المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان - مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول)

[محمد بن عبد الوهاب]

الفصل: ‌باب يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان

‌باب يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان

ثم ذكر بإسناد قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة، وذو الخلصة صنم لدوس يعبدونه، فقال صلى الله عليه وسلم1 لجرير بن عبد الله: ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فركب إليه بمن معه فأحرقه وهدمه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. قال: فبرك على خيل أحمس ورجالها خمسا" وعادة البخاري رحمه الله إذا لم يكن الحديث على شرطه ذكره في الترجمة ثم أتى بما يدل على معناه مما هو على شرطه ولفظ الترجمة وهو قوله: "يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان"، لفظ حديث أخرجه غيره من الأئمة والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولنذكر من كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام أئمة العلم جملا في جهاد القلب واللسان، ومعاداة أعداء الله وموالاة أوليائه، وأن الدين لا يصح ولا يدخل الإنسان فيه إلا بذلك، فنقول:

1 قوله: (فقال صلى الله عليه وسلم

إلى آخره) ضمن حديث آخر رواه البخاري في (غزوة ذي الخلصة) قال: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا إسماعيل حدثنا قيس قال: قال لي جرير رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم (ألا تريحني من في الخلصة) وكان بيتا لخثعم يسمى الكعبة اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فانطلق إليها فكسرها وحرقها ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول جرير والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات.

ص: 311

باب في 1 وجوب عداوة أعداء الله من الكفار والمرتدين والمنافقين

وقول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} 2. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} 3. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} 4 إلى قوله: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} 5. وقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} 6.

وقال الإمام الحافظ محمد بن وضاح: أخبرني غير واحد أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات: اعلم يا أخي أن ما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك 7 من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس وحسن حالك مما أظهرت من السنة وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم

1 لفظ (في) في نسخة سماحة المفتي بخط سالم بن علي وليس في بقية النسخ.

2 سورة النساء آية: 140.

3 سورة المائدة آية: 51.

4 سورة الممتحنة آية: 1.

5 سورة الممتحنة آية: 4.

6 سورة المجادلة آية: 22.

7 ورد في بعض النسخ (إلا ما ذكر لي أهل بلدك) وفي روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وبقية النسخ الخطية (ما ذكر اهل بلادك) بدون (إلا) وهو الموافق لما في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح طبعة دار الأصفهاني.

ص: 312

فأذلهم الله بيدك 1 وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر يا أخي بثواب ذلك، واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالى وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وضم بين أصبعيه" وقال:"أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من اتبعه إلى يوم القيامة"2؟ فمتى يدرك أجر هذا بشيء من عمله 3 وذكر أيضا "أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا لله 4 يذب عنها وينطق بعلاماتها"، فاغتنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن وأوصاه:"لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من كذا وكذا"5، وأعظم القول فيه فاغتنم

1 كذا في نسخة سماحة المفتي التي هي بخط سالم بن علي وفي نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ وفي نسخة سماحة المفتي الثانية التي هي بخط عبد العزيز بن ناصر (علي يديك) وفي روضة الأفكار والأفهام لابن غنام (بك) - وفي كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح (بذلك) .

2 مسلم: العلم (2674)، والترمذي: العلم (2674)، وأبو داود: السنة (4609) ، وأحمد (2/397)، والدارمي: المقدمة (513) .

3 كذا في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح (فمن يدرك أجر هذا بشيء من عمله) وهو أقرب إلى الصحة مما في نسخ الكتاب الخطية والمطبوعة.

4 سقط لفظ (لله) في بعض النسخ وأثبت في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام ونسخة سماحة المفتي بخط سالم بن علي ونسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ومخطوطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصين. وهو الموافق لما في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح.

