسعود ليس لكونه صحيحا لذاته بل لوروده من هذه الطرق وقد تاملت فوجدتها كلها معلولة وفى الحديث علة اخرى انها مخالف لما فى الصحيحين ان هذه الاية نزلت بمكة عقب موت ابى طالب وكذا ما ذكر البغوي قول قتادة انه صلى الله عليه وسلم قال لاستغفرن لابى كما استغفر ابراهيم لابيه فانزل الله ما كان للنبى الاية هذه مرسل ليس بصحيح بل ضعيف ومخالف لما فى الصحيحين كما ذكرنا فلا يجوز القول بكون أبوي النبي صلى الله عليه وسلم مشركين مسندى بهذه الاية وقد صنف الشيخ الاجل جلال الدين السيوطي رضى الله عنه رسائل فى اثبات ايمان أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 307

وجميع ابائه وأمهاته الى آدم عليه السلام وخلصت منها رسالة سميتها بتقديس اباء النبي صلى الله عليه وسلم فمن شاء فليرجع اليه وهذا المقام لا يسع زيادة التطويل فى الكلام فان قيل ما ورد من حديث الصحيحين فى قصة موت ابى طالب قال ابو جهل أترغب عن ملة عبد المطلب وقول ابى طالب انا على ملة عبد المطلب يدل على كون عبد المطلب مشركا قلنا لا نسلم ذلك بل كان مؤمنا موحد او قد ذكر ابن سعد فى الطبقات بأسانيده ان عبد المطلب قال لام ايمن وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بركة لا تغفلى عن ابني فانى وجدته مع غلمان قريبا من السدرة وان اهل الكتاب يقولون ان ابني هذا نبى هذه الامة لكن لما كان هو فى زمن الجاهلية جاهلا بالشرائع وبما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان التوحيد كافيا له فى زمن الفترة زعم ابو جهل وابو طالب ان محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بشيء منكر وحكما يكون ملة عبد المطلب مخالفا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى.

وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ يعنى آزر وكان عما لابراهيم عليه السلام وكان ابراهيم ابن تارخ وقد ذكرنا الكلام فيه فى سورة الانعام وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه رواه البخاري فلا يمكن ان يكون كافر فى سلسلة ابائه صلى الله عليه وسلم إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ قال بعض المفسرين الضمير المرفوع عايد الى أبيه والمنصوب الى ابراهيم يعنى ان أباه وعده ان يسلم فقال له ابراهيم ساستغفر لك يعنى إذا أسلمت والأكثر على ان المرفوع راجع الى ابراهيم والمنصوب الى أبيه وذلك ان ابراهيم وعد إياه ان يستغفر له رجاء إسلامه وهو قوله ساستغفر لك ربى يدل على ذلك قراءة من قرأ وعدها أباه بالباء الموحدة والدليل على ان الوعد كان من ابراهيم وكان الاستغفار فى حال كون أبيه مشركا قوله تعالى قد كانت لكم أسوة حسنة فى ابراهيم الى ان قال الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك فانه صريح فى ان ابراهيم عليه السلام ليس بقدوة فى هذا الاستغفار فهو انما استغفر له وهو مشرك لمكان الوعد رجاء ان يسلم فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ اى لابراهيم بموت أبيه على الكفر او بما اوحى اليه بانه لن يؤمن أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ فقطع عن استغفاره وقيل فلما تبين له فى الاخرة انه

ص: 308

عدو الله تبرأ منه روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقى ابراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له ابراهيم الم اقل لك لا تعصنى فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول ابراهيم يا رب انك وعدتني ان لا تخزنى يوم يبعثون ناى خزى اخزى من ابى الا بعد فيقول الله تعالى انى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا ابراهيم انظر ما تحت رجليك فينظر فاذا هو بذيخ متلطخ فيوخذ بقوائمه فيلقى فى النار وفى رواية فتبرأ منه يومئذ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ الذي يكثر التأوه لكمال خشيته من الله تعالى كذا قال كعب الأحبار وكان ابراهيم عليه السلام يكثر ان يقول آه من النار قبل ان لا ينفع آه وقيل هو الذي يتاوه من الذنوب ومالهما واحد وكذا ما قال البغوي انه جاء فى الحديث الأواه الخاشع المتضرع فان الخشوع يستلزم التأوه من الذنوب والنار وكذا ما قال عطاء الراجع عن كل ما يكره الله الخائف من النار وقال ابن مسعود الأواه الدعّاء وعن ابن عباس قال المؤمن التواب وقال الحسن وقتادة الأواه الرحيم بعباد الله وقال مجاهد الأواه الموقن وقال عكرمة هو المستيقن بلغة الحبشة وقال عقبة بن عامر الأواه كثير الذكر لله تعالى وعن سعيد بن جبير قال الأواه المسيح وروى عنه الأواه المعلم للخير وقال النخعي هو الفقيه وفى القاموس ذكر المعاني المذكورة فقال الأواه الموقن او الداعي او الرحيم او الفقيه او المؤمن بالحبشية وقال ابو عبيدة هو المتاوه شفقا المتضرع يقينا ولزوما للطاعة قال الزجاج انتظم قول ابى عبيدة جميع ما قيل فى الأواه حَلِيمٌ (113) اى صفوح عمن ناله بمكروه ومن ثم قال لابيه عند وعيده بقوله لان لم تنته لارجمنك قال سلام عليك ساستغفر لك ربى وقال ابن عباس الحليم السيد وفى القاموس الحلم بالكسر الاناءة والعقل فهو حليم والجملة لبيان ما حمل ابراهيم على الاستغفار والله اعلم- قال مقاتل والكلبي ان قوما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم واسلموا ولم يكن الخمر حراما ولا القبلة مصروفة الى الكعبة فرجعوا الى قومهم وهم على ذلك ثم حرمت الخمر وصرفت القبلة ولا علم لهم بذلك ثم قدموا المدينة فوجدوا الخمر قد حرمت والقبلة قد صرفت فقالوا يا رسول الله قد كنت على دين ونحن على غيره فنحن ضلال فانزل الله

ص: 309

تعالى.

وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً اى يحكم عليهم بالضلال ويسميهم الضالة ويواخذهم على فعل بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ للاسلام حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ اى ما يجب اتقائه من الأعمال فلم يتقوه ويستحقون الإضلال وقيل فيه بيان عذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله لعمه لاستغفرن لك ما لم انه عنه او لمن استغفر لاسلافه المشركين قبل النهى قال مجاهد بيان الله للمؤمنين فى الاستغفار للمشركين خاصة وبيان لهم فى مغصية وطاعة عامة يعنى ان الاية نزلت فى الاستغفار للمشركين لكن حكمها عام لعموم الصيغة إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (114) يعنى يعلم حال من فعل جهلا ومن فعل تمرد او من يستحق الإضلال ومن لا يستحقه.

إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ ايها الناس مِنْ دُونِ اللَّهِ من غيره مِنْ وَلِيٍّ يحفظكم منه وَلا نَصِيرٍ (115) يمنع عنكم ضررا يريد بكم فلا ينبغى لكم ان توالوا بالمشركين وتستغفروا لهم وإن كانوا اولى قربى حسبكم ولاية الله ونصرته.

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ من اذن المنافقين فى التخلف او المعنى برأهم عن تعلق الذنوب لقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقيل المراد بعث على التوبة والمعنى ما من أحد الا وهو محتاج الى التوبة حتى النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة أصحابه لقوله تعالى توبوا الى الله جميعا إذ ما من أحد الا له مقام يستنقص دونه ما هو فيه والترقي اليه توبة من تلك النقيصة وفيه اظهار تفضل التوبة بانها مقام الأنبياء والصالحين من عباده وقيل افتتح الكلام بالنبي لانه كان سبب توبتهم فذكره معهم كما ذكر كلمة لله فى قوله تعالى لله خمسه وللرسول ولذى القربى الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ حين استغفرهم لغزوة تبوك فِي ساعَةِ اى وقت الْعُسْرَةِ قال البغوي كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة والجيش جيش العسرة اى الشدة لما كانت عليهم عسرة من الظهر والزاد والماء قال الحسن كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد منهم يعنقبونه يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير وكان النفر منهم يخرجون ما معهم الا التمرات بينهم فاذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها ثم يشرب

ص: 310

عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم ولا يبقى من التمرة الا النواة فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم روى احمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عمر بن الخطاب قال خرجنا الى تبوك فى يوم قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا ان رقابنا سينقطع حتى إذا كان الرجل ليذهب فيلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن ان رقبته سينقطع وحتى ان كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه «1» فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال ابو بكر يا رسول الله ان الله عز وجل قد عود لك فى الدعاء خيرا فادع الله لنا قال أتحب ذلك قال نعم فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعها حتى جالت «2» السماء فاظلت ثم سكبت فملاؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر وروى ابن ابى حاتم عن ابى حرزة الأنصاري قال نزلوا الحجر فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ثم نزل منزلا آخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين ثم دعا فارسل الله سحابة فامطرت عليهم حتى استقوا منها فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه متهم بالنفاق ويحك قد ترى ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فامطر الله علينا السماء قال انما مطرنا بنوء كذا وكذا فانزل الله تعالى وتجعلون رزقكم انكم تكذبون مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قرأ حفص وحمزة بالياء التحتية والباقون بالتاء الفوقية لان الفاعل مونث غير حقيقى قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ اى قلوب بعضهم ولم يرد الميل عن الدين بل أراد الميل الى التخلف والانصراف لاجل الشدة التي كانت عليهم قال الكلبي همّ ناس بالتخلف ثم لحقوه وقال ابن إسحاق ومحمد عمر كان نقر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك وهلال بن امية ومرارة ابن الربيع وابو حيثمة وابو ذر الغفاري وكانوا نفر صدق لا يتهمون فى إسلامهم روى ابن إسحاق عن ابن مسعود قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك جعل يتخلف عنه الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد ارى حكم الله فيه حتى قيل يا رسول الله تخلف ابو ذر

و

(1) الفرث الرجين فى الكرش 12.

