الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5- مناظرات ابن تيمية للرافضة:
مع أن شيخ الإسلام أخبر بوقوع مناظرات ومفاوضات مع الرافضة يطول وصفها، إلا أنه لم يتيسر الوقوف إلا على هاتين المناظرتين:
المناظرة الأولى: جادل ابن تيمية أحد شيوخ الرافضة، وكان الجدل والبحث في مسألة دعوى عصمة الإمام، وأن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه معصوم من الصغائر والكبائر فحاجّه شيخ الإسلام في أن العصمة لم تثبت إلا للأنبياء عليهم السلام، وأن علياً وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما اختلفا في مسائل وقعت، وأن تلك المسائل عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم، فصوّب فيها قول ابن مسعود رضي الله عنه (1) .
المناظرة الثانية: ساق ابن تيمية مناظرته لشيخ رافضي في إحدى مسائل الإمامة فقال:
"ولقد طلب أكابر شيوخهم الفضلاء أن يخلو بي، وأتكلم معه في ذلك، فخلوتُ به وقررت له ما يقولونه في هذا الباب، كقولهم: إن الله أمر العباد، ونهاهم، فيجب أن يفعل بهم اللطف الذي يكونون عنده أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح.. وهذا أخذوه من المعتزلة.
(1) . انظر: العقود الدرية ص 122 = باختصار
ثم قالوا: والإمام لطف؛ لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب وينهاهم عن القبيح، كانوا أقرب إلى فعل المأمور، وترك المحظور، فيجب أن يكون لهم إمام، ولابد أن يكون معصوماً، لأنه إذا لم يكن معصوماً لم يحصل به المقصود، ولم تدع العصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعليّ، فتعيّن أن يكون هو إياه للإجماع على انتفاء ما سواه، وبسطت له العبارة في هذه المعاني.
ثم قالوا: وعليّ نصّ على الحسن، والحسن على الحسين، إلى أن انتهت النوبة إلى المنتظر محمد بن الحسن فاعترف بأن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال.
قلت له: فأنا وأنت طالبان للعلم والحق، وهم يقولون: من لم يؤمن بالمنتظر فهو كافر، فهذا المنتظر هل رأيته؟ أو رأيت من رآه؟ أو تعرف شيئاً من كلامه الذي قاله هو؟ أو ما أمر به أو ما نهى عنه مأخوذاً كما يؤخذ عن الأئمة؟.
قال: لا.
قلت: فأي فائدة في إيماننا هذا؟ وأي لطف يحصل لنا بهذا؟ ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص، ونحن لا نعلم ما يأمرنا به، ولا ما ينهانا عنه، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه؟ وهم من أشد الناس إنكاراً لتكليف ما لا يطاق، فهل يكون في تكليف ما لا يطاق أبلغ من هذا؟ (1) "
(1) . منهاج السنة النبوبة 1/101-103 = باختصار، وانظر: التسعينية 2/ 628.
وبالنظر إلى هاتين المناظرتين وما يحتف بهما، نسوق الجمل الآتية:
1-
الإمامة أهم أصول الرافضة " فهي الأصل الذي تدور عليه أحاديثهم، وترجع إليه عقائدهم، وتلمس أثره في فقههم وأصولهم، وتفاسيرهم وسائر علومهم "(1) .
والإمامة مما شذّ به الرافضة عن سائر الطوائف، ولذا قال شيخ الإسلام: "خاصة مذهب الرافضة الإمامية من الاثني عشرية ونحوهم هو إثبات الإمام المعصوم، وادعاء ثبوت إمام عليّ بالنص عليه،
ثم على غيره واحداً بعد واحد " (2) .
وأما أصولهم الأخرى كالتوحيد والعدل والنبوة، فيشتركون مع سائر أهل الأهواء.
فلا عجب أن يعنى شيخ الإسلام بنقض أصل الإمامة، وبيان ما يحويه من فساد (3) ، كدعواهم بالنص على الأئمة الاثنى عشر، وعصمتهم، وأن الإمام المنتظر لطف من الله، فإنه إذا انتقض هذا الأصل، انتقض ما يبنى عليه من عقائدهم وآرائهم.
2-
لم يكتف شيخ الإسلام بمناظرة الرافضة ومجادلتهم، بل
(1) . أصول مذهب الشيعة للقفاري 2/653
(2)
. التسعينية 2/ 625
(3)
. انظر: منهاج السنة النبوة: 1/ 100، 3/378، 487، 5/163، 6/384 -442.
جاهدهم بالسنان، وغزاهم في عقر دارهم، وذلك لما عليه الرافضة من الضلال الشنيع، والمكر الكبّار لأهل الإسلام.
كما قال عنهم: "فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه، وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في الإسلام، فإنه يجد معظم ذلك من قِبل الرافضة، وتجدهم من أعظم الناس فتناً وشراً، وأنهم لا يقعدون عمّا يمكنهم من الفتن والشر وإيقاع الفساد بين الأمة "(1) .
وتحدث عن نصرتهم لأعداء الله تعالى فقال: "ولهذا الرافضة يوالون أعداء الدين، الذين يعرف كل أحد معاداتهم، من اليهود والنصارى والمشركين، ويعادون أولياء الله الذين هم خيار أهل الدين، وسادات المتقين، ولهذا كان الرافضة من أعظم الأسباب في دخول الترك الكفار إلى بلاد الإسلام.. وهم كانوا أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديماً عل بيت المقدس (2) .."
لقد أفتى شيخ الإسلام بغزوهم، ودعاهم إلى الالتزام بشرع الله تعالى، وذلك سنة 699هـ (3)، حيث قال: "وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير (4) ، فيه ألوف الرافضة يسفكون دماء الناس، ويأخذون
(1) . منهاج السنة النبوية 6/ 372
(2)
. منهاج السنة النبوية 7/ 414 = باختصار
(3)
. انظر: البداية لابن كثير 14/12.