5 ورد في بعض النسخ (من حمر النعم) وورد في بعضها (من كذا وكذا من حمر النعم) ووقع في نسخة سماحة المفتي التي هي بخط عبد العزيز بن ناصر وروضة الأفكار والأفهام لابن غنام ومخطوطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصين (من كذا وكذا) وهو الموافق لما في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح كما أنه المناسب لقول معاذ (وأعظم القول فيه) .

ص: 313

ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث، فيكونون أئمة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء في الأثر:"فاعمل على بصيرة ونية وحسبة فيرد الله بك المبتدع المفتون الزائغ الحائر، فتكون خلفا من نبيك صلى الله عليه وسلم"، فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه. وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب؛ فإنه جاء في الأثر:"من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه. ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى في هدم الإسلام" وجاء: "ما من إله يعبد من دون الله أبغض إلى الله من صاحب هوى". وقد وقعت اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع، وأن الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا، وكلما ازدادوا اجتهادا وصوما وصلاة ازدادوا من الله بعدا. فارفض مجالسهم وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى بعده. انتهى كلام أسد رحمه الله تعالى 1.

واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من كلام أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة في 2 ضلالة لا تخرج عن الملة، لكنهم شددوا في ذلك وحذروا منه لأمرين:

الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجل من الكبائر،

1 كذا في جميع النسخ الخطية ووقع في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام الاقتصار على لفظ (انتهى) . وعلى ذلك يحتمل أن يكون الضمير عائدا على ابن وضاح.

2 لفظ (في) من نسخة سماحة المفتي التي هي بخط عبد العزيز بن ناصر.

ص: 314

ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون به أهل الكبائر كما تجد في قلوب الناس 1 أن الرافضي عندهم ولو كان عالما عابدا أبغض وأشد ذنبا من السني المجاهر بالكبائر.

الثاني: أن البدع تجر إلى الردة الصريحة كما وجد من كثير من أهل البدع. فمثال البدعة التي شددوا فيها مثل تشديد النبي صلى الله عليه وسلم فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، خوفا مما وقع من الشرك الصريح الذي يصير به المسلم مرتدا. فمن فهم هذا فهم الفرق بين البدع وبين ما نحن فيه من الكلام في الردة ومجاهدة أهلها، أو النفاق الأكبر ومجاهدة، أهله وهذا هو الذي نزلت فيه الآيات المحكمات مثل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} 2 الآية. وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} 3 الآية.

وقال ابن وضاح في كتاب البدع والحوادث بعد حديث ذكره: أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر وفتنة الضلالة قال رحمه الله، إن فتنة الكفر هي الردة. يحل فيها السبي والأموال، وفتنة الضلالة لا يحل فيها السبي والأموال، وهذا الذي نحن فيه فتنة ضلالة لا يحل فيها السبي ولا الأموال4. وقال

1 وقع في أكثر النسخ لفظ (اليوم) إثر قوله (في قلوب الناس) وسقط في نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف وسقوطه أبلغ.

2 سورة المائدة آية: 54.

3 سورة آية: 73-74.

4 هكذا ورد قول ابن وضاح في نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف ومخطوطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصين وهو الموافق لما في كتاب ابن وضاح ووقع في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وبقية ما عندنا من النسخ الخطية خلل في العبارة. يتبين من مراجعة النسخ المذكورة.

ص: 315

رحمه الله أيضا: أخبرنا أسد أخبرنا رجل عن ابن المبارك1. قال: قال ابن مسعود: "إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنه، وينطق بعلامتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن وتوكلوا على الله". قال ابن المبارك2. وكفى بالله وكيلا ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف 3 قال: "لأن أرد رجلا عن رأي سيئ أحب إليّ من اعتكاف شهر". أخبرنا أسد عن أبي إسحاق الحذاء عن الأوزاعي قال: كان بعض أهل العلم يقولون: "لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صدقة ولا صياما ولا جهادا ولا حجة ولا صرفا ولا عدلا". وكانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذرون الناس بدعتهم. قال: ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس، ما كان لأحد أن يهتك عنهم سترا، ولا يظهر منهم عورة الله أولى بالأخذ بها أو بالتوبة عليها، فأما إذا جاهروا به 4 فنشر العلم حياة، والبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة يعتصم بها على مصر ملحد. ثم روى بإسناده قال: "جاء رجل إلى حذيفة وأبو موسى الأشعري قاعد فقال: أرأيت رجلا ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل، أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى في الجنة فقال حذيفة: استفهم

1 في كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح زيادة (ويوسف بن أسياط) بعد ابن المبارك.