(2)

اى دارت السحاب يعنى برخاست ابر پس سايه كرد پس ريخت آب 12.

ص: 311

ابطأ بعيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك وتلوّم ابو ذر بعيره فلما ابطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا قال محمد بن عمر كان ابو ذر يقول ابطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك من أجل بعيري وكان نضوا «1» أعجف فقلت اعلفه أياما ثم الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فعلفته أياما ثم خرجت فلما كنت بذي المودة إذ مر بي فتلومت عليه يوما فلم ار به حركة فاخذت متاعى فحملته وتطلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله ان هذا الرجل يمشى على الطريق وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو والله ابو ذر فقال رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده قال محمد بن يوسف الصالحي فكان كذلك فلما قدم ابو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره خبره فقال لقد غفر الله تعالى لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنبا الى ان بلغتني وروى الطبراني عن ابى خيثمة وابن إسحاق ومحمد بن عمر عن شيوخهما قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشين لهما فى حائط وقد رشت كلواحدة منهما عريشها وبرّدت له فيه ماء وهيات له فيه طعاما فلما دخل قام على باب العريش فنظر الى امرأتيه وما صنعتا له فقال سبحان الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حرفى انصح والريح والحر يحمل سلاحه على عنقه وابو خيثمة فى ظل بارد وطعام مهيا وامرأة حسناء فى ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريش واحدة منكما حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم تهيا لى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج فى طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حتى نزل تبوك وقد أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي فى الطريق لطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال ابو خيثمة لعمير بن وهب ان لى ذنبا فلا عليك ان تخلف عنى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس هذا راكب مقبل فقال رسول الله

(1) نضوا الدابة التي هزلته الاسفار وأذهبت لحمها 12.

ص: 312

صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فقالوا والله هو ابو خيثمة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اولى «1» لك يا أبا خيثمة ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ تكرير للتاكيد او أراد بالتوبة فى صدر الاية التوبة من اذن المنافقين فى التخلف وهاهنا من كيدودتهم زيغ القلوب او المراد فى صدر الاية التوفيق للتوبة والانابة وهاهنا قبول التوبة او للتبيه على انه تاب عليهم لاجل ما كابدوا من العسرة إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (116) قال البغوي قال ابن عباس من تاب الله عليه لم يعذبه ابدا يعنى على ذلك الذنب.

وَعَلَى الثَّلاثَةِ عطف على عليهم الَّذِينَ خُلِّفُوا اى تخلفوا عن غزوة تبوك وقيل خلفوا اى أرجى أمرهم عن توبة ابى لبابة وأصحابه وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك الشاعر ومرارة ابن الربيع وهلال ابن امية كلهم من الأنصار روى الشيخان فى الصحيحين واحمد وابن ابى شيبة وابن إسحاق وعبد الرزاق عن كعب بن مالك قال لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة غزاها الا فى غزوة تبوك غير انى كنت تخلفت فى غزوة بدر ولم يعاقب الله أحدا تخلف عنها انما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة قلت يعنى ليلة العقبة الثالثة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب ان لى بها مشهد بدر وانكانت البدر اكثر ذكرا فى الناس منها كان من خبرى انى لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه فى تلك الغزوة والله ما اجتمعت عندى قبله راحلتان قط حتى جمعتها فى تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها وكان يقول الحرب خدعة حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حر شديد واستقبل سفرا بعيدا وصفاوز وعدوّا كثيرا فجلّا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا اهبة غزوهم فاخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير وعند مسلم يزيدون على عشرة آلاف وروى الحاكم فى اكليل عن معاذ قال

(1) اولى لك كلمة تهديه من دنا الى الهلاك 12.

ص: 313

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غزوة تبوك زيادة عن ثلثين الفا وقال ابو ذرعة لا يجمعهم كتاب حافظ قال الزهري يريد الديوان فما رجل يريد ان يتغيب الا ظن انه سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله تعالى وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الظلال والثمار وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهز المسلمون معه فخرج يوم الخميس وكان يحب إذا كان سفر جهاد او غيره ان يخرج يوم الخميس فطفقت اعدوا لكى أتجهز معهم فارجع ولم اقض شيئا فاقول فى نفسى انا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي الحال حتى اشتد بالناس الحر فاصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا والمسلمون معه ولم اقض من جهازى شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم او يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد ان فصلوا لاتجهز فرجعت ولم اقض شيئا ثم غدوت ولم اقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أمعن القوم واسرعوا وتفارط الغزو وهممت ان ارتحل فادركهم وليتنى فعلت ولم يقدر لى ذلك فكنت إذا خرجت فى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني ان لا ارى الا رجلا مغموصا «1» عليه بالنفاق او رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكر لى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس فى القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بنى سلمة وفى رواية من قومى قال محمد بن عمر هو عبد الله بن أنيس السلمى يا رسول الله حبسه برداه «2» ونظره فى عطفيه فقال معاذ بن جبل ويقال ابو قتادة بئسما قلت والله يا رسول الله ما علمت عليه الا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب فلما بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه قافلا حضرنى همى وطفقت أعد عذرا لرسول الله صلى الله عليه واهيّئ الكلام وأقول بماذا اخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذى رأى من أهلي فلما قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عنى الباطل وعرفت ان لن اخرج منه ابدا بشيء فيه كذب فاجمعت صدقه وعرفت انه لن ينجينى الا الصدق وأصبح رسول الله عليه وسلم قادما قال ابن سعد فى رمضان قال كعب وكان إذا قدم من سفر

(1) اى مطعونا فى دينه 12.

(2)

اى جانبيه كناية من كونه معجبا متكبرا 12.

ص: 314

لا يقدم الا فى الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين فيقعد فيه ثم يدخل على فاطمة ثم على أزواجه فبدأ بالمسجد فركعهما ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جأه المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم الى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب فقال تعال فجئت امشى حتى جلست بين يديه وعند ابن عابد فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لم تعرض عنى فو الله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت فقال لى ما خلفك الم تكن قد اتبعت ظهرا فقلت بلى انى والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من اهل الدنيا لرأيت انى ساخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكنى والله لقد علمت لان حدثتك حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله تعالى ان يسخطك ولان حدثتك حديث صدق تجد على فيه انى لارجوا فيه عفو الله لا والله ما كان لى من عذر والله ما كنت أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما هذا فقد صدق فقم حتى يفضى الله فيك بما يشاء فمضيت وثار رجال من بنى سلمة فاتبعونى فقالوا لى ما علمناك كنت إذ نبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت ان لا تكون اعتذرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر اليه المخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم فو الله ما زالوا يؤنّبوننى حتى أردت ان ارجع فاكذب نفسى فقلت ما كنت اجمع أمرين أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وكذبه ثم قلت لهم هل بقي هذا معى أحد قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمرى وهلال بن امية الواقفي وعند ابن ابى حاتم من مرسل الحسن ان سبب تخلف الاول انه كان حائط حين زهى فقال فى نفسه قد غزوت قبلها فلو أقمت عامى هذا فلما تذكر ذنبه قال اللهم انى أشهدك انى قد تصدقت به فى سبيلك وان الثاني كان له اهل تفرقوا ثم رجعوا فقالوا قمت هذا العام عندهم فلما تذكر قال اللهم لك على ان لا ارجع الى أهلي ولا مالى قال كعب فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين

ص: 315

ذكرهما ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا «1» ايها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجبنا الناس وتغيروا لنا وعند ابن ابى شيبة فطفقنا تغدوا فى الناس لا يكلمنا أحد ولا يسلم علينا أحد ولا يرد علينا أحد سلاما وعند عبد الرزاق وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هى بالتي نعرف انتهى ومن شى أهم الى من ان أموت فلا يصلى علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم او يموت فاكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمنى أحد ولا يصلى علىّ حتى تنكرت فى نفسى الأرض حتى ما هى بالتي اعرف فلبثنا ذلك خمسين ليلة فاما صاحباى فاستكانا وقعدا فى بيوتهما يبكيان واما انا فكنت أشب القوم واجلدهم فكنت اخرج فاشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف الأسواق فلا يكلمنى أحد ولا يرد على سلاما وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم عليه وهو فى مجلسه بعد الصلاة فاقول فى نفسى هل حرك شفتيه برد السلام علىّ أم لا ثم أصلي قريبا منه فاسارقه النظر فاذا أقبلت على صلوتى اقبل على ذلك فاذا التفت نحوه اعرض عنى حتى إذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط ابى قتادة وهو ابن عمى يعنى انه من بنى سلمة وليس هو ابن أخو أبيه الأقرب قال كعب وهو أحب الناس الىّ فسلمت عليه فوالله ما رد علىّ السلام فقلت يا أبا قتادة هل تعلمنى أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فسكت فلم يكلمنى حتى إذا كان فى الثالثة او الرابعة قال الله ورسوله اعلم ففاضت عيناى وتوليت حتى تسورت من الجدار قال فبينا انا امشى بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس

يشيرون له حتى جاءنى ودفع الى كتابا من ملك غسان وعند ابن ابى شيبة من بعض قومى بالشام كتب الى كتابا فى سرقة «2» من حرير فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغني ان صاحبك قد جفاك وأقصاك ولم يجعلك الله بدار الهوان ولا مضيعة «3» فان كنت متجولا فالحق بنا نواسيك «4» فقلت لما قراتها وهذا ايضا من البلاء قد طمع فى اهل الكفر فتيممت

(1) بالرفع ومحله النصب على الاختصاص اى خصوصا الثلاثة الذين كقولهم اللهم اغفر لنا أيتها العصابة وقال ابو سعيد السيرافي انه مفعول فعل محذوف اى أريد الثلاثة وخالفوا الجمهور وقالوا انه مناوى والثلاثة صفة له وانما أوجبوا ذلك لانه فى الأصل كان كذلك قبل الاختصاص وكل ما نقل من باب الى باب فاعرابه بحسب أصله كافعل التعجب عنه.

(2)

الأبيض من الحرير او الحرير عامه 12.

(3)

حيث يضيع حقك 12.

(4)

مواساة غمخوارى كردن 12.

ص: 316

بها التنور فسجرته بها وعند ابن عابد انه شكى حاله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما زال اعراضك عنى حتى رغب فىّ اهل الشرك قال كعب حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينى قال محمد بن عمر هو خزيمة بن ثابت وهو الرسول الى مرارة وهلال بذلك فقال كعب فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تعزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا افعل قال لابل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبى بمثل ذلك فقلت لامراتى الحقي باهلك فتكونى عندهم حتى يقضى الله فى هذا الأمر قال كعب بن مالك فجاءت امراة هلال بن امية اى خولة بنت عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان هلال بن امية شيخ ضايع ليس له خادم وعند ابن ابى شيبة انه شيخ قد ضعف بصره انتهى فهل تكره ان اخدمه قال لا ولكن لا يقر بك قالت انه والله ما به حركة الى شىء والله ما زال يبكى منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا قال كعب فقال لى بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امرأتك كما اذن لامراة هلال بن امية ان يخدمه فقلت والله لا استاذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدرينى ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استاذنه فيها وانا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا وعند عبد الرزاق وكانت توبتنا نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل فقالت أم سلمة يا نبى الله الا نبشر كعب بن مالك قال إذا يحطمنكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليل فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وافا على ظهر بيت من بيننا فبينا انا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى قد ضاقت على نفسى وضاقت على الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ او فى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك البشر وعند محمد بن عمر وكان الذي اوفى على جبل سلع أبا بكر الصديق فصاح قد تاب الله على كعب يا كعب البشر وعند عقبة ان رجلين سعيا كعبا يبشرانه فسبق أحدهما فارتقى المسبوق على سلع فصاح يا كعب البشر بتوبة الله وقد انزل الله عز وجل فيكم القرآن وزعموا ان الذين سبقا ابو بكر وعمر قال كعب نخررت ساجدا ابكى فرحا بالتوبة وعرفت انه قد جاء فرج وآذن «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) بالمد اعلم 12.

ص: 317

بتوبة الله علينا حين صلى صلوة الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبى مبشرون وركض الىّ رجل على فرس وعند محمد بن عمر هو زبير بن العوام وسعى ساع من اسلم قال وكان الصوت اسرع من الفرس فلما جاءنى الذي سمعت صوته وهو حمزة الأسلمي يبشرنى نزعت له ثوبىّ فكسوته إياه يبشراه وو الله ما املك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين من ابى قتادة كما عند محمد بن عمر فلبسته مما قال وكان الذي بشر هلال بن امية بتوبة سعيد بن زيد فما ظننت انه يرفع راسه حتى تخرج نفسه اى الجهد فقد كان امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صياما لا يفتر من البكاء وكان الذي بشر مرارة ابن الربيع بتوبة سلكان بن سلامة ابو سلامة بن وقش قال كعب وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقانى الناس فوجا فوجا يهنؤنى بالتوبة يقولون لتهنئك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام الىّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام الىّ رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور ابشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم امن عندك أم من عند الله قال لا بل من عند الله انكم صدقتم الله فصدقكم الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كانه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله ان من توبتى ان انخلع من مالى كله صدقة الى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت نصفه قال لا قلت فثلثه قال نعم قال فانى امسك سهمى الذي بخيبر وقلت يا رسول الله انما نجانى الله بالصدق وان من توبتى ان لا أحدث الا صدقا ما بقيت فو الله ما اعلم أحدا من المسلمين أبلاه «1» الله فى صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم احسن مما ابتلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومى هذا كذبا وانى لارجو ان يحفظنى الله تعالى فيما بقيت وانزل الله تعالى لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الى قوله

(1) اى أنعم الله عليه 12. [.....]

ص: 318

وكونوا مع الصادقين فو الله ما أنعم الله تعالى علىّ من نعمة بعد ان هدانى للاسلام أعظم من نفسى من صدقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا أكون كذبة فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين انزل الوحى شر «1» ما قال لاحد فقال تبارك وتعالى سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم الى قوله فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين قال كعب وكنا تخلفنا ايها الثلاثة عن امر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وارجا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله سبحانه فيه بذلك قال الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله تعالى ممن خلفنا عن الغزو وانما هو تخليفه إيانا وارجاؤه أمرنا عمن خلف واعتذر اليه فقبل منه قال فى النور لعل الحكمة فى هجران كعب وصاحبيه خمسين ليلة انها كانت هذه مدة غيبته صلى الله عليه وسلم فى سفر تلك الغزوة قال الله تعالى حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ لاعراض الناس عنهم بِما رَحُبَتْ اى مع رحبها وسعتها وهذا مثل لشدة الحيرة فى أمرهم كانهم لا يجدون فيها مكانا ليقرون فيه قلقا واضطرابا وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ اى قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعتها انس ولا سرور وَظَنُّوا اى علموا أَنْ لا مَلْجَأَ اى لا مفزع مِنَ اللَّهِ من سخطه إِلَّا إِلَيْهِ اى الا الى استغفاره ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ اى قبل توبتهم لِيَتُوبُوا اى ليستقيموا على التوبة فان توبتهم قد سبقت او المعنى ليعدوا من جملة التوابين عن ابى بكر الوراق انه قال التوبة النصوح ان يضيق على التائب إذا أذنب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة هؤلاء الثلاثة إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أشد فرحا يتوب عبده حين يتوب اليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فايس منها فاتى شجرة فاضطجع فى ظلها قد ايس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده

(1) شر ما قال لاحد بالاضافة به اى قال قولا شر القول الكائن لاحد من الناس 12.

ص: 319

فاخذ بخطامها ثم قال لشدة الفرح اللهم أنت عبدى وانا ربك اخطأ من شدة الفرح رواه مسلم وفى الباب أحاديث كثيرة الرَّحِيمُ (117) المتفضل عليهم بالنعم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (118) فى ايمانهم وعهودهم او فى دين الله نية وقولا وعملا يعنى الزموا الصدق فى كل شىء قال ابن عباس وكذا روى عن ابن عمر اى كونوا مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك بإخلاص نية دون المنافقين المتخلفين عنه وقال سعيد بن جبير مع ابى بكر وعمر وقال الضحاك أمروا ان يكونوا مع ابى بكر وعمر وأصحابهما وروى انه قال ابن عباس مع على ابن ابى طالب عن سفيان قال تفسير اختلاف انما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا وقال ابن جريج مع المهاجرين لقوله تعالى للفقراء المهاجرين الى قوله أولئك هم الصادقون وقيل من الذين صدقوا فى الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالاعذار الكاذبة قال ابن مسعود ان الكذب لا يصلح فى جد ولا هزل ولا ان يعد أحدكم صبية شيئا ثم لا ينجز له اقرأ ان شنم وقرأ هذه الاية.

ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ظاهره خبر ومعناه نهى كقوله تعالى وما لكم ان توذوا رسول الله وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ سكان البوادي مزينة وجهينة وأشجع واسلم وغفار أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه الشريفة وَلا يَرْغَبُوا ولا ان يرغبوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ اى لا يضنوا أنفسهم عمالا يضن نفسه عنه ذلِكَ اشارة الى ما دل عليه قوله ما كان من النهى عن التخلف يعنى ذلك النهى بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ اى شىء من العطش وَلا نَصَبٌ تعب وَلا مَخْمَصَةٌ مجاعة فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى معاونة رسوله والجهاد لاعلاء دينه وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً مصدر او ظرف اى يدوسون دوسا او يذهبون أرضا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وطئهم إياها وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا قتلا او اسرا او نهبا او غنيمة إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ اى استوجبوا به الثواب وذلك مما يوجب المشايعة والانتهاء عن التخلف إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (119)

ص: 320

على إحسانهم وهو تعليل لكتب وتنبيه على ان الجهاد احسان اما فى حق الكفار فلانه سعى فى تكميلهم وإنقاذهم من النار بأقصى ما يمكن كالضرب للمجنون وتأديب الصبى واما فى حق المؤمنين فلانه صيانة لهم عن سطوة الكفار واستيلائهم عن ابى عبس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرمه الله تعالى على النار رواه البخاري فى الصحيح واحمد والترمذي والنسائي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بايات الله لا يفتر من صيام ولا صلوة حتى يرجع المجاهد فى سبيل الله متفق عليه قال البغوي اختلفوا فى حكم هذه الاية قال قتادة هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يكن لاحد ان يتخلف عنه الا بعذر فاما غيره من الائمة والولاة فيجوز لمن شاء من المؤمنين يتخلف عنه إذا لم يكن بالمسلمين اليه ضرورة وقال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي وابن المبارك وابن جابر وسعد بن عبد العزيز يقولون هذه الاية لاول هذه الامة وآخرها وقال ابن زيد هذا حين كان اهل الإسلام قليلا فلما كثروا نسخها الله تعالى وأباح التخلف لمن شاء وقال وما كان المؤمنون لينفروا كافة قلت اتفق الائمة على ان الجهاد فرض كفاية إذا قام به جماعة من المسلمين وحصل بهم الكفاية سقط عن الباقين وعن سعيد بن المسيب انه فرض عين للعمومات الواردة فى الجهاد وما ورد التغليظ فى المتخلفين عن غزوة تبوك قلنا عند النفير العام يكون فرضا على الأعيان بالإجماع كما فى غزوة تبوك والا فهو فرض كفاية لقوله تعالى لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله الى قوله وكلا وعد الله الحسنى وقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة قوله تعالى.

وَلا يُنْفِقُونَ فى سبيل الله نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كما فعل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما فى جيش العسرة (وَلا يَقْطَعُونَ) فى مسيرهم مقبلين ومدبرين وادِياً وهو كل منفرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودى إذا سال فشاع بمعنى الأرض (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ذلك لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ بذلك الكتابة

ص: 321

أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (120) يعنى جزاء احسن أعمالهم يعنى الجهاد فى سبيل الله او احسن جزاء أعمالهم عن ابى مسعود الأنصاري قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال هذه فى سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة رواه مسلم وعن زيد بن خالد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جهز غازيا فى سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا فى اهله فقد غزا متفق عليه والله اعلم قال الكلبي ان احياء بنى اسد بن خزيمة أصابتهم سنة شديدة فاقبلوا بالذراري حتى نزلوا بالمدينة فافسدوا طرقها بالعذرات واغلوا أسعارها فانزل الله تعالى.

وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً نفى بمعنى النهى واللام لتأكيد النفي والمعنى لا ينفروا كافة عن أوطانهم لطلب العلم فانه مخل بالمعاش ومفضى الى المفسدة فَلَوْلا فهلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ اى من كل جماعة كثيرة كقبيلة واهل بلدة او قرية طائِفَةٌ جماعة قليلة لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ اى ليتكلفوا الطلب الفقاهة فى الدين ويتجشموا المشاق فى تحصيلها قال صاحب النهاية الفقه فى الأصل الفهم واشتقاقه من الشق والفتح وفى القاموس الفقه بالكسر المعلم بالشيء والفهم له والفطنة وغلب على علم الدين لشرفه وقال بعض المحققين الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم يعنى العلم الاستدلالي قال الله تعالى فما لهولاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ولا يستنبطون مضمونه قال ابو حنيفة رحمه الله هو معرفة النفس مالها وما عليها والتخصيص بالعلم بفروع الدين اصطلاح جديد والظاهر انه يشتمل علم المقلد ايضا فالمقلد إذا أخذ العلم من المجتهد ومن كتابه فقد ادى ما وجب عليه بهذه الاية والله اعلم وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ الذين لم ينفروا إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ فى أوطانهم بعد تحصيل العلم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (121) بانذارهم ما يجب عليهم اجتنابها وقال مجاهد نزلت فى ناس خرجوا فى البوادي فأصابوا منهم معروفا ودعوا من وجدوا من الناس الى الهدى فقال الناس لهم ما نريك الا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا فوجدوا فى أنفسهم من ذلك حرجا فاقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلم

ص: 322

فانزل الله تعالى هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فخيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا رواه الشافعي وكذا روى الشيخان فى الصحيحين واحمد عن ابى هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما رواه الطبراني عن ابن مسعود والله اعلم وهذه الاية دليل على ان اخبار الآحاد حجة لان عموم كل فرقة يقتضى ان ينفر من كل ثلثة تفردوا بقرية طائفة الى التفقه لينذر فرقتها كى يتذكروا فيحذروا فلو لم يعتبر الاخبار ما لم يتواتر لم يفد ذلك اعلم ان الفقه فى الدين ينقسم الى فرض عين وفرض كفاية فالفرض العين هو العلم بالعقائد الصحيحة ومن الفروع ما يحتاج اليه كل أحد كالطهارة والصلاة والصوم وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على الآدمي يجب عليه معرفة أحكامها مثل علم الزكوة إن كان له مال وعلم الحج ان وجب عليه وكذلك من المعاملات يجب معرفة احكام ما يتعاطى بها ويمارسها فيجب معرفة احكام البيع من الصحيح والفاسد والربوا للتجار والإجارات لمن يتاتى بها ونحو ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم رواه ابن عدى والبيهقي بسند صحيح عن انس والطبراني فى الصغير والخطيب عن الحسن بن على والطبراني فى الأوسط عن ابن عباس وفى الكبير عن ابن مسعود وعند الخطيب عن على وفى الطبراني فى الأوسط والبيهقي عن ابى سعيد وزاد ابن عبد البر عن انس وان طالب العلم يستغفر له كل شىء حتى الحيتان فى البحر وفى رواية والله يحب إغاثة اللهفان والفرض الكفاية وهو ان يتعلم الرجل كل باب من العلم حتى يبلغ درجة الفتوى فاذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا وإذا قام من كل بلد واحد بتعلمه سقط عن الباقين وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث وهو أفضل من كل عبادة نافلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم أفضل عند الله من الصلاة والصيام والحج والجهاد فى سبيل الله عز وجل رواه صاحب سند الفردوس عن ابن عباس وروى ايضا عنه طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة وطلب العلم يوما خير من صيام ثلثة ايام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلى على

ص: 323

أدناكم ان الله وملئكة واهل السموات والأرضين حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت فى الماء ليصلون على معلم الناس الخير رواه الترمذي بسند صحيح عن ابى امامة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيه واحد أشد على الشيطان من الف عابد رواه الترمذي وابن ماجة

عن ابن عباس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلثة الا من صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعوا له واما لعلم اللدني فى الذي يسمون أهلها بالصوفية الكرام فهو فرض عين لان ثمراتها تصفيه القلب عن الاشتغال بغير الله تعالى واتصافه بدوام الحضور وتزكية النفس عن رذائل الأخلاق من العجب والكبر والحسد وحب الدنيا والكسل فى الطاعات وإيثار الشهوات والرياء والسمعة وغير ذلك وتجليتها بكرام الأخلاق من التوبة والرضا بالقضاء والشكر على النعماء والصبر على البلاء وغير ذلك ولا شك ان هذه الأمور محرمات وفرايض على كل بشر أشد تحريما من معاصى الجوارح وأهم افتراضا من فرائضها فالصلوة والصوم وشىء من العبادات لا يعبأ بشئ منها ما لم تقترن بالإخلاص والنية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا يقبل من العمل الا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه رواه النسائي عن ابى امامة وقال عليه السلام ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم- رواه مسلم عن ابى هريرة وكل ما يترتب عليه من الفروض الأعيان فهو فرض عين والله اعلم وفى سبب نزول الاية وجه آخر وذلك ما قال البغوي انه قال ابن عباس فى رواية الكلبي وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة ونحوه عن عبد الله بن عمير انه لما انزل الله تعالى عيوب المنافقين فى غزوة تبوك ونزلت ان لا تنفروا يعذبكم عذابا أليما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا الى الغزو ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم وخده وفى رواية عكرمة تخلف عن الغزو أناس من اهل البوادي فقالت المنافقون هلك أصحاب البوادي فانزل الله تعالى هذه الاية يعنى ما كان المؤمنون لينفروا الى الغزو كافة فهلا نفر من كل فرقة عظيمة

