الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يلحق آخر الشطر
التقفية والتصريع
والإقعاد، والتخميع، والوقف
للقافية موضعان، أحدهما يستعمل فيه على سبيل الاستحباب، وآخر يستعمل فيه على سبيل اللزوم.
فالذي يستحب فيه عروض البيث، والذي تلزم فيه ضربه، ومن ألزم نفسه النظر في هذا العلم فلا بد له من المعرفة بأحكام هذين الموضعين.
فصل: فأما التقفية فأن يأتي الشاعر في عروض البيت بما يلزمه في ضربه من غير أن يرد العروض إلى صيغة الضرب مثال ذلك قول الشاعر في ثاني الطويل:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ وَمَنزِلِبِسِقْطِ اللَّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فالتقفية إيتاؤه في قافية النصف باللام التي هي الروي والباء هي الوصل.
وهذان الحرفان هما اللذان لزماه في القافية. ومع ذلك فسلم بغير صيغة العروض، لأن العروض مفاعلن والضرب مفاعلن.
ومثله قول النابغة في البسيط:
يَا دَارمَيَّةَ بالْعلْياءِ فَالسَنَدِ
…
قَوَتْ وَطالَ عَلَيْها سالِفُ الأبَدِ
فنصف البيت فعلن وآخره فعلن بكسر العين أيضاً، وقد التزم في النصف الدال والباء اللذين لزماه في الآخر.
فصل: وأما التصريع فهو أن يغير صيغة العروض فيجعلها مثل صيغة الضرب، ويستصحب اللوازم في الموضعين.
مثال ذلك قول الشاعر في أول الطويل:
أَلا أَنْعِمْ صَباحاً أَيُّهَا الطَلَل البَالِيوَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخَالي
فقد جعل في نصف البيت مفاعيلن كآخره بسبب التصريع، ولولا ذلك لكان في نصف البيت مفاعلن مقبوضاً: ألا تراه يقول في هذه القصيدة:
وَلَوْ أَنَّني أَسْعَى لأِدْنَى مَعِيشَةٍكَفَانِي، وَلَمْ أَطْلُب قَلِيلٌ مِنَ المَالِ
فوزن معيشة مفاعلن، وقد أتى فيها بتصريع بعد البيت الأول، فقال:
أَلا إِنني بالٍ على جَمَلٍ بَالٍ
…
يَقُودُ بِنَا بَالٍ وَيَتْبَعُنَا بَالِ
فأنى في العروض بمفاعيلن. ومثله قول جرير في البسيط الثاني:
بَانَ الخَلِيطُ ولو طُوِّعْتُ مَا بَانَا
…
وَقَطَّعُوا مِنْ حِبَالِ الوَصْلِ أَقْرَانَا
فأتى بالقطع في النصف كما أتى به في الآخر، وهو أن يعود فاعلن إلى فعلن ساكنة العين.
ولولا التصريع لأتت العروضى مخبونة كقوله:
يا أُمَّ عَمْرٍو جَزَاكِ اللهُ مَغْفِرَةً
…
رُدِّي عَلَيَّ فُؤَادي كالَّذِي كانَا
فقوله فرة فعلن وهذا قد استعمله القدماء والمحدثون.
التقفية والتصريع في غير البيت الأول كثير، وليس عيبا، بل هو دليل على البلاغة والاقتدار على الصنعة. ويستحب أن يكون ذلك عند الخروج من قصة إلى قصة.
والتصريع مأخوذ من مصراعي الباب. والأصل في ذلك صرعا النهار وهما الغداة والعشي. وإنما حسن هذا في استفتاح الشعر والقصة، لأن البيت الأول بمنزلة باب القصيدة والقصة الذي يستفتح به.
فصل: وأما الإقعاد فهو يدخل في العروض من غير تقفية ولا تصريع يوهم سامع النصف الأول أن الشاهر يأتي بالثاني موافقاً له، فيأتي به خلاف ذلك.