2 سقط لفظ (قال ابن المبارك) في بعض النسخ الخطية والمطبوعة وأثبت في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام ونسخة سماحة المفتي بخط عبد العزيز بن ناصر ونسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ومخطوطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصين وهو الموافق لما في كتاب ابن وضاح.

3 وهو عبد الكريم ابن أبي أمية.

4 في البدع والنهي عنها لابن وضاح (جهروا) وكذلك في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ووقع في نسختي سماحة المفتي (جاهروا) .

ص: 316

الرجل وأفهمه ما تقول1 حتى فعل ذلك ثلاث مرات. فلما كان في الثالثة قال: والله لا أستفهمه. فدعا به حذيفة فقال: رويدك! وما يدريك أن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل عليه فهو في الجنة وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق فهو في النار. ثم قال: والذي نفسي بيده ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا". ثم ذكر بإسناده عن الحسن قال: "لا تجالس صاحب بدعة؛ فإنه يمرض قلبك". ثم ذكر بإسناده عن سفيان الثوري قال: "من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار، وإما أن يقول: والله ما أبالي ما تكلموه وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه". ثم ذكر بإسناده عن بعض 2 السلف قال:"من أتى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام". أخبرنا أسد قال: حدثنا كثير أبو سعيد قال: "من جلس إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه3". أخبرنا أسد بن موسى قال: أخبرنا حماد بن زيد عن

1 عند ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها إثر قوله (وأفهمه ما تقول) زيادة نصها (قال أبو موسى سبحان الله كيف قلت قال: قلت رجل ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل، أفي الجنة أم في النار فقال أبو موسى في الجنة قال حذيفة استفهم الرجل وأفهمه ما تقول) ولا ذكر لهذه الزيادة في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام ولا في النسخ الخطية التي عندنا- والظاهر هنا أنها ليست في نسخة المؤلف من كتاب ابن وضاح ويغني عنها قوله: (حتى فعل ذلك ثلاث مرات.

2 كذا في جميع ما لدينا من نسخ الكتاب وفي نسختنا من كتاب ابن وضاح ما نصه (نا أسد عن أيوب النجار اليمامي قال ناشر بن حنيفة الحنفي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما يظن قال: (من أتى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام) وجدت هذا الحديث عند من سمعه من أيوب مثبتا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه (فيما يظن) .

3 سقط قول كثير أبي سعيد هذا في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي أكثر النسخ الخطية ووجد في بعض النسخ المطبوعة وفي مخطوطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصين وهو موجود بسنده ومتنه في كتاب ابن وضاح (ص 48) .

ص: 317

أيوب قال: قال أبو قلابة: "لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم 1 تعرفون".

قال أيوب: وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب. أخبرنا أسد بن موسى قال: أخبرنا زيد2 عن محمد بن طلحة قال: قال إبراهيم: "لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم، فإني أخاف أن ترتد قلوبكم".

