المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم - مكارم الأخلاق لابن عثيمين

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم

‌كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم

من أحسن الخلق أخلاقا؟ الرسول عليه الصلاة والسلام،وقد قال الله تعالى فيه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1

وفي الصحيح أن هشام بن حكيم سأل؟ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن. فقال: لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئا" 2!! فهو صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خلقا في جميع محاسن الأخلاق وجميل الخصال والأفعال. والحوادث والوقائع التي وقعت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، تدل على حسن خلقه. بل إنه صلى الله عليه وسلم،كان حسن الخلق حتى مع الأطفال: فكان يلاطفهم ويلاعبهم، وكان يقول لأحد الأطفال:"يا أبا عمير، ما فعل النغَيْر؟ " 3، وأبو عمير كنية لطفل وكان معه "نغير" وهو طائر صغير مثل العصفور هلك هذا النغير،فحزن عليه الصبي واغتم فكان عليه الصلاة والسلام يلاطفه قائلا:"ماذا فعل النغير".

وكذلك من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، ورحمته بالخلق أن أعرابياً جاء وبال في المسجد، فزجره الناس ونهروه بشده، فنهاهم النبي عليه الصلاة

1 سورة القلم الآية: 4.

2 أخرجه مسلم رقم476 كتاب صلاة المسافرين. وأبو داود رقم 1342 كتاب الصلاة. وابن ماجه مختصرا رقم 2333 كتاب الأحكام وأحمد. وأحمد في المسند 6/54، 91، 111، 188، 216.

3 أخرجه البخاري رقم6203 ومسلم رقم30 كتاب الآداب. ومسلم رقم 30 كتاب الأدب.

ص: 53

والسلام فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بذَنوب من ماء فأريق على البول، ثم دعا الأعرابي فقال له:"إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن" 1، أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

وجه حسن الخلق في هذه القصة ظاهر، فهو لم يوبخ هذا الأعرابي ولم يأمر بضربه، بل إنه تركه حتى قضى بوله، ثم أعلمه أن المساجد لا تصلح لما فعل إنما هي للصلاة، والذكر، وقراءة القرآن.

وكذلك من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ورحمته بالمؤمنين،أن رجلا أتى إليه عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله هلكت!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "وما أهلكك؟ " فقال الرجل: وقعت على امرأتي في رمضان – يعني جامعها في نهار رمضان – فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "فهل تجد ما تعتق به رقبه؟ " قال لا. قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتاليين" فقال: لا. قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ " قال: لا. ثم جلس. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق2 فيه تمر، فأعطاه إياه وقال له:"تصدق بهذا" فقال الرجل: على أفقر منا؟! فما بين بتيها أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:"اذهب فأطعمه أهلك"3.

1 أخرجه البخاري رقم219، 220 كتاب الوضوء. ورقم 6128 كتاب الأدب ومسلم رقم 98، 99، 100 كتاب الطهارة.

2 العرق: هو الزنبيل والنفقة والمكتل وهو عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعا وهي ستون مدا لستين مسكينا لكل مسكين مد انظر مسلم بشرح النووي 7/226.

3 أخرجه البخاري رقم1936 كتاب الصوم ورقم 2600 كتاب الهبة ورقم =

ص: 54

وحسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام في هذه القصة ظاهر بين: فإنه لم ينهر هذا الرجل، ولم يشتمه ولم يوبخه، لأنه جاء نادماً تائباً خائفاً، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام بعلمه وحكمته أن هذا الرجل لا يستحق أن يوبخ، بل يبين له الحق الذي جاء من عند الله، ويعامل بالرفق واللين وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم، التي مدحه الله تعالى بها في كتابه حيث قال:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ} 1.

وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} 2

وأما صفاته صلى الله عليه وسلم فهو المقدم في كل صفه حميدة عرفت شرعاً أو طبعاً.

ففي الكرم: كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، يعطي عطاءً لا يعطيه أحد من بشر، جاءه رجل فأعطاه غنما من جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة3.

وقال جابر بين عبد الله رضي الله عنهما ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم

= 5368 كتاب النفقات. ورقم 6087 كتاب الأدب. وأخرجه ومسلم رقم 81، 82، 83، 84، 85، 86، 87 كتاب الصيام.

1 سورة آل عمران الآية: 159.

2 سورة التوبة الآية 128.