(4)
. وهو جبل كسروان. انظر: منهاج السنة النبوية 6/ 418، العقود الدرية ص 120.
أموالهم، وقتلوا خلقاً عظيماً، وأخذوا أموالهم وباعوا الأسرى للكفار النصارى.. ومع هذا فلما استشار بعض ولاة الأمر في غزوهم، وكتبت جواباً مبسوطاً في غزوهم (1) .
وذهبنا إلى ناحيتهم وحضر عندي جماعة منهم، وجرت بيني وبنيهم مناظرات ومفاوضات يطول وصفها، فلما فتح المسلمون بلدهم (2) ، وتمكّن المسلمون منهم، نهيتهم عن قتلهم، وعن سبيهم، وأنزلناهم في بلاد المسلمين متفرقين لئلا يجتمعوا" (3) .
3-
مع أن الرافضة أرباب بدع مغلظة وزندقة مكشوفة " فليس في جميع الطوائف المنتسبين إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شرّ منهم، لا أجهل ولا أكذب ولا أظلم ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق الإيمان منهم "(4) .
ومع كيدهم وبغيهم على أهل السنة، إلا أن أهل السنة عاملوهم بكل عدل وإنصاف، كما حققه شيخ الإسلام في غزوه لهم، حيث نهى
(1) . من مؤلفات ابن تيمية: الرد على أهل كسروان الرافضة في مجلدين. انظر: الجامع لسيرة ابن تيمية ص 232
(2)
. انظر تفصيل ذلك في: العقودية الدرية ص 120 -122، والبداية لابن كثير 14/12
(3)
. منهاج السنة النبوية 5/ 158 - 160، وانظر: منهاج السنة النبوية 3/ 367، ومجموع الفتاوى 11/ 474.
(4)
. منهاج السنة النبوية 5/ 160.
عن قتلهم وسبيهم بعد أن تمكن منهم، مع أنهم قتلوا المسلمين وسبوهم.
وقد اعترف الرافضة بهذا العدل، شهدوا أن أهل السنة ينصفونهم ما لا ينصفهم سائر إخوانهم الرافضة، وكما حكاه شيخ الإسلام قائلاً: " فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف، ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء (1) خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض.
وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضاً. (2)
ويقول - في موضع آخر -: " فما من طائفة من طوائف أهل السنة على - تنوعهم - إلا إذا اعتبرتها وجدتها أعلم وأعدل، وأبعد عن الجهل والظلم من طائفة الرافضة.
وهذا أمر يشهد به العيان والسماع، لمن له اعتبار ونظر، ولا يوجد في جميع الطوائف لا أكذب منهم، ولا أظلم منهم، وشيوخهم يقرون بألسنتهم يقولون: يا أهل السنة أنتم فيكم فُتّوة، لو قدرنا عليكم لما عاملناكم بما تعاملونا به عند القدرة علينا. " (3)
(1) . المراد بهؤلاء: أهل الأهواء.
(2)
. منهاج السنة النبوية 5/ 157.
(3)
. منهاج السنة النبوية 4/ 121، وانظر: 2/342.
4-
نلمس - في المناظرة الثانية - ما عليه شيخ الإسلام من تحقيق لآداب المناظرة، فقد أحسن التعامل مع مخالفه، وترّفق به، فوصفه بأنه من فضلاء شيوخهم، وأجاب طلبه في الخلوة والكلام معه في مسألة الإمامة، كما بيّن شيخ الإسلام مذهب الرافضة بكل إنصاف، حتى أقرّ الرافضي بأن هذا البيان على غاية الكمال، وكان ابن تيمية في غاية التجرد للحق، والنصح لمخالفه، حيث قال:"فأنا وأنت طالبان للعلم والحق "
فالباعث من تلك المناظرة المناصحة والرحمة، لا المغالبة والظهور (1) .
5-
تميّز شيخ الإسلام بقوة حجته، وبراعة مناظرته، وتمام درايته بمذهب الرافضة، ولا غرو في تلك الدراية وهو القائل:" أنا أعلم كل بدعة حدثت في الإسلام، وأول من ابتدعها، وما كان سبب ابتداعها"(2) .
لقد طالبهم في مناظرته الأولى بالدليل على دعواهم بعصمة الأئمة، فالعصمة لا تثبت إلا للأنبياء عليهم السلام، وكما قرر شيخ الإسلام في أحد مؤلفاته أنه لا عبرة بكثرة الدعاوى، وإنما العبرة بقوة الأدلة
(1) . انظر: الكلام عن مناظرة المناصحة والمغالبة في كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (الإيمان) 2/548.
(2)
. مجموع الفتاوى 3/ 84.
وتعددها (1) ، والعلم إما نقل مصدّق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم (2) .
وكما جاء في قواعد المناظرات: إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدعياً فالدليل (3) .
كما كشف عن تناقضهم - في المناظرة الثانية - فالإيمان بالإمام الغائب لا يتحقق به لطف، بل هو تكليف بما لا يطاق، فإثباتهم الإمام الغائب وأنه لطف من الله، يبطله نفيهم بتكليف ما لا يطاق، فأظهر شيخ الإسلام أن أقوالهم ينقض بعضها بعضاً.
وصدق رحمه الله إذ يقول: "ما أعلم أحد من الخارجين عن الكتاب والسنة إلا ولابد أن يتناقض.. "(4)
(1) . انظر: تنبيه الرجل العاقل 1/ 63.
(2)
. انظر: مجموع الفتاوى 13/ 329.
(3)
. انظر: منهج الجدل والمناظرة 2/ 687.
(4)
. مجموع الفتاوى 13/305 = باختصار.