أخبرنا أسد بالإسناد 3 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"4. أخبرنا أسد: أخبرنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال: "دخل على محمد بن سيرين يوما رجل فقال: يا أبا بكر أقرأ عليك آية من كتاب الله، لا أزيد على أن أقرأها ثم أخرج. فوضع أصبعيه في أذنيه ثم قال أحرج عليك إن كنت مسلما لما خرجت من بيتي. قال: فقال: يا أبا بكر5 إني لا أزيد على أن أقرأ ثم أخرج، قال: فقام بإزاره يشده عليه، وتهيأ للقيام. فأقبلنا على الرجل فقلنا: قد حرج عليك إلا خرجت، أفيحل لك أن تخرج رجلا من بيته؟ قال: فخرج. فقلنا: يا أبا بكر ما عليك لو قرأ آية، ثم خرج؟ قال: إني والله لو ظننت

1 لفظ (كنتم) من كتاب ابن وضاح.

2 سقط لفظ (أخبرنا زيد) من روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وثبت في جميع النسخ الخطية وإثباته هو الموافق لما في كتاب ابن وضاح.

3 لفظ ابن وضاح (نا أسد قال: نا إبراهيم بن محمد عن صفوان بن سليم عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة) فلفظ (بالإسناد) ما دام الأمر كذلك اختصار من المؤلف للإسناد ولهذا الاستعمال نظائر ستأتي في مواضعها وسأذكر في كل موضع منها لفظ ابن وضاح لبيان مراد الإمام المؤلف.

4 الترمذي: الزهد (2378)، وأبو داود: الأدب (4833) ، وأحمد (2/303 ،2/334) .

5 وسقط لفظ (إني) في بعض النسخ وذكر في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي أكثر النسخ الخطية وهو الموافق لما عند ابن وضاح.

ص: 318

أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ، ولكنني خفت أن يلقي في قلبي شيئا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع". أخبرنا أسد قال: أخبرنا ضمرة 1 عن سودة قال: سمعت عبد الله بن القاسم وهو يقول: "ما كان عبد على هوى فتركه، إلا آل إلى ما هو شر منه". قال فذكرت هذا الحديث2 لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه"3. أخبرنا أسد قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن زيد عن أيوب قال "كان رجل يرى رأيا فرجع عنه، فأتيت محمدا فرحا بذلك أخبره فقلت: أشعرت أن فلانا ترك رأيه الذي كان يرى؟ فقال: انظروا إلى ما يتحول. إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله يمرقون من الإسلام لا يعودون4 إليه". ثم روى بإسناده عن حذيفة "أنه أخذ حصاة بيضاء فوضعها في كفه ثم قال: إن هذا 5 الدين قد استضاء استضاءة 6 هذه الحصاة.

1 كذا في نسختي سماحة المفتي ونسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ وهو الموافق لما في كتاب ابن وضاح ووقع في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي بعض النسخ الخطية (حمزة) بدل (ضمرة) .

2 لفظ (الحديث) من كتاب ابن وضاح.

3 البخاري: استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6932) .

4 في أكثر النسخ (ثم لا يعودون إليه) بزيادة (ثم) وفي كتاب ابن وضاح (لا يعودون فيه) بدون (ثم) وبلفظ (فيه) بدل (إليه) .

5 سقط لفظ (هذا) في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وأثبت في جميع النسخ الخطية وهو الموافق لنص كتاب ابن وضاح.

6 كذا في نسخة سماحة المفتي بخط سالم بن علي وجاء في نسخته الأخرى التي هي بخط عبد العزيز بن ناصر (إضاءة هذه الحصاة) ووقع في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام (استضاءة هذه) بدون ذكر (الحصاة) ولفظ نسخة كتاب ابن وضاح التي عندنا (إضاءة هذه) بدون ذكر (الحصاة) وهو الموجود في نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ.

