المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما يكون فيه حرف اللين مما ليس فيه ساكنان - القوافي للأخفش الأوسط

[الأخفش الأوسط]

الفصل: ‌ما يكون فيه حرف اللين مما ليس فيه ساكنان

يريد: الكلكلِ والعيهلِ والطّول، فثقل، لأنّ قوماً من العرب يقولون: هذا خالدُّ، فيثقلون في الوقف، وأجازوه في الإطلاق. جعلوه كأحرفٍ تزادُ في الكلام مثل ما يلحق من الياء للمدّ مما لم يكن في الكلام. قال الشاعر:

تنفي يداها الحصى في كلِّ هاجرةٍ

نفي الدراهيمِ تنقادُ الصياريفِ

فكما زيدتْ هذه الياء فكذلك بيتُ التثقيل. وقال:

لقد خشيتُ أن أرى جدبَّا

في عامنا ذا بعدما أخصبّا

يريد: جدبا وأخصبا. ثم قال:

ثمَّتَ جئتُ حيَّةً أصمَّا

ضخماً يحبُّ الخلقَ الأضخمَّا

وسمعت من العرب من يقول: الضّخمّا، يريد الضّخم. فهذا أشدّ، لأنّه حرّكَ الخاء، وثقّل الميم.

وقد يجوز في هذا القياس تقييد الطويل إذا كان آخره مفاعيلن، لأنَّه إذا قيد جاء مفاعيل من مفاعيلن، وفعولن، وقد جاء. قال الشاعر:

كأنَّ عتيقاً من مهارةِ تغلبٍ

بأيدي الرِّجال الدافنين ابن عتابْ

وقد فرَّ حصنٌ هارباً وابن عامرٍ

ومن كانَ يرجو أن يؤوب فما آب

فهذا جائز. وكان الخليل لا يجيزه. وأخبرني من سمع قصيدة امرئ القيس هذه من العرب مختلفة، قالوا: فإنما هي على التقييد:

أحنظلَ لو حاميتمُ وصبرتُمُ

لأثنيتُ خيراً صادقاً ولأرضان

ثياب بني عوفٍ طهارَى نفيَّةٌ

وأوجهُهُمْ بيضُ المشاهدِ غرَّانْ

ولا يحمل هذا على: جحر ضبّ ضربٍ، لأنَّ ذل ليس بقياسٍ، والتقييد في هذه القصيدة قياس. وقد قال فيها:

وأنعمَ في حال البلابلِ صفوانْ

ويجوز ذلك في الرَّملِ الذي على أربعة أجزاءٍ، نحو قوله:

قيلُ، قمْ فانظرْ إليهم

ثم دع عنك السّمودْ

لأنَّه إذا جعله فاعلانْ صار بين فاعلاتُن وفاعلنْ. فهو مثل ما جاء في القياس، ولم نسمعه. ولا أراه إلَاّ لقلَّة هذا الشعر وضعفه. وكان في الكامل أجود، لأنَّ الجزء الذي في الكامل زائدٌ. وأنت إذا قيّدتَ هذا نقصته، فهو أضعف.

ولا يجوز أن تكون الياءُ في قول الشاعر:

بازل عامين حديثٌ سنِّي

لمثلِ هذا ولدَتْني أمِّي

هي الرِّويِّ فيكونَ مقيَّداً، لأنَّه في بنائه شيءٌ أقصرُ منه، فيذهب هذا عنه حتى يصير بينه وبين مستفعلن. والميم والنون هما الرّوي. واختلفا كما ذكرت لك من اختلاف حرف الرّويّ، نحو قوله:

إذا نزلتُ فاجعلاني وسطا

إنِّيَ شيخٌ لا أطيقُ العنَّدا

وليس هذا مثلَ: على حمزهُ، لأنَّ الزايَ هو الرّويّ. وهذا مطلقٌ. وهو إذا جعل الياء هي الرّويّ كان مقيّداً، ولا يجوز تقييده كما لا يجوز تقييدُ: من لم تزوّد، و: من الناتج، لأنَّ تعديل أنصاف الأوائل بأواخرِها أن تطلق. فإذا وصلتَ إلى الإطلاق لم يجز التقييد.