3 أخرجه مسلم رقم 57، 58 كتاب الفضائل

ص: 55

قط فقال: "لا"1.

ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين تبعه الأعراب يسألونه، فألجؤوه إلى شجرة،فخطفت رداءه وهو على راحلته فقال:"ردوا علي ردائي أتخشون علي البخل؟ فوالله لو كان لي عدد هذه العِضاه2 نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا جبانا، ولا كذوبا"3.

وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر على نفسه، فيعطي العطاء ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار4.

أهدت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام شمله منسوجة فقالت: "يا رسول الله، أكسوك هذه فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام، محتاجا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال:يا رسول الله، ما أحسن هذه! فكسنيها، فقال: "نعم" ، فلما قام النبي عليه الصلاة والسلام لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه، فقال: "رجوت ربكتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها" 5.

1 أخرجه مسلم رقم56 كتاب الفضائل

2 العضاه: الشجرة الغليظة الثابتة الأصل.

3 أخرجه البخاري رقم2821 كتاب الجهاد والسير. ورقم 3148 كتاب الفرض الخمس.

4 الحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه البخاري رقم 6459 كتاب الرفاق. ومسلم رقم 28 كتاب الزهد.

5 أخرجه البخاري رقم6036 كتاب الأدب.

ص: 56

وكان كرمه صلى الله عليه وسلم كرماً في محله، ينفق المال له وبالله، إما لفقير، أو محتاج، أو في سبيل الله، أو تأليفا على الإسلام،أو تشريعا للأمة.

وفي الشجاعة: كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وأمضاهم عزما وإقداما، كان الناس يفرون وهو ثابت، قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لما التقى المسلمون والكفار – يعني في حنين – وولى المسلمون مدبرين، طفق الرسول صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها لإرادة ألا تسرع، وكان يقول حينئذ:"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"1.

وقال علي رضي الله عنه: "كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القومَ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب من العدو منه"2.

وقال أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليله، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا – وقد سبقهم إلى الصوت – وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف وهو يقول: "لم تراعوا3 لم تراعوا" قال: "وجدناه

1 أخرجه مسلم رقم76 كتاب الجهاد والسير. وأخرجه البخاري بنحوه من حديث. البراء بن عازب رضي الله عنه رقم2864 كتاب الجهاد ورقم 4315، 4317 كتاب المغازي.

2 أخرجه أحمد في المسند 1/156 وبنحوه مسلم رقم 79 كتاب الجهاد من حديث البراء رضي الله عنه.

3 قوله: لم ترعوا: أي لا تخافوا والعرب تتكلم بهذه الكلمة واضعه "لم" موضع "لا".

ص: 57

بحرا1 أو إنه لبحر وكان فرساً يبطأ"2.

أما لينه وحسن خلقه: فقد كان صلى الله عليه وسلم لطيفا رحيما، فلم يكن فاحشا ولا متفحشاً3، ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح4، قال أنس رضي الله عنه:"خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ لي أف قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ "5.

1 قوله: وجدنا بحرا: أي وجدوا الفردوس سريع الجري بعد أن كان يبطأ.

2 أخرجه البخاري رقم 2908 كتاب الجهاد والسير ورقم 6033 كتاب الأدب ومسلم رقم رقم48 كتاب الفضائل.

قال النووي في شرح صحيح مسلم 15، 67، 68:

وفيه فوائد: منها شجاعته صلى الله عليه وسلم من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس. وفيه بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفردوس سريعا بعد أن كان يبطأ وهو معنى قوله: وجدناه بحرا: أي واسع. أ.هـ.

3 لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أخرجه البخاري رقم3559 كتاب المناقب. ورقم6029، 6035 كتاب الأدب. ومسلم رقم 68 كتاب الفضائل.

4 لحديث عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في الفرقان: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيراً} وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاباً بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر

" أخرجه البخاري رقم 2125 كتاب البيوع ورقم 4838 كتاب التفسير

5 أخرجه البخاري رقم 6038 كتاب الأدب ومسلم رقم 51 كتاب الفضائل.

ص: 58

وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويضعهم في حجره، وربما بال الصبي في حجره، فلا يعنف1.

وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الحر والعبد، والغني والفقير، ويعود المريض في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر2 وكان يسمع بكاء الصبي وهو يصلي بالناس فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتن أمه3.

و"كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها!! "4.