ص: 319

ثم أخذ كفا من تراب فجعل يذره على الحصاة حتى واراها، ثم قال: والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدين 1 كما دفنت هذه الحصاة 2". أخبرنا محمد بن سعيد بإسناده 3 عن أبي الدرداء قال: "لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم إليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة". قال الأوزاعي: فكيف لو كان اليوم؟ قال عيسى يعني الراوي عن الأوزاعي: فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان؟

أخبرنا محمد بن سليمان بإسناده 4 عن علي أنه قال: "تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه سيأتي بعدكم زمان ينكر الحق فيه تسعة أعشارهم5". أخبرنا يحيى بن يحيى بإسناده6 عن أبي سهل بن مالك عن أبيه أنه قال: "ما أعرف منكم شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة". حدثني إبراهيم بن محمد

1 في جميع النسخ الخطية وفي روضة الأفكار والأفهام لابن غنام (هذا الدين) بزيادة لفظ (هذا) والمثبت هنا هو الموافق لما في نسختنا من كتاب ابن وضاح ولما في بعض النسخ المطبوعة.

2 لأثر حذيفة هذا بقية عند ابن وضاح نصها: (ليسلكن طريق الذين كانوا قبلكم حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل) .

3 وهو (نا نعيم بن حماد قال نا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن حبان ابن أبي جبلة عن أبي الدرداء) .

4 وهو (نا محمد بن سليمان الأنباري قال نا وكيع عن عمر بن منبه عن أوفى بن دلهم العدوي قال بلغني عن علي) .

5 لأثر على هذا عند ابن وضاح بقية نصها (لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نؤمه قال وكيع -يعني الراوي- يعني مغفلا. أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ليسوا بالعجل المذاييع البذرة قال: قيل لعلي ابن أبي طالب ما النومة قال الرجل يسكت بالفتنة فلا يبدو منه شيء.

6 وهو (عن مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل ابن مالك) .

ص: 320

بإسناده1 عن أنس قال: "ما أعرف منكم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس قولكم لا إله إلا الله2". أخبرنا محمد بن سعيد قال: نا3 أسد بإسناده 4 عن الحسن قال: "لو أن رجلا أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا. قال: ووضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة. ثم قال: أما والله لمن عاش في هذه النكرا ولم يدرك هذا السلف الصالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه فعصمه الله عن ذلك وجعل قلبه يحن إلى ذكر هذا السلف الصالح يسأل عن سبيلهم 5 ويقتص آثارهم ويتبع سبيلهم ليعوض أجرا عظيما، فكذلك فكونوا 6 إن شاء الله تعالى". حدثني عبد الله بن محمد بإسناده عن ميمون بن مهران 7 قال: "لو أن رجلا نشر فيكم من السلف

1 وهو (عن حرملة بن يحيى عن نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس) .

2 تمامه عند ابن وضاح (قلنا بلى يا أبا حمزة الصلاة فقال قد صليتم حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3 لفظ (محمد بن سعيد قال نا) من كتاب ابن وضاح وقد سقط في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي جميع النسخ الخطية.

4 وهو (نا سفيان بن عيينة عن المبارك بن فضالة عن الحسن) .

5 لفظ (يسأل عن سبيلهم) لم يرد في بعض النسخ الخطية وقد ورد في نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ وروضة الأفكار والأفهام لابن غنام وهو الموافق لما في كتاب ابن وضاح.

6 سقطت الفاء في لفظ (فكونوا) في بعض النسخ وأثبتت في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ وهو الموافق لما في كتاب ابن وضاح.

7 وهو (عن علي بن معبد من العلاء بن سليمان عن ميمون بن مهران) .

ص: 321

ما عرف فيكم غير هذه القبلة". أخبرنا محمد بن قدامة الهاشمي1 بإسناده2 عن أم الدرداء قالت: "دخل علي أبو الدرداء مغضبا فقلت له: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا" وفي لفظ3: "لو أن رجلا تعلم الإسلام وأهمه ثم تفقده ما عرف منه شيئا". حدثني إبراهيم بإسناده4 عن عبد الله بن عمرو قال: "لو أن رجلين من أوائل هذه الأمة خليا بمصحفيهما في بعض هذه الأودية لأتيا الناس اليوم ولا يعرفان شيئا مما كانا عليه". قال مالك وبلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه تلا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً5} فقال: "والذي نفسي بيده إن الناس ليخرجون اليوم من دينهم أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا".