‌باب

‌ما يجتمع في آخر ساكنان في قافية

وذلك لا تبنيه العرب إلاّ أن يجعلوا الأوّلَ منهما حرف لين. كذلك قالوه في جميع أشعارهم. وذلك نحو فاعلان في الرّمل، ومستفعلان وزحافه في البسيط، ومتفاعلان وزحافه في الكامل، وفاعلان ومفعولان في السريع، ومفعولان في المنسرح، وفعول في المتقارب. كلّ هذا لا يكون الحرف الذي يلي آخر حرف منه إلاّ حرف مدّ، لأنّه لمّا اجتمع ساكنان كان ذلك ممّا يثقلُ، ولا يكون إلاّ في الإدراج. والقصيدة عندهم بيوتها مدرجةٌ بعضها إلى بعض. فأدخلوا المدّ واللّين ليكونَ عوضاً من ذهاب التحريك وقوةً على اجتماع الساكنين.

وقد جاء بغير حرف لين، وهو شاذّ، لا يقاس عليه:

أرخينَ أذيال الحقيِّ واربعنْ

مشيَ حييّاتٍ كما لمْ يفزعنْ

إنْ تمنعِ اليومَ نساءٌ تمنعنْ

وقد أخبرني من أثقُ به أنِّه سمع:

أنا جريرٌ كنيتي أبو عمرو

أجبنُاً وغيرُه تحت السّترْ

وقد سمعتُ من العرب:

أنا ابن ماويّةَ إذْ جدَّ النَّقر

اسكن القاف. وهي في مستفعلان وما أشبهه ممّا زاد على الجزء أمثلُ، لأنّه لم ينقص منه شيء فيستدرك بالمدّ. وتركُ اللّين في فاعلان في الرّملِ وما أشبهه أقبحُ منه، لأنّه منقوصٌ من فاعلاتن، فترك المدّ فيه أقبحُ، لمّا نقص. وكذلك كلُّ ناقصٍ

‌هذا باب

‌ما يكون فيه حرف اللين مما ليس فيه ساكنان

ص: 15

وذلك كلّ شعر نقص من آخره من أتمِّ بنائه حرفٌ متحرّكٌ أو زنةُ متحرّك. ولا يحتسب في ذلك بما يقع للزحاف. من ذلك فعولن في الطويل، لا بدَّ فيها من حرف لين، لأنها ناقصةٌ ومن مفاعيلن، بينها وبينه حرفان، الساكن منهما قد يقع للزحاف. فإنما يحتسبُ بالمتحرّك.

ومنه فعلنْ في البسيط، لا يد فيه من حرف لين، لأنَّ أصله فاعلن، فألقيت النونُ، وأسكنت اللام، فقد ذهبَ ساكنٌ وحركة، وتانكَ زنة متحرّك. وقد جاء فيه فاعلن، سمعناه من قاتله:

وبلدة قفرةٍ، تمسي الرياحْ بها

لواغباً، وهي ناءٍ عرضُها خاويَهْ

قفرٍ عقامٍ، ترى ثورَ النِّعاجِ بها

يروحُ فرداً، ويلقى إلفَه طاويهْ

وأما فعلن فيكون في المديد، فيكون بغير حرف لين، لأنَّه كثرَ نقصه من فاعلاتن أن يدرك بحرف لين، وإن كانوا قد يلزمون حرفَ اللّينِ الشعرَ الضعيف القليلَ ليكون أتمَّ له وأحسنَ. فممّا قيلَ بغير حرف لين قوله:

دينَ هذا القلبُ من نعمٍ

بسقامٍ ليس كالسُّقمِ

إنَّ نعماً أقصدتْ رجلاً

آمناً بالخيفِ أنْ ترمي

وكذلك فعولنْ في البسيط يكونُ بغير حرف لين، لأنَّه قد جزئ وكثرَ نقصانه بأن ذهب منه جزءٌ لا يدركُ ذلك بحرف لينٍ.

