الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (5)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أن في تسميتهم الحواشي هي المبدوءة بالقولات؛ لكن غالب الشروح تعتمد هذا المنهج وهذا المسلك، من أطول الشروح فتح الباري، يقول الحافظ: قوله كذا ثم يشرح.
أما الشرح المزجي يدمج الكتاب كاملاً ويدرجه في الشرح لفظة لفظة، ويسبكها معه، مع الكتاب المشروح، يسبك كلام الأصل مع شرحه، ومن أمثلة ذلك إرشاد الساري، يعني لم يغادر من صحيح البخاري ولا كلمة بخلاف الشروح الأخرى الموضعية.
طالب:. . . . . . . . .
شرح حديث النزول؟ موضوعي، لا شك أنه موضوعي؛ لأنه ليس بتحليل لفظي للكتاب، وإنما في ظلال هذا الحديث تكلم عن النزول بإفاضة -رحمه الله تعالى-، وقرر فيه مذهب السلف من إثبات النزول على ما يليق بجلال الله وعظمته، ورجح أنه مع ذلك العرش لا يخلو منه تعالى.
الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- اعتمد طريقة المتأخرين الذين اقتدوا بالمستشرقين حينما يضعون الأرقام على المتن، ويعلقون على ما يشاءون التعليق عليه بأرقامٍ مماثلة، افتتح الشيخ -رحمه الله تعالى- كتابه وهو ناقص، الكتاب ناقص، المشروح لا يعادل خمس الكتاب، افتتح المحقق والشارح -رحمه الله تعالى-، وسماه شرح وإلا هو أشبه ما يكون بتحقيق ومقارنة موازنة بين النسخ، وتعليقات على الكتاب؛ لكن فيه تعليقات مستفيضة وجيدة، هذه المقدمة التي افتتح الشيخ كتابه فيها ضافية تحدث فيها عن نسخ الترمذي المطبوعة والمخطوطة، ثم أشاد فيها في هذه المقدمة بعمل المستشرقين، ودقته في إثبات فروق النسخ، ونعى وعتب على من تولى وتصدر للنشر الكتب من المسلمين، وأنهم غفلوا عن جوانب مهمة في التحقيق، وهي مقابلة النسخ، واعتماد النسخ المضبوطة المتقنة، وإثبات الفروق بين النسخ في الحواشي، نعم إثبات الفروق بين النسخ في الحواشي مهم، وله قيمته، وتبين أهميته فيما إذا رجح المحقق لفظاً مرجوحاً، كثيراً ما يختار المحقق لفظاً يجعله في صلب الكتاب ويعلق عليه، يقول: في كذا كذا، يعني في نسخة كذا لفظ كذا، وقد يكون هو الراجح عند التأمل، وهذا كثير في صنيع المحققين المتأخرين، هذه مهمة، وهذه إنما احتيج إليها متى؟ حينما زالت الثقة، وإلا فالمتقدمون من أهل العلم ينقلون من الكتب من غير إثباتٍ لهذه الفروق وينسخون، نعم إذا كان هناك في المقابلات سقط أو ما أشبه ذلك يلحقونه، يسمونه اللحق، أما إثبات فروق النسخ فهذا إنما جاء به المستشرقون وهو أيضاً لا شك أنه حسن لا سيما وأنه تصدى لنشر الكتب وتحقيقها من ليس بأهل، فقد يرجح ما ليس براجح، فإذا ذكر هذه الفروق حينئذٍ يمكن أن يتوصل إلى اللفظ الصحيح، وإن كان في الحاشية، أشاد بعمل المستشرقين ودقتهم، يقول: "وأما دور الطباعة القديمة عندنا وفي مقدمتها مطبعة بولاق فلم يُعنَ مصححوها بهذا النوع من الفهارس أصلاً، وما أظنهم فكروا في شيءٍ منه، مع أن مطبوعات المستشرقين كانت موجودةً معروفة، ومن أمثلة ذلك سيرة ابن هشام نشرها المستشرق
…
الخ، ومعها فهارس مفصلة، ثم طبعت في بولاق سنة (1295) بدون فهارس"، يقول: "وأنا أستبعد
جداً أن لا تكون طبعة المستشرق في يد مصححي مطبعة بولاق عند طبع الكتاب" هذا ما يتعلق بالفهارس، وأما ما يتعلق بإثبات الفروق ذكره الشيخ.
لا شك أن الطباعة في مبدأ أمرها لا سيما في بلاد المسلمين ما تعتمد على الفهارس التفصيلية للآيات والأحاديث والأماكن والفرق والرجال والمصادر وغيرها، في البداية كان المؤلفون الأوائل لا يعتنون بذلك بل يقصد بعضهم أن لا يضع لكتابه فهرساً من أجل أن يقرأ الكتاب كله، ويذكر عن ابن حبان رحمه الله أنه لما ألف كتابه (الأنواع والتقاسيم) جعله على ترتيبٍ غريب لا يدركه أكثر الناس، فقيل له في ترتيبه هذا فقال: من أجل أن يقرأ الكتاب كله، فإذا وجدت الفهارس الميسرة لا شك أن الطالب سوف يكتفي بها، ولن يراجع الكتاب كاملاً، ولن يتعب نفسه في تصفح الكتاب، ولا شك أن مثل هذا يختصر الوقت إلى حدٍ ما؛ لكنه مع ذلكم يعود الطالب على الكسل والتواكل، الاتكال على غيره، ولذا كانت الثورة على الكتابة، كتابة الحديث في أول الأمر، والخلاف الموجود ثم استقر الأمر على الكتابة ونسي الحفظ، ثم بعد ذلكم خرجت أو ظهرت الطباعة وكان الناس يعتمدون على الخط، من احتاج إلى كتابٍ نسخه، أخذ في نسخه الوقت الطويل؛ لكنه استفاد كثيراً حينما نسخ الكتاب، كتابة الكتاب مرة واحدة عن قراءته عشر مرات، لما خرجت وظهرت الطباعة ثار العلماء حولها، حصلت ضجة؛ لأن لا شك أن مثل هذا يعوق عن التحصيل إلى حدٍ ما، ثم بعد هذا ظهر بعد ذلكم بعد الطباعة الفهارس ثم الحواسب وكلها عوائق عن التحصيل، كلها مما يعوق عن التحصيل، الآن إذا أردت أن تبحث عن حديث في صحيح البخاري، كونك تتصفح الصحيح وتصل إلى الحديث بنفسك، أولاً: أنت في أثنائك بحثك وقفت على عشرات الأحاديث، الأمر الثاني: أن الحديث في مثل هذه الحالة يرسخ في الذهن؛ لأنك تعبت عليه، أما حديث تضغط زر ويطلع لك الحديث تشوفه وبعدين تطفيه، مثل هذا ما يرسخ في الغالب، نعم هو يسعف في المضائق، في وقت الضيق يسعف، خطيب ما بقي عنده وقت، وبحاجة إلى هذا الحديث ما عنده وقت يبحث عن الحديث ويخرجه من مصادره يعتمد، لا بأس، مدرس يعني بقي على درسه شيء يسير وما أشبه، المقصود أن مثل هذه لا يعتمد عليها في التعلم، وإن كان يستفاد منها عند ضيق الوقت، لكن الإشكال أن الناس مخلدون إلى الراحة، يعتمدون عليها في كل شيء، وهذا لا شك أن فيه ضرر
على التعلم، بعد هذه المقدمة الضافية شرع الشيخ -رحمه الله تعالى- بالتعليق والتحقيق وذكر فروق النسخ والتصويبات وتخريج الأحاديث والتراجم لبعض الأعلام، يشرح بعض الألفاظ، يصوب ويرجح، ويستطرد في بحث بعض المسائل، يذكر عن المسألة الواحدة أحياناً صفحتين ثلاث، وهذا جيد بالنسبة للشيخ بتجرد أيضاً، الشيخ يرجح تبعاً للدليل فلا يميل إلى مذهب من المذاهب، وهذا من مزايا هذا الكتاب، ومن مزايا الشيخ -رحمه الله تعالى-؛ لكن القارئ لأعمال الشيخ كلها يلمس منه التساهل في التصحيح وتوثيق الرواة، فقد وثق من الرواة في جامع الترمذي ما يزيد على ثلاثين راوياً الجمهور على تضعيفهم.
وناقش الشيخ رحمه الله مسألة تصحيح الترمذي وهل هو معتبر أو ليس بمعتبر؟ الترمذي متساهل في التصحيح، نص على ذلك جمع من الأئمة كالذهبي وغيره، لكن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله يرى أن تصحيح الترمذي معتبر، نعم هو بالنسبة للشيخ أحمد شاكر معتبر؛ لأن الشيخ أحمد شاكر أكثر تساهلاً منه، يعني إذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، يحتمل أن يكون المراد حسن صحيح بطريقه هذا أو بمجموع الطرق، بطرقه ومجموعاته وشواهده، وهذا محتمل، لكن الشيخ يذهب إلى أبعد من ذلك، فيرى أن تصحيح الترمذي معتبر ومعتمد، وتصحيحه توثيق لرجاله، فمثلاً: الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- حينما وثق ابن لهيعة في صفحة (16 و 61) ووثق أيضاً الأفريقي عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، ووثق ابن إسحاق، ووثق بقية بن الوليد بإطلاق، ووثق الحجاج بن أرطأة، ووثق علي بن جدعان، ووثق عبد الله بن عمر العمري المكبر، ووثق أيضاً يزيد بن أبي زياد، وجواب التيمي، وإسماعيل بن عياش، وحماد بن الجعد، ورجح رواية الحسن عن سمرة .. الخ في كلامٍ يصعب حصره بالنسبة لتعليقات الشيخ، وتوسعه أيضاً في تعليقه على المسند قريب من هذا، الآن الشيخ الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- ويقول:"عبد الله بن عمر -يعني العمري- ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث" والمحقق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله رجح أنه ثقة، ومعروف الجمهور على تضعيفه المكبر دون المصغر، دون عبيد الله.