قف تأمل رحمك الله إذا كان هذا في زمن التابعين بحضرة أواخر الصحابة، فكيف يغتر المسلم بالكثرة، أو تشكل عليه، أو يستدل بها على الباطل؟ ثم روى ابن وضاح بإسناده عن أبي أمية قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: {لا يَضُرُّكُمْ

1 لفظ (الهاشمي) من كتاب ابن وضاح.

2 وهو (نا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن سالم عن أم الدرداء) .

3 أي بنفس سند الأثر الذي قبله.

4 وهو (عن إسماعيل بن نافع القرشي عن ابن المبارك قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص) .

5 ذكر ابن وضاح قول مالك هذا إثر روايته لحديث الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ما تعرفون وما تنكرون فمن أنكر برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله ألا نقتل فجارهم قال لا ما صلوا)(ص 68) في كتاب ابن وضاح.

ص: 322

مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} 1.

قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا. سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر؛ للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله. قيل: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم" ثم روى بإسناده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طوبى للغرباء، ثلاثا. قالوا: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: ناس صالحون قليل في أناس سوء كثير، من يبغضهم أكثر، ممن يحبهم2 ". أخبرنا محمد بن سعيد بإسناده3 عن المعافري4. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى للغرباء الذين يتمسكون بكتاب الله حين ينكر5، ويعملون بالسنة حين تطفى". أخبرنا محمد بن يحيى6 أخبرنا أسد بإسناده7 عن سالم بن عبد الله عن أبيه

1 سورة المائدة آية: 105.

2 تمامه عند ابن وضاح (ثم طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أناس يوم القيامة وجوههم مثل ضوء الشمس فسأل أبو بكر نحن هم يا رسول الله؟ قال: لا ولكم خير كثير. ولكنهم أناس من أمتي يتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره يحشرون من أقطار الأرض) .

3 وهو (نا نعيم بن حماد قال نا ابن وهب عن عقبة بن نافع عن بكر بن عمرو المعافري.

4 وقع في بعض النسخ الخطية (عن ابن عمر بدل (عن المعافري) وهو خطأ والصواب ما في بقية النسخ الخطية وروضة الأفكار والأفهام لابن غنام وهو (عن المعافري) وهو الموافق لما عند ابن وضاح) .

5 كذا ورد في بعض النسخ الخطية وفي روضة الأفكار والأفهام لابن غنام (يترك) وهو الموافق لما في كتاب ابن وضاح ولما في بقية النسخ الخطية.

6 لفظ (أخبرنا محمد بن يحيى) من كتاب ابن وضاح.

7 وهو (نا يحيى بن المتوكل عن أمه أم يحيى قالت سمعت سالم بن عبد الله) .

ص: 323

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بدأ الإسلام غريبا ولا تقوم الساعة حتى يكون غريبا كما بدأ1، فطوبى للغرباء حين يفسد الناس، ثم طوبى للغرباء حين يفسد الناس". نا محمد بن يحيى2 نا أسد بإسناده3 عن عبد الرحمن4 أنه سمع رسول الله يقول: "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يصلحون إذا فسد 5 الناس". هذا آخر ما نقلته من كتاب البدع والحوادث للإمام الحافظ محمد بن وضاح رحمه الله فتأمل رحمك الله. أحاديث الغربة، وبعضها في الصحيح مع كثرتها، وشهرتها وتأمل إجماع العلماء كلهم أن هذا قد وقع من زمن طويل حتى قال ابن القيم رحمه الله: الإسلام في زماننا أغرب منه في أول ظهوره. فتأمل هذا تأملا جيدا لعلك أن تسلم من هذه الهوة الكبيرة التي هلك فيها أكثر الناس، وهي الاقتداء بالكثرة والسواد الأكبر، والنفرة من الأقل. فما أقل من سلم منه، اما أقله ما أقله! ! ولنختم ذلك6

1 سقط لفظ (كما بدأ) في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ وثبت في نسختي سماحة المفتي وثبوته هو الموافق لما في كتاب ابن وضاح.

