المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ملاحظات: حول كتاب عقيدة السلف والخلف - ملاحظات حول كتاب عقيدة السلف والخلف

[عبد القادر بن حبيب الله السندي]

الفصل: ‌ملاحظات: حول كتاب عقيدة السلف والخلف

‌ملاحظات: حول كتاب عقيدة السّلف وَالْخلف

للشَّيْخ عبد الْقَادِر السّندي

-1-

الْحَمد لله وَحده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من لَا نَبِي بعده.

أما بعد: فقد ناولني فَضِيلَة عميد كُلية الحَدِيث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة على صَاحبهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام كتاب، بعد أَن كتب رَأْيه على الغلاف الثَّانِي مَا نَصه:

"هَذَا الْكتاب فِيهِ خلط وتلبيس لَا يَنْبَغِي لصغار الطّلبَة قِرَاءَته لِأَن مُؤَلفه غير مُحَقّق، وَغير مُمَيّز بَين عقيدة السّلف وَالْخلف وَتُؤَدِّي قِرَاءَته إِلَى بلبلة أفكار قارئيه لذا ننصح طلبة الْعلم بِعَدَمِ قِرَاءَته والانصراف إِلَى قِرَاءَة كتب الْمُحَقِّقين من عُلَمَاء السّلف الصَّالح وأتباعهم".

قلت: هَذَا هُوَ نَص الْكَلِمَة الَّتِي وَقع تحتهَا فَضِيلَة العميد، فَكَأَنَّهُ طلب إليّ حفظه الله تَعَالَى تَفْصِيل مَا أجمله فِي كَلمته والإطناب (فِي) مَا اخْتَصَرَهُ إِظْهَارًا للحق وتبيينا للْوَاقِع الْأَلِيم الَّذِي وَقع فِيهِ صَاحب الْكتاب من الْخَلْط والتلبيس، إِمَّا بِعَدَمِ علمه فَهُوَ أَهْون فِي نَظَرِي وَإِمَّا عنادا فَهُوَ أفظع وأشنع كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

إِن كنت لَا تَدْرِي فَتلك مُصِيبَة

وَإِن كنت تَدْرِي فالمصيبة أعظم

وَأَنا أحسن الظَّن بِهِ فَأَقُول إِنَّه غير مُمَيّز كَمَا حكم عَلَيْهِ فَضِيلَة العميد فِي كَلمته. وَأما إِذا كَانَ عَالما ثمَّ قَامَ بِهَذِهِ العملية الشنيعة فِي هَذَا الْكتاب الَّذِي أسماه (هَذِه عقيدة السّلف

ص: 290

وَالْخلف فِي ذَات الله تَعَالَى، وَصِفَاته، وَالْجَوَاب الصَّحِيح لما وَقع فِيهِ الْخلاف من الْفُرُوع بَين الداعين للسلفية وَأَتْبَاع الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الإسلامية) فَهَذِهِ التَّسْمِيَة الطَّوِيلَة للْكتاب الْمَذْكُور بِهَذِهِ الصّفة وَبِهَذَا الأسلوب فِيهِ دلَالَة وَاضِحَة على عدم علم صَاحبه فضلا عَمَّا أوردهُ فِيهِ من النَّقْل غير الْمسند كَمَا ستعرف ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ هُوَ لَا يفرق بَين الْعَصَا والحية وَبَين الأَرْض وَالسَّمَاء وَبَين الظلام الدامس والنور الْوَهَّاج.

وَقد فَكرت كثيرا -بعد الدُّعَاء من الْبَارِي جلّ وَعلا لهَذَا الْأَخ الْكَرِيم- فِي كَيْفيَّة المناقشة مَعَه وَقد عرفت حَاله تَمامًا أثْنَاء إِلْقَاء نظرتي على كِتَابه هَذَا مَعَ مَا قَالَه فَضِيلَة العميد فِي كَلمته. وَلست أُبَالِي بِمَا يَقُول فِي حق السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى بِأَنَّهُم حشوية مَا دَامَ جعل عقيدة السّلف وَالْخلف وَاحِدَة لَا فرق بَينهمَا فِي نظره أبدا، مَعَ أَن الَّذين أوجدوا هَذِه العقيدة الخلفية أول مرّة وَتَكَلَّمُوا فِيهَا قَالُوا:"إِن عقيدة السّلف أسلم وعقيدتنا أعلم وَأحكم"، وَلَا يُنكر هَذِه الْحَقِيقَة إِلَّا من كَانَ بَعيدا عَن الْعلم فِي هَذَا الْمَوْضُوع بِالذَّاتِ وَلَقَد عجبت من الْأَخ وَذَلِكَ فِي عنوان كِتَابه إِذْ جعل عقيدة السّلف الصَّالح ذاتا وَصفَة وَعبادَة لله تَعَالَى كعقيدة الْخلف الَّتِي اضطرب فِيهَا أَصْحَابهَا الْأَولونَ (اضطرابا شَدِيدا وانقسموا) إِلَى طوائف عديدة وَنحل مُخْتَلفَة وملل متنوعة بَعضهم أقرب إِلَى عقيدة السّلف (الصَّالح) رَحِمهم الله تَعَالَى.

