المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدّمة الناشر (1) ترجع صلتى بهذا الكتاب «مفرّج الكروب» - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب - م ١

[ابن واصل]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدّمة الناشر (1) ترجع صلتى بهذا الكتاب «مفرّج الكروب»

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدّمة الناشر

(1)

ترجع صلتى بهذا الكتاب «مفرّج الكروب» إلى سبعة عشر عاما مضت منذ عرّفنى به ولفت نظرى إلى أهميته أستاذى المؤرخ المحقق الدكتور محمد مصطفى زيادة عند ما كنت أعدّ بحثا تحت إشرافه موضوعه «تاريخ اليمن تحت حكم بنى أيوب (1)» ثم شغلت عن الكتاب والبحث مؤقتا بأعمال علمية أخرى، ولكننى كنت دائم الرجوع إليه والإقبال على قراءته والإفادة منه، وفى كل مرة كنت أرجع إليه فيها كانت تتأكد لدى أهميته القصوى كمصدر أساسى لدراسة تاريخ بنى أيوب بصفة خاصة ودراسة تاريخ الشرق الأدنى ودوله جميعا في القرنين السادس والسابع بصفة عامة وهما قرنان حافلان بالأحداث العالمية الهامة وخاصة الحروب الصليبية وغارات التتار.

وكانت تداعب مخيلتى دائما أمنية عزيزة هى أن أتمكن يوما ما من التوفر على دراسة هذا الكتاب وإعداده للنشر، فلما حصلت على الماجستير، وبدأت أتخير موضوع بحثى الذى أعدّه للدكتوراه اتجه ذهنى في الحال إلى «مفرّج الكروب» وكان أن أعددت بحثى للحصول على هذه الدرجة العلمية وعنوانه «جمال الدين بن واصل وكتابه مفرّج الكروب في أخبار بنى أيوب» ، وقمت فيه بدراسة حياة هذا المؤرخ الكبير وجهوده العلمية دراسة تحليلية دقيقة مع العناية بوجه خاص بكتابه «مفرّج الكروب» .

(1) أرجو أن أوفق لاخراج هذا البحث قريبا.

ص: 3

فلما انتهيت من هذه الدراسة بدأت أفرغ لتحقيق أمنيتى القديمة وهى إعداد النص نفسه للنشر، وها أنذا اليوم أقدّم للقارئ الجزء الأوّل من هذا التاريخ الكبير الهام.

(2)

ولا ينتظرنّ القارئ منى هنا أن أقدّم له تلك الدراسة التحليلية التي أعددتها عن المؤرخ والكتاب، فسيكون موضعها بإذن الله المجلد الأخير من هذه النشرة، وإنما أنا سأوجز هنا فكرة سريعة للتعريف بابن واصل ولبيان موضوعات هذا الجزء الأوّل ولشرح منهجى الذى التزمته في نشر الكتاب.

جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل المازنى التميمى الحموى الشافعى مؤرخ كبير من مؤرخى القرن السابع الهجرى (13 م) ولد مع مولد هذا القرن، وتوفى قبيل نهايته (604 - 697 هـ - 1208 - 1298 م). وطنه الأصلى حماة، ولكنه طوّف في بلدان الشرق الأدنى الكبرى وعواصمه، وخاصة دمشق وبيت المقدس وحلب والكرك وبغداد ومكة والمدينة والقاهرة، وأقام في عاصمة مصر سنوات طويلة في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، وشهد أثناء مقامه في مصر حملة لويس التاسع الصليبية عليها، واحتضار الدولة الأيوبية وقيام دولة المماليك، وما عاصر ذلك من غزوات التتار للعراق والشام وسقوط بغداد، وانتهاء الخلافة العباسية على أيديهم، ثم انتقالها إلى القاهرة؛ ثم اتصل بالظاهر بيبرس وأرسل سفيرا عنه إلى منفرد بن فردريك الثانى ملك الصقليتين وامبراطور الدولة الرومانية المقدسة.

