الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا فصل فيما ذكره الحافظ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية في الكلام على الإجماعات، ومن جملتها الكلام على ما ذكره الشيخ الإمام أبو محمد بن حزم.
قال أبو محمد ابن حزم في كتابه المصنف في مسائل الإجماع:
أما بعد:
فإن الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يُرجع إليه، ويُفزع نحوه، ويُكفَّرُ من خالفه إذا قامت عليه الحجة بأنه إجماع
.
وإنا أملنا - بعون الله - أن نجمع المسائل التي صح فيها الإجماع، ونفردها من سائر المسائل التي وقع فيها الخلاف بين العلماء (1)
…
إلى أن قال:
وقد أدخل قوم في الإجماع ما ليس فيه:
فقوم عدُّوا قول الأكثر إجماعا.
وقوم عدُّوا ما لا يعرفون فيه خلافا إجماعا، وإن لم يقطعوا على أنه لا خلاف فيه، فحكموا على أنه إجماع.
وقوم عدُّوا قول الصاحب المشهور المنتشر إذا لم يعلموا له من الصحابة مخالفا إجماعا.
وقوم عدُّوا اتفاق العصر الثاني على أحد القولين (2) أو أكثر كانت للعصر الأول قبله إجماعا.
وكل هذه آراء فاسدة، ويكفي من فسادها أنهم يتركون في كثير من مسائلهم ما ذكروا أنه اجماع، وإنما نَحَوْا في تسمية ما وصفنا إجماعا عنادًا منهم وشغبًا عند اضطرار الحجة والبراهين لهم إلى ترك اختياراتهم الفاسدة.
(1)(ص:7)
(2)
لعل الصواب: " قولين " منكّرة، كما هو في "مراتب الإجماع" طبعة دار الكتب العلمية، وطبعة دار ابن حزم (ص:26)
قال: وأيضا، فإنهم لا يُكَفِّرون من خالفهم في هذه المعاني، ومِن شرط الإجماع الصحيح أن يكفر من خالفه بلا اختلاف من أحد من المسلمين في ذلك، فلو كان ما ذكروه إجماعا لَكُفِّرَ مخالفوهم، بل لَكُفِّروا هم؛ لأنهم يخالفونها كثيرا. (1)
قلت
أهل العلم والدين لا يعاندون، ولكن قد يعتقد أحدهم إجماعا ما ليس بإجماع، لكون الخلاف لم يبلغه، وقد يكون هناك إجماع لم يعلمه، فهم في الاستدلال بذلك كما هم في الاستدلال بالنصوص: تارة يكون هناك نص لم يبلغ أحدهم، وتارة يعتقد أحدهم وجود نص، ويكون ضعيفا أو منسوخا.
وأيضا فما وصفهم هو به قد اتصف هو به، فإنه يترك في بعض مسائله ما قد ذكر في هذا الكتاب أنه إجماع.
وكذلك ما ألزمهم إياه من تكفير المخالف غير لازم؛ فإن كثيرا من العلماء لا يكفرون مخالف الإجماع.
وقوله: " إن مخالف الإجماع يكفر بلا اختلاف من أحد المسلمين " هو من هذا الباب، فلعله لم يبلغه الخلاف في ذلك، مع أن الخلاف في ذلك مشهور مذكور في كتب متعددة، والنَّظَّامُ نفسه المخالف في كون الإجماع حجة لا يكفره ابن حزم والناس أيضا. فمن كفَّر مخالفَ الإجماع إنما يكفره إذا بلغه الإجماع المعلوم، وكثير من الإجماعات لم تبلغ كثيرا من الناس، وكثير من موارد النزاع بين المتأخرين يَدَّعي أحدهما الإجماع في ذلك، إما أنه ظني ليس بقطعي، وإما أنه لم يبلغ الآخر، وإما لاعتقاده انتفاء شروط الإجماع.
وأيضا: فقد تنازع الناس في كثير من الأنواع: هل هي إجماع يُحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماعِ الخلفاء الأربعة، وإجماعِ العصر الثاني على أحد القولين للعصر الأول، والإجماعِ الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل هو شرط في الإجماع، وغيرِ ذلك.
فتنازعُهم في بعض الأنواع، هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع
(1)(ص:9-10)