2 عبارة (نا محمد بن يحيى) من كتاب ابن وضاح.

3 وهو (نا إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة عن يوسف بن سليم عن جدته ميمونة عن عبد الرحمن بن سنة) .

4 هذا هو الصواب وهو الموجود في كتاب ابن وضاح وعبد الرحمن هذا هو ابن سنة بفتح المهملة وتشديد النون وحكى ابن السكن فيه المعجمة والموحدة ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في (الإصابة في تمييز الصحابة) وقال في عبد الرحمن هذا (ذكره ابن حبان في الصحابة فقال له رؤية) .

5 كذا في بعض النسخ ووقع في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وفي أكثر النسخ الخطية بلفظ (عند فساد الناس) وهو الموافق لما في كتاب ابن وضاح.

6 في نسخة سماحة المفتي بخط عبد العزيز بن ناصر (ولنختم الكلام) .

ص: 324

بالحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره"1. وفي رواية: "يهتدون بهديه ويستنون بسنته، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون، ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" 2.

انتهى ما نقلته والحمد لله رب العالمين. وقد رأيت 3 للشيخ تقي الدين رسالة كتبها وهو في السجن إلى بعض إخوانه لما أرسلوا إليه يشيرون عليه بالرفق بخصومه ليتخلص من السجن، أحببت أن أنقل أولها لعظم منفعته قال رحمه الله تعالى:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد فقد وصلت الورقة التي فيها رسالة الشيخين الناسكين القدوتين أيدهما الله وسائر الإخوان بروح منه وكتب في قلوبهم الإيمان وأدخلهم

1 مسلم: الإيمان (50) ، وأحمد (1/458 ،1/461) .

2 مسلم: الإيمان (50) ، وأحمد (1/458 ،1/461) .

3 عبارة (وقد رأيت للشيخ - إلى آخر الكتاب في جميع ما لدينا من النسخ ما سوى نسخة سماحة المفتي التي هي بخط عبد العزيز بن ناصر، فقد جاء فيها إثر حديث عبد الله بن مسعود المذكور هنا ما نصه (انتهى نقله بقلم الفقير إلى ربه الراجي لعفو ربه وكرمه عبد العزيز بن ناصر بن راشد بن تريكي) .

ص: 325

مدخل صدق وأخرجهم مخرج صدق وجعل لهم من لدنه ما ينصر 1 به من السلطان، سلطان العلم والحجة بالبيان والبرهان، وسلطان القدرة والنصرة بالسنان والأعوان وجعلهم من أوليائه المتقين وحزبه الغالبين لمن ناوأهم من الأقران، ومن الأئمة المتقين الذين جمعوا بين الصبر والإيقان، والله محقق ذلك ومنجز وعده في السر والإعلان، ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن، لكن بما اقتضته حكمته ومضت به سنته من الابتلاء والامتحان الذي يميز الله به أهل الصدق والإيمان من أهل النفاق والبهتان، إذ قد دل كتابه على أنه لا بد من الفتنة لكل من ادعى الإيمان والعقوبة لذوي السيئات والطغيان.

فقال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 2، فأنكر سبحانه على من ظن أن أهل السيئات يفوتون الطالب الغالب، وأن مدعي الإيمان يتركون بلا فتنة تميز بين الصادق والكاذب، وأخبر في كتابه أن الصدق في الإيمان لا يكون إلا بالجهاد في سبيله.

فقال تعالى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} 3. وأخبر سبحانه وتعالى بخسران المنقلب على وجهه عند الفتنة، الذي يعبد الله فيها على

1 لفظ (ينصر) هو الموجود في نسخة سماحة المفتي التي هي بخط سالم بن علي ونسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ومخطوطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصين ووقع في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وبعض النسخ الخطية بلفظ (يتم) .