وَلم نسْمع وَلم نر أحدا أَنه أنكر هَذِه الْحَقِيقَة الناصعة مِمَّن سبقه سبقا علميا وزمانيا. فَهَذَا الشَّيْخ مُحَمَّد زاهد الكوثري الَّذِي حمل لِوَاء التعطيل فِي الزَّمن الْأَخير وَالَّذِي لم يتْرك كتابا من كتب السّلف إِلَّا وَقد علق عَلَيْهِ إِثْبَاتًا لهَذِهِ العقيدة الخلفية ودفاعا عَنْهَا واستماتة فِي سَبِيلهَا ونكاية بعلماء السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن تَبِعَهُمْ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. إِلَى أَن قَامَ الْعَلامَة الْمُحدث الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المعلمي الْيَمَانِيّ فِي كِتَابه النافع البارع: (التنكيل بِمَا فِي تأنيب الكوثري من الأباطيل) وَقد نشره وَأنْفق عَلَيْهِ نَاصِر السّنة المحمدية الشَّيْخ مُحَمَّد نصيف رَحمَه الله تَعَالَى ووزعه فِي سَبِيل الله تَعَالَى على طلبة الْعلم. وَإِنِّي أرى فِي هَذَا الْمقَام أَن أتعرض لهَذِهِ الْفِتْنَة وَمن هم أَصْحَابهَا الْأَولونَ ثمَّ انتشارها فِي صُفُوف الَّذين لم تتمكن العقيدة الصَّحِيحَة الصافية من قُلُوبهم.

تِلْكَ العقيدة الَّتِي جَاءَ بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ بعد وَقت قصير من طُلُوع الصُّبْح الصَّادِق الَّذِي أعْطى للكائنات كلهَا -فضلا عَن الإنسانية- ثقافة جَدِيدَة وحياة حرَّة كَرِيمَة، ومحبة إيمانية مثالية ونظاما رفيعا ومنهاجا مُسْتَقِيمًا وأخوة صَادِقَة عَظِيمَة وعقيدة صَافِيَة نقية وسياسة حكيمة قَالَ تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ

ص: 291

وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الْمَائِدَة: 15-16) . هَذَا الْمَعْنى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْقُرْآن الْكَرِيم فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ الكريمتين تركز فِي قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذين مجدهم الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم وَعظم شَأْنهمْ وَذَلِكَ فِي قَوْله الْحَكِيم فِي سُورَة الْفَتْح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الْفَتْح: 29)

مَا أعظم هَذِه التَّزْكِيَة فِي صُورَة رائعة مثالية من رب الْعِزَّة والجلال فِي حق هَؤُلَاءِ النخبة المختارة الَّذين فَهموا هَذِه الشَّرِيعَة الإسلامية الغراء عقيدة وَعبادَة ومعاملة، وسلوكا، وأدبا، ونظاما وَغَيرهَا من الْمعَانِي. السامية.

ثمَّ تَأتي زمرة فاسقة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى لكَي تشوه هَذِه الْحَقِيقَة الناصعة الْبَيْضَاء الَّتِي يَقُول عَنْهَا عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثه الْمُبَارك الَّذِي أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن مَاجَه فِي سنَنه وَذَلِكَ بِإِسْنَاد حسن. قَالَ الإِمَام أَحْمد1 حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ثَنَا مُعَاوِيَة –يَعْنِي ابْن صَالح- عَن ضَمرَة بن حبيب عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ أَنه سمع الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ: وعظنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت من الْعُيُون ووجلتا مِنْهَا الْقُلُوب قُلْنَا يَا رَسُول الله إِن هَذِه لموعظة مُودع فَمَاذَا تعهد إِلَيْنَا؟ قَالَ: "قد تركتكم على الْبَيْضَاء لَيْلهَا كنهارها لَا يزِيغ عَنْهَا إِلَّا هَالك، وَمن يَعش مِنْكُم فسيرى اخْتِلَافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِمَا عَرَفْتُمْ من سنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين وَعَلَيْكُم بِالطَّاعَةِ وَإِن عبدا حَبَشِيًّا عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ فَإِنَّمَا الْمُؤمن كَالْجمَلِ الآنف حَيْثُمَا انقيد انْقَادَ".

وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِد كَثِيرَة مِنْهَا مَا أخرجه ابْن مَاجَه2 فِي الْمُقدمَة من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه وَفِيه: "وأيم الله لقد تركتكم على مثل الْبَيْضَاء لَيْلهَا ونهارها سَوَاء" قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: صدق، وَالله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تركنَا، وَالله على مثل الْبَيْضَاء لَيْلهَا ونهارها سَوَاء.

قلت: وَكَيف لَا؟ وَقد قَالَ جلّ وَعلا فِي كِتَابه الْحَكِيم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ} (الْمَائِدَة: 3) .

1 الْمسند: (4 /126) وَابْن مَاجَه (رقم 43) من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِهِ.

2 ابْن مَاجَه فِي السّنَن رقم (5) .

ص: 292

وسوف يَأْتِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي نِهَايَة الْمَوْضُوع إِن شَاءَ الله تثبيتا لعقيدة السّلف الصَّالح وتأييدا لَهَا.

وَأما الْآن فَإِنِّي أثبت هُنَا إِثْبَاتًا علميا إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِن هَذَا العنوان الَّذِي عنون بِهِ هَذَا الْأَخ الْكَرِيم كِتَابه بقوله: "هَذِه عقيدة السّلف وَالْخلف فِي ذَات الله تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وَالْجَوَاب الصَّحِيح لما وَقع فِيهِ الْخلاف من الْفُرُوع بَين الداعين للسلفية وَأَتْبَاع الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الإسلامية"(هُوَ) عنوان غير صَحِيح. لِأَن عقيدة السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة على أسس ثَلَاثَة:

(1)

تَنْزِيه الله من مشابهة الْخلق.

(2)

الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ الثَّابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة وَعدم التَّعَرُّض لنفيها وَعدم التهجم على الله بِنَفْي مَا أثْبته لنَفسِهِ.

(3)

قطع الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة.

كَمَا ذكر ذَلِك1 عُمْدَة الْمُتَأَخِّرين الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد الْأمين الشنقيطي رحمه الله نقلا عَن المصادر الْأَصْلِيَّة كَمَا سَوف يَأْتِي بعض تَفْصِيله إِن شَاءَ الله.

وَأما عقيدة الْخلف فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة على التَّأْوِيل والتحريف والتعطيل والتشبيه كَمَا حكى ذَلِك الْعَلامَة سعد الدّين التفازاني فِي شرح العقائد النسفية وَهُوَ كتاب يدرس فِي أغلب مدارس الْهِنْد والباكستان وَغَيرهَا فِي مَادَّة التَّوْحِيد وأصل الْكتاب للعلامة الشَّيْخ عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ قَالَ الْعَلامَة التفازاني مَا نَصه: "وَقد كَانَت الْأَوَائِل من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ لصفاء عقائدهم ببركة صُحْبَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقرب الْعَهْد بِزَمَانِهِ، ولقلة الوقائع والاختلافات وتمكنهم من الْمُرَاجَعَة إِلَى الثِّقَات مستغنين عَن تدوين العلمين –الْكتاب وَالسّنة- وترتيبهما أبوابا وفصولا وَتَقْرِير مقاصدهما فروعا وأصولا إِلَى أَن حدثت الْفِتَن بَين الْمُسلمين وَغلب الْبَغي على أَئِمَّة الدّين وَظهر اخْتِلَاف الآراء والميل إِلَى الْبدع والأهواء وَكَثُرت الْفَتَاوَى والوقعات وَالرُّجُوع إِلَى الْعلمَاء فِي الْمُهِمَّات فاشتغلوا بِالنّظرِ وَالِاجْتِهَاد وَالِاسْتِدْلَال والاستنباط وتمهيد الْقَوَاعِد" انْتهى ثمَّ قَالَ فِي مَوضِع آخر معتذرا للخلف عَمَّا أقدموا عَلَيْهِ من إِيجَاد هَذِه العقيدة الخلفية قَالَ: "الْقَوْم الَّذين كَانُوا يناظرهم الْخلف مَا كَانُوا يقبلُونَ الْأَدِلَّة النقلية وَلَا ينقادون لَهَا فَذَلِك اضْطر عُلَمَاء الْخلف إِلَى الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة2" انْتهى.