ص: 324

طايفة الى الغزو وبقي طائفة مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتفقه القاعدون فى الدين ويتعلمون القرآن والسنن والفرائض والاحكام فاذا رجعت السرايا اخبروهم بما نزل بعدهم فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم وينفر سرايا اخر حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لان الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود من البعثة ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء فيكون الضمير فى ليتفقهوا ولينذروا لبواقى الفرق بعد الطائفة النافرة للغزوة وفى رجعوا للطائفة النافرة قال السيوطي قال ابن عباس فهذه مخصوصة بالسرايا والتي من قبلها بالنهى عن تخلف أحد فيما إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحسن هذه التفقه والانذار راجع الى الفرقة النافرة معناه هلا نفر فرقة ليتفقهوا اى ليبصروا بما يريهم من الظهور على المشركين ونصرة الدين ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا من الجهاد فيخبروهم بنصر الله رسوله والمؤمنين لعلهم يحذرون قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بهم ما نزل باصحابهم من الكفار وهذا يدل على ان الجهاد فرض كفاية إذا قام به جماعة سقطه عن الباقين الا عند النفير العام حتى يصير فرضا على الأعيان قوله تعالى.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ امر بقتال الأقرب منهم فالاقرب إليهم فى الدور والنسب فان الأقرب أحق بالشفقة والاستصلاح ولذلك امر رسول الله صلى الله عليه وسلم اولا بانذار عشيرته الأقربين ولما هاجر الى المدينة امر بقتال قريظة والنضير وخيبر ونحوها وإذا فرغ من قتال العرب امر بقتال الروم وهم المراد بهذه الآية لانهم كانوا سكان الشام وكان الشام اقرب الى المدينة من العراق فاذا نزلت هذه الآية عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم عام تبوك كما ذكرنا فيما سبق فى رواية ابن مردوية عن ابن عباس وابن ابى شيبة وابن المنذر عن مجاهد وابن جرير عن سعيد بن جبير وعلى مقتضى هذه الاية قالت الفقهاء يجب على من يكون فى الثغر الجهاد بمن يليهم من الكفار فان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا وعصوا يجب على من يقرب منهم وكذا من يقرب ممن

ص: 325

يقرب ان لم يكن بهم كفاية او تكاسلوا وهكذا الى ان يجب على جميع اهل الإسلام شرقا وغربا كذا جهاز الميت والصلاة عليه وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً شدة وحمية قال الحسن صبرا على الجهاد وظاهر الاية امر للكفار والمراد منه الأمر للمؤمنين بالتغليظ يعنى اغلطوا عليهم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (122) دون الكفار بالعون والنصر فلا تبالوا بقتالهم قوله تعالى.

وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ما صلة مؤكدة فَمِنْهُمْ يعنى من المنافقين مَنْ يَقُولُ لاخوانه استهزاء أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً يقينا وتعديقا قال الله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً بزيادة العلم الحاصل من تدبير السورة بما فيها من الاعجاز وبانضمام الايمان بها وبما فيها الى ايمانهم وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (123) بنزولها لانه سبب لزيادة علمهم وكما لهم وارتفاع ورجاتهم.

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك ونفاق فَزادَتْهُمْ السورة رِجْساً كفرا بها مضموما إِلَى رِجْسِهِمْ كفرهم بغيرها وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (124) فان الايمان امر وهبى لا يفيد النذر والآيات مالم يشاء الله قال مجاهد فى هذه الاية دلالة على ان الايمان يزيد وينقص وكان عمر رضى الله عنه يأخذ بيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول تعالوا حتى نزداد ايمانا وقال على رضى الله عنه ان الايمان يبدوا لمظة «1» بيضاء فى القلب كلما ازاد الايمان عظما ازداد ذلك البياض من حتى يبيض القلب كله وان النفاق يبدو لمظة سوداء فى القلب فكلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد حتى يسود القلب وايم الله لو شققتم عن قلب مومن لوجدتموه ابيض لو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسودا.

أَوَلا يَرَوْنَ قراءة حمزة ويعقوب بالتاء الفوقانية على خطاب المؤمنين والباقون بالياء التحتانية حكاية عن المنافقين المذكورين أَنَّهُمْ اى المنافقون يُفْتَنُونَ اى يبتلون بأصناف البليات من الأمراض والشدائد وقال مجاهد بالقحط والشدة وقال قتادة بالغزو والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعاينون ما يظهر من الآيات وقال مقاتل بن حبان يفضحون بإظهار نفاقهم وقال عكرمة

(1) المظة النكتة من البياض 12.

ص: 326

ينافقون ثم يومنون ثم ينافقون وقال يمان ينقضون عهودهم فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ من نقض العهد ومن المعاصي والنفاق الجالب إليهم تلك البليات والفضائح وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (125) أصله يتذكرون اى لا يتعظون بما يرون من تصديق وعد الله بالنصر والظفر للمسلمين.

وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فيها ذكرهم وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ اى تغامزوا بالعيون إنكارا لها وسخرية او غيظا لما فيها من عيوبهم وتفضيحهم ويريدون الهرب قائلا بعضهم لبعض اشارة هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ من زائدة يعنى هل يراكم أحد من المؤمنين ان قمتم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فان لم يرهم أحد خرجوا من المسجد وان علموا ان أحدهم يريهم أقاموا وثبتوا ثُمَّ انْصَرَفُوا عن الايمان بها وقيل انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها يعنى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم مخافة الفضيحة صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الايمان قال ابو إسحاق أضلهم الله مجازاة على فعلهم ذلك ويحتمل الدعا بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (126) اى لا يفقهون الحق سوء فهمهم وعدم تدبرهم.

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى من جنسكم عربى مثلكم من بنى اسمعيل عليه السلام تعرفون نسبه وحسبه قال ابن عباس ليس من العرب قبيلة الا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم وله فيهم نسب قال جعفر بن محمد الصادق لم يصبه شىء من ولاد الجاهلية من زمان آدم عليه السلام روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ولدني من سفاح الجاهلية شىء ما ولدني الانكاح كنكاح الإسلام وقرأ ابن عباس والزهري وابن محيصن من أنفسكم بفتح الفاء اى اى من أشرفكم وأفضلكم عَزِيزٌ شديد شاق عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ قيل ما زايدة معناه عنتكم اى دخول المشقة والمضرة عليكم وقال القتيبي ما اعنتكم وضركم وقال ابن عباس ما ضللتم وقال الضحاك والكلبي أثمتم فما موصولة حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ اى على ايمانكم وصلاح شانكم بِالْمُؤْمِنِينَ منكم و

ص: 327

من غيركم رَؤُفٌ رَحِيمٌ (127) الرأفة شدة الرحمة قدم الأبلغ منها لرعاية الفواصل قبل رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين.

فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الايمان بك وناصبوك للحرب فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ فانه يكفيك مؤنتهم ويعينك عليهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كالدليل عليه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فلا ارجوا ولا أخاف الا منه وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (128) خصه بالذكر لانه أعظم المخلوقات اخرج عبد الله بن احمد عن ابى بن كعب قال اخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان لقد جاءكم رسول من أنفسكم الى اخر السورة وقال «1» هما أحدث الآيات بالله عهدا والله اعلم.

(فصل) ولما كان نزول اكثر هذه السورة فى غزوة تبوك وقد ذكرنا بعض قصصها فى ضمن تفسير السورة فلنذكر بقية قصص تلك الغزوة والمعجزات التي ظهرت فيها تتميما للمقال روى الطبراني عن عبد الله بن سلام ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالخليجة فى سفره الى تبوك قال له أصحابه المبرك يا رسول الله الظل والماء وإن كان فيها دوم «2» وماء فقال انها ارض زرع دعوها فانها مامورة يعنى ناقته فاقبلت حتى بركت عند الدومة التي كانت فى مسجد ذى المروة قال محمد بن عمر ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي القرى اهدى له بنى عريض اليهودي هريسا فاكلها وأطعمهم أربعين وسقا فهى جارية عليهم الى يوم القيامة وفى رواية فهى جارية عليهم الى الساعة روى مالك واحمد والشيخان فى

(1) عن يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب انه قال أراد عمر بن الخطاب ان يجمع القران فقام فى الناس فقال من كان تلقى فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فلياتنا به وكانوا كتبوا ذلك فى الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد به شاهدان فقتل وهو يجمع ذلك اليه فقام عثمان بن عفان فقال من كان عنده شىء من كتاب الله فلياتنا به وكان لا يقبل من ذلك حتى يشهد به شاهدان فجاء خزيمة بن ثابت فقال انى رايتكم تركتم به ايتين لم تكتبوهما فقال اما هما قال تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم الآيتين فقال عثمان وانا اشهد انهما من الله فاين نرى ان تجعلهما قال اختم بهما آخر ما نزل من القرآن فتحتمت بها براة الحمد لله رب العلمين صلى الله على رسوله روف الرحيم.

(2)

الودم جمع ودمة وهى ضخام الشجري شجر المقل 12.

