المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أمثلة من كيد الأعداء. قديما وحديثا - موقف أصحاب الأهواء والفرق من السنة النبوية ورواتها جذورهم ووسائلهم وأهدافهم قديما وحديثا

[محمد بن مطر الزهراني]

الفصل: ‌أمثلة من كيد الأعداء. قديما وحديثا

"‌

‌أمثلة من كيد الأعداء. قديماً وحديثاً

"

لكي تتضح الصورة أكثر للمخطط الإفسادي اليهودي النصبراني المجوسي أورد مثالين من دسائس أعداء هذا الدين لنرى مدى الترابط الوثيق بين أعداء هذا الدين بالأمس وأعدائه اليوم، وأن جذورهم واحدة كما أن أهدافهم ووسائلهم واحدة أيضاً، وإن عرضت بأشكال وألوان مختلفة، وأن اختلاف تلك الوسائل إنما هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.

وهذان المثالان هما:

الأول: فتنة ابن سبأ في صدر الإسلام.

الثاني: التخطيط الصهيوني الصليبي الحديث.

أما الأول فمهندسه عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني، ويعرف بابن السوداء، لأن أمه كانت حبشية سوداء، وقد استفاد ابن سبأ من التقاء المخططين المجوسي والصليبي من قبل الذي نتج عنه مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وتاريخ اليهود الأسود المشبوه معروف في حرب الله ورسله، وهم الذين قتلوا يحيي وزكريا وغيرهما وحاولوا صلب المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام.

ولما لم يفلحوا في إيقاف زحف دعوة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام رغم مقاومتهم لها، عند ذلك لجأوا إلى الكيد والدس حيث أمروا شاؤول اليهودي- الذي تسمى فيما بعد ببولس الأول- أن

ص: 25

يتظاهر بالدخول في دين المسيح ثم يبدأ يفسر ويحرف ما جاء به عيسى، وقد تم لهم ما أرادوا، حيث قام شاؤول بدوره خير قيام، فأفسد في النصرانية بما عجز عنه اليهود كلهم في مقاومتها بالقوة.

وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة قاومه اليهود بالكيد والدس، فأخذوا يلقون الشكوك والشبهات حول رسالته صلى الله عليه وسلم في المدينة وبين القبائل العربية خارج المدينة، ثم دخلوا معه في القتال بالسلاح- بعد نقضهم العهد الذي بينه وبينهم- كما حصل في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، ثم أخيراً معركة خيبر، وفي تلك المعارك كلها كان النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم وكانت الهزيمة حليفهم.

وعندما لم يفلحوا في التشكيك في هذا الدين الذي نسخ ما قبله من الأديان بما في ذلك اليهودية، وعندما رأوا تلك الفتوحات العظيمة وذلك التوسع الهائل في انتشار دين الإسلام وإقبال الناس عليه.

عند ذلك تداعى شياطين اليهود مرة أخرى في صنعاء اليمن فخططوا ودبروا أمرهم واستلهموا من تاريخهم الأسود في حرب الله ورسله تلك الفعلة التي قام بها شاؤول اليهود مع دعوة المسيح بن مريم عليه وعلى أمه الصلاة والسلام، فرشَّح المجتمعون لهذه المهمة مع رسالة خاتم الأنبياء شاؤول الجديد عبد اللة بن سبأ1،

1 نص شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية على تشبيه أثر ابن سبأ في الإسلام بأثر شاؤول اليهودي- بولس الأول- في النصرانية، فكما أظهر بولس النصرانية مع إبطانه يهوديته كذلك ابن سبأ أظهر الإسلام مع بقائه على يهوديته في السر. مجموع الفتاوى: 28 /483.

ص: 26

فتظاهر بالإسلام، وذلك في أول خلافة عثمان رضي الله عنه وقيل في آخر خلافة عمر رضي الله عنه، وأخذ ينتقل بين الأمصار الإسلامية لبث سمومه وأفكاره المنحرفة.

وقد ساق الإمام ابن جرير الطبري قصة فتنة ابن سبأ في تاريخه من عدة طرق وهي طويلة أقتطف منها ما يهمنا فيما نحن بصدده، وهو معرفة جذور أعدائنا ووسائلهم وأهدافهم مع الربط بين القديم منها والحديث.

.... قال- بعد ذكر الأسانيد- كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، فأسلم زمن عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه، حتى أتى

مصر فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول؟ لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع، وقد قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فَقُبِل ذلك عنه، فوضع لهم الرجعة فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد، ثم قال: فمحمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك: ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتناول أمر الأمة

، ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه،

ص: 27

ابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر1 تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر فبث دعاته وكاتب من كان قد استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يضعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم، وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ويسِّرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة، فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا: إنا في عافية مما فيه الناس.... الخ2 القصة

ولم يقف ابن سبأ عند هذا الحد، بل صعد الفتنة ضد خليفة المسلمين عثمان حتى تمكن من جمع أتباعه من العراق ومصر فحاصر بهم المدينة، ودخلوا على عثمان خليفة المسلمين، فقتلوه رضي الله

1 هكذا تستر هذا اليهودي وأتباعه بقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد سلك هذا المبدأ من بعده كثير من أصحاب الأهواء كالخوارج والمعتزلة العقلانيين والروافض، والباطنيين جميعاً.

