المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنن ابن ماجه وشروحه: - مقارنة بين شروح كتب السنة الستة - جـ ٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌سنن ابن ماجه وشروحه:

أيضاً كتب التفاسير المطولة تخدم المذاهب، مثلاً تفسير القرطبي خدمة جليلة لمذهب الإمام مالك، مع إشارته للمذاهب الأخرى، تفسير أحكام القرآن للجصاص خدمة لمذهب الشافعي، أحكام القرآن لابن عربي يخدم مذهب الإمام مالك، تفاسير الشافعية كثيرة جداً تخدم مذهبهم، تفسير ابن الجوزي على اختصاره يخدم المذهب الحنبلي ويذكر الروايات ويشيد بفقهاء الحنابلة، لا بأس من هذه الحيثية، لكنه مع ذلكم المسألة تحتاج إلى مزيد بسط في خدمة المذهب، سواء كان من خلال الكتاب أو من خلال السنة، ولا نقول هذا من باب التعصب، لكن أيضاً من باب المعادلة والإنصاف، ولذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- لما ألف (القول المسدد في الذب عن المسند) هو شافعي، شافعي المذهب، دافع عن المسند بقوة، وقال: إن هذه عصبية نبوية، حينما نتعصب لكتاب هذا الإمام الجليل المحدث الفقيه ليس التعصب للإمام أحمد نفسه، إنما كلما قرب الإمام من النصوص ينبغي أن يعتنى به أكثر، ويحتفى بأقواله وأفعاله.

‌سنن ابن ماجه وشروحه:

بعد هذا سنن ابن ماجه مؤلفه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، وماجه معروف أنها بالهاء في الوقف اندرج، مثل: داسه ومنده، يعني ما تقول: ماجة، وإن كان بعضهم يختار ذلك؛ لأنه لما تداوله العرب صار في حكم الاسم العربي؛ لكن الأصل هو بالهاء، ماجه ومثله منده، وداسه، المتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين.

ص: 13

يقول ابن الأثير: "كتابه كتاب مفيد قوي النفع في الفقه؛ لكن فيه أحاديث ضعيفة جداً بل منكرة"، فيه حديث موضوع في فضل قزوين، يقول:"حتى نقل عن الحافظ المزي أن الغالب فيما تفرد به الضعف، ولذا لم يضفه غير واحدٍ إلى الخمسة، بل جعلوا السادس الموطأ" وفي الكتاب من حسن الترتيب وسرد الأحاديث بالاختصار من غير تكرار، ليس في أحدٍ من الكتب، وقد عرضه على أبي زرعة فنظر فيه وقال:"أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها" هذا إن صح عن أبي زرعة فقد قاله من باب التشجيع لمؤلفه، شخص تعب على خدمة السنة يعني ينبغي أن يشجّع، ما نفعل مثلما فعل بعضهم، شرح المحرر للمجد فعرضه على واحد من الشيوخ فقال: أريد رأيك في الكتاب وفي تسمية الكتاب وتسمي لنا الكتاب، قال: اتركه عندي، فلما رجع إليه قال: سمه (القول المكرر في شرح المحرر) هذا تحطيم؛ لكن لو أرشده ووجهه إلى كيفية التصنيف، وحذف ما ينبغي حذفه، وإثبات ما ينبغي إثباته كان أولى، لكن مثل هذا ينصدم ما عاد يؤلف شيء.

من هذا الباب قول أبي زرعة لابن ماجه يقول: "أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع" يعني كتاب البخاري، كتاب مسلم، الكتب كلها تتعطل، من أجل سنن ابن ماجه، فلا شك أنه إن صح عن أبي زرعة أنه من باب التشجيع لمؤلفه، ثم قال:"لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف"، لكن الذهبي في السير قال:"قول أبي زرعة إن صح فإنما عنى بالثلاثين الأحاديث المطروحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة، لعلها نحو الألف"، بلغت الأحاديث الضعيفة عند الشيخ الألباني نحو الثمانمائة، يعني ما يقارب خُمس الكتاب، الكتاب عني به من قبل أهل العلم وشروحه، شرحه علاء الدين مغلطاي، وشرحه أيضاً السيوطي، برهان الدين الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي، كمال الدين الدميري صاحب حياة الحيوان، شرح زوائده على الخمسة ابن الملقن، ممن شرحه أبو الحسن السندي، وممن شرحه الشيخ عبد الغني المجددي في شرح مختصر اسمه (إنجاح الحاجة).