ص: 328

الصحيحين عن ابن عمرو احمد عن جابر وابى كبشة الأنماري وابى حميد الساعدي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر تقنع بردائه وهو على الرحل فاوضع راحلته حتى خلف أبيات ثمود ولما نزل هناك تسارع الناس الى اهل الحجر يدخلون عليهم واستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا ونصبوا القدور باللحم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودى فى الناس الصلاة جامعة فلما اجتمعوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم ما أصابهم ولا تشربوا من مائها ولا تتوضاوا منه للصلاة واهريقوا القدور واعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل على البير التي كانت تشرب منها الناقة وقال لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح سألوا نبيهم ان يبعث لهم آية فبعث الله تبارك وتعالى لهم الناقة فكانت ترد هذا الفج وتصدر «1» من هذا الفج «2» فعتوا عن امر ربهم فعقروها وكانت تشرب مياههم يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فاخذتهم صيحة اخمد الله تعالى من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان فى حرم الله قيل من هو يا رسول الله قال ابو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم فناداه رجل منهم تعجب منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنبئكم بأعجب من ذلك رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا فان الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتى الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم بشئ تهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد ومن كان له بعير فليوثق عقاله ولا يخرجن أحد منكم الا ومعه صاحب له ففعل الناس ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر فى طلب بعير له فاما الذي خرج لحاجته فانه خنق على مذهبه واما الذي ذهب فى طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته على جبل طى فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال الم أنهكم ان يخرج أحد الا ومعه صاحب له ثم دعا للذى أصيب على مذهبه فشفى واما لاخر فان طيا أهدته الى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) تصدر اى ترجع بعد ورود 12.

(2)

اى الموضع الذي ينغوط فيه 12.

ص: 329

حين رجع الى المدينة وقد مر قصة استسقائه صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن عمر ومحمد بن إسحاق انه ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس فى طلبها فقال زيد بن اللّصيب أحد بنى قينقاع كان يهوديا فاسلم ونافق وكان فى رجل عمارة بن حزم محمد يزعم انه نبى وهو يخيركم خبر السماء وهو لا يدرى اين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمارة بن حزم عنده ان منافقا قال كذا والله انى لا اعلم الا ما علمنى الله وقد اطلعنى الله عليها وهى فى الوادي فى شعب كذا فذهبوا فجاؤا بها فاقبل عمارة على زيد يجافى عنقه ويقول اخرج يا عدو الله من رحلى فلا تصاحبنى قال ابن إسحاق فزعم بعض الناس ان زيدا تاب وقال بعض الناس لم يزل منافقا حتى هلك وفى تلك الغزوة ما روى مسلم عن المغيرة بن شعبة ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفجر لحاجته فاسفر الناس حتى خافوا الشمس فقدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضاق كم جبته فاخرج يديه من تحت الجبة ومسح على خفيه وأدرك ركعة فصلى ركعة اخرى وسلم وقال أحسنتم صلوا الصلاة لوقتها وانه لم يتوف نبى حتى يؤمه رجل صالح من أمته وروى احمد والطبراني انه صلى الله عليه وسلم اردف سهيل بن بيضاء على رحله ورفع صوته يا سهيل ثلث مرات كل ذلك يقول سهيل لبيك حتى عرف الناس انه يريدهم فلما اجتمع الناس قال من شهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له حرمه الله على النار روى محمد بن عمرو ابو نعيم فى الدلائل انه عارض الناس حية عظيمة ذكر من عظمها وخلقها فاقبلت حتى واقفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون اليه فقامت قائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفد والىّ يسمعون القرآن وهاهو ذا يقرأكم السلام فقال الناس جميعا وعليه السلام ورحمة الله وبركاته روى احمد برجال الصحيح عن حذيفة عن معاذ قال عليه السلام لكم ستاتون غدا إنشاء الله عين تبوك وانكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاء فلا يمس من ماءها شيئا حتى اتى فجئناها وسبق اليه رجلان والعين مثل الشراك بتض «1» بشئ من ماء فسالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل مسستما من مائها شيئا

(1) اى تسيل 12.

ص: 330

قالا نعم فسبهما وقال لهما ما شاء الله ان يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع فى شن ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه وتمضمض ثم إعادة فجرت العين بماء كثير ولفظ ابن إسحاق فانخرق الماء حتى كان يقول من سمعه ان له حساكحس الصواعق وذلك الماء فوارة بتبوك ثم قال يا معاذ يوشك ان طالت بك حيوة ان ترى ما هاهنا يلى جنانا وفيما روى البيهقي وابو نعيم عن عروة ففارت عينها حتى امتلأت فهى كذلك حتى الساعة روى احمد والنسائي عن ابى سعيد الخدري خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك وهو مسند ظهره الى نخلة فنادى الا أخبركم بخير الناس وشر الناس ان من خير الناس رجل محمل فى سبيل الله على ظهر فرسه او على ظهر بعيره او على قدميه حتى يأتيه الموت وان من شر الناس رجلا يقرأ كتاب الله لا يرعوى «1» الى شىء منه وروى ابو داود عن ابن عمر قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنبة فى تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع روى احمد وابو داود انه مر غلام بينه صلى الله عليه وسلم وبين القبلة على حمار وهو يصلى فقال اللهم اقطع اثره فصار مقعدا ورمى محمد بن عمر عن رجل من بنى سعد قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بتبوك فى نفر فقال يا بلال أطعمنا فاخرج بلال خرجات بيده من تمر معجون بسمن وإقط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا فاكلنا حتى شبعنا فقلت يا رسول الله ان كنت لا كل هذه وحدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكافر يأكل فى سبعة أمعاء والمؤمن يأكل فى معاء واحد ثم جئته من الغد فاذا عشرة نفر حوله فقال هات أطعمنا يا بلال فجعل يخرج من جراب تمرا بكفه قبضة قبضة فقال اخرج ولا تخش من ذى العرش إقتارا فجاء بجراب فنشره فخرزته مدين فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على التمر وقال كلوا بسم الله فاكلوا وأكلت معهم حتى ما أجد له مسلكا قال وبقي على النطع مثل الذي جاء به بلال كانّا لم ناكل منه تمرة واحدة ثم قال غدوت من الغد وعاد نفر فكانوا عشرة او يزيد رجلا او رجلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال أطعمنا فجاء بلال بذلك الجراب بعينه أعرفه فنشره ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال كلوا بسم الله فاكلنا حتى نهلنا

(1) لا يرعوى اى لا ينكف ولا ينزجر من رعى يرعوا إذا انكف عن الأمر وقد ارعوى عن القبيح ارعواء وقيل الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه 12.

ص: 331

ثم رجع مثل الذي صب ففعل ذلك ثلثة ايام وفى قصة اخرى روى محمد بن عمر وابو نعيم وابن عساكر عن عرباض بن سارية فذكر قصة انه قال كنا ثلثة انا وجعال بن سراقة وعبد الله بن مغفل المزني كلنا جياع انما نعيش بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة ومعه زوجته أم سلمة فطلب شيئا فلم يجد فخرج فنادى بلا لاهل من عشاء لهولاء النفر فاخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا فتقع التمرة والثمرتان حتى رايت فى يده سبع تمرات ثم دعا بصفحة فوضع التمر فيها ثم وضع يده على التمرات وسمى الله تعالى فقال كلوا بسم الله فاكلنا فأحصيت أربعا وخمسين تمرة اكلتها أعدها عدا ونواها فى يدى الاخرى وصاحباى يصنعان مثل ما اصنع وشبعنا وأكل كل واحد منا خمسين تمرة ورفعنا أيدينا فاذا التمرات السبع كما هى فقال يا بلال ارفعها فانه لا يأكل منها أحد الا نسهل شبعا فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلّى صلوة الصبح انصرف الى فناء قبته فجلس وجلسنا حوله وفقراء من المسلمين عشرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لكم من الغداء فدعا بلالا بالتمرات فوضع يده عليهن فى الصفحة ثم قال كلوا بسم الله فاكلنا فوالذى بعثه بالحق حتى أشبعنا وانا لعشرة ثم رفعوا منها أيديهم شبعا وإذا التمرات كما هى فقال لولا انى استحيى من ربى لاكلنا من هذه التمر حتى نرد المدينة من آخرنا وطلع غليم من اهل البلد فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم التمرات بيده فدفعها اليه فولّى الغلام يلوكهن روى محمد بن عمر انه هاجت ريح شديد بتبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لموت منافق عظيم النفاق فقدموا المدينة فوجدوا منافقا عظيم النفاق قد مات روى محمد بن عمر انه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من سعد هزيم فقالوا يا رسول الله انا قدمنا إليك وتركنا أهلنا على بير قليل مائها وهذا القيظ ونحن نخاف ان تفرقنا ان نقتطع لان الإسلام لم يغش حولنا بعد فادع الله لنا فى مائنا فانا ان روينا به فلا قوم اغرمنا لا يقربنا أحد مخالف لديننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابغوني حصيات فتناول بعضهم ثلث حصيات فدفعهن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعركهن بيده ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات الى بيركم فاطرحوا واحدة واحدة وسموا الله تعالى فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ذلك فجاشت بيرهم بالرواء ونفوا من حاربهم من اهل الشرك ووطئوهم فما انصرف

