المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فإن الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يرجع إليه، ويفزع نحوه، ويكفر من خالفه إذا قامت عليه الحجة بأنه إجماع - نقد مراتب الإجماع

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فإن الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يُرجع إليه، ويُفزع نحوه، ويُكفَّرُ من خالفه إذا قامت عليه الحجة بأنه إجماع

- ‌وقوم قالوا: الإجماع هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم فقط

- ‌إنما نعني بقولنا العلماء من حُفظ عنه الفتيا

- ‌وأجمعوا أنه لا يجوز التوضؤ بشيء من المائعات وغيرها، حاشا الماء والنبيذ

- ‌وأما الماء الجاري فاتفقوا على جواز استعماله ما لم تظهر فيه نجاسة

- ‌واتفقوا على أن غسلَ الذراعين إلى منتهى المرفقين فرضٌ في الوضوء

- ‌واتفقوا على أن الاستنجاء بالحجارة وبكل طاهر - ما لم يكن طعاما أو رجيعا أو نجسا أو جلدا أو عظما أو فحما أو حممة - جائز

- ‌واتفقوا أن كل إناء - ما لم يكن فضةً ولا ذهبًا ولا صفرًا ولا رصاصًا ولا نحاسًا ولا مغصوبًا ولا إناءَ كتابيٍّ ولا جلدَ ميتةٍ ولا جلدَ ما لا يُؤكلُ لحمُه وإن ذُكِّيَ - فإن الوضوءَ منه والأكلَ والشربَ جائزٌ كلُّ ذلك

- ‌وأجمعوا أن الحائض - وإن رأت الطهر - ما لم تغسل فرجها أو تتوضأ فوطؤُها حرام

- ‌واتفقوا أن الصلاة لا تسقط، ولا يحل تأخيرها عمدا عن وقتها، عن العاقل البالغ بعذر أصلا، وأنها تُؤَدَّى على قدرِ طاقة المرء من جلوسٍ واضطجاعٍ بإيماء، وكيف أمكنه

- ‌واتفقوا أن المرأة لا تؤم الرجال وهم يعلمون أنها امرأة، فإن فعلوا فصلاتهم فاسدة بالإجماع

- ‌وروي عن أشهب أن من ائتم بامرأة وهو لا يدري حتى خرج الوقت ثم علم فصلاتُه تامةٌ، وكذا من ائتم بكافر وهو لا يعلم أنه كافر

- ‌واتفقوا على أن وضعَ الرأس في الأرض والرجلين في السجود فرضٌ

- ‌واتفقوا على أن الفكرة في أمور الدنيا لا تفسد الصلاة

- ‌واتفقوا على جواز الصلاة في كل مكان ما لم يكن جوف الكعبة، أو الحجر، أو ظهر الكعبة، أو معاطن الإبل، أو مكانا فيه نجاسة، أو حماما، أو مقبرة، أو إلى قبر، أو عليه، أو مكانا مغصوبا يقدر على مفارقته، أو مكانا يستهزأ فيه بالإسلام، أو مسجد الضرار، أو بلاد ثمو

- ‌واتفقوا على أن صلاة العيدين، وكسوف الشمس، وقيام ليالي رمضان، ليست فرضا، وكذلك التهجد على غير النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌واتفقوا أن كل صلاة - ما عدا الصلوات الخمس، وعدا الجنائز، والوتر، وما نذره المرء - ليست فرضا

- ‌واتفقوا أن من أسقط الجلسة الوسطى من صلاة الظهر والعصر والمغرب والعتمة ساهيا أن عليه سجدتي السهو

- ‌واتفقوا أن في مائتي درهمٍ خمسةُ دراهم، ما لم يكن حليَّ امرأةٍ، أو حليةَ سيف، أو منطقةً، أو مصحفًا، أو خاتمًا

- ‌واتفقوا على أن وقت الوقوف ليس قبل الظهر في التاسع من ذي الحجة

- ‌واتفقوا أنه من فعل - مِن كُلِّ ما ذكرنا أنه يجتنبه في إحرامه - شيئا عامدا أو ناسيا أنه لا يَبطُلُ حَجُّهُ ولا إحرامه.واتفقوا أن من جادل في الحج فإن حجَّه لا يبطل ولا إحرامه.واختلفوا فيمن قتل صيدا متعمدا، فقال مجاهد: بطل حجه وعليه الهدي

- ‌قال: ومن عجائب الدنيا أن الآية وردت كما تلونا، فأبطلوا الحج بالرفث، ولم يبطلوه بالفسوق.وقال: كل من تعمَّدَ معصية - أيَّ معصية كانت - وهو ذاكر لحجه منذ يحرم إلى أن يُتِمَّ طوافَه بالبيت للإفاضة ورميَ جمرةِ العقبة فقد بطلَ حجه.قال: وأعجب شيء دعواهم ا

- ‌واتفقوا أن كل صدقة واجبة في الحج أو إطعام، أنه إن أداه بمكة أجزأه، واختلفوا فيمن أدى ذلك في غير مكة - حاشا جزاء الصيد - فإنهم اتفقوا أنه لا يجزئ إلا بمكة