وكذلك اليوم نشاهد بقايا فلول المعتزلة العقلانيين المعاصرين يلبسون العلمانية ثوباً إسلامياً تحت شعار تقديم الإسلام للغرب بلغة العصر ليرافق روح العصر فيقبله الغربيون، فصدق فيهم قول الشاعر:

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا

فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

2 تاريخ الطبري: 4/ 340.

ص: 28

عنه وأرضاه وهو صائم يتلو كتاب الله، وذلك في شهر ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين للهجرة.

وهنا نقف وقفة لنرى أن هذا الهدف الذي كان قد حدده ابن سبأ لأتباعه إنما هو هدف مرحلي، وأن هدفه الأعظم لم يتحقق بعد، لكنه قطع شوطاً كبيراً للوصول إلى هدفه ذلك، ومن هنا بدأ ابن سبأ يخطط لإكمال مهمته الشاؤولية الإبليسية، فهو لم يكن هدفه كما كان يظهر للناس أن يتولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة إنفاذاً للوصية كما زعم، وإنما كان يعمل لإفساد هذا الدين وتحريفه، ولمّا يكتمل له ذلك.

ولذلك نجده يستغل أول فرصة سانحة عند خروج عائشة رضي الله عنها ومعها جمع من المسلمين وعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان من القتلة، الذين كان أكثرهم من أهل العراق نجد أن ابن سبأ وأتباعه يستغلون هذه المناسبة لإشعال نار الفتنة مرة أخرى، وذلك لما علم باتفاق الفريقين على الصلح، وعرف أن الاتفاق سيكون على رأسه هو وأتباعه، لمّا علم بذلك دبَّر مكيدته مع أتباعه، حيث أرسل مجموعتين من أتباعه تخرج تحت جنح الظلام فتضرب إحداهما معسكر طلحة والزبير ومن معهما، والأخرى تضرب معسكر علي رضي الله عنه ومن معه، وهنا ظن كل فريق أن الآخر غدر به فنشبت الحرب بين الفريقين ووقعت موقعة الجمل ولله فيما قدر وقضى حكمة بالغة.

ص: 29

ولم يزل أمر السبئية يتطور ويستفحل حتى قالوا بألوهية علي رضي الله عنه، ثم تقعَّد مذهبهم وتأسس على تلك المبادئ التي أسسها ابن سبأ، والمتفحص فيها يجد أنها دين آخر اختلقه ابن سبأ وألصقه بآل البيت ظلماً وزوراً.

وحتى يقبل ما جاء به من الضلال، أسس في مذهبه وأتباعه الطعن على الصحابة رضي الله عنهم بالردة والكفر وكتم الوصية وتسعة أعشار القرآن إلى آخر ما أحدثوه في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم صفوة خلق الله بعد الأنبياء والرسل.

ولا زالت الأمة الإسلامية تعاني من آثار تلك الفتنة السبئية إلى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله سبحانه لأن الحركات الباطنية والرافضية كلها من نتاج تلك السبئية البغيضة ولا زالت معاول هدمها عاملة في الأمة الإسلامية، نسأل الله أن يريح الأمة من شرهم وفتنتهم، ونخلص في هذا المثال الذي ضربناه مثلاً لتلك الفرق والطوائف الضالة قديماً بما يلي:

ا- الجذور يهودية..

2-

التخطيط سري ومنظم ومبرمج في مراحل....

3-

الوسائل إلقاء الشكوك وإثارة الشبهات وتحريف الكلم عن مواضعه.

4 -

الهدف: إفساد دين الإسلام وتحريفه.

المثال الثاني: التخطيط الصهيوني الصليبي الحديث:

بعد أن رأينا ذلك المثال القديم وعرفنا من خلال دراسته الموجزة

ص: 30

جداً ذلك التخطيط الرهيب من قبل أعداء هذا الدين الذين ركزوا خططهم فيما أثاروه من شكوك وشبهات حول السنة النبوية المطهرة ورواتها الذين هم واسطة الأمة إلى نبيها في تبليغ رسالته إليهم، وذلك لينفذوا من خلال ذلك إلى رد دين الإسلام أو إفساده وتحريفه، ولكن الله عز وجل تكفل بحفظ دينه الذي جعله خاتم الأديان وناسخاً لها، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.

وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 2.

أنتقل إلى المثال الثاني وهو مثال حي لا زالت الأمة منذ قرنين تقريباً تعايشه وتصطلي بناره، لنرى أن الجذور واحدة والوسائل والتخطيط متشابهة بل ومتطابقة أحياناً، ثم نجد أن الهدف لهؤلاء الأعداء قديماً وحديثاً هو إفساد دين الإسلام وتحريفه.

1 آية 9 من سورة الحجر.

2 آية 8 من سورة الصف.

ص: 31