المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إجماع العرب في الإنشاء واختلافها - القوافي للأخفش الأوسط

[الأخفش الأوسط]

الفصل: ‌إجماع العرب في الإنشاء واختلافها

وتركتَ اللّينَ، لأنك اضطررتَ إلى تركه كما تركته في المتحركين. فإنك لو فعلت ذلك كنت غير معدّل للبيت. وأحسن الشعر عندهم أن يكون معتدلاً. فإذا وصولا إلى الذي هو أحسنُ لم يصنعوا الذي هو أقبحُ. وهم إذا تركوا حرف اللّين من قولك: من الناتجُ، وأشباهه، ولم يطلقوه لم يكن مثلَ النّصف الأوّل.

‌هذا باب

‌إجماع العرب في الإنشاء واختلافها

أمّا إذا أرادوا الحداء والغناء والتّرنّم فإنَّ كلهم يتبع الرّويّ المضمون واواً، والمفتوح ألفاً، والمكسور ياء، والساكن إذا كان مطلقاً ياء في الوقف والوصل، فيما ينّونُ منه وما لا ينوّن. فمن ذلك قوله:

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

وقوله:

أعطى فأعطَى حسبَاً ورزْقا

وقوله:

أطرَباً وأنتَ قنَّسريُّ

وما لا ينوَّن:

الحمدُ لله الوهوبِ المجزلِ

وقوله:

أقلِّي اللومَ، عاذلَ، والعِتابا

وقوله:

أفاطمَ، مهلاً بعضَ هذا التَّدلُّلِ

وإنّما ألحقوا هذه الحروفَ التي يجري فيها الصوت إذا أرادوا الترّنّم لأنّ الصوت لا يجري في غيرها. فلمّا أرادوا التّرنّم ألحقوا هذه الحروف التي يجري فها الصوت.

فأمّا إذا لم يريدوا التّرنّم فأهل الحجاز يتركونه على حاله في التّرنّم، ليفصلوا الشعر من غيره. وأمّا ناسٌ كثيرٌ من تميمٍ وقيسٍ فإنّهم إذا لم يريدوا التّرنّم جعلوا الذي يلحقون نوناً. فيقولون:

داينتُ ليلى، والدُّيونُ تقضنْ

و:

الحمد للهَ الوهوبِ المجزِلِ

و:

متى كانَ الخيامُ بذي طلوحٍ

سقيتِ الغيثَ أيَّتُها الخيامُنْ

يفعلون هذا في الوصل. وربما فعله بعضهم في الوقف، لأنَّه يريد الوصلَ، فينقطع نفسه.

وبعضهم يقف على المنصوب، منوّناً كان أو غير منوّن، بالألف، فيقول:

أقلِّي اللومَ، عاذلَ، والعتابا

وإذا وقفَ في الرّفع والجرِّ أسكنَ، فقال: أيّتها الخيامْ

أفاطمَ، مهلاً بعضَ هذا التَّدَلُّلْ

وسمعت من العرب من يقف على الرّويّ المنصوب، إذا كان من الفعل، أو من شيء لا يدخله تنوينٌ في وجه من الوجوه، بالتنوين فيقول:

ولا تبقي خمورَ الأندَرينْ

وينشدون:

أهدمُوا بيتكَ لا أبالكْ

وحسبوا أنَّكَ لا أخالكْ

وأنا أمشي الدَّألَى حوالَكْ

فلا يلحقونَ الألفَ. وهذا لا يكون إلَاّ مطلقاً، إلَاّ أنَّهم يريدون الوقف. وقال هؤلاء:

بشبّان يرون القتل مجداً

وشيبٍ في الحروبُ مجرَّبينْ

يسكت بغير ألفٍ، لأنَّ هذا لا يدخلُه تنوينٌ بوجه من الوجوه، وأما:

تسفُّ الجلَّةُ الخورُ الدَّرِينا

فيقفون عليه بالألف في وقفه، لأنَّه لو لم يكن بالألف واللام كان منوَّناً. وكلُّ ما كان كذلك ألحقَ الألفَ في وقفه. ويقول هؤلاء:

أقلِّي اللّومَ، عاذلَ، والعتابا

لأن العتابَ إذا لم يكن بألف ولام كان منوّناً، فلذلك ألحقوه الألف في السّكتِ.

