المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ الجعد بن درهم:

وَقد كذبُوا وأفكوا على طَريقَة السّلف وَضَلُّوا فِي تصويب طَريقَة الْخلف فَجمعُوا بَين باطلين: الْجَهْل فِي طَريقَة السّلف فِي كذبهمْ عَلَيْهِم، وَالْجهل والضلال بتصويب طَريقَة غَيرهم) 1 اهـ.

قلت: وَالشَّاهِد فِي هَذَا الْكَلَام وَاضح بَين أَنه نقل عَن ضلال الْمُتَكَلِّمين مقالتهم فِي التَّفْرِيق بَين طَريقَة السّلف وَالْخلف مَعَ أَن هَذَا الرجل الَّذِي أَخطَأ فِي وضع عنوان كِتَابه لم يفرق بَين عقيدة السّلف وَالْخلف فضلا عَمَّا فِي كِتَابه من الْحَقَائِق غير ثَابِتَة على أَئِمَّة الحَدِيث وعَلى غَيرهم من جهابذة الْمُتَكَلِّمين والفلاسفة الَّذين لَا يرضون عَن عمله هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ على الْفَرِيقَيْنِ وآذاهما فِي وَقت وَاحِد، أَرْجُو لَهُ الْهِدَايَة والعودة الحميدة إِلَى طَرِيق الصَّوَاب، وَالْحق والإنصاف.

إِنِّي: حسب الْوَعْد الَّذِي قطعته على نَفسِي أَرغب أَن أتعرض لهَذِهِ الْفِتْنَة السَّوْدَاء والنكسة الشنعاء وَذَلِكَ فِي ضوء الْبَحْث العلمي، إيضاحا للحق وبيانا للْوَاقِع ودعوة إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَولونَ من مَنْهَج رفيع ودستور عَظِيم مَعَ التَّعَرُّض لتاريخ بعض رجل هَذِه الْحَادِثَة الأليمة والواقعة الخطيرة أَعنِي الاعتزال، ثمَّ الَّذين وقفُوا فِي سدها وَدفعهَا دفعا قَوِيا وسدا منيعا من أَئِمَّة الحَدِيث وَالسّنة رَحِمهم الله تَعَالَى ثمَّ التَّعَرُّض لبَعض نقُول هَذَا الْكتاب الْمَرْدُود عَلَيْهِ بِأَنَّهَا مقولة على أَصْحَابهَا بِغَيْر علم وكشفا لحقيقة هَذَا الْمُؤلف الْجَدِيد وتنبيها وتحذيرا للأخوة الطّلبَة الَّذين هم فِي حَاجَة ثقافة قَوِيَّة، وحضارة إسلامية عَظِيمَة، أَلا يقرؤوا مثل هَذِه الْكتب وَمَا أَكْثَرهَا الْيَوْم فِي الْأَسْوَاق. قبل تمكنهم من الْحُصُول على الرصيد الحافل من الْعلم الصَّحِيح والعقيدة الصافية النقية، وَذَلِكَ بدراستهم عُلُوم الْكتاب وَالسّنة وأصول دراستهما من أَفْوَاه أهل الْعلم المتمكنين مِنْهُ دراية وَرِوَايَة.

1 لوامع الْأَنْوَار البهية: ج (1 /25) .

ص: 295

1_

‌ الْجَعْد بن دِرْهَم:

نعم: أول فتْنَة شنعاء فِي هَذَا الْبَاب تَأْوِيل صِفَات الْبَارِي جلّ وَعلا وتعطيلها أَو تحريفها أَو إنكارها بِالْكُلِّيَّةِ قَامَ بهَا رجل يُسمى: الْجَعْد بن دِرْهَم. قَالَ الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه:

"عداده فِي التَّابِعين" ثمَّ قَالَ: "مُبْتَدع ضال، زعم أَن الله لم يتَّخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا، وَلم يكلم مُوسَى، فَقتل على ذَلِك بالعراق يَوْم النَّحْر"2.

2 ميزَان الِاعْتِدَال: 399 /1.