وكذلك مجزوء الوافر يكونُ بغير حرف لين. قال الشاعر:

ألا من نعى الأخوي

نِ أمُّهما هي الثَّكلَى

تسائلُ منْ رأى ابنيْها

وتستشفَي فلا تُشفى

وفعولُن في الوافر لا بدَّ فيه من حرفِ اللّين وقد جاء بغير لين. أخبرني بهما من سمعهما من العرب بغير لين، وكذا وصفهما الخليل بغير لين.

وأمّا فعلاتن في الكامل الذي على ستّة فلا يكون إلاّ بحرف لين، لأنَّك أذهبت من متفاعلنْ التّنوينَ، وأسكنتَ اللام، فذهب منه متحرّكٌ. وقال امرؤ القيس هذا البناءَ بغير لين. قال:

ولقدْ رحلتُ العنسَ ثم زجرْتُها

قدماً، وقلتُ: عليكِ خيرَ معدِّ

و:

وعليكِ سعدَ بنَ الضِّبابِ، فسمِّحي

سيراً إلى سعد، عليكِ بسعدِ

قال بعضهم: إنّما ألقى عين متفاعلنْ. وهو مذهبٌ. وكذلك مفعولن فيه.

وأمّا فعلاتن ومفعولن في الذي على أربعة أجزاء منه ففي القياس أن يكون بغير حرف لين لأنه نقص مه ما لا يدرك بحرف لين. ولم نسمعه بغير حرف لين. وذلك أنه شعرٌ ضعيف قليل، قد نقصوه، فأرادوا أن يعدِّلوه حتى يكون النصفُ الآخرُ مثلَ الأوَّلِ. فإذا جاءَ فأجزه.

وأما مفعولن في الرّجز وفعولن فلا يكون إلَاّ بحرف لين، لأنّك أسقطت نون مستفعلن، وأسكنت اللام. فذهب منه زنةُ متحرك.

وأمّا فعولن في الهزج فمن جعله مجزوءاً لم يجعله بحرف لين. وينبغي أن يكون مجزوءاً، لأنّه لا يكادُ يجيء شعر من أشعار العرب فيه نحو هذه الأجزاء إلَاّ قد بني على ستة أجزاء. فإن لم تأخذ بهذا تركت أشياء من المقاييس. ومن قال إنّ فعولن ناقصةٌ من مفاعيلن، ليس بمجزوء لزمه حرفُ اللّين.

وأما فعلن في السريع فيكون بغير لين، لأنَّهم قد نقصوا من الجزء ما لا يدرك بحرف لين.

وكذلك مفعولن في المنسرح الذي على جزءين، لأنَّه قد كثر نقصانه.

وفعولن في الخفيف يكون بغير لين، لأنَّه كثرَ نقصه.

وفاعلاتن في المضارع يكون بغير لين، لأنَّه إن كان مجزوءاً فقد كثرَ نقصانه. وإن كان تاماً لم يحتج إلى ذلك فيه.

وكذلك فاعلاتن في المجتثّ يكون بغير لين. أخبرنا من يوثق به أنَّ قوله:

جنٌّ هببنَ بليلِ

يندبن سيِّدَ هنَّهْ

معروفٌ في شعر العرب. وليس في ذا حرف لين.

وأما فاعلن في السريع فلمَّا نقصوه من فاعلان لم يصلوا فيه إلى حرف اللّين، لأنَّ في آخره حرفين متحرّكين، فلو أدخلوا حرف اللّين لم يكن بدٌّ من حركته. وإذا تحرّكَ ذهب منه المدُّ.

وأمّا مفاعلن في الطويل فإنَّه سقط منه ما كان يسقط للزحاف، وذلك لا يحتسب به. فإن قلت: هلَاّ قيّدتَ

ويأتيكَ بالأخبارَ منْ لم تزوِّدِ

حتى يكون فعولنْ وقيَّدتَ

لا تكسعِ الشَّولَ بأغبارها

إنَّكَ لا تدريَ منِ الناتجُ

ص: 16