قال أبو بريده: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذا جاء الحسن والحسين

1 فقد أتت أم قيس بنت محصن بابن لها لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله أخرجه البخاري رقم 223 كتاب الوضوء. ومسلم رقم 104 كتاب الطهارة.

2 وهذا كله من تواضعه صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم في "مدارج السالكين" 2/310 عن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر على الصبيان فيسلم عليهم وكانت الأمة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل لعق أصابعه الثلاثة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته في خدمة أهله ولم يكن ينتقم لنفسه قط وكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويرفع ثوبه ويحلب الشاة لأهله ويعلف البعير ويأكل مع الخادم ويجالس المساكين ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما وبيدا من لقيه بالسلام ويجيب دعوة من دعاة ولو إلى أيسر شيء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم هين المؤونة لين الخلق كريم الطبع جميل المعاشرة طلق الوجه بساما متواضعا من غير ذلة جواد من غير سرف رقيق القلب رحيما بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين لين الجانب لهم. أ. هـ.

3 أخرجه البخاري رقم707، 708، 709، 710 كتاب الأذان. ومسلم رقم 192 كتاب الصلاة.

4 أخرجه البخاري رقم516 كتاب الصلاة. ورقم 5996 كتاب الأدب. ومسلم رقم41،42،43 كتاب المساجد.

ص: 59

– عليهما السلام – عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران1، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال:"صدق الله {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} 2، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"3.

قال الحسين بن علي رضي الله عنهما: سألت أبي عن سير النبي صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا عياب ولا مشاح4 يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه ولا يُخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لايعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة5 في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم6، ويقول: "إذا رأيتم

1 يعثران: من العثرة أي يمشي صغير يميل في مشيه.

2 سورة الأنفال الآية: 28.

3 أخرجه الترمذي رقم3774 كتاب المناقب. وقال: حسن غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد. وأخرجه النسائي رقم 1412 كتاب الجمعة. وأبو داود رقم 1109 كتاب الصلاة.

4 مشاح: مفاعلة من الشح وهو شدة البخل.

5 الجفوة: الغلظة وسوء الخلق.

6 أي كان أصحابه يتمنون أن يأتي هؤلاء الأغراب ليستفيدوا من أسئلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على شدة توفير الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهيبتهم له.

ص: 60

طالب حاجة يطلبها فأرفدوه" 1، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز، فيقطعه بنهي أو قيام"2.

وفي الزهد والتقلل من الدنيا: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، خيره الله تعالى بين أن يكون ملكاً نبياً أو عبداً نبياً، فاختار أن يكون عبداً نبياً، وخيره بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش وبين ما عند الله فاختار ما عند الله. قال أنس: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمل بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر، فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير عمر بين جنبيه وبين الشريط ثوباً، وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما يبكيك يا عمر"؟ قال: والله إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على الله عز وجل من كسرى وقيصر، وهما يعبثان في الدنيا فيما يعبثان فيه، وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " قال عمر: بلى، قال:"فإنه كذلك"3.

1 فأرقدوه: أي فأعينوه على بلوغ حاجته.

2 أخرجه الترمذي في الشمائل رقم 352 وفي إسناد أبو عبد الله التميمي من ولد أبي هالة مجهول كما قال الحافظ. وفيه جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي منهم. قال الحافظ في التقريب؟ رافضي ضعيف" والراوي عن الحسن بن علي لا يعرف. انظر الشمائل المحمدية للترمذي بتحقيق: سيد بن عباس الجليمي ص 34، 35.

3 أخرجه أحمد في المسند 3/139. وابن حبان في صحيحه رقم 6362 كتاب=

ص: 61

هذه درر من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذوها نبراساً لكم تأتمون به وتأخذون بهديه وتسيرون على منهاجه فتهتدوا، فإن الله جبله على مكارم الأخلاق، وأمرنا بالاقتداء به. قال الله تعالى:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتََدُون} 1

رزقنا الله وإياكم محبة خذا النبي صلى الله عليه وسلم، ووفقنا إلى اتباع سنته وهديه حتى يأتينا اليقين.

= التاريخ. وأبو يعلى في مسنده رقم 2783 وذكر الحافظ الهيثمي في: مجمع الزوائد 10/326 وقال: رجاله رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة.

1 سورة الأعراف الآية: 158.

ص: 62