ص: 332

رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة حتى اوطئوا «1» من حولهم عليه ودانوا عليه بالإسلام روى الطبراني عن ابن عمرو معاوية بن ابى سفيان والبيهقي وابن سعد عن انس قال طلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أدرها طلعت فيما مضى فاتى جبرئيل فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذاك معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة اليوم فبعث الله سبعين الف ملك يصلون عليه فهل لك فى الصلاة عليه قال نعم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الملئكة خلفه صفين فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبرئيل بم بلغ هذه المنزلة قال يحبه قل هو الله أحد يقرأها قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وعلى كل حال قال الحافظ هذا لحديث له طرق يقوى بعضها بعضا روى الطبراني وابو نعيم عن محمد بن حمزة عن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غزوة تبوك وكنت على خدمته ذلك السفر فنظرت الى نحى السمن قد قل ما فيه وهيات للنبى صلى الله عليه وسلم طعاما فوضعت النحى فى الشمس ونمت فانتبهت بخذير «2» النحى فقمت فاخذت راسه بيدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآني لو تركته لسال الوادي سمنا روى الحارث بن اسامة عن بكر بن عبد الله المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يذهب بهذا الكتاب الى قيصر وله الجنة فقال رجل وان لم يقبل فانطلق الرجل فاتاه بالكتاب فقرأ فقال اذهب الى نبيكم فاخبره انى متبعه ولكن لا أريد ان ادع ملكى وبعث

معه بدنانير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فاخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب وقسم الدنانير روى احمد وابو يعلى بسند حسن عن سعيد بن ابى راشد عن التنوخي رسول هرقل قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فبعث دحية الكلبي الى هرقل فلما ان جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قسيسى اى علماء النصارى الروم وبطارقتهما ثم اغلق عليه وعليهم الدار فقال قد نزل هذا الرجل حيث رايتم وقد أرسل يدعونى الى ثلث خصال ان اتبعه على دينه او ان أعطيه مالنا على ارضنا والأرض ارضنا او نلقى اليه الحرب والله لقد عرفتم فيما تقرءون من الكتاب فهلم فلنتبعه على دينه او نعطيه مالنا على ارضنا فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا وقالوا تدعونا الى ان نذر النصرانية او تكون عبيد الاعرابى من الحجاز فلما ظن انهم ان يخرجوا من عنده فسدوا عليه

(1) اى كلموا مع الغصب 12.

(2)

هو صوت الماء فاستعير للسمن 12.

ص: 333

الروم رناهم «1» ولم يكد وقال انما قلت ذلك لاعلم صلابتكم على دينكم وأمركم ثم دعا رجلا من عرب تجيّب كان على نصارى العرب قال ادع لى رجلا حافظا للحديث عربى اللسان ابعثه الى هذا الرجل بجواب كتابه فجاءنى فدفع الىّ هرقل كتابا فقال اذهب بكتابي هذا الى هذا الرجل فما سمعته من حديثه فاحفظ لى منه ثلث خصال هل يذكر صحيفته التي كتب بشئ وانظر إذا قرأ كتابى فهل يذكر الليل وانظر الى ظهره هل فيه شيء يريبك قال فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فاذا هو جالس بين ظهرانى أصحابه محتبيا على الماء فقلت اين صاحبكم قيل هوذا فاقبلت امشى حتى جلست بين يديه فناولته كتابى فوضعه فى حجره ثم قال ممن أنت قلت انا من تنوخ قال هل لك فى الإسلام الحنيفة ملة أبيك ابراهيم قلت انى رسول قوم وعلى دين قوم حتى ارجع إليهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو اعلم بالمهتدين يا أخا تنوخ انى كتبت كتابا الى كسرى فمزقه وممزق ملكه وكتبت الى النجاشي بصحيفة فمزقها والله ممزقه وممزق ملكه وكتبت الى صاحبك بصحيفة فامسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام فى العيش خير قلت هذه احدى الثلث التي أوصاني صاحبى بها فاخذت سهما من جعبتى فكتبتها فى جفن سيفى ثم ناول الصحيفة رجلا عن يساره قلت من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم قالوا معاوية فاذا فى كتاب صاحبى تدعونى الى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فاين النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله اين النهار إذا جاء الليل فاخذت سهما من جعبتى فكتبته فى جنب سيفى فلما فرغ من قراءة كتابى قال ان لك حقا وانك رسول الله فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها انا سفر «2» مرملون قال فناداه رجل من طائفة الناس انا أجوزه ففتح رحله فاذا هو بحلة صفراء فوضعها فى حجرى قلت من صاحب الجائزة قيل لى عثمان ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم ينزل هذا الرجل فقال فتى من الأنصار انا فقام الأنصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس نادانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعال يا أخا تنوخ فاقبلت أهوى حتى كنت فى مجلسى الذي كنت بين يديه فحل حبوته عن ظهره وقال هنا

(1) من الرنى بضم الراء بمعنى الصعود 12.

(2)

سفر جمع سافر كركب وراكب 12.

ص: 334

امض لما أمرت له فجلست فى ظهره فاذا انا بخاتم النبوة فى موضع مصرف الكتف مثل المحجمة الضخمة قال محمد بن عمر فانصرف الرجل الى هرقل فذكر ذلك له فدعا قومه الى التصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم فابوا حتى خافهم على ملكه وهو فى موضعه بحمص لم يتحرك ولم يزحف «1» وكان الذي خير النبي صلى الله عليه وسلم من تعبية أصحابه ودنوه الى وادي الشام باطلا لم يرد ذلك ولا همّ به وذكر السهيلي ان هرقل اهدى هديا فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرقها على المسلمين وان هرقل امر مناد يا ينادى الا ان هرقل آمن بمحمد واتبعه فدخلت الأجناد فى سلاحها وطافت بقصره تريد قتله فارسل إليهم انى أردت ان اختبر صلابتكم فى دينكم فقد رضيت عنكم فرضوا عنه ثم كتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا مع دحية رضى الله عنه يقول فيه انى مسلم ولكن مغلوب على امرى فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه قال كذب عدو الله والله ليس بمسلم بل هو على نصرانية وروى البيهقي عن ابن إسحاق قال حدثنى يزيد بن رومان وعبد الله بن بكر والبيهقي عن عروة بن الزبير قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة من تبوك بعث خالد بن الوليد بأربعمائة وعشرين فارسا فى رجب سنة تسع الى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وكان أكيدر من كندة وكان نصرانيا فقال خالد كيف لى به وسط بلاد كلب وانما انا فى أناس يسيرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستجده يصيد البقر فتاخذه فيفتح الله لك دومة فان ظفرت به فلا تقتله وايت به الىّ فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين فى ليلة مقمرة صافية وهو على سطح له مع امرأته الرباب بنت انيف بن عامر الكندية فصعد أكيدر على ظهر الحصن من الحر وقينة تغينه ثم دعى بشراب فشرب فاقبلت البقرة الوحشية تحك بقرونها باب الحصن الحديث فنزل أكيدر وركب فرسه وركب معه نفر من اهل بيته معه اخوه حسان ومملوكان له فخرجوا من حصنهم بمطاردهم «2» فلما فصلوا من الحصن أخذته خيل خالد فاستاسر أكيدر وامتنع حسان وقاتل حتى قتل وهرب المملوكان ومن كان معه فدخلوا الحصن وكان على حسان قباء ديباج مخوص «3» بالذهب

(1) الزحفان يتحرك حركة ضعيفة كالصبى على استه 12.

(2)

مطروا مح قصير يطعن به 12. [.....]

(3)

بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وفتح الواو المشددة والضاد المهملة المنسوج بالذهب 12.

ص: 335

فاستلبه وقال خالد لاكيدر هل لك ان اجبرك من القتل حتى اتى بك رسول الله صلّى الله على ان تفتح لى دومة فقال أكيدر نعم فانطلق به خالد حتى أدناه من الحصن فنادى أكيدر اهله ان افتحوا باب الحصن فارادوا ذلك فابى عليهم فصاد أخو أكيدر فقال أكيدر لخالد تعلم والله انهم لا يفتحون لى رأونى فى وثاقك فخل عنى فلك الله والامانة ان افتح لك الحصن ان أنت صالحتنى على أهلي قال خالد فانى أصالحك فقال أكيدر ان شئت حكمتك وان شئت حكمتنى قال خالد بل نقبل منك ما أعطيت فصالحه على الفى بعير وثمانمأة راس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح على ان ينطلق به وبأخيه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم فيهما حكمه فلما قضاه خالد على ذلك خلى سبيله ففتح باب الحصن فدخل خالد وأوثق مصادا أخا كيدر وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح ولما ظفر خالد بأكيدر وبأخيه حسان أرسل خالد عمر بن امية الضميري الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا وأرسل معه قباء حسان قال انس وجابر رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل المسلمون يلمسون بايديهم ويتعجبون من هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتعجبون من هذا والذي نفسى بيده لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة احسن من هذا ثم لما قبض خالد ما صالحه عزل للنبى صلى الله عليه وسلم الصفي ثم خمس الغنائم ثم قسم الغنائم بين أصحابه قال ابو سعيد الخدري أصابني درع وبيضة وعشر من الإبل وقال واثلة أصابني ست فرايض «1» وقال عبد الله بن عمرو بن عوف كنا أربعين رجلا من بنى مزينة أصاب كل رجل خمس فرائض مع سلاخ ودرع ورماح قلت وتفاوت السهم بتفاوت القيمة ثم ان خالدا توجه الى المدينة ومعه أكيدر ومصاد روى محمد بن عمر عن جابر قال رايت أكيدر حين قدم به خالد عليه صليب ذهب وعليه الديباج فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له فاومى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لا لامرتين واهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فيها كسوة قال ابن الأثير وبغلته وصالحه

(1) فرائض جمع فريضة سمى به لانه يوخذ فى فريضة الزكوة ثم اتسع حتى قيل فى غير الزكوة.

