المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ الرواية الأولى:

‌مدْخل

نظرات فِي حَدِيث أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ

بقلم الطَّالِب: صَالح بن سعيد بن هلابي

كم من حَدِيث اشْتهر فِي بطُون الْكتب واستخرجت مِنْهُ أَحْكَام وقواعد عَامَّة وأصلت مِنْهُ أصُول وَقد يكون ضَعِيفا بل مَوْضُوعا بل رُبمَا لَا أصل لَهُ، ويلاحظ هَذَا كثيرا مَا يَقع فِي كتب الرَّقَائِق والزهد والوعظ والإرشاد والفضائل.

وموضوع حديثنا الْيَوْم هُوَ حَدِيث أَو يُقَال إِنَّه حَدِيث "أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ " وَقد انْتَشَر هَذَا الحَدِيث فِي كثير من كتب أصُول الْفِقْه فِي بَاب الْإِجْمَاع وخاصة إِجْمَاع الصَّحَابَة هَل هُوَ حجَّة أم لَا؟ وَرُبمَا سكت عَنهُ الكثيرون بعد إيرادهم لَهُ وَلست آتِي بِحكم جَدِيد وَإِنَّمَا أَنا ناقل وجامع لبَعض مَا قيل فِيهِ.

وَردت هَذِه الرِّوَايَة بست رِوَايَات مُخْتَلفَة مُتَقَارِبَة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وسأسردها كلهَا إِن شَاءَ الله ونناقشها نقاشاً علمياً من حَيْثُ السَّنَد حَتَّى نَعْرِف مدى مَا تقوم عَلَيْهِ هَذِه الرِّوَايَات من حَيْثُ الصِّحَّة والضعف أَو الْوَضع.

ص: 134

1-

‌ الرِّوَايَة الأولى:

"أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ" قَالَ الْحَافِظ أَبُو عمر يُوسُف بن عبد الْبر النمري الْقُرْطُبِيّ الْمُتَوفَّى سنة 463هـ فِي كِتَابه (جَامع بَيَان الْعلم وفضله) 1 قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد قِرَاءَة مني عَلَيْهِ أَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى حَدثهمْ قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَيُّوب الرقي قَالَ لنا أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار سَأَلتهمْ عَمَّا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

1 ج2ص90 المكتبة العلمية بِالْمَدِينَةِ المنورة.

ص: 134

مِمَّا فِي أَيدي الْعَامَّة يَرْوُونَهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: "إِنَّمَا مثل أَصْحَابِي كَمثل النُّجُوم أَو أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فبأيها اقتدوا اهتدوا".

قَالَ ابْن عبد الْبر: "وَهَذَا الْكَلَام لَا يَصح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي عَن أَبِيه عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَرُبمَا رَوَاهُ عبد الرَّحِيم عَن أَبِيه عَن ابْن عمر وَإِنَّمَا أَتَى ضعف هَذَا الحَدِيث من قبل عبد الرَّحِيم بن زيد لِأَن أهل الْعلم قد سكتوا عَن الرِّوَايَة لحديثه، وَالْكَلَام أَيْضا مُنكر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم". اهـ.

وسنعرف حَالَة عبد الرَّحِيم بن زيد هَذَا بعرضه على كتب أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل كَيفَ تناولوه وشرحوه هَذَا التشريح، قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر1:"عبد الرَّحِيم بن زيد بن الْحوَاري الْعمي بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم الْبَصْرِيّ أَبُو زيد كذبه ابْن معِين من الثَّامِنَة مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ". اهـ.

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر أَيْضا فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب2: "عبد الرَّحِيم بن زيد بن الْحوَاري الْعمي الْبَصْرِيّ أَبُو زيد روى عَن أَبِيه وَمَالك بن دِينَار وَعنهُ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد الْأَزْرَقِيّ وَأَبُو إِبْرَاهِيم الترجماني وَغَيرهم"، قَالَ الدوري عَن ابْن معِين:"إِنَّه لَيْسَ بِشَيْء"، وَقَالَ الْجوزجَاني:"غير ثِقَة"، وَقَالَ أَبُو زرْعَة:"واه ضَعِيف الحَدِيث"، وَقَالَ أَبُو حَاتِم:"يتْرك حَدِيثه مُنكر الحَدِيث كَانَ يفْسد أَبَاهُ يحدث عَنهُ بالطامات"، وَقَالَ الإِمَام البُخَارِيّ:"تَرَكُوهُ"، وَقَالَ أَبُو دَاوُد:"ضَعِيف"،وَقَالَ النَّسَائِيّ:"مَتْرُوك الحَدِيث"، وَقَالَ مرّة:"لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون وَلَا يكْتب حَدِيثه"، وَقَالَ ابْن عدي:"يروي عَن أَبِيه عَن شَقِيق عَن عبد الله غير حَدِيث مُنكر وَله أَحَادِيث لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا الثِّقَات"، وَقَالَ الْعقيلِيّ: قَالَ ابْن معِين: "كَذَّاب خَبِيث"، وَقَالَ عبد الله بن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن أَبِيه:"ضَعِيف"، وَقَالَ السَّاجِي:"عِنْده مَنَاكِير". اهـ. من تَهْذِيب التَّهْذِيب، وَذكره الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه (ميزَان الِاعْتِدَال فِي نقد الرِّجَال)

1 فِي تقريب التَّهْذِيب ج1 ص504.

2 ج6 ص305.

ص: 135