1 انْظُر رسَالَته (مَنْهَج ودراسات لآيَات الْأَسْمَاء وَالصِّفَات) ص (25) وَهِي من مطبوعات الجامعة الإسلامية سنة 1395 هجري.

2 شرح العقائد النسفية: ص.11

ص: 293

نقل هَذَا كُله الشَّيْخ صَالح بن أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه تحكيم النَّاظر1 وَكَانَ شرح العقائد عِنْدِي فِي يَوْم من الْأَيَّام وَكنت قد درسته على يَد بعض الْمَشَايِخ بباكستان ثمَّ أحرقته فِيمَا بعد وَلَو كنت تركته لنقلت مِنْهُ نصوصا كَثِيرَة.

قلت: هَذَا نَص كَلَام الْعَلامَة التفازاني شَارِح العقيدة النسفية وَهُوَ يعْتَرف اعترافا لَا يشوبه أدنى شكّ بِأَن هَذِه العقيدة الخلفية أوجدها عُلَمَاء الْخلف لكَي يناظروا بهَا من كَانَ يرفض الْأَدِلَّة النقلية من الْخلف وَلذَلِك نقل عَن الْمُتَأَخِّرين الَّذين أوجدوا هَذِه العقيدة الخلفية العلمية حسب زعمهم: (أَن عقيدة الْخلف أسلم وعقيدتنا أعلم وَأحكم) كَمَا نَقله عَنْهُم شَارِح العقيدة الطحاوية حَيْثُ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى:

"نَبينَا صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ فواتح الْكَلم وخواتمه وجوامعه، فَبعث بالعلوم الْكُلية والعلوم الأولية والأخروية على أتم الْوُجُوه، وَلَكِن كلما ابتدع شخص بِدعَة اتسعوا فِي جوابها لذَلِك صَار كَلَام الْمُتَأَخِّرين كثيرا، قَلِيل الْبركَة بِخِلَاف كَلَام الْمُتَقَدِّمين فَإِنَّهُ قَلِيل كثير الْبركَة، لَا كَمَا يَقُول ضلال الْمُتَكَلِّمين وجهلتهم: إِن طَريقَة الْقَوْم أسلم وَإِن طريقتنا أحكم وَأعلم2" انْتهى

وَهَكَذَا نقل عَنْهُم الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد السفاريني النابلسي الْمُتَوفَّى سنة 1188 هجري فِي شَرحه (لوامع الْأَنْوَار البهية وسواطع الْأَسْرَار الأثرية) على منظومته الَّتِي سَمَّاهَا: (الدرة المضية فِي عقيدة أهل الْفرْقَة النَّاجِية) إِذْ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى:

"مَذْهَب السّلف هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور وَالْحق الثَّابِت الْمَأْثُور وَأَهله هم الْفرْقَة النَّاجِية والطائفة المرحومة الَّتِي هِيَ بِكُل خير فائزة وَلكُل مكرمَة راجية من الشَّفَاعَة والورود على الْحَوْض ورؤية الْحق وَغير ذَلِك من سَلامَة الصُّدُور وَالْإِيمَان بِالْقدرِ وَالتَّسْلِيم لما جَاءَت بِهِ النُّصُوص فَمن الْمحَال أَن يكون المخالفون أعلم من السالفين كَمَا يَقُوله بعض من لَا تَحْقِيق لَدَيْهِ مِمَّن لَا يقدر السّلف وَلَا عرف الله تَعَالَى وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُؤمنِينَ بِهِ حق الْمعرفَة الْمَأْمُور بهَا، من (أَن طَريقَة السّلف أسلم وَطَرِيقَة الْخلف أعلم وَأحكم) وَهَؤُلَاء إِنَّمَا أَتَوا من حَيْثُ طنوا أَن طَريقَة السّلف هِيَ مُجَرّد اسْتِخْرَاج مَعَاني النُّصُوص الْمَعْرُوفَة عَن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللُّغَات فذها الظَّن الْفَاسِد أوجب تِلْكَ الْمقَالة الَّتِي مضمونها نبذ الْإِسْلَام وَرَاء الظُّهُور.

1 تحكيم النَّاظر: ص 73.

2 تحكيم النَّاظر: ص 27 -29 طبعة سنة 1370 هجري.

ص: 294