ص: 336

على الجزية وبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه أمانهم ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى أكيدر بن عبد الملك بدومة اشفق ملك ايلة بجنّة بن رؤبة ان يبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بعث الى أكيدر فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم معه اهل جربا واذرح قال ابو حميد الساعدي قدم ملك ايلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا وكتب له كتابا رواه ابن ابى شيبة والبخاري وروى محمد بن عمر عن جابر قال رايت يحنة بن روبة يوم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية فاومى برأسه فاومى اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ارفع راسك وصالحه يومئذ وكساه بردا يمنية فاشتراه بعد ذلك ابو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار وامر له بمنزله عند بلال انتهى قالوا وقطع الجزية جزية معلومة ثلاثمائة دينار كل سنة وكانوا ثلاثمائة رجل وكتب لهم بذلك كتابا وكتب صلى الله عليه وسلم لاهل اذرح كتابا وصالح رسول الله صلّى الله عليه اهل مقنا على ربع ثمارهم وربع عربهم وروى ابن ابى شيبة واحمد ومسلم عن ابى حميد الساعدي قال جاء ابن العلماء صاحب ايله رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب واهدى له بغلة بيضاء فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واهدى له بردا روى احمد عن جابر بن عبد الله وابن سعد عن يحيى بن كثير انه صلى الله عليه وسلم اقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة وعلى ذلك جرى محمد بن عمرو ابن سعد وابن حزم وغيرهم وقال ابن عقبة وابن إسحاق بضع عشرة ليلة قال محمد بن عمر شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فى التقدم يعنى من تبوك الى الشام فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ان كنت مامورا فسر والا فللزوم جمعا كثيرا وليس بها أحد من اهل الإسلام وقد دنونا منهم وقد أفزعهم دنوك فلو رجعنا هذه السنة حتى نرى او يحدث الله تعالى لك امرا روى احمد والطبراني والطحاوي من طريق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى غزوة تبوك إذا دفع الطاعون بأرض

ص: 337

وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها قال الحافظ فى بذل الماعون لعله بلغه صلى الله عليه وسلم ان الطاعون فى الجهة التي كان يقصدها وكان ذلك من اسباب رجوعه من غير قتال واخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى الدلايل بسند ضعيف من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ان اليهود آتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ان كنت نبينا فالحق بالشام فان الشام ارض المحشر وارض الأنبياء فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم فغزا غزوة تبوك فلما بلغ تبوك انزل الله تعالى آيات من بنى إسرائيل وان كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها فامره بالرجوع الى المدينة روى إسحاق بن راهويه عن ابى هريرة وابو يعلى وابو نعيم وابن عساكر عن عمر بن الخطاب ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا يا رسول الله لو أذنت فننحر من نواضحنا «1» فاكلنا فلقيهم عمر بن الخطاب فامرهم ان يمسكوا عن نحرها فقال يا رسول الله أذنت الناس فى نحر حمولتهم يأكلونها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا الىّ ما بلغ من الجوع فاذنت لهم بنحر الرفقة البعير والبعيرين ويتعاقبون فيما فضل فهم قافلون الى أهلهم فقال عمر يا رسول الله انك ان فعلت قل الظهر ولكن ادع بفضل أزوادهم جميعا وادع الله لهم فيها بالبركة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فدعا بنطع فبسط ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضل من زاد فليأت به فجعل الرجل يأتي بكف ذرة ويجئى الاخر بكسرة وجعل الرجل بالمد

الدقيق او السويق او التمر وكان جميع ما جاؤا به سبعا وعشرين صاعا ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلّى ركعتين ثم دعا الله ان يبارك فيه قال ابو هريرة فما تركوا فى العسكر وعاء الا ملؤه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة وقال عمر فاخذوا حتى صدروا وانه نحو ما كانوا يحرزون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله لا يأتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة وفى حديث ابى قتادة عند ابى نعيم ومحمد بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرش ليلة

(1) نواضح جمع ناضح وهو البعير الذي يستقى عليها الماء ثم استعمل فى كل بعير 12.

ص: 338

قافلا من تبوك فتمنا فما انتبهنا الا بحر الشمس فقلنا انا لله فاتنا الصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغيظن الشيطان كما غاظنا فتوضأ من ماء اداوة معى ففضل فضلة فقال يا أبا قتادة احفظ بماء فى الاداوة فصلى بنا الفجر بعد طلوع الشمس فقرأ بالمائدة فلما انصرف من الصلاة قال اما انهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا وذلك ان أبا بكر وعمر أرادا ان ينزلا بالجيش على الماء فابوا ذلك عليهما فنزلوا على غير ماء بفلاة من الأرض فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه وقد كادت أعناق الخيل والرجال والركاب تقطع عطاشا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركوة فافرغ ماء من الاداوة فيها ووضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه واقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى روّوا وروّوا خيلهم وركابهم وكان فى العسكر اثنا عشر الف بعير والناس ثلثون الفا والخيل اثنى عشر الف وروى ابن إسحاق ومحمد بن عمر قالوا اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له وادي الناقة كان فيه وشل يخرج منه فى أسفله قدر ما يروى الراكبين او ثلثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا الى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه فسبق اليه اربعة من المنافقين معتب بن قثير والحارث بن يزيد ووديعة بن ثابت وزيد بن اللصيب فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم يرقيه شيئا فقال من سبقنا الى هذا الماء فقيل فلان وفلان فقال الم أنهكم لا فلعنهم ودعا عليهم ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ثم مسحه بإصبعيه ثم اجتمع منه فى كفه ماء قليل ثم نضحه به ثم مسحه بيده ثم دعا بما شاء الله ان يدعوا فانخرق من الماء قال معاذ بن جبل والذي نفسى بيده لقد سمعت له من شدة انخراقه سيل الصواعق فشرب الناس ما شاؤا واستقوا ما شاؤا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس لئن بقيتم لتسمعن بهذا الوادي وهو اخضب مما بين يديه ومما خلفه وروى محمد بن عمر وابو نعيم عن جماعة من اهل المغازي قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير منحدرا للشنة وهو فى قيظ شديد عطش العسكر حتى لا يوجد للشنته ماء قليل ولا كثير فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسل أسيد بن حضير وقال عسى

ص: 339

ان تجد لنا ماء فادرك أسيد راوية من ماء مع امرأة فجاء أسيد بالماء ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة وقال هلم أسقيتكم فلم يبق معه سقاء الا ملاؤه ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها ويقال انه صلى الله عليه وسلم امر بما جاء به فصبه فى تعب عظيم فادخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده وغسل وجهه ويديه ورجليه ثم صلّى ركعتين ثم رفع يديه مدا ثم انصرف وان القعب ليفور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس رووا واتسع الماء وانبسط الناس حتى يصف عليه المائة والمائتان فارتوا وان القعب ليجيش بالرواء وروى الطبراني بسند صحيح عن فضالة عن عبيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة تبوك فجهد الظهر جهدا شديدا فشكوا ذلك اليه ورآهم يزحون «1» ظهورهم فوقف فى مضيق والناس يمرون فيه فنفخ فيها وقال اللهم احمل عليها فى سبيلك فانك تحمل على القوى والضعيف والرطب واليابس والبر والبحر فاستمرت فما دخلنا المدينة الا وهى تنازعنا أزمتها ولما اشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال هذه طابت رواه الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن جابر وابى حميد الساعد وغيرهم فلما راى أحد قال هذا أحد جبل يحبنا ونحبه روى البيهقي عن عايشة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان يقلن- شعر

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعا الله داع

قال ابن سعد وجعل الناس يبيعون اسلحتهم يقولون قد انقطع الجهاد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم وقال لا يزال عصابة من

أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجال وكان قدومه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فى رمضان وقد خرج من المدينة الى تبوك فى رجب سنة تسع وكان بين المدينة وتبوك نحو اربعة عشر مرحلة قال فى النور كذا قالوا وقد سرناها مع الحجيح فى اثنى عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق احدى عشر مرحلة والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقع الفراغ من هذا التفسير المظهرى وقت العصر يوم الشنبة فى التاريخ الهفتم الشهر لذى الحجة السنة 1243 بعد الهجرة النبي صلى الله عليه وسلم واله وأصحابه أجمعين

(1) يرجون اى يسوقون 12.

.

ص: 340