ولابن واصل مؤلفات كثيرة في الأدب والهندسة وعلم الهيئة والطب والتاريخ، ضاع معظمها وبقى بعضها مبعثرا في مكتبات العالم المختلفة ينتظر من يعنى بدراسته وإحيائه؛ ولعل أهم مؤلفاته جميعا - ما ضاع منها وما بقى - كتابه التاريخى الكبير «مفرّج الكروب في أخبار بنى أيوب» الذى أرّخ فيه للدولة الأيوبية منذ قيامها إلى نهايتها في تفصيل واف وتحقيق شامل دقيق، ولا غرو فقد اتصل بمعظم ملوكهم في الشام ومصر، وبمعظم رجال الدولة وأدبائها وعلمائها في القطرين؛ فالحوادث التي يرويها - وخاصة في القسم الثانى من الكتاب - يرويها عن مشاهدة حينا

ص: 4

وعن مشاركة فيها حينا آخر؛ ولهذا كان كتابه الأصل والمرجع الذى أخذ عنه كل المؤرخين اللاحقين له في القرون التالية (الثامن والتاسع والعاشر) عند تأريخهم للدولة الأيوبية.

(3)

وموضوع كتاب «مفرّج الكروب في أخبار بنى أيوب» . كما يتضح من عنوانه ومحتوياتها التأريخ لدولة بنى أيوب منذ قيامها إلى زوالها، وقد أرّخ لصدر الدولة وسنواتها الأولى مؤرخون سابقون لابن واصل، كما أرّخ لها حتى نهايتها مؤرخون معاصرون له، فما قيمة «مفرّج الكروب» وما مكانته بين تلك الكتب؟

أرّخ لصدر الدولة من المؤرخين السابقين:

القاضى الفاضل في مياوماته (أو متجدّداته)، وفى رسائله.

والعماد الكاتب الأصفهانى في: الفتح القسى في الفتح القدسى، والبرق الشامى، والعتبى والعقبى، وخطفة البارق وعطفة الشارق.

وعز الدين بن الأثير في الكامل في التاريخ.

وبهاء الدين بن شداد في السيرة اليوسفية.

وابن أبى الدم في التاريخ المظفرى.

وأرّخ للدولة - حتى سنواتها الأخيرة، أو حتى نهايتها - من المؤرخين المعاصرين لابن واصل:

سبط ابن الجوزى في مرآة الزمان.

وكمال الدين بن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب.

وأبو شامة في الروضتين في أخبار الدولتين، والذيل على الروضتين.

وكتاب «مفرّج الكروب» لابن واصل يمتاز - كتاريخ كامل لبنى أيوب - عن هذه الكتب جميعا، وذلك لأن بعض هذه الكتب أرّخ لصدر الدولة وسنواتها الأولى، أو لمنشئها ومؤسسها، أو للنصف الأوّل منها فحسب؛ والبعض الآخر لم يقصد مؤلفوه إلى التأريخ لبنى أيوب قصدا، وإنما هى تواريخ عامة، أو تواريخ

ص: 5

مدن، منهجها التأريخ للعالم الإسلامى جملة، سنة بعد سنة، وما تضمنته من تاريخ بنى أيوب جزء من كل.

وكتاب «مفرّج الكروب» كتاب ضخم مفصل كل التفصيل، فهو بحق أوفى تاريخ لدولة بنى أيوب، وهو إلى هذا قد أفاد من معظم من كتبوا قبله عن هذه الدولة، كما أنه أضاف - وخاصة عند كتابته عن النصف الثانى من تاريخ الدولة - الكثير من مشاهداته وتجاريبه ورواياته عن المعاصرين.

وقد أرّخ لبنى أيوب مؤرخون آخرون لاحقون لابن واصل، نعرف منهم مؤرخين اثنين: أولهما مجهول الاسم، عاش في القرن الثامن الهجرى، وعنوان كتابه:«غاية المطلوب في تاريخ بنى أيوب» ، وهو مفقود، وإنما يوجد ملخص له عنوانه:«تاريخ نزهة الناظر وراحة الخاطر» ، والملخص مجهول أيضا، وإنما يتبين من كتابه أنه ألفه بعد سنة 778 هـ (1376)(1)، وعنى فيه عناية خاصة بالتأريخ لملوك بنى أيوب أصحاب حصن كيفا، وأنه اعتمد فيه كثيرا على مفرّج الكروب لابن واصل.