مثال قول النابغة:
جَزَى اللهُ عَبْساً، عَبْسَ آل بَغِيضٍ
…
جَزَاءَ الكِلَابِ العَاوِياتِ وَقَدْ فَعَلْ
فيظن سامع نصف هذا البيت أول وهلة أن الشاعر قد استفتح شعراً مصرعاً من ثالث الطويل ثم يأتي المنشد بنصفه الثاني فيكون مقيد ثاني الطويل، لأن العروض في هذا البيت فعوان وذلك لا يكون في الطويل إلا في الثالث إذا كان مصرعاً. والضرب مفاعلن، وذلك لا يكون إلا لثانيه. ومثله.
إذا ما اتَّصَلْتُ قُلْتُ يآل تميمٍ
…
وَأيْنَ تَميمٌ مِنْ مَحَلّةِ أَهْوَدَا
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
دُمْيَةٌ عِنْدَ رَاهبٍ قسِّيسٍ
…
صَوَّروهَا في جَانب المِحْرَابِ
فهذا من الخفيف وفيه تشعيث في العروض. وهو رد فاعلاتن إلى مفعولن. وهذا لا يحسن إلا في التصريع. ومثله من الخفيف أيضاً:
أَسَدٌ في اللِّقَاءِ ذُو أشْبَالٍ
…
وَرَبيعٌ إن شَعَّبَتْ غَبراءُ
ومثله من الطويل لعامر بن جوين:
خَلِيليَّ كَمْ بِالجِزْعِ من مَلْكاتٍ
…
وَكَمْ بِالصَّعِيدِ من هِجانٍ مُؤبَّلةٌ
ومثله:
وَمَصَابِ غَادِيَةٍ كَأَنَّ تِجَارا
…
نَشَرَتْ عَلَيْهِ بِزَّهَا وَرِحَالها
فالنصف الأول مصرع الكامل الثامن والنصف الثاني من الكامل الأول: ومثله:
لَمَّا رَأتْ مَاءَ السَّلَى مَشْرُوبَاً
…
وَالفَرْثَ يُعصَرُ بالأكُفِّ أَرَنَّتِ
ومثله من الكامل أيضاً قول حميد:
إنِّي كَبُرْتُ وَإنَّ كلَّ كَبيرٍ
…
مِمَّا يُظَنُّ بِهِ يَملُّ وَيَفْتُر
وهذا عند الخليل إقعاد، وعند أبي عبيد وأبي عبيدة إقواء.
فصل: وأما التخميع فهو أن يخلى الشاعر عروض البيت من التصريع والتقفية، ويدرج الكلام فيكون وقوفه على القافية، وقد استعمل ذلك الشعراء المجودون من القدماء والمحدثين.
قال الشنفرى:
أَقِيموا بَني أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
…
فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِواكُمْ لا مْيَلُ
وقال متمم بن نويرة:
لَعَمْرِي وَمَا دَهْرِي بِتَأبِينِ مَالِكٍ
…
ولا جَزَعاً مِمَّا أصَابَ فَأوْجَعَا
وهذا كثير جداً وسمي تخميعا مأخوذاً من الخماع الذي هو العرج، ومن ذلك قيل للضياع الخوامع.
فصل: وقد أجاز بعضهم الوقوف في نصف البيت على الحرف المشدد بالتخفيف، وإن لم يكن فيه تصريع، اقتداء بالوقوف على المشدد في القافية لأن الأنصاف تحمل ما تحتمله الأواخر، قال: وكما يجوز الابتداء في نصف البيت الأخير بالضرورة، يجوز الوقوف في نصفه عليها. ومثال هذا أن يقول القائل:
إنَّ فِعْلَ الخَيْرِ أَحْرَى وأَسَدّْ
…
وَعَلى الإنْسَانِ إصْلاحُ العَمَل
وهو ضرورة قبيحة.
فأما الوقوف على الحرف المشدد إذا كان في ضرب البيت، فالصواب فيه أن يوقف عليه بالتخفيف إلا ما كان من المترادف ودخل عليه الإصمات والتقى فيه حرفان مثلان، فإنه لو قال:
إن يُحْصَنِ اليَوْمَ نِساءٌ يُحْصَنّْ
لكان الصواب الوقوف عليه بالتشديد.
وحدثني الشيخ أبو العلاء - رحمه الله تعالى - قال: وجد بخط ثعلب تشديده على الروى في قول لبيد:
يَلْمَسُ الأحْلَاسَ في مَنْزِلِهِ
…
بِيَدَيْهِ كاليَهُودِيِّ المُصَلّْ