الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الأول:
أن يقال أن حجتكم وعمدتكم الأولى في تقديم العقل على النقل أن النقل لم يثبت إلا بالعقل وبعبارة أحدهم: ((فالعقل هو أول الأدلة وليس ذلك فقط بل هو أصلها الذي به يعرف صدقها وبواسطته يكتسب الكتاب والسنة والإجماع قيمة الدليل وحجيته. لأن حجية القرآن متوقفة على حجية الرسالة وهما متوقفتان على التصديق بالألوهية لأنها مصدرها فوجب أن يكون لإثبات الألوهية طريق سابق عليهما وهذا الطريق هو برهان العقل!)) (1) .
وهذه حجة ضعيفة بل مضطربة شرحها أنه إذا كان الإله سبحانه وتعالى يُسْتدل على وجوده وإدراكه بالأدلة العقلية، فإذا ثبت وجوده بها التزمنا ما بعده وهو ثبوت الكتاب والسنة لأن الإله سبحانه أصلها وقد ثبت وجوده بالعقل فيلزم تقديم العقل على النقل.
وهذه الحجة لا تقال إلا لكافر! لا تقال لمؤمن قد ثبت يقينه بوجود الله سبحانه وتعالى وبصفاته وأسمائه أو كما قال ابن القيم ((إن الرجل إما أن يكون مقراً بالرسل أو جاحداً لرسالتهم، فإن كان منكراً فالكلام معه في تثبيت النبوة، فلا وجه للكلام معه في تعارض العقل والنقل فإن تعارضهما فرع الإقرار بصحة كل واحد منهما لو تجرد عن المعارض، فمن لم يقر بالدليل العقلي لم يخاطب في تعارض الدليل العقلي والشرعي وكذلك من لم يقر بالدليل الشرعي لم يخاطب في هذا التعارض، فمن لم يقر بالأنبياء لم يستفد من خبرهم دليلاً شرعياً فهذا يتكلم معه في إثبات النبوات أولاً. وإن كان مقراً بالرسالة فالكلام معه في مقامات:
أحدها: صدق الرسول فيما أخبر به.
الثاني: وهو هل يقر بأنه أخبر بهذا أو لا يقر به؟
الثالث: وهو أنه هل أراد ما دل عليه كلامه ولفظه أو أراد خلافه؟
الرابع: وهو أن هذا المراد حق في نفسه أم باطل؟
(1) تيارات الفكر الإسلامي، لمحمد عمارة (ص70) .
الخامس: وهو أنه هل كان يمكنه التعبير والإفصاح عن الحق أو لم يكن ذلك ممكنا له؟)) (1) . ثم وهو الأهم إذا ثبت وجود الإله سبحانه وتعالى بالعقل وأدلته فيجب أن يقف العقل إلى هذه النقطة ولا يتجاوزها إلى غيرها فهو قائد أمين إلى إثبات وجود الله ودالّ عليه ثم يعود إلى مستقره الطبيعي الذي خلقه الله لأجله ولا يستلزم من إثباته لوجود الله تعالى أن يتجاوز به مقداره فيصبح سلطاناً على الكتاب والسنة، فما دمت أيها العقل قد أوصلتنا إلى معبودنا الذي أرسل إلينا الرسل بوحيه وأمرهم بتبيين ذلك للناس فالتزم ما أمرا به ونهيا عنه ولا تتقدم عليهما.
قال ابن القيم ((قال بعض أهل الإيمان: يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه. وقال آخر: العقل سلطان وَلَّي الرسول ثم عزل نفسه)) (2) .
(1) الصواعق (3/866) .
(2)
الصواعق (3/807) .