2 سورة العنكبوت آيات:1- 4.

3 سورة آية: 14-15.

ص: 326

حرف وهو الجانب والطرف الذي لا يستقر من هو عليه، بل لا يثبت على الإيمان إلا عند وجود ما يهواه من خير الدنيا.

فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} 1. قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} 2. وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} 3. وأخبر سبحانه أنه عند وجود المرتدين فلا بد من وجود المحبين المحبوبين المجاهدين. فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} 4. وهؤلاء هم الشاكرون لنعمة الإيمان الصابرون على الامتحان كما قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} 5 إلى قوله {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} . فإذا أنعم الله على الإنسان بالصبر والشكر كان جميع ما يقضي له من القضاء خيرا له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له"6. والصبار الشكور هو المؤمن الذي ذكر الله في غير موضع من كتابه، ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر فهو بشر حال؛ وكل واحد من السراء والضراء في حقه يفضي به إلى قبيح المآل. فكيف إذا كان ذلك في الأمور العظيمة التي هي من محن الأنبياء والصديقين؟

1 سورة الحج آية: 11.

2 سورة آل عمران آية: 142.

3 سورة محمد آية: 31.

4 سورة المائدة آية: 54.

5 سورة آل عمران آية: 144.

6 مسلم: الزهد والرقائق (2999) ، وأحمد (6/15)، والدارمي: الرقاق (2777) .

ص: 327

وفيها تثبيت أصول الدين وحفظ الإيمان والقرآن من كيد أهل النفاق والإلحاد والبهتان؟ فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والله المسؤول أن يثبتكم وسائر المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويتم نعمه عليكم الظاهرة والباطنة، وينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين على الكافرين والمنافقين الذين أمرنا بجهادهم والإغلاظ عليهم في كتابه المبين. انتهى ما نقلته من كلام أبي العباس رحمه الله في الرسالة المذكورة، وهي طويلة1. ومن جواب له رحمه الله لما سئل عن الحشيشة، ما يجب على من يدعي أن أكلها جائز؟ فقال: أكل هذه الحشيشة حرام، وهي من أخبث الخبائث المحرمة، سواء أكل منها كثيرا أو قليلا، لكن الكثير المسكر منها حرام باتفاق المسلمين. ومن استحل ذلك فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا، لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين. وحكم المرتد أشر من حكم اليهودي والنصراني2، وسواء اعتقد أن ذلك يحل للعامة أو للخاصة الذين يزعمون أنها لقمة الذكر والفكر، وأنها تحرك العزم الساكن، وتنفع في الطريق وقد كان بعض السلف ظن أن الخمر يباح للخاصة متأولا قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} 3.

"فاتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على الاستحلال قتلوا". انتهى ما نقلته من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.

1 عبارة (في الرسالة المذكورة وهي طويلة) من مخطوطة الشيخ عبد الرحمن ابن عبد العزيز الحصين.

2 لفظ (اليهودي والنصراني) من الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 4 ص 264 طبعة بغداد.

3 سورة المائدة آية: 93.

ص: 328

فتأمل كلام هذا الذي ينسب إليه عدم تكفير المعين إذا جاهر بسب دين الأنبياء وصار مع أهل الشرك ويزعم أنهم على الحق ويأمر بالمصير معهم، وينكر على من لا يسب التوحيد ويدخل مع المشركين، لأجل انتسابه إلى الإسلام. انظر كيف كفر المعين ولو كان عابدا باستحلال الحشيشة، ولو زعم حلها للخاصة الذين تعينهم على الفكرة، واستدل بإجماع الصحابة على تكفير قدامة وأصحابه إن لم يتوبوا، وكلامه في المعين وكلام الصحابة في المعين فكيف بما نحن فيه مما لا يساوي استحلال الحشيشة جزء من ألف جزء منه؟ والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

ص: 329