وأما الثانى فهو قاضى القضاة عز الدين أبو البركات أحمد بن ابراهيم ابن نصر الله ابن أحمد الكنانى العسقلانى المصرى الحنبلى، ولد بالقاهرة في السادس من ذى القعدة سنة 800 هـ، وأخذ التاريخ عن المقريزى والعينى، وتوفى سنة 876 هـ (2)، وعنوان كتابه:«شفاء القلوب في مناقب بنى أيوب» ألفه لمن يسمى العادل من ملوك الأيوبيين المتأخرين في حصن كيفا، وهو يختلف عن «مفرّج الكروب» في ترتيبه ومنهجه، لأنه جعله كتاب تراجم لا حوليات، فقسم ملوك بنى أيوب طبقات، وترجم لهم طبقة بعد طبقة، وقد شرح طريقته في مقدّمة كتابه، قال: «قاعدة الكتاب: أذكر أوّلا أصل البيت الأيوبى. . . ثم نتبعه بذكر التراجم على الطبقات، فالطبقة الأولى أولاد شادى، والثانية أولاد أولاده، والثالثة أولاد أولاد أولاده،

(1) توجد من «نزهة الخاطر» نسخة مخطوطة في Viennc،MX +325 : انظر: Cahen : La Syrie du nord . . .etc . P. 88.

(2)

انظر ترجمته في: (السخاوى: الضوء اللامع، ج 1، ص 205 - 207) و (الدكتور مصطفى جواد: مؤرخون مصريون مجهولون، مجلة المستمع العربى، المجلد السادس، العدد 8، سنة 1945).

ص: 6

وكذا إلى آخر الكتاب؛ وأقدم من الأخوة أسبقهم موتا، ثم أتبعهم بمن لم أعلم وفاته، ثم أتبعهم بأخوتهم النساء كذلك، ثم أذكر أولادهم في الطبقة التي تلى طبقتهم على حسب ترتيب أصولهم كذلك، وكذا إلى آخر الكتاب. . .» (1) وهذا أيضا قد اعتمد اعتمادا كبيرا على ابن واصل.

فهذان الكتابان ولو أنهما يؤرخان للدولة الأيوبية كمفرّج الكروب، إلا أنهما لاحقان له ومتأخران عنه، فهما لا يتطاولان إلى مرتبته، لأبن ابن واصل معاصر، وهذان غير معاصرين، ولأن ابن واصل مفصل وهما موجزان، ولأن ابن واصل الأصل، وهما الفرع، وعنه يأخذان، وعليه يعتمدان اعتمادا كبيرا؛ وكل ما لهذين التاريخين المتأخرين عليه من مميزات أنهما يتضمنان الترجمة لبقايا بنى أيوب الذين ظلوا يحكمون في حماة أو في حصن كيفا في القرنين الثامن والتاسع. ومن هذه المقارنات جميعا يتضح لنا أن مكانة مفرّج الكروب بين الكتب التي أرّخت لبنى أيوب قبل ابن واصل وبعده لا يمكن أن تدانيها مكانة كتاب آخر من هذه الكتب. وتزداد معرفتنا بقيمة «مفرّج الكروب» إذا علمنا أن جميع المؤرخين المتأخرين الذين عاشوا بعد القرن السابع الهجرى أمثال: بيبرس المنصورى، واليونينى، وشافع بن على، وقرطائى العزى الخازندارى، وأبى الفدا، والنويرى، والذهبى، وابن الفرات، والمقريزى، والعينى، وابن تغرى بردى، والنعيمى، قد اعتمدوا عليه عند التأريخ لبنى أيوب اعتمادا كبيرا، ونقلوا عنه النصوص الكثيرة مع التصريح بالأخذ عنه أحيانا، والسكوت عن ذلك أحيانا أخرى.

(4)

ذكر هذا الكتاب الصفدى في «نكت الهميان» (2)، والسيوطى في «بغية الوعاة» (3) تحت عنوان:«مفرّج الكروب» في دولة بنى أيوب» وذكره أبو الفدا في: «المختصر في أخبار البشر» (4) وحاجى خليفة في «كشف الظنون» (5)

(1) شفاء القلوب، صور شمسية بمكتبة جامعة فؤاد الأول، رقم 24030، ص 3 ب.

(2)

ص 250

(3)

ص 44

(4)

ج 4، ص 38

(5)

ج 2، ص 772 ا.

ص: 7