وإنما أدخل من أدخل النونَ لأنَّه رأى أنّ الكلام إذا وصل نوّن فنوّنه. وقد دعاهم ذلك أن نوّنوا المقيّد. أخبرنا يونس وغيره ممّن يوثق به أنَّ رؤبة كان يقول:

وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقنْ

لأنَّه كان اعتادَ التنوين في الوصل. والرّويّ يجري فيه المنوّن وغير المنوّن مجرىً واحداً. فلذلك نوّن. وقد دعاهم ذلك إلى أن قالوا:

لمّا رأيتُ الدهرَ جمّاً خيلُهو

فألحقوا الواوَ في الوصل، لأنَّهم قد اعتادوا زيادتها في الكلام جعلوها كبعض ما يزاد في الشعر، ولا يحتسب به.

وأمّا إدخالهم الواو والياء والألف في الوقف فكما قال ناسٌ من العرب: هذا زيدو، ومررتُ بزيدي.

وسمعنا من العرب من يجري الرّويّ في الوقف مجراه في الكلام، فيقول:

أقلِّي اللَومَ، عاذلَ، والعتابْ

و:

سقيتِ الغيثَ أيَّتُها الخيامْ

و:

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزِلْ

و:

قد رابني حفصٌ، فحرِّكّ حفصْ

فإذا وصل ألحق المضموم واواً، والمفتوح ألفاً، والمكسور ياء. وكذلك الساكن إذا كان مطلقاً. وهؤلاء من قيس.

وقد يجرون الواو والياء إذا كانتا من الأصل، وكانتا وصلاً، مجرى المدَّتين. فإذا وقفوا عليهما وقفوا كما يقفون على الزائد، فيحذفهما من يحذف الزائد، فيقول:

ص: 17

ولأنت تفري ما خلقتَ وبعض القوم يخلق ثم لا يفر ولو كانت يدعو في قافية أجروها هذا المجرى. فإذا كانتا روياً لم تحذفا، لأنَّهما بمنزلة قاف:

وقاتم الأعماقِ خاوي المخترَقْ

وهذه الواوُ والياء لا تحذفانِ في الكلام. فإذا كانت ياء لا تحذف في الكلام فهي في الرّويّ أجدر أن لا تحذفَ، نحو ياء القاضي.

فأمّا يخشى ويقضي فأجريت مجرى زيد، فلا تحذف في الوقف، لأنَّ ألف زيداً لا تحذف في الوقف، فلا تكون التي من الأصل أسوأ حالاً منها، وهي تثبت في الكلام. لا يقول أحدٌ إلَاّ

داينتُ ليلى، والدُّيون تقضَى

وقد أجرى قومٌ واو الإضمار وياء الإضمار مجرى هذا. أخبرني من أثق به عن العرب أنّه سمع منهم:

وهمْ وردُوا الجفارَ على تميمٍ

وهمْ أصحابُ يومِ عكاظَ، إنْ

يريد: إنِّي. وقالَ:

جزيتُ ابنَ أوفى بالمدينةِ قرضهُ

وقلتُ لشُفاع المدينةِ: أوجفْ

يريد: أوجفوا وإنّما أجروا هذه الياء والواو مجرى الزائدتين اللتين هما مدّتان، لأنّهما مثلهما في اللفظ والمدّ. وذلك قليل ضعيف، لأنّ هذه الياء والواو واللّتين للإضمار جاءتا لمعنى كما جاءت الهاء في قوله:

كما رأيتُ الدهرَ جماً خبلُهْ

فهذه الهاءُ لا يحذفُها كلُّ أحدٍ، إلَاّ أنَّهم زعموا أنَّ حذفَها روي، ولم نسمعه من ثقة. وهو قبيحٌ لأنَّ الهاءَ ليست بحرفِ مدّ. وقد جاء بيتٌ مقيّدٌ حذفوا فيه واو الجمع، سمعتُه من غير ثقة:

كريمةٌ قدرتُهمْ إذا قدرْ

وهو في القياس جائزُ فإذا جاء مثله فأجزهُ.