ص: 295

وَقَالَ الْحَافِظ فِي لِسَان الْمِيزَان: "وللجعد أَخْبَار كَثِيرَة فِي الزندقة مِنْهَا: أَنه جعل فِي قَارُورَة تُرَابا وَمَاء فاستحال دودا أَو هواما فَقَالَ: أَنا خلقت هَذَا لِأَنِّي كنت سَبَب كَونه، فَبلغ ذَلِك جَعْفَر بن مُحَمَّد فَقَالَ: ليقل كم هُوَ؟ وَكم الذكران مِنْهُ وَالْإِنَاث إِن كَانَ خلقه وليأمر الَّذِي يسْعَى إِلَى هَذَا أَن يرجع إِلَى غَيره. فَبَلغهُ ذَلِك فَرجع"1 انْتهى.

وَذكره الْعَلامَة الإِمَام أَبُو سعد عبد الْكَرِيم السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب فِي نِسْبَة الْجَعْدِي إِذْ قَالَ: "وَجَمَاعَة نسبوا إِلَى رَأْي الْجَعْد بن دِرْهَم مولى سُوَيْد بن غَفلَة وَقع إِلَى الجزيرة وَأخذ بِرَأْيهِ جمَاعَة وَكَانَ الْوَالِي بهَا إِذْ ذَاك مَرْوَان بن مُحَمَّد، فَلَمَّا جَاءَت الخراسانية نسبوه إِلَيْهِ شنعة عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: وَقتل الْجَعْد بن دِرْهَم خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي عَامل هِشَام بن عبد الْملك"2.

وَهَكَذَا قَالَ الإِمَام عز الدّين بن الْأَثِير فِي تَهْذِيب الْأَنْسَاب نقلا عَن السَّمْعَانِيّ فِي هَذِه النِّسْبَة3.

وَقَالَ الْعَلامَة الديار بكري صَاحب (الْخَمِيس) : "وَكَانَ مَرْوَان هَذَا يعرف بالجعدي نِسْبَة إِلَى مؤدبه وأستاذه جعد بن دِرْهَم وَكَانَ زنديقا"4 انْتهى.

قلت: وَقد سَاق الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ شيخ الْإِسْلَام عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ الْمُتَوفَّى سنة 280 هجري إِسْنَاده فِي كِتَابه البارع النافع الْمُفِيد: (الرَّد على الْجَهْمِية) هَكَذَا فِي قتل هَذَا الزنديق: حَدثنَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن حبيب بن أبي حبيب عَن أَبِيه عَن جده حبيب بن أبي حبيب قَالَ: "خَطَبنَا خَالِد بن عبد الله القسي يَوْم الْعِيد الْأَضْحَى فَقَالَ: أَيهَا النَّاس ارْجعُوا فضحوا تقبل الله منا ومنكم فَإِنِّي مضح بالجعد بن دِرْهَم أَنه زعم أَن الله تبارك وتعالى لم يتَّخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَلم يكلم مُوسَى تكليما سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الْجَعْد بن دِرْهَم علوا كثيرا ثمَّ نزله فذبحه.

ثمَّ سَاق إِسْنَاد آخر بقوله: حَدثنَا هِشَام بن مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ المكفوف ثَنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان الْبَاهِلِيّ ثَنَا خلف بن خَليفَة الْأَشْجَعِيّ قَالَ: "أُتِي خَالِد بن عبد القسي بِرَجُل قد عَارض الْقُرْآن فَقَالَ: قَالَ الله فِي كِتَابه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} . وَقلت أَنا: مَا هُوَ أحسن مِنْهُ إِنَّا أعطيناك الْجمَاهِر فصل لِرَبِّك وجاهر وَلَا تُطِع كل سافه وَكَافِر، فَضرب خَالِد عُنُقه وصلبه فَمر بِهِ خلف بن خَليفَة وَهُوَ مصلوب

1 لِسَان الْمِيزَان: 105 /2.

2 الْأَنْسَاب للسمعاني: 287 /3.

3 اللّبَاب فِي تَهْذِيب الْأَنْسَاب: 282 /1.

4 تَارِيخ الْخَمِيس: 183 /2.

ص: 296