- ‌واتفقوا أن مِن يومِ النحر - وهو العاشر من ذي الحجة - إلى انسلاخ ذي الحجة وقتًا لطواف الإفاضة، ولِما بقي من سنن الحج

- ‌واتفقوا على أن إيجاب الهدي فرضٌ على المحصر

- ‌واتفقوا على أن من حلف لخصمه دون أن يُحَلِّفَه حاكمٌ أو مَن حَكَّمَاه على أنفسهما أنَّه لا يبرأ بتلك اليمين من الطلب

- ‌وأجمعوا على أن كلّ من لزمه حق في ماله أو ذمته لأحد فُرض عليه أداءُ الحق إلى من هو له عليه - إذا أمكنه ذلك وبقي له بعد ذلك ما يعيش به أياما هو ومن تلزمه نفقته

- ‌وأجمعوا أن المملوكة لا يجبر سيدها على إنكاحها، ولا على أن يطأها - وإن طلبت هي ذلك - ولا على بيعها مِن أجلِ منعِه لها الوطءَ والإنكاحَ

- ‌واتفقوا أن التعريض للمرأة وهي في العدة حلال إذا كانت العدة في غير رجعية أو كانت من وفاة

- ‌واتفقوا أن الطلاق إلى أجل أو بصفة واقعٌ إن وافق وقت طلاق، ثم اختلفوا في وقت وقوعه: فَمِن قائلٍ الآن، ومن قائلٍ هو إلى أجله

- ‌واتفقوا أن عِدَّةَ المسلمة الحرة المطلَّقَةِ - التي ليست حاملا، ولا مستريبة، وهي لم تحض أو لا تحيض إلا أن البلوغ متوهمٌ منها - ثلاثةُ أشهرٍ متصلةٍ

- ‌واتفقوا أن استقراض ما عدا الحيوان جائز.واختلفوا في جواز استقراض الرقيق والجواري والحيوان

- ‌واتفقوا أن الوصية بالمعاصي لا تجوز، وأن الوصيةَ بالبِرِّ وبما ليس بِبِرٍّ ولا معصية ولا تضييعا للمال جائزة

- ‌واتفقوا على أنه إن أَعطَى - يعني: من يُقبَلُ منه الجزيةُ عن نفسه وحدَها - أربعةَ مثاقيلَ ذهبٍ في كل عام، على أن يلتزموا ما ذكره من شروط الذمة، فقد حَرُمَ دمُ مَن وفَّى بذلك ومالُه وأهلُه وظُلمُه

- ‌واتفقوا أنه لا يُنَفَّلُ من ساق مغنمًا أكثر من ربعه في الدخول، ولا أكثر من ثلثه في الخروج

- ‌واتفقوا أن الحر البالغ العاقل الذي ليس بسكران إذا أَمَّنَ أهلَ الكتابِ الحربِيِّينَ على أداءِ الجزيةِ على الشروط التي قدمنا، أو على الجلاء، أو أمَّنَ سائرَ الكفار على الجلاء بأنفسهم وعيالهم وذراريهم وترك بلادهم واللحاق بأرض حرب أخرى لا بأرض ذمة ولا ب

- ‌واتفقوا أن أولاد أهل الجزية ومَن تناسل منهم فإن الحكم الذي عقده أجدادهم وإن بعدوا جارٍ على هؤلاء لا يحتاج إلى تجديده مع من حدث منهم

- ‌واتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في

- ‌وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان، ولا في مكانين ولا في مكان واحد

- ‌واتفقوا أنه إذا كان الإمام من وَلَدِ علي، وكان عدلا، ولم تتقدم بيعتَه بيعةٌ أخرى لإنسان حي، وقام عليه من هو دونه، أن قتالَ الآخر واجب

- ‌وإنما أدخلنا هذا الاتفاق على جوازه لخلاف الزيدية: هل تجوز إمامة غير علويٍّ أم لا؟ وإن كنا مُخَطِّئين لهم في ذلك، ومعتقدين صحة بطلان هذا القول، وأن الإمامة لا تتعدى فِهرَ بن مالك، وأنها جائزة في جميع أفخاذهم، ولكن لم يكن بد في صفة الاجماع الجاري عند ا

- ‌واتفقوا أن من خالف الإجماع المتيقَّنَ بعد علمه بأنه إجماع فإنه كافر

- ‌واتفقوا أن السمن إذا وقع فيه فأر أو فأرة، فمات أو ماتت وهو مائع أنه لا يؤكل

- ‌واتفقوا أن مَن نَذَرَ معصيةً فإنَّه لا يجوز له الوفاء بها.واختلفوا أيلزمه لذلك كفارة أم لا؟واختلفوا في النذر المطلق الذي ليس معلَّقًا بصفةٍ، وفي النذر الخارج مخرج اليمين، أيلزم أم لا؟ وفيه كفارة أم لا؟واتفقوا أن مَن نَذَرَ ما لا طاعة فيه ولا معصية

