الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس جميعا – أمام ناظريه – سواء كأسنان المشط، لا لفضل لعربي منهم على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى؛ إذ هم مثله جميعا عبيد لله رب العالمين.
ومن ثم رأيت أن أتم ما بدأت ذكره مما ورد به النص من أسماء الله الحسنى، ملقيا بعض الأضواء على شيء من معانيها بقدر ما ييسر الله تعالى لي، وذلك فيما يلي:
الحيّ:
هو اسم من أسماء الله جل وعلا، يتضمن تفرده بصفة الحياة الأبدية التي لا تنتهي، والتي تشمل جميع صفات كمالاته الذاتية؛ بمعنى أن اسم (الحي) يفيد دوام الحياة لله سبحانه، وأنه تعالى الحي في نفسه الذي لا يموت أبدا1، وقيل: الحي معناه: الباقي، وقيل: الذي لا يزول ولا يحول، وقيل: المصرف للأمور والمقدر للأشياء، وقال الطبري عن قوم أنه يقال: حي كما وصف نفسه، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه2، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله (الحي) أي حي لا يموت3.
وقد ذكر شيخ الإسلام فخر الدين الرازي: واعلم أنه تعالى إنما تمدح بكونه حيا، لأن مراده منه كونه حياً لا يموت، ألا ترى أن الحي الذي يجوز عليه الموت حكم عليه بأنه ميت؟ قال تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزمر آية 30)4.
أقول: وتسمية نفسه سبحانه باسم (الحي) يفهم منه - وهو جل وعلا دائم الحياة وآثار حيلته منبثة في كل ما خلق - أنه تعالى مصدر حياة كل كائن حي، فهو سبحانه يبدؤها له من حين يشاء، وينهيها منه حين يشاء.
وما دام أنه تعالى مصدر حياتنا، فقد لفتنا أن نربط به وحده هذه الحياة، ولا نكل أي أمر من أمورها إلا إليه وحده؛ لأنه هو وحده دائم الحياة، فيدوم تدبيره لأمورنا، فقال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} (الفرقان لآية 58) ، ولم يقل (وتوكل على الحي)
1 تيسير العلي القدير المجلد الأول ص 218.
2 فتح القدير الجزء الأول ص 271.
3 المرجع السابق ص 273.
4 شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص 303.
فقط، لأن المخلوقين أحياء ولكنهم سيموتون، فإذا توكل بعضهم على بعض، تبددت مصالح المتوكلين بموت المتوكل عليهم، لذا علمنا عز وجل أن يكون توكلنا على {الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} وهو الله وحده سبحانه وتعالى.
وقد ذكر الإمام الشوكاني رحمه الله أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه في دفع المضار وجلب المنافع فقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} ، وخص صفة الحياة إشارة إلى أن الحي هو الذي يوثق به في المصالح، ولا حياة على الدوام إلا لله سبحانه، دون الأحياء المنقطعة حياتهم، فإنهم إذا ماتوا ضاع من يتوكل عليهم. والتوكل هو اعتماد القلب على الله في كل الأمور1.
وقد ورد اسم (الحي) في القرآن خمس مرات وذلك على ما يلي:
1-
في قوله تعال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} (البقرة آية 255) .
2-
وفي قوله تعالى: {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (آل عمران آية 1، 2) .
أقول: وقد ورد اسم (الحي) في الآيتين المذكورتين مقترنا باسم (القيوم) بعد إقرار وتجريد توحيد الألوهية لله تعالى سبحانه.
3-
وفي قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} (طه آية 111) .
أقول: وقد ورد اسم (الحي) في الآية المذكورة مقترنا باسم (القيوم) كذلك، مع بيان أن وجوه الخلائق ذلت وخضعت لجبارها (الحي) الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام، وهو قيم على كل شيء، ولا قوام لشيء إلا به2، وكذلك مع بيان أنه من يلقى ربه (الحي القيوم) على شيء من الظلم - وهو الشرك - فإنه يكون خائبا خاسرا 2.
4-
وفي قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} (الفرقان آية 58) .
أقول: وقد أسلفت - قبل قليل - بيان لِمَ لَفَتَنا الله جل وعلا إلى أن يكون توكلنا عليه وحده لأنه {الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} ؛ فلا أرى داعيا لتكراره.
1 فتح القدير الجزء الرابع ص 83، 84.
2 تيسير العلي القدير المجلد الثالث ص 26.
2 فتح القدير الجزء الثالث ص 387 – بتصرف.
5-
وفي قوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر آية 56) .
أقول: وقد ورد اسم (الحي) في هذه الآية مع إقرار تجريد توحيد الألوهية لله تعالى سبحانه، مع أمرنا أن ندعوه وحده مخلصين له قلوبنا في كل دعائنا.
وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} أي: هو الأول والآخر والظاهر والباطن، الذي لا معبود إلا هو سبحانه.
وذكر في قوله تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: موحدين له مقرين بألوهيته وربوبيته، كما ذكر أنه روي عن ابن عباس قوله: من قال لا إله إلا الله فليقل على إثرها: الحمد لله رب العالمين، وذلك قوله تعالى:{فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3.
وذكر الإمام الشوكاني في قوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} أي الباقي الذي لا يفنى، المنفرد بالألوهية، وفي قوله تعالى:{فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي الطاعة والعبادة.
وذكر أنه أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: من قال: لا إله إلا الله فليقل على إثرها: الحمد لله رب العالمين، وذلك قوله:{فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .1
وقد ذكر الإمام الشوكاني معنى {ادْعُونِي} في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر آية 60) : قال أكثر المفسرين: (والمعنى: وحدوني واعبدوني، أتقبّل عبادتكم وأغفر لكم. وقيل: المراد بالدعاء السؤال بجلب النفع ودفع الضر، قيل: الأول أولى، لأن الدعاء في أكثر استعمالات الكتاب العزيز هو العبادة. قلت: بل الثاني أولى، لأن معنى الدعاء حقيقة وشرعا هو الطلب، فإن استعمل في غير ذلك فهو مجاز، على أن الدعاء في نفسه باعتبار معناه الحقيقي هو العبادة، بل مخ العبادة، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فالله سبحانه قد أمر عباده بدعائه، ووعدهم بالإجابة، ووعده الحق، وما يبدل القول لديه، ولا يخلف الميعاد، ثم صرح سبحانه بأن الدعاء - باعتبار معناه الحقيقي وهو الطلب - هو من عبادته فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي ذليلين
3 تيسير العلي القدير المجلد الثالث ص 539.
1 فتح القدير الجزء الرابع ص 499.