واعلم أنَّ المجزوم والساكن يوضعان في القوافي المجرورة، لأنَّ الشعر موضع اضطرار. وهم إذا اضطرُّوا إلى حركة الساكن حرّكوه بالجرّ، إلا أن يكون ساكنٌ أصلُه الضّمُّ، نحو مذ، إذا اضطررتَ إليه في القوافي ضممته، كما تقولُ مذ اليوم، فتحرّكه بالضمِّ. وإذا كان ساكنٌ أصله الفتح فاضطررت إليه في القوافي فتحته، نحو من، لو اضطررت إليها في القوافي فتحتها، فقلت منا، كما تقول من القوم. وإن شئت كسرتَ من، لأنًّهم قد قالوا من القوم، ومن

وإذا أطلقت شيئاً من بنات الواو والياء مجزوماً ألحقته ما يكون فيه في الرفع والجرِّ والنصب. تقول: لم يغزو، ولم يقضي، ولم يخشى، إذا كانت في قافية. وإنّما ألحقوا هذه الحروف من المدّ في القوافي ليبيّنوا أنّهم في شعر، وأنّهم يريدون أن يصلوه بكلام، كما قال بعضهم، قالا: وهو يريد قال. ولكنّه أراد الوصل، فجعل المدّة دليلاً عليه.

تم كتاب القوافي بحمد الله ومنَّه هذا آخر الكتاب في أكثر النسخ. وقد يوجد في بعض النسخ بعد هذا الموضع زيادةٌ عن الأخفش أيضاً، وهي: قال أبو الحسن سعيدٌ: وإذا كان آخر الحروف هما أو همو للمضمر فلا يكون حرف الرّويّ إلاّ الميم، لا يجوز غير ذلك.

وأمّا هو وهي فلا يجوز أن يكون ما قبل الهاء حرف الرّويّ، وتكون الهاء وصلاً، وتكون الياء والواو خروجاً، لأنَّ الياء والواو أصلُهما التحرك. وإن شئت جعلت الياء والواو حرف الرّويّ، وكان مقيّداً. وإن شئت أطلقتَ فقلتَ: هيا وهوا، الياء والواو حرف الرّويّ. ولا تكون الهاءُ حرف الرّويّ، لأنَّ والواو متحرّكتان. ولا تكون الواو والياء إذا تحرّكتا وصلاً.

فإن قلت: إني أسكن الواو والياء وأجعل الهاء حرف الرّويّ، فإنَّ ذلك لا يجوز إلا أن يكون ما قبل الهاء ساكناً، نحو: كما هي وألا هو. فإن تحرّك ما قبلها وأجزت إسكان الياء والواو، نحو: قال هو، وتقول هي، صارت الهاء حرف الرّويّ، والياءُ والواو وصلاً. ولا تكون الهاء وصلاً، لأنّ المنفصل لا يكون وصلاً.

وقد جعلوا الهاء حرف الرّويّ في قوله:

قالت أبيلي لي ولم أسبّهِ:

ما السِّنُّ إلَاّ غفلةُ المدلَّهِ

ولا تكون الهاء في نحو هي وهو، إذا تحرَّكَ ما قبلَها أو سكنَ، إذا كانت مفصولةً، وصلاً. إلَاّ أنَّها قد وجدناها، وما قبلها متحرِّكٌ، حرف الرّويّ. وقد مضى ذكر ذلك.

هذا آخر الزيادة. والأشبه أن تكون من تعليق الكتاب عن أبي الحسن، غير أنّها من أجود ما تضمّنه هذا الكتاب.

نجز على يد العبد الضعيف أحمد بن عبد الله بن عبد الله الأندلسي الواديآشي، عفا الله عنه، وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين.

الحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلّم

ص: 18