- ‌واتفقوا أن ازالة المرء عن نفسه ظلما بأن يظلم من لم يظلمه قاصدا إلى ذلك لا يحل، وذلك مثل أن يحل عدوُّ المسلمين بساحةِ قومٍ، فيقول أعطوني مال فلان، أو أعطوني فلانا، وهو لا حقَّ له عنده بحكم دين الإسلام، أو قال أعطوني امرأةَ أو أمةَ فلان، أو افعلوا كذا

- ‌اتفقوا أن الله وحده لا شريك له، خالق كل شيء غيره

الفصل: ‌فإن الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يرجع إليه، ويفزع نحوه، ويكفر من خالفه إذا قامت عليه الحجة بأنه إجماع

هذا فصل فيما ذكره الحافظ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية في الكلام على الإجماعات، ومن جملتها الكلام على ما ذكره الشيخ الإمام أبو محمد بن حزم.

قال أبو محمد ابن حزم في كتابه المصنف في مسائل الإجماع:

أما بعد:

‌فإن الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يُرجع إليه، ويُفزع نحوه، ويُكفَّرُ من خالفه إذا قامت عليه الحجة بأنه إجماع

.

وإنا أملنا - بعون الله - أن نجمع المسائل التي صح فيها الإجماع، ونفردها من سائر المسائل التي وقع فيها الخلاف بين العلماء (1)

إلى أن قال:

وقد أدخل قوم في الإجماع ما ليس فيه:

فقوم عدُّوا قول الأكثر إجماعا.

وقوم عدُّوا ما لا يعرفون فيه خلافا إجماعا، وإن لم يقطعوا على أنه لا خلاف فيه، فحكموا على أنه إجماع.

وقوم عدُّوا قول الصاحب المشهور المنتشر إذا لم يعلموا له من الصحابة مخالفا إجماعا.

وقوم عدُّوا اتفاق العصر الثاني على أحد القولين (2) أو أكثر كانت للعصر الأول قبله إجماعا.

وكل هذه آراء فاسدة، ويكفي من فسادها أنهم يتركون في كثير من مسائلهم ما ذكروا أنه اجماع، وإنما نَحَوْا في تسمية ما وصفنا إجماعا عنادًا منهم وشغبًا عند اضطرار الحجة والبراهين لهم إلى ترك اختياراتهم الفاسدة.

(1)(ص:7)

(2)

لعل الصواب: " قولين " منكّرة، كما هو في "مراتب الإجماع" طبعة دار الكتب العلمية، وطبعة دار ابن حزم (ص:26)

ص: 285

قال: وأيضا، فإنهم لا يُكَفِّرون من خالفهم في هذه المعاني، ومِن شرط الإجماع الصحيح أن يكفر من خالفه بلا اختلاف من أحد من المسلمين في ذلك، فلو كان ما ذكروه إجماعا لَكُفِّرَ مخالفوهم، بل لَكُفِّروا هم؛ لأنهم يخالفونها كثيرا. (1)

قلت

أهل العلم والدين لا يعاندون، ولكن قد يعتقد أحدهم إجماعا ما ليس بإجماع، لكون الخلاف لم يبلغه، وقد يكون هناك إجماع لم يعلمه، فهم في الاستدلال بذلك كما هم في الاستدلال بالنصوص: تارة يكون هناك نص لم يبلغ أحدهم، وتارة يعتقد أحدهم وجود نص، ويكون ضعيفا أو منسوخا.

وأيضا فما وصفهم هو به قد اتصف هو به، فإنه يترك في بعض مسائله ما قد ذكر في هذا الكتاب أنه إجماع.

وكذلك ما ألزمهم إياه من تكفير المخالف غير لازم؛ فإن كثيرا من العلماء لا يكفرون مخالف الإجماع.

وقوله: " إن مخالف الإجماع يكفر بلا اختلاف من أحد المسلمين " هو من هذا الباب، فلعله لم يبلغه الخلاف في ذلك، مع أن الخلاف في ذلك مشهور مذكور في كتب متعددة، والنَّظَّامُ نفسه المخالف في كون الإجماع حجة لا يكفره ابن حزم والناس أيضا. فمن كفَّر مخالفَ الإجماع إنما يكفره إذا بلغه الإجماع المعلوم، وكثير من الإجماعات لم تبلغ كثيرا من الناس، وكثير من موارد النزاع بين المتأخرين يَدَّعي أحدهما الإجماع في ذلك، إما أنه ظني ليس بقطعي، وإما أنه لم يبلغ الآخر، وإما لاعتقاده انتفاء شروط الإجماع.

وأيضا: فقد تنازع الناس في كثير من الأنواع: هل هي إجماع يُحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماعِ الخلفاء الأربعة، وإجماعِ العصر الثاني على أحد القولين للعصر الأول، والإجماعِ الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل هو شرط في الإجماع، وغيرِ ذلك.

فتنازعُهم في بعض الأنواع، هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع

(1)(ص:9-10)

ص: 286