ص: 14

من أهم الشروح وأوسعها شرح مغلطاي، وهو كتاب كبير؛ لكنه لم يكمل، شرح من الكتاب قطعة، وجميع النسخ الموجودة التي توقف عليها خمس أو ست نسخ، ليس فيها شرح لأحاديث المقدمة، مقدمة سنن ابن ماجه التي يتميز بها، طبع هذا الشرح أخيراً، ومعروف أن مغلطاي يعتني باللغة، ويشرح الألفاظ ويوضحها؛ لكنه مع ذلكم يتعصب لمذهبه الحنفي، أما المتداول من هذه الشروح والتعليقات شرح السيوطي، مقارب لشرحه على سنن النسائي، تحليل لفظي لبعض الألفاظ، لا يعتني بالأسانيد كثيراً.

وأما حاشية السندي فهي مؤلفها كما تقدم ذكره مراراً أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السندي المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف، افتتح الكتاب بمقدمة مختصرة جداً، صفحة واحدة، تحدث فيها عن ابن ماجه وعن كتابه باختصارٍ شديد، ومنهج السندي في التعليق والشرح يذكر الترجمة ويشرحها، ثم يذكر ما يحتاجه من المتن ويشرحه، ولا يعرج على الأسانيد، فلا يترجم للرواة، ولا يخرج الأحاديث، هو شرح ناقص، هو كامل لجميع الكتاب، لكن مفردات الشرح ومتطلبات الشرح تحتاج إلى أكثر من ذلك، بحاجة ماسة إلى من يتمه بالكلام على الرواة، وعلى تخريج الأحاديث، ونقد الأسانيد، وهو مطبوع في مجلدين.

ما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجه لمحمد عبد الرشيد النعماني تعليقات مختصرة يترجم لبعض الرواة ويشرح بعض الألفاظ التي تحتاج إلى شرح وهو مطبوع بهامش حاشية سنن ابن ماجه المطبوعة في الهند في مجلدٍ كبير؛ لكن الاستفادة من مثل هذا تصعب على آحاد المتعلمين الذين لا يجيدون قراءة الحرف بالخط الفارسي؛ لكن لو طبع طباعة جديدة معتنىً بها وعلق عليه لصار فيه نفع.

من الشروح أيضاً (مصباح الزجاجة) مختصر الذي هو شرح السيوطي مختصر جداً كغيره من شروحه على الكتب الستة، ومنهجه فيما تقدم مقارب لمنهجه في شرح سنن النسائي، له مختصر اسمه (نور مصباح الزجاجة) لعلي بن سليمان الدمنتي البجمعوي المغربي مطبوع قديماً بمصر سنة تسع وتسعين ومائتين وألف كغيره من كتبه ومختصراته لكتب السيوطي.

ص: 15

وعلى كل حال فالكتاب ما زال بحاجة إلى خدمة، كتاب ابن ماجه لا زال بحاجةٍ إلى خدمة، تتجه أولاً إلى الأسانيد ودراستها دراسةً وافية لتمييز الثابت من غيره، ثم تشرح الأحاديث شرحاً وافياً مبسوطاً؛ لأن الكتاب كما تقدم ذكره جيد في السبك، حسن الترتيب، عالي الأسانيد، زوائده على الكتب الخمسة مفردة أفردها البوصيري في كتاب سماه (مصباح الزجاجة) وهو كتاب جيد في بابه، ويحتاج إلى مزيد عناية، وفيه رسالة لدراسة هذا الكتاب الذي